‏إظهار الرسائل ذات التسميات الصفحة الرئيسة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الصفحة الرئيسة. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 20 يوليو 2023

كيف نهتدي بالقرآن؟

 ‏س: كيف نهتدي بالقرآن؟

الجواب: من أهمّ المعارف التي يحتاجها المسلم معرفة كيف يهتدي بالقرآن، وتلخيص ذلك في أربعة أمور:
1-تصديق أخباره
2-وعَقْل أمثاله
3-وامتثال أوامره
4-واجتناب نواهيه

‏القرآن فرقان بين الهدى والضلال، والاهتداء به واجب لأنّ تركه يوقع العبد في الضلال وما يترتّب عليه من سخط الله وعقابه، ولا سبيل للسلامة إلا باتباع هدى القرآن. قال الله تعالى: {إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحقّ فمن اهتدى فلنفسه ومن ضلّ فإنما يضلّ عليها}
‏وقال تعالى آمراً نبيه ﷺ أن يقول:{وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فلنفسه ومن ضلّ فقل إنما أنا من المنذرين}، وقال تعالى: {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين . يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم}.

‏‏وفضائل الاهتداء بالقرآن عظيمة كثيرة؛ فهو السبيل لرضوان الله تعالى وما يتبعه من بركات، وبه يزداد المؤمن هدى وإيماناً وعلماً وحكمة ويجد ما وعد الله به عباده الذين يتلونه حقّ تلاوته حقّاً وصدقاً فهو لهم هدى وبشرى، ورحمةٌ وذكرى، وشفاء وفرقان، ونور وبيان إلى سائر ما وصفه الله كتابه، والإعراض عن الاهتداء بالقرآن جريمة توعّد الله عليها بالانتقام كما قال تعالى: {ومن أظلم ممن ذكّر بآيات ربّه ثمّ أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون} فسمّى المعرض مجرماً وتوعّده بالانتقام.

وبذلك يتبيّن خطر هجر تلاوة القرآن فإنّه سبب لأنه يؤول بصاحبه إلى هجر العمل به والإعراض عنه.
‏فلذلك كان من أهمّ المهمّات للمؤمن أن يتفقّه في سبيل الاهتداء بالقرآن ليدرك ما يمكنه إدراكه من فضائل الاهتداء به، ويسلم من خطر الإعراض عنه إعراض تلاوة أو إعراض تفكّر وتدبّر أو إعراض عمل. ومداره على الأصول الأربعة المتقدّم ذكرها.

‏‏الأصل الأوّل: التصديق وذلك بأن يتلقّى ما في القرآن بتصديق مطلق لا ارتياب فيه، وقبول تامّ لا تردد فيه، وفرحٍ بما جعل الله فيه من الهدى والنور، والعلم والحكمة. فإذا عظمت هذه المعاني في القلب عظم أثر تصديقه، وازداد إيمانا وتوفيقاً وقرباً من الله تعالى بكل تصديق يتجدد في قلبه. وكلما كان العبد أحسن تصديقاً كان اهتداؤه بالقرآن أرجى وأحسن كما قال تعالى:{والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون * لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين * ليكفّر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون}، قال مجاهد: هم أهل القرآن يجيئون به يوم القيامة.

‏فتبيّن أن التصديق الحسن يبلغ بصاحبه مرتبة الإحسان التي هي أعلى مراتب الدين من وجهين:
1:أن الله سمّاه محسناً في قوله: {ذلك جزاء المحسنين}
2:أن الله يكفّر عنه سيئاته؛ فمن كفّر الله عنه سيئاته قَدِمَ يومَ القيامة ليس معه إلا الحسنات؛ فيكون بذلك من أهل الإحسان لأن سيئاته قد كُفرت عنه
‏‏ومن أوتي التصديق الحسن المثمر لليقين فقد أوتي أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده، وهي نعمة اليقين؛ كما في الحديث الصحيح: «سلوا الله العفو والعافية فإنَّ الناسَ لم يُعْطَوا بعد اليقين شيئاً خيراً من العافية» فقدّم نعمة اليقين على نعمة العافية.

ومن ثمرات التصديق الحسن أن الله يكفي عبده ما أهمّه كما قال الله تعالى بعد الآيات المتقدّم ذكرها: {أليس الله بكافٍ عبده ويخوفونك بالذين من دونه} الآيتين. ومن حصلت له الكفاية من الله فقد هُدِيَ ووُقِي؛ فتبيّن بهذا أنّ أعظم الناس اهتداء بالقرآن هم أصحاب التصديق الحسن.
‏والتصديق الحسن يثمر في قلب صاحبه اليقين وصدق الرغبة والرهبة؛ فيحصل له من البصائر والبينات ما ترتفع به درجته، ويزداد به علماً وهدى ويقينا، ويكون به أحسن اتباعاً للهدى. ولذلك كانت تلاوة القرآن من أعظم أسباب صلاح القلب وتزكية النفس، وذهاب الهمّ والغم. فهذا ما يتعلق بالأصل الأول.

‏‏الأصل الثاني:  عَقْلُ أمثال القرآن. وقد ضرب الله للناس في هذا القرآن من كلّ مثل فمن وعى هذه الأمثال، وفقه مقاصدها، وعرف ما يراد منها  فاعتبر بها وفعل ما أرشدت إليه فقد عَقَل تلك الأمثال واهتدى بها، فصحّ علمه، وصلُح عمله، وحسُنت عاقبته. 
وعَقْل الأمثال أوسع من مجرّد فهمها؛ فإنّ الفهم المجرّد لمعاني مفردات الأمثال إذا لم يكن معه فقه للمقاصد وعملٌ بما أرشد الله إليه لا يعدّ عقلاً للأمثال. فليس كل من يعرف الأمثال يعقلها؛ إذ لا بد من الجمع بين التبصّر بها واتّباع الهدى الذي بينه الله عز وجل بهذه الأمثال. ‏قال الله تعالى: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}، فمن لم يفقه مقاصد هذه الأمثال ولم يتبع الهدى الذي أرشد إليه بها فإنه لا يكون ممن عقلها ولو قرأ في تفسيرها ما قرأ، ولو عرف من معانيها وأسرارها ما عرف. فالعبرة بالفقه والعمل واتّباع الهدى، وليس مجرّد معرفتها.‏

وأمثال القرآن على نوعين:
1: أمثال صريحة، وهي التي صُرّح فيها بلفظ المثل.
2: وأمثال كامنة، وهي التي تفيد معنى المثل من غير تصريح بلفظه.
فكلّ خبرٍ قرآني أو قصة مشتملة على مقصد ووصف لعمل وبيان لجزائه ففيها معنى المثل، وإن لم يصرّح فيها بلفظ المَثَل.
‏انظر إلى قول الله:{لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}
فسمّى صدر الآية مثلا مع عدم ورود لفظ المثل فيه. وقال:{اعلموا أن الله يحيى الأرض بعد موتها قد بينّا لكم الآيات لعلكم تعقلون} فهذا مثل لإحياء القلوب بعد موتها.

‏وضرب الأمثال من أحسن من وسائل التعليم؛ لأن المثل يقرِّب المعانيَ الكثيرة بألفاظ وجيزة؛ يسهل تصوّرها واعتبارها؛ وتظهر كثيراً من حِكَم الأمرِ والتقدير؛ ويتبصّر بها المؤمن فيفقه مقاصدها؛ ويعرف إرشادها؛ فتثمر في قلبه ما تثمر من المعرفة الحسنة والتصديق والخشية والإنابة والرغبة والرهبة

وأمثال القرآن من أصول الاهتداء به لأنها تبصّر المؤمن بأنواع من البصائر والبيّنات، وتنبهه على العلل والنظائر، وترشده إلى أحسن السبل وأيسرها؛ وتعرّفه بالعواقب والمآلات؛ فيستفيد فوائد عظيمة تورثه اليقين؛ وزكاة النفس، وطهارة القلب، وصلاح العمل، وحسن العاقبة بإذن الله تعالى.

‏الأصلان الثالث والرابع: امتثال الأوامر واجتناب النواهي
وبهما يتحقق معنى التقوى، وتحصل الاستقامة؛ فإنّ الله تعالى قد أمر بما فيه الخير والصلاح ، ونهى عمّا فيه الشرّ والفساد؛ فمن أطاع الله بأن امتثل ما أمر الله به في كتابه واجتنب ما نهى عنه؛ فإنّه يُهدى بطاعته وإيمانه للتي هي أقوم. 
امتثال الأوامر يقود إلى الفضائل والبركات، واجتناب النواهي يعصم من الزلل والمهالك، فيجمع بين السلامة من الإثم والغنيمة من البرّ، وتلك حال أهل التقوى والاستقامة المهتدين بهدى القرآن.
من جمع هذه الأصول الأربعة فقد اهتدى بالقرآن ، وسلك صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
وهذه الأصول الأربعة راجعة إلى العلم والعمل:
- فالأصلان الأولان مبناهما على العلم، ويثمران اليقين والبصيرة في الدين.
- والأصلان الآخران مبناهما على العمل ويثمران التقوى والاستقامة.
ومبنى علم السلوك على تصحيح العلم وإصلاح العمل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموعة تغريدات لـ عبد العزيز بن داخل المطيري

اقرأ المزيد...

الاثنين، 27 مارس 2023

معالم الأجزاء - الجزء الخامس -

 الجزء_الخامس / سورة_النساء

١- بدأ الجزء الخامس بجواز نكاح الإماء، ثم تعقيب ذلك بالتحذير من اتباع الشهوات، والنهي عن الكسب الحرام، وقتل النفس والوعيد عليه، والإشارة إلى أن الصغائر تكفر إذا اجتنبت الكبائر.

٢- قواعد في الحياة الزوجية، وبيان أن الحسد غير مشروع في دين الله تعالى، والإشارة إلى قوامة الرجل، وبيان علامات المرأة الصالحة، والحديث عن النشوز وعلاجه، والإشارة إلى تحكيم حكمين عند خوف الشقاق بين الزوجين.

٣- الأمر بعبادة الله تعالى، والإحسان إلى الوالدين والأقربين وغيرهم، وبيان أن الله تعالى لا يظلم مثقال ذرة، والإشارة إلى شهادة نبينا صلى الله عليه وسلم على أمته يوم القيامة، وتصوير حال الكافر وتمنيه الموت يومئذ.

٤- النهي عن اقتراب الصلاة في حال السكر والجنابة، وبيان مشروعية التيمم وأنه من خصائص هذه الأمة، وذم اليهود على اختيارهم الضلالة وتحريف الكلم والعصيان ولي الألسن والطعن في الدين وغيرها من صفاتهم الذميمة. 

٥- دعوة أهل الكتاب إلى الإيمان مع تهديدهم، وأن الله تعالى لا يغفر الشرك أبداً إلا بتوبة، وذم اليهود ولعنهم على تزكيتهم أنفسهم وإيمانهم بالجبت والطاغوت وقلبهم الهداية والإيمان، وأن من أبرز صفاتهم البخل والحسد.

٦- بيان عذاب من يكفر بكتاب الله ورسله، وبيان مآل الصالحين ونعيمهم، والأمر بأداء الأمانة والعدل في القضاء، والأمر بطاعة الأمير في المعروف، والرجوع إلى الوحيين عند التنازع، والإشارة إلى أن من عدل عن الوحيين وتحاكم إلى ما سواهما فليس بمسلم، وذم المنافقين وبيان بعض صفاتهم.

٧- وجوب طاعة الرسول، والإشارة إلى أنه لا يؤمن المرء حتى يُحكِّم الرسول ويرضى بحكمه، وبيان أن أكثر الناس معاندين، وأن من يطع الله ورسوله فهو من المكرمين عند الله تعالى، ووجوب الحذر من العدو، وأن من علامات النفاق التخلف عن الجهاد في سبيل الله تعالى.

٨- الترغيب في الجهاد وإنقاذ المستضعفين، ثم لوم وعتاب، والإشارة إلى أنه لا مفر من الموت، وبيان حال المنافقين وتطيرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، والإشارة إلى أن طاعة الرسول من طاعة الله، وبيان سفاهة المنافقين.

٩- بيان أن القرآن حق، والنهي عن إشاعة الأخبار دون تحقق، وأمر الرسول بأن يباشر القتال بنفسه، وبيان الشفاعة الحسنة والسيئة، والأمر برد السلام بأحسن منه، والإنكار على اختلاف الصحابة فيمن رجع من أحد، وبيان من يُقاتل ومن لا يُقاتل، وبيان حكم قتل المؤمن خطأ، والوعيد الشديد على قتل العمد، والإشارة إلى أن السلام من أبرز علامات الإسلام، وأنه لا يستوي المجاهدون والقاعدون.

١٠- النهي عن المكث في دار المشركين للقادرين على الهجرة، والحث على الهجرة في سبيل الله وبيان فضلها، والحديث عن صلاة القصر، وبيان صفة صلاة الخوف، والأمر بكثره الذكر عقب صلاة الخوف، وحض المؤمنين على مطاردة العدو رغم الجراح، والأمر بالحكم بما أنزل الله، والإشارة إلى بعض أحوال المنافقين.

١١- الترغيب بالتوبة والاستغفار، والوعيد لمن يكسب الإثم أو يرمي به البريء، وبيان نجوى الخير، وجزاء من شاق الرسول واتبع غير سبيل المؤمنين، وبيان أن الشرك لايغفر، وأن المشركين في الحقيقة يعبدون الشيطان، والإشارة إلى جزاء المؤمنين الصالحين، وبيان أن النجاح ليس بالأماني بل بالعمل الصالح، وأن من فضائل إبراهيم عليه السلام كونه خليل الرحمن.

١٢- بيان حكم اليتيمة، وحكم نشوز الزوج، والوصية بتقوى الله تعالى، والأمر بالقيام بالعدل وأداء الشهادة لله عزوجل، والأمر بالثبات على الإيمان، والإشارة إلى أحوال المنافقين وبيان مصيرهم، وأن من صفاتهم التربص بالمسلمين، والخداع، والتكاسل عن الصلاة، والتذبذ بين المؤمنين والكافرين.

١٣- نهي المؤمنين عن موالاة المنافقين، وأنهم خطر على المسلمين، وبيان عذابهم، والإشارة إلى أن قبول التوبة له شروط، وبيان فضل الله تعالى وسعة كرمه.

تم الجزء_الخامس بحمد لله وفضله.
قناة أ. فايز السريح
اقرأ المزيد...

السبت، 25 مارس 2023

معالم الأجزاء - الجزء الثالث-

الجزء٣ / سورة_البقرة و سورة آل عمران 


١- افتتح هذا الجزء بالإشارة إلى تفضيل بعض الأنبياء على بعض، والحث على الإنفاق في سبيل الله قبل فوات الآوان، ثم الحديث عن الله تعالى وعظمته في أعظم آية في القرآن (آية الكرسي).

٢- بيّن أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ثم تصوير مشهد المناظرة بين الخليل عليه السلام والطاغية النمرود، ثم قصة عزير بعدما أماته الله مائة عام ثم بعثه، ثم الإشارة إلى طلب خليل الرحمن من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى، ثم بيان ثواب الإنفاق في سبيل الله تعالى.

٣- النهي عن إتباع الصدقات بالمن والأذى، وأن لا قيمة للصدقة مع الرياء، وبيان ثواب الصدقة الخالصة، ثم مثال يبين ضياع الحسنات بالسيئات، والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا.

٤- بين إظهار الصدقة وإخفائها، وبيان أن هداية التوفيق بيد الله تعالى، ومن أحق الناس بالصدقة، وثناء الله تعالى على المتصدقين.

٥- الإشارة إلى جريمة الربا، ثم الثناء على الشاكرين، ثم الأمر بتقوى الله واجتناب الربا، ثم الأمر بالإحسان إلى المعسر، والتخويف بالحساب ولقاء الله تعالى في آخر آية نزلت.

٦- الأمر بكتابة المعاملات المؤجلة، ثم الأمر بالإشهاد مع الكتابة، وبيان أحكام الرهن، وهل يحاسب العباد على ما أخفوه في صدورهم؟ وختام السورة بين دعاء وإجابة.

٧- بدأت سورة آل عمران ببيان أن إنزال الكتاب هدايةً وامتحاناً للناس، ثم بيان المحكم والمتشابه من القرآن، ثم الإشارة إلى دعاء عظيم.

٨- يوم القيامة لا ينفع مال ولا بنون، ثم تهديد لليهود بأنهم سيغلبون، وحثهم على الاعتبار بيوم بدر، ثم بيان حال الحياة الدنيا، وجزاء المتقين في الآخرة.

٩- دعاء المتقين وصفاتهم، وشهادة التوحيد، وبيان أن الإسلام دين الناس كافة، والنبي مبعوث إليهم جميعا، وذم اليهود على كفرهم  وقتلهم الأنبياء والصالحين.

١٠- ذم أهل الكتاب على عدم تحكيمهم كتاب الله تعالى، والإرشاد إلى شكر النعم، والنهي عن موالاة المشركين، والله تعالى يعلم ما في الصدور، ويحضر كل أعمال العبد يوم القيامة.

١١- الإشارة إلى أن حقيقة حب الله في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيان المصطفون من أهل الأرض، وقصة ولادة مريم، ونشأتها وكرامتها على الله تعالى، ودعاء زكريا وتبشيره بيحيى

١٢- فضل مريم على نساء عصرها، وتبشيرها بعيسى عليه السلام، وبيان صفاته ومعجزاته ودعوته، ونصرة الحواريين له، وهم اليهود بقتله عليه السلام.

١٣- رفع عيسى عليه السلام إلى السماء، وتهديد الكفار بالعذاب، وتبشير المؤمنين بالنعيم، والإشارة إلى المماثلة في خلق آدم وعيسى، والدعوة إلى المباهلة في أمر عيسى عليه السلام، وبيان أن مسألة التوحيد معلومة عند الجميع.

١٤- محاجة اليهود والنصارى في دين إبراهيم عليه السلام، وحسد اليهود للمسلمين وكيدهم بهم، وبيان حال أمانة اليهود، وأن لا نصيب في الآخرة لمن خالف العهد.

١٥- تحريف اليهود لكلام الله تعالى، وأن النبي لا يدعو إلى عبادة نفسه ولا إلى عبادة غيره، وأخذ الميثاق من الأنبياء أن يؤمنوا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الدين عند الله الإسلام ولا يقبل غيره.

١٦- لا يهدي الله قوماً كفروا بعد الإيمان إلا من تاب، ولا تقبل توبة الكافر عند الموت ولا فديته يوم القيامة.
قناة أ. فايز السريح
اقرأ المزيد...

الأربعاء، 22 مارس 2023

معالم الأجزاء - الجزء الأول-

 ١- تعتبر سورة الفاتحة (أم الكتاب) أعظم سورة في القرآن حيث اشتملت على مقاصد القرآن بالإجمال، فهي تتناول أصول الدين وفروعه، والثناء على الله تعالى، وإثبات تفرده بالألوهية، وإثبات البعث والجزاء، وتضمنت الفاتحة أقسام التوحيد الثلاثة، وإثبات النبوة، والجزاء على الأعمال، وفيها الرد على أهل البدع والضلال، وفيها التعبد بأمر الله تعالى ونهيه، وفيها بيان طريق العبودية إلى الله تعالى، فأول السورة رحمة، وأوسطها هداية، وآخرها نعمة.

٢- ‌‎تعتبر سورة_البقرة أطول سورة في القرآن، واشتملت على معظم الأحكام التشريعية، حيث ابتدأت ببيان أصناف الناس أمام هداية القرآن، وذكرت أنهم ثلاثة أصناف: المؤمنون، والكافرون، والمنافقون فوضحت حقيقة الإيمان، وحقيقة الكفر والنفاق، ثم قارنت بين منازلهم، ثم انتقل الحديث عن بدء الخليقة متمثلة في قصة آدم عليه السلام، وما جرى عند خلقه من أحداث ووقائع، دلت على تكريم الله تعالى لآدم عليه السلام وذريته.

٣- ‌‎ثم تناولت السورة بعد ذلك الحديث بإسهاب عن أهل الكتاب، وبوجه خاص اليهود، وموقفهم من القرآن والرسالة، مرورا بعبادة العجل، وقصة البقرة وتعنتهم في كثرة الأسئلة، ونبهت الآيات إلى خبث اليهود ومكرهم، وما تنطوي عليه نفوسهم من اللؤم، والغدر، والخيانة، ونقض العهود، وغير ذلك من قبائح الأعمال والخصال والجرائم التي ارتكبها هؤلاء المفسدون، وفي ذلك بيان لعظيم خطرهم، وكبير ضررهم على الإسلام وأهله.

٤- ثم انتقلت السورة إلى بيان دعوة إبراهيم عليه السلام وإمامته، وبينت أن عهد الله لا يناله الظالمين، ثم جاء الحديث عن فضل بيت الله الحرام، ومقام إبراهيم عليه السلام، والأمر بتطهير بيت الله تعالى، ودعاء الخليل عليه السلام لمكة بالأمن والرزق، وبناء الكعبة والدعاء بقبول ذلك العمل، واستجابة دعاء إبراهيم عليه السلام ببعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعهد يعقوب لبنيه عند موته، وبيان أن المسلم يؤمن بجميع ما أنزل الله تعالى ولا يفرق بين نبي ونبي.

انتهى الجزء الأول
بحمد لله تعالى وفضله...
قناة فايز السريح
اقرأ المزيد...

الأحد، 6 مارس 2022

الفرق بين ( الكتاب والقرآن) في القرآن الكريم

قال تعالى : 

/ (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)

 / (وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)

/ (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)

وقع في القرآن الإشارة إلى الكتاب باسم البعيد في قوله (ذلك الكتاب) وباسم الإشارة القريب في قوله (وهذا كتاب أنزلناه مبارك) 

وأما القرآن فلم يقع في آياته الإشارة إليه إلا باسم الإشارة (هذا) ولم تقع الإشارة إليه باسم البعيد (ذلك). 

ووجه التفريق بينهما:
أن الكتاب اسم للوحي النازل على محمد باعتبار:
١- كونه بعيدا مكتوبا في اللوح المحفوظ
فقوله تعالى : (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) هو إشارة للقرآن حال كونه مكتوبا في صحف اللوح المحفوظ ، قال الله تعالى (رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) ، وقال تعالى ( كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ (13) مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ) فهؤلاء الآيات في سورة البينة وسورة عبس لا تتعلقان بصحف القرآن الذي بين أيدينا وإنما تتعلقان بصحف اللوح المحفوظ الذي كُتب فيه القرآن وهو الذي يرجع إليه الضمير في قوله تعالى ( لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) أي تلك الصحف في اللوح المحفوظ التي كُتب فيها القرآن الكريم.

 ٢- وباعتبار كونه مكتوبا في المصاحف.

/ وأما القرآن فإنه اسم له باعتبار كونه مقروء متلوا نسمعه بيننا.
وقد ذكر الإمام مالك في موطئه أن قوله تعالى (لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) أشبه شيء به الآيات التي ذكرناها من سورة عبس (كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ (13)  مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ) ، فالكتاب والقرآن وإن كانا اسمين للوحي النازل من كلام الله على محمد صلى الله عليه فإن متعلقهما مختلف ، فإن القرآن عُدّ مقروء متلوا لكونه بيننا ، وأما الكتاب فعُدّ كتابا لأنه مكتوب في صحف اللوح المحفوظ ومكتوب في المصاحف.
----‐-----------------------
 شرح مقدمة السعدي للشيخ صالح العصيمي.
اقرأ المزيد...

السبت، 18 سبتمبر 2021

القسم في القرآن الكريم

يُقْسِمُ سبحانه وتعالى على أصول الإيمان التي يجب على الخلق معرفتُها:
١- تارةً يُقْسِمُ على التوحيد كقوله تعالى: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (٢) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (٣) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (٤)﴾ الصافات

٢- وتارةً يُقْسِمُ على أنَّ القرآنَ حقٌّ كقوله تعالى : ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧)﴾ الواقعة

٣- وتارة على أنَّ الرسولَ - ﷺ - حقٌّ كقوله: ﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤)﴾ يس ، 
وقوله تعالى: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (١) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢)﴾ القلم ، وقوله: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢)﴾ النجم
٤- وتارةً على الجزاء والوعد والوعيد مثل قوله تعالى: ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (١)﴾ ... إلى آخر القَسَم، ثُمَّ ذَكَر تفصيل الجزاء، وذَكَر الجنَّة والنَّار، وذكر أنَّ في السماء رزقكم وما توعدون، ثمَّ قال: ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣)﴾.
ومثل قوله تعالى: ﴿وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (١)﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (٧)﴾ المرسلات.
ومثل: ﴿وَالطُّورِ (١) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (٢)﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (٧) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (٨)﴾ [الطور/ ١ - ٨].

٤- وتارةً على حال الإنسان كقوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (١)﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤)﴾ [الليل/ ١ - ٤] الى آخر السورة.

/ وأقْسَمَ على صفة الإنسان بقوله سبحانه  ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (١)﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦)﴾ [العاديات/ ١ - ٦].

/ وأقسم على عاقبته، وهو قَسَمٌ على الجزاء في قوله: ﴿وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢)﴾ [العصر/ ١ - ٢] إلى آخر السورة.

وفي قوله تعالى: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١)﴾ إلى قوله: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (٥) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [التين/ ١ - ٦].
-----------------------------------
* التبيان في أيمان القرآن / ابن القيم 

اقرأ المزيد...

الاثنين، 6 سبتمبر 2021

وقفة مع اللواميم المكية

ماهي اللواميم الأربعة المكية؟
هي : العنكبوت ، الروم ، لقمان ، السجدة ، وهنا الحديث عن اللواميم المكية فقط  - السور المكية - 
هذه السور كلها بدأت بـ (الم) فسميت بـ اللواميم ، وجاءت هذه السور الأربعة متتابعة ، نزلت في أواخر العهد المكي ، في فترة كان فيها الضيق قد بلغ منتهاه ، التعذيب والألم قد زاد ، العناد والاستكبار والاضطهاد من قِبل الكفار زاد ، والمسلمون ځوصروا وبعضهم هاجر إلى الحبشة، توفيت السيدة خديجة رضي الله عنها ، توفي أبوطالب ولم يعد هناك أحد يدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم  وأصحابه.
فالذي ينظر إلى الوضع بصورة عامة سيجد أن الوضع خانق جدا ، يرى أنه لم يعد هناك أمل ولم يعد هناك مخرج أو حل ، والأوضاع تضيق أكثر فأكثر وتُطبق على المسلمين أكثر وأكثر. 
فكان النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه في هذا الوضع الحرج وفي هذه الفترة الصعبة يحتاجون لشيء يخفف عنهم ، يحتاجون لزاد إيماني لمعاني قلبية تثبتهم تصبرهم تهون عليهم الأمر تربط على قلوبهم ، فنزلت هذه السور الأربعة لكي تعطيهم هذا الزاد الإيماني الذي سيسندهم ..
إذا نحن نستطيع القول بأن اللوامیم توصل للقارئ ماذا يحتاج المؤمن في لحظات البلاء الخانقة ، ماذا يحتاج المؤمن في لحظات البلاء الشديدة ، كل سورة من هذه السور الأربعة تعطي نوعا معينا من الزاد الإيماني الذي يحتاجه المؤمن في وقت الشدة ..
هذا بإجمال الرابط الذي يربط اللواميم الأربعة .. نأخذ هذه السور سورة سورة ..
أولا: سورة العنكبوت :
هذه السورة تعطينا الزاد الإيماني الأول وهو: أنها كانت تربيهم على معنى المجاهدة .
أتت المجاهدة في أولها (وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) وخُتمت السورة أيضا بالمجاهدة (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ).
ذكّرتهم السورة بنوح عليه السلام ، لفتت انتباههم إلى شيء مهم جدا في قصة نوح وهو (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا)  بمعنى أنكم أنتم الآن في البلاء لكم ثلاث عشرة سنة.. نوح عليه السلام بقي ألف عام .. ألف سنة ، وفي الأخير (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ) .
ذكّرتهم بإبراهيم عليه السلام وحرقه بالنار..
 ذكّرتهم بالكرب الشديد الذي لاقاه لوط عليه السلام من قومه المنكوسين في فطرتهم ، الذين ابتلوا بفاحشة ما ابتلي بها أحد من الخلق والبشر قبلهم ، حتى أنه قال لهم (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ ) ، ولك أن تتخيل كيف يعيش إنسان هو في قمة الطُهر وموصول بالوحي في بيئة موبوءة وقذرة وشاذة مثل هذه البيئة ، مثل هذه البيئة بلاء عظيم. 
فسورة العنكبوت عرضت لهم كل هذه النماذج حتى ترسخ في قلوبهم هذا المعنى الكبير أن ابقوا في طريق المجاهدة أكملوا طريقكم ، مهما زادت درجة البلاء لا تتزعزعوا ، لا تضطربوا ، لا تنسحبوا ، لا تنهزموا ، لا تيأسوا ، لا تضعفوا ، سينظر الله لأعمالكم سينظر الله لمجاهدتكم ، سينظر الله لصبركم ومصابرتكم ، لن يضيع عند الله شئ من هذه المجاهدة.
و كما قلت لكم السورة حسمت القضية في الأخير وأعطت لنا النتيجة (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) أي العاقبة ستكون لكم بالتأكيد ، حتى إذا كنتم في تعب .. في أزمة.. في ظروف صعبة .. في ظروف حرجة ، إلا أن العاقبة ستكون لكم ولكل مجتهد نصيب طال الزمان أو قصر. فالسورة تُربي فيهم نفسية صلبة وعزيمة ثابتة وإرادة قوية. 
أنا تصورت سورة العنكبوت مثل عبارة "أُثبت أُحد" العبارة التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم لما صعد هو وأبو بكر وعمر على جبل أحد فاهتز الجبل ، جبل صخور وحجارة وكذا .. واهتز واضطرب ورجف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أُثبت أُحد" فسورة العنكبوت تٰثبّت .. سورة العنكبوت تُرسِّخ اثبتوا .. جاهدوا .. استمروا لا تضطربوا ، سورة تربيهم على هذا المعنى الكبير وهو معنى المجاهدة. هذه السورة الأولى.
تأتي سورة الروم بعدها تربيهم على معنى إيماني آخر وهو اليقين ، اليقين بماذا ؟
اليقين بقدرة الله على تغيير الأوضاع مهما كانت هذه الأوضاع سيئة أو خانقة أو إنها صعبة ومستحيلة ، ولم تحدثهم السورة عن الظروف التي يعيشونها وعن أزمتهم وعن معاناتهم أو الحصار أو التعذيب أو القتل أو الاضطهاد لم تمسح عليهم من هذه الناحية لا أبدا .. السورة نقلتهم نقلة مختلفة تماما. عرضت لهم آيات في الكون ، فسورة الروم تحدثت عن خلق السماء ، خلق الأرض ، خلق الليل والنهار ، تحدثت عن البدء ، عن الإعادة عن الحياة عن الموت ، عن النوم عن اليقظة ، تحدثت عن البرق عن الرياح عن الأمطار عن الأرزاق ، عن القبض عن البسط. لماذا وهم في وسط هذه المعاناة كلها ، في وسط هذا الألم ، في وسط التعب هذا كله والظروف والضغوطات تأتي سورة تحدثنا عن الخلق عن الآيات عن الليل والنهار ؟ 
يا ترى ماهي الرسالة التي تريد أن توصلها لهم هذه السورة ؟
الرسالة هي : تيقنوا أن هذا الكون كله هو مُلك لله ، تحت هيمنته وتحت سيطرته وأن الله هو القاهر فوق عباده إذا أراد الله لأمر أن يكون سوف يكون ، إذا أذن الله لعذاب أو لضر أو لسوء أو لأذى أن ينتهي ويتوقف سينتهي ويتوقف ، وإذا أذن الله لأمر أن يتم سيتم ، وإذا أراد الله أن ينصركم سينصركم ، وبدأت السورة تعطيهم وعود وتؤكد لهم حقائق :
( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ) ، (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) ، أعطتهم هذه الحقائق كلها فالإنسان عندما يعيش الأزمة ، يعيش الظروف الصعبة أو يعيش المشكلة التي تمر به بطبيعته البشرية كإنسان بشري طيني كما يرى الأوضاع أمامه لابد أن يصيبه إحباط ويصيبه يأس وتصبح الدنيا سوداء في وجهه لأن كل المؤشرات تقول له مستحيل وتقول له لا يوجد أمل ولا يوجد حل ، البشر والأطباء والإشاعات والواسطات والإدارات وفلان ، والنظام الذي هنا ، والنظام الذي هناك ، كلهم يقولون له لا يوجد ،
بمعطيات الدنيا مستحيل ، بأسباب الدنيا مستحيل. لكن عندما يعيش الأزمة ويعيش المشكلة بنظرة ربانية وبنظرة المؤمن الذي عنده يقين بقدرة الله المطلقة ، التي لا حد لها ولا منتهی ، التي لا يقف أمامها شيء ، يقين بهيمنة الله المطلقة ، يقين بقوة الله المطلقة ، يفهم ما معنى أن الله هو المهيمن !!!
يفهم ما معنى أن الله هو القوي وليس مع الله قوي آخر، الله هو القوي وحده ، يفهم أن الله هو الأول والآخر ، الأول هو الذي يخلق الأسباب ويأتي بالأسباب والناس ليس لهم حول ولا قوة ، ويعرف أن الله هو الآخر بمعنی لو انعدمت كل الأسباب وتوقفت كل الأسباب وانقطعت كل الأسباب فالله من وراء الأسباب كلها ، الله هو الآخر، الله هو المعطي على الحقيقة ، يعطي من غير أسباب .
عندما يستقر هذا اليقين بداخل العبد ، وبداخل هذا الإنسان المؤمن سوف يرى مشكلته صغيرة ، صغيرة جدا وبسيطة وتافهة ، ويبدأ يعيشها بنفسية أخرى ، وينظر لها بنفسية مختلفة تماما عن الشخصية الأولى التي كان يعيشها ويرى المشكلة بأسباب الدنيا ، مختلف هذا عن هذا ، لماذا ؟ لأنه لم يعد يرى مع الله أحدا ، لم يعد يرى إلا يد الله فقط ، وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " يعجب ربنا من قنوط عباده ، ينظر إليكم أزلين قنطين ، فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب " أو كما قال صلى الله عليه وسلم ... الله أكبر.
الناس إذا تأخر عليهم الفرج ، وتأخر عليهم الغيث ، وتأخر عليهم المطر، استولى عليهم اليأس ، وأصبحت نظرتهم قاصرة فقط على الأسباب التي يعرفونها ، فيعجب الله منهم !! بمعنى هل تعتقدون أن من خلف هذه الأسباب سيكون الفرج من القريب المجيب جل جلاله؟! 
انظر إلى سورة الروم كيف وضحت لك المعنى بآيتين تتكلم عن الغيث من أجمل المشاهد لو وقعت في قلبك كما ينبغي ، يقول الله عزوجل : (فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ) 
سورة الروم تغرس هذا اليقين .. سورة الروم تحمل المؤمنين للأعلى في السماء كما قال شيخ الإسلام" وقد جرت عادته سبحانه في خلقه أن الفرج مع الكرب وأن اليسر مع العسر وأن الشدة لا تدوم"
اليقين من أهم العبوديات القلبية ومن أوثق منازل الإيمان ومن أحب الأعمال إلى الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" أحب الأعمال إلى الله إيمان لا ريب فيه ولا شك". سبق وأن تكلمنا بتوسع لمن أحب عن منزلة اليقين في سورة الرعد .. إذن هذا كان الزاد الإيماني الثاني وهو: اليقين. 
الزاد الإيماني الثالث الذي عرضته لنا سورة لقمان هو : الحكمة
بمعنى وأنت في وسط هذه الأحداث ووسط هذه الأزمات والمعاناة والتعذيب والألم والضغوطات بحاجة إلى حكمة ..
عندما تتحكم بكم الأهواء لا تصح ردود الأفعال السريعة أو المتهورة أو الغضب أو حظوظ النفس أو الشخصنة أو العواطف أوكلام الناس تحتاجون إلى حكمة تحكم تصرفاتكم .. لأن الحكمة تمنع الإنسان من الطيش ، تمنع الإنسان من التهور ، تمنعه من السفه ، من الظلم ، تمنعه أن يأخذ قرارات سريعة سوف يندم عليها بعد ذلك ، ممكن أن يأخذ قرارات يخسر فيها أكثر مما يريح ، فعالجوا أموركم بالحكمة وخذوا أموركم بالحكمة. والحكمة تعني حسن التصرف ، التعقل ، التأني ، التريث ، التؤدة ، النظرة البعيدة ، رجاحة العقل .. كل هذه حكمة. 
عرضت لنا سورة لقمان نموذجا لشخص حكيم ، وكان معروفا عند العرب ، والعرب تتناقل أخباره بأنه لقمان الحكيم. السورة عرضت لنا شخصية مثل هذه وهي تتكلم عن أشخاص في وسط البلاء وفي عز البلاء والمعاناة وفي هذا رسالة أنه في وقت الشدة ، في وقت الأزمات ابحثوا عن الحكماء ، اقتربوا من الصالحين فإن أفواههم تنطق بالحكمة. لذلك من توفيق الله للعبد أن يحيطه بالعقلاء ، أنه يحيطه بالحكماء فينتفع من صحبتهم ، عندما تجد صحبة مباركة.. جربتهم في المشورة جربتهم في القرارات جربتهم في الأزمات ورأيت فيهم شيئا من الكياسة والعقل والفطنة ، هذا من توفيق الله للعبد تمسك بهم وعض عليهم بالنواجذ وكل شيء لماذا ؟ لأنه قلّ الحكماء في هذا الزمان. 
تأتي سورة السجدة بعد ذلك تعطيهم الزاد الإيماني الرابع وهو الخضوع التام لله ، هذا الخضوع متمثل في السجود.. 
س: لماذا قلنا أن السجود هو خضوع تام لله؟
لأنك لو تأملت هيئة السجود نفسها ستجد أن هذا الإنسان الساجد هو إنسان منحني مثل القوس: لو أردت أن تكملين هذا القوس على شكل دائرة، تخيل معي هذا الإنسان الساجد أمامك وتخيلي القوس وأنت تريدين أن تغلقيه من تحت.. مالذي سيلتقي؟ القدم بالأنف؛ قدمك برأسك ويصبح القوس الذي أغلقتيه على شكل دائرة تشبه الصفر.. فقالوا : أنت حين تدرك أنك صفر .. تصل ، وأنك حين تدرك أنك صفر .. تقترب ، والله عزوجل يقول : (واسجد واقترب)
نعم قد تنحني تعظيما .. قد تركع تعظيما .. تجثو تعظيما على ركبتيك ولكن حين تضع أعلاك إلى أدناك وتضع وجهك وهو أعلى ما فيك على الأرض ، ويلتقي قدمك برأسك وتتلاشى أنت أمام عظمة الله ، فهذا حال خضوع ليس وراءه خضوع ، لأجل ذلك قلنا هل الساجد أو السجود هوخضوع تام لله ؟ خضوع الظاهر مع خضوع الباطن ، خضوع القالب مع خضوع القلب ، هذا السجود يكون مفتاحا للفرج  ، وكأنه باب للفرج .. للتيسير ، باب لفتح كل الإغلاقات والأزمات والمشاكل.
بهذه المعاني القلبية الأربعة ، أو بهذا الزاد الإيماني :
[ المجاهدة ، اليقين ، الحكمة ، الخضوع المتمثل بالسجود] 
إن حققتموها ، إن أُعنتم عليها ، سينتهي بكم الأمر إلى ماذا ؟ مثل ما جاء في سورة السجدة ، ستكونون أئمة بعد ذلك (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [ السجدة - ٢٤ ]
إذا هذا الزاد الإيماني، هذه المعاني القلبية الأربعة ستستطيعون بها أن تواجهوا الأحزاب، الأعداء، تواجهوا الأزمات والظروف ، تواجهوها بثبات وعزيمة وإرادة، وتخرجون منها وأنتم أقوياء لم تُكسر لكم شوكة ولا إرادة كانوا يقولون كان عمر رضي الله عنه لا يأذن بالهزيمة أن تقع. 
لما تصل هذه المعاني لقلب قارئ سورة السجدة ستتغير علاقته بالسورة، ستتغير صلته بالقرآن كله. سيفهم معنى "القرآن ينبت معاني جديدة في قلب الإنسان" وما قاله أهل العلم الذين أمضوا حياتهم في طلبه في آخر حياتهم منهم من قال : "يا ليتني أعطيت القرآن عمري كله".
إي والله يا ليتنا أعطينا القرآن عمرنا كله. 
هذا باختصار الموضوع العام والرابط العام لهذه السور أو اللواميم الأربعة.
----------------------------------
* أ. نجلاء السبيل
اقرأ المزيد...

الأربعاء، 26 مايو 2021

ثلاث صور للنفس البشرية حين تعيش بعيدة عن هداية الخالق سبحانه وتعالى

  يقول الله تعالى:

/ (لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ) سورة فصلت (49)

/ (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ) سورة فصلت (50)

/ (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ) سورة فصلت (51)

ثلاث صور للنفس البشرية حين تعيش بعيدة عن هداية الخالق سبحانه وتعالى فهي مضطربة في التصورات والأحكام:

الصورة الأولى في قوله تعالى:
(لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ) سورة فصلت (49)
فالآية تخبر أن الإنسان لا يمل من طلب الخير فهو يبذل كل ما يستطيعه من أسباب ، فهو يطلب من الله أن يهب له ما يحب من الأموال والأولاد والقوة وكلما حصل شيئا من ذلك تمنى الزيادة وطلبها، فإذا ما مسه الشر في أي جانب من جوانب الحياة فتراه يائساً قانطاً من تغير الحال فهي النهاية عنده لا يرجو بعد ذلك خيرا ولا يؤمل في عافية من بلاء.

الصورة الثانية في قوله تعالى: 
(وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى). 
وهذه الآية تبين حال ذلك الشخص في الصورة الأولى في موقف آخر حين يكشف الله الضر عنه مع يأسه وقنوطه وعدم رجاءه انكشاف الضر عنه كيف يحكم على الأمور؟ 
إنه يقول هذا لي أي أنا مستحق لهذا وجدير به ولولا أني أستحق ما أُعطيت هذا ، ثم هو في نفس الوقت لا يؤمن بالآخرة ويظن أن الدنيا هي نهاية المطاف، ثم إنه يقدم تصورا آخر كيف سيكون وضعه فيما لو صح أن هناك بعثا وحسابا وجزاء فإن الجنة ستكون مدخرة له عند ربه، فهو عنده استحقاق آخر مبني على تصوره لسبب النعمة التي هو فيها.

الصورة الثالثة في قوله تعالى:
 (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ) سورة فصلت (51).
وهذه صورة أخرى من طبيعة النفس البشرية حين لا تهتدي بنور الإيمان فهي تتصرف في النعم التي أنعم الله بها عليها تصرف المعرض المتكبر المغرور بما أعطاه الله، فتجده لا ينسب النعمة إلى مسديها ولا يشكرها ولا يقوم بحق الله فيها، فإذا ما قدر الله وسُلبت من هذه النعمة فتراه حينها يتذكر أن للنعمة واهبا وأنه إذا شاء سلبها وأنه لا يقدر على ردها إلا هو فتراه يتضرع ويدعو ويكثر من الدعاء، إنه صنف لا يعرف الله إلا في الشدة.

وفي كل هذه الصور الثلاث نجد أن الإنسان مضطرب في تصوراته وأحكامه وسلوكه، ولا يمكن تصحيح هذه التصورات والأحكام والسلوكيات إلا من خلال الإيمان حينها يحصل التوازن في النفس البشرية تصورا وأحكاما وسلوكا، ويلخص لنا ذلك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حين يقول: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ" رواه مسلم من حديث صهيب رضي الله عنه. 
أي أنها صور متعددة للإنسان البعيد عن الهداية عندما يصيبه سوء:
فالبعض ييأس من تغير الحال وتحسنه ويسيئ الظن بربه ، والبعض يتذلل إلى ربه ويتضرع إليه ويدعوه بكثرة وتكثيف وهو هو نفس الشخص الذي لم يكن يدعو ربه وهو في الرخاء بل كان مغروراً متكبراً بنعيمه.
----------------------------------
أرشيف ملتقى أهل التفسير 

اقرأ المزيد...

الثلاثاء، 8 سبتمبر 2020

عتاب الله لنبيه في القرآن

أ.د. مصطفى مسلم 

1- في قوله تعالى: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ﴾ [عَبَس: 1 - 2].  جاء الكلامُ بصيغة الغائب، وكأنَّ الكلام عن شخص غائب، وحادثة بعيدة جرَت لأشخاص يتحدث عنهم، ثم تحوَّل الخطابُ مباشرةً إلى رسول الله: ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى ﴾ [عَبَس: 3 - 7]؛ وذلك تجنُّبًا لصدمة العتاب لأول وهلةٍ؛ لأن العتاب من الحبيب والخليل أشدُّ أثرًا في القلب، والمجابهة المباشرة بالعتاب قد يتصدَّع لها قلبُ الحبيب.

2- ومثل ذلك ما جاء في عتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخذ الفداء من أسرى بدر؛ إذ جاء الخطاب بصيغة الغائب: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الأنفال: 67]، ثم جاء الخطاب المباشر وبصيغة الجمع، وعتابُ المجموع أخفُّ وطأةً على النفس من عتاب المفرد المعيَّن: ﴿ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ﴾ [الأنفال: 67]، ﴿ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [الأنفال: 68].

3- وفي سورة الكهف جاء التوجيه الربَّاني لتعليم الأمة من خلال قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 23 - 24] وذلك بعد حادثة سؤال قريش له - بتلقين من اليهود - أسئلةً تعجيزية، وقال: ((ائتوني غدًا وسأُخبركم به)) ونسِي أن يقول: إن شاء الله. ولم يأتِ هذا التوجيه قبل الإجابة عن بعض الأسئلة، وإنما جاء بعد سرد الجواب عن السؤال الأول: "أخبرنا عن فتية خرجوا في الدهر الأول وكان من أمرهم عجب"؛ وذلك لأنه لو جاء التوجيه في بداية الكلام وقبل الإجابة لكانت الصدمة قوية، ولظُنَّ بأن هذا التقصير والنسيان سبب في الإعراض عن الجواب، ولو جاء الجواب فيما بعد، فلن يُخفف من وطأة العتاب أو التوجيه، فتقديم جواب السؤال أولًا، وحصولُ الانتعاش والطمأنينة للنفس، يقضي على أثر العتاب، ويُبقي الأمر في حدود التذكير والتعليم.

4- وفي سورة التحريم: لَما كان الأمر يتعلق بالتحليل والتحريم وهو تشريع، والتشريع يكون من قِبَل الله جلَّت حكمته، وقد يتبادر إلى الذهن أن هذا التصرفَ الاجتهاديَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وصل إلى حدٍّ يخشى عليه من سلب مقام النبوة عنه، فجاء الخطاب بصيغة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ﴾ [التحريم: 1]، فأدخلت الطمأنينة إلى قلبه أنه النبي ذو المكانة والمقام العظيم عند ربه، وإنما يسدِّده ربُّه إلى ما هو الأَولى في شؤون التشريع للأمة، وأن الموضوعيَّة في التشريع ورعاية مصالح الأمة هي الغاية، وليس التشريع لإرضاء رغباتٍ فرديَّة في المجتمع.

5- وفي عتابه بشأن الإذن للمنافقين بالتخلُّف، وقَبول أعذارِهم قدَّم العفوَ عن الموقف قبل ذكرِ الموقف وسببِ العتاب؛ لإدخال الطمأنينة على قلبه الشريف: ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 43].

---------------------------------------------------------

المصدر 

اقرأ المزيد...

الاثنين، 7 سبتمبر 2020

فضائل التقوى


/ فضائل التقوى المستنبطة من القرآن :

🔺 الهدى لقوله : (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) [البقرة:٢]

🔺 النُصرة لقوله : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) [النحل: ۱۲۸].

🔺 الولاية لقوله : (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) [الجاثية : ۱۹ ]
.
🔺 المحبة لقوله : (فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) [آل عمران: ٧٦]

🔺 والمعرفة لقوله : ( إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: ۲۹].

🔺 المخرج من الغم.

🔺 الرزق من حيث لا يحتسب ؛ لقوله : (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ) الآية [الطلاق : ۲- ٣]

🔺 تيسير الأمور؛ لقوله: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق: 4 ].

🔺 غفران الذنوب.


🔺 إعظام الأجور؛ لقوله : (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطلاق: 5]


🔺 تقبل الأعمال؛ لقوله : (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) [المائدة : ۲۷ ] .

🔺 الفلاح لقوله : (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [البقرة: ١٨٩]

🔺 والبشری؛ لقوله: (لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ) [یونس: 64].

🔺 ودخول الجنة ؛ لقوله : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [القلم: 34] .

🔺 والنجاة من النار؛ لقوله : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) (مریم: ۷۲] .
----------------------------------------------------------------------------

* التسهيل لابن جزي


اقرأ المزيد...

الأربعاء، 13 مايو 2020

ليلة القدر .. وقفات وتنبيهات / د.خالد السبت - مادة مفرغة -


 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه و سلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد ..
اقرأ المزيد...

الأحد، 12 أبريل 2020

محاضرة هداية القرآن للتي هي أقوم -مفرغة-


بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العالمين واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ...
 أن الحديث عن هداية القرآن للتي هي أقوم إنطلاقاً من قول الله سبحانه وتعالى :(إِنَّ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ یَهۡدِی لِلَّتِی هِیَ أَقۡوَمُ وَیُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرࣰا كَبِیرࣰا ۝ وَأَنَّ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡـَٔاخِرَةِ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِیمࣰا ۝ وَیَدۡعُ ٱلۡإِنسَـٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَاۤءَهُۥ بِٱلۡخَیۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَـٰنُ عَجُولࣰا)
اقرأ المزيد...

الخميس، 5 سبتمبر 2019

(وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِیلًا) أهمية الترتيل / الشيخ سعيد الكملي


الترتيل هو : قراءة الكلمات والحروف على وجه منتظم متناسق.
هذه المادة مأخوذة من قولهم : فمٌ رَتِلٌ. والفمُ الرتِل هو الذي أسنانه منتظمة لا يركبُ بعضها بعضا، فإذا رأيت الأسنان يركب بعضها بعضا فهذا لا تُسميه العرب فماً رَتِلاً، إنما هو فم يركب بعضه بعضا. فكذلك القراءة بأن تكون الكلمات الملفوظة بأن تكون الحروف منتظمة بعضها تلو بعض لا يركب الحروف بعضها بعضا. وكان رسول الله ﷺ يقرأ القرآن مُرتلا لأن ربه أمره أن يقرأ القرآن مرتلا فقال ربنا سبحانه (وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِیلًا) [سورة المزمل 4] وهذا الأمر من الله تعالى لم يُقصد به رسول الله فقط إنما هو أمر لأمته بواسطته ﷺ.
لم يكتفِ بأن يأمر ربنا سبحانه بأن يرتل القرآن بل أنزله مُرتلا قال ربنا (وَرَتَّلۡنَـٰهُ تَرۡتِیلࣰا) [سورة الفرقان 32].
لو قال ربنا (ورتل القرآن) لكان هذا كافيا في وجوب الترتيل، فما معنى (وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِیلًا) ؟
ماهو إعراب (ترتيلا)؟ مصدر.

اقرأ المزيد...

الثلاثاء، 21 فبراير 2017

معنى التـأويـــل

من أسماء التفسير التأويل مأخوذ من الأولِ وهو الرجوع. يُقال: أوّل الكلام تأويلا وتأوّله أي فسّره ودبّره كما في القاموس.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما داعيا له (اللهم فقهه في الدين وعلِّمه التأويل).
ويُكثر من استعمال هذه اللفظة (التأويل) بمعنى التفسير شيخ المفسرين الإمام الطبري -رحمه الله- فكثيرا ما يقول في تفسيره "القول في تأويل قوله تعالى .. اختلف أهل التأويل في هذه الآية" ونحو ذلك. 
وهاهنا مسألة وهي :
 ما معنى قول الله تعالى: 
(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [سورة آل عمران ٧]؟ 

 يطلق التأويل على معنيين: 
- الأول : حقيقة الشيء وكُنهُه وما يؤول إليه. أي ظهور المُتكلَّم به إلى الواقع، ارتفع وعلا فظاهر الآية مراد. 
استواء يليق بجلاله وعظمته ولذلك قال الإمام -رحمه آلله- "الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة".
 وكذلك ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ )[سورة الفتح١٠] 
اليد في اللغة معناها معلوم، والنص على ظاهره (يد الله) لله يد تليق بجلاله وعظمته ليست كأيدي المخلوقين. 
وهكذا (وَجَاءَ رَبُّكَ)[سورة الفجر ٢٢] جاء تعالى بنفسه مجيئا يليق بجلاله وعظمته فنحن على ظاهر النص لا نعدِل عنه ، لا نصرِفه عن ظاهره ، لا قرينة تُوجب ذلك لأن الظاهر صحيح جاء مجيئا يليق بجلاله وعظمته. 
فكما نُثبت له إرادة تليق بجلاله وعظمته ، وسمعا يليق بجلاله وعظمته، وبصرا يليق بجلاله وعظمته فكذلك نثبت له يدا تليق بجلاله وعظمته ، ووجها يليق بجلاله وعظمته، ومجيئا وإتيانا ونزولا يليق بجلاله وعظمته، وهكذا (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[سورة الشورى ١١] . ومن تأول الاستواء والنزول والمجيء بتأويلات أخرى فإنه تأويل باطل وصرفٌ للفظ عن ظاهره بلا دليل صحيح. فأهل السنة إذا يثبتون ما أثبت الله تعالى لنفسه من الصفات وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم كالكلام والسمع والبصر والغضب والرضا والضحك والوجه واليدين على ما يليق بجلاله وعظمته تعالى ، ونجُري نصوص الصفات على ظاهرها من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل . 

من أمثلة التأويل الفاسد : 
/ التأويل بلا دليل ، وهذا في الحقيقة من اللعب، يتلاعبون بنصوص الشريعة كما تأول بعض المبتدعة: 
 - تأولوا قوله تعالى (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا) على الرقص الصوفي. 
- وكذلك ما فعله الرافضة بقوله تعالى : (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ) قالوا: فاطمة. 
(فِيهَا مِصْبَاحٌ ) قالوا: الحسن . 
(الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ) قالوا الحسين .
(نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ) قالوا: إمام بعد إمام من أئمتهم الإثني عشر.
- (وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلَِ) قالوا: الأئمة. 
- (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) قالوا: علي. 
- (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) قالوا: أبو بكر وعمر. 
- (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا) قالوا: التقية. 
- (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ) قالوا علي وفاطمة. 
- (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) قالوا: الحسن والحسين. 
-( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةًَ) قالوا: عائشة. 
- والشجرة الملعونة في القرآن قالوا: بنو أمية.

/ تحريف معاني النصوص مع إبقاء اللفظ على ما هو عليه هو طريقة اليهود قال تعالى : (يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [سورة البقرة ٧٥] وعند اليهود تحريف اللفظ : (حطة) قالوا (حنطة).
  وتحريف المعنى  يبقون اللفظ ويحرفون المعنى.
 وهذا التأويل الفاسد أصل من أصول الضلال قال ابن القيم -رحمه آلله- : "أصل خراب الدين والدنيا إنما هو من التأويل الذي لم يُرده الله ورسوله بكلامه ولا دل عليه أنه مُراده ، وهل اختلفت الأمم على أنبيائهم إلا بالتأويل -يعني الفاسد- ، وهل وقعت في الأمة فتنة كبيرة أو صغيرة إلا بالتأويل -يعني هذا الباطل- ، وهل أُريقت دماء المسلمين في الفتن إلا بالتأويل." [إعلام الموقعين] 
وقال -رحمه آلله- : 
 هذا وأصل بلية الإسلام ** من تأويل ذي التحريف والبطلان 
 وهو الذي فرّق السبعين بل ** زادت ثلاثا قول ذي البرهان 
وهو الذي قتل الخليفة ** جامع القرآن ذي النورين والإحسان 
وهو الذي قتل الخليفة بعده ** أعني عليا قاتل الأقران 
وهو الذي قتل الحسين وأهله ** فغدوا عليه ممزقي اللحمان

/ ومن أمثلة التأويل الفاسد: 
تأويل الباطنية للقرآن ، وهو من أخبث التأويل فقد زعموا أن للدين ظاهرا وباطنا، زعموا أن للآية ظاهرا وباطنا، وأن للحديث ظاهرا وباطنا، وأن الظاهر هذا للعامة والباطن لأئمتهم وللخواص، فترى ذلك عند طوائف من الباطنية كالنصيرية الذين يأولون الصيام بأنه حفظ أسرار الطائفة، والحجّ الذهاب إلى شيخ الطائفة، والزكاة رمز لشخصية سلمان، والصلوات الخمس أن تقول علي .. فاطمة .. الحسن .. الحسين .. محسن، ويقولون الجهاد صبّ اللعنات على الخصوم وفُشات الأسرار، والولاية الإخلاص للأسرة النصيرية وكراهية خصومها، والقرآن مدخل لتعليم الإخلاص لعلي. وهكذا.

والمعاصرون أيضا لهم تأويلات فاسدة للقرآن: 
- كما أوّل بعضهم الشورى في قوله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرَِ) بالديموقراطية. 
- وكذلك مانعوا الزكاة الذين أولوا (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) بأنها تُدفع للنبي صلى الله عليه وسلم فقط فإذا مات فلا زكاة. 
- والذين أولوا قول الله تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينٌ) وقوله تعالى (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) أن هذا يدل على حرية الاعتقاد لأي دين ولأي ملة في العالم. فلو أكمل الآية (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا)!! 
- وبعضهم يفسر قوله تعالى : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) بترك الولاء لأهل الإيمان والبراءة من الشرك. 
- وبعضهم يفسر (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) بوحدة التراب والدين لله والوطن للجميع وكأنه لا شريعة لله تحكم. 
وهكذا من أنواع التلاعبات نسأل الله تعالى السلامة والعافية. 
 ------------------------------------
أكاديمية زاد/ الشيخ محمد صالح المنجد.
اقرأ المزيد...

الثلاثاء، 8 سبتمبر 2015

أمثال القرآن الكريم - التعريف بعلم أمثال القرآن -

د.عبد الرحمن بن معاضه الشهري


 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى صحابته أجمعين..
حياكم الله إخواني الكرام وأخواتي الكريمات ...
اليوم هو الجمعة الثالث من شهر رجب من عام ١٤٣٥هـ وهذا هو المجلس الأول من مجالس دورة أمثال القرآن، والمقصود من هذه الدورة المخصصة والمكثفة هو استعراض الأمثال الظاهرة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن العظيم حيث إن الله سبحانه وتعالى قد قال في كتابه ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [العنكبوت:٤٣] ولذلك كان بعض السلف -رحمهم الله- ربما بكى إذا لم يفهم مثلا من أمثال القرآن الكريم ويقول الله سبحانه وتعالى يقول ( وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) وأنا لا أعلم معنى هذا المثل فلا يزال يبحث ويسأل حت يعرف معنى هذا المثل أو ذاك من أمثلة القرآن الكريم .
في هذا الدرس -أيها الإخوة- الأول سوف أبدأ بمقدمة أتحدث فيها عن الأمثال عند العرب والأمثال في القرآن الكريم وأُشير إلى أنواعها وتعريفه وأشير أيضا إلى أهم النؤلفات التي ألفت في اﻷمثال وشرح مبسط عن هذه الكتب والمؤلفات لمن أراد أن يرجع إلى شيء منها ثم أبدأ مباشرة في اﻷمثال المخصصة لي في هذه المحاضرة وفي المحاضرة التي بعد العصر بإذن الله تعالى. وسوف يستعرض الزملاء في بقية المحاضرات اﻷمثال التي هي بين أيديكم في المذكرة التي توزع عليكم اﻵن.
اﻷمثال هي من اﻷساليب البلاغية التي يستعملها الناس جميعا في كل الثقافات فتجد في اللغة العربية الفصحى أمثال وتجد في اللغة العربية العامية بمختلف البلدان والثقافات هناك عندهم أمثال خاصة بهم، فتجد أمثال هنا في جزيرة العرب في السعودية وفي اليمن وفي الخليج وتجد أمثالا  عامية مصرية ، وأمثالا عامية شامية، وأمثالا عامية مغربية وأندلسية وفي كلٍ من هذه اﻷمثال قد صُنفت مصنفات وكتبت مؤلفات.
ومن اﻷمثال المشهورة في اللغة العربية -والكل يحفظها- كقولهم -مثلا- "في العجلة الندامة وفي التأني السلامة" يُضرب مثلا لمن استعجل شيئا فوقع في شر فيُقال له : في التأني السلامة وفي العجلة الندامة.
أو يقال -مثلا- لمن استبطأ شيئا وأبطأ عليه "إن غدا لناظره قريب" كما قال الله سبحانه وتعالى (...إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) [سورة هود 81] لذلك تجدون اﻷمثال تتنقل في الثقافات فتجد المثل في اللغة العربية له صيغة وبالعامية له صيغة مختلفة وباللغات اﻷجنبية له صيغ مختلفة فتجد اﻷمثال تتنقل بين الثقافات وبين اللغات وسأذكر شيئا منها -إن شاء الله-.
أيضا كقولهم في اﻷمثال الشعبية -مثلا-《أسأل مجرب ولا تسأل طبيب》يضربونه مثلا لمن يستحق أن يُسأل فيقولون له《أسأل مجرب ولا تسأل طبيب》ﻷن صاحب التجربة أعلم من الطبيب المتخصص.
وكما يقولون -مثلا- في العامية قالوا《اللي ما يعرفك ما يثمنك》إشارة إلى أن الجهل باﻹنسان قد يُوقع اﻹنسان في لبس فترى الشخص أمامك وهو ذو مكانة رفيعة ولكن ﻷنك لا تعرفه لا تستطيع أن تعطيه مكانته فيقال: معذرة لا تؤاخذنا اللي ما يعرفك ما يثمنك. فهذا مثل من اﻷمثال الشعبية المتداولة.
وأيضا -كما يقولون مثلا-《الجود من الموجود》هذا يُضرب مثلا لمن يقدم الاعتذار لما يملك ولا يملك غيره فيعتذر ويقول والله الجود من الموجود هذه من اﻷمثلة الشعبية المتداولة عندنا.
هناك كتاب جميل جدا للعلامة -رحمه الله- أحمد تيمور باشا عنوانه (اﻷمثال العامية) وقد أورد فيه ما يقارب أكثر من مئتي مثل من اﻷمثال العامية -المصرية خصوصا- وشرحها بأسلوب موجز وقد اخترت بعض اﻷمثلة التي ذكرها -رحمه الله- واﻷمثال المصرية كثيرة جدا يعني قد يكونون من أكثر الشعوب العربية التي تداول الناس الأمثال الخاصة بهم كما يقولون مثلا -على سبيل المثال- أنا وجدته من أول اﻷمثال في كتاب تيمور باشا -رحمه الله- ويقول《آخر المعروف ينضرب بالكفوف》يُضرب مثلا لمن يعمل معروفا في غيره ثم تكون عاقبته وخيمة "يضربه بالكفوف" يعني يعطيه كف، وهذا يشبه كما يقولون المصريون على رأي المثل《خيرا تعمل شر تلقى》هو نفس المعنى تقريبا مع تغيير العبارة، يعني كما يقولون في المثل المصري وهو مشهور أيضا حتى عند غيرهم يقولون《تغدى به قبل أن يتعشى بك》وهذا مثل يُضرب لمن يُعاجل اﻹنسان باﻻنتقام أو بالفتك به قبل أن يفتك اﻵخر به.
وبالمناسبة اﻷمثال تعكس ثقافات الشعوب ويستطيع الذي يُحسن تحليل الخطاب أن يستخرج من هذه اﻷمثال ثقافة هذا الشعب أو ذاك ﻷن اﻷمثال في الحقيقة هي عبارة عن خُلاصة تجارب اﻷمم وﻷنه خلاصة تجربة ومصوغة في أسلوب موجز يتناقله الناس ولذلك يقولون اﻷمثال السائرة وقد صنّف ابن اﻷثير -رحمه الله- كتابا سماه (المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر).
أضرب لكم مثالا: هناك كتاب قيم مُلحق بالمعجم اﻹنجليزي -ديكشنري- الذي صنّفه منير بعلبكي -معروف- الذي يُحدَّث كل سنة، جمع في آخر المعجم كتابا سمّاه (مصابيح التجربة) أورد فيه في الطبعة التي معي ربما أنها طبعة (٢٠١٠) أو (٢٠١١)، أورد فيه ما يقارب المئتين مَثَل من اﻷمثال اﻹنجليزية وترجم هذه اﻷمثال، فعندما تقرأ هذا الكتاب تستطيع أن تستخرج منه ثقاقة اﻹنجليز، تقرأ في كتاب (مجمع اﻷمثال) للميداني -مثلا- الذي جمع فيه أمثال العرب تستطيع أن تستخرج منه ثقافة العرب يعني على سبيل المثال: فيه مثل أمريكي موجود في القاموس يقول "Don't kill the natives until you get the map" وله نظائر، يعني معنى المثل "لا تقتل السكان اﻷصليين حتى تحصل على الخريطة" وهو يعكس الثقافة الاستعمارية الموجودة عند هؤلاء، يعني يقول لا تقتل ال "نيتف" الذين هم السكان اﻷصليين "" حتى تحصل على الخريطة، فهم ينظرون إلى اﻵخرين على أنهم مجرد وسائل لتحقيق أهدافهم وغاياتهم ثم يفقدون قيمتهم تماما كما فعل النعمان عندما بنى له سِنِمّار قصرا وكان  سِنِمّار هذا معماريا- فلما بنى هذا القصر خشي النعمان أن يبني مثله لغيره - سِنِمّار هذا شكله مهندس ومقاول في نفس الوقت- فاستدرج هذا المهندس حتى بلغ به أعلى القصر ثم رماه من فوق القصر فقتله، يعني لم يستفد  سِنِمّار إلا هذا المشروع، فأصبح مثلا فقالوا له "لقي جزاء  سِنِمّار" فأصبح يضرب مثلا إذا فعل أحدهم معروفا ثم عوقب بنقيض معروفه وتنكر له من أحسن إليه قال له: لقد لقيتني جزاء سِنِمّار وأصبح مثلا.
فهذه اﻷمثال طريقتها -فعلا- هي أنها أقوال قصيرة موجزة تشتمل على خلاصة تجربة رأى الناس فيها غرابة وفيها جودة وفيها صدق فتناقلوها حتى إن بعض اﻷمثال قد نسي الناس من هو الذي قاله ولذلك صنف العلماء المؤلفات في اﻷمثال فجمعوها وشروحوها، وقد أعجبني كلام ﻷبي عبيد القاسم بن سلاّم -رحمه الله- في كتابه اﻷمثال، كتاب اﻷمثال ﻷبي عبيد القاسم بن سلام هذا من أقدم الكتب التي صُنّفت في اﻷمثال ومؤلفه أبي عبيد القاسم من أئمة اﻹسلام الكبار توفي -رحمه الله- في السنة التي ولد فيها اﻹمام محمد بن جرير الطبري سنة ٢٢٤هـ، ذكر في مقدمة كلامه السبب الذي دعاه إلى تأليف الكتاب فقال "هذا كتاب الأمثال وهي حكمة العرب في الجاهلية واﻹسلام وبها كانت تُعارِض كلامها فتبلغ بها ما حاولت من حاجاتها في المنطق بكناية غير تصريح فيجتمع لها بذلك ثلاث خلال: [إيجاز اللفظ، وإصابت المعنى، وحسن التشبيه] وهذا صحيح فعلا ﻷنه موجز وبليغ وسهل وواضح فأنت بدل أن تقول أو تستشهد -مثلا- في هذا الموقف وتتكلم بكلام فيه طول، -مثلا- على سبيل المثال: عندما يكون هناك شخص مليء بالعيوب ثم يأتي فيرمي بالعيوب التي فيه عليك فتقول《رمتني بدائها وانسلت》هذا مثل مشهور، تشير في هذا المثل إلى أنك أنت الذي فيك هذه الصفات وهذه اﻷدواء وهذه اﻷمراض وتبتليني وترمي هذه اﻷوصاف عليّ فتقول "رمتني بدائها وانسلت" فأنت قد استخدمت عبارة وجيزة وبليغة وواضحة المعنى والناس يتداولونه.
قال أبو عبيد هنا "وقد ألّفناها في كتابنا هذا على منازلها ولخصّنا صُنُوفها وذكرنا المواضع التي يتكلم بها فيها وتضرب عندها وأسندناها إلى علمائها واستشهدنا بنوادر الشعر عليها أو على ما أمكن منها" ثم قال "وكان مما دعانا إلى تأليف هذا الكتاب وحثنا عليه ما روينا من اﻷحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد ضربها وتمثّل بها هو ومن بعده من السلف" .
النبي صلى الله عليه وسلم كان يستشهد بهذه الأمثال ويضرب بها وقد حُفظ الكثير منها في السنة النبوية وشرح العلماء أمثال الحديث النبوي في كتب.
قال "وقد ذكرنا بعض ذلك ليكون حجة لمذهبنا " ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في المثل الذي ضربه للإسلام والقرآن فقال قول النبي صلى الله عليه وسلم (ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سور فيه أبواب مفتوحة وعلى تلك اﻷبواب ستور مُرخاة وعلى رأس الصراط داعٍ يقول ادخلوا الصراط ولا تعُوجُوا -يعني لا تلتفتوا-) قال أبو عبيد : "الصراط اﻹسلام والسُتور حدود الله واﻷبواب المفتحة محارم الله وذلك الداعي هو القرآن" فلاحظ النبي صلى الله عليه وسلم حتى يُقرِّب للناس معنى الاستقامة على اﻹسلام والحذر من الشهوات والشبهات والاستجابة لداعي الله في القرآن بهذا المثل، قال: (مثل الصراط) والصراط هو: الخط المستقيم والصراط المستقيم هو كتاب الله وهو اﻹسلام وهو الاستقامة عليها، والنبي عليه الصلاة والسلام في حديث آخر قد ضرب مثلا فخطّ خطا في التراب وقال هذا صراط الله وخطّ خُطوطا جانبية قال هذه طُرُق الشيطان أو سُبُل الشيطان، فالشيطان لا يزال بالمسلم حتى يحاول أن يُغويه عن هذا الصراط المستقيم. فالنبي صلى الله عليه وسلم قد استخدم اﻷمثال وضربها في السنة النبوية ولذلك أبو عبيد يقول: أنا جمعت أمثال العرب ﻷنني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد تمثّل بها والسلف الكرام أيضا قد فعلوا ذلك فصنّف كتابه هذا اﻷمثال وشرحه عبدالله بن عبدالعزيز البكري المشهور بأبي عبيد البكري اﻷندلسي في كتابه شرح أبي عبيد وهو من أروع وأفضل شروح كتب اﻷمثال.
هناك من العلماء من المتقدمين وهو الحسين بن الفضل -رحمه الله- صنّف كتابا سمّاه (الأمثال الكامنة في القرآن الكريم) وهو كتاب غريب ونفيس وهو صغير ليس كبيرا عنوانه (الأمثال الكامنة في القرآن الكريم) وذلك أن اﻷمثال في القرآن الكريم كما قسّمها هو وقسّمها السيوطي وقسّمها الزركشي وكثير من العلماء الذين صنّفوا في علوم القرآن قالوا: أمثال القرآن تنقسم إلى قسمين :
القسم اﻷول: هي اﻷمثال الواضحة الصريحة التي صرّح الله فيها بلفظ "مثل" أو القريبة منها وهي التي معنا في هذه الدورة.
والنوع الثاني من أنواع اﻷمثال: سمّاها اﻷمثال الكامّنة، واﻷمثال الكامنة هي التي يمكن التنظير بينها وبين بعض أمثال العرب السائرة والتي صنّف فيها الحسين بن الفضل هذا الكتاب الذي سمّاه (الأمثال الكامنة في القرآن الكريم) والحسين بن الفضل مُتوفى سنة مئتين واثنين وثمانين للهجرة وهو من أئمة الكوفيين رحمه الله تعالى.
في أول الكتاب قصة طريفة : يقول الشيخ أبو الفتح محمد بن أسماعيل الفرغاني -رحمه الله- قال: حدثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري -المُفسر المعروف- قال: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مُضارب بن طوق قال: سمعت أبي يقول: سألت الحسين بن الفضل فقلت: "إنك تُخرِّج أمثال العرب والعجم من القرآن". يعني يقول أنت عندك موهبة في استخراج أمثال العرب، أي مثل من أمثال العرب يُقال لك تقول هذا موجود في القرآن في قوله تعالى كذا وكذا ، قال: نعم، قال: فهل تجد في كتاب الله تعالى 《خير اﻷمور أوسطها》؟ يعني هذا مثل معروف《خير اﻷمور أوسطها》هذا مثل معروف يُشار أن الإنسان عندما يختار أمرا يختار اﻷمر اﻷوسط. قال: نعم في أربعة مواضع في القرآن الكريم:
 في قوله تعالى في سورة البقرة في وصف بقرة بني إسرائيل (لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ) يعني وسط.
قال: وفي قوله تعالى في النفقة (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْن ذَلِكَ قَوَامًا) [الفرقان:٦٧] يعني وسطا.
قال: قوله سبحانه وتعالى في الصلاة (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا) [الإسراء:١١٠].
قال: وقوله سبحانه وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا) [الإسراء:٢٩] .
قلت: فهل يوجد في كتاب الله تعالى <من جهِل شيئا عاداه>؟
قال: نعم، في قوله عز وجل (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) [يونس:٣٩] .
وفي قوله تعالى (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ) [الأحقاف:١١] .
قال: فهل يوجد في كتاب الله تعالى <احذر شر من أحسنت إليه>؟ وهذا مثل <اتقِ شر من أحسنت إليه>.
 قال: نعم، في قوله تعالى (وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ) [التوبة:٧٤]
وعلى هذا المنوال أكمل كتابه الحسين بن الفضل تقريبا ما يقارب الخمسين أو السبعة والأربعين مثلا سمّها (الأمثال الكامنة في القرآن الكريم) بمعنى أنك يمكن أن تستخرج من الآية معنى يُماثل المعنى الذي في المثل المشهور والسائر والمعروف .
وبعض العلماء قد اعترض على هذه الطريقة التي سار عليها الحسين بن الفضل وقال إن هذه الأمثال الكامنة نزلت في سياقات وفي مناسبات مختلفة فلا يصِح انتزاعها من هذه السياقات التي نزلت فيها وضرب المثل بها. مثلا -على سبيل المثال- أن تقول عندما تظهر حقيقة أمر كان مُشتبها فتقول "الآن حصحص الحق، الحمد لله الآن حصحص الحق" هذا يعتبر عند الحسين بن الفضل من الأمثال الكامنة. وبعضهم يرى أن هذا فيه شيء من العبث بالقرآن الكريم .
وهو له صلة بموضوع مشهور عند البلاغيين يسمونه الاقتباس، الاقتباس هو: أن يُضمِّن الأديب -الناثر أو الشاعر- في كلامه شيئا من القرآن الكريم دون إشارة إلى أنه من القرآن ولذلك ليس من الاقتباس قولهم -مثلا- في كلام أحد الشعراء يقول:
 أنلني بالذي استقرضت خطا ** وأشهد معشرا قد شاهدوه
فإن الله خلّاق البرايا عنت ** لجلال هيبته الوجوه
يقول إذا تداينتم بدين ** إلى أجل مسمى فاكتبوه
فهذا ليس من الاقتباس لأنه قال فيه فإن الله خلّاق البرايا يقول .. كذا وكذا وكذا.
فالاقتباس هو هذا، وسُمي الاقتباس اقتباسا لأن القرآن الكريم عندما يُوضع بين كلام الشاعر أو الناثر كالنور المضيء وكالقبس، فيُسمى ما يؤخذ من القرآن في كلام الشاعر أو الناثر اقتباسا، ويُسمى ما يؤخذ من كلام الشاعر أو الناثر في كلام الشاعر أو الناثِر الآخر <تضمِينا> تضمِّن كلام شاعر أو ناثر آخر في كلامك هذا يُسمّى تضمين، أما تضمِّن كلام الله سبحانه وتعالى في كلامك هذا يُسمّى اقتباس .
وهناك اختلاف بين العلماء في جواز الاقتباس: فالإمام مالك -رحمه الله- يرى حُرمته لأن هذا فيه استهانة بالقرآن الكريم. وغيره من الشافعية وغيرهم لا يرون في ذلك بأسا بشرط أن يُستعمل الاقتباس في موضع الجِد وليس في موضع الهزل، ولذلك يقول السيوطي -رحمه الله- في ألفيته عقود الجُمان تكلّم عن حكم الاقتباس قال:
قلت وأما حكمه في الشرع ** فمالكٌ مُشدِّد في المنعِ
وليس فيه عندنا صراحة ** لكن يحيى النووي أباحه
فالشاهد أن طريقة الأمثال الكامنة فيها شبه بموضوع الاقتباس من القرآن الكريم. بعض العلماء يُجيزه وبعضهم يمنعه فهذا من هذا الباب.


 

/ نعود إلى أمثال القرآن الكريم:
القرآن الكريم -كما تعلمون- نزل بلغة العرب ونزل بالأسلوب الذي اعتاد عليه العرب وعرفوه قال (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [يوسف:٢] ولذلك لا يُعرف أن أحدا من الكفار أو المشركين اعترض على أسلوب من أساليب القرآن أو اعترض على لفظة من ألفاظ القرآن الكريم بأنها ليست في لغتنا أو لا نعرف هذه الآية، ولو وقع أنه نزل شيء بشيء لا يعرفونه وليس من لغتهم لكان هذا من أيسر الطرق في الطعن على القرآن الكريم ولكنهم لم يجدو فيه مطعنا.
فالقرآن الكريم ضرب الله فيه الأمثال وقد قال الله سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر:٢١] وقال الله سبحانه وتعالى (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [العنكبوت:٤٣] ولذلك فإن فهم الأمثال دليل على العلم بكتاب الله سبحانه وتعالى، لذلك أنا أُحييكم على حرصكم على هذه المجالس لأنها -فعلا- تفتح للإنسان معاني هذه الأمثال ودلالاتها وما فيها من البلاغة والصور. وقال الله سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) [الزمر:٢٧] ودلّ على هذا أيضا قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي عن علي رضي الله عنه (إن الله أنزل القرآن آمرا وزاجرا وسُنة خالية ومثلا مضروبا) ومع أن هذا الحديث في سنده مقال إلا أن فيه إشارة إلى العناية بالأمثال وأنها موجودة في السنة النبوية.
تتبع ابن القيم -رحمه الله- أمثال القرآن الكريم التي تضمنت تشبيه الشيء بنظيره والتسوية بينهما في الحُكم فبلغت بضعة وأربعين مثلا وجرى على طريقة القرآن في ضرب الأمثال أيضا النبي صلى الله عليه وسلم في أمثال كثيرة ذكرها أبوعبيد القاسم بن سلّام وذكرها غيره، وقد عقد الأمثال النبوية أبو عيسى الترمذي -رحمه الله- في جامعه بابا أورد فيه أربعين حديثا، وقال القاضي أبو بكر بن العربي في تعليقه على كتاب الترمذي قال: "لم أرَ من أهل الحديث من صنّف فأفرد للأمثال بابا غير أبي عيسى ولله دره لقد فتح بابا وبنى قصرا أو دارا ولكنه اختطّ خطا صغيرا فنحن نقنع به ونشكره عليه".
والسبب في العياية بالأمثال -أيها الإخوة- في الثقافات جميعا وفي السنة النبوية وفي القرآن الكريم أن الأمثال لها أثر بليغ تختصر الكلام اختصارا، والعرب هم من أولع الأمم بالاختصار والإيجاز والبلاغة ولذلك هم يقولون في تعريف البلاغة قالوا: البلاغة الإيجاز، ويقولون <خير الكلام ما قلّ ودلّ> وهذا صحيح، الناس لا تحب كثرة الكلام وإنما تحب الكلام الموجز الذي يدل على المقصود بأيسر عبارة.
الآن نريد أن نُعرِّف المثل -مالمقصود بالمثل- وحتى نُفرِّق بين الأمثال في القرآن الكريم والأمثال الموجودة في كتب الأمثال لأننا نريد أن نقول في تعريف الأمثال -وهذا هو التعريف الذي اعتمدناه- أن أمثال القرآن هي: ما يضربه الله للناس من أقوال تتضمّن ما فيه غرابة من تشبيه أو استعارة أو قصة. ويدخل في هذا كل ما سمّاه القرآن قبل ذلك أو بعده مثلا. ويُعدّ في أمثال القرآن كل ما اشتمل على تمثيل حال شيء بحال آخر. هذه أمثال القرآن.
لكن الأمثال عند العرب: يُستعمل المِثل في اللغة بمعنى الشِبه -الشبيه- فيقال مثلٌ ومثيل مثلُ شِبهٍ وشبيه وزنا ومعنى.
ثم قالوا للمثل السائر أو للمَثل المُمَثل بمورده مثلا. فالأمثال عند العرب يقول أهل البلاغة: المثل له مورّد وله مضرِب، أما مورده فهي قصة المثل التي وقعت، هي قصة المثل اﻷولى التي وقعت. وأضرب لذلك مثالا يقول الشاعر:
وإن يك هذا اليوم ولى ** فإن غدا لناظره قريب
هذا مثل عند العرب 《إن غدا لناظره قريب》قصة هذا المثل أن رجلا كفَل رجلا في الجاهلية -عند العرب- وقالوا له إن لم يأتِ هذا الرجل فسوف نقتلك ﻷننا سوف نُطلقه ﻷنك على أن تكفلَه، فقال: أنا أكفله فيذهب ويأتي بما تريدون ثم يعود في الوقت -إن شاء الله - عاد لا أدري إن قال إن شاء الله أو لا ﻷن هذا كان في الجاهلية- فلما ذهب هذا الرجل غاب عنهم وانتظروه وطال اﻷمر عليهم في الانتظار حتى لم يبقَ إلا وقت يسير ربما يوم وكانوا كل يوم يخرجون ينتظرون ويترقبون عودة هذا الرجل ويُعاتبون هذا الذي كفِله كيف تكفل إنسان ما تعرفه! اﻵن إذا تخلف سوف تُقتل أنت بدلا منه، قالوا فلما قارب يعني آخر يوم من الأيام التي ينتظرونه فيها على الغياب- قال هذا الرجل -يتمثل- قال:
"فإن يك صدر هذا اليوم ولى" يعني إذا كان الصباح والنهار وصدر النهار وإلى الظهر وإلى العصر ولّى قال :
فإن يك صدر هذا اليوم ولى ** فإن غدا لناظره قريب
يقول إن شاء الله يأتي في صباح الغد، وبينما هم يترقبون جاء الفرج وجاء هذا الرجل.
طبعا القصة جميلة وقد ذكرها صاحب كتاب أمثال العرب وقالوا له بعد ذلك لماذا كفِلته وأنت لا تعرفه؟ قال كفِلته حتى لا يقال أنه ذهبت المروءة من الناس. وقيل للرجل الذي رجع مع أنه كان بإمكانه أن يذهب ويترك هذا الذي لا يعرفه؟ قال: إنما رجعت حتى لا يُقال أنه ذهب الوفاء من الناس. في قصة جميلة من قصص العرب. فهذا هو مورد المثل وهي قصة المثل.
 اﻵن عندما -على سبيل المثال- تنتظر شيئا .. تنتظر -مثلا- ترقية، تنتظر نتيجة نجاح، تنتظر ولادة زوجتك، أو شيء مما ينتظره الناس فيطول الانتظار فيقولون《إن غدا لناظره قريب》يُضرب مثلا لمن استبطأ شيئا وقد قرُب الفرج. فيُسمُّون القصة الأولى اللي  في الجاهلية التي وقع فيها صاحبنا هذا يُسمونها مورِد المثل ﻷنها هي  التي ورد المثل فيها أول اﻷمر تشبيها لها بمورد الماء الذي يرِد الناس عليه. وتُسمى القصة المُشابهة التي تشبهها فيُستشهد بالمثل الذي فيها مضرِب المثل -على رأي المثل- هذا هو الفرق بين مورِد المثل ومضرِب المثل. ولذلك في كتب الأمثال التي لعلي أذكر لكم شيئا منها أيضا هم يشرحون اﻷمثال، يذكرون المثل يبيّنون ما فيه من معاني ثم يذكرون مورِد المثل وقصته اﻷولى ومضرِب المثل الذي يُناسبه. وهذا النوع من اﻷمثال هو الذي صنّف فيه العلماء الكتب:
كتاب أبي عبيد القاسم (اﻷمثال)، كتاب (جمهرة اﻷمثال ) ﻷبي هلال العسكري، وكتاب (المستقصى في أمثال العرب) للزمخشري، وكتاب (مجمع اﻷمثال) للميداني، هذا هو أوسعها وأجودها ولذلك العرب لا يضربون المثل إلا بالقول الحسن الغريب، وأيضا نقلوا لفظ المثل إلى معنى ثالث هو الشأن الغريب والقصة العجيبة فيسمون الشأن الغريب والقصة العجيبة مثلا، تُسميها العرب مثلا  ولذلك فسّر المفسرون بهذا المعنى كثير من اﻵيات التي وردت في القرآن الكريم كما في قوله سبحانه وتعالى (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ....) [سورة محمد 15] (مثل) يعني صفة، وصف الجنة التي وُعِد المتقون كذا وكذا وكذا، وصف. وقوله سبحانه وتعالى (...وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ..) [سورة النحل 60] أي ولله الصفات العظيمة والوصف العظيم وليس المقصود بها المثل الذي معنا هنا.
وقد نبّه الزمخشري -رحمه الله- في الكشاف على هذه المعاني الثلاثة ودلّ على أنها وردت في اللغة على هذا الترتيب فقال في الكشاف: "والمثل في أصل كلامهم للمثل والنظير ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده ولم يضربوا مثلا ولا رأوه أهلا للتسيير إلا قولا فيه غرابة من بعض الوجوه ثم استعير المثل للحال أو الصفة أو القصة إذا كان لها شأن وفيه غرابة".
ذهب علماء البلاغة -وستجدون هذا في كتب البلاغة- إلى معنى رابع للمثل إذ قالوا في مبحث المجاز في كتب البلاغة ولاسيما في بحث المجاز المركب قالوا: إن المجاز المركب الذي تكون علاقته المشابهة إذا فشى استعماله وصار بين الناس يسمى مثلا. مثال -على سبيل المثال- يقولون عندما قال يزيد بن معاوية لما رأى مروان بن محمد يتردد في مبايعته فكتب له رسالة وقال: "إني أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى فاعتمد على أيهما شئت والسلام" فأصبح هذا مثلا للإنسان المتردد يقدم رجل ويؤخر رجل فيقول إني أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى  يعني يضرب هذا مثلا للمتردد الذي لا يستطيع أن يتخذ قرارا مرة يقدم ومرة يتأخر. فهذا يعتبر استعارة أو مجاز مرسل وسار وانتشر في الناس فسمي مثلا وهذا اصطلاح خاص بعلماء البلاغة.
 ويقال مثلا لمن ترك شيئا عند سنوح الفرصة ففوت على نفسه الفرصة يقال له 《الصيف ضيعت اللبن》وهذا أيضا أنصحكم بمراجعة قصة هذا المثل في كتب اﻷمثال وهو له قصة طريفة.
فيتلخص مما سبق من تعريفات المثل أن للمثل معنى في أصل اللغة وهو: الشبيه والمثيل
 ومعنى القول السائر وهو الذي ينتشر ويشيع في الناس
 وقول هو الوصف الغريب أوالقصة الغريبة
 ومعنى رابع وهو المجاز المُركب الذي تكون علاقته المشابَهة بشرط أن يكون قد فشى استعماله وانتشر.
المؤلفات التي أُلفت في أمثال القرآن:
منها الذي ذكرت لكم قبل قليل (اﻷمثال الكامنة في القرآن الكريم) للحسين بن الفضل المتوفى سنة -282- وقد حقّقه الدكتور علي البوّاب قبل سنوات وطبعته مكتبة التوبة.
هناك كتاب بعنوان (اﻷمثال في القرآن والسنة) للحكيم الترمذي.
 هناك كتاب ثمين ومطبوع عنوانه (أمثال القرآن) للماوردي محمد بن حبيب النيسابوري الذي ذكرته قبل قليل المشهور بالماوردي صاحب التفسير المشهور بـ (النكت والعيون) صاحب كتاب (النكت والعيون ) في التفسير له كتاب في أمثال القرآن مطبوع.
أيضا هناك كتاب مطبوع اسمه (أمثال القرآن) لابن القيم -رحمه الله- وفي الحقيقة أنه ليس كتابا مستقلا وإنما هو كتاب استُلّ من كتابه (أعلام الموقعين عن رب العالمين)  لكنه عندما جاء إلى شرح رسالة عمر إلى أبي موسى الأشعري قال فيها عمر ﻷبي موسى "وقِس اﻷشباه والأمثال" فقال ابن القيم : "واﻷشباه واﻷمثال كذا وكذا وكذا وقد وردت اﻷمثال في القرآن الكريم ثم ذكر ثلاثة وأربعين مثلا" فطُبع مستقلا.
وهناك كتاب بعنوان (أمثال القرآن وصور من أدبه الرفيع) لعبد الرحمن حبنَّكة الميداني وهو مطبوع في دار القلم.
هناك كتاب (أمثال القرآن) للد. محمد جابر الفياض (اﻷمثال في القرآن الكريم ) وهذا الكتاب عندي من أجود الكتب التي صُنّفت في اﻷمثال، كتاب (اﻷمثال في القرآن الكريم ) للد.محمد جابر الفياض، هذا رسالة ماجستير تكلّم فيه كلاما رائعا عن أنواع اﻷمثال وما صُنِّف فيها من كتب وأنواعها ووصفها وتعريفاتها وقام بإحصاء دقيق للأمثال الموجودة في القرآن الكريم سواء اﻷمثال الصريحة أو غيرها فأنصحكم بها، وهو موجود على الانترنت بصيغة pdf.
أيضا هناك كتاب (أمثال القرآن) للد. محمود الشريف وهو كتاب صغير.
 (الصورة الفنية في المثل القرآني ) لمحمد حسين الصغير، أيضا كتاب مطبوع
 (أمثال القرآن) للد.منصور العبدلي أيضا هو كتاب قيّم.
 (أمثال القرآن وأثرها في أدب العرب ) لنوري تنوير
 (اﻷمثال القرآنية دراسة تحليلية ) للدكتور محمد بكر إسماعيل وهو أيضا كتاب قيّم
 (اﻷمثال في القرآن الكريم) للد.حمد بن محمد المنصور كتاب قيّم شرح فيه أمثال القرآن الكريم بأسلوب سهل وموجز.
 إضافة إلى الكتب التي تكلّمت في علوم القرآن  فأوردت اﻷمثال في ثناياها مثل كتاب (البرهان في علوم القرآن) للزركَشي -رحمه الله- ومثل كتاب (الإتقان في علوم القرآن) للسيوطي فقد أوردوا في كُتبهم حديثا مطولا عن أمثال القرآن الكريم.
أما الكتب التي صُنِّفت في أمثال العرب فهي -كما قلت لكم كثيرة- منها الأمثال لأبي عبيد القاسم بن سلّام بتحقيق عبد المجيد قطامش وهو كتاب قيم يعتبر من أروع وأفضل الكتب التي صُنِّفت في أمثال العرب وشرحه أبو عبيد البكري، وأيضا كتاب (جمهرة الأمثال) للعسكري، و (المُستقصى في الأمثال) للزمخشري، و(مجمع الأمثال) للميداني، مجمع الأمثال للميداني هو عندي أفضل لأنه جمع خلاصة الكتب التي سبقته وأفضل طبعة لأمثال الميداني طبعة طبعتها دار صادر في أربعة مجلدات بتحقيق الد.جان عبدالله توما.
/ نرجع الآن أيها الإخوة إلى المثل في القرآن الكريم المشار إليها بقوله تعالى (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر:٢١] مالمراد بالمثل الذي يضربه الله للناس؟
 هل يراد منه الشبيه والنظير كما هو معناه في اللغة؟
 أو يُراد منه القول السائر الذي يُشبّه مورده بمضربه كما هي أمثال العرب المعروفة؟
 أو يراد منه الحال أو القصة الغريبة التي تروى وتتناقل؟
أو يراد منه المجاز المركب المستعمل على وجه الاستعارة الذي فشى وانتشر؟
 يمكن أن نقول لنا في هذا الموضوع نظران:
النظر اﻷول: ننظر في كلام من تصدوا في علوم القرآن إلى أمثاله فكتبوا فيها مصنفات مستقلة كما فعل الماوردي، أو عقدوا له بابا خاصا كما فعل السيوطي في كتاب الإتقان وكما فعل ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين.
ثم ننظر ثانيا: في معاني اﻵيات التي استعمل فيها القرآن كلمة (المثل) . الماوردي -رحمه الله- يقول في مقدمة كتابه اﻷمثال يقول "من أعظم علوم القرآن علم أمثاله والناس في غفلة عنه لاشتغالهم باﻷمثال وإغفالهم المُمثلات والمثل بلا مُمثّل كالفرس بلا لجام والناقة بلا زمام" وهذه العبارة تدل على أنه يريد من أمثال القرآن اﻵيات المشتملة على تمثيل حال بحال أخرى سواء أورد هذا التمثيل بطريق الاستعارة أو بطريق التشبيه الصريح وهذا المعنى هو الذي نفهمه من قول السيوطي -أيضا- عندما قال في اﻹتقان "الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي والغائب بالشاهد" وهذا صحيح أن المثل في جانب كثير منه يكون المقصود منه تصوير الشيء المدرك أو المعنوي بالشيء المحسوس الذي يعرفه الناس، في القرآن الكريم -على سبيل المثال- يقول الله سبحانه وتعالى (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [سورة الجمعة 5] وطبعا هذا مثل في غاية القسوة، يضرب الله المثل لعلماء اليهود الذين يعرفون التوراة ويدرسونها لكنهم لا يعملون بها، فيقول مثل هؤلاء كمثل الحمار الذي توضع فوق ظهره الكتب -أسفار- اﻷسفار هي الكتب، فلو وضعت فوق رأس الحمار -مثلا- كتاب فتح الباري لابن حجر العسقلاني في شرح صحيح البخاري فهل يا ترى هذا الحمار يُدرك قيمة هذا الكتاب أوما فيه من العلم؟ لا يدري، فكذلك هؤلاء،  فهذا تشبيه في غاية القبح لهم ولذلك يقول أحد الشعراء يهجو بعض الذين يحملون الكتب فقط ذهابا وإيابا وهم لا يعلمون ما فيها:
زوامل .. "زوامل" هي الرواحل التي تحمل الأشياء فيقول
زوامل للأسفار لا عِلم عندهم ** بجيِّدِها إلا كعِلم اﻷباعرِ
لعمرك ما يدري البعير إذا غدا ** بأوساقه أو راح ما في الغرائر
 فالجمل فقط يحمل اﻷشياء ولا يدري ما المادة التي فوق ظهره هل هو طحين وإلا حبّ لا يدري. فانظر هنا كيف شبه الله سبحانه وتعالى صورة معنوية وهي هؤلاء العلماء الذين لا يعملون بعلمهم فضرب لهم مثلا بأخسّ اﻷشياء -والعياذ بالله- ونعوذ بالله أيها الإخوة والأخوات أن نكون ممن أصبح علمه حجة ووبالا عليه وألا يجعله حجة علينا.
فضرب الله لهم في القرآن مثلين قبيحين، هذا المثل في سورة الجمعة والمثل اﻵخر في سورة اﻷعراف في قوله سبحانه وتعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ*وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ) هنا يأتي المثل حتى ينقل لنا قُبح هذه الصورة وأنها صورة في غاية القبح، هذا العالِم الذي لا يعمل بعلمه بل يعمل بخلاف ما يعلَم، قال (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) و(تحمل عليه) ليس معناها تحمل عليه أثقال، لا.. تحمل عليه يعني تطرده - تحمل عليه تشير إليه فيهرب، فهو سواء كان يركض من اللهفة فهو يلهث وإذا كان جالسا فهو يلهث قال (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) وسوف يأتي معكم شرح هذا المثل. هنا تلاحظون -كما قال السيوطي- أن المثل هنا فيه تشبيه الخفي بالجلي والغائب بالشاهد.
وأذكر لكم قصة طريفة تُروى عن أبي عبيدة مَعمر بن المثنى وهو من علماء القرآن الكبار ومن علماء اللغة، سأله أحدهم سؤالا ذُكِر في ترجمته في معجم اﻷدباء لياقوت الحموي فيقول: "قال رجل ﻷبي عبيدة: يا أبا عبيدة إن العرب تشبِّه المجهول بالمعلوم حتى يتضح المجهول فما بال الله في القرآن الكريم قد شبّه لنا مجهولا بمجهول؟! فقال: أين ذلك؟ قال: في قوله تعالى في وصف طعام أهل النار(طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ) [سورة الصافات 65] فنحن لا نعرف كيف شكل طلعها ولا نعرف كيف شكل رأس الشيطان. فقال له أبو عبيدة كلاما جميلا قال: إنه قد استقر في أذهان العرب وفي ثقافة العرب أن الشيطان قبيح المنظر. ولذلك كما قال الرافعي -رحمه الله- في مقدمة كتابه (تحت راية القرآن) قال " ولا أظنه يأتي يوم يقول الناس فيه عن الشيطان رضي الله عنه" ﻷن الشيطان مذموم في كل الثقافات وفي كل الديانات، فيقول لما استقر في اﻷذهان أن الشيطان قبيح ومكروه شُبِّه قبح المنظر بقبح منظر الشيطان فقال الله سبحانه وتعالى (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ) فالناس استحضرت غاية ما تستطيع من البشاعة ومن القبح لتعرف قُبح هذه الشجرة منظرا وطعما. ومن الطرائف في هذا : يقولون الجاحظ -اﻷديب المعروف- كان يمشيفي السوق فاستوقفته امرأة وقالت أتأذن لي أن تصحبني إلى هذا الصائغ -وهو لا يدري ما القصة- فذهب معها فلما وقفت أمام الصائغ فقالت مثل وجه هذا الرجل، فاستغرب الجاحظ ومضت المرأة، فقط قالت مثل هذا الرجل وانصرفت. فقال الجاحظ للرجل ما شأن هذه المرأة؟ قال الرجل: جاءت لي بخاتم وقالت انقش لي على هذا الخاتم وجه شيطان، فقلت لها أنا لم أشاهد الشيطان قط ولا أعرف شكل وجه الشيطان فجاءت بك وقالت مثل وجه هذا. وطبعا الجاحظ سُمِّي الجاحظ ﻷنه كان في عينيه جحوظ وهو إمام من أئمة اﻷدب صاحب كتاب الحيوان والبيان والتبيين.
فالشاهد: أن هذا من فوائد ضرب المثل وهو تشبيه الشيء المعنوي بالشيء المحسوس الذي يعرفه الناس ويشاهدونه.
السيوطي -رحمه الله-  قسم اﻷمثال -كما قلت- إلى أمثال صريحة وأمثال كامنة وأتى إلى الأمثال الصريحة من الآيات المشتملة على تشبيه حال بحال كما في المثل الذي سيأتي معنا في قوله تعالى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ) [سورة البقرة 17] وأما الكامنة فقد ذكرتها لكم كما ذكرها الحسين بن الفضل في كتابه وهي: استخراج معاني الأمثال العربية المشهورة من الآيات القرآنية. ولذلك نحن نقول -أيها الإخوة- أمثال القرآن لا يصح حملها على أصل المعنى اللغوي الذي هو التشبيه والتنظير أو الشبيه والنظير ولا يستقيم حملها على معنى الأمثال عند من ألفوا في الأمثال إذ ليست أمثال القرآن أقوالا استعملت على وجه تشبيه مضربها بموردها، لا يوجد في القرآن الكريم مثل نقول والله هذا أصله قصته كذا وكذا ثم استخدمه، لا، هي من أول ما نزلت وهي أمثال الناس يستخدمونه.
وأيضا لا يستقيم حملها على معنى اﻷمثال عند علماء البيان. ولذلك نحن نقول: أن أمثال القرآن هي ما ذكرته لكم في صدر الكلام وهي ما ذكره الله سبحانه وتعالى أو ما ضربه الله من أقوال تتضمن ما فيه غرابة من تشبيه أو استعارة أو قصة ويدخل في هذا كل ما سمّاه القرآن قبل ذلك أو بعده مثلا، ﻷنه قد يأتي آية يقول الله مثلهم ككذا وكذا أو يقول بعد أن يذكر المثل ثم يقول ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ).
ابن القيم -رحمه الله- أيضا تحدث في كتابه عن شيء فيه تشبيه شيء بشيء في حكمه وتقريب المعقول من المحسوس أو أحد المحسوسين من اﻵخر واعتبار أحدهما باﻵخر وذكر أكثر من عشرين مثالا كـ (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) وقوله تعالى (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ ...) [سورة يونس 24] .
وأيضا يأتي بعضه على هيئة التشبيه الضمني أو التشبيه المُكنى به عند علماء البلاغة كما في قوله سبحانه وتعالى (... وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ...) [سورة الحجرات 12] فهذه ما فيها كامة كلمة مثل ولا شيء لكن واضح أن الله سبحانه وتعالى يشبه المُغتاب بمن يأكل لحم أخيه وهو ميت.
النظر الثاني -أيها الإخوة- في كلمة (مثل) فالله سبحانه وتعالى قد استعمل كلمة (مثل) في القرآن الكريم كثيرا كقوله سبحانه وتعالى (مثلهم ... ) وكقوله (مثل نوره كمشكاة فيها مصباح) وقد يستعمل القرآن كلمة (مثل ) في وصف أو قصة كما في قوله سبحانه وتعالى (ضُرب مثل فاستمعوا له) فضرب المثل في القرآن قد يستعمل في تمثيل حالة غريبة بأخرى مثلها، وقد يستعمل في ذكر حالة غريبة تُقصد لنفسها ولا يراد تنظيرها بغيرها. ومن هنا تلاحظ في كتب التفسير  اختلاف بين المفسرين في تفسير هذه اﻵيات كقوله تعالى (.. وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) [سورة الحج 31] وهذا سوف يأتي معكم، وقوله سبحانه وتعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [سورة النور 39] .
وهناك اﻵيات التي يقول بعضهم هذه جرت مجرى المثل، هذه اﻵية جرت مجرى المثل ولا يسمونها مثلا كقوله -مثلا- (لكم دينكم وليَ دين) يستخدمها بعضهم في المُتاركة إذا رأى واحدا مختلفا معه ولا يمكن أن يلتقي معه في الأمر قال لكم دينكم ولي دين، فأخذ هذه اﻵية من موضعها وأجراها مجرى المثل.
بعض علماء البيان أو علماء البلاغة يقولون "وهذه خرجت مخرج المثل أو جرت مجرى المثل" وهو ما لم يستقل بإفادة المراد مثلا -على سبيل المثال- (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [سورة اﻹسراء 81]  بعضهم يُجريها مجرى المثل عندما ينصر الله الحق فيستشهد الناس ويقولون (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما دخل إلى الكعبة يهدم اﻷصنام ويستشهد بهذه اﻵية وهي قد نزلت من قبل ذلك (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) وقد أخبرنا السيوطي -رحمه الله- بأن جعفر بن شمس الخلافة عقد في كتاب له سماه اﻵداب، عقد بابا (في ألفاظ القرآن تجري مجرى المثل) كقوله تعالى (لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ) [سورة النجم 58] وقوله تعالى (... كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [سورة المؤمنون 53] وقوله تعالى (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ ..) [سورة المائدة 100] وقوله تعالى (... مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة التوبة 91] وقوله تعالى (... وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ .. ) [سورة فاطر 43] ونحو ذلك.  وقد أدخل علماء البديع هذه اﻵيات وأمثالها في النوع الذي يُسمّونه إرسال المثل وهو أن يأتي المُتكلم بما يجري مجرى المثل من حكمة أو غيرها فيما يحسُن الثمثل به.
هنا نأتي إلى مسألة ضرب اﻷمثال وفوائدها عند العرب: يعني يُضرب المثل -كما تلاحظون- لتقريب المعنى واختصار الكلام وتأكيد الكلام، وتلاحظون أيضا أن ضرب المثل يحفظ  القصة، اﻵن عندما تستشهد بالمثل تُلخِّص الكلام كله ولذلك يقولون "وفي قليل الإشارة غنية عن إطالة العبارة" والعرب قد طُبعت على هذا تحب اﻹيجاز في الكلام والاختصار  وجاء القرآن الكريم على هذا المنهج الذي تعرِفه العرب وتُدركه ولذلك سوف يأتي معنا قوله تعالى (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا..) [سورة البقرة 264] وسوف نشرحه -إن شاء الله- في وقته.
أيضا يضرب المثل للترغيب في الشيء ويضرب المثل أحيانا للترهيب يعني مثلا للترهيب منه وللتقبيح لشأنه قوله سبحانه وتعالى (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ...) [سورة الحجرات 12] هذا لتقبيح شأن الغيبة وتصويرها كأنها أكل لـ..، أنت اﻵن تستبشع أن تأكل لحم أخيك وهو حي فكيف به إذا كان ميّتا؟! هذا دليل على قُبح الغيبة.
ويضرب المثل للمدح والتحسين كما قال الله سبحانه وتعالى عندما ذكر الصحابة رضي الله عنهم ومدحهم فقال (ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّورَاة وَمَثَلُهُم فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ ..) [سورة الفتح 29] .
ويُضرب المثل للذم كما ذكرنا لكم قبل قليل في ضرب المثل للعالِم الذي لم يعمل بعلمه بالحمار وبالكلب.
 والعجيب وأنا أقرأ في الموضوع قبل أن آتي إليكم أجد أن الأمثال الموجودة في القرآن الكريم، اﻷمثال الموجودة في لغة العرب، اﻷمثال الموجودة في العاميات العربية باختلافها، اﻷمثال الموجودة في اللغات الهندية والإنجليزية والفارسية راجعتها جميعا فوجدت المعاني مُتقاربة ﻷن اﻹنسان واحد والتجارب التي يمرُّ بها الناس واحدة ولذلك وجدت مثلا عند اﻹنجليز يقول 《إذا أردت السلم فاستعد للحرب》(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ... ) [سورة اﻷنفال 60] ترهبون فقط، نحن نريد السلام ولا نريد الحرب لكن ليس معنى أنك تُريد السلام أن تتخلى عن أسلحتك ﻷن العالم اﻷقوياء لا يعترف إلا بالقوي ولذلك أنظر هذا مثَل عندهم يقولون إذا أردت السِّلم فاستعدّ للحرب  أنت لا تعتدي ولكن سوف يردع ذلك المعتدين.
فهذه الأمثال متقاربة وقد كتب أحدهم كتابا سماه (رحلة اﻷمثال) بعضهم يقول هذا المثل لنا أصلا لكن أنتم أخذتوه، لكن نحن نقول هذه أصبحت من التراث اﻹنساني المشترك،هذه الأمثال ولذلك يحضرني مثل صيني قديم يقول 《لا تلُم أخاك حتى تمشي في حذائه عشر خطوات》أنت أحيانا ترى بعض الناس مهموم أو يتخذ قرار تلومه عليه في حين أنك لو وضعت نفسك في مكانه ربما اتخذت نفس القرار أو ربما قرارا أصعب منه، فلا تلُم أخاك حتى تقف في موقفه هذا معنى المثل. هذا المثل مشهور عند العرب وقد أخذه أبو الطيب المُتنبي فأودعه قصيدته:
لا تعذِل المشتاق في أشواقه ** حتى يكون حشاك في أحشائه
إن القتيل مضرجا بدموعه ** مثل القتيل مضرجا بدمائه
هو بنفس المعنى، وأيضا يوجد له لفظ عند العرب وعند اﻹنجليز، فهذه تجارب مشتركة بين اﻷمم لا تكاد تختصّ بها أمة دون أمة.
هذا -أيها الإخوة- مقدمة عن اﻷمثال عند العرب وما أُلِّف فيها وما صُنِّف فيها وعن كون هذه اﻷمثال هي هذه الخلاصة المركّزة المُوجزة التي أوجزها العرب وجمعوها في قول بليغ موجز حتى يسير ويشيع في الناس.
 استخدمها القرآن الكريم في مواضع كثيرة وجاء القرآن الكريم بأمثال لم تعرفها العرب في بلاغتها وإيجازها وإن كانت فهِمتها، وهناك آيات صرَّح الله فيها بذكر المثل وهذه التي ركزنا عليها في هذه الدورة مثل قوله سبحانه وتعالى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ..) [سورة البقرة 17] ومثل قوله سبحانه وتعالى (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) [سورة البقرة 171] ومثل قوله سبحانه (مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَٰذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [سورة آل عمران 117] إلى آخرها.
والمؤلف هنا الد. محمد جابر الفياض جمع اﻷمثال التي وردت فيها اﻷمثال الصريحة والتي ذكرها ابن القيم أيضا وذكرها الماوردي، وأيضا رتّب اﻷمثال التي وردت في العهد المكي واﻷمثال التي وردت في العهد المدني وكانت أكثر .
والموضوعات التي وردت فيها هذه اﻷمثال متفرقة منها موضوعات في شأن المنافقين والحديث عن المنافقين وستأتي معنا اﻵن في أول سورة البقرة،  ومنها أمثال وردت في شأن اﻹيمان بالله سبحانه وتعالى، وفيها أمثال ضربت في شأن المخالفين -الكفار-، وفيه أمثال ضربت للمعرضين من العلماء الذين لم يعملوا بعلمهم أو الذين كفروا أو غير ذلك. فهي في موضوعاتها مختلفة إختلافا كثيرا حسب السياقات التي وردت فيها.
                                                                                                                                  
اقرأ المزيد...