الأربعاء، 8 مايو 2024

ما الراجح في المراد بالقروء في قول الله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء}؟

س: ما الراجح في المراد بالقروء في قول الله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء}

الجواب: 

القرء في اللغة ما يأتي على وقت معتاد، يقال: أقرأت الرياحُ إذا هبّت لوقتها المعتاد الذي تُتحرَّى فيه، ومنه قول الشاعر:

شنئتِ العقرَ عقرَ بني شليلٍ ... إذا هبّت لقارئها الرياحُ

فهي رياح يتحرّون هبوبها كلّ سنة في وقت معتاد فينحرون ويُطعمون.

والحيض والطهر كلاهما قرء لمجيء كلّ واحد منهما لوقته المعتاد.

اقرأ المزيد...

فوائد الآيات (38 - 66) من سورة البقرة

 ● لما قال الله عز وجل (وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به) هذه تعطينا فضل أولية الخير وذم أولية الشر. الأول في الخير، الأول في الشر، ما موطن زيادة المدح لهؤلاء، وزيادة الذم لهؤلاء؟
 الأولية في أي صفة تعطيك صفة التمكن من الصفة. إذا صرت أول واحد فهذا يعني أنت متمكن أكثر من غيرك، وإذا كنت متمكن أكثر من غيرك وأنت سابق لغيرك فهذا يعني أن غيرك يقتدي بك. فإذن يرتفع قيمتها في المدح، ويرتفع أيضا ذمها في إذا كانت الأولية في الكفر. ولذلك يأتي في القرآن، يعني الآن في السياق اليهود (ولا تكونوا أول كافر به) ولكن مثلا في سورة آل عمران ويأتي في سورة متعددة مدح (وأنا أول المسلمين) تكررت كثيرا على سياق المدح. طبعا يناسبها في السياق تطبيقات هذه في الحياة كثيرة وهي تناسب حال النزول لأن الصحابة سيكون لهم الأولية في الخير باعتبار طبعا بحكم العامل الزماني، الصحابة متقدمون زمانا عن غيرهم، فسيكونوا هم أول من أسلم، وهم أول من تمكنوا في هذه الصفات، ففي هذا ترغيب للمؤمنين بقوة الانقياد والاستسلام، خصوصا إنه ستأتي تفاصيل كثيرة في الأحكام التشريعية.

● التحذير من المسالك التي تفضي لترك اتباع الحق.

● (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) هذه فيها الاستبدال

● (ولا تلبسوا الحق بالباطل) هذه فيها اختلاط الحق بالباطل وتغيير المسميات، تغيير المصطلحات، الشيء الباطل تعطيه مصطلح حسن، والشيء الحق تعطيه مصطلح سيء، هذه فيها لبس الحق بالباطل. الصورة الثالثة كتمان الحق، أن يكون عندك معرفة بالحق ولكن تُخفيه عن الآخرين، فيستمرون الناس في الضلالة وأنت ما بينت لهم طريق الحق. فإذن هذه كلها من الأمور التي تشرح لك مسالك الضلالة في الحياة.

 ● إذا تفكرت كل أنواع الضلال على وجه الأرض تكون متفرعة من أحد هذه الأمور الثلاثة، فليحذر منها الإنسان ألا يُؤتى من قِبلها بحيث يكون هو داعية إلى ضلال عن طريق هذه الأمور. ولاحظ أنها الأشياء التي قد تخفى على النفس، يزين لك الشيطان فتراها حسن لكن في الحقيقة ما تنفك من وحدة من الصفات، فهذه إذا المسالك التي تفضي إلى ترك اتباع الحق، وهي مكرورة في الحياة.

■ تحديدا عند (وتكتموا الحق وأنتم تعلمون) السورة مرجع في مسائل الكتمان، فالسورة بينت التحذير من كتمان الحق خاصة إذا اشتدت الحاجة لبيانه ومن ذلك مثلا إجابة المستفتي إذا كان مسترشدا للحق فيجب البيان له في مثل هذه الحالة، لكن السورة ليست هذا الموضع الوحيد الذي ذُم فيه الكتمان، مثلا في آخر السورة في آية الدين (ولا تكتموا الشهادة)، في قصة آدم ورد فيها (وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون)، وأيضا سيأتي (ومخرج ما كنتم تكتمون) فما أكثر ما إن الإنسان يبطن إثما، قد يبطن حقا وهو حقه أن يُوضح، أو ربما بالعكس، في مسألة الكتمان صور أخرى أنه يكون يُبطن باطلا فيلبس على الآخرين.

■  في آية (45) (واستعينوا بالصبر والصلاة) اقتران الصبر بالصلاة دليل على تأثير كل منهما على الآخر. فأن تُقيم الصلاة على الوجه الصحيح تحتاج للصبر. وإذا وقعت في مصيبة فالصبر يُستجلَب بإقامة الصلاة وإقامة العبادات، فلذلك قرن بينهم في أكثر من موضع، وعن حذيفة رضي الله عنه قال كان النبي ﷺإذا حزبه أمر صلى. فهناك تقارب أو يعني ضمائر أو اقتران بين هاتين العبادة.

من الفوائد أيضا: في آية (44 ) توبيخ من يأمر الناس بالبر ولا يفعله (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب) ومن يفعل ذلك بماذا يوصف؟ إن هذا الأمر منافي للعقل، ولذلك قال في نهاية الآية (أفلا تعقلون) إذن توبيخ من يأمر الناس بالبر ولا يفعله فهذا مناف للعقل إذ أن العقل يقتضي أن الإنسان لا يأمر بشيء إلا وهو يفعله، أما أن يتعهد الآخرين وينسى نفسه هذا من السفه. 
وهذه مسألة حساسة، كثير من الناس من يُحجم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسبب أنه يتذكر عنده خطيئة في باب آخر ثم يقول لا، أنا لا أريد أن أكون من أهل هذه الآية فيُحجم تماما عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتوسط -كما ذكر ابن عثيمين- "أن يأمر بالمعروف ويجاهد نفسه على فعله، وينهى عن المنكر ويجاهد نفسه على تركه" فالأصل أنه يدعو للخير وينهى عن الشر ويجاهد نفسه في فعل الخير وفي ترك الشر، أما أن لا يفعل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا إذا كان كعمل الأنبياء مثلا لا يقع منه خطأ ولا يقع، فهذا مسلك من مسالك الشيطان في التلبيس عليه حتى يوقفه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 

■ في قوله تعالى في آية (58) في وصف بني إسرائيل (وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة) نستفيد منها مشروعية الاستغفار والانكسار بين يدي الله سبحانه وتعالى عند تحقيق النعم وخاصة النعم الدينية. إذا تفكرت مثلا سورة النصر لما فتح الرسول ﷺ مكة قيل له (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) تأمل في ختام الصيام، في ختام الحج، في ختام الصلوات الاستغفار، كل نعمة دينية إذا فرغ منها العبد يُشرع له الاستغفار، فهنا من جنسها لما فُتحت الأرض المقدسة قيل لهم ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة).

● نهاية الآية (وسنزيد المحسنين) أفادت أن الإحسان سبب لزيادة الأجور.

● أيضا بينت لنا نفس هذه الآية أن أرجى أنواع التوبة قبولا التي يجتمع فيها القلب واللسان والجوارح. الجوارح في قوله تعالى (ادخلوا الباب سجدا) اللسان في قوله (وقولوا حطة) أي الاستغفار، و القلب طبعا هو الذي يجمع بين اللسان وبين الجوارح. فإذا لتكن توبتنا دائما إذا سابقنا الشيطان في الوقوع في خطيئة، فليكن استغفارنا وتوبتنا تجتمع فيه هذه الأمور الثلاثة فإنها أرجى للقبول.

■ في قوله (وإذا استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر) 
في هذه الآية بينت آيات الله العظيمة في الماء واليابسة لموسى عليه السلام، فتارة يُجعل اليبس وهو الحجارة له ماء، لأنه لما ضرب الحجر تفجّر منه الماء كما في هذه الآية التي بين أيدينا، وفي مواطن أُخر كان الماء سببا للنجاة بدلا أن يكون سببا للغرق، فمثلا في لحظة الميلاد أُوحي إلى أمه أن تقذفه في التابوت وتلقيه في الماء، فبدل أن يكون غريقا وصل إلى بيت فرعون وتربى في بيت ملك فصارت نجاة له، ثم بعد ذلك لما لحقه فرعون وواجه الماء (وإذ فرقنا بكم البحر) أُمر أن يضرب هذا البحر بالعصا فجُعل يبسا بل جبالا ليغرق عدوه، فكانت هذه المسألة الماء واليابسة، آيات عظيمة في قصة موسى.
■ لما قال الله عز وجل (فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم) يستفاد منها: الحكمة من جعل الماء اثنا عشر عينا وهو:
● التوسع أولا في النِعم، لو كانت عين واحدة فسيكون فيها ضيق، لكن اثنا عشر فيها توسع في النعمة، وهذه من النعم.
● وفيها أيضا البعد عن العداوة والبغضاء بين فصائلهم، لأن الاثنا عشر كما قال المفسرون اللي هم الأسباط، فأصبح كل سبط ومن معه في عين من العيون، فهناك بُعد عن التناحر، ومعروف تاريخيا دائما مواطن القطر الذي هو الماء ومواطن الزراعة هي التي يكون عليها المشاكل بشكل عام. فكون كل فرقة تستقل بموطن الشرب وما ينجم عنه من زروع هذه إزالة لأسباب العداوة والبغضاء.
 وكذلك الأمر يستفاد منه في حياتنا بشكل عام أنه كل ما أريد توزيع مكاسب فينبغي أن يُراعى فيه ما يزال به الأحقاد فلا يستحوذ فريق عن الآخرين بنيل هذه المكاسب فإن هذا أدعى لحصول العداوة والبغضاء بين الناس.
 ● في نهاية هذه الآية التي قيل فيها (وإذ استسقى موسى) في نهاية الآية قال الله عز وجل (كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين) فأفاد هذا الأمر: أن نحذر من كثرة النعم لأنها قد تكون سببا للإفساد في الأرض. وهذا شيء معروف أن المجتمع إذا صار فيه رغد كبير من العيش إن لم يتعاهد نفسه فإن الفواحش والمعاصي والإفساد تكثر، وسبيل النجاة من هذا الأمر يعني ألا يقع فينا هذا الوصف أن تُستعمل هذه النعم في طاعة الله وأن يُلتزم شُكرها، فإن هذا الأمر يكون فيه الحذر من هذه النتائج السيئة. 
■ في قوله تعالى (قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) نستفيد منه اختيار الأدنى دون الأعلى فيه شبه من اليهود. 
ومن أمثلته: اختيار المُحرم على الحلال، ما أكثر ما يكون في الحياة، يكون الشيء الواحد له صورة حلال وله صورة حرام، فمن يتجه للمحرم ويترك الحلال فهو يشابه اليهود (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير).
 مثال: الزنا والزواج المقصد واحد قضاء الشهوة، لكن أن تزني وتترك الحلال هذه استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، وبذلك في الحياة بشكل عام كلما ضعفت النفس أمام معصية فليتذكر الإنسان ما الذي أمامها من الحلال وليستبدله به لأنه في هذه الحالة يكون استبدل الأعلى بالأدنى، وليس الأدنى بالأعلى، فهذا معيار في الحياة كيفية يكون ترتيب الأولويات والاختيارات على ضوء من الشرائع السماوية.

● الآيات بينت إثبات قانون الأسباب فعقوبات بني إسرائيل كلها مسببة. يعني بمعنى أن فيها أدوات تعليل، وهذه طبعا دعوة للدراسة اللغوية، معرفة أدوات التعليل. لأنه كل عقوبة كانت مسببة بمعصية (بما كانوا يفسقون) (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) إذا فيها إشارة إلى أنه بسبب أفعال وقعت لهم هذه العقوبات.

 ● الآيات بينت أن الكتب السماوية والأديان شأنها أن تؤخذ بقوة (خذوا ما آتيناكم بقوة) ونظائرها كثير في القرآن كما في قوله تعالى (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) والقوة عكسها اللين أي خذها لا بضعف ولا بلين، بل بقوة. والقوة هذه تشتمل أو يعني يمكن ان توزع على أمور متعددة القوة تشمل:

● القوة في التطبيق

● القوة في الدعوة إلى الله

● القوة في أخذ القرآن

● القوة في الإخلاص

الحرص على العمل بالقرآن، تلاوته والتزكية به، فالقرآن مليء بالأوامر والنواهي والمواعظ والبيان تحتاج إلى قوة، قوة في القلب وقوة في العمل بحيث أنها تدفعك إلى أن تنشُط في فعل الخير، وتعينك على ترك الشر، وهذا يمكن يكون يفسرها في قوله تعالى (يتلونه حق تلاوته) قال المفسرون في حق التلاوة معاني شبيهة بمسألة الأخذ بالقوة.

■ بيّنت الآيات أيضا: تحريم التحايل على المحرمات ووصف ذلك بالعدوان كلما تحايلت على الشريعة ولبست الحق بالباطل فإنه اعتداء على الشريعة، وبيانه في آية (65) (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسرين)، ومعلوم أن قصة أصحاب السبت مفصلة في سورة الأعراف كيف أنهم نصبوا شباكهم يوم السبت بحيث أنهم صار صورته ما صادوا يوم السبت لما حرم عليهم. ولكنهم فعلوا بالتحايل ما يشبه أن يكونوا صادوا في ذلك اليوم، فسمى عملهم اعتداء. وهكذا يؤخذ منها إن كل تحايل على الشريعة فهو اعتداء في الدين.

■ في هذه القصة تحديدا بينت أن الجزاء من جنس العمل حيث كانت عقوبة هؤلاء المتحايلين لما نصبوا الشباك وصادوا يوم الأحد وهم في الحقيقة يعتبروا صادوا يوم السبت المحرم كانت العقوبة مسخهم قردة وخنازير، لأن الآية قالت (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) فذنوبهم صورتها صورة مباح لكن حقيقتها هي المحرم، فكذلك القرد، القرد يشبه الآدمي في الشكل لكنه حيوان بل وأقبح الحيوانات، فالجزاء كان من جنس العمل.

■ في التعقيب على هذه العقوبة (قردة خاسئين) قال الله عزوجل بعدها (فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين) هذه بينت أن المواعظ قسمين: قسم كوني قدري، وقسم شرعي:  
● فالكوني القدري كما في مثل هذه الآية مسخوا قردة وخنازير، بمعنى إنه قدر في الحياة الدنيا يتغير ويكون عقوبة، فهذا يناسب قلوبهم القاسية.
الشرعية نأخذها من نصوص أخرى كما في سورة يونس لما قال الله عز وجل (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) فهذه تناسب القلوب اللينة العارفة بالله. فإذا القلوب القاسية يناسبها الموعظة القدرية، والقلوب اللينة يناسبها مجرد الموعظة التي في خطاب الشرع في الكتاب والسنة. 

-----------------------------------

https://t.me/fwaidalayat

اقرأ المزيد...

النعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل في سورة البقرة

■ النِعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل:
بعد قصة آدم عليه السلام سيبتدئ الحديث عن بني إسرائيل. وذكرنا في صدر الكلام عن السورة أن بنو إسرائيل تقريبا شغلوا ثلث السورة، فما هي طريقة الحديث التي وردت في سورة البقرة عن بني إسرائيل؟ وهو موضوع ورد في أكثر من سورة في القرآن، تفصيله الأطول كان في السور المكية ونعلم أن من أعظم مقاصد القصص القرآني تسلية النبي ﷺ، ولكن ذكرها في سورة البقرة مختلف إلى حد ما عن طريقة عرضها في المكيِ. سنجد أن ما ذُكر في هذه القصة كل آية كأنها عنوان لقصة ستذكر فقط رأس الحادثة لكن لها مقصد في ذكره أما تفصيلها فارجع لها مثلا في سورة الأعراف، كل حادثة من هذه الأحداث لها تفصيل أطول.
■ فما ذُكر في هذه السورة: 
● قسم منه يتحدث عن النِعم التي أنعم الله عز وجل بها على بني إسرائيل.
● وقسم يتحدث عن مواطن الذم التي ذم الله عز وجل بها بني إسرائيل.
● ثم بعد ذلك أيضا قسم من هذه الآيات تتحدث عن العقوبات الشرعية والعقوبات القدرية الكونية في الحياة الدنيا التي وقعت على بني إسرائيل نظرا لما وقع منهم من أعمال.  نذكر الآن إجمال ثم ندخل في مسألة الفوائد.

■ من النِعم التي ذُكرت لهم هذا الأمر:
 أولا نِعم إجمالية:
● لما قال الله عز وجل (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) هذه تكررت حوالي ثلاث مرات في السورة، -وطبعا العالمين المقصود بهم عالمي زمانهم- فكانت هذه نعمة ينبغي أن تكون سببا لقبول الحق، سببا لشكر الله سبحانه وتعالى، سببا للاستسلام لا كما فعلوا، وهذا طبعا فيها من الفوائد أنه كلما استجدت عليك نعمة فلتجدد عهدك مع الله سبحانه وتعالى عبودية وشكرا وإلا شابهت بني إسرائيل لما أنعم الله عزوجل عليهم كيف قابلوا هذه النِعم. 
 ما هي هذه النعم؟
 نبدأ في النظر فيها من عند (وإذ نجيناكم من آل فرعون) كل الآيات التي بعدها تبتدئ (وإذ)، (وإذ) ظرفية زمانية أي كأنه قيل أذكر في ذلك الزمان ما الذي حدث لهم من نِعم، وكيف منّ الله عز وجل عليهم أمام كل حدث من هذه الأحداث. فمن بين النعم:
● أولا: نعمة إنجائهم من فرعون بعد الاستضعاف، والاستضعاف صورته سورة القصص بشكل طويل، بل كانت ملخصا كان في بداية سورة القصص (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) فذكر الاستضعاف، تفصيله هناك لكن هنا الشاهد أنهم بعد الاستضعاف حصل لهم أن أنجاهم من فرعون بل وأهلك عدوهم والإهلاك كان بمرأى من أعينهم حتى تُشفى صدورهم ويُشفى غيظ هذا الظلم الذي عاشوا فيه، لأنه قال بعدها (وأنتم تنظرون) (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) ثم بيّن كيف حدث الإهلاك (وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون) فكلمة (وأنتم تنظرون) تُبين شفاء الغليل أمام هذا العدو الذي استضعفهم وظلمهم فكيف فعل الله سبحانه وتعالى بهم.
● نعمة أخرى: نعمة العفو عنهم لما اتخذوا العجل بعد هذا الإنجاء وبعد هذه النعم العظيمة يشركون ويعبدون عجلا ومع ذلك يعفوا الله عز وجل عنهم فهذه أيضا نعمة لأنه قال (وإذا واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون* ثم عفونا عنكم من بعد ذلك) فهذه أيضا نعمة.
● نعمة إنزال التوراة: نعرف أن إنزال التوراة حصل بعد إهلاك فرعون، بعد أن تمكنوا وبعد أن أصبح لا يوجد عدو، أصبحوا هم فقط ونبيهم تنزل التوراة. فهذه من أعظم النِعم. فهذه أيضا نعمة.
● نعمة إحياؤهم بعد الموت: لما سألوا رؤية الله جهرا ونزلت عليهم الصاعقة وأهلكتهم فقال الله سبحانه وتعالى (ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون).
● من النعم أيضا نعمة الغمام وإنزال المنّ والسلوى لما كانوا في التيه (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المنّ والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).
● من النعم أيضا فتح الأرض المقدسة: (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا..) إلى آخر الآيات.
● نعمة تفجير العيون لكل سبط من أسباطهم (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر) فهذه أيضا من النِعم.
 ثم بعد ذلك ستأتي قصة البقرة وفيها إظهار الحق بمعجزة قصة البقرة.

مواطن ذم بني إسرائيل في السورة :
هذه النعم أين موطن الذم فيها؟ بعد كل نعمة كان فيه حديث عن موطن ذم، فمثلا من مواطن الذم:
●أنهم عبدوا العجل بدلا أن يوحدوه. يعني الأصل فيهم أنهم لما الله عز وجل أهلك عدوهم هذه ساعة أن يُظهروا لله عز وجل كيف يعبدوه فعبدوا العجل، فهذا موطن ذم.
● لما أصلا يسألوا أن يروا الله جهرة هذا سوء أدب وقلة عقل.
● لما يطلبهم إلى دخول الأرض المقدسة ويعِدهم بالنصر -بيّنتها سورة المائدة- لما قالوا (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) ما استجابوا للدفاع إلى الأرض المقدسة فعُوقبوا بالتيه.
 
● لما نصرهم الله عز وجل و دخلوا هذه القرية أو حان دخولهم لهذه القرية أمرهم بالدخول سُجدا وأن يسألوا الله أن يحُط ذنوبهم، فبدلوا قول الله سبحانه وتعالى كما في قوله تعالى (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين) ما الذي فعلوه؟ (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم) وهذه بيّنها حديث النبي ﷺ عموما سيأتي له في الفوائد الذي هو التبديل أنهم دخلوا يزحفون على أستائهم وقالوا حبة في شعرة أو في شعيرة، على حسب ألفاظ الحديث، فبدل إن يقولوا حطة أي احط عنا ذنوبنا قالوا حنطة، فأنظر كيف السفه وقلة العقل وقلة الاستسلام لله سبحانه وتعالى.

ومن مواطن الذم أيضا: الجفاء وسوء الخطاب، لأنهم في قصة البقرة (قالوا ادعوا لنا ربك) ولم يقولوا ربنا فكأنه لموسى وليس لهم.
● ثم بعد ذلك عدم استجابتهم بأخذ التوراة بقوة إلا بعد أن رفع الجبل فوقهم كأنه ظلة فأصبح إيمانهم يشبه إيمان المكره وليس إيمان المستسلم المنقاد الخاضع الخاشع لله سبحانه.

 ● وأيضا من مواطن الذم تحايلهم على الحرام ومثاله في قصة أصحاب السبت وهذه وردت في آية (65) (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم قول كونوا قردة خاسئين) فهم تحايلوا على الحرام بدل من أن يستسلموا لطاعة الله عز وجل والإيمان بما جاء به.

أيضا من مواطن الذم لهم أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض حسب أهوائهم (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) فهذه كانت من صفاتهم. وأيضا في الموطن الآخر قال: (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون).
 
من أعظم جرمهم قتلهم للأنبياء، ثم بعد ذلك تكذيبهم بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالرغم من معرفتهم أنه نبي لهم (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا) لاحظ (ما عرفوا) يعرفون (كفروا به فلعنة الله على الكافرين).

 ● كثرت نقضهم العهود والمواثيق (أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون).

 إذا هذه الأمور أو بعض الأمور التي ذمهم الله عز وجل بها في سورة البقرة.
ما العقوبات على هذه الأمور التي ذكرها لهم؟
●  عقوبة التيه.
● عقوبة التوبة بالتقتيل، وهذه طبعا من التعسير، لا شك إن التيسير على أمة محمد مجرد بينك وبين الله تستغفر أما هذا فيقتل بعضكم بعضا.
 ملازمة صفة غضب الله عز وجل عليهم، ولذلك أصبحت علما عليهم هذه الصفة (غير المغضوب عليهم) كما في سورة الفاتحة.
● ضربت عليهم الذلة والمسكنة والفقر، هذه أيضا من العقوبات.
 فإذا هذه مجمل ما ورد في الحديث عن بني إسرائيل داخل سورة البقرة.
-----------------------------------
اقرأ المزيد...

فوائد من قصة آدم في سورة البقرة

   ■ قصة آدم عليه السلام 

بعدها تأتي الآيات تتحدث عن قصة آدم عليه السلام، وقبل أن نستفتح فوائد هذه القصة، لا بد أن نعلم أن كل ما يرد فيه من تفاصيل في قصة آدم فهي حكاية الفطرة البشرية بأكملها. هي نعم أثبتت أحداث وأثبتت حوار كما حُكي في هذه القصة، لكن كل معلومة تُذكر داخل هذه القصة فهي تحكي مسيرة البشرية بشكل عام، وهذه نبّه عليها غير واحد من المفسرين، يعني نجد مثلا السعدي في سورة طه في قصة آدم لما قال الله عز وجل (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) قال تحت تفسير هذه الآية "فصار عبرة لذريته وصارت طبائعهم مثل طبيعته، نسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ فخطئوا ، ولم يثبت على العزم المؤكد وهم كذلك، وبادر بالتوبة من خطيئته وأقرّ بها واعترف فغُفرت له، ومن يشابه أباه فما ظلم" ولذلك سواء قرأت هذه القصة في البقرة أو في الأعراف أو في الإسراء، أو في طه كل المواطن لابد أن نقرأها لأنها تشرح نفوسنا، وتشرح مسيرة حياتنا بشكل عام فلنتدبرها بشكل كافي حتى ترسم لنا خطانا في طريق الحياة.

من الفوائد:
١-  الآيات بينت إن الإنسان خليفة لما قال الله عز وجل (إني جاعل في الأرض خليفة) وكونه خليفة هذه بمقتضى الجعل الإلهي، يعني بمعنى أنها فطرة وهو ليس مُخير في ذلك الأمر. لكن تميز الإنسان بالخلافة، هذه الخلافة هي مظهر من مظاهر تكريمه على سائر المخلوقات، فإن معه على هذه الأرض مخلوقات متعددين، بل ومكلفين مثل الجن، ومع ذلك الخلافة جُعلت للإنسان، فهي من مظاهر تكريمه.

2- الخلافة مرتبطة بقضية عمارة الأرض، فكان خلق الإنسان بعد خلق السماوات والأرض بكل طاقاتها وإمكانياتها تدل على أنه مُستخلف فيها ويعمرها أيضا، لأنه إذا تفكرت سواء هنا أو في الأعراف أو في غيرها، قبل قصة آدم تأتي من الآيات ما تدل على تهيئة الأرض لآدم عليه السلام، يعني مثلا لما قال الله عز وجل (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) الآية التي قبلها  كانت (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم) إذا كأن هذه الأرض هُيأت ثم أهبط إليها واستُخلف فيها ليعمُرها، فهذه يعني نظرة عامة في الحياة، وبالتالي هذه الأرض هو يعمُرها وهي مسخرة له، ولذلك تأمل في سورة الإسراء (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) فذكر مع التفضيل مسألة حمله في البر والبحر، كيف يُحمل في البحر؟ هذا من سبيل تسخير البحر للإنسان. ثم بعد ذلك الأمور التي ذكرت كلها تشرح هذا الأمر.

ما الذي تقوم عليه هذه الخلافة؟ هو العلم، وليس العبادة فقط. 
الملائكة فهمت أنها العبادة فقط، وبيّن لها الله سبحانه وتعالى أن الخلافة مرتبطة مع العبادة بالعلم أيضا لأنه قال للملائكة (قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) قال لهم (إني أعلم ما لا تعلمون) ثم قال (وعلّم آدم) فالعلم من مقومات الخلافة وبالتالي طلب العلم بشكل عام صورة من صور إنسانيتك وتكريمك على سائر المخلوقات، والبقاء في دائرة الجهل فإن الإنسان ينتقص نفسه لأنه مُكرم لأجل العلم.

 ٣- من الفوائد أيضا: مشهد الأكل من الشجرة بيّنت حكمة الله سبحانه وتعالى في الجزاء على الذنوب في حالتيها، أنا عندي ارتكاب الذنب له حالتين:  إما أن ترتكب الذنب وتُصر عليه وتستمر فيه ، أو ترتكب الذنب ثم تتوب وتستغفر. فهنا بيّنت الآيات حكمة الله سبحانه وتعالى في الجزاء على الذنوب في حالتيها: في حالة التوبة، وفي حالة الإصرار، وما يترتب عليها أيضا من أمور متعددة منها: حُسن الأسوة حين التوبة، الحذر من الذنب، موضوع الطبيعة البشرية أمام التكليف الرباني فهو تعليم للإنسان من جهة التكليف أنه سيواجهه وسوسة للشيطان باللذة، وسيواجهه في طبيعته أنه ينسى نسيان للعهد بالمعصية، ويواجهه أنه أيضا مفطور على معرفة ربه، فهناك الذكر بعد الغفلة كما حصل مع آدم عليه السلام، ثم بعد ذلك تسديد هذا الأمر بطلب المغفرة، هذا كله محطات داخل قصة آدم ينبغي أن نتأملها جليا لأنها كلها أمور فطرية مكرورة في النفس البشرية، إذا تأملت حياتك، كل إنسان يرجع لنفسه، واجه أمور، إنه ضعف أمام معصية تسلط عليه الشيطان، زيّن له هذه المعصية، وقع فيها ثم بعد ذلك استغفر، ما الذي يجعلني استغفر؟ لأنه من طبيعته أنه يستغفر، وما الذي يجعله يستمر ويُصر على معصيته؟ لأنه تسلط عليه الشيطان، هذا المشهد كله تعليم للبشرية كيف يتعلم من مشهد الجزاء على المعصية. 

٤- هذه القصة بيّنت أيضا: أن الملائكة طبيعتهم خير محض وعبوديتهم كاملة لله سبحانه وتعالى، في المقابل الشياطين شر محض، سأل الله النظِرة إلى يوم القيامة ليُضل الذرية، فلا يكفي أنه لم يسجد بل أراد أن يُضل غيره، فهو في غواية مستمرة. أما الإنسان فهو مزدوج الطبيعة، فهو يعبد الله باعتبار صفاته البشرية -وهذه ننتبه لها جيدا- يعبد الله بصفته البشرية وليست بصفته الملائكية، وإذا عصى فإنه يعصي أيضا بطبيعته البشرية وليس بالطبيعة الشيطانية *** فهذه الطبيعة تجعل الإنسان يستطيع أن يتوب، وتجعل الإنسان لا يقنط من رحمة الله سبحانه وتعالى، وتجعل الإنسان أيضا لا يحسب نفسه ملكا يستطيع أن يعبد في كل أحواله، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أجاب على النفر الثلاثة أنه يصوم ويفطر، وينام ويقوم، ويتزوج النساء فهو ينبغي أن يعبد الله عزوجل على طريقته البشرية. عموما هذا موضوع طويل لن نطيل فيه.

٥- من أهم الأمور الواردة في هذه القصة إنه بعد المعصية كان في قوله (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) والتي بُيّنت في سورة أخرى (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)، وفي الحديث (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم) وجاء في الحديث أيضا (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) هذه لا بد أن نفقهها جيدا من هذه القصة. وعموما الموضوع له امتدادات أطول من ذلك.

٦- بينت الآيات إن الخطيئة فردية يتحملها صاحبها فقط، بالذات تحديدا في هذه القصة فيه ضلالات كثيرة، وفيها ادعاءات الكتب الأخرى التوراة والإنجيل، لكن ما ورد في القرآن (وعصى آدم ربه فغوى) فتحمل خطيئتة وحده وليس أن هناك أحد سيتحمل خطيئة الآخر.

 ٧- أيضا بينت فطرية التأثر بالترغيب والترهيب (قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون* والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون).

٨- بينت الآيات أيضا: التحذير من عداوة الشيطان للإنسان، فهي عداوة مستمرة عبر التأريخ البشري (قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو) إذا المسيرة كلها فيها عداوة، وفيها طرفين كما في قوله تعالى (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا) فالعداوة مستمرة بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان. 

٩- بينت الآيات أيضا: أن في التوبة على آدم - كما ذكرنا - تعليم للذرية كيف يتوبون، فالعبارة والصيغة التي ذكرت هي صورة من صور الاعتراف بالذنب، والتوسل إلى الله عز وجل بروبيته، والتوسل بحال العبد (ظلمنا أنفسنا) وبعد الدعاء اذا لم يحصل المقصود يقول (وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) هذا الدعاء بكافة مدلولاته يعلمنا الصيغ الكُملى في الدعاء لله سبحانه وتعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فوائد الآيات من دروس التفسير

اقرأ المزيد...

تدبر سورة الكهف (2)/ د.محمود شمس

 بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.. سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا رب العالمين وبعد.. فإني أحييكم بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وإني لأسأل الله تبارك وتعالى أن يشرح صدورنا وأن يجعلني وإياكم من أهل القرآن الكريم الذين هم أهل الله وخاصته.. وها نحن نلتقي في لقائنا هذا وتدبر سورة الكهف..
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ (1)) 
 (الحمد لله) من رحمة الله جل وعلا بالعباد أنه جعل قولنا (الحمد لله) كلمتان سهلتان خفيفتان يستطيع كل واحد منا أن يقول الحمد لله، فليس هناك فرق بين إنسان بليغ في قوله الحمد لله ولا بين إنسان عامي لم يتعلم، فالكل يستطيع أن يقول الحمد لله، وهذه من رحمة الله جل وعلا، لكن يبقى هناك فرق وهو الفرق في حضور القلب وإخلاص القلب في قولها. يعني أن يستحضر الإنسان الحمد لله على كل نعمة، والحمد لله على السراء والضراء، والحمد لله على كل حال. فالكل يستطيع أن يقول الحمد لله لكن حضور القلب والإخلاص لله في قوله ذلك يختلف بين إنسان وآخر. وهذا هو الفيصل.
الله تبارك وتعالى علمنا هنا أن نقول (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ) فنحمد الله جل وعلا أن أنزل على عبده الكتاب،وأتى الله بالاسم الموصول (الذي) ليُجري جملة الصلة التي بعده ليقول انتبهوا مضمون الصلة مهم جدا. ما مضمون الصلة؟
أولا: جملة الصلة هي (أنزل على عبده الكتاب) أي الجملة التي بعد (الذي). فالله تبارك وتعالى يريد أن يعلمنا أن نحمده على أنه أنزل على عبده الكتاب، وليعلمنا أن الحمد لا يجب إلا لله جل وعلا  على إنزاله الكتاب، لأن الله وحده هو الذي أنزل على عبده الكتاب.
 وأما ذِكر النبي صلى الله عليه وسلم بوصف العبودية فمقام تشريف ومقام تقريب لمنزلته، تقريب لمنزلة النبي محمدا صلى الله عليه وسلم. ولذلك وُصف النبي صلى الله عليه وسلم بالعبودية في القرآن الكريم خمس مرات، ثلاث مرات منها ذُكر مع القرآن الكريم ذكرا صريحا:
 المرة الأولى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) فهذا أيضا مقام تشريف وتقريب لمنزلته صلى الله عليه وسلم. 
وهنا (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب)
■ وفي قوله (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده) هذه هي المواضع الثلاث.
والموضع الرابع أيضا مرتبط بالقرآن الكريم لكن مفهوما في قوله (وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا).
■ والموضع الخامس: في الأنفال في قوله تعالى: (وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان)
إذا العبودية للنبي صلى الله عليه وسلم تشريف وتقريب لمنزلته.

(الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) الكتاب هو: القرآن الكريم. 
وعندما يذكر الله الكتاب وحده ويأتي باسم الإشارة بالنسبة للكتاب مثل (ذلك الكتاب) ومثل (تلك آيات الكتاب) ومثل التي معنا (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) يكون المقصود الآيات التي تنزلت من القرآن حتى وقت نزول تلك الآية، يعني (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) أي آيات الكتاب التي تنزلت حتى وقت نزول أول سورة الكهف. 
وإذا أراد الله جل وعلا أن يشير إلى الكتاب كاملا يذكر كلمة القرآن غالبا يعني:
(يس والقرآن الحكيم) هو القرآن كاملا من أول نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم من أول مبعثه إلا يوم وفاته. ولذلك قوله تعالى: (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ) لم يقولوا ائت بكتاب. 
 والله عندما قال (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس) عبّر بالقرآن لأن هذا إنزال من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا. إذا الكتاب قد يطلق ويُراد به بعضه، بعضه إلى وقت إنزال هذه الآية.
فالله تبارك وتعالى يعلم الأمة أن تحمد الله جل وعلا على أن أنزل على عبده الكتاب. لكن بالنسبة لنا الكتاب المراد به القرآن كله، يعني كان وقت نزول هذه الآية المراد الآيات التي سبقت هذه الآية في النزول إلى أن أُنزلت، الآن وبما أن القرآن الكريم قد اكتمل إنزاله كله فكلمة الكتاب بالنسبة لنا هو القرآن كله.
● والقرآن هو الكتاب، القرآن: باعتباره مقروء، والكتاب باعتباره مكتوب.
وبالطبع أول ما أنزل القرآن لم يكن مكتوبا فقول الله جل وعلا (الكتاب) هذا دليل على أنه سيُكتب، وسيكتب في مصحف واحد.
والفرق بالنسبة لنا أن نكون على علم بهذا الذي قلته، أن المقصود من (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) نزول الآيات التي قبلها إلى وقت نزول هذه الآية. لكن بالنسبة لنا الآن فنحن نحمد الله جل وعلا أن أنزل على عبده الكتاب كاملا..
الله تبارك وتعالى عندما علمنا أن نحمده على أنه أنزل الكتاب قال: (ولم يجعل له عوجا قيما) ينفي عن القرآن الكريم أن يكون فيه عوج.  ● العوج في الأصل: انحراف جسم ما عن الشكل المستقيم، يعني انحراف شيء حسي عن الشكل المستقيم المعروف. ويطلق ويراد به الانحراف المعنوي عن الصواب. يعني هناك انحراف حسي وانحراف معنوي. 
كلمة (عوج) احتار أهل اللغة بالنسبة للاستعمال اللغوي هل بفتح العين (عَوج) يكون الانحراف المعنوي أم الانحراف الحسي؟
وهل بكسر العين (عِوج) هو الانحراف المعنوي أم الانحراف الحسي؟  
فأهل اللغة حتى اليوم لم يستقروا على أي يكون العوج بفتح العين أم بكسرها. 
 الله تبارك وتعالى أضرب عن ذلك عندما أراد أن يشير إلى العوج المعنوي، أو العوج الحسي. فإذا أراد الإشارة إلى العِوج الحسي يجعل الفعل قبله يتعدى بحرف الجر (في) الذي هو حرف الظرفية كما قال (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها، قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا) فالعِوج في الجبال عوج حسي وتعدى الفعل (لا ترى) إلى العوج الحسي بحرف الظرفية (في). 
● أما إذا كان العوج معنويا فإنه يتعدى باللام كما قال الله هنا (ولم يجعل له عوجا).

/ ما معنى (ولم يجعل له عوجا) و (قيما)؟ 
العوج: أن يكون في القرآن تناقض أو تضاد، فالله تبارك وتعالى يقول إن القرآن الكريم ليس فيه تناقض أو تضاد وإنما كل كلمة فيه لها دِلالة، ودلالة في المعنى، وكل حرف من حروف المعاني له دلالة ودلالة معنوية، يعني له أثر في المعنى.
● وأما قوله (قيما) فكلمة (قيم) من الاستقامة، أي أن الله تبارك وتعالى جعل القرآن قيما ولم يجعل له عوجا. ولذلك كلمة (قيما) حال من كلمة الكتاب، يعني الآية سياقها هكذا : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا. فكلمة (قيما) ليست نعت لكلمة (عوجا) وليست متعلقة بجملة (ولم يجعل له) حتى لا تدخل في النفي، ولذلك في قراءة حفص عندنا له سكت على الألف في كلمة (عوجا). إذن الله تبارك وتعالى عندما قال (ولم يجعل له عوجا) هذه صفة كمال في ذات القرآن، يعني نفي العوج صفة كمال في القرآن الكريم. وأما (قيما) فهي تدل على كمال الانتفاع بالقرآن الكريم. فدلالة (ولم يجعل له عوجا) أن الكتاب كامل في ذاته. ودلالة كلمة (قيما) تدل على أن القرآن كامل في الانتفاع به. لأنه ليس كل كامل في ذاته يكون كاملا في الانتفاع به، هناك أشياء وأناس نجد في ذاتهم فيهم صفة الكمال لكنهم لا ينتفع بهم في شيء ولا يقدمون نفعا. فالقرآن الكريم كامل في ذاته وكامل في الانتفاع به.
● ونفس معنى هاتين الجملتين موجود في قوله (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) فمعنى (لا ريب فيه) تدل على كمال القرآن في ذاته، أي لا تضاد ولا تناقض فيه، و(هدى للمتقين) تدل على أنه كامل في الانتفاع به لأن المتقين قد انتفعوا بالقرآن، فليس الكل يتمكن من الانتفاع بالقرآن إلا من هداهم الله جل وعلا. إذا (ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين).
 إذن القرآن الكريم أنزله الله على عبده وعلمنا أن نحمده على ذلك بأنه أنزل الكتاب على عبده، وأنه لم يجعل له عوجا بل جعله قيما. فالقرآن كل من أراد الانتفاع به في الاهتداء يهديه الله تبارك وتعالى ويوفقه للاهتداء. وأما من أعرض عن القرآن، أو من اتخذ القرآن للقراءة كحروف وكلمات فقط ولا يحاول أن يفهم معناه، أو يهتدي به فمعنى ذلك أن هذا الإنسان قد خسر الكثير.

أما الفرق بين القرآن والفرقان:
القرآن هو: الكتاب المقروء المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من أول مبعثه إلا يوم وفاته.
●أما الفرقان فهو الذي فرق الله به بين الحق والباطل، وبين الصالح المصلح وبين المُفسد لأنه ذكر صفات لهؤلاء وصفات لهؤلاء، وبيّن مصير هؤلاء ومصير هؤلاء.
🏷 في قوله (لينذر بأسا شديدا) كأن ذلك علة لإنزال القرآن، لكن إنزال القرآن لا يقتصر في الحكمة من إنزاله أنه إنذار فقط، فهو إنذار وتبشير للمؤمنين، لأن الشيء يكون له أكثر من حكمة منها ما ظهر لنا، ومنها ما لم يظهر لنا. 

(لينذر بأسا شديدا من لدنه) 
عندما نقرأ (لينذر بأسا شديدا) الفاعل هو الله جل وعلا، أين المفعول به؟ 
 المفعول به تركه الله تبارك وتعالى، لم يذكره لوجود دليل عليه، ما الدليل؟ أنه قال (ويبشر المؤمنين) إذا الإنذار للكافرين.أي يُفهم على أن الإنذار للكافر بدليل أنه قال (ويبشر المؤمنين). 
 س: لماذا لم يذكره الله تبارك وتعالى؟
● أولا: لوجود دليل عليه أنه يبشر المؤمن فيفهم من هذا أن الإنذار للكافر، وليُعمل الإنسان عقله وفهمه في ذلك. يعني القرآن الكريم يريد منا أن نتدبره ونحن نقرأه. 
● ثانيا: أن الأهم هو المُنذَر به وليس الأهم من هو المُنذَر، لأن المُنذَر عُرف أنه الكافر وعليه دليل، فالأهم ألا تنشغل بالمُنذِر، ولا تنشغل بالمُنذَر، بل انتبه للمُنذَر به. 
أين المُنذَر به؟ (بأسا شديدا من لدنه) المُنذَر به البأس الشديد.
 البأس في أصل معناه: الشدة في الألم. ويطلق على القوة في الحرب. 
لكن المراد به هنا قيل: هو شدة الحال في الدنيا، وقيل شدة الحال في الآخرة لأنه من لدن رب العالمين. 
/ الفرق بين (عندنا) و (لدنا): 
●أولا: أن كليهما ظرف يعني عندي ولدني، لكن (لدني) أقرب في الظرفية من (عندي)
 فإذا قلت: "الكتاب عندي" فمعنى (عندي) يعني قد يكون في بيتي، وقد يكون في مكان آخر وهو قريب مني لكنه ليس بين يدي، أما الكتاب لدني يعني تحت يدي. هذا في تعبيرنا نحن. 
فقول الله (من لدنه) أي منه جل وعلا. ولذلك ربنا عندما أراد أن يعلمنا طلب الرحمة علمنا أن نطلبها من لدنه (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة) وأصحاب الكهف حين أووا إلى الكهف قالوا (ربنا آتنا من لدنك). فالله سبحانه وتعالى يعلمنا أن نطلب من الله قمة أنواع الرحمة وهي الرحمة التي تكون من لدنه. 
فهنا البأس الشديد وُصف بالشدة نظرا لقوته ونظرا لصعوبته على الإنسان فما بالنا إذا كان من لدن رب العالمين!!  
● يعني البأس الشديد (من لدنه) أي من لدن رب العالمين جل وعلا.

(وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)) الكهف
في قوله (ويبشّر) قراءتان:
● (ويبَشِّر) وهي من البشارة
و(يبْشُر) وهي مأخوذة من بشرة الوجه.
وبشرة الوجه هي التي يظهر عليها السعادة والسرور بالبشارة. فمعنى ذلك أن البشارة للمؤمنين سيظهر أثر تلك البشارة على ملامح وجوههم عندما يرونها ويرون الأجر الكريم الذي أعده الله يوم القيامة كما قال الله تعالى (تعرف في وجوههم نضرة النعيم) إذا:
(يبْشُر) ظهور أثر البشارة على الوجه
(ويبَشِّر) هي البشارة 
هناك موضع في القرآن الكريم لم ترد فيه القراءتان وهو في قوله تعالى (قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون) لأن هنا خليل الرحمن يستنكر (أبشرتموني على أن مسني الكبر) فهو يستنكر هذه البشارة لذلك لم تقرأ بالتخفيف عند أحد من القراء.
إذا (ويبَشِّر المؤمنين) (ويبْشُر المؤمنين) لأن القرآن الكريم منهج حياة ينبغي أن يطبق في حياتنا في كل شيء. ولذلك لعل هذا -والله أعلم- هو السر في تقديم تعليم القرآن على خلق الإنسان في سورة الرحمن. 
يعني عندما قال الله (الرحمن علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان) هل تعليم القرآن قبل خلق الإنسان أم أن خلق الإنسان كان قبل تعليم القرآن؟
معنى (علِم القرآن ) أي أن الله تبارك وتعالى وضع المنهج المنظم لحياة العباد قبل أن يخلقهم لأنه يعلم طبيعة خلقه ويعلم ما يصلحهم فجعل تعليم القرآن يسبق خلق الإنسان. كما -ولله المثل الأعلى- المهندس عندما يصنع جهازا ألا يضع لهذا الجهاز النظام الذي يصلحه وكيف يصلحه من يريد كما يسمى الكتالوج. فالصانع يضع ما يصلح صنعته قبل أن يوجد المصنوع، وكما قال تعالى(صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون).
 طبعا هناك فرق بين الصبغة وبين الصنعة. فالصبغة هو تنفيذ المصنوع منهج الله جل وعلا فكأنه صبغ بهذا المنهج ولذلك قال الله فيها (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة) يعني أن الله وضع للعباد المنهج ووفقهم لهذا المنهج ووفق من أراد النجاح في هذا المنهج، وفقه الله تبارك وتعالى فكأنه مصبوغ بتلك الصبغة.
س: ماذا عن الأنبياء السابقين؟
الأنبياء السابقين لم يخرجوا عما في القرآن من أسس (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) 
أيضا جعل الله القرآن مهيمنا على ما قبله من الكتب (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) حتى من معاني القيوم المهيمن، أي أنه جعل القرآن قيما أي مهيمنا على الكتب السابقة. (****)

(ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات) اشترط هنا شرطين اثنين في استحقاق الأجر:
 الإيمان والعمل الصالح. فالإيمان بلا عمل صالح هو الإيمان اللغوي ولا يعطي صاحبه الحق في استحقاق الأجر إلا بالعمل الصالح. 
ولذلك قلت سابقا إن الله تبارك وتعالى جعل النفس المؤمنة التي لم تعمل الصالحات قط مع النفس الكافرة في حكم واحد عندما قال الله تعالى: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها) ذكر أن نفسا لن ينفعها الإيمان، طيب أي نفس يا رب؟ ذكر نفسين بعد ذلك قال: 
●(لم تكن آمنت من قبل) هذه هي النفس الكافرة، فعندما تأتي بعض آيات ربك ويؤمن ويعلن إيمانه الذي لم يؤمن قبل ذلك لا يقبل منه إيمان في هذا الوقت. 
وعبر بـ (بعض آيات ربك) إشارة إلى أن منها حالة الموت والاحتضار وقت خروج الروح. فإن وقت خروج الروح هي بعض آيات الله جل وعلا ومقدمات اليوم الآخر، فمن أتى في هذا الوقت وأعلن ايمانه لا يقبل منه.  
● النفس الثانية: (أو كسبت في إيمانها خيرا) إذن هذه مؤمنة؟! نعم، نفس مؤمنة لكنها لم تكسب الخير قط، نفس مؤمنة لم تكسب الخير في عمومه. وكلمة (خيرا) هنا نكرة يعني لم يصلِ لله قط ولم يكن يعيش في الدنيا إلا ليأكل ويشرب فقط. 
 هناك أناس في المجتمعات على هذه الصفة، وناس كُثر -والعياذ بالله جل وعلا- ولا يدركون أن لهم ربا، يعيشون في الدنيا عيشة الحيوانات، مؤمنون إيمان لغوي، الإيمان بالبطاقة فقط، ولدت في مجتمع مؤمن فكانت مؤمنة إنما لم تفعل الخير قط.
 (أو كسبت فيه إيمانها خيرا) لم يكسب الخير قط في حياته.
 لكن هؤلاء مسؤولون منا مسؤولية كاملة. كيف؟ 
القرآن الكريم أشركهم مع النفس الكافرة فهؤلاء يحتاجون إلى التوجيه بأسلوب جميل، بالأسلوب الذي ينفع مع هؤلاء، يعني كل واحد له أسلوبه، والآخر له أسلوبه، وكل واحد يصلح معه أسلوب لا يصلح مع الآخر. 
وأنا قلت لكم سابقا في إحدى المحاضرات قريبا. أن هناك من وفقه الله جل وعلا وأخذ بأيدي هؤلاء بأسلوب جميل. لأن الأهم أن تأخذه إلى المسجد، أو أن تجعليها تصلي، بعد ذلك رب العباد هو الذي سيهدي قلبه أو قلبها لأنك لا تملك القلوب. ولأنك لا تملك قلبك، يعني قلبك أنت لا تملكه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اقرأ المزيد...

الثلاثاء، 30 أبريل 2024

فوائد الآيات ( 25 - 29 ) من سورة البقرة

إلى هنا مرحلة : لما حُكي الأقسام الثلاثة ومُثّل للمنافقين ما الذي تفرع من حكاية الأقسام الثلاثة؟
 قال بعدها (يا أيها الناس عبدوا ربكم)
● إذا هذا المقطع فيه دعوة الناس لعبادة الله سبحانه وتعالى وذِكر جزاءهم. 

ومما يستفاد من هذه الآيات:
1-  اقتران الربوبية بالألوهية في الدعوة إلى الله (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) فالألوهية نأخذها من (اعبدو) و(ربكم) نأخذ منها الربوبية، وهذا هو من كمال التوحيد.

2-  من فوائد الآية أيضا: صفة الخلق لله سبحانه وتعالى من أكثر أدلة القرآن على أحقية العبودية لله سبحانه وتعالى، لأنه قال (اعبدوا ربكم الذي خلقكم) واسم الموصول يدل على التعليل، ونظيره كما في سورة النحل (أفمن يخلق كمن لا يخلق) كانت هذه من أدلة وحدانية الله سبحانه وتعالى في ربوبيته وألوهيته.

3-  من الفوائد أيضا: من آثار صفة الربوبية تهيئة الأرض لمعاش الإنسان، وهذه نعمة كبرى من الله سبحانه وتعالى، فقال بعد الأمر بالعبودية قال (الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم) فإذا يُهيئ لكم كل هذا فحقه أن تتوجه له بالألوهية والعبودية، أن تعبده وحده وتعطيه كمال الخشية وكمال الخوف فلذلك فرع منها (فلا تجعلوا له أندادا وأنتم تعلمون).

4- في إتيان بهذا الأمر لما قال (اعبدوا) ثم قال بعدها (فلا تجعلوا لله أندادا) من أكمل الأدلة أن يأمر بالشيء وينهى عن ضده، فهذا غالبا ما يكون إلا في الأمور العظيمة مثل مسألة الألوهية والربوبية، فإن كونه يأمر بالشيء، (اعبدوا ربكم) يُفهم منها لا تتخذوا أندادا، ولو قال (لا تجعلوا لله أندادا) يُفهم منها (واعبدوا ربكم) ومع ذلك يأتي بالأسلوبين، فكان ذلك من تمام توحيد الله عز وجل في عبوديته وربوبيته. 

5- الأمور المذكورة في تهيئة الأرض لمعاش الإنسان من شأنها أن تقوي عند الإنسان عبودية المحبة لله عز وجل، فالإنسان عندما ينظر بمثل هذه الآية ونظائرها كثير في القرآن، خصوصا الآيات التي تحكي تسخير هذا الكون بأكمله لأجل الإنسان بحركة الشمس، وحركة الكواكب، وحركة القمر، واختلاف الليل والنهار كله يسير في مسيرة أنه مُسخر لأجل هذا الإنسان، فإذا هذه كلها من أكثر الأمور التي يتجه بها الإنسان تدبرا وتأملا حتى يمتلئ هذا القلب تعظيما لله سبحانه وتعالى ومحبة له. فهذه الآية التي بين أيدينا نظائرها كثير في القرآن الكريم.

6- من الفوائد أيضا: عطاء الدنيا يشمل الكافر والمؤمن لأن الآية ابتدأت (يا أيها الناس) والناس يشمل الكافر والمؤمن، ثم قال بعدها: (الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء) فالعطاء الكوني يشمل الكافر والمؤمن، وهذه من أعظم نِعم الله سبحانه وتعالى، بل وهي من وسائل دعوة الكفار إلى عبودية الله سبحانه وتعالى.
 تخلل هذا الأمر الذي هو الأمر بعبادة الله سبحانه وتعالى المتفرع على أقسام الناس، أمام مقصد إنزال القرآن الحديث عن التحدي بالقرآن وهذا ما اختُتم به الربع الأول من الجزء الأول الذي هو (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين) هذه الآية ضمن أربع أو خمس آيات في القرآن تحدثت عن التحدي بالقرآن الكريم، وهذه هي المعجزة الرئيسية لنبينا محمد ﷺ، إذ أن المعجزة التي تثبت صدقه هو أنه تحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن فلما أعجزهم تحداهم بعشر، فلما أعجزهم تحداهم بسورة، ولذلك هذه من السور التي تحداهم فيها بالقرآن بأكمله، وفي سورة الإسراء، وبالعشر أيضا في سور مكية، ثم أتت هذه الآية في بداية المدني، مما دل على أنه في الفترات السابقة كان التحدي يقع وكان العجز أيضا يقع من المشركين الذين كانوا أئمة الفصاحة والبلاغة، ففي هذا إثبات الإعجاز في القرآن عامة ووقوع ذلك الإعجاز حتى ولو كان بالجزء اليسير منه وهو السورة، ونعلم أن أقصر سورة في القرآن ثلاث آيات فقط وقع إذا بهذا التحدي والإعجاز.

 7-  الآيات أفادت أن من عارض القرآن فمصيره النار بما فيها من صنوف العذاب (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين). 

8- الآيات التي ذكر فيها التحدي بالقرآن تفتح للقارئ آفاق للتدبر في وجوه إعجازه. فكونه يتحداهم وهم أئمة الفصاحة والبلاغة ويعجزوا عن أن يأتوا بمثله هذه دعوة لتدبر أسلوبه، تدبر أخباره، تدبر أحكامه، تدبر وعده، تدبر وعيده، وكثير من الأمور التي يبرز فيها مسألة الإعجاز. وهناك كتب متخصصة في مسائل إعجاز القرآن من أراد الاستزادة يرجع فيها ويعلم كيف تُنزل هذه الآية على آفاق متعددة في صنوف إعجاز القرآن الكريم.




 من الفوائد في ختام هذا المقطع:
 البشارة والنذارة، البشارة للمؤمنين الذين يعملون الصالحات بالجنة بما فيها من صنوف النعيم. 
● ثم بعد ذلك الإشادة بأمثال القرآن ولو كان المُمثل به حقيرا إذا كان سبيلا لبيان الحق وحصول الموعظة، وهذه وردت في قوله (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها). فهذه لها أسباب نزول، ولها أحوال نزول، لكن الله سبحانه وتعالى لا يستحي من الحق، فإذا كان هذا المُمثل دنيء، الذي هو حشرة سيقوم به إظهار حق فإنه يُمَثل به. وقد وقع التمثيل في القرآن بذبابة كما في سورة الحج، ووقع التمثيل بالعنكبوت كما في سورة العنكبوت، وهنا وقع التمثيل بالبعوضة. ومن يدخل في تفاصيل خلق هذه الحشرات من حيث إبراز مسائل القدرة من الله سبحانه وتعالى وكيف أنها يمكن أي خلق من مخلوقات الله، سواء كان يسيرا أو كان عظيما، يمكن أن يكون كافيا في الاستدلال على عظمة الله سبحانه وتعالى. لكن طبعا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

■ من الفوائد أيضا التحذير من الاعتراض على حُكم الله ومن الاعتراض على حِكمة الأوامر، وحِكمة النواهي، وهذا نلمسه في صدر ذلك المثل لما قال الله عز وجل عنهم (ماذا أراد الله بهذا مثلا) فذكره على سبيل التوبيخ لحالهم فشأنك أنت أيها المؤمن أن تكون مستسلما منقادا ولا تعترض على شيء من حُكمه، إن كنت تريد بصدق نية أن تعرف الحكمة والفوائد فلا بأس، أما أن يكون على سبيل الاستهزاء، أو على سبيل الاعتراض على حكم الله، أو على سبيل ضرب النصوص فهذا من الأمور  المنهي عنها، والتي تكون مؤشرا من مؤشرات الكفر أو الخروج من الملة. 

 ■ الآيات أفادت أيضا: التحذير من نقض العهد وقطع الأرحام، وهذا في آية ( 27) ( الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون) حذرت من نقض العهد وقطع الأرحام.

■ أيضا في الآيات بيّنت أن المعاصي والفسوق سبب للفساد في الأرض. فإنه بعد أن ذكر نقض العهد وقطع ما أمر الله به أن يوصل قال (ويفسدون في الأرض) فدل على أنه إذا شاع في المجتمع هذه الصفات حصل الفساد في الأرض.

■ لما قال الله عز وجل (ثم يحييكم ثم إلى الذي ترجعون) فيها إثبات البعث.

■ في قوله تعالى (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا) التفكّر في أحوال الخلق من الإيجاد والحياة والممات سبيل لحصول الإيمان بالله ومن كفر بعد ذلك فحالته عجيبة، لأن الاستفهام هنا كان على سبيل التعجيب من حاله (وكيف تكفرون بالله) وما كان قبل؟ كنتم أموات وستعودون للموت بعد ذلك، من الذي أوجدكم؟ من الذي أحياكم؟ من الذي أماتكم؟ من يكفر وهو يتأمل في هذه الأمور فحاله عجيب. والتعجيب هنا على سبيل التوبيخ طبعا والتهكم من أحوالهم.

اقرأ المزيد...

تدبر سورة الكهف (1) / د.محمود شمس

سورة الكهف من السور التي تحتاج إلى أن نتدبر كل كلمة فيها ونستخرج فوائدها حتى تكون نبراسا لنا جميعا في حياتنا.  

الأحاديث الواردة في فضل سورة الكهف :
 الأحاديث التي وردت في فضل سورة الكهف ليست كلها صحيحة وإنما تخيرت لكم الأحاديث الصحيحة في فضل هذه السورة. 
▪︎الحديث الأول: عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال) هذا الحديث صحيح وموجود في عدة كتب صحيحة منها صحيح ومسلم. 

▪︎الحديث الثاني: عن البراء ابن عازب قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين- مثنى شطن وهو الحبل يعني مربوط بحبلين- فتغشته سحابة فجعلت تدنو وتدنو وجعل فرسه ينفر فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال: (تلك السكينة تنزلت بالقرآن). فمن خلال هذه الأحاديث، يتبين لنا فضل هذه السورة. 

▪︎ وبالنسبة للعشر آيات من أول سورة الكهف التي تعصم من الدجال. الرواية الصحيحة هي في العشر آيات الأولى، وهناك بعض الأحاديث وردت من طرق أخرى في العشر آيات الأخيرة. لكن العشر آيات الأولى هي التي ورد فيها الحديث الصحيح.

عندما ننظر إلى ما في سورة الكهف من دروس ومن عبر نجد الآتي: 
أولا: استهلت السورة بـالحمد لله على إنزال القرآن، وأنه قيم مستقيم لا اختلاف فيه ولا تناقض في لفظه ومعناه. 
ثم ذكرت السورة ثلاث قصص لم تُذكر في غيرها. يعني مما اختُصت به سورة الكهف ذكر ثلاث قصص لم تذكر في غيرها. 
هذه القصص هي: 
 قصة أصحاب الكهف وهي مثل عالٍ ورمز سامي للتضحية بالوطن والأهل وكل شيء في الدنيا في سبيل العقيدة والفرار بعقيدتهم التي فعلها أصحاب الكهف بالتفصيل المذكور في القصة. 
 القصة الثانية:  قصة موسى مع العبد الصالح الخضر. وهي مثل للعلماء في التواضع أثناء طلب العلم، وأن الله قد يمنح العبد بعضا من علمه ما لم يمنحه لبعض الأنبياء، كما فعل الله ذلك مع العبد الصالح وموسى. 
القصة الثالثة: ذو القرنين وهي تمثل حركة السعي في الحياة، والسعي وفق أسس، وفق خطة محكمة. ولا بد أن يكون الساعي في الأصل متقيا لربه جل وعلا، فهذا ذو القرنين رجل تقي تمكن من السيطرة على العالم، و مشرق الأرض ومغربها وبناء السد العظيم بسبب ما اتصف به من التقوى والعدل والصلاح. وهذه القصة تمثل المحاور التي يتم بناء الشخصية المؤمنة على أسسها. 
فالأساس الأول في بناء الشخصية المؤمنة العقيدة الصحيحة، والعقيدة الصحيحة عندما يدرك معتنقها أن كل ما يملكه في الدنيا لا يساوي شيئا في سبيل الخلل واختلال عقيدته. فإذا تيقن المؤمن من ذلك وفعل ذلك فقد تم بناء وضع اللبنة الرئيسية في الشخصية.

ذكر الله تبارك وتعالى عقب قصة أصحاب الكهف ثلاثة أمور لينبهنا أن هذه الأمور هي التي تجعل عقيدتك تختلّ:
 الأمرالأول هو: طغيان حب المال في قلبك. وأنا أقول طغيان حب المال ولا أقول مجرد حب المال. لأن حب المال أمر فطري.
 والفرق بين حب الماء وبين طغيان حب المال :
أن الذي يحب المال يجمعه من حلال وينفقه في حلال ولو دعي إلى الإنفاق بادر. فحب المال معناه: الحرص على جمعه من حلال وإنفاقه في حلال وحفظه بطريقة حلال وإذا دعي إلى الإنفاق يبادر. 
نجد هذا في قول الله تعالى: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ... ) الآية
 (وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ) (على) حرف استعلاء فأهل اللغة: أنها هنا بمعنى (مع). لماذا؟ يرون أن حرف الاستعلاء هنا لا دور له، فماذا يستعلي على ماذا؟ 
 ولكن عندما نتأمل ونتدبر نجد أن الحق تبارك وتعالى يريد منا أن يستعلي حبنا للعطاء على حبنا للمال، يعني الأصل في المؤمن أنه يحب المال لكنه إذا دُعي للعطاء وللإنفاق فإنه يستعلي بالإنفاق على حبه للمال. 
أما لو كانت (مع) التي تعطي معنى المصاحبة لكان معنى ذلك أن حب العطاء يساوي حب المال، وإذا كان حب العطاء يساوي حب المال فلن يتغلب حب العطاء أبدا لأن النفس بطبيعتها تحب المال، فالنفس ستغلب حب المال على حب العطاء. إنما رب العباد آثر أن يكون بحرف الاستعلاء ليقول لك لابد أن يستعلي حبك للعطاء على حبك للمال.
حتى الطعام قال الله تعالى (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ) أيضا ليس (مع حبه) لأن النفس بطبيعتها تحب الطعام فهي تكون في أشد الحاجة للطعام ومع ذلك إذا أتاها سائل فإنها يستعلي حبها للعطاء على حب الطعام، وإلا فإن حرف المصاحبة يفسد المعنى. 
أما طغيان حب المال فهو لا يبالي من أي طريق يجمع ولا يبالي فيما ينفق، ولا يبالي كيف يحفظ المال، لأنه في الأصل جمعه من حِل أو من حرام فهو لا يبالي في ذلك ثم بعد ذلك ينسب النعمة لنفسه.

 علامات طغيان حب المال: 
1- أنه لا يبالي في جمع المال أمن حلال أم من حرام.
2- أنه ينسب المال إلى ذاته كما قال قارون (إنما أوتيته على علم عندي) ، وكما قال صاحب الجنتين في سورة الكهف (أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا* وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا ) ما أظن أن تهلك هذه أبدا ، (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً) يعني حتى ينفي قيام الساعة، لأن عدم قيام الساعة فيها مصلحته. ثم يذكر أنه وعلى فرض قيام الساعة (وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا) يعني أنا هناك في الآخرة سأجد أفضل منها. فهذا الرجل الذي نسب النعمة لذاته هو بالطبع هو بالتالي كفر بالله فكان نتيجة ذلك أن (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا).

المثل الآخر الذي ضربه الله تعالى مبينا أنه يفسد على الإنسان عقيدته: 

/ الاغترار بالحياة الدنيا قال الله جل وعلا: (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا (45)) في هذه السورة هذه الآية يعالج الله بها قلوبا اغترت بالدنيا فقال: (كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا) عطف (فأصبح هشيما) على (فاختلط به نبات الأرض). 

س: أليس هناك بعد اختلاط الماء بنبات الأرض مراحل قبل أن يُصبح هشيما؟
ج:  بلى هناك مراحل كثيرة ، فالبنات ينبت أولا بعد اختلاطه بنبات الأرض (فنبت)، ثم يخضر النبات (فاخضر) ، ثم يصبح مزدهرا، ثم يُثمر الثمرة (فأثمر)، ثم بعد ذلك (فجعلناها حصيدا) كما ذكر الله في سورة يونس. والمرحلة التي بعدها (يكون حطاما) كما ذكر الله في سورة الحديد. (فأصبح هشيما) هذه هي المرحلة الأخيرة لأن معنى أصبح هشيما أي: أن عيدان الزرع تفتت وأصبحت مهشمة، وهي طبعا لا تتفتت إلا بعد أن تكون حطاما، حطاما يعني خرج منها الماء، ولن تكون حطام إلا بعد أن تكون حصيدا، يعني تُنزع من الأرض حتى نفصل بينها وبين الأرض لكن يبقى فيها الماء. إذا (فأصبح هشيما) هنا ليتناسب مع تذروه الرياح.
 ولما كان الأمر لا يتناسب مع العقل البشري إذ كيف يمر النبات بهذه المراحل حتى يصبح هشيما وفي الآية يصبح هشيما فجأة ويعطف الله بالفاء التي تفيد الترتيب والتعقيب والسرعة!! ليقول الله لنا إن الدنيا بالنسبة للإنسان سريعة الزوال وسريعة الطي، يعني الزمن ينطوي بسرعة، ولذلك من الممكن أن تكون بعض الأحداث قد مضى عليها سنوات وأنت تظن أنها منذ أيام، فالله يقول لك أنت طالما ولدت فأنت ميت.
 ولذلك بعض الفقهاء له ربطٌ بين قضية الولادة وقضية الموت فيقول: إن من السنة أن الطفل إذا ولد يؤذن في أذنه اليمنى ويقام للصلاة في أذنه اليسرى لكن هل نصلي؟ لا نصلي، ويوم يموت هذا الإنسان نصلي عليه دون أذان ولا إقامة لأن الأذان والإقامة تمت يوم ولدت وأُجلت الصلاة إلى أن ينتهي أجلك. يعني كل واحد منا الآن أُذن له وأقيمت الصلاة أيضا ولكن الصلاة مؤجلة يعني آتية لامحالة. ولذلك العبد إذا فكر لا يُقصر في الصلاة أبدا لأنه ينبغي أن يصلي قبل أن يُصلى عليه.  فالله تبارك وتعالى أراد أن يقول لنا: لا تلتفتوا إلى هذه الدنيا ولكن اجعلوها فقط أسبابا تأخذون بها واجعلوها وسيلة لا غاية. الدنيا وسيلة توصلنا إلى غاية، الغاية هي الآخرة والفوز في الآخرة، لا بد أن يكون عندك. أمل وحسن ظن بالله لكن لا بد أن تعمل لذلك، فقال الله في ختام الآية (وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا)
 مقتدرا: يعني كامل القدرة لا تُعمل عقلك في هذا الأمر. 
إذن إلى الآن هناك أمران يؤثران في عقيدة الإنسان وانحرافه عن إيمانه وتوحيده بالله جل وعلا وهما:
 الأول: طغيان حب المال في القلب. ولا تنسوا الفرق بين حب المال وبين طغيان حب المال.

 الثاني: الاغترار بالحياة الدنيا.

 الأمر الثالث: اتخاذ الشيطان وذريته أولياء من دون الله.

الله ذكر آية واحدة في قصة إبليس مع آدم وقلت سابقا في محاضرة أخرى أن الله تبارك وتعالى ذكر في هذه الآية أن إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ثم استنكر على الإنسان أن يتخذ إبليس وذريته أولياء من دون الله (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو) وبالطبع هذا لا يليق بالإنسان ولا يصح من الإنسان. إذن ثلاثة أمورتؤثر في إيمان الإنسان وفي توحيده وفي طاعته لله جل وعلا وفي عقيدته. 

/ ثم ذكر الله تعالى القصة الثانية وهي:  قصة موسى مع العبد الصالح وهي تدل على أن العلم اليقيني وهو العلم الغيبي الذي نؤمن به، وهو من أركان إيماننا لا بد أن تقوم الشخصية على أساسه وعلى اليقين به. لأن الله تبارك وتعالى هو الذي علّم العبد الصالح (وعلمناه من لدنا علما) فإذا على الإنسان ألا يُحكّم عقله، لأن عقله وحده دون حسن الظن بالله ودون الإيمان ودون اليقين فيما عند الله يجعل الإنسان يفكر كيف يعيش هذا الإنسان؟! يعني لو وجدنا إنسانا -مثلا- كفيف البصر مشلول الأركان كلها وليس فيه من شيء صحيح إلا رأسه. يعني الإنسان فينا قد يقول كيف يعيش هذا الإنسان؟! وكيف يُخدم؟! ومن الذي يخدمه؟! يعني الإنسان لو أعمل عقله بعيدا عن اليقين فيما عند الله وعن الإيمان بالله فستكون مقاييس عقله فاسدة، لأن مقاييس العقل وحدها تقول هذا الإنسان لن يجد من يخدمه، لكن إذا فكرنا بعقولنا أيضا لكن وفق الإيمان بالله ووفق اليقين فيما عند الله سنقول إن الذي خلقه لن ينساه، وهذه حقيقة الذي خلقه لن ينساه. فهذا يحتاج إلى إعمال العقل وفق الإيمان واليقين بالله تبارك وتعالى، إنما العقل وحده يقول لا هذا الإنسان لا يصلح هكذا. فبالطبع العلم اليقيني علمنا الله إياه عن طريق هذا العبد الصالح.
وسبحان الله عندما نفكر لم يعلمنا الله إياه عن طريق نبي مرسل وإنما جعل العبد الصالح هو الذي يعلم النبي المرسل، ولله حكمة في ذلك ليقول لنا عطاءات الله لا تتوقف، الله عندما يعطي ويمنح فلا تسأل لِم أعطى؟ ولمَ منح؟ ولِمَ منح هذا ولم يمنح ذاك؟ فمِنح الله تبارك وتعالى يمنحها من يشاء ويعطيها من يشاء، وهو اجتباء واصطفاء منه جل وعلا لعباده، لكن ليغرس فينا اليقين وليقول لنا كونوا على يقين فيما عند الله تبارك وتعالى.

ثم بعد ذلك تأتي قصة ذي القرنين : ذو القرنين وصل إلى ما وصل إليه بالأخذ بالأسباب يعني هو تقوى وعمل صالح وكان إنسانا تقيا إلا أنه بلغ مغرب الشمس وبلغ مطلع الشمس، مغرب الشمس في الغرب، ومطلع الشمس في الشرق. أنظروا إلى رحلاته والأخذ بالأسباب وعندما وجد يأجوج ومأجوج أقام السد بقدرة الله تبارك وتعالى. وهذا كله أيضا من عطاء الله لكنه عطاء متوقف على الأخذ بالأسباب. إذا هذا هو المحور الثالث في بناء الشخصية المؤمنة. 

إذا الشخصية المؤمنة:  
● عقيدة صحيحة تجعله يضحي بكل شيء في الدنيا ليفر بدينه.
● ثم بعد ذلك لا يطغى حب المال في قلبه ولا يغتر بالدنيا، ولا يتخذ الشيطان وليا من دون الله.
● ثم العقيدة قائمة على علم يقيني فيما عند الله، وقائمة على إيمان بالغيب وقائمة على أن عطاءات الله لا تتوقف.  
● ثم سعي وحركة في الحياة. 
 
وتأملوا ختام السورة الكريمة، ختمت السورة أيضا بثلاث موضوعات مرتبطة بسياقها: 
الموضوع الأول: إعلان تبديل أعمال الكفار وضياع ثمراتها في الآخرة وقد أشار إليها بقوله: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) 
الثاني: تبشير المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالنعيم الأبدي الأخروي : (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا) 
والموضوع الثالث: أن علم الله لا يحده حد (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا). 
فهذه نظرة شاملة للسورة وبإذن الله لنا وقفات تفصيلية مع آيات السورة كاملة.
/ تبدأ السورة بقوله (الحمد لله) : ( الحمد لله) هذه جملة إسمية، والجملة الإسمية التعبير بها دلالاته الثبوت والدوام، أي أن الحمد لله جل وعلا ثابت وحاصل سواء حمده العباد أم لم يحمدوه ولذلك لم يرد الحمد لله في القرآن أبدا جملة فعلية، بينما التسبيح أكثر وروده في القرآن الكريم بالجملة الفعلية، بالمصدر نجد (سبحان الذي أسرى) و (سبحان الذي خلق الأزواج كلها) إلخ. وسبح بالماضي، ويسبح، وسبِح بالأمر. فالتسبيح في كل زمان وفي كل مكان.
 ولم يرد التسبيح اسما إلا مرتين في القرآن مرة في قصة يونس (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) أتت هنا بالاسم المسبحين لماذا؟ 
أي أنه كان يسبح تسبيحا دائما مستمرا، يعني يونس وهو في بطن الحوت ما كان يسبح مثلا مرة ويسكت، لا كان ملازما للتسبيح بالأسلوب الذي ذكره الله تبارك وتعالى في سورة الأنبياء وهو (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فإذا كان يونس في بطن الحوت لم ينقطع عن التسبيح فما الذي يقطعك عن التسبيح لله جل وعلا؟! ما الذي يقطعك؟ وما الذي يمنعك؟ وماذا يضرك لو أنك ألزمت نفسك بالتسبيح بحمد الله جل وعلا.
 ولذلك انظروا الموضع الثاني من ورود التسبيح اسما ورد في شأن الملائكة (وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون) والموضعان في سورة واحدة يعني سورة الصافات قصة يونس أولا ثم وصف الله الملائكة بهذه الصفة، والملائكة يسبحون الليل والنهار لا يفترون أبدا، لا ينقطعون لحظة عن التسبيح. فأنت إذا داومت على التسبيح ستصبح فيك صفة من صفات الملائكة، وطالما فيك صفة من صفات الملائكة فإن الله تبارك وتعالى ينجيك من كل هم ومن كل غم في تلك الدنيا.
ما السر في ورود التسبيح بصيغ الفعل كلها؟ 
ليدل على شمول التسبيح لله في كل زمان وفي كل مكان.
لعل في ذلك إشارة إلى أن هناك شُبها ستظهر على الساحة وتتطلب منك أن تنزه الله عن كل نقص لا يليق به، هناك بدع ستظهر، وما أكثر البدع التي ظهرت في هذا الزمان. هناك بدع كثيرة وهناك من ينصر البدعة. فالله تبارك وتعالى يريد منا أن نسبح الله في كل زمان وفي كل مكان كلما ظهرت بدعة، كلما ظهرت بدعة نسبح الله تبارك وتعالى وننزهه عن تلك البدعة.

 إذن (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) 
( الحمد لله ) التي وردت في سورة الفاتحة قلنا أنها جملة إنشائية بمعنى الخبرية أي أن الله تبارك وتعالى حمِد نفسه سواء حمده العباد أم لا ويعلمنا كيف نحمده. وخبرية أي أن الله يخبرنا أنه حمِد ذاته العلية وليس بحاجة ألى حمد العباد له.
الجملة لو قلنا إنشائية أي أن رب العباد يعلمنا كيف نحمده، وهي لا تكون إنشائية إلا أن نُقدر لها "قولوا الحمد لله". وقد تكون خبرية أي أن الله تعالى يخبر بأن الحمد ثابت له سواء حمده العباد أم لا..
الجملة هنا لارتباطها بقوله (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ) جعلت العلماء يقولون أنها خبرية لأن الله يخبرنا أن الحمد له بسبب أنه أنزل على عبده الكتاب.
 افتتح الله خمس سور في القرآن الكريم بالحمد لله:
● السورة الأولى سورة الفاتحة: (الحمد لله رب العالمين)
●والسورة الثانية سورة الأنعام: (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور)
● وبعدها سورة سبأ: (الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض)
● وسورة فاطر: (الحمد لله فاطر السموات والأرض)
● وسورة الكهف التي معنا.

 عندما ننظر إلى الرابط بين هذه السور نجد أن ( الحمد لله) الأولى في سورة الفاتحة يعلمنا الله أن نحمده أنه رب العالمين، ونجد الأربع سورالباقية تؤكد على ربوبية الله للعالمين:

/ سورة الأنعام (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور) طبعا رب العالمين لا بد أن يكون خلق السموات والأرض، فجملة (خلق السموات والأرض) تؤكد ربوبية الله للعالمين. 

/ أول سبأ (الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض) يعني خلق السموات والأرض وله ما في السموات وما في الأرض حتى لا يظن أحد أنه خلقها ومعه شريك، أو أنه خلقها وهناك شريك له. فأكدت سورة سبأ أنه له ما في السموات وما في الأرض.

/ وسورة فاطر (الحمد لله فاطر السماوات والأرض)  فاطر بمعنى أنه خلق الشيء على هيئة محددة تجعله يؤدي مهمته التي أوكله الله بها في الكون، فالله فطر السموات والأرض بمعنى أنه شقها وخلقها من عدم لكن على هيئة تجعل السموات والأرض تؤدي دورها ومهمتها المنوطة بها. وكلمة (فطر) وردت على لسان نبي الله إبراهيم (إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين)، ووردت على لسان الرجل الصالح في أصحاب القرية في سورة يس (ومالي لا أعبد الذي فطرني) بمعنى خلقني على هيئة تمكنني من تأدية مهمتي. فالله تبارك وتعالى خلق الإنسان لمهمة العبادة ومنحه الحواس التي بها يستطيع أن يؤدي تلك العبادة، وخلق كل دابة وكل حشرة لمهمة محددة.

/ لم يُعصَ رب العباد من أي مخلوق أبدا إلا من الإنسان لماذا؟ 
لأن الإنسان هو الوحيد الذي خيّره الله جل وعلا في العبادة. فمنطقة الاختيار هي المنطقة التي ينحرف العباد فيها. إذن عندما نفكر في هذه السور كلها نجد أنها تؤكد ربوبية الله للعالمين باتزان الكون. 
بقيت سورة الكهف: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) كأن القرآن الكريم والنبي الذي أنزل عليه القرآن الكريم ومن يحفظ القرآن الكريم ويتبع هديه به اتزان الكون. يعني يُتمم الله اتزان الكون بالقرآن، وبمن اتبع هدي القرآن، وبمن سار على هدي القرآن ولذلك علمنا الله أن نحمده أنه أنزل على عبده الكتاب، وسورة الكهف ابتدأت بهذه الميزة التي ميز الله بها هذه الأمة أنه أنزل على عبده الكتاب. وكان التعبير بالجملة الإسمية: (الحمد لله) ليعلمنا الله جل وعلا أن الحمد لله ثابت وحاصل سواء حمده العباد أم لم يحمدوه.

------------------------------

المحاضرة الصوتية 

اقرأ المزيد...

الثلاثاء، 23 أبريل 2024

كتاب: يوسف في بيت العزيز / أ. د. عبد السلام المجيدي

 كتاب

 يوسف في بيت العزيز

أ. د. عبد السلام المجيدي

تحدث الكتاب عن قصة رائعة، ولمحة حقيقية واقعة من حياة شابٍّ امتلأت حياته بأجمل قصص النجاح، وعُمِرِّت صحيفته بأضخم الإنجازات وصور الفلاح، وأشرق عمرُه بمشاهد برَّاقةٍ تُظهر آيات الرشد والصلاح.

تُـمثِّل هذه القصة الرائعة الحلْقة الثانية من حلَقات الحياة في عالم الابتلاء الدنيوي.. إنها الحلْقة العمرية التي تظهر فيها فتنة النضج الجسدي، ويصل الشابُّ إلى مرحلة بلوغ الأشد في الفتوة والقوة والثوران الشبابي.

وسترى في هذه السطور أقوالَ المفسرين تترى تُحلل المعاني الرائعة التي تضمنها هذا الكلام المعجز، كما ستجد التفكيك لجوامع الكلم التي وصفت حياة يوسف الكريم ابن الكرام عليهم الصلاة والسلام.

لتحميل الكتاب اضغط على الصورة

اقرأ المزيد...

الاثنين، 15 أبريل 2024

حصاد تدبر الجزء السابع

  سورة المائدة من الآية الثانية والثمانون إلى سورة الأنعام الآية المائة وعشرة

/ (تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق)

بقدر ما تعرف من الحق يلين قلبك، ويفيض دمعك.


/ (فأثابهم الله بما قالوا جنات)

 رب كلام خرج من قلب صادق كان سبب دخول صاحبه الجنة، ألا ما أغلى الكلام وأهمية اللسان.

* خطورة الكلمة (فأثابهم الله بما قالوا) ، (ولعنوا بما قالوا) ، (وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)


 / (واحفظوا أيمانكم)

 أمر من الله تعالى لعباده بأن يصونوا أنفسهم من الحنث في أيمانهم أو الإكثار منها لغير ضرورة، فإن الإكثار من الحلف في غير ضرورة يؤدي إلى قلة الحياء من الله تعالى، كما أن الحلف الكاذب يؤدي إلى سخط الله سبحانه على الحانث، وبغضه له.


/ (إنما الخمر والميسر) ثم قال (فاجتنبوه)

 بكلمة واحدة (فاجتنبوه) أقلع الصحابة عن عادة تأصلت في نفوسهم لعشرات السنين.


/ (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء)

 إيقاع العداوة بين المسلمين هدف شيطاني، فقد يأس أن يُعبد في الأرض لكن رضي بالتحريش بين المؤمنين.


/ (ليعلم الله من يخافه بالغيب)

 في عصر السماوات المفتوحة لا تتعجب من سهولة الوصول إلى المعصية، فالمقاطع المحرمة بين يديك تصل إليها بضغطة زر، والحكمة (ليعلم الله من يخافه بالغيب).


/ (ولو أعجبك كثرة الخبيث) للخبيث كثرة وبهرج لا ينجو من الإعجاب به إلا الأقلون.


/ (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)

عن أبي أمية الشعباني أنه قال: سألت عنها أبا ثعلبة الخشني فقال لي: سألتَ عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيتم شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع العوام)

* قال شيخ المفسرين أبو جعفر الطبري: "عليكم أنفسكم فأصلحوها واعملوا في خلاصها من عقاب الله، وانظروا لها فيما يقربها من ربها، فإنه لا يضركم من ضل" يقول: "لا يضركم من كفر وسلك غير سبيل الحق إذا أنتم اهتديتم وآمنتم بربكم وأطعتموه فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، فحرمتم حرامه، وحللتم حلاله"

 * قال الزمخشري: " كان المؤمنون تذهب أنفسهم حسرة على أهل العتو والعناد من الكفرة، يتمنون دخولهم في الإسلام، فقيل لهم عليكم أنفسكم وما كلفتم من إصلاحها، والمشي بها في طريق الهدى لا يضركم ضلال غيركم عن دينكم إذا كنتم مهتدين.


/ (تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله)

الصلاة تنهى عن المنكر ومن ضمن هذه المنكرات الكذب.


/ (وارزقنا وأنت خير الرازقين)

 سئل أحد العُباد لما وُصف الله بخير الرازقين؟ فقال: "لأنه إذا كفر أحد لا يقطع رزقه.


/ مما يعينك على الخشوع في الصلاة ترديد الأية حتى لو بقيت تردد آية واحدة فقط في تلاوتك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليلة بآية (إن تعذبهم فإنهم عبادك)


/ (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) لن يصمد يوم القيامة إلا الصادقون.


/ تذكّرُ أن أصلك من طين أفضل ما ينزع من قلبك بذرة الكبر الدفين.


/ (فأهلكناهم بذنوبهم)

الخلاصة في كلمتين الذنوب مهلكة (فأهلكناهم بذنوبهم) ، (فكل أخذنا بذنبه ) ، (فأخذهم الله بذنوبهم)

* ليس في القرآن تكرار بل تذكير للأبرار، وترديد للاعتبار.

* العذاب ينزل بالأوزار ويرتفع بالاستغفار قال الله تعالى (فأهلكناهم بذنوبهم)


/ (كتب على نفسه الرحمة)

 سبحان من ألزم نفسه بما فيه خير عباده، لطف ما بعده لطف، رحمته بك سابقة على خلقه لك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق رحمتي سبقت غضبي)

* كان أبو العالية إذا دخل عليه أصحابه يرحب بهم ثم يقرأ (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة).


/ (قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله)

 المالك الحقيقي يذكرك أن كل ما في يديك ملك له، وهو معار لك فترة حياتك ثم يسترده.

 *دعوة للمسرفين على أنفسهم والغارقين في بحار اليأس والظانين بالله ظن السوء.


/ (إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم)

قالها صلى الله عليه وسلم لمن ساومه على دينه فقلها اليوم إن واجهك نفس الموقف.

* عجبا أن يخاف من عاقبة الذنب نبي معصوم ولا يخاف منه إنسان جهول ظلوم.


/ (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو)

ومن أعظم الضر حجاب العبد عن رب العالمين، وهو أشد وأخزى من عذاب الجحيم.

* إذا سكن قلبك إلى الله لم تخف غيره، ولن ترجو سواه، فلتطمئن قلوب أولياء الله ومن ضاقت بهم السبل من عباده الصالحين.

قال ابن القيم: "والتحقق بمعرفة هذا يوجب صحة الاضطرار، وكمال الفقر والفاقة، ويحول بين العبد وبين رؤية أعماله وأحواله، فهو الذي يمس بالضر الله، وهو الذي يكشفه فمسه بالضر لحكمة، وكشفه الضر لرحمة.


/ (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله) هذه الآية من أسباب رجوع العبد إلى ربه بالكلية.


/ (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ)

قال محمد ابن كعب القرظي: (لأنذركم به ومن بلغ) قال: "من بلغه القرآن فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ثم قرأ (ومن بلغ أئنكم لتشهدون)" وقال أيضا: "من بلغه القرآن فكأنما كلمه الله عز وجل".


 / (إنه لا يفلح الظالمون) سيبقى ظلم الظالمين سدا منيعا حائلا بينهم وبين فلاحهم أو توفيقهم.


/ (ثم نقول للذين أشركوا مكانكم) احتجاز إلهي قصري، إلزموا أماكنكم ولا تبرحوها حتى تعرفوا ما يُفعل بكم ويقضي الله في أمركم.


/ (فزيلنا بينهم)

أي فرقنا بين العابدين والمعبودين، وهو من الزوال أي ذهاب الشيء واختفاؤه. وقال (زيلنا) ولم يقل (فرّقنا) لأن التفريق معه بقية أمل في الاجتماع، أما التزييل فهو غروب إلى الأبد وهو ما يزيد من وحشة المشركين حين يقاسون العذاب وحدهم.


/ (قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) ويحكم اسكتوا حتى بين يدي الله تحلفون كذبا.


/ (انظر كيف كذبوا على أنفسهم)

 يبرر المرء معصيته ليتهرب من عواقبها ولذلك يلتمس النجاة بأي صورة ولو بالكذب على نفسه.


/ أعظم عقوبة أن يُحال بينك وبين فهم كلام الله (وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه)


/ آية قتلت علي ابن الفضيل ابن عياض، وسُمي بها قتيل القرآن هي (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد) مجرد أول نظرة إلى النار جعلت صاحبها يتمنى الرجوع للدنيا لفعل الخير، فكيف يكون الحال بعد دخول النار، ومقاساة العذاب؟


/ (وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون)

 ليكن حزنك على ما فات من آخرتك أضعاف حزنك على ما فات من دنياك وإلا ما كنت عاقلا.


/ (أفلا تعقلون) من لزم التقوى زهد في دنياه وهانت عليه مصائبه لأن الله تعالى قال ( وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون).


/ (قد نعلم إنه ليحزُنك الذي يقولون)

 تعزية من الله وتسلية لنبيه، فسر في حياتك على هذا النهج الرباني مع كل مصاب.

* انظر شدة حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أن تستجيب له أمته، وهكذا قلب كل داعية عليه أن يكون رؤوفا رحيما بأمته.


/ (ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون)

الظلم: نقل حق إلى غير مستحقه، وأبشع أنواع الظلم الشرك لأنه نقل حق الذات الإلهية المستحق وحدة للعبادة إلى غير مستحق لها.


/ إذا بلغ أعداء الحق درجة تكذيب أهله وإيذائهم، فهذه علامة قرب النصر بشرط أن يحققوا الصبر (فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصونا).


/ (إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون) المستجيب للحق حي ولو كان أصم وأبكم وأعمى، والمعاند ميت ولو كان تامّ الحواس.

*من فقد سماع القلب لأوامر ربه حُرم التوفيق في سائر أمره، والمقصود به سماع الاعتبار.

/ (ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) كل الحيوانات تعرف الله وتحمده وتسبحه (ولكن لا تفقهون تسبيحهم)


/ (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون)

قال داود عليه السلام: "سبحان مستخرج الدعاء بالبلاء، وسبحان مستخرج الشكر بالرخاء"

*مر أبو جعفر محمد ابن علي بمحمد ابن المنكدر وهو مغموم فسأله عن سبب غمه؟ فقيل له الدين قد فدحه، فقال أبو جعفر: أفُتح له في الدعاء؟ قيل: نعم. قال: لقد بورك لعبد في حاجة أكثر منها من دعاء ربه كائنة ما كانت.


/ (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم)

 قسوة القلب هي التي تكبل العبد عن بلوغ هذه المنزلة العظيمة، منزلة الضراعة والتمرغ في تراب العبودية، فإذا حُرمت من التضرع فاعلم أن في قلبك قسوة، وعلاجها كثرة الذكر والاستغفار.

*إذا قسى قلب العبد بالذنوب حُرم التضرع بين يدي علام الغيوب (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم)


/ (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء) فتح أبواب الدنيا على العبد قد يكون استدراجا ومقدمة عقوبة سماوية.

*من أعظم الاستدراج أن يتابع عليك نعمه وأنت مقيم على معاصيه.

/ سنة الاستدراج، في الحديث (إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج ثم تلا (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا  أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون)


/ تمادي الظلم وطغيان الظالم مؤذن بقطع دابره واجتثاثه من جذوره (فقطع دابر الذين ظلموا).


/ (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم)

 قال ابن الجوزي: "يعاقب الإنسان بسلب معاني تلك الآلات فيرى وكأنه ما رأى، ويسمع وكأنه ما سمع، والقلب ذاهل عما يتأذى به، ولا يتفكر في خسران آجلته، لا يعتبر برفيقه، ولا يتعظ بصديقه، ولا يتزود لطريقه، وهذه حالة أكثر الناس، فنعوذ بالله من سلب فوائد الآلات، فإنها أقبح الحالات".


/ تقوى الله لا بد أن يتبعها إصلاح العمل (فمن اتقى وأصلح).


/ (وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا)

الإنذار والإعلام بمواضع الخوف، وإنما خص الخائفين بالإنذار لأن الإنذار للذين يخافون إنذار نافع، خلافا لحال الذين ينكرون الحشر والخوف علامة الإيمان، فخوف الحشر يقتضي الإيمان بوقوعه.


/ (يدعون ربهم بالغداة والعشي)

تخصيص الغداة والعشي بالذكر إشعار بفضل العبادة في هذين الوقتين لأنهما محل الغفلة والاشتغال بالأمور الدنيوية.


/ كم في واقع الأمة اليوم من بشائر يراها المتشائمون خسائر ومن أعظمها تمايز الصفوف وانكشاف الباطل (ولتستبين سبيل المجرمين)


/ (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها) فكيف بدمعة مؤمن، وزفرة مكروب، ودعوتي مظلوم.

*قال ابن عباس: "ما من شجرة في بر ولا بحر إلا ملك موكل بها يكتب ما يسقط منها"


/ (إلا في كتاب مبين) سجّل الله فيه كل أحداث الكون، فإذا جاءت الأحداث كانت موافقة لما سجله الله قبل آلاف السنين.


 / قال الله للمشركين (قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب) فعجب لبعض المؤمنين كيف يتسرب اليأس إلى قلوبهم.


/ من عقوبة الله للظالم أن يسلط عليه ظالما آخر ويكفي الله المؤمنين شرورهما (أو يلبسكم شيعا ويُذيق بعضكم بأس بعض)


 / (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم) 

* قوة مناعة قلبك لا تبرر لك الإقامة في بؤر الفساد أو الوباء.

* الإعراض سلاح من أسلحة المؤمنين،لأن الالتفات لهؤلاء ومناقشتهم يذكي نار جدالهم وحماستهم.


/ (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا، فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره)  بهذا التوجيه الإلهي يتم وأد الباطل في مهده، ويسلم المجتمع من شره.


/ (وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت)

الإبسال هوالإسلام إلى العذاب أو السجن والارتهان، والمعنيان صحيحان.

* نفسك الأمارة بالسوء قد تؤدي لحبسك غدا، وتسلمك إلى العذاب والهلاك بسوء كسبها.


/ (الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعب)

الأفكار المتعلقة بالشعائر الدينية وأمور العقيدة ليست مجالا للتسلية أو الفكاهة والسخرية، هذا خط أحمر.


/ (له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا)

* الهالك هو من لم يكن له أصحاب يدعونه إلى الهدى ويقولون له ائتنا.

*من أعظم أسباب النجاة من الضلال والتمتع بالهداية وجود الأصحاب الصالحين.


/ (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)

 لاحظ تكرار النفي وذلك لأن رضا اليهود غير رضا النصارى ، فلو صادفت رضا اليهود فلن ترضى عنك النصارى، ولو صادفت رضا النصارى فلن ترضى عنك يهود.


/ هل جربت النظر إلى السماء في ظلمة الليل لتتفكر في ملكوت السماوات والأرض؟ إنك إن فعلت لزاد يقينك بربك (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين)


/ (لئن لم يهدنِ ربي لأكونن من القوم الضالين)

لا تظن هدايتك أو التزامك بتعاليم دينك قد حدث بفضل إمكاناتك وذكائك، لا يهدي إلى الله إلا الله.


/ (أتحاجوني في الله وقد هدان)

كيف أترك ما ثبت بالدليل القاطع الموجب للهداية، وألتفت إلى حجتكم الضعيفة وكلماتكم الباطلة. 

* ناقش عدوك بالمنطق.


/ تأملت فوجدت أن الحياة الآمنة لا توجد إلا مع انعدام الظلم (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) فكل الظالمين غير آمنين وإن تترسوا بالحرس والعتاد.


/ (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن)

* كلما زاد إيمانك زاد أمانك.

* الأمن منحة ربانية لا يستطيع بشر أن يوفرها لك.


/ ( نرفع درجات من نشاء)

* كان يزيد بن أسلم يقول في هذه الآية "إنه العلم يرفع الله من يشاء به في الدنيا"

* ( نرفع درجات من نشاء) هي إجابة على سؤال لماذا يرفع الله بعض الناس دون بعض؟ فالله يعلم من يستحق ومقدار استحقاقه، وذلك بحسب علمه وحكمته.

 * قال الشعبي: "العلم ثلاثة أشبار، فمن نال منها شبرا شمخ بأنفه وظن أنه ناله، ومن نال الشبر الثاني صغرت إليه نفسه وعلم أنه لم ينله، وأما الشبر الثالث فهيهات، لا يناله أحد.

*قال ابن تيمية: "فرفع الدرجات والأقدار على قدر معاملة القلوب بالعلم والإيمان، فكم ممن يختم القرآن في اليوم مرة أو مرتين، وآخر لا ينام الليل، وآخر لا يفطر، وغيرهم أقل عبادة منهم وأرفع قدرا في قلوب الأمة، وذلك لقوة وصفاء المعاملة، وخلوصها من شهوات النفوس".


/ أثنى الله على ثمانية عشر نبيا في سياق واحد ثم ختم ثناءه عليهم بقوله (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون)

الشرك ذنب لا يغفر ولو كان من أشرف الخلق.


/ (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين)

دعوة الله سائرة والشرف لمن حملها، فإن تخلى عنها قوم أقام الله لها أقواما آخرين.


/ (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)

جاء الأمر باتباع الهدى للمهتدين، فالفتنة لا تؤمن على حي، فاجعل دائما ولاءك للفكرة لا للأشخاص.


/ (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء)

عن ابن عباس قال: قالت اليهود: والله ما أنزل الله من السماء كتابا، فنزل قوله تعالى (وما قدروا الله حق قدره).


/ (كتاب أنزلناه، مبارك)

* تعلق بالقرآن تجد البركة.

* قال ابن تيمية: "وندمت على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن"

* البركة أن يعطي الشيء أكبر من حجمه المنظور، وبركة القرآن واضحة، فلو قسنا حجم القرآن بحجم الكتب الأخرى لوجدنا حجم القرآن أقل ومع ذلك فيه من الخير والبركات والتشريعات والمعجزات والأسرار ما تضيق به مئات الكتب.


/ (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة)

* وحيدا طول إقامتك في قبرك، ثم في خمسين ألف سنة هي يوم حشرك، وليس معك حينها سوى عملك.

* قال الشيخ علي الطنطاوي عن سر شجاعته في قول الحق "إني لأتصور الآن ملوك الأرض وقد خرجوا من قبورهم حفاة عراة منفردين فأتعظ، فأقول من فوق هذا المنبر ما ينفعني في ذلك اليوم لا ما يفيدني اليوم، ومن تصور هذا لم يعد يبالي بأحد".


/ (فالق الإصباح )

إن الذي يزيح ظلمة الليل كل يوم بانفلاق الصبح، قادر على تفريج كربك، وتسريع فرجك، وتيسير أمرك.


/ (والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه) ما الفرق بين المشتبه والمتشابه؟

الاشتباه في الشكل، والتشابه في الطعم، فالشكل واحد والطعم مختلف.


/ (وليقولوا درست)

وفي الكلام حذف تقديره (ولألا يقول أهل مكة جهالة وسفاهة أنك درست على يد أهل الكتاب) وفي قراءة (دارست) أي أهل الكتاب ثم أتيت بهذا القرآن.


/ (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فسبوا الله عدوا بغير علم)

* حين تكون مهذبا في كلامك فأنت تصون دينك عن عبث العابثين، وكلمات الجاهلين.

* ليس مطلوبا فقط أن تفعل ما تراه صحيحا، بل لا بد أن لا يؤدي فعلك الصحيح هذا إلى مفسدة أكبر.


/ (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة)

* قال ابن القيم: "من عُرض عليه حق فرده ولم يقبله عوقب بفساد قلبه وعقله ورأيه"

* قلبك متقلب وأمره ليس بيدك، فتقرب لربك ليقرب قلبك إلى ما ينفعه، ويبعده عما يضره.

* لما احتضر أبو الدرداء جعل يقول: من يعمل لمثل يومي هذا… لمثل يومي هذا ؟ لمثل ساعتي هذه؟ من يعمل لمثل مضجعي هذا؟ ثم يقول (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة)

* احذر أن يعاقبك على تثاقلك عن اتباع الحق أول مرة بأن يقلب فؤادك وبصرك فلا تهتدي للحق، أو تهتدي له ولا تقدر على الاستجابة له ولو حرصت.

___________________________________________
اقرأ المزيد...