‏إظهار الرسائل ذات التسميات في رحاب سورة المائدة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات في رحاب سورة المائدة. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 17 سبتمبر 2019

مناسبة قصة المائدة لسورة المائدة 


سورة المائدة هي سورة العقود فما مناسبة قصة المائدة للسورة؟

أن الله أخذ فيها على بني إسرائيل الميثاق (قَالَ ٱللَّهُ إِنِّی مُنَزِّلُهَا عَلَیۡكُمۡۖ فَمَن یَكۡفُرۡ بَعۡدُ مِنكُمۡ فَإِنِّیۤ أُعَذِّبُهُۥ عَذَابࣰا لَّاۤ أُعَذِّبُهُۥۤ أَحَدࣰا مِّنَ ٱلۡعَـٰلَمِینَ) [سورة المائدة 115] .
اقرأ المزيد...

الثلاثاء، 11 أغسطس 2015

تدبر آية (٤١) من سورة المائدة / بيّنات


(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
/ د.عبد الرحمن :
طبعا كنا تكلمنا في المجلس الماضي عن آية السرقة وناقشنا علاقتها بمحتوى السورة وكون أخذ أموال الناس وسرقة أموال الناس هو من اﻹخلال بالعهود والمواثيق.
وهذه الآية بدأت بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ) والذي يتأمل في نداءات للنبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم يجد أنه نُودي في القرآن الكريم ( يا أيها النبي ) في كل المواضع إلا في هذا الموضع وفي الموضع الثاني وهو (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ) وكلاهما في هذه السورة وهذان موضعان استثنيا من نداء النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك يقول الرازي -رحمه الله- يقول: "إن النداء بـ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ) فيه مزيد تشريف ﻷن الرسالة أخصّ من النّبوة فكل رسول نبي وليس كل نبي رسول. ولذلك تناسب النداء هنا في اﻵية مضمونه ﻷن فيه بلاغ كما في قوله (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ) وهنا (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) ﻷنه كان فيه نوع من البلاغ خاصة اليهود والمنافقين واليهود بالذات أصحاب كتاب كان لديهم في حادثة ذكرت في التفسير في هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه اليهود يحتكمون إليه -وأيضا سوف تأتي في اﻵيات التي بعدها- فاليهود كانوا إذا أرادوا أن يتهربوا من اﻷحكام الموجودة في التوراة يلجؤن إلى النبي صلى الله عليه وسلم لعله يحكم بينهم بحكم أخفّ من الحكم الموجود عندهم في التوراة ومنه -كما ذكر مرارا- آية الرجم عندما كانوا يريدون أن يخففوا الحكم على أحدهم وقد ارتكب فاحشة قالوا نذهب إلى محمد لعله يحكم بحكم أخفّ من حكم التوراة فحكم التوراة الرجم فلما جاؤا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخفوا هذه الآية عن النبي صلى الله عليه وسلم.  فهذا مدخل للحديث عن هذه الآية.  ولعلنا نواصل فيها.
/ د. مساعد: كما ذكرت المفسرون ذكروا عدة أسباب في النزول منها ما ذكر أنها نزلت في أبي لُبابة وكان حليفا لبني قريظة فلما جاء إليهم سألوه ماذا سيفعل بنا محمد صلى الله عليه وسلم فأشار بالذبح.  هذا قول.
قول آخر:  نزلت في رجل -كما ذكرت- من اليهود أنه قتل رجلا فسأل أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم القتل لعله يجده أخفّ فيحتكم إليه ، فلما رأى أن القتل بالقتل تركه .
وقيل: إنها نزلت في المنافقين أيضا.
هذه الأقوال بالنسبة لطالب العلم حينما يطلع عليها قد يقع عنده إشكال في كيفية التعامل معها. ودائما نوجِّه في مثل هذه اللقاءات إلى دقائق علمية ليستفيد من يقرأ في التفسير.
واﻹمام الطبري من أدق المفسرين في رسم هذه المنهجيات ولهذا الطبري -رحمه الله- في هذه اﻵية رأى أن هذه اﻵية معنيّ بها أهل النفاق أولا ولهذا يقول -رحمه الله تعالى- وهو يناقش هذه المسألة، يقول -رحمه الله تعالى- فيها بعدما قرر أنها في قوم منافقون "وجائز أن يكون كان ممن دخل في هذه الآية" لاحظ عبارة "مِمن دخل" أنه عُني بها أوﻻ المنافقون لكن يجوز أن يدخل فيها ابن صوريا وجائز أن يكون أبو لبابة وجائز أن يكون غيرهما ويرى أن أثبت شيء رُوي في ذلك ما ذكرناه من رواية عن أبي هريرة  وعن البراء بن عازب لأن ذلك عن رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هنا اﻵن يضع منهجية أخرى وهي: أن إذا اتفق أكثر من شخص من الصحابة في سبب النزول. سبب النزول الصريح إذا رُوي عن صحابي فهو مقدم . قال "وإذا كان ذلك كذلك كان الصحيح من قوله بأن يُقال عني به عبدالله بن صوريا" فرجع إلى قول ابن صوريا. فمعنى ذلك أنه اﻵن يصحح أن كل ما قيل مُحتمل أن يدخل في اﻵية. وذكر بعد ذلك ما يتعلق بقصة عبدالله بن صوريا في هذا الخبر الذي ذكره لكن المقصود في هذا أننا حينما نأتي نعالج مثل هذه القضايا أن ننظر إلى صحة دخول السبب المذكور في معنى اﻵية. فعندنا هذا نظر .
والنظر اﻵخر : من عُني باﻵية أولا.
فعندنا نظران: السبب المباشر وما يدخل بعد ذلك في هذا السبب. فالطبري -رحمه الله تعالى- بيّن هذا وهذا، قال أن السبب كذا للعلة الفلانية وهذا يدخل معه ﻷنه مُوافق له في الحُكم.
/ د. محمد الخضيري:
في قوله  (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ) نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يصيبه شيء من الحزن في مواطن كثيرة وذلك ﻷن هذا الذي يجري بقدر الله سبحانه وتعالى وأنت من حّرصك قد تحزن ولكن اعلم أن هذا كله هو من تقدير الله جل وعلا وأن الله يريد بهم غاية معينة فلا يصيبنك الحزن ﻷنك قد أديت ما عليك. وهذا النهي للنبي صلى الله عليه وسلم عن الحزن هو نهي له عن شيء يُغالبه عليه الصلاة والسلام فهو من باب الرفق به، فهو من شدة حِرصه عليه الصلاة والسلام يحزن ويُصيبه الضيق الشديد من عدم إيمان الناس وﻻ يلُام اﻹنسان على هذا لكن الله عزوجل يقول له ﻻ تقلق ولا تحزن وﻻ يصيبك شيء من الهمّ ﻷن اﻷمر بيد الله وأنت قد أديت ما عليك.اﻹنسان إنما يحزن على شيء قد قصّر فيه أما شيء من أمر الله وقدرِه فينبغي له أﻻ يصيبه الحزن عليه.
/ د. عبدالرحمن الشهري:
ولعله قوله هنا  (لاَ يَحْزُنكَ) فيه إشارة إلى أن اﻹنسان يستطيع أن يدفع الحزن عن نفسه ﻷنه هنا نهي عن شيء له فيه إرادة فدل على أنه نهي عن الاستسلام لهذا الشعور السلبي وهو شعور الحزن حتى ﻻ يقضي عليك كما قال (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) [الكهف:٦] من الحزن ولذلك النهي هنا (لاَ يَحْزُنكَ) تضمن أمرين:
أوﻻ: توقع أسوأ اﻻحتماﻻت. يعني ماذا تتوقع يا محمد من هؤﻻء المنافقين ومن هؤلاء اليهود وأنت تعلم أنهم ينابذونك ويناصبونك العداء . فتوقع أسوأ اﻻحتماﻻت يخففها إذا وقعت. هذه مسألة.
المسألة الثانية: مدافعة هذا الشعور بعد وقوعه. فأنت إذا وجدت منهم تكذيبا أو مُناصبة للعداء فلا يحزنك ذلك فإنه ﻻ يتوقع من أمثال هؤلاء غير هذا. ثم إذا وقع منهم هذا التكذيب وهذا العداء فلا تستسلم لهذا الشعور وهو شعور الحزن.
فهذا هو معنى قوله (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ).
/ د.محمد الخضيري:
هنا وقفة: الحُزن إذا وقع بأسباب قدرية هو شيء غير إرادي لكن -كما ذكرت أو أسلفت- وهو أن اﻹنسان ينبغي له مدافعة أسباب الحزن والخروج والنأي بالنفس عن أن تبقى في دائرة هذا الحزن ولذلك يُشرع لنا إذا وقع إنسان في حزن بسبب فقد حبيب أو نحوه يُشرع للمسلمين أن يذهبوا إليه ليعزوه ويواسوه ويدفعون عنه هذا الحزن وﻻ ينبغي لمن يأتي لتعزية إنسان أن يثير مُكامن الحزن عنده، بل يفتح له باب اﻷمل والرجاء ويشير إلى.. يقول "ما شاء الله والدك كان كذا وكذا وما عند الله خير وأبقى..خرج من دار الهموم واﻷكدار واﻷحزان..رجل كان يصلي ويصوم..كان موحدا لله عز وجل" فيفرح أنه قد انتقل من شيء إلى شيء أطيب وأخير منه.
أذكر بهذه المناسبة: أن أبا الوفاء عقيل الحنبلي الشهير صاحب كتاب الفنون وهو من أكبر كتب الإسلام كانوا في جنازة ﻷبي الوفاء نفسه فقال رجل والناس يمشون في هذه الجنازة : يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين ) يريد بذلك التهييج على أنك قد أخذت شيئا عظيما وكذا.  خذ أحدنا مكانه.  فقال له أبو الوفاء -وهذا فائدة العلم- قال: "اسكت يا هذا إنما نزل القرآن لدرء اﻷحزان" القرآن نزل لدرء اﻷحزان ﻻ اجتلابها وإثارتها فأنت استعملت القرآن في غير مقصوده.
والله لفتة في غاية الجمال. مما يدل على أن الإسلام جاء لدرء هذا الحزن كون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص أشد الحرص على الدعاء بإذهابه يقول ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ) مدار آﻻم الناس النفسية ومشاكلهم في هذه الحياة على هذه الثمانية كما قال ابن القيم في زاد المعاد وحررها تحريرا بالغا يقول: إن الشقاء يدرك الإنسان من واحد من هذه الوجوه الثمانية: إما الهم والحزن، وإما العجز الكسل -وكلاهما متقابل بالمناسبة- وإما الجبن والبخل، وإما غلبة الدين وقهر الرجال.  مثلا -على سبيل المثال- غلبة الدين يعني بشيء باختياره، وقهر الرجال شيء بغير اختياره. يعني أن يُقهر اﻹنسان من طرف خارجي إما أن يكون ذلك باختياره لأنه استدان منه أو بغير اختياره كأن يقهروه قهرا -والعياذ بالله- بأن يؤذوه في بلده أو في عِرضه أو في غير ذلك -نسأل الله السلامة والعافية.
/ د. مساعد الطيار:
أيضا ﻻحظ في قوله (يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) ذكر المُسارعة في الكفر وكأنهم يطلبون الكفر طلبا ثم بيّن صفة هؤﻻء قال (مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ) وهذه صفة المنافقين ولهذا ابن صوريا هو يُعدّ مثلا من أمثال المنافقين اليهود.وكذلك من قال نزلت في المنافقين ﻻ يبعُد ﻷن هذا المنافق ﻻ يمنع أن يكون من هذه الطائفة ﻷنه قال بعدها..
/ د. عبد الرحمن الشهري:
يعني يكون ممن تظاهر باﻹسلام وكان من اليهود فيكون منافق .. مرتدا.
/ د. محمد الخضيري:
(يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) هذا يُبين لنا في الحقيقة أن الكفار ليسوا على وجه واحد، منهم من يكفر ومنهم -والعياذ بالله- من يسارع في الكفر بمعنى أنه يستبق إلى أسبابه <يتنقل في دركاته بسرعة> يعني في مقابل ما طلبه الله من عباده ومسارعة إلى رضوانه ومغفرته (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:١٣٣] ثم ذكر أوصافهم، هنا فيه أقوام على العكس من ذلك، ما يجد مجاﻻ فيه -والعياذ بالله- إضرار بدين الله وصدّ عن سبيل الله وإضرار بأهل اﻹسلام وإِبعاد لهم عن هذه القيم العظيمة والشرائع الكريمة التي أنزلها الله على عباده إلا فعله، أي مكان فيه سوء تجد هذا الرجل من أوائل الحاضرين والقائمين فيه، ﻻ يُذكر بخير أبدا. وأنا أرى اﻵن بعض المنافقين في المجتمع -ممن يسمون الليبراليين وغيرهم- ﻻ ترى له خيرا أبدا، يعني ﻻ تعرفه في قضية من قضايا المجتمع أو حقوق من حقوق الناس أو نحو ذلك، أو وقوفه مع الضعفاء والمساكين أو في أي فضيلة من الفضائل، كل ما يدور عليه هو دركات هذا الشر والبلاء الذي يجلبه للمجتمع، يعني لو تصفحت مقالاته..مواقفه..اﻷحداث التي مرت به تجده دائما في هذه الدوائر كأنما يتنقل من درك إلى درك نسأل الله العافية والسلامة.
/ د.عبد الرحمن الشهري:
أيضا في قوله (يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) التعدية هنا بـ "في" فيها إشارة إلى أنهم أصلا لم يخرجوا منه وإنما هم في داخله يتنقلون في دركاته من دركة إلى دركة.
ما قال يسارعون إلى الكفر ﻷن "إلى" تدل على اﻻنتقال إلى الشيء بعد أن لم يكن -فيه انفصال- لكن "في" هنا تدل على الظرفية ما خرجوا أصلا من الكفر ولكن يتنقلون من سِفل إلى سُفل ومن دركة إلى دركة.
/ د. محمد الخضيري :
 والعجيب أن التعبير بـ "في" أجدها كثيرا في قضية الكفر من جهة أن اﻹنسان كأنما أحاط به الكفر من جميع جوانبه فصار وعاء له فهو لا يفكر إلا في هذا الدرك ولذلك قال ( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ) [البروج:١٩] يعني داخل هذا التكذيب ﻻ يزيدون عليه أو ﻻ ينتقلون منه أصلا والتكذيب صار وعاء لهم (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) [المائدة:٦١] يعني أيضا لم يخرجوا منه صار ظرفا لهم ملازما لهم.
قال (يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ) "من" هنا بيانية تُبين مَن هم هؤلاء الذين يسارعون في الكفر.
(مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ) في القرآن لا يكاد يُذكر أن اﻹيمان يقوله إنسان إلا وهو ليس متلبساً به <ﻻ يدعيه> (يقولون آمنا بألسنتهم ) وإلا المؤمن يُوصف باﻹيمان وﻻ يقال عنه ( يقولون آمنا) معناه يقوله بلسانه ( يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ) ما نُسب اﻹيمان إلى القول إلا كان ذلك دليل على أن صاحبه عرِيٌ عنه وأنه ليس مُتلبسا به في الحقيقة وإنما هو يقوله بلسانه، دعوى مجردة ﻻ حقيقة لها. وبهذا نعرف أن كثيرا من هؤلاء المنافقين إنما صلتهم باﻹسلام بمجرد اﻷلسنة ولذلك هم يفعلون أفعال  الكفر ويقولون كل شيء وفي النهاية يقول لك يا أخي نحن مسلمون وأنا جدي الشيخ الفلاني والعالم الفلاني وأنا الحمد لله أفعل كذا وﻻ أفعل كذا، يحاول أن يثبت دعوى إسلامه بلسانه. طيب أين أفعالك؟! أو تجد اﻵن  كثير من الشنشنة التي نراها من كثير منهم وهي قضية الضوابط الشرعية، والله -استغفر الله- ما بقي  إلا أن يقولوا زنا بالضوابط الشرعية، من جهة أنهم يستعملون هذه الكلمات استعمالا ممجوجا ﻻ يقبله عقل.
/ د.عبد الرحمن الشهري:
 ﻻحظ هنا في اﻵية أنه لم يقل ( من الذين قالوا آمنا بألسنتهم وإنما قال (قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ) والفرق -والله أعلم - كأنهم لسِعة دعواهم وأنها دعوى عريضة يعني كأنها تملأ الفم وهي كلها كذب وزور فهم لم يقولوا بألسنتهم فقط بأطراف ألسنتهم بل من سِعة دعواهم وعُرضها ملأت الفم كما نقول اﻵن في التعبير الدارج - بأقولها بالفم المليان- إشارة إلى الثقة المطلقة فيها مع أنها لا حقيقة لها.
/د. محمد بن عبد العزيز الخضيري :
وبالمناسبة: المتأمل للمنافقين أنهم لا يمكن يُعرفون إلا من جهة لحن القول فإن الله عز وجل قد خيبهم في هذا الجانب بمعنى أنهم يتكلمون ومن لحن كلامهم .. (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ) قال قبلها (وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ) [سورة محمد 30] لكن الله ما شاء ذلك لعموم اﻷمة ولم يشأه لرسوله عند نزول اﻵية ثم شاءه بعد ذلك فأَعلمه إياهم بأسمائهم قال (وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ) وهو أن تعرف أن هذا منافق أو غير منافق قال بعدها (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) أنت تعرفهم في لحن القول وأمتك أيضا ستعرفهم في لحن القول، يعني فيا أهل اﻹسلام إذا أردتم معرفة المنافقين فاجتهدوا في سماع أقوالهم وقراءة كلامهم وتتبعهم ستعرفون من لحن كلامهم أنهم على هذه الشاكلة.
<وهم لا يستطيعون إخفاء حقيقتهم>
/ د. مساعد الطيار: ولهذا ميزة القرآن أنه اعتمد اﻷوصاف لا اﻷسماء في هذا المقام ﻷن الوصف باقٍ بخلاف اﻷسماء.
/ د. عبد الرحمن الشهري: فعلا ولذلك لا يوجد في القرآن الكريم  -على كثرة ذكر المنافقين - اسم منافق واحد لا يوجد أبدا.
/ د. محمد الخضيري: نعم ليس هذا من منهج القرآن -تعليق الحكم باﻷشخاص- وإنما تعليق الحكم باﻷوصاف حتى يبقى صالحا لكل زمان ولكل مجتمع.
/ د. مساعد الطيار : ذُكر فقط زيد في قضية خاصة وهي تعتبر قضية خاصة، من اﻷمور الخاصة فقط وهي قضية التبني.
/ د. عبد الرحمن الشهري:
هنا في قوله (مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ) فقدّم ذِكر إﻹيمان على الوسيلة وفي هذا إشارة -والله أعلم- إلى أنهم لا يُبالون بكثرة الدعاوى، المنافقون هم أكثر الناس ادعاء للإيمان، وهم أكثر الناس ادعاء للوطنية، وأكثر الناس إدعاء على مصلحة البلد وهم أكذب الناس وأفجر الناس فليس لديهم حرص على دين ولا حرص على وطن ولا حرص على أعراض بل هم بخلاف ذلك ولذلك قال (مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا) كأنهم من سهولة الدعوى يُقدمونها ويسارعون ويقولونها بكل سهولة وهم أكذب الناس في الالتزام بها.
/ د. محمد الخضيري:
والثانية: في قوله (وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ) <وهذا تأكيد لهذا> ونسب اﻹيمان إلى القلب دليل على أن أصل اﻹيمان في القلب وأنه ينبغي للمؤمن وينبغي للصادق مع نفسه أن يعتني بأمر قلبه ﻷن منبع اﻷعمال والمكان الذي تقرّ فيه هذه الحقائق والعقائد هو القلب وإذا استقرت في القلب ظهرت ظهورا تاما على الجوارح قال النبي صلى الله عليه وسلم (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) فليعتني الموفق الصادق مع نفسه بقلبه ﻷنه إذا فعل ذلك سهُل عليه قيادة جوارحه، كثير من الناس اﻵن يشتكي يقول أنا قليل الصلاة وإلا جوارحي ما تطيعني -مثلا- لقيام الليل أو صلاة النهار أو.. أو.. إلخ فيقال له ارجع إلى قلبك لو كان قلبك حيا وكان طاهرا نقيا سهُلت عليك هذه اﻷعمال لكنك عكست القضية فأنت تريد أن تجُر بدنك إلى شيء لا يواتيك عليه قلبك والعبرة بالقلب.
/ د. عبد الرحمن الشهري: نعم وهنا أيضا إشارة إلى أن اﻹيمان الحقيقي ليس هو المعرفة فقط والقول باللسان فقط وإنما هو اﻹذعان والانقياد ولذلك قال (مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ) والمقصود بـ (وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ) أي لم تَنقَدْ ولم تُذعِن ﻷمر الله سبحانه وتعالى.
/ د. مساعد: يعني ليس هناك مواطأة بين ما يقوله اللسان وبين ماهو في القلب. طبعا هذا الصنف اﻷول، الصنف الثاني قال (وَمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ)
د. عبد الرحمن: يعني اﻵية تشير إلى صنفين وهم المنافقون واليهود. 
د. مساعد : طبعا (وَمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ) معطوف عليها، لا الذين يسارعون في الكفر من المنافقين ولا الذين يسارعون في الكفر من الذين هادوا.
د. عبد الرحمن: لذلك يوجد هنا في المصحف تعانق وقف لو تشرحها لنا .
د. مساعد : عندنا في قوله سبحانه وتعالى (وَمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ) هذه هي جملة التعانق، إذا قلنا (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ) ثم نقف ثم نقول (وَمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ) استئناف جديد، أو (لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ) ثم نقف ثم نقول كلاهما (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ) فهذا وجه التعانق فمقطع التعانق قوله (وَمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ)
د. عبد الرحمن : المقصود بالتعانق أنك إذا وقفت في أحد الموضعين لا تقف في اﻵخر حتى لا يقع اختلال في الكلام.
د. مساعد: نعم. وكل موضع يكون له معنى. والمسألة اﻵن السمّاعون هؤلاء هل هم اليهود فقط أو اليهود والمنافقون الذين ذكروا قبل؟ هذا وجه التنوع في معنى اﻵية.
د. عبد الرحمن : بحكم أنك يا د. كتبت في هذا الموضوع [وقوف القرآن وأثرها في التفسير ] ما وُصف بوقف التعانق كم موضع في القرآن الكريم تقريبا؟
د. مساعد: طبعا يختلف باختلاف المصاحف.
د. عبد الرحمن : على أكثر إحصاء مثلا.
د. مساعد:  قرابة المئة، من السبعين فما فوق. يوجد كتاب لمحمد الصادق الهندي طبع كتابه طبعة حجرية عام 1290هـ اسمه [كنوز أوقاف البرهان في رموز أوقاف القرآن] وذكر هذه اﻷوقاف التي هي أوقاف السجاوندي ومنها وقف التعانق هذا -طبعا ليس من أوقاف السجاوندي- لكنه ذكره وذكر خلافا بين المتقدمين والمتأخرين لكن لا أعرف مقصوده بالمتقدمين والمتأخرين وسرد جميع أوقاف التعانق فيها.
د. عبد الرحمن : وبعض المؤلفين يُسميه وقف التجاذب أو تجاذب الوقف، يعني كأنه كل واحد يجذبك إليه إما أن تقف هنا وإما أن تقف هنا.
د. مساعد: أو المراقبة سُمي وقف المراقبة.
د. عبدالرحمن : بمعنى وأنت تقف تُراقب الموضع الثاني.
د. محمد الخضيري: طبعا الذي يظهر لي -والله أعلم - أننا إذا وقفنا على قوله (وَمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ) يعني (قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ) ثم ابتدأنا بقوله (سَمَّاعُونَأن هذا يكون المعنى فيه أعم ﻷن قوله (يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) صنفان : من الذين قالوا آمنا بأفواههم ومن الذين هادوا ثم (سَمَّاعُونَ) كلاهما فيكون هذا أعمّ من القول الثاني، هل هذا مُرجِح له؟
د. مساعد : هولاشك وأيضا تفسير السلف مضى على هذا أن السماع من اليهود ومن المنافقين.
د. عبد الرحمن : هذه اﻵية فيها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ﻷن النبي صلى الله عليه وسلم  -كما ذكرتم - كان عليه الصلاة والسلام ربما يحزن لهذا التكذيب الذي يجده إما من المنافقين وإما من اليهود ومن أهل الكتاب عموما، ولذلك هذه اﻵية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ﻷن اﻹيمان يحتاج إلى قلوب  ويحتاج إلى أوعية صافية من هذا الكدر -كدر النفاق والتكذيب والمكر- الذي يمارسه هؤلاء. وهذه أيضا إشارة إلى أنه ينبغي على المسلم أن يعتني بقلبه وأن يجنبه الوقوع في مثل هذه الشبهات وهذه الشهوات فإنها تفسد على اﻹنسان التصور  وتحول بينه وبين وصول الحق إليه ولذلك تذكرون في قصة عمرو بن طفيل الدوسي رضي الله عنه أنه لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو جاء إلى مكة حاولت قريش أن تحول بينه وبين الوصول إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشوّهت سمعة النبي صلى الله عليه وسلم قالت هذا ساحر وهذا سيشوه فكرك -خائفون عليه من اﻻنحراف الفكري- حتى أنهم مازالوا به حتى وضع القطن في أذنيه. وهذا هو دور هؤلاء المنافقين ودور هؤلاء الذين هم قطاع الطرق إلى الله سبحانه وتعالى، وما أكثرهم اليوم -لصوص القلوب- هؤلاء اليوم يحاولون أن يحولوا بين اﻷمة بين الدعاة وبين العلماء  وبين المصلحين بتشويه سمعتهم وإلصاق 
مختلف التُّهم، بأن هؤلاء إرهابيين .. هؤلاء طلاب سلطة .. هؤلاء كذا والتُّهم كثيرة وقديمة وأحيانا تتكرر ولكن بمصطلحات جديدة، فتسلية النبي صلى الله عليه وسلم هي تسلية لكل أتباعه وهي درس لكل داعية ولكل مصلح لئلا يحزن من هؤلاء الذين يسارعون في الكفر.
د. محمد الخضيري:
قوله (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) هذه تحذير للمؤمن بألا يكون سمّاعا للكذب ﻷن هذه صفة المنافقين وصفة لهؤلاء الذين لما طمس الله قلوبهم ابتلاهم بألا يستمعوا إلا إلى الكذب ويُصدِّقون هذا الكذب الذي يختلقه بعضهم، وهذا بلاء من الله سبحانه وتعالى أنه كذب محض وافتراء بيّن ومع ذلك يستمع إليه اﻹنسان ويبني عليه تصرفاته ومواقفه. أيضا أنت أيها المؤمن إياك أن تستمع إلى الكذب.
اﻵن أنا ألاحظ أن بعض الناس في حياته لا مانع لديه أن يقرأ لكل من يكتب ولا يتفحص من هذا الذي يكتب، يا أخي هذا إنسان مشكوك في دينه ومشكوك في أمانته ولا يُعرف بفضيلة واحدة كيف تُعيره عقلك حتى لو على سبيل النظر المجرد حتى لو كنت مقتنعا وأنت لست ممن يُعنى بالرد عليهم ومقارعتهم ومدافعتهم  لماذا تُعرِّض قلبك وسمعك لهذا الكذب،؟! ﻷن هذا الكذب -كما ذكرت أبا عبد الله - يفسد تصوراتك. يعني اليوم أنت تقول أنا ما أصدقه وغدا ما أصدقه وبعد غد ما أصدقه لكن إذا جاؤا عشرة وكذبوا وكرروا هذا الكذب عدة مرات ما تشعر إلا وأنت بدأت تنساق لا إراديا إلى ما يقولونه لك. يقولون عندنا مثلا بالعامي <العيار اللي ما يصيب يدوش> يعني قد يصيبك بنوع من الربكة قد يقول قد يكون ما يقوله هؤلاء جميعا حقا.
أنا يا إخواني ما أخفيكم قبل يمكن قرابة شهرين زرت إنسان وهو قارئ من الدرجة الأولى صُحف اليوم هذه يمكن يمر عليها كلها، الكُتّاب -أعمدة المقالات- ما يترك أحدا منهم يحصيهم لك باﻷسماء ويأخذ قصاصات اﻷوراق -هو ليس تقنيا أي لا يقرأ تويتر ولا غيره- فتجد القصاصات عنده. لما ناقشته في بعض القضايا الحاضرة وإذا به يتبنى وجهة النظر اﻷخرى التي لا تمُت إلى الحق ولا إلى القِيم بصلة. استغربت .. الرجل من الصالحين ومن أهل المساجد وأعُدّه من الناس المميزين -حقيقة- استغربت لكني نظرت إلى اﻷمر فوجدته صحيحا، الرجل يستمع إلى الكذب بدرجة عالية جدا، يتعرض للشّبه وتشويه الحقائق يوميا فما يزال به هؤلاء حتى يجرونه وهم أصحاب تلبيس لا يمكن أن يقول لك الحق هذا والباطل هذا ويقلبها هكذا قلبا مُجردا بل لابد أن يقدم لها بمقدمات ويُسوِقها ويُزوقها حتى يصل بك إلى هذه النتائج الكاذبة.
د. مساعد: وهذا يدل على تأثير المسموع.
د. عبد الرحمن : وأيضا فيه إشارة هنا إلى أن هؤلاء الذين وقعوا في النفاق وفي التكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم هم كانوا واقعون تحت تأثير هذه اﻹشاعات ﻷنه يقول أنهم من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم لماذا؟ قال (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) يا محمد، فكثرت استماعهم للكذب واستماعهم لهؤلاء اليهود المغرضين الذين يحاولون تسميم اﻷفكار الذين يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم -وإن كانوا هم لا يأتون إليه- تأثروا وأصبحوا منافقين والعياذ بالله.
د. محمد الخضيري:
لاحظ .. هذه القضية ليست في عصرنا وحدنا بل في كل العصور. انظر لما جاءت قضية الفلاسفة وأهل الكلام وبدؤا يتكلمون في العقائد وجاءا بأدلتهم وسفسطاتهم و مناقشاتهم وشبهاتهم ومجادلاتهم ومناظرات الكلامية الطويلة أثرت هذه على كبار علماء اﻹسلام حتى تلك العجوز النيسابورية لما مرّ بها فلان من العلماء فقيل لها إن هذا يثبت وجود الله سبحانه وتعالى بألف دليل ودليل.
د. مساعد: قالوا لها: افسحي الطريق قالت: ولمن؟ قالوا: هذا -ذكروا رجلا من أعلام المسلمين- قالوا هذا فلان الذي أثبت وجود الله بألف دليل ودليل.
د. محمد الخضيري : 
قالت: والله لولا أن في قلبه ألف شك وشك ما احتاج إلى ألف دليل ودليل وهل يحتاج وجود الله إلى دليل؟!
انظر بصفاء فطرتها ونقاء قلبها وصدق إيمانها رأت أن اﻷمر فوق اﻷدلة. هو المسكين كلما تأتي شبهة يبحث عن دليل يدرأ به تلك الشبهة فهو في صراع مستمر. يا جماعة هونوا على أنفسكم الحق بين أيديكم، أأنتم تشكون في الله أو في رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله ما كذباكم ولقد محضاكم النُّصح والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ) فلِمَ نتتبع بُنيات الطريق ونسمع من فلان  وفلان (أفي شك منها يا بن الخطاب والله لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي).
د. عبد الرحمن : لاحظ هنا في وصف الله سبحانه وتعالى لهؤلاء المُحرِّفين للكلام بقوله سبحانه وتعالى (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ) في مواضع أخرى يقول (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ...) [سورة النساء 46] وهنا يقول (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ) وهنا إشارة إلى أنه بعد وضوح الحق واستقراره أنهم يُحرِّفونه واليهود معروفون بأنهم ارتكبوا كل أنواع التحريف،حرفوا في التوراة بالزيادة فيها وحرَّفوها بالنقص منها وحرَّفوها بتغيير معانيها وتأويلها على غير ظاهرها وتحميلها مالا تحتمل.
د. مساعد: وآية الرجم بالذات والتي كررها المفسرون لهذه اﻵيات التي مرّت قبل واﻵن يكررونها ويُنبهون عليها -آية الرجم- مشهورة عند المفسرين حتى أنهم يقولون زنت امرأة من أشرافهم اسمها بُسرى فقال أحدهم اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فإن جاءكم بالجلد فخذوه وإن جاءكم بالرجم فاتركوه.
د. محمد الخضيري: في قوله (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) هم يستمعون الكذب بكثرة وهذا السماع الكثير يُؤثر، ثم قال (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) لتقوم عليهم الحجة.
ما معنى قوله (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ) ؟
يحتمل أن يكون معناها أنهم هم يستمعون، ويحتمل أن يكون معناها سمّاعون ليُوصلوا الكلام إلى قوم آخرين لم يأتوك، يعني كأنما مهمتهم نقل الكذب إلى قوم آخرين لم يأتوك يصدونهم به عن الحق، فيكون اﻹنسان عنده مهمتان، ولا مانع من حمل اﻵية على المعنيين : أنه هو يستمع الكذب ثم يقوم بدور التوصيل، وهذا ما يحصل بالفعل، يسمع الكذب حتى يتشرّبه ثم يذهب إلى الناس ويبلغهم إياه وهو كذب فباء بإثمين: اﻷول أنه سمع الكذب والثاني أنه نقل هذا الكذب إلى قوم آخرين لم يأتوك فصدّهم به عن اتباع الحق. ولذلك نقول: احذر يا عبد الله يا مسلم إذا كنت لست معنيا بالرد على هؤلاء المنافقين .. هؤلاء المغرضين الصّادين عن دين الله عز وجل فإياك أن تستمع أصلا ، وإذا كنت معنِيا بالرد عليهم ومجاهدتهم فليكن دورك في أن تسمع لترد وتقوم بهذا اﻷمر لا من أجل أن تنقله إلى أهل اﻹسلام فتُلبِّس به عليهم أو تنقله إلى غيرهم فيلتبِس عليهم الحق بالباطل.
د. عبد الرحمن : لكن هل يمكن أن ينسجم هذا  عندما تقول (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) هذا وصف لهم وليس لغيرهم فهم من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم أراد الله أن يُبين سبب اتصافهم بهذه الصفة وهي النفاق وعدم استقرار اﻹيمان في القلب ﻷنهم يسمعون للكذب ويستمعون لقوم آخرين لم يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك يذكر المفسرون أن المقصود بهم أناس من -إن صح التعبير- من مثقفي اليهود المُغرضين الذين يُسمِمون أفكار هؤلاء، الذين يرتادون مجلس النبي من المنافقين وغيرهم.
د. مساعد : وبعضهم قالوا يهود فدك. وهذا يبدو أقرب ﻷن المعنى الثاني فيه بُعد.
د. عبد الرحمن : وإن كان المعنى الذي ذكره الد. محمد هو معنى صحيح في نفسه لكن هل اﻵية تدل عليه أو لا؟
د. مساعد : 
فيه بُعد. قال (سَمَّاعُونَ) وصف لهؤلاء القوم أنهم سمّاعون للكذب وهؤلاء القوم أيضا (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) والقوم الذين لم يأتوك هم من اليهود يقولون لهم إن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس بنبي. ولهذا هي دائرة في الخبر عن اليهود وعن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعما جاء به من الشريعة.
د. عبد الرحمن :
لا وهذا فيه إشارة إلى كثرة الاحتشاد -إن صح التعبير- من اليهود ومن أهل الكتاب والمنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ﻹطفاء هذه الدعوة. فكانوا يحاولون أن يجاهدوها جهادا فكريا ويبذلون جهدا كبيرا، وأنا أعتقد كانوا يعقدون اجتماعات ونقاشات طويلة كيف يردون على محمد صلى الله عليه وسلم، ويحاولوا أن يشوهوا أفكار الذين من حوله الذين يرتادون وربما يتلقّونهم يقولون ها ماذا قال لكم اليوم؟ لا تصدقونه، لا .. هذه كذا .. هذه كذب .. ردوا عليه بكذا .. قولوا له كذا حتى يحاولوا يضربوا .. ولذلك الله سبحانه وتعالى ما قال (لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) إلا بعد أن وقع للنبي صلى الله عليه وسلم حزن من الحرب الفكرية التي تُمارس عليه فأراد الله سبحانه وتعالى أن يُبيّن له أن هذه الجهود التي تُبذل في تشويه صورة الإسلام وصورتك فكريا كلها ستبؤ بالإثم ولذلك -والله أعلم- في قوله (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) فيها كشف لهذه الخلايا النائمة التي تتآمر عليك يا محمد فيه ناس من مُثقفي اليهود جالسين يُشوهون الصورة -صورتك- وأنت ما تدري، يخرجون هؤلاء من عندك مساكين ما يفهمون فيذهبون يجلسون معهم يأخذون بعض التوجيهات ويأتون يجلسون عندك. وهذه تراها تتكرر في كل زمان ومكان دائما يعقد أهل الباطل الخلايا والاجتماعات والجهود والمؤتمرات كيف يردوا على اﻹسلام كيف يبطلوا مفعوله.
د. محمد الخضيري : كلامكما -الحقيقة- يدل على أن هؤلاء يأتيهم الباطل من جهتين:
 الجهة اﻷولى: سماعُهم للكذب ، كونه أصلا يقبل الكذب -جاهز لتلقي الكذب- هذا واحد.
الثاني: جاهز لتلقي ما يؤكده أو ليس عندهم يقين (لم يأتوك ). وهنا نسأل : الآن أحيانا تحدث حادثة فيوظفها أهل الباطل توظيفا سلبيا سيئا تذهب إلى واحد منهم : تعرف هذه الحادثة؟ لا ما أعرفها ، طيب كيف كتبت عنها؟ قال: شاع وانتشر وكذا. سبحان الله !! ألا تبرعت عندما أردت أن تكتب بأن تتثبت أنت بنفسك من الشيء الذي وقع.
لعلي أذكر هنا بواقعة وقعت في المدينة اتهمت فيها قضية هيئة وكتب فيها كثير من الكتاب ثم خرجت براءة الهئية تماما -هيئة اﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر- بعد سنتين من التحاكم والتثبت وتبين أنه لا صلة لها بالقضية.
هؤلاء الذين كتبوا وألصقوا التهمة هل تثبتوا؟ لم يتثبتوا وإنما أخذوها من أناس مغرضين أشاعوها وبدأوا يكتبون، وبعضهم -بالمناسبة- ليس ضالا في نفسه وإنما ﻷن فلان وفلان .. عشرة من الكتاب كتبوا كتب هو معهم وأضاف رقما والثاني عشر أضاف رقما حتى وصلت إلى ثلاثين مقالا في خمسة أو ستة أيام، تقول لهؤلاء العشرين من أين كتبتم؟ قالوا من العشرة، طيب هؤلاء العشرة فيهم أحد ذهب -سافر- وتتبع أطراف الموضوع حتى يصل إلى الحقيقة؟ لا .. ليس فيهم أحد، إذا كيف تفعل ذلك؟! يا أخي لا تكن سمّاعا للكذب، هذا واحد.
ثانيا : لا تكن سماعا لقوم لم يتحققوا من اﻷمر من وجوهه ومن مواقعه، بل خذ اﻷمر بجد بنفسك. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على أنفسنا.
د. مساعد: لعلي أختم أبا عبدالله بخبرين:
- عندنا السُدّي قال: "(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ) حين حرفوا الرجم فجعلوه جلدا" ﻷن الرجم كان شديدا عليهم.
والرواية الأخرى : الشعبي عن جابر -والشعبي روى كثيرا عن جابر خاصة في التفسير- قال هنا: "(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ  يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ) يهود فدك يقولون ليهود المدينة إن أوتيتم هذا الجلد فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا الرجم" ثم أورد رواية عن ابن عباس بنفس المعنى قال: "هم اليهود زنت منهم امرأة وكان الله قد حكم في التوراة في الزنا بالرجم فنفِسوا أن يرجموها وقالوا انطلقوا إلى محمد فعسى أن يكون عنده رخصة، فإن كان عنده رخصة فاقبلوها، فأتوا فقالوا: يا أبا القاسم إن امرأة منا زنت فما تقول فيها؟ قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: كيف حكم الله في التوراة في الزنا؟ فقالوا: دعنا من التوراة نقول لك ما عندك في ذلك؟ قال: ايئتوني بأعلمكم في التوراة التي أُنزلت على موسى فقال له: بالذي نجاكم من آل فرعون أو بالذي فلق البحر فأنجاكم وأغرق آل فرعون إلا أخبرتموني ما حكم التوراة في الزنا؟ قالوا : حكمه الرجم" يعني هم جاؤا يريدون التخفف .
المقصود من هذا: أنه تتوارد روايات الصحابة والتابعين على مسألة الرجم هنا وأيضا إشارة إلى فدك ﻷن يهود المدينة استعانوا بيهود فدك -وطبعا بين المدينة وفدك مسافة- وهذا يُشعِر بتواصل اليهود بعضهم ببعض وتواصيهم مع بعض، وﻷن يهود المدينة مُباشرون فيهود فدك الذين لم يأتوك يوصونهم بأن ينتبهوا إلى هذا ولذلك قال (لَمْ يَأْتُوكَ)، فهو في قوله (لَمْ يَأْتُوكَ) واضح جدا أنهم قوم لم يكن بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم صِلة مباشرة وأما الذين عندهم صلة مباشرة وهم يهود المدينة هم الذين كانوا يُباشرون هذا الحدث. ولعنا نختم بهذا ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ويوفقنا لما يحبه ويرضاه. 
--------------------------------------------
 بينات 1435هـ [10] سورة المائدة الآية (41)                   
اقرأ المزيد...

الاثنين، 16 سبتمبر 2013

تفسير سورة المَائدة من الآية (109 إلى نهاية السورة) / من دورة الأترجة


د.مساعد الطيار


 بسم الله الرَّحمن الرحيم.الحَمدُ الله ربِّ العَالمين،والصَّلاة والسَّلام عَلَى أَشرَفِ الأَنبياءِ والمُرسلين نبيِّنا مُحمد وعلى آله وصَحبِهِ والتَّابعين . لَعلَّنا نُكمِل ما بَدَأَنا بِهِ مِن تَفسير.
 قِراءَة مِن كِتَاب كلماتِ القُـرآن: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم.الحمدُ لله ربِّ العالمين،والصَّلاةُ والسَّلامُ على أَشرَفِ خَلقِ الله أجمعين. اللَّهُم اِغفر لَنَا ولِشَيخنا أجمعين.
قَالَ الله عزَّوجَل: يَومَ يَجمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقـُولُ مَاذا أُجِبتُم قَالُـوا لا عِلمَ لَنَا إنَّك أنتَ عَلاَّمُ الغُيُوب.إذ قالَ اللهَ يا عيسى ابنَ مريمَ اُذكُر نِعمَتي عليكَ وعَلَى وَالِدَتِكَ إذ أيَّدتُك جِبريل عليه السَّلام .تُكلِّمُ النَّاسَ في زَمنِ الرَّضَاعة قَبلَ أوانِ الكَلام،وفِي حالِ اكتمال القُوَّة بعدَ نُزُولِه. وإذ علَّمتُكَ الكِتَابَ والحِكمَةَ والتَّوراة والإِنجيل وإذ تُصَوِّر وتُقدِّر مِنَ الطِّين كهيئةِ الطَّير بإِذني فتَنفُخُ فيها فتكونُ طَيرا ًبإِذني وتُبرِئُ الأَعمى خِلقَةً والأَبرَصَ بإِذني، وإذ تُخرِجُ المَوتَى بإِذني وإذ كَفَفتُ بَني إسرائيل عنكَ إذ جئتَهُم بِالبيِّنات فقال الذِّين كَفَرُوا منهم إن هَذَا إلاّ سِحرٌ مُبِين.
قراءة من التَّفسير المُيَسَّر -التَّفسير الإجمالي- : واذكروا - أيُّها النَّاس- يومَ القيامة يومَ يَجمعُ الله الرُّسل عليهم السَّلام, فَيسألُهُم عن جوابِ أُمَمِهِم لهم حِينَمَا دعَوهم إلى التَّوحيد فيُجِيبُون:لا عِلم َلنا, فنحنُ لا نعلمُ ما في صُدُورِ النَّاس, ولا مَا أحدثوا بعدنا إنَّك أنت عليمٌ بِكُلِّ شَيء ممَّا خَفِيَ أو ظَهُر. إذ قال الله يوم القيامة: يا عيسى ابنَ مريم اُذكُر نِعمتي عليكَ إذ خلقتُك من غير أَبٍ, وعلى وَالِدَتِك حيثُ اصطفيتُهَا على نِساءِ العَالِمين, وبَرَّأتُها مما نُسِب إليها,ومن هذه النِّعم على عيسى أنَّه قوَّاه وأعانَهُ بجبريل عليه السَّلام, يُكلِّمُ النَّاسَ وهُوَ رَضِيع, ويدعُوهُم إلى الله وهو كبير بِمَا أوحاهُ الله إليه من التَّوحيد, ومنها أنَّ الله تعالى علَّمه الكتابةَ والخطَّ بدون مُعلِّم, ووهبه قوَّةَ الفهم والإدراك, وعَلَّمه التوراة التي أنزلها على مُوسى عليه السَّلام, والإنجيل الذي أَنزَل عليه هدايةً للنَّاس, ومن هذه النِّعَم أنه يُصوِّرُ من الطِّين كهيئة الطَّير فينفُخُ في تلك الهيئة, فتكونُ طيرًا بإذن الله, ومنها أنَّه يَشفي الذِّي وُلِدَ أعمى فيُبصِر, ويَشفِي الأبرص, فيعود جِلدَهُ سَليمًا بإذن الله, ومنها أنَّه يَدعُو الله أن يُحييَ الموتى فيقُومُون من قبورهم أحياء, وذلك كُلُّه بإرادة الله تعالى ويإذنه, وهي معجزاتٌ باهرة تؤيِّدُ نُبوَّة عيسى عليه السَّلام, ثم يُذكِّره الله جل وعلا نعمته عليه إذ مَنَعَ بني إسرائيل حين هَمُّوا بقتله, وقد جاءَهم بالمعجزات الوَاضِحَة الدَّالة على نُبُوَّته, فقال الذين كفروا منهم: إنَّ ما جاء به عيسى من البيِّنَات سِحرٌ ظَاهِر.
تعليق الشِّيخ : بسم الله الرحمن الرحيم في قوله سبحانه وتعالى (يَومَ يَجمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فيقُول مَاذا أُجبتُم) في كلمات القرآن: لم يَذكُر الشِّيخ في هذه الآية أيَّ معنى من جهة الألفاظ يُعتبِر مُشكِلا ً. في التَّفسير المُيسَّر: عند قوله (مَاذَا أُجِبتُم) ما معنى قوله ماذا أُجبتُم ؟ نَجِد أنَّه قال: اُذكروا أيُّها النَّاس يوم القيامة، يومَ يَجمَعُ اللهُ الرُّسُلَ عليهم السَّلام فيَسألُهُم عن جوابِ أُمَمِهِم لَهُم حِينَمَا دَعَوهُم إلى التَّوحيد (مَاذا أُجِبتُم) أيَّ مَاذا أَجَابَكُم أَقوَامُكُم (قَالُوا لا عِلمَ لَنَا إنَّك أَنتَ علاَّمُ الغُيُوب) لأنَّ الأنبياء مَاتُوا وبَقِيَت أَقوامُهُم بَعدَهُم،والأنبياء لا تَعلَم بما حَصَلَ من أَقَوامِهم بَعدَهم, أَمَّا مَا دامُوا فِيهِم فَهُم شُهدَاء. كَمَا سَيَرِد في قوله (وكنتُ عليهِم شَهيدا ًما دُمتُ فيهم فَلمَّا تَوَفيتَنِي) فإذا ًكَأنَّ السُّؤالُ مُوجَّهٌ للأَنبياء أنَّه بِمَاذَا أَجابَكُم أقوامُكُم بَعدَ مَوتِكُم؟ وهذا فِيه إشعارٌ بأنَّه في هَذَا اليَوم لا عِلمَ ولا أَمرَ إلَّا للهِ سُبحَانَهُ وتعالى,لأنَّ الأَمرَ مُرتَبِطٌ بِعلمِ الغَيب ولهذا قالوا (إنَّك أنت علَّامُ الغُيُوب) لأَنَّهم لا يَعرفوُن ماذا حَصَلَ من أَقَوامِهِم بَعدَ مَوتِهِم. خَصَّ الله سبحانه وتعالى من هَؤلاءِ الرُّسل بِهَذا الخِطَاب عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام, ويَظهَر -واللهُ أعلم- أنَّ سببَ اِختصَاصِهِ بِهَذا الخِطَاب أنَّه مِن أَشهرِ الرُّسُل الذِّين اُدُّعيَ فيهم أنَّه ابنٌ لله، أَو أنَّه إله . المَعنى: أنَّ المَقام الآن في يوم القيامة هُو مقامُ التَّوحيد الأعظم، فالله سُبحَانه وتعالى كأنَّهُ يُنكِر على من عَبَدَ من دُونِه أيَّ مَخلوقٍ حتَّى لو كان أَحَدَ رُسُلِه فكانت هذه المُحاوَرَة بينَ الله سبحانه وتعالى وبَينَ عِيسى عليه الصَّلاةُ والسَّلام التِّي يَحكيها لنا الله سبحانه تعالى الآن وهِيَ سَتَقَع في المُستقبل.ولهذا لمَّا قال (إذ قال الله يا عيسى ابنَ مَريَمَ) فيَرِد سؤالٌ هنا: هل هذا القَول قد وقَع أو سَيقع ؟ الجواب: أنَّه سَيقع,وما دَام أنّه سَيَقع معنى ذلك أنَّ الحَدَث المُستقبلي جاء بصيغة المَاضِي. وهذه قاعدة: أنَّ الحَدَث المُستقبلي إذا جَاءِ بِصيغَةِ الفعل المَاضي فهو للدِّلالة على تَحَقُّقِ وقُوعِه مثل قوله (أَتَى أمرُ الله فلا تَستعجِلُوه) . فإذا ًنحنُ الآن نُشاهِد أو نَطَّلِعُ على مَشهَد مِنَ المَشَاهِدِ التِّي ستكُون يوم القيامة, وهُوَ أنَّ الله سبحانه وتعالى يُوقِف هَؤلاءِ الأَنبياء، ويَسأُلُهم أمَام النَّاس جَميعاً,ثُمَّ خَصَّ منهم -كمَا قُلنَا- عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام (إذ قالَ الله يا عيسى ابن مريم اُذكر نعمتي عليك وعلى والدتِك إذ أيَّدتُك بِرُوح القُدُس) رُوحُ القُدُس كَمَا ذكروا هُنا في التَّفسير هو جبريل عليه الصَّلاة والسَّلام، وجبريل أُطلِق عليهِ رُوحُ القُدُس في القُـرآن في مَواطِن مُتعددة,وكذلك أُطلِق عليه الرُّوح فقط مثل قوله سبحانه وتعالى (نَزَلَ به الرُّوحُ الأَمِين) فَوَصَفُه بالأمين ومثل (يومَ يقُوم الرُّوحُ والمَلائِكةُ صَفّاً) على أنَّه في هذا المَوطِن في سورة النَّبَأ قد وَقَع خِلاف بين المُفسِّرين من هو، لكن الأَشهر والأظهر أنَّه جبريل عليه السَّلام ,لأنه وَرَدَ في القرآن في غير ما مَوطِن بنفس هذا الاسم الذِّي هُوَ الرُّوح .
 قال الله (تُكَلِّم النَّاسُ في المَهد وكَهلاً) تُكلِّم النَّاس في المَهدِ هذه معجزة من معجزات عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام,ومع حُضُور هذه المُعجزة، إلّا أننَّا نَجِد أنَّ اليَهُود قد استنكروا هذا الفِعل من مريم عليها الصَّلاة والسّلام واتَّهمُوهَا بِمَا اتَّهمُوهَا بِهِ.وهنا نَنتَبِه إلى قضيِّة مُهمِة جدَّا ًفي طبع البشر وهي : أن قَضِيَة المُعجزَات. وَهِيَ قَاعــــِدَة: أَنَّ المُعجِزَات هِي دَالّة عَلى صِدق الأنبياء لكن لا يَلزَم منها أن يُؤمِن بِسَبِبها جميعُ النَّاس. فبعضُ المُعجزات يُؤمِن بِسبَبِها أُناسٌ وبعضُ المُعجزات لا يُؤمِن بِسبَبِهَا إلّا أُنَاسٌ قِلَّة. فعيسى كما نُلاحِظ من بِدَاية أَمرِه وهُو في مُعجِزَات.فحديثه وهُو صَغِير لَيسَ شَيئا ًطَبِيعِيّا ًوإنَّمَا هُوَ أَمرٌ مُعجِز,ومَعَ ذلِك لم يُؤمِن به اليَهُود مع أنه بــَرَّأ أُمَّه مِمَّا يُظنُّ أنَّها تَقَع فيه،وكذلك مِمَّا اُتِّهمَت فيه بعد ذلك . (وكهلاً) إشارةً إلى ما سَيكُونُ في المُستقبل بَعد أن يَرجِعَ إلى الدُّنيا،وكأنَّ فِيهِ إشارة إلى رُجُوعِهِ إلى الدُّنيَا بعد رَفعِه إلى الله سُبحَانَهُ وتَعَالى أَو إلى السَّماء . (الكتاب) هنا جَعلُوهُ بمعنى الخَطَّ أيّ عَلَّمَهُ الخَطّ,وهُوَ أحدُ الأَقوال في معنى الكتاب ولَعلَّنا نـَرجِعُ إِلى هَذِهِ الآية ونَأخُذُهَا -كَمِثَال- لــِنَعرِفَ مــَا هِيَ الأقوال،وكيفَ يُمكِن أَن يتغيَّر المَعنى بِسَبب اختيار أحدِ المَعاني غيرِ المَعنى الذِّي ذكَرُوهُ في التَّـفسير المُيَسَّر .
 في بَقِيَة الآية ذكَرَ الله سبحانه وتَعالى مَجمُوعةً من المُعجِزات، وكُلُّ هذه المُعجزات هي بإذن الله سبحانه وتعالى . ولكن لاحِظُوا أنَّهُ في قَولِه (وإِذ تَخلُقُ مِنَ الطِّين كهيئة الطَّير بإذني فَتَنفُخُ فِيهَا فتكونُ طَيرا ًبإذني وتبرئُ الأَكمَهَ والأَبرصَ بِإذنِي وإذ تُخرِجُ المَوتى بِإذنِي) فَكُلُّ عَمَلٍ مِن هَذه الأعمال يُنبِّه الله سبحانه وتعالى على أنَّها بإذن الله جَلَّ جلاله,ولهذا من ضلَّ من النَّصارى هو بسبب زَعمِه أو ظنِّه أنَّ هذا إنَّما هو من فعل عيسى مباشرة ثم اِدَّعُوا له - والعِيَاذُ بالله - الإلهية . وهذه الآيةُ تنبيهٌ: على أنَّ كُلَّ حَدَث أو كُلَّ حدث أو كل عَمَل عَمِلَهُ عيسى عليه الصَّلاةُ والسَّلام إنَّما كان بإذن الله سبحانه وتعالى ومشيئته، وليس بأَمرِ عيسَى مُستَقِلا ً.
 قال (وإذ كَففتُ بني إسرائِيلَ عَنكَ إذ جئتَهُم بالبيِّنَات فقال الذِّين كَفَرُوا منهم إن هذا إلاّ سِحرٌ مُبينٌ) فقوله تعالى ( كَفَفتُ بَنِي إِسرائيلَ عَنكَ) فمَعنى ذلك أنَّهم نَاصَبُوهُ العَداءَ، ولكن الله جَلَّ جلاله عَصَمَه من اليهود حتى أَذِن الله سبحانه وتعالى بِرفَعِه, فَرُفِعَ إلى السَّماء وَأُلقِيَ الشَّبَهُ - على الصَّحيح - على أَحَدِ تَلامِيذه فكانَ هو الفِدَاء لِعِيسى عليه الصَّلاة والسَّلام فَصَلَبُوا الشَّبيهَ ظَنّا ًمنهم أنَّهُم صَلَبُوا عيسى عليه الصَّلاةُ والسَّلام. وهذا التِّلميذ كان مِمَّن فَدَى عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام وليسَ كما يَقُولُ النَّصارى إنَّهُ خَانَ عيسى عليه الصَّلاةُ والسَّلام بَلِ الصَّحيح أنَّه فَداهُ بِرُوحِه فَأُلقِيَ الشَّبَهُ عَليه فَظنَّوا أنَّهُم قتلوا عيسى عَلَيه الصَّلاة والسَّلام. ولِذَلِكَ الله سبحانه قال (وَمَا قَتَلُوه يَقِينَاً) 

قراءة من كِتابِ كلمات القُرآن: وإذ أَوحَيتُ إلى الحَوَاريِّين- أَيّ أَنصارَ عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام وخَواصِّه- أن آمِنُوا بي وبرسولي قَالُوا آمنَّا واشهد بأنَّا مُسلِمُون.إذ قال الحواريُّون يا عيسى ابن مريم هل يستطيعُ رَبُّك أن يُنزِّل عَلينَا مَائِدَة - أيَّ خِوانَا ًعَليهِ طعَام- مِنَ السَّماء قَالَ اتَّقُوا الله إن كُنتُم مُؤمنين.قالوا نُريدُ أن نأكُلَ منها وتَطمَئِنَّ قُلُوبُنَا ونَعلَمَ أن قَد صَدَقتَنا ونكون عليها من الشَّاهدين.قال عِيسى ابن مريم اللَّهُم ربَّنا أَنزِل عَلينا مائدةً من السَّماء تكونُ لنا عِيدَا ً- أَيّ سُرورا ًوفَرَحَا ًأو يَوما ًنُعظِّمُهُ - لأوَّلِنَا وآخِرِنَا وآيةً مِنكَ وارزُقنَا وأنت خيرُ الرَّازِقِين. قال الله: إنِّي مُنَزِّلَهَا عليكُم فمن يَكفُرُ بَعدُ منكم فإنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابا ًلا أُعَذِّبُه أحدا ً من العَالمِين.
 قراءة من التَّــفسير المُيسَّر -التَّفسير الإجمالي- : واذكر يا عيسى نِعمَتي عليك, إذ ألهمتُ, وألقيتُ في قُلُوبِ جماعة من خُلصَائِكَ أن يُصَدِّقُوا بِوَحدانية الله تعالى ونُبَوَّتك, فقالوا: صدَّقنَا يا ربَّنا, واشهد بأننَّا خاضِعُون لك مُنقادُون لأَمرك. واذكر إذ قال الحواريُّون: يا عيسى ابن مريم هل يستطيعُ ربُّك إن سَألَتَهُ أن يُنزِّل علينا مائدةَ طَعامٍ مِن السَّماء؟ فكانَ جَوَابُهُ أن أَمَرَهُم بأن يتَّقُوا عذابَ الله تعالى, إن كانُوا مُؤمنين حقَّ الإيمان. قال الحواريُّون: نُريدُ أن نأكل من المائدة،وتسكُنَ قلوبُنا لرؤيتها, ونعلمَ يقيناً صِدقِك بِنُبُوَّتك,وأن نكونَ من الشَّاهدين على هذه الآية أنَّ الله أنزلَها حُجَّةً لَهُ علينا في توحيده وقُدرَتِه على ما يَشَاء, وحُجَّةً لك على صدقك في نُبُوَّتِك. أجاب عيسى ابن مريم طَلبَ الحَوَارييِّن فَدَعَا ربَّه جَلَّ وعلا قائلاً ربَّنا أنزل علينا مائدة طعام من السَّماء نتَّخذ يَومَ نُزُولَهَا عيدًا لنا نُعَظِّمُهُ نحن ومَن بعدنا,وتكونُ المائدة علامةً وحُجَّة منك يا الله على وحدانيِّتك، وعلى صِدقِ نُبَّوَتِي, وامنحنا من عَطَائِك الجَزِيل وأنت خيرُ الرَّازقين قال الله تعالى: إنِّي مُنزِلٌ مائدةَ الطَّعامِ عليكم, فمن يَجحَد منكم وحدَانيتي ونُبوَّةَ عيسى عليه السَّلام بعد نزولِ المائدة فإني أُعَذِبُّهُ عَذابًا شديدًا, لا أُعَذِّبُهُ أحدًا من العَالَمِين. وقد نَزلَت المائدة كَمَا وَعَدَ الله.
تعليق الشِّيخ : الآن انتقَلَ الخِطَاب بَعدَ أن بَيَّنَ سُبحَانَه وتعالى نِعمَتَهُ على عِيسى عليه الصَّلاة والسَّلام إلى ذِكِرِ نِعمَتُهُ على عيسى بالأصحاب الذِّين هُمُ الحواريُّون قال (وإذ أوحيتُ إلى الحوارييِّن) الوَحِي هنا كمَا نبَّه – الشِّيخ حَسَنِين مَخلُوف في كلمات القرآن - هَذَا الوحي الذِّي كَانَ لهَؤُلاء إنَّمَا هُوَ كَمَا قَال إذ أوحيتُ إلى أَنصارِ عِيسى عليه الصلاة والسلام وخواصَّه-هذا ممَّا يكون من أنواع الإلقاء في الرُّوع أو الإِلهام,ألقى الله سبحانه وتعالى في رُوعِهم أو ألهَمهم ما ذكرَهُ الله سبحانه وتعالى أن آمنوا بي وبِرَسُولي,فَإذَا أُلقِيَ هَذَا في قَلبِ العبدِ المُؤمِن وهُو نَوعٌ من الوَحِي فَلا شَكَّ أنَّ هذا فِيه مِنَ التَّـثبيت ما فيه لأنَّه من الله سبحانه وتعالى. قال (أَن آمنُوا بِي وبِرَسُولي قالوا آمنَّا واشهد بأننَّا مُسلِمُون) هُنا قَاعـِــــــــدة أيضا ًمُهمَّة جِدّا ًفي قضيِّة الأديان : وهِيَ أنَّ أيَّ نَبيٍّ يأتي فإنَّهُ يَدعُو النَّاس أوَّلاً إلى أن يُؤمِنُوا بالله وَحده ، والثَّاني أن يُصَدِّقُوا بِهِ. وهي ما نُسَمِّيه نحنُ الآن في الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ مُحمَّدا ًرسُولُ الله. وهذا مِمَّا تَتَّفِق فِيهِ جَميعُ الأديان,الذِّي هو شهادة التَّوحيد، والإيمان بالرَّسول الذِّي نَزَلَ عليهم .طبعا الحَال لمَّا جَاءَ الرَّسُول اختَلَف الأمر. فَوَجب على كُلّ من سَبَقَهُ من أَتباعِ الأنبياء أن يُؤمِنَ بِهِ، ولا يُقبَل منه أيَّ دِينٍ غَيرَ دينِ الإِسلام. أمَّا مَن كَانَ قبله -قبل محمد- فمن دَانَ بِدينِ مُوسَى الصَّحيح فهُو على الحَقّ,ومَن دَانَ بِدينِ عِيسَى الصَّحيح فَهُوَ عَلى الحَقّ، وهَكَذَا. فإذا ًالمقصود الآن أن نَنتَبِه أنَّ قَاعِدَة أن لا إله إلا الله، وأنَّ ذاكَ النَّبي رسولُ الله مَوجُودة فِي كُلِّ شَرع,وهِيَ المَبنى الأوَّل مِن مَبَانِي دِينِ الإسلام العامّ للرُّسُل,ثُمَّ تأتي بعد ذلك المَباني الأربعة المَشهُورة وهي مما اِتَّفَقَ فيهِ جميعُ الرُّسُل .
 (إذ قَالَ الحواريُّون) أيّ واذكر أيضا (إذ قَالَ الحواريُّون يا عيسى ابن مريم هل يستطيعُ رَبُّك أن يُنزِّل عَلينَا مَائِدَةً مِنَ السَّماء) في قوله (هل يستطيعُ ربُّكَ) يعني إن سألتَهُ (أن يُنزِّلَ علينا مائدةً من السَّماء) وطبعا لا شَكَّ أنَّ الله سبحانه وتعالى قادِرٌ على ذلِك، هَؤُلاء هُم أصفيَاءُ الأنبياء يَسألُون بهذا الأسلوب,وهذا نَوعٌ لاشَكَّ أنّه سيكونُ آيةً لهؤلاء الحَواريِّين . وَقَد وقَعَ خِلافٌ بين العُلمَاء هل نــَزَلت المائدة أو لم تَنزِل ؟ في التفسير المُيَسَّر: ساروا على أنَّها نَزَلَت المَائدة، وهذا هو القولُ الأوّل. والقولُ الثَّانِي: أنَّها لَم تَنزِل لأنَّهم خَافُوا العَذَاب،وخَافُوا ألَّا يُؤدُّوا حقَّها فَتَركُوا هَذَا السُّؤَال . ظَاهر الآيات -كما ذَهَبَ إليه أصحاب التَّفسير المُيَسَّر- أنَّها نَزَلَت ، لِمَاذا ؟ لأنَّهُ لَيسَ في الآيات أيُّ إِشَارَةٍ إلى أنَّها لَم تَنزِل,وإنَّما فيهَا نَوعٌ مِنَ التَّهديد والوَعِيد لَهُم إن لَم يُصَدِّقُوا بهذه الآية ويُؤمِنُوا بِعِيسَى عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام . (قَالُوا نُريدُ أن نَأكُلَ مِنهَا وتَطمِئِنَّ قُلُوبُنَا) ،(نُريدُ أن نَأكُلَ مِنهَا) هَذَا الجَانِب هُوَ جَانِبُ الإشباع الحَياتي (وتَطمِئِنَّ قُلُوبُنَا) هذا جانب الإِشباع الرُّوحي أو النَّفسِي.
 وهُنا سُؤال: قد يَقُول قائِلٌ هل طَلَبُ الحَوَاريِّين لِهَذِهِ المَائدة بهذه الطَّرِيقة لاطمئنان القلب، مَطلَبٌ صحيح أو فيه إشكال ؟ الجَوَاب: المَطلَبُ صَحِيح. مثل قصَّةُ إبراهيم عليه الصَّلاة والسَّلام ، فإبراهيم عليه الصَّلاة والسَّلام أَرَاهُ اللهُ سبحانه وتعالى مَلكوتَ السَّماواتِ والأرض قال الله (وكَذَلِكَ نُرِي إبراهيمَ مَلكوتَ السَّماوات والأَرض ولِيَكُونَ مِنَ المُوقنِين) ومَعَ ذلك لمَّا جَادَل قَومَه وحَصَل مَا حَصَل منه عليه الصَّلاة والسَّلام مِن كَسرِ الآلِهَة, وصَارَت المُناظرة بينه وبين المَلِك بعد مُناظرَتِه للنُّجُوم, ثُمَّ بَعدَ كُلَّ هذه المُناظرَات لمَّا قَالَ المَلِك أنا أُحيي وأُميت تَشَوفَّت نفسُ إبراهيم عليه الصَّلاة والسَّلام أن يَرى كيفية الإحياء والإماتة فقال (ربِّي أَرِنِي كيف تُحيي المَوتى) لو كانَ هذا السُّؤال خطأ مثلما سأل نوح عليه الصلاة والسلام لَوَعظَه الله قال (إنِّي أَعِظُكَ أن تكونَ من الجَاهلِين) هَذَا فِي حَقِّ نُوح عَليهِ الصَّلاة والسَّلام لما طَلبَ نجاةَ اِبنه, أمّا لما كان سُؤُالُ إبراهيم عليه الصَّلاةُ والسَّلام سُؤالٌ مَشرُوع وليسَ فِيهِ إِشكَال. الله سبحانه وتعالى يُربِّينا نحن فقال (قَالَ أَولَم تُؤمِن) مع أنَّ الله سبحانه وتعالى عليمٌ بما في نفس إبراهيم (قَالَ أوَلَم تُؤمِن قَالَ بَلى) إذاً لماذا طلب؟ قال إبراهيم عليه السّلام (لِيَطمئِنَّ قَلبِي) فَطَلَبُ طُمأنِينة القَلبِ مع وُجُود اليَقين أمرٌ لا إشكال فيه أبداً . وهنا أيضا لا يُعابُ على الحَوَارييِّن أنَّهُم طَلــَبُوا ما يَجعلُ قُلُوبُهُم تطمئِن,ومن يقرأ في سيرة عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام وما واجَهَهُ هُوَ والحَوَاريين، وَقلَّة عدد هؤلاء الحَواريين يتَصوَّر ذلك القَلق الذِّي يُمكِن أن يعيشُهُ هؤلاء وعدَدُهُم قَليلٌ جداً, مَا ذُكِرَ إلَّا اثنا عشرَ شَخصاً كانوا معه عليه الصلاة والسلام. ما كان يُحدِثُه هذا المجتمع الذِّي كانوا يعيشونه مجتمع -اليَهُود،ومجتمع الرُّومَان الكَافِـر- في هذه الفِئةِ الصَّغيرةِ جِداً التي آمنت بعيسى عليه الصَّلاة والسَّلام. فطبيعيٌّ أن يطلب هؤلاء ما يُثبّتهُم ويُطمئِنُهُم فكان هذا المَطلَب وهو مَطلبُ نزولِ المائدة . قَالُوا (ونَعلمَ أن قَد صَدقتنا ونَكونَ عليها من الشَّاهدِين) كُلُّ هَذِه المَطالِب مَطالبٌ مُعتبَرة ولا يُقالُ كيف يَطلُب هؤلاء أو إنَّ هؤلاء قد أَساءُوا الأَدب, لو كان فيه إساءةُ أدب لَـــنبَّهَ الله سبحانه وتعالى عَليها أو نَبَّه عِيسَى عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلام على هذه القضايا, لكن ما دام أنَّ الله سبحانه وتعالى ذَكرَ هذه المَطالب دونَ أن يُشيرَ إلى وقُوعِ أيِّ إشكالٍ في هذه المَطالِب فَيَدُلُّ على صِحَتِهَا. ولهذا قال عيسى عليه الصَّلاةُ والسَّلام (اللَّهُمَّ ربَّنا أَنزِل عَلينا مَائدةً من السَّماء تكونُ لنا عيدا ًلأوَّلنا وآخرنا وآيةً منك وارزقنا وأنت خير الرَّازقين) فإذا ًالنَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام قد طَلَب، وما دام طلب فالغالب أنَّه يتحقق. ولكن وقع خِلافٌ -كما قلت لكم- بين العُلماء عند قول الله جَلّ وعلا (قال الله إني منزّلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أُعَذِّبُهُ عَذَابا ًلا أُعَذِّبُهُ أَحداً من العَالَمِين) قالوا إنَّ الحواريين لمَّا سمعوا هذا قالوا إذا ًلا نحتاج إلى هذه الآية- هذا على قول- خوفاً من أن لا يُؤدُّوا حقَّها وهو شكرها . وقال آخرون - والذي مشى عليه أصحاب التفسير الميسّر- أنه قد أنزل الله سبحانه وتعالى هذه المائدة ونزولها كان - على قول بعضهم- كان يوم الأحد فاتَّخذوا يوم الأحد بالنسبة لهم يوم عيدٍ, فأضلّ الله سبحانه وتعالى النَّصارى كما أخبر - الرسول - عن يوم الجُمُعة , كما أضلَّ اليهود إلى يوم السَّبت عن يوم الجمعة, وبقي يوم الجُمُعة لخير الأمم .
قراءة من كتاب كلمات القُرآن : (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) قال تنزيها ًلك من أن أقول ذلك (ما يكونُ لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علّام الغيوب.ما قلت لهم إلّا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربِّي وربكم وكنتُ عليهم شهيداً ما دُمتُ فيهم) فَلمَّا أَخذتني إليك وافِيا ًبِرفعي إلى السَّماء حيّا ً(كُنتَ أنتَ الرَّقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد) (إن تعذّبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) (قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ً ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم.لله مُلكُ السَّماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير).
قراءة من كتاب التفسير المُيَسَّر -التَّفسير الإجمالي- : واذكر إذ قال الله تعالى يوم القيامة: يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اجعلوني وأُمِّيَ معبُودين من دون الله؟ فأجاب عيسى -منزِّهًا الله تعالى- ما ينبغي لي أن أقول للنَّاس غير الحقّ. إن كنتُ قلتُ هذا فقد عَلمتَه; لأنه لا يخفى عليك شيء, تعلم ما تُضمرُه نفسي, ولا أعلم أنا ما في نفسك. إنَّك أنت عالِمٌ بكل شيء مما ظهُر أو خفي قال عيسى عليه السلام: يا ربِّ ما قلتُ لهم إلا ما أوحيتَهُ إليَّ, وأمرَتني بتبليغه من إفرادك بالتوحيد والعبادة, وكنتُ على ما يفعلونه -وأنا بين أظهرهم- شَاهِدًا عليهم وعلى أفعالهم وأقوالهم,فلمَّا وَفَيتَني أجلي على الأرض, ورفعتني إلى السماء حيًّا, كنت أنت المطَّلِعَ على سَرائرهم, وأنت على كل شيء شهيد, لا تخفى عليك خافية في الأرض ولا في السماء. إنك يا ألله إن تُعذبهم فإنهم عبادك وأنت أعلم بأحوالهم، تفعل بهم ما تشاء بِعَدلك, وإن تغفر برحمتك لمن أتى منهم بأسباب المغفرة, فإنَّك أنت العزيز الذي لا يُغالَبُ, الحكيم في تدبيره وأمره. وهذه الآية ثناءٌ على الله تعالى بحكمته وعدله, وكمال علمه. قال الله تعالى لِعِيسى عليه السلام يوم القيامة: هذا يوم الجزاء الذي ينفع المُوَحدين توحيدهم ربهم, وانقيادِهم لشرعه, وصِدقهم في نِيَّاتهم وأقوالهم وأعمالهم, لهم جنَّاتٌ تجري من تحت قُصُورها وأشجارِها الأنهار,ماكثين فيها أبدًا, رضي الله عنهم فَقَبِل حسناتهم, ورضُوا عنه بما أعطاهم من جزيل ثوابه. ذلك الجَزاء والرِّضا منه عليهم هو الفوزُ العظيم. لله وحده لا شريك له مُلكُ السموات والأرض وما فيهن, وهو -سبحانه- على كل شيء قدير لا يُعجزُه شيء.
تعليق الشِّيخ : لاحظوا الآن الحديث الأوَّل مع عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام وخبَرُه كان في الدنيا (وإذ أوحيتُ إلى الحواريين) أيضا ًفي الدنيا، بداية الحديث كان في الآخرة .. الآن الحديث سيرجع مرة أخرى إلى الآخرة مع عيسى عليه الصلاة والسلام وقضية التَّوحيد التي هي أهم قضية جاءت بها الرسل لما قال (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) وهذا تبكيت في ذلك المَوقف لِمن ادَّعى ألوهية عيسى عليه الصلاة والسَّلام، أو ألوهية أُمِّه، أو ادَّعى أن عيسى عليه الصلاة والسلام قد دَعَا لِنفسه بالألوهية ,فهذا تَبكيتٌ لِمَن يَسمَع هذا الخِطَاب مِمَّن عَبَدَ عيسى عليه الصلاة والسلام . ولاحظوا أنه قال عيسى ابن مريم وهذه فَائدة في القرآن يُنتبه لها: أن القرآن يُؤكِّد بشرية عيسى عليه الصلاة والسلام في كل مقام إذا نَسَبَه إلى أمه ,كأنَّه مقصود أن ينبّه على أن عيسى عليه الصلاة والسلام بَشري وأنَّه فقط جاء بمعجزة في كَونه جاء بلا أب . قال (ءأنت قلت للناس اتَّخذوني وأُمِّيَ إلهين من دون الله قال سبحانك) وهنا (سُبحَانك) فيها معنى التَّنزيه ومعنى التَّعظيم معاً. وهذه فائدة يُنتَبه لها: مادّة سبحان تحمل التَّنزيه والتَّعظيم معاً,ولكن السِّياق يُقدِّم أحد المعنيين على الآخر. فهل المقام مقامُ تنزيه فنقول إنه تنزيه ، وهل المقام مقام تعظيم فنقول إنه تعظيم ، أو أنَّ المقام متساوٍ فيه التَّنزيه والتعظيم مثل هذا الموطن. فنقول إنّ (سبحانك) تعظيما لك وتنزيها لك لأنه في مقام التنزيه والتعظيم .. ونلاحظ أنَّه قال في سورة الإسراء(سبحان الذِّي أسرى بعبده ليلا ًمن المسجد الحرام) هل في قوله (أسرى بعبده) نَقِيصَة أو شيء فتحتاج إلى التَّنزيه ؟ الجواب: لا. فإذا هذا المَقام مقام تعظيم,يعني تعظيما ًلمن أسرى بعبده ليلا ًمن المسجد الحرام, والتَّعظيم يَستلزم التَّنزيه،فما دام مُعظَّما ًفإنه يلزم منه أن يكون مُنزَّها . لكن في قوله (وقالوا اتخذ الله ولداً سبحانه) هذا مقام التنزيه،والتنزيه يتضمَّن التَّعظيم فإذا المقصود من ذلك أن مادَّة (سبحانك) في القُـرآن يتجاذبُها التَّعظيم،والتَّـنزيه . والسياق هو الذِّي يُقدِّم إحدى الدِّلالات أو يُساوِي بينهما فإذا معناها هنا الآن تعظيما لك وتنزيها لأنَّ المقام مقام توحيد (أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ) ليس من حقوق الأنبياء هذا التَّعظيم الذِّي يصل بهم إلى هذا الحَدّ. وهذه قاعــــدة ننتبه لها ونحن نتعامل مع الأنبياء سيكون عندنا تجاذُب بين تعظيم كلام الله سبحانه وتعالى وتنزيله منزلته من الظَّاهر الذِّي يَدُلّ عليه ,وتقديس الأنبياء من رفعهم عن مرتبتهم ,فيجب أن يكون عندنا نوع من التَّوازن ولا يقع عندنا تقليل من شأن كلام الله سبحانه وتعالى وتعظيم أو تقديس لشأنِ الأنبياء . وأعني بذلك أنه إذا ورد عن نبي من الأنبياء أمرٌ قد أثبتَه الله سبحانه وتعالى عليه من الأَخطاء فإننَّا نُثبته كما أثبته الله سبحانه وتعالى ,وأيّ تأوُّل فإنَّه نوعٌ من التَّحريف الذي يَصرِف المعنى عن ظاهره فيكون فيه عَدم حِشمة مع كلام الله سبحانه وتعالى،واحتشامٌ لأمر النبي مع أن هذا من الأمور التي لا تَخدِش في عِصمَة الأنبياء ولا تؤثِّر عليهم , ولكن الفهم غير الصحيح للعِصمَة هو الذي يؤثر في مثل هذا الانحراف في فهم بعض المعاني المتعلِّقة بالأنبياء . ولهذا بعض السلف كابن قُتيبَة، والحسن البصري، وبعض اللغويين أيضاً مثل أبوبكر ابن الأنباري وأبو عُبَيدة القَاسِم بن سلاَّم , من السَّلف ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهم كانوا يَتعاملون مع هذه الآيات بِظَواهرها ولم يكن عِندهم أي نوع من التأويل المُنحرِف الذي يَصرِف الآية عن ظَاهرها وكأنَّ الله سبحانه وتعالى قد خاطبَنا بما لا نفهم من تلك العِبَارات وهذا سيكُون فيه نوع من التكلُّف وصعوبة,ولهذا لاحظوا مثلا ًقول الله سبحانه وتعالى (لقد كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً.إذا ًلأَذقنَاك ضِعفَ الحَياةِ وضِعفَ المَمات) وهو يُخاطِب أحبَّ الخَلق إليه فهو كلامه سبحانه وتعالى, ويُبيِّن لنا عن هذه النَّفسية البشرية في محمد قال (كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً) لو حصل منك هذا الشيء القليل توعدَّه الله قال (إذا ًلأَذقنَاك ضِعفَ الحَياةِ وضِعفَ المَمات). فكيف نُواجِه مثل هذا الخطاب؟ لا يمكن أن نواجهَهُ بالاستنكار، أو الاستغراب أو نقول إنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم مَعصوم عن هذا. نقول: إنَّ الله سبحانه وتعالى قد عَصمه عن أن يقع في الخطأ , لكن مثل هذا يَدُلّ على أنَّه لو وقَع منه لَحصل أنَّ الله سبحانه وتعالى يُعاقِبُه هذا العقاب (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) (إِذَاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ) فإذا أقصِد من ذلك أنَّ في مثل هذه الأمور يحتاج إلى نوع من التوازن . هنا الآن عيسى عليه الصلاة والسلام يقول (مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ) فإذا هناك حُقوق خاصّة بالأنبياء معروفة وواضحة في القرآن, وهناك من يدَّعي للأنبياء حقوق زائدة. من يَدعِّي للأنبياء حقوق زائدة فإنه سيدخل في مثل هذا الخطاب الذي يقوله عيسى (مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ) قال (إِن كُنتُ قُلْتُهُ) أيّ هذه الدَّعوة بأنِّي دعوتُ إلى أُلُــوهيَّتِي (إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ).
قال بعد ذلك (إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ*مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ) الذِّي هو التوحيد لَكِن لاحظ الآن هَذِه المخاطَبَة، وهذه المحاورة بينه وبين الله سبحانه وتعالى، وفيها معاني كثيرة. لاحظ لمَّا قال (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) النَّبي في هذا المَوطن مع أنَّه موطن شديد جِدّاً، والله سبحانه وتعالى جَبَلَ الأنبياء على الرَّحمة، هو يطلبُ لهم المغفرة، ولكنه طلبٌ فيه خفاء ، كيف ؟ الآن الموقف موقف عَظَمَة وموقف غَضَب إلهي من أولئك الذين عبدوا غيره سبحانه وتعالى وهذا هو أكبر الكبائر كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيقول هو عليه الصلاة والسلام (إن تعذِّبهم فإنَّهُم عِبَادك) فقدَّم العذاب لمناسبة المَقام. وإن تغفر لهم،.هل هذا مقام طلب مغفرة لهؤلاء ؟ الجواب: نعم، لكن كيف يُغفَر لهم ؟ قال (إِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) يعني إن غَفَرت لهم فمَغفرتك عن عِزّة وليست عن ضَعف,عن حِكمة وليست عن عَجز أو جهل . فكأنَّه طلب لهُم المغفرة بهذا الطَّريق . لا يتناسب في هذا الموطن أن يقول وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم ، لأن الموطن هذا موطن غضبُ الرب سبحانه وتعالى وبيان عظمته سبحانه وتعالى, فلا يتناسب مع عظمته سبحانه وتعالى في هذا الموطن إلّا أن يوصف بأوصاف الجلال التي تَدلُّ على القوة والعظمة ,فطلَبَ لهم المغفرة من هذا ، وهذا يدل على رحمة الأنبياء عليهم السلام , وأنَّ الله سبحانه وتعالى جَبَلهم على الرحمة حتى في هذا الموقف الذي نوقن أنه لا يُفيد هؤلاء الذين عَبدُوا غير الله سبحانه وتعالى مثل هذا ,لكنها كما قلنا من رحمة الله . ولهذا قال (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) صدق الأنبياء لا يُشَك فيه,يعني ما هو لازم الخبر الذِّي نحن نستفيد منه من هَذه المُحادَثة أو هذا الأمر الذي يكون بين الله عز وجل وبين أحد عباده وأحد أشرف عباده وهو عيسى عليه الصلاة والسلام. فلمَّا يقول الله هذا هو تنبيه لنا نحنُ الآن , لأننّا نَقرأ هذا الخِطاب (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) سواء صدق الأقوال أو صدق الأفعال, وصدق الأفعال لا شك أنه هو المهم .. فإذا المقصد من هذا الخبر أو أحد مقاصد هذا الخبر هو التنبيه على هذا المعنى (هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) فهو المطلوب منا إذا أن نكون مع الصَّادقين لكي يحصل لنا ما ذكره الله سبحانه وتعالى قال (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
ولعلنا نقف عند هذا لانتهاء الوقت سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلّا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

لحفظ الملف الصوتي :




---------------------
مصدر التفريغ / ملتقى أهل التفسير (بتصرف يسير) 
اقرأ المزيد...

الجمعة، 13 سبتمبر 2013

تفسير سورة المَائدة من الآية ( 82 -108) / من دورة الأترجة

pan style="font-size: large;">
 بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، الحَمدُ لله ربِّ العالمين،والصَّلاة والسَّلام على أَشرف الأنبياء والمُرسلين نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه والتَّابعين أمَّا بعد :

 فَفِي هذا اليوم يومُ الخَميس أُكملُ معكم ما انتهى إليه أخي الدُّكتور عبدالرَّحمن الشِّهري بالأَمس القَريب حيث وَقَفَ على سُورة المَائدة عند الآية الحَادية والثَّمانين،وسَنبتدء- إن شاء الله- بالآية الثَّانية والثمانين ثم نأخذُ أيضا جُزءاً من سُورةِ الأنعام.
 كنتُ قد رتَّبت اللِّقاء على طريقة بناءً على أنَّ المسألة فيها مَجالٌ للاجتهاد لكنَّ الأُخوة حبَّذُوا أن نكون على نفس المَنهج والطَّريقة، ولعلَّ فيما اختاروه خَيراً لأنِّي كنت قد فَهمتُ أنَّ القَاعِدة : لِكُلِّ شَيخٍ طريقة، فرتَّبت اللِّقاء على  أن نَقرأ الغَـريب في جَميع المَقطع الذِّي سنُناقِشُهُ هذا اليوم كامِلاً.   ثم بَعد ذَلك نأخُذ التَّفسير الإجمالي كاملاً.  ثم نأخُذ بعض أمثلة لِتحرير التَّفسير وخِلافات المُفسِّرين من خلال أمثلة في تفسير ابن جرير الطَّبري في نَفس المَقطع.  ثُمَّ بعد ذلك تَعليقات عامَّة على مَوضُوعات سُورة الأنعام، وبعض اللَّطائف، والفَـوائد، والاستنباطات .
 نفس ما ذكرتُ لكم سنأخذه، ولكن بنفس الطَّريقة والمَنهج في التَّقسيم، فالخِلاف سيكونُ في قضية التَّقسيم فقط، ولهذا سَنسِير على نفس طريقة الإخوة في التَّقسيم،ونَفس الأَفكار التي ذكرتُها لكُم إن شاء الله سنأخذها معاً،ولعلَّنا نَبتدء بِمَا يتعلَّق بِقَضيِّة (غَريب القرآن) ودَعُونا نأخُذ مُقدِّمة مُوجَزَة فيما يتعلَّق بِهذا المَوضوع وهو من أوائلِ ما يَجِب على طَالِبِ علم التفسير أن يَعلمَه وهو جَانب : غَريب القرآن أو معرفة دِلاَلات مُفردات الألفاظ، لأنَّه لا يُمكن لِكَائِنٍ من كان أن يعرف المَعنى دون أن يعرفَ دِلالة اللَّفظة في لُغةِ العَرب، ولهذا نجد أنَّ ابن عباس رضي الله عنه كان يقول "كنتُ لا أَعلمُ ما فَاطِرَ السَّمواتِ والأَرض حتى اختصمَ إليَّ أعرابيان في بِئر فقال أحدهما أنا فَطرتُها أيّ ابتدعتُها" فَفهِمَ معنى دِلالة فاطر السَّمواتِ والأرض بناءً على هَذا الكلام العَربيّ الذِّي سَمِعَهُ من هَذَا الأَعرابي. فَإذاً مَقام ما يُسمَّى بغريبِ القرآن أو مُفردات ألفاظ القرآن هو أوَّلُ مقامٍ من مَقامات علم التَّفسير يجبُ على قارِئِ التَّفسير أن يُتقِنَه وأن يَفهمه. طبعاً هناك مسائل مرتبطة به، لكن نحن نأخذه على أنَّه قضية مُنتهية وإلاّ قد يَرد هناك خِلاف في مَدلول الأَلفاظ ماذا يفعل طالب العلم حينما يأتيه هذا الخِلاف في المَدلول؟ لعلَّنا نأخذ مثالاً إن تَمكنَّا إن شاء الله في القِراءة التَّطبيقية على بعض خِلافات المُفسِّرين من خلال تفسير ابن جرير، سنأخُذ أحد الأَمثلة ونُناقِشُها إن شاء الله.
 هُنَاك مسائل كما قلتُ لكم كثيرة فيما يتعلَّق بقضيِّة الغَريب، ولكن لعلَّنا نَبدأُ بما يَتعلَّق بِغريب هذه الآيات. والطَّريقةُ المَوضُوعة أَمَامكم هي فِكرةٌ من الأَفكار وهي : وَضعُ الكَلمة الغَريبة مكانها في الآيات، طَبعاً باعتبار أنَّها تُقرَأ لا عَلَى أنَّها آيةٌ مُنزَلَة، وإنَّما تُقرأ على أنَّها تفسير فَمَا يَحتاج إلى تَفسيرٍ يُفسَّر وما لا يَحتاج إلى تَفسِيرٍ لا يُفسَّر، ولهذا هَذه الطَّريقة هي أشبَه بالتَّرجمة، فَأنتَ في مِثل هَذه الطَّريقة تكون مُبيِناً عن المَعنى المُرَاد باللَّفظة فقط، فاللَّون الأحمر الذِّي أمامكم هُوَ إشارةٌ إِلى الكَلمة القرآنية – بَدَلاً عن الكلمة القُرآنية -التي تحتاجُ إلى بَيان، وما عَدَاها فقد تُرِك في الآية كَما هُو لم يُغيَّر، فنحن سَنقرأ الآن على أنّها نصٌّ مَكتوب، لا على أنَّها آيات بحيثُ يَتبيَّن للطَّالب كيف يُمكن أن يَفهم دِلالة المُفردة التي ينتَـقِل منها إلى المعنى الإجمالي .
/ قراءة من كتاب كلمات القرآن:
 بِسم الله الرَّحمن الرَّحيم،الحمدُ لله ربِّ العالمين،والصَّلاة والسَّلام على أَشرف خَلقِ الله أجمعين. اللَّهُم فَقهنا في الدِّين، وعلِّمنا التَّأويل،اللَّهم اغفر لنا ولِشيخنا أجمعين .
قال الله عزَّوجل: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَمتلئُ بالدَّمْعِ فتَصُبُّه مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83)).
 تعليق الشِّيخ :
 تُلاحِظـُون الآن أمامنا فقط تفسيراً لمعنى لفظة (تَفيضُ).لـو أردنا أن نأخُذ تَدريباً، وقُلنا لِكُلِّ واحد منَّا ما هي الألفاظ الغَريبة عليك في هذا النَّص؟
 ستجِد أنَّ الألفاظ الغَريبة عند فلان غير الألفاظ الغَريبة عند فلان، فمثلاً أحدُهم سيقول:  ما معنى (قِسِّيسِّين) ؟وآخر يقول ما معنى (رُهبَان)؟ وآخر سيقول ما الفرق بين (قِسِّيسين ورُهبَان)؟ معنى ذلك أنَّ مسألة الغريب نِسبية وليس المَقصود هُنا أن نأخذ جميع ما يتعلَّق بالغريب؛لأنَّ الوَقت ضيِّقٌ جِدّاً، لكن هي مُجرَّد تَدريب على فِكرة الغَريب.
لاحِظ الآن إذا قرأتَ هذا النَّص "وإِذا سَمِعُوا ما أُنزِلَ إلى الرَّسُول ترى أعينَهُم تَمتلئُ بالدَّمع فتَصُبُّه ممَّا عَرَفُوا مِن الحَقّ" الآن الجُملة مُتناسقة أو فيها نُبُوء؟ الجُملة مُتناسقة ، المَطلب الذِّي نَحتاجه في هذه الطريقة هو: أن تَسبِكَ عبارةَ الغَريب بحيث أنَّها تتناسق مع الكلام . وهذا هو الآن الفِكرة المعروضة عندنا،طبعاً هذا اجتهاد سَريع لم يُراجَع، لكن مُمكن أنّه لو وَقَعَ فيه أيُّ إشكال يُمكن أن يُعدَّل. وهذه اللَّبِنة الأُولى التي يُمكن أن نفهم بها المَعاني،وسنقف – إن شاء الله - عند هذه اللَّفظة (تَفيضُ من الدَّمع) في آخر الوَقت في بعض كُتُبِ غريب القرآن، أو كتاب نموذج، لكي نَنظر كيف تَعامَلَ مع لفظةِ (تفيضُ من الدَّمع) وكيف عرَّفها .
 قراءة من كتاب كلمات القرآن :
(وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (86) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88))
تعليق الشِّيخ : لاحِظُوا الآن هذا المَقطع الطَّويل ليس فيه بالنَّسبة لنا أيُّ كلمةٍ غريبة،طبعاً نحن مُعتمدِين على كتاب (كَلِمات القرآن) لِحَسنِين محمد مَخلوف، هذه الجُملة من الآيات لَيسَ فِيها شَيءٌ يَحتاج إلى بَيان بناءً على هذا الكتاب، المَعاني الآن من جهة الألفاظ واضحة ، ما هُو الشَّيء الذِّي نَجده غيرَ واضحٍ في هذه الآية؟ مثلاً: قد يقول قـَائل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا) ما هِيَ الطَيِّبات التِّي أحلَّها الله؟ هُنا الآن المَسألة ليست مُرتبطة باللَّفظة من جِهة دِلالتها اللُّغوية،ولكنَّها مُرتبطةٌ باللَّفظة من جِهة المُراد بها، يعني ما المراد بِها في هذا السِّياق؟ ؛لأنَّ الدِّلالة اللُّغَوية واضِحَة جداً معنى (تُحرِّمُوا) ومعنى (الطَّيبات) واضح، لكن مَا هي الطَّيبات؟ فهذه قضيِّة خارج النَّص لا تُؤخَذ من المُفردة نفسها وإنما تُؤخذ من مصدرٍ آخر فتأتي قضية بيان الشَّريعة  إمَّا من القُرآن ، وإمَّا من السُّنة ، وإمَّا من الإِجماع، وغير ذلك .
قراءة من كِتاب "كلماتِ القُرآن" : لا يُؤاخذِكُم اللهُ بالحَلِفِ الذِّي تَعتقدون صِدقَهُ، والأَمرُ بِخلافِه أو ما يَجري على اللِّسَان مِمَّا لا يُقصَد به اليَمين،ولكن يُؤاخِذكُم بما وثقتُمُوها بالقَصد والنِّية فكفَّارَتُهُ إطعامُ عشرةِ مساكينَ من أوسطِ ما تُطعِمُونَ أَهلِيكُم أو كِسوَتُهُم أو تحريرُ رقبةٍ فَمَن لَم يَجِد فصيامُ ثلاثةِ أيَّام ذلكَ كفَّارةُ أَيمانِكم إذا حَلفتُم واحفظوا أَيمانكم كذلك يُبيِّن الله لكم آياته لعلَّكُم تَشكُرُون.
 تعليق الشِّيخ : قولُهُ (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) إذاً المُفَسَّر عندنا الآن قولُهُ (بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) فاللَّــغو: أن يَحلِف عَلى شَيءٍ يَعتقد صِدقَهُ والأمر بِخلافه،وهذا الأمر رَاجِعٌ إلى نِيَّتِــــه بحيث يَعتقد أنَّه صَادق في هذا، ولكنَّ الوَاقع خِلافُه، أو ما يَجري على اللِّسان مِمَّا لا يُقصَد به اليَمين،وهَذا يَكثُر فمثلاً تقول (لا والله) (بلى والله) كما قالت عَائِشة رضي الله عنها "وهو قولُ الرَّجل :لا والله ، وبَلى والله، وأمثالها". فهذا كثير يُسمَّى لَغـوّ أيّ لا معنى له،ولا يُعقَد عَليه أيّ شيء. (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ) أيَّ:وثقتُمُوها بالقَصدِ والنِّيَة، فإذا قلت (لا والله) وأنت قاصِدٌ الحَلف فيكون هذا إذاً يَمين، ولكن إذا قلت (لا والله ما رأيتُه اليوم)، وأنت لا تَقصد الحَلف وإنَّما هو ممَّا يَجري على اللِّسان فهذا يُسمى لَغو يَمين، فإذاً افترق لغُو اليَمين عن غيره بقضيِّة النِّـــــيـــة والقَـــصد. فإذا نَظرنا إلى النَّص يَتبيَّن لنا المعنى العام للآية.فكأنَّ الدِّلالة اللُّغوية هنا تَبيَّنَ بها المَعنى تبيُّنًا كَامِلاً لا نحتاج فيه إلى مَصدر آخر، لكن أحياناً تتبيَّن الدِّلالة اللُّغوية ولكن نحتاج أيضاً إلى مصدر آخر لنبحث عن المُراد، ما المراد به في هذا السِّياق؟ هنا عندنا تَبيُّنٌ كَامِل للدِّلالة من جِهَة، وللدِّلالة السِّيَاقية من جهة أخرى.
قِـراءة من التَّفسير المُيسَّر( التّفسير الإجمالي) : "يَا أيُّها الذِّين آمنوا إنَّما الخَمرُ والمَيسرُ والحِجارةُ التِّي حَولَ الكَعبة تُعظِّمونها والأقداح التي تَطلبُون بها عِلمَ ما يُقسَّمُ لكم خبيثٌ قَذِرٌ نجسٌ من عَمَلِ الشَّيطان فاجتنبوه لعلَّكم تُفلحون. إنَّما يُريدُ الشَّيطانُ أن يُوقِعَ بينكم العَداوةَ والبَغضاء في الخَمر والمَيسِر ويَصُدَّكُم عن ذكر الله وعن الصَّلاة فهل أنتم مُنتَهُون.وأَطِيعوا الله وأطيعوا الرَّسُول واحذروا فإن تولَّيتم فاعلموا أنَّما على رسُولِنا البلاغُ المُبين.ليس على الذِّين آمنوا وعملوا الصَّالحات إثمٌ وحَرَجٌ فيما شَرِبُوا أو أَكلُوا المُحرَّم قبل تحريمه إذا ما اتَّقوا وآمنوا وعملوا الصَّالحات ثُمَّ اتَّقُوا وآمنوا ثم اتَّقُوا وأَحسَنُوا والله يحب المُحسنِين. يا أيُّها الذِّين آمنوا لَيَختبرنَّكم ويمتحننَّكم بشيء من الصَّيد تَنالُه أيديكم ورِماحُكُم ليِعلمَ اللهُ من يَخافُهُ بالغَيب فمن اعتدى بعد ذلك فَلَهُ عذابٌ أليم. يا أيُّها الذين آمنوا لا تقتلوا الصَّيد وأنتُم مُحرِمُون بِحَجٍّ أو عمرة ومن قَتَلَهُ منكم مُتعمِّدًا فجزاءُ مثلُ ما قتل من الإبل، والبقر،والضَّأن، والمَاعِز. يَحكُمُ بِهِ ذَوى عَدلٍ منكم هَديًا واصِلَ الحَرَمِ فيَذبح به أو كفارةٌ طعامُ مساكينَ أو مُعادِلَ الطَّعامِ ومقابُلُه صِياماً، لِيَذُوقَ ثِقلَ فِعلِه وسوءَ عاقبةَ ذَنبِه، عفا الله عما سَلَف ومن عادَ فينتقم الله منه والله عزيزٌ ذو انتقام. أُحِلَّ لكم صيدُ البحر وطعامُهُ متاعاً لكم وللمُسَافِرين وَحُرِّمَ عَليكم صيدُ البَرِّ مادُمتم حُرُماً واتَّقوا الله الذِّي إليه تُحشرون".
 تعليق الشيخ : عندنا الآن المَقطع الأوَّل، وبعضُ المُفردات التي احتاجت إلى بَيَان -كَمَا قُلتُ لكم هذا بناءً على كتاب (كَلِمَات القُرآن) للشِّيخ حَسَنِين مَحمَّد مَخلُوف -رحمه الله- ولو رَجَعنا إلى كتابٍ آخر في غريب القرآن واعتمدناه قد يزيد عندنا كلمات، ويَنقُص كلمات. وكما قلنا قضيِّة الغَريب نِسبية، وهذه فائدة نستفيدُها في أنَّ كُلَّ واحدٍ منَّا لو احتاج أن يَعرِفَ الغريب،فالغَريب الذِّي عندك، غير الغريب الذِّي عند فلان، فتحتاج إلى أنّك تُقيِّد ما هي الألفاظ الغريبة عندك . فمثلاً: كلمة: (لَنبلونَّكم) – وإن كان من رأيي ألا نَضعها- لأنَّها صارت كلمة معروفة ومُتداولة. فمعنى: (لنبلونَّكم) أيّ :لنختبرنَّكم أو ليمتحنَّنكم. لكنَّ الشِّيخ - رحمه الله تعالى – وضَعَها،ونحن وضَعناها بناءً على وَضعِهِ فقط،وإلا كانت (قِسِّيسينَ ورُهباناً) -بالنَّسبة لي- أولى أن تُبيَّن من أن تُبين كلمة (لَنَبلُونَّكم) مثلاً. فإذاً صَارتِ المَسألة هنا عندنا نسبية في قَضيِّة دِلالة الألفاظ.
 السُّؤال الآن الذِّي نحتاج إليه وتأخذونه كتفكير، وواجب فيما بعد : مَا مِقدَار فَهمُكَ للآيات من خِلال تَبيُّن هذه المُفردات ؟ فَتَضعها عندك وتنظُر هل تَبيَّن المَعنى أولم يتبيَّن؟ تنظُر كم نسبة تبيُّن المعنى عندك؟ ثُمَّ بعد ذلك إذا جِئنا إلى الدَّلالات السِّياقية التي سَنقرأها الآن – إن شاء الله - من خلال التَّفسير المُيَّسَر تنظُر حينما تقرأ مع هذه المُفردات لأننَّا سنقرأ آية آية،هل استوعبت الآن المعنى من جهة الأَلفاظ ومن جهة السِّياق أو لا؟
 نأخذ نموذجاً في الآية الأولى من خلال التَّفسير المُيَسَّر :
 آية ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً ) "لَتجِدَنَّ - أيُّها الرَّسول- أشدَّ النَّاس عداوةً للذِّين صَدَّقوك، وآمنوا بك، واتَّبعوك, اليهودَ; لِعنادهم, وجُحُودِهِم, وغَمطِهِم الحقّ, والذِّين أشركوا مع الله غيره, كَعبَدة الأوثانِ وغيرهم, ولَتِجِدنَّ أقربَهُم مودةً للمُسلمين الذِّين قالوا: إنَّا نصارى , ذَلِكَ بأنَّ منهم عُلماءَ بِدينهم مُتزَهدِينَ، وعُبَّادًا في الصَّوامِع مُتَنسِّكِين, وأنَّهُم مُتواضِعُونَ لا يَستكبرون عن قَبُول الحقّ, وهَؤلاء هُمُ الذِّين قَبِلوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم, وآمنوا بها".
 تعليق الشيخ: لاحِظُوا الآن لَو أَردنا أَن ننظُر في طَريقة التَّفسير الذِّي هو المعنى الإجمالي ، لمَّا قَالَ (لَتِجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاس عَداوةً) أضافُوا لنا "أيُّهَا الرَّسُول" على أنَّ المخاطب أولاً بهذا القرآن هو محمد صلى الله عليه وسلم ،(أشدَّ النَّاس عداوةً للذِّين آمَنُواْ) قال "صَدَّقوك، وآمنوا بك) فأضافوا لفظة التَّصديق للإشارة إلى أنَّ أصلَ الإيمان هو التَّصديق، (اليهود) وبيَّنَوا السَّبب الآن "لِعِنَادِهِم، وجُحُودِهم، وغَمطهم الحقّ" والذِّين أشركوا مع الله غيره، فَبَيَّنُوا معنى الإشراك "كَعَبَدة الأَوثان وغيرهم" (وَلَتَجِدَنَّ أقربهم مودةً للذِّين آمنوا) للمِسلمين،هُم قالوا هُنا كأنَّه تفريقٌ للتَّفسير فقط، "الذِّين قَالُوا إنِّا نَصَارى ذلِكَ بأنَّ مِنهُم عُلماءَ بِدينهم مُتزهِدِين" فبيَّن لنا الآن معنى القِسِّيسين وهُم العُلماء، والمُتَزهِدِّين العُبَّاد الذّين هُم الرُّهبَان. مُتزهدِّين وعبَّادًا في الصَّوامِع مُتنَسِّكِين،وأنَّهم مُتواضِعُون لا يَستكبرون عن الحَقّ وهؤلاء هُمُ الذِّين قَبِلُوا رِسَالةَ محمد صلى الله عليه وسلم وآمنوا بها، بناءً على هذا التَّفسير الجُملي يَتَبيَّن لنا المعنى . فظهر لنا المعاني اللَّفظية (غريب القرآن) والمعاني السِّياقية، والرَّوابط أو المَحذوفات التِّي في النَّص أيضاً أَضَافُـوها بحيث اكتمل عندنا الآن من خِلال النَّظر في هذا السِّياق (المعنى الجُملي أو المَعنى الكامل) لهذه الآية. ولاحِظُوا الآن أنَنَّا نتكلَّم عن التَّفسير الذِّي هو بَيانٌ للمعاني، ولا نتكلَّم عن ما وَرَاءَ التَّفسِير، إنَّما هُو الآن ما هو المَعنى الذِّي أراده الله، وكثيراً ما أُنبِّه على أنَّ هذه القضية مع الأسف مع أَهميتها البَالغة إلا أنّ من يطلب علم التفسير يَغفَل عن هذه المرحلة، هَذِه المَرحلة هي المُبتدأ، وهي المُنتهى. فهي المبتدأ من ناحية أننَّا أخذنا نتيجة ممَّا عَمِله مَن قبلنا، وأَخذنا الثَّمرة عندهم، وأخذنا المَعاني وانتهينا، فهي بِالنسبة لنا الآن مُبتدأ، وإذا تقدَّمنا في علم التفسير شيئًا بعد شيء ستكُون قضية المُبتدأ هذه، هي المُنتهى مرة أخرى،بمعنى: أننَّي حينما أطِّلع على خِلافات المُفسِّرين فأنا الآن سأُعالِج التَّفسير،وخِلافات المُفسِّرين وقد أَصِل إلى معنىً غير المَعنى الذي اختاره هؤلاء. ففي أوَّل الأمر أنا لأنه ليس لَديَّ بضاعةٌ في التفسير، آخُذ ما انتهى إليه من كَتَبَ واختصر في التفسير، فإذا قَوِيَ عُودِي في التَّفسير، وعَرفتُ مَناهج المُفسِّرين، وعرفت منهج التفسير، وعرفت كيفية التَّعامل مع اختلاف المُفسِّرين، يُمكن أن أُرجِّح فيما ما رَجَّح هَؤلاء فيَتغيَّر عِندي المَعنى. وهذا بإذن الله في اللِّقاء الأخير لعلنا نذكر مثالاً يتبيَّن فيه الخِلاف بين المَعاني في قضيِّة الاختيار، فإذاً قضيِّة المعنى، وتحرير المَعنى هي المُبتدأ وهي المُنتهى في علم التّفسير،وبعض طُلاَّب عِلمِ التَّفسير يَجهل هَذِه القضيِّة فَيَبحث دائماً عن الغَرائِب، والمُشكِلات، واللَّطائف والنِّكات ويَـنسى هَذِه القَضِيَّة، فإذا قلتَ له بيِّن لنا المَعنى تَجِدهُ لا يستطيع أن يُـوضِّح المَعنى تَوضيحاً تامَّاً، صحيح أنَّه ليس في كُلِّ القُرآن لكن في بعض المَواطن خاصَّة إذا كانت مَواطن شَائِكة تحتاج إلى إبراز المَعنى بطريقةٍ بالكتابة، أو التَّعبير، فتحتاج إلى نَوع من احتراف في اختيار الأَلفاظ، ولِبَيَان المعاني.
 قراءة من التّفسير المُيسَّر: آية (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ) "ومما يَدُلُّ على قُربِ مَودَّتِهِم للمسلمين أنَّ فريقًا منهم وهُم وفدُ الحَبَشَة لمَّا سَمِعُوا القُرآن فَاضَت أعينُهُم من الدَّمع فَأيقَنُوا أنَّه حَقٌّ مُنزلٌ من عِند الله تعالى, وصَدَّقوا بالله واتَّبعوا رسوله, وتضرَّعُوا إلى الله أن يُكرِمهُم بِشَرف الشَّهادة مع أمَّة محمد عليه السَّلام على الأمم يوم القيامة".
تعليق الشيخ : (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ) كأنّه يقول أن الآية هذه هي نتيجة للآية السَّابقة أو دليلٌ عليها، أن مما يَدُلُ على قُربِ مودَّتهم للمسلمين، يعني قُرب هؤلاء النَّصارى للمُسلمين أنَّ فريقاً منهم وليسَ كُلَّ النَّصارى، وإنَّما بعضُ النَّصارى إذا سَمِعُوا ما أُنزل على الرَّسول صلى الله عليه وسلم فاضَت أعينُهم من الدَّمع، وضَربُوا لهُم نَموذجاً بأهل الحبشة ولهذا قال وصَدَّقوا بالله، واتَّبعوا رسُولَه، وتضرَّعُوا إلى الله، بأن يُكرمهم بِشَرف الشَّهادة مع أمة محمد عليه الصّلاة والسَّلام، وعلى الأُمم يوم القيامة.
 السُّؤَال الآن : هل بقي في النَّص شيءٌ نَشعر أنَّه يحتاج إلى بيان من جهة المعنى ؟ لا.
 قال هنا (بعض) لِكَي يُخرِج لفظة (أنَّ فريقا منهم) لعلَّنا نذكرها في الفوائد إن شاء الله، نَعم هي تُشكل قضيّة أنَّ النَّصارى الآن أعداء، ومنذ أن ابتدأ الإسلام وأعداؤُه الحَقيقيون هُمُ النَّصارى، أو الذِّين استمروا معهم في العَدَاء.
 قراءة من كتاب كلمات القرآن : آية (وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ) تفسيرها: قالوا: وأيُّ لومٍ علينا في إيماننا بالله, وتصديقنا بالحقّ الذِّي جاءَنا به محمد صلى الله عليه وسلم من عندالله, واتِّباعنا له, ونرجُو أن يُدخلنا ربُّنا مع أهل طاعته في جنَّته يوم القيامة، فجزاهُمُ الله بما قالوا من الاعتزاز بإيمانهم بالإسلام, وطَلبِهم أن يكونوا مع القوم الصَّالحين, جناتٍ تجري من تَحت قُصُورها، وأشجارها الأنهار, ماكثين فيها لا يخرجُون منها, ولا يُحوَّلون عنها, وذلك جَزاء إحسانهم في القَول والعمل.
تعليق الشيخ : فقط هنا نقف عند قوله "ماكثين فيها" لاحِظُوا الآن بناءً على النَّص الذي عندنا، فالشِّيخ حسنين –رحمه الله - لم يتعرَّض لقول (خالدين) وهُنا الآن قالوا (ماكثين) فكأنَّهم فَسَّرُوا الخُلُود بالمُكُوث فهذا لاشَكّ أنَّه نوع من الإضافة. فإذا نظرنا من جهة المعنى هل بقيَ شيءٌ في الآية تُحِسّ أنَّه مازال غامضًا من جهة المَعنى وليست من جهة المُشكلات مثل ما ذَكر الأخ في قضية النَّصارى، نجد الآن النَّصارى فيهم إشراك،وفيهم عَداوة، هَذه مسألة ليست في بيان المَعنى مُباشرة لأنَّ المعنى الآن: أنَّ الله سُبحَانه وتعالى يُخبِر أنَّ بعض النَّصارى فيهم هذه الصِّفة وسنأتي إلى البعض الآخر،عندما نتكلَّم عن قضية مسائل الآية أو الفوائد المتعلَّقة بالآيات.
 قراءة من التّفسير المُيسَّر -التَّفسير الإجمالي- : (والذِّين جَحَدُوا وَحَدانية الله،وأنكروا نُبوّة محمد صلى الله عليه وسلم,وكذَّبوا بآياته المُنزَّلة على رُسُلِه,أولئك هم أَصحاب النَّار المُلازمون لها).
 تعليق الشِّيخ : عندنا (المُلازِمُون لَها) أخذوها من لفظة أصحاب؛ لأنَّ الصَّاحب هو المُلازم فإذًا عبَّروا عن الأصحاب بالمُلازِمُون.في الأولى عند ذكر أهل الجنَّة قال (خَالدين فيها أَبداً) فعبَّروا عن الخُلود بالمُكوث ،والأصحاب هنا: باللُّــزوم ؛ فأخذوا من لفظة الأصحاب دلالة اللُّـــزُوم،وأَخَذوا من لفظة الخُلُود دلالةَ المُكوث.
قراءة من التّفسير المُيسَّر -التّفسير الإجمالي- : يَا أيُّها الذِّين آمنوا لا تُحرِّموا طيِّبات أحلَّها الله لكُم من المَطاعم، والمَشَارِب،ونِكاح النِّساء فتُضيِّقُــوا ما وسَّع الله عليكم، ولا تتجاوزُوا حُدودَ ما حرَّم الله إنَّ الله لايُحِبُّ المُعتدين.
تعليق الشيخ : هذا أشبه ما يكون تفسيراً لفظيِّاً، ليس فيه أيُّ إضافة، فالآية هي نفسُ المَعنى لكن هم أضافوا فقط طيِّباتٍ أحلَّها الله لكم (من المَطاعِم، والمَشارب) فأضافوا أنواع الطَّيبات في النَّص .
 قراءة من التَّفسير المُيسَّر -التّفسير الإجمالي- : وتمتَّعُوا - أيُّها المُؤمنون- بالحَلال الطَّيِّب ممَّا أَعطاكم الله وَمَنحكُم إيَّاه, واتَّقُوا الله بامتثال أوامره,واجتناب نواهيه; فإنَّ إيمانُكُم بالله يُوجِب عليكم تقواه ومراقبته. لا يعاقبُكُم الله - أيُّها المُسلِمُون- فيما لا تَقصدون عَقْدَه من الأيمان, مثل قول بعضكم: (لا والله)،(وبَلى والله) ولكن يُعاقبكُم فيما قصدتَم عَقدَه بِقُلوبِكُم, فإذا لم تَفُوا باليمين فإثم ذلك يمحوه الله بما تُقدِّمونه مما شَرَعه الله لكم كفارةٌ من إطعام عشرة محتاجين لا يملكون ما يكفِيهم ويَسدَّ حاجتهم ، لكل مسكينٍ نصفُ صاع من أوسط طعام أهل البلد, أو كسوتهم, لكل مسكين ما يكفي في الكِسوة عُرفًا, أو إعتاقِ مملوك من الرِّق, فالحالف الذِّي لم يَفِ بيمينه مُخيَّر بين هذه الأمور الثلاثة, فمن لم يجد شيئًا من ذلك فعليه صيام ثلاثة أيام. تلك مُكفِّراتُ عدم الوفاء بأيمانكم, واحفظوا - أيُّها المسلمون- أيمانكم باجتناب الحلف, أو الوفاء إن حلفتم, أو الكفارة إذا لم تَفُوا بها. وكما بيَّن الله لكم حكم الأيمان والتَّحلل منها يُبيِّن لكم أحكام دينه; لتشكروا له على هدايته إيَّاكم إلى الطَّريق المُستقيم.
 تعليق الشيخ : (أو) هذه للتَّرتيب أو للتَّخيير فأيُّها فَعلت فقَد وفَّيت في كَفَارة الحَلف.
لاحظوا الآن هذا في الحقيقة نموذج من النَّماذِج التي تَدُل على حسن الصياغة، وإبراز تمام المعنى فعلى وجازة التَّعبير تَجِد أن هذا نموذج من نماذج التفسير المُتقَنَة المُحرَّرة بحيث أنك إذا قرأت يتبيَّن لكَ المعنى تامَّاً. لاحظوا في قوله تعالى (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) لو نظرَنَا الآن إلى الدِّلالة اللُّغوية نجد أنا عندنا دلالة موجزة قد يكون الشِّيخ حسنين ذكَر نوع لم يَذكروه هم لكن في النهاية ما ذكروه مُتكامل من جهة صياغة المعنى، بحيث أنّ أيّ قارئ يقرأ هذا النّص يجد أن المعنى عنده متكامل ويَفهم مُراد الله سبحانه وتعالى ، ( لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) ما هو لغو اليَمين ؟ -بناءَ على ما ذكروه- قال فيما لا تقصدون عقده من الأيمان مثل قول بعضكم : لا والله، وبلى والله وتَركُوا النوع الأول من اللّغو الذي ذكره الشيخ : قال ولكن يعاقبكم فيما قَصدتُم عقدَه بقلوبكم، هذا الآن ما يؤاخِذ به الله سبحانه وتعالى ،الآن إذا قرأنا هكذا أصبح المعنى واضحاً جِدّاً،ثم قالوا : "فإذا لم تُفُوا باليمين فإثمُ ذلك يمحوه الله بما تُقدِّمُونه ممَّا شَرَعَ الله لكم كفارة إطعام عشرة محتاجين". لاحظوا الآن فَسَّروا (المساكين) قَال عشرة مُحتاجين لا يملكون ما يكفيهم ويسُّدُ حاجتهم وهذا بيان لمعنى المسكين ، لكل مسكين نصف صاع من أوسط طعام أهل البلد من أوسط ما تطعمون أهليكم بيَّنُوه لنا, (أو كسوتهم) لكل مسكين ما يكفي في الكِسوة عُرفًا أيّ ما تعارف عليه الناس, أو إعتاق مملوك من الرِّق, فالحالف الذي لم يفِ بيمينه مخيَّر بين هذه الأمور الثلاثة بينوا أن " أو" هنا للتخيير, لكن هنا لك مجال أن تُبدع في قضية التعبير، كيف؟ الآن لو جئنا إلى "فالحالف الذي لم يفِ بيمينه مُخيّر بين هذه الأمور الثلاثة" الجملة هذه يمكن واحد يُبدع في أنّه يجعلها في مكان آخر فمثلاً لما نأتي (فهو مخيَّرٌ في الكفارة أن يُطعم عشرة مساكين إلى آخره) بحيث أنك اخترت العبارة وبيّنت المعنى أيّ اختصرت العبارة وبينت المعنى، لكن هم لأنَّهم اجتهدوا في أن يكونوا مرتبطين بالنص القرآني تركوها في هذا المكان وجاءت بهذا الطُّول لكن الذِّي سيفسر تفسيرا إجماليا ولم يرتبط بجُمل الآيات فيمكن أن يختصر هذه العبارة بسطر يأخذها بكلمتين بحيث أنّه يختصر التعبير ويكون قد أدّى المعنى كما قلت لكم ممَّا شرع لكم فهو مخير في الكفارة من إطعام عشرة مساكين إلى آخره يكون تبيَّن أيضًا المعنى . بعد ذلك ذكروا في خاتم الآية وكما بيَّنوا لكم إلى آخره ، المقطع الذي يجب أن ننتبه له دائما وهذه فائدة ننتبه لها: أنَّ أحكام الله سبحانه تعالى دائمًا فيها تعليل خصوصًا قضية الأحكام الشرعية وهذا الجانب -يعني الأحكام الشرعية- جانب مهم يُنتبه له لعلنا نأتي إليه في الفوائد في أن الله سبحانه وتعالى حينما يأتي بالقضايا الشرعية يربطها في كثير من الأحيان بأسمائه أو بعض صفاته يعني يكون مربوطًا بالإيمان لأنَّ المقصود الكُلِّي من الأعمال هو تحقيق الإيمان التام والعبودية التامة لله سبحانه وتعالى ولهذا نجد كثيرا أنَّ هذه الأحكام الشرعية تُربَط بأسماء الله تعالى أو ببعض صفاته ولعلنا نقف عندها إن شاء الله من خلال حديثنا عن بعض الفوائد بإذن الله .
قراءة من كتاب كلمات القرآن:  يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إنَّما الخمر: وهو كل مسكر يغطي العقل, والميسر: وهو القمار, وذلك يشمل المراهنات ونحوها, مما فيه عِوض من الجانبين, وصدٌّ عن ذكر الله, والأنصاب: وهي الحجارة التي كان المشركون يذبحون عندها تعظيمًا لها, وما يُنصب للعبادة تقربًا إليه, والأزلام: وهي القِداح التي يَستقسم بها الكفار قَبل الإقدام على الشيء, أو الإحجام عنه, إنَّ ذلك كله إثمٌ مِن تزيين الشَّيطان, فابتعدوا عن هذه الآثام, لعلكم تفوزون بالجنة.
 تعليق الشيخ : أيضًا هذه من الأمثلة الجيِّدة في قضية بيان المعنى، وإضافة قضايا للدلالات. لاحظوا الآن في التفسير اللَّفظي قال: والحجارة التي حول الكعبة تعظمونها، والأقداح التي تطلبون بها علم ما يُقسَم لكم (خبيث قذر نجس) لكن أنت قد ما تكن تعرف فكرة الأقداح هذه ماهي؟ الميسر كيف طريقته ؟ في هذا البيان الآن سيكون أكثر إيضاحًا أمامك لأنه هنا قال لك بعد ما ذكر الخمر والميسر الذي هو القمار الذي يشتمل على المراهنات إلى أن قال والأنصاب قال وهي الحِجارة التي كان المشركون يذبحون عندها تعظيمًا لها هذا نوع من أنواع الأنصاب وما يُنصب للعبادة تقربًا إليه يعني الأصنام التي تنصب للعبادة أو الأحجار التي تُنصب للعبادة كل هذه أنصاب ففسَّر لنا الحجارة هذه ، قال بعد ذلك والأزلام وهي الأقِداح التي يَستقسم بها الكُفَّار قبل الإقدام على الشيء أو الإحجام عنه يعني هي ماذا؟ أزلام كانوا يُدخلونها في كيس ثم يٌدخل يده ويُخرج منه فإذا خرج له اذهب ذهب وإذا خرج له لا تذهب لا يذهب ، هو نوع من التَّشاؤم والطيرة فالله سبحانه وتعالى حرَّم هذا العمل فهُم الآن يأخذون قِسمتهم -يعني قَدَرَهم- بهذه الطريقة يعني يستكشفوا و يستشفوا القَدر بهذه الطريقة التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها وبيَّن أنها كُلَّها من تزيين الشيطان، قال :فابتعدوا عن هذه الآثام, لعلَّكم تفوزون بالجنة فبيَّنوا معنى الفلاح أنه الفوز بالجنة.
قراءة من التّفسير المُيَّسر : إنَّما يُريد الشَّيطان بتزيين الآثام لكم أن يُلقِيَ بينكم ما يُوجد العَداوة والبغضاء, بسبب شُربِ الخمر ولعبِ المَيسر, ويصرفكم عن ذكر الله وعن الصلاة بغياب العقل في شرب الخمر, والاشتغال باللَّهو في لعب الميسر, فانتهوا عن ذلك وامتثلوا -أيها المسلمون- طاعة الله وطاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في كل ما تفعلون وتتركون, واتقوا الله وراقبوه في ذلك, فإن أعرضتم عن الامتثال فعملتم ما نُهيتم عنه, فاعلموا أنَّما على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم البلاغ المبين. ليس على المؤمنين الذِّين شربوا الخمر قبل تحريمها إثم في ذلك، إذا تركوها واتَّقُوا سخط الله وآمنوا به وقَدَّموا الأعمال الصالحة التي تَدُلَّ على إيمانهم ورغبتهم في رضوان الله تعالى عنهم ثم ازدادوا بذلك مراقبة لله -عز وجل- وإيماناً به حتى أصبحوا مِن يقينهم يعبدونه وكأنهم يرونه وإن الله تعالى يُحبّ الذين بلغوا درجة الإحسان حتى أصبح إيمانهم بالغيب كالمشاهدة . يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, ليبلونكم الله بشيء من الصيد يقترب منكم على غير المعتاد حيث تستطيعون أَخْذَ صغاره بغير سلاح وأخذ كباره بالسلاح; ليعلم الله علمًا ظاهرًا للخَلق الذين يخافون ربهم بالغيب, ليقينهم بكمال عِلمه بهم, وذلك بإمساكهم عن الصَّيد, وهم مُحرمون. فمن تجاوز حَدَّه بعد هذا البيَان فأقدم على الصيد -وهو مُحْرِم- فإنه يستحق العذاب الشديد. يا أيها الذين صَدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه لا تقتلوا صيد البَرِّ, وأنتم محرمون بحج أو عمرة, أو كنتم داخل الحرم ومَن قتل أيَّ نوعٍ من صيد البرِّ متعمدًا فجزاء ذلك أن يذبح مثل ذلك الصيد من بهيمة الأنعام: الإبل أو البَقر أو الغنم, بعد أن يُقَدِّره اثنان عدلان, وأن يهديَه لفقراء الحرم, أو أن يشتري بقيمة مثله طعامًا يهديه لفقراء الحرم لكل مسكين نصف صاع, أو يصوم بدلا من ذلك يوماً عن كل نصف صاع من ذلك الطعام, فَرَضَ الله عليه هذا الجزاء; ليلقى بإيجاب الجزاء المذكور عاقبةَ فِعْله. والذين وقعوا في شيء من ذلك قبل التحريم فإن الله تعالى قد عفا عنهم, ومَن عاد إلى المخالفة متعمِّدًا بعد التحريم, فإنه مُعَرَّض لانتقام الله منه. والله تعالى عزيز قويٌّ منيع في سلطانه, ومِن عزَّته أنه ينتقم ممن عصاه إذا أراد لا يمنعه من ذلك مانع. أحل الله لكم -أيها المسلمون- في حال إحرامكم صيد البحر وهو: ما يُصاد منه حيًّا, وطعامه: وهو الميت منه; من أجل انتفاعكم به مُقيمين أو مسافرين, وحرَّم عليكم صيد البَرِّ ما دمتم محرمين بحج أو عمرة. واخشوا الله ونَفذُّوا جميع أوامِره, واجتنبوا جميع نواهيه; حتى تظفَروا بعظيم ثوابه, وتَسْلموا من أليم عقابه عندما تُحشرون للحساب والجزاء.
 لعلنا نقف عند هذا إن شاء الله ونكمِل إن شاء الله في اللِّقاء القادم وسنستمر على هذا المنهج ثم نختِم إن شاء الله كما ذكرت لكم ببعض الأمثلة التي نننتقل فيها إلى قضية التطبيق في استخراج أو تحرير المعنى ،الفكرة كما ذكرت لكم هي بيان الغريب من جهة وبيان المعنى السياقي من جهة ولعلَّنا في اللِّقاء القادم نكمل هذا بإذن الله تعالى.

 المجلس الثاني: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربِّ العَالمين،والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ،نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وقفنا عند الآية (السَّادسة والتسعين) من سورة المائدة وأخذنا ما فيها من الغريب والمعنى الإجمالي ونكمل الآن المقطع الثاني ونأخذ ما فيه من الغريب والمعنى الإجمالي .
 قراءة من كتاب كلمات القرآن : بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيم.. والصلاة والسلام على أَشرَفِ خَلقِ الله أجمعين،اللهم اغفر لنا ولشيخنا أجمعين . تفسير الآية السابعة والتسعين جعل الله الكعبة جميع الحرم وهو المراد بالكعبة قِوامًا لمصالحهم ديناً ودنيا والأشهر الحرم الأربعة وما يهدى من الأنعام إلى الكعبة وما يُقلد به الهدي علامة له ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم .
 تعليق الشيخ : الآن سُنمازِج بين الآية في الغَريب والآية في التَّفسير المُيَسَّر وكما ذكرتُ لكُم الغريب هذا من كتاب "كلمات القرآن " لحسنين محمد مخلوف رحمه الله تعالى.
 جعل الله الكعبة قياماً للنَّاس بيَّن لنا أنَّ الكعبة ليس المراد بها الكعبة فقط بل المُراد الحَرَم طبعاً هذا فيه خلاف ، ثم قال قياماً أي قواماً لمصالحهم :أي مصالح الناس ديناً ودنياً يعني أن القيام والقوام في مصالح الدِّين والدُّنيا ، ثم ذكر والشَّهر الحرام أي أنه جنس الشَّهر الحرام وليس شهراً واحد لأنَّ الأشهر الحُرُم هي أربعة فإذًا قال الشهر الحرام كأنَّ المراد أن ( أل) في الشهر الحرام أيّ جنس الشَّهر الحرام، والهدي أَيّ ما يُهدَى من الأَنعام إلى الكعبة ، وما يُقلَّد به الهدي علامة القلائد التِّي هي القلائد إلى آخر الآية. هذا بالنسبة لنا لو تأمَّلناه يُعطِينا الآن يُمكن أن نقول نسبة ثمانين بالمائة من وضوح المعنى أو أَكثَر. نأخذ التفسير الإجمالي لها وننظر تمام المعنى بعد ذلك.
 قراءة من التَّفسير المُيسَّر -التفسير الإجمالي- : اِمتنَّ الله على عِباده بأن جَعل الكعبة البيت الحرام صلاحًا لدينهم, وأمنًا لحياتهم; وذلك حيث آمنوا بالله ورسوله وأقاموا فرائضه, وحرَّم العدوان والقتال في الأشهر الحُرُم (وهي ذو القعدة وذو الحِجَّة ومُحرَّم ورجب) فلا يعتدي فيها أحد على أحد, وحرَّم تعالى الاعتداء على ما يُهدَى إلى الحرم من بهيمة الأنعام, وحرَّم كذلك الاعتداء على القلائد وهي ما قُلِّد إشعارًا بأنه يُقصَد به النُّسُك; ذلك لتعلموا أنَّ الله يعلم جميع ما في السَّموات وما في الأرض ومن ذلك ما شَرعه لحماية خلقه بعضهم من بعض, وأنَّ الله بكل شيء عليم فلا تخفى عليه خافية.
تعليق الشيخ: أضيف عندنا الأشهر الحُرُم ما هي؟ فذكروا لنا أنَّها: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ثلاثة سرد، وواحدٌ فَرد وهو رجب،أيضاً ما ذكروه في الأَنواع الثَّانية كُلَّها مذكورة عند المُؤلف ففقط عندنا إضافة قد يقول قائِل ما هي الأشهر الحُرُم؟ فيكونوا بيَّنوا لنا الأشهر الحرم. بهذا نُلاحظ أنَّ البيان الآن عندنا بالنسبة لنا تمّ، هل بقي شيء في الآية يحتاج إلى بيان أو إضافة من جهة المعنى؟ طبعًا ليس هناك ما يحتاج إلى بيان معنى أو إضافة . لكن لاحظ مثلا لو قال قائل (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ) أنا أريد أن أبحث موضوع كون البيت الحرام قِيامًا للنَّاس ، كيف يكون قياماً للناس؟ وأن الله سبحانه وتعالى ربطَ حياة الناس ودينهم بهذا البَيت مع طبعًا مع ما نُشاهده من ضَعف المُسلمين فهذا يكون موضوع من خلال هذه الآية ،مهما استوعبت في مَوضوع هذه الآية واستوعبت في قضيِّة كون البيت قياماً للنَّاس فهذا شيء داخل في باب الاستنباطات والفوائد وليس في بيان المعنى مباشرةً وإنما سيدخل فيه باب من أبوب الاستنباطات الكثيرة في إظهار أنواع وأجناس كون هذا البيت قياماً للنَّاس في حياتهم وفي دينهم.
 قراءة من كتاب كلمات القرآن: اِعلموا أن الله شديد العقاب وأنَّ الله غفور رحيم وما على رسولنا إلا البلاغ المبين والله يعلم ما تبدون وما تكتُمون، قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله لعلكم تفلحون.
قراءة من كتاب التّفسير المُيسّر -التّفسير الإجمالي- : اعلموا - أيُّها الناس- أنَّ الله جل وعلا شديد العقاب لمن عصاه, وأن الله غفور رحيم لمن تاب وأناب. يُبيِّن الله تعالى أن مَهمَّة رسوله صلى الله عليه وسلم هِدَايَة الدَّلالة والتبليغ, وبيد الله -وحده- هداية التوفيق, وأنَّ ما تنطوي عليه نفوس النَّاس مما يُسِّرُون أو يُعلنُون من الهداية أو الضَّلال يَعلمُه الله. قل أيُّها الرَّسُول: لا يستوي الخَبيث والطَّيب مِن كل شيء, فالكافر لا يُساوي المؤمن, والعاصي لا يساوي المُطيع, والجاهل لا يساوي العالم, والمُبتدع لا يُساوي المُتَّبِع, والمال الحرام لا يساوي الحلال, ولو أعجبك -أيُّها الإنسان- كثرةَ الخبيث وعدَدَ أهله. فاتَّقوا الله يا أصحاب العُقول الراجحة باجتناب الخبائث, وفِعل الطيبات; لتفلحوا بنيل المقصود الأعظم, وهو رضا الله تعالى والفَوز بالجنة.
 تعليق الشِّيخ: لاحِظوا المعنى عِندنا اتَّضح لكن يَبقى كما قُلتُ لكم يكون هناك مسائل مثلاً (مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ) هذه قاعدة،وهذه القَاعدة وهذا النِّبراس مُهمّ جداً للمؤمن في حياته خاصَّة من يُنصِّب نفسه داعيةً إلى الله، إمَّا أن يَكون داعية إلى الله بالعِلم -أي العالِم-، أو يكون من يُصلِح بين النَّاس اجتماعياً ، أو من اُصطِلُح عليه اليوم باسم (داعية) من الوُّعَاظ وغيرهم ممَّن يدعو إلى الله سبحانه وتعالى ، هذه القضِّية وهي ما على الرسول إلا البلاغ (مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ) هي قضية مُهمة جدا لأنَّ فيها مَسَائل كثيرة جدًا، وخَلفها معاني بعض من يَتعاطَى الدَّعوة أو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يغفل عنها . الآن (مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ) مَا هِيَ مُهمَّتُك أنت في الدَّعوة؟ أَن تُوصِلَ هذه الدَّعوة إلى المَدعو، لكن إدخال هذه الدَّعوة في قَلب المَدعو فليست من خَصائصك أصلا. فإذا كان الرَّسول صلى الله عليه وسلم وهو الرَّسول صلى الله عليه وسلم وهو أشرف من وطء الأرض وكُلٌّ يتمنى رؤيته ولُـقياه رآهُ من رآه وكفر به ، فما بالُك بغيرهم من الكُّفَار الذين لم يروه فبعض النَّاس من شدة حرصه تجد أنه يُلزم المدعو ويُثقل عليه بدعوى أنه يدعوه إلى الله سبحانه وتعالى وهو في الحقيقة يستخدم أسلوب من أساليب التَّنفير وهو لا يَشعُر لأن إذا عرفت أنك ما عليك إلا البلاغ خلاص تُوصل رسالة يافلان هذا حكم الله وانتهى ،هو رجل كامل العقل له كامل التَّصرف إن أطاع فله الجنة وإن عصى فالله سبحانه وتعالى حسيبه فأنت لست مُطالَباً بما وراء ذلك. لأننَّا نستطيع أن نبيِّن للدُّعاة ما هو العمل الذين يقومون به ، هو قضيِّة البَلاغ فقط ، ما عدا البلاغ وهو إدخال الإيمان إلى القلب أو أَن يُضغَط على المَدعو في أنه يُلزم أن يفعل هذا ،هذا ليس من الواجبات عليك بل قد يكون من الصَدّ عن دين الله كما نعلم من خلال الوقائع لأنَّه ليس لأن معك الحق يَلزمُك أن تكون قاسياً وأن تكون شديدا وأن تكون عنيفًا بحيث تقول لا والله أنَّي معي الحق رغمًا عنك لابد أن تتَّبعني يعني بعض الناس هكذا طريقته في الدَّعوة ،مادام معي الحق -طبعًا هو يَدِّعي ذلك- فرغمًا عنك لابد أن تتبعني لماذا لا تطيع ؟ أنت تخالف سنة محمد صلى الله عليه وسلم ، أنت مبتدع ويبدأ يُلقي عليه هذه التُّهم ولا هو يدري أنه أصلاً قد أخطأ في تَصوُّر المسألة وهذا يقع عند بعض من يَدعُو إلى الله سبحانه وتعالى.
أيضا لاحظ (قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) كيف أنَّهم نوَّعوا لنا أنواع من الأعمال ، من الخبيث والطَّيب يعني مقابلات أي لا يستوي الجاهل والعالم ، لا يستوي المُبتدع والمُتِّبع ، لا يستوي المَال الحَلال والمَال الحرام ، فعندنا جانب من الخبيث وجانب من الطَّيب لا يمكن أن يستويان وهذا قد نصَّ الله عليه في كثير من الآية (لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) والواقع الذي نعيشه اليوم هو واقع كثرة الخبيث وكثرة أهله ،ولهذا التَّمسك بالقُرآن، وقراءة القرآن بتدبر ومحاولة معرفة تأثيره على القلب وتطبيقه في الواقع يُريح الإنسان كثيرا ، يريح المسلم لأنه عنده نبراس عنده شيء يَهديه عنده منارة يستنير بها . غيركم -يا أخوة- من الكفار ليس عنده أي شيء إن لم يعطيه الله سبحانه وتعالى عقلاً يحكمُه ويمنعه من بعض الأشياء وإلا فهو في ضلال والعقل لا يُعطي كل شيء -كما نعلم- ، فأنتم الآن أمامكم نبراس واضح جداً جداً ، تقرأ الآية وتعرف أنها تنطبق على مِئات الوَقائع الموجودة اليوم وأنت مُرتاح تعرف نتائج هذه الأمور تستطيع أن تجزم يقينًا أنَّ هَذا مُؤدَّاه كذا لماذا ؟ لأنَّ سنة الله سبحانه وتعالى كما أثبتها في القرآن هي هذه السُّنة "الباغي سَيَجِد جَزاءه وعقابه"، نجزم يقيناً أن من تعرَّض للمسلمين في هذه السنوات الماضية وأهلك ديار المسلمين بالقتل، والتشريد، والدَّمار، والضَّياع أن الله سبحانه وتعالى لن يتركه ، ونعلم يقينًا أننَّا سنرى شيئًا من ذلك فِيه وفي أهله بل وفي دَولته يقينًا ولكن من أين جئنا بهذا اليقين ؟ جئنا به من كتاب الله سبحانه وتعالى، فحينمَا نقرأ القرآن بهذا سنجد ولله الحمد والمِنَّة نبراس واضح جداً ليس عندنا فيه أَيّ مَجَال للشَّك إطلاقاً بل هو تمام الثِّقة لأنه كلام الله سبحانه وتعالى.
 قراءة من كتاب كلمات القرآن : "يا أيُّها الذِّين آمنوا لا تَسأَلُوا عن أشياء إن تُبدَ لَكُم تَسُؤكُم وإن تَسألُوا عنها حين يُنزَّلُ القرآن تُبدَ لكُم عفَا الله عنها والله غفورٌ حَليم قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كَافرين. ما جعل الله من النَّاقة تُشَّقُ أذنها وتُخلَّى للطَّواغيت إذا وَلَدَت خمسة أبطن آخرها ذكر، ولا ناقة تُسيَّبُ للأَصنام لنحوِ بُرءٍ من مَرضٍ أو نَجاة في حَرب، ولا النَّاقةُ تُترَك للطَّواغِيت إذا بكَّرت بأنثى ثُمَّ ثنَّت بأُنثى ، ولا الفحل لا يُركَبُ ولا يُحمل عليه إذا لَقِحَ ولدُ وَلَدِهِ. ولكن الذِّين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا كَافِينا ما وجدنا عليه آباءنا ولو كان آباءهم لا يعلمون شيئًا ولا يَهتدون.
قراءة من التَّفسير المُيسَّر -التّفسير الإجمالي-: يا أيُّها الذِّين صَدَّقوا الله ورَسُولُه وعَمِلُوا بِشَرعِه لا تسألوا عن أشياء من أمور الدِّين لم تـُؤمَرُوا فيها بشيء كالسُّؤال عن الأمور غير الواقعة, أو التي يترتب عليها تشديدات في الشَّرع, ولو كُلِّفتموها لشقَّتْ عليكم, وإن تَسألوا عنها في حياة النّبي صلى الله عليه وسلم وحين نزول القرآن عَليه تُبيَّن لَكُم, وقد تُكلَّفُونها فتعجَزُون عنها, تَركَهَا الله مُعافيًا عبادِهِ منها. والله غفور لعباده إذا تابوا, حليم عليهم فلا يُعاقبهم وقد أنابوا إليه. إنَّ مثل تلك الأسئلة قد سألها قومٌ مِن قَبلكم رُسَلَهم, فَلمَّا أُمِروا بها جَحدوها, ولم يُنفِّذُوها, فاحذروا أن تكونُوا مثلهم. ما شَرَعَ الله للمُشركِين ما ابتدعُوه في بهيمة الأنعام مِن تَرْك الانتفاع ببعضِها وجعلها للأصنام, وهي: البَحيرة التي تُقطَع أُذُنُها إذا وَلَدَت عددًا من البُطون, والسَّائبة وهي التي تُترك للأصنام, والوصِيلة وهي التي تتصِّل ولادتُها بأنثى بعد أنثى, والحَامي وهو الذَّكر من الإِبل إذا وُلِد من صُلبِه عددٌ من الإبل, ولكن الكُفار نسبوا ذلك إلى الله تعالى افتراءً عليه, وأكثر الكافرين لا يَميزُون الحَقَّ مِنَ البَاطِل. وإذا قيل لهؤلاء الكفار المُحرِّمين ما أحل الله: تعالَوا إلى تَنزِيل الله وإلى رسوله ليتبيَّن لكُم الحلال والحرام, قالوا: يكفينا ما ورثناه عن آبائنا من قَول وعمل, أيقولون ذلك ولو كان آباؤهم لا يَعلُمون شيئًا أي: لا يفهمون حقًّا ولا يعرفونه, ولا يهتدون إليه؟ فكيف يتَّبعُونهم, والحالة هذه؟! فإنَّه لا يتبُّعهم إلا من هو أجهل منهم وأضل سبيلا.
تعليق الشيخ: من الفوائد في هذا المقطع :لاحظوا في قول الله سبحانه وتعالى (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ) هذه قضيَّة مرتبطة بما يُمكن أن نُسميِّه بأحوال العرب أوعادات العرب أو تاريخ العرب. لو نحن تأمَّلنا الآن وعَمِلنا استقراء بين المُتَشَّرعين -ممن لهم علاقة بالعِلم الشَّرعي- لو عملنا نوع من الأسئلة السَّريعة التي يُستكشَف بها مَدَى ثقافَة الشَّخص في قضِّيةٍ ما، سَتجد أنَّ عندنا ضَعفًا شَديدًا جداً في معرفة أَحوال العرب وهذا أنا أعتبره من النَّقص الذِّي يَجب أن يُتمَّم. لماذا؟ لاحظُوا أنَّ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم ماذا يَقُول ؟ قال: (إنَّما بُعثتُ لأُتَمَم مكارم الأخلاق) فكيف أعرف أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم تمَّم مكارم الأخلاق وأنا لا أعرف ما هي الأخلاق التِّي كان عليها العرب من الأَخلاق الحسنة والأخلاق غير الحسنة،فالعَرب كان عندهم أخلاق حسنة وهي كثيرة جداً وكان عندهم أخلاق رَديئة، فالرَّسول صلى الله عليه وسلم جاء ليُتَمَّم مكارم الأخلاق ليس كما يُصوَّر أحيانًا عند بعض الكُتَّاب أنَّ العرب كانوا أهل جاهلية جهلاء وأنّهم كانوا يَفعلون وكان الواحد منهم يأتي إلى التَّمر فيَصنع منه إلهاً ثم يأكلُه،هذا نعم كان يُفعل عندهم وكان يفعله أفراد منهم لا نُنكر هذا، لكن ليست هذه هي الصُّورة الوحيدة لهم. تصوير أنَّ العرب كانوا كذلك فقط هذا تقصيرٌ في فَهم تاريخ العرب، وتقصيرٌ في فهم أيضاً مَا يَرتبط به من الآيات؛ لأننَّا نحن الآن أمام آيات تَحكي لنا البَحيرة، والسَّائبة، والوَصِيلة، والحَام، ولــــَو رجعتم إلى عُلماء اللُّغَة الذِّين يُتوَّقَع منهم أن يكون عندهُم معرفة بهذه الأمور ستجدُون خلافاً في تفسير هذه الكلمات ما هي. طبعا ًكَمَا تُلاحِظُون يُوجد تَقارُب في المعنى لكن أيضًا هناك خلاف في بعض هذه المفردات لا يمكن أن تعرف هذه إلا من خلال معرفة عادات العرب ومعرفة تاريخ العرب. هذا مَلحظ مُهمّ جداً ننتبه له كما ذكرت لكم أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم جاء ليُتَمَّم مَكارم الأخلاق فمعنى ذلك أنَّ العرب كان عندهم من مكارم الأخلاق الشَّيء الكثير ،فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم لتتميمه وليس كما يُصوَّر لنا أنَّهم في جاهلية جهلاء ، نعم في جاهلية في جزء من حياتهم لكن أيضاً كان عندهم خيرٌ يجب أن يكون عندنا عدل ونحن نُنَاقِش هذه القضية .
 قضية أخرى أيضاً مرتبطة بالآيات- وكما تُلاحظون نحن نأخذ مقاطع فقط- في قوله سبحانه وتعالى (وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) الآن لمَّا جاؤا في التَّفسير الميسر يُبيِّنُون المَعنى في هذه الآية ماذا قَالُوا؟ لاحظوا العبارة "قالوا وإن تَسألوا عنها في حياة رسول صلى الله عليه وسلم" معنى ذلك أنَّ السُّؤال الآن عن القضية من جِهَة الشَّرع لا تَنطبِق عليها هذه الآية ، فلا يَأتي واحد مثلاً يسأل عن حُكم الله في قضية ما ويستدل مُستدِل بهذه الآية يقول (وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ) لماذا؟ لأنَّ الوَحي انقطع، فَسُّؤال السَّائل عن القَضيِّة الشَّرعية حقّ ولا يَدخُل تحت هذه الآية ، لكن أحياناً -وهذه مَسألة أخرى- قد يَستشهد شخص بحالة ما بهذه الآية من بَاب مُشَابهة هَذهِ الحَالة لمعنى هذه الآية فقط: مثلاً: مُدرِّس يسأل مديره يا فلان يوم الأربعاء نحضُر أو لا نحضر -آخر يوم في الدَّوام وسلَّمنا الشَّهادات وكل شيء،طبعا المدير مسؤول فماذا يقول له ،يقول له أُحضر ،يعني لو سَكَت لسُكت عنه مثلا فيأتي مدرس آخر يقول :(لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) هذا الاستشهاد ،هذا الأسلوب صحيح لكن بشرط انطباق هَذِه الحادثة على المَعنى الذِّي جاء في الآية، وبِشَرط أيضاً ألا يكون في أمرٍ فيه هُزء أو في مَوطن فيه سُخرية أو هَزل ، ويكون فيه انطباق ومُقايسة .وهذا قد استخدمه السَّلف في غير ما موطن ، من الصَّحابة والتَّابعين وأتباع التابعين وغيرهم أي أنَّهم كانوا يستخدمون هذا الأسلوب فيكون كأنَّ جملة هذه الآية مثل مُطلق المَثَل الذي يُمثَّل به على شيء ما وموضوع هَذا يطول ولكن أشرت به من باب الفائدة فنستدل بعمل الصحابة على جوازه فكون الصحابة فعلوه دلَّ على الجواز، وهذه كفائدة علمية.
 قراءة من كتاب كلمات القرآن: آية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) يا أيُّها الذِّين آمنوا أَلزموها واحفظوها من المعاصي لا يَضُركم من ضَلَّ إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم سافرتم بها فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهُمَا من بعد الصَّلاة فيُقسمان بالله إن ارتبتم لا نأخذ بقَسَمنا كَذِبًا عرضاً دنيوياً ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنَّا إذًا لَمِن الآثمين فإن عُثِرَ على أنَّهما استحقا إثمًا فآخرانِ يَقُومَانِ مَقامهما من الذِّين استحقا عليهِمُ الأقربَان إلى الميِّت الوارثانِ له فيُقسمان بالله لشهادُتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنَّا إذًا لمن الظَّالمين ذلك أدنى أن يأتوا بالشَّهادة على وَجهها أو يخافوا أن تُردَّ أيمانٌ بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لايهدي القوم الفاسقين .
 قراءة من التَّفسير المُيسَّر -التّفسير الإجمالي- : يَا أيُّها الذِّين صَدَّقوا الله ورسُولُه وعملوا بشرعه ألزِموا أنفسكم بالعمل بطاعة الله واجتناب معصيته, وداوُموا على ذلك وإن لم يَستجب النَّاس لكم, فإذا فعلتم ذلك فلا يَضُركم ضلال مَن ضلَّ إذا لزِمتم طريق الاستقامة,وأَمرتم بالمعروف ونهيتم عن المُنكر إلى الله مرجِعُكم جميعًا في الآخرة, فيخبُركم بأعمالكم, ويجازيكم عليها. يا أيُّها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه إذا قَرُب الموت من أحدكم فلْيُشْهِد على وصيته اثنين أَمينين من المُسلمين أو آخرَين من غير المسلمين عند الحاجة وعدم وجود غيرهما من المُسلمين, تُشهدونهما إن أنتم سافرتم في الأرض فحلَّ بكم الموت, وإن ارتبتم في شهادتهما فَقِفُوهُما من بعد الصَّلاة -أيّ صلاة المسلمين- وبخاصة صلاة العصر- فيُقسمانِ بالله قسمًا خالصًا لا يأخذانِ به عَوضًا من الدُّنيا, ولا يُحابيان به ذا قرابة منهما, ولا يكتمانِ به شهادةً لله عندهما,وأنَّهما إن فَعَلا ذلك فهُمَا من المُذنبِين ، فإن اطَّلع أولياءُ المَيِّت على أن الشَّاهدَينِ المَذكورين قد أثِما بالخيانة في الشَّهادة أو الوصية فليقُم مقامهما في الشَّهادة اثنان من أولياء الميِّت فيُقسمانِ بالله لَشهادتنا الصَّادقةُ أولى بالقَبُول من شهادتهما الكاذبة,وما تجاوزنا الحقَّ في شهادتنا إنَّا إن اعتدينا وشهِدنا بغير الحقّ لمن الظَّالمين المُتجاوزين حدود الله ذلكُم الحُكم عند الارتياب في الشَّاهدين من الحَلِف بعد الصلاة وعدم قبول شهادتهما, أقربَ إلى أن يأتوا بالشَّهادة على حقيقتها خَوفًا من عذاب الآخرة, أو خَشيةً من أَن تُرَد اليمين الكاذبة من قِبَل أصحابِ الحقّ بعد حلفهم, فيفتضح الكَاذب الذِّي رُدَّت يمينُه في الدنيا وقت ظهور خيانته. وخافُوا الله - أيُّها الناس- وراقبوه أن تحلفوا كَذبًا, أو تقتطعوا بأيمانكم مالاً حرامًا, واسمعوا ما تُوعظون به. والله لا يهدي القوم الفاسقين الخارجين عن طاعته.
 تعليق الشِّيخ : في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) هذه الآية أيضاً وَقع فيها خلاف في معناها بين السَّلف، وتعرفون كلام أبي بكر الصديق وهو من أشهر ما قيل في هذه الآية وهو أحد معاني الآية الوَارِدَة في قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ) وأنا أعتبرها من الآيات المُشكلة فمن كان عنده حلقة في التفسير أو أراد أن يُدرِّب الطلاب على استكشاف المعنى من خلال الخِلاف ، هذه الآية من الآيات التي تَصلُح لأنها آية مُشكِلة في الفَهم ، وعبد الله بن مسعود يقول لم يأتِ تأويلُها بعد وليس قَصدُه أنَّه لم يأتِ تأويلهُ بعد أنَّ معناها لا يُعلَم ، لا ، معناها معروف لكن (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)  لم يأتِ بعد لأنَّ الإسلام كان مُنتشراً فكأنَّه يقول وقت تطبيق هذه الآية ليسَ هو الوقت الذِّي كان يعيشه عبد الله بن مسعود إنَّما سيأتي فيما بعد ، بناءً على ظاهر الآية أنَّ الإنسان يَلزَم نفسَهُ إذا كَثُرَ الخَبَث وهذا أحد معاني الآية . والمعنى الآخر للآية هو المعنى الوَارد عن أبي بكر الصديق. والآية كما نعلم إذا كان فيه مجال في الدَّرس الأخير إذا كان للآية أكثر من دلالة صحيحة وليس بينهما تعارُض فالآية تُحمَل عَليها فتُنَزَّل على هذا المَعنى تَارة وعلى ذلك المعنى تَارَة على حَسَب مُناسبة تَنزِيل الآية على هَذه المَعاني، لكن من باب الفائدة كما قُلت لكم أنَّ هذه الآية تُعتبر مُشكِلة.
 أيضًا الآية التي بعدها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) بعض العلماء عدَّها أشكل آية في القرآن أيّ الآية المشكلة رقم واحد في القرآن هي هذه الآيات التي هي آية الشَّهادة هذه. وهي صَعبة. عند مَن تَحرَّت عنده من العُلماء لا يَعُدَّها من المُشكِل وهذا يرُدُّنا أيضاً إلى قضية النِّسبية التي ذَكرناها في قضية غريب القرآن فبعض العُلماء يَعُدّ آية من الآيات على أنَّها من المُشكِل وبعض العُلماء يَنفي أن تكون من المُشكل ، فمن عَدَّهَا من المُشكِل فَهُو نَظَرَ إلى نَفسه ومن نَفى عنها الإشكال فهو نظَر أيضاً إلى نفسه إذاً فهي قضية نسبية. فمثلاً مَكيّ بن أبي طالب يَعُدّ هذه من الآيات المُشكلة وتجد أنّ ابن عطية يعترض عليه في أنَّها ليست من الآيات المُشكلة فنقول هي مُشكلة بالنسبة لمكيّ وليست مشكلة بالنِّسبة لابن عطية. فإذا صارت القضيّة فيها بهذا الشَّكل.
عندنا طبعاً في هذه الآيات - نفس الفكرة التي ذكرتها لكم قبل قليل- في قَضِيَة رَبط الوَعظ بالحُكم الفِقهي وهذه الآية نَازِلة على سَبب ولهذا ذكرُوا بالأخَصّ صلاة العصر لأنَّ سبب النُّزول الوارد أن هؤلاء وقفوا بعد صلاة العصر عند الرَّسول صلى الله عليه وسلم وشهدوا بهذه الشَّهادة. فاختاروا صلاة العصر بناءً على الوَاقِعة التي حَدثَت وليس هذا بلازم لكن لمُوافقته لِمَا حَصَل في عهد الرَّسُول صلى الله عليه وسلم.
 هَذا تَقريباً الفَوائد المُتعلقة بهذه الآيات وهي (آيات أحكام). والآيات فيها إشكال كثير وكذلك يُستنبط منها أحكام كثيرة مُتعلِّقَة بقضيِّة الوَصيِّة والشَّهادة خصوصا إذا كان المُوصي قد أوصى ثم مات ولم يَشهد وصيته إلا اثنان فكيف يُعالِج هذا الموضوع خصوصًا إذا ظهر كَذِب هذين الاثنين ماذا يُعمل ؟سيُبدَل هذان الشاهدان بشاهدين آخرين، ثم أيضا إذا كان أحد الشُّهود أو الشُّهود كانوا كفاراً فما الحكم؟ كل هذا عَالجَهُ العُلماء من خلال هذه الآيات لِمَا وَقَعَ من خِلاف بينَ العُلماء في هذا الموضوع المُتعلِّق بهذه الآيات. أسئلة مُوجَّهَة للشِّيخ:
/ السُّؤال الأوَّل: أحسن الله إليكم: في قوله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) وفي الآية الأخرى يقول الله تعالى (لا يُؤاخِذكُم الله باللَّغو في أَيمانِكُم) فهل لفظةُ "اللَّغوِ" في كِلا الآيتين بِمَعنىً واحد؟
 الجواب : لا. لأنَّ اللَّغو في الآية الأولى  (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) بمعنى البَاطل، واللَّغو في الآية الثّانية (لا يُؤاخِذكُم الله باللَّغو في أَيمانِكُم) وهو ما يَلغُو به الإنسان، ويتكلَّم به ولا يَقصِدُه. فبينَهُمَا فَرق .
 وهنا فائدة مُهمَّة: وهُوَ ما يُمكن أن نُسميِّه بِعلم الوُجُوه والنَّظَائِر، فاللَّغو وَرد في القرآن في مواطن،في مَوطن وجَدنا اللَّغو أنَّه بمعنى:
- ما يقولُه الإنسان (لا والله).(وبلى والله) أو ما يقصد فيه الحَلِف يقيناً لكنَّه يظن أنّه على كذا ويكون الأمر بخلافه.هذا لغو.
- اللَّغو بمعنى الباطل  (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ).
 إذاً صار عندنا الآن من وجوه (اللَّغو) في القُرآن أكثر من وجه، إذا قلت لكم  (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) فاللّغو هنا بمعنى الباطل، نظيرُها قوله تعالى (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) فاللّغو في (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) نظير (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) فصار اللغو في هذه الآية وفي الآية الأخرى نظير بمعنى مثيل، شبيه، لكن اللغو في هذه الآية وتلك الآية غير اللغو في آية (لا يُؤاخِذكُم الله باللَّغو في أَيمانِكُم) هذا يسمى (الوَجُوه والنَّظائر) . فالوجُوه: اللّغو بمعنى (لا والله) (وبلى والله) ، اللَّغو بمعنى الباطل. والنَّظائر: أن يأتي في الوجه الواحد أكثر من آية (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) نظيرها (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ).
/ السُّؤال الثاني: الاستدلال بقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ).
 الجواب: الذي اعترض عليه أبو بكر الصِّديق في أنَّ ما استدل بها على ترك النَّهي عن المنكر أنَّه أخطأ فاستدل بها هذا لا يكون إلا في آخر الزمان إذا فسَد الناس انتهى الأمر هناك الذي قال عنه ابن مسعود لم يأت تأويلُها بعد، أما والإسلام قائم فلا يَصح أن تُحمل وهو رأي أبو بكر الصديق، والآية كما قلت لكم لها أكثر من محمل.
 السُّؤال الثَّالث: قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) هل يُفسَّر :الإيمان بالتَّصديق ؟
نعم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) تفسيرها يا أيُّها الذِّين صدَّقُوا لكن الإيمان لا يساوي التَّصديق مساواة تامّة، ليس مرادفاً مُرادَفة تامَّة للتَّصديق لأنَّه لابد فيه من زيادة إما زيادة طمأنينة كما أشار إليها الخليل بن أحمد قال: "الإيمان تصديق مع طمأنينة" ، فليس مطلق التصديق إيمان ،ويمكن أن نقول كل إيمان تصديق وليس كل تصديق إيمان، فالتَّصديق أخصّ من الإيمان ،فالإيمان لا بد له من زيادة معنى الطمأنينة والثقة في الأمر، أمَّا مُطلق التصديق فلا، وهذا ما أوقع الفرق لمَّا جعلوا الإيمان مطلق التصديق فقط ونسوا الفروق بين المعاني، والعجيب تجد أن بعضهم ممن يذهب إلى فروق المعاني إذا جاء عند هذه لأجل القضية العقدية ، يقول الإيمان هو مُطلق التَّصديق فقط يعني أنه يساوي التَّمام وإذا جاء يحرِّر في قضية لغوية - مثل السيوطي- تجده يتكلم عن الفروق اللغوية يحرر في الفروق اللغوية فلماذا عندما جئت إلى الإيمان لم تُفرِّق بينهما، بل جعلتهما مترادفين؟ هذا يدل على إشكالية الاعتقاد، أنَّ الاعتقاد أحياناً يؤثر على القضية العلمية .
السؤال الرابع: ما معنى الخَطأ في الدِّلالة والمَدلُول مع ضرب المثل؟
 دائماً الخطأ في الدِّلالة والمَدلول قاعدتها "أيّ كلام باطل لا يدل عليه القرآن فإنَّ ربطه بآية من الآيات هو خطأ في الدلالة وفي المدلول" مثال:  الأصل عدم جواز الرَّقص للرِجال ونقصد به الرَّقص المعروف - بغضِّ النَّظر عن رقص الحرب- مثل ما يفعله بعض الصوفية فإنّهُم يرقصون على نغمات على أشياء ويدَّعُون أنَّه من الدِّين وهذا ما استدل به بعض الصوفية المُتقدِّمين - قبل القرطبي- في قوله سبحانه وتعالى (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) في أمر الله لأيوب عليه الصلاة السلام ، طيب (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) بمعنى اضرب برجلك الأرض ، هم جعلوا معنى اضرب برجلك استدلوا بها على جواز الرقص.
والسؤال الآن هل الرقص جائز قبل ؟ فما دام الرقص غير جائز فإن ربطُه بالقرآن أيضا خطأ لأنَّ القرآن لا يَدُلُّ عَلى باطل مطلقا فهذا يكون خطأ في الدَّليل والمَدلول. إذا قاعدة الخطأ في الدِّلالة والمَدلول: أن يكون الكلام بذاته باطل غير مقبول في الشريعة فلمَّا تربطه بالآية يكون خطأ في الدليل والمدلول.
ولعلنا نقف عند هذا الحدّ .سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
لحفظ المقطع الصوتي :






-----------------------------------------------
مصدر التفريغ : ملتقى أهل التفسير -بتصرف يسير-
اقرأ المزيد...