سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد ..
فنأخذ اليوم الجزء الثاني مع سورة المنافقون حيث سنقف معها -بإذن الله- من أولها إلى آخرها، أسأل الله أن يوفق وأن يبارك في الوقت ونستمع إلى قراءة السورة الآن ثم أقف معها بإذن الله.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
{ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ * سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ * هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنْفَضُّوا ۗ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ * يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }
الحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ..
هذه السورة من السور التي تناولت شأن المنافقين والفرق بينها وبين غيرها أنها خاصة بالمنافقين بينما غيرها تتناول شأن المنافقين وشأن غيرهم، ومن أطول تلك السور التي تناولت المناقين وفضحتهم وكشفتهم وعذبتهم هي سورة براءة وهي من آخر ما نزل .
المنافقون أيها الأخوة داء عضال لا تسلَم ولم تسلم منه أمة الإسلام على مدى تاريخها، فهم وإن كان الضعف أحياناً قد يظهر في بعض البلاد الإسلامية لكنهم يقِلُّون ويكثرون على حسب قوة الإسلام هناك، وقوة الإسلام قد تكون حسية وقد تكون معنوية فمثلاً في زمننا هذا قوة الإسلام قوة معنوية مع بعض القوى الحسية للمسلمين في مناطق محدودة ومع ذلك فالمنافقون كُثُر ، المنافقون موجودون في فلسطين كعملاء لليهود، موجدون في الشام .. في العراق .. في اليمن .. في أفغانستان وباكستان، موجودون في كل بلد، موجودون لدينا في بلادنا هنا، وصفاتهم أنهم يُظهِرون الإسلام وما عليه المجتمع ولكن يُسِرّون الكفر والمولاة لأعداء الله، ولذلك جاء القرآن حاسماً في علاج قضية النفاق وكانت أبرز وسيلة للقضاء عليهم هي فضحهم وكشفهم وهتك أستارهم ولذلك فقد ضعف النفاق كثيراً في آخر عهد النبوة مع أنه لم ينتهِ لحكمة يريدها الله جل وعلا، فنحن مهمتنا -كما قلت في الدرس الماضي- أن نُركِّز على صفاتهم لا على أشخاصهم، فليس في القرآن اسم منافق واحد حتى عبد الله بن أُبيّ رأس للمنافقين وأعدى أعداء الله، أعدى من اليهود والنصارى والمشركين لم يرِد اسمه في القرآن وإنما ورد وصفُه .
هذه السورة التي نقف معها اليوم كما قلت فيها إحدى عشرة صفة من صفات المنافقين وقد بينتُ في الأسبوع الماضي عدد من صفات المنافقين وركزت على بحث أو مقال أعدّه أحد الأخوة وهو منتشر في المواقع بعنوان ( ثلاثون صفة من صفات المنافقين في الكتاب والسنة ) أعدها الشيخ إبرهيم بن مهنا المشعان وفقه الله، فوقفت معها وأضفت أدله مع كل صفة لأنه ذكر بعض الصفات بدون دليل وأضفت إليها عدد من الصفات تطرقنا لها في الأسبوع الماضي فجزاه الله عنا خير الجزاء على هذه المتابعة لفضح المنافقين وفضح صفاتهم فكما قلت هو الوسيلة الأعظم من أجل القضاء عليهم فهم يخافون { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } كلما تذكر صفة يتصور المنافق أنه هو المراد بها وهم يعيشون في قلق دائم وعدم استقرار لأنهم يبطنون خلاف ما يُظهرون فيخافون أن تنكشف سوءاتهم وعوراتهم. اليوم أقول نقف مع هذه السورة .
من أسباب هذه السورة كما ورد عند الإمام أحمد في مسنده أنه سمع زيد بن أرقم رضي الله عنه يقول: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قيل أنها في غزوة المريسية فأصاب الناس شدة فقال عبد الله بن أُبيّ لأصحابه : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا وقال. : لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعزّ منها الأذل ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك -أي بما قال عبد الله بن أبيّ- فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ابن أبيّ فسأله فاجتهد يمينه ما فعل) أي جلس يحلف عند النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما قال هذا ويتهِم زيداً رضي الله تعالى عنه (فقالوا : كذب زيد) أي أن النبي صلى الله عليه وسلم كذّب زيداً لأنه لماذا ؟ هو أخبر بخبر وعبد الله بن أبيّ جلس يحلف أنه ما قال هذا الأمر (فوقع في نفسي مما قالوا حتى أنزل الله عز وجل تصديقي { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ } قال : ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أن يستغفر لهم ومع ذلك لوَّوا رؤوسهم) وفي بعض الأحاديث قيل لعبد الله بن أبي : (تعال يستغفر لك رسول الله) لأنه ظهر كذبه هو ولم يكذب زيد رضي الله تعالى عنه فبدأ يلوي رأسه لا يريد أن يستغفر أو يأنف أن يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم . هذا باختصار من أسباب نزول هذه السورة .
السورة كما مر معنا ورد لها عدة اسماء لكن شهرتها بسورة المنافقون وهي تركِّز على صفات المنافقين -كما قلت- فيها إحدى عشرة صفة من صفات المنافقين مع أنه صفات المنافقين لا تحتسب بعشرين ولا بثلاثين وأربعين بل هي أكثر من ذلك ، ثم أثبت الله جل وعلا كذبهم في ثنايا السورة وبيّن كِبرَهم وغطرستهم وإحداثهم الخلل في الصف المسلم ثم في آخر السورة في آيتين أو ثلاث حذّر المؤمنين من بعض صفات المنافقين وأمر بالاستعداد للآخرة .
السورة لم يرد لا أعرف ورد فيها دليل خاص إلا ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم وثبت أنه كان يقرأها في يوم الجمعة مع سورة الجمعة وذكرت لكم في الأسبوع الماضي كلام شيخنا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه من أجل تذكير المسلمين بصفات المنافقين بصفات المنافقين والتحذير من صفاتهم وقلت أيضاً من الأسباب أيضاً أن ينتبه المؤمن خوفاً من أن يقع في صفة من تلك الصفات .
وأيضاً في حديث سبق مر معنا مراراً عن النبي عندما يقول : ( فُضِّلت بالمُفصل ) وهي ولاشك من سور المفصل.
فيها علاقة بين سورة الجمعة وسورة المنافقين وكان يقرأ بهما النبي صلى الله عليه وسلم وأيضاً نجد أن فيها بعض الصفات لعلها تأتي بإذن الله عند حديثنا عن سورة الجمعة .
هنا أيضاً قال العلماء لطيفة مهمة جداً في علاقة سورة الجمعة وسورة المنافقين أن أعداء الله جل وعلا يريدون أن يشغلوا المسلمين بالصفقات التجارية مما يُلهيهم عن دينهم وإلا فالبيع والشراء لاشك أنه مطلب من مطالب الشريعة { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } ولكنهم يتوسعون في الملاهي وغيرها حتى يصدوا عن دين الله جل وعلا.
ومن أبرز تلك الصفات التي أيضاً أشارت إليها هذه السورة -وسيأتي بيانها بإذن الله- التضييق على العلماء والدعاة والصالحين بقطع أرزاقهم لعلهم أن يتراجعوا عن دينهم أو عن استقامتهم أو التزامهم فيضعف أناس ولا شك، وأحياناً يكون العكس إغراقهم بالمال وإغراؤهم بالمال حتى ينحرفوا، وهناك من انحرف، من باع دينه بدنيا يسيرة يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما بين أنه لما خشي على أمته من الفِتن وبين ( يأتي زمن يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي ً مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعَرض من الدنيا ) فكم رأينا من أناس كانوا من المستقيمين .. من الصالحين فإذا هم قد تغيروا وإذا هم قد تبدلوا وإذا هم أحدثوا كما حدث من اليهود { فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } والسبب هو حطام الدنيا حتى قال رئيس دولة هالك عليه من الله ما يستحق في بلده يقول - يشير إلى العلماء أو الدعاة- وقد كذب عدو الله يقول : أعطه فرخة ويعطيك ما تشاء من أي فتوى ، نحن نعرف أنه هناك من يبيعون دينهم بدنياهم كما قال الله عن اليهود : { فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } ولكن تعميم هذا الحكم مما يقع فيه البعض - هداهم الله - لا ينبغي وهناك المخلصون الصادقون الثابتون الذين لا تغريهم الدنيا لا قطع الدنيا ولا إعطاء الدنيا، هناك علماء عُرِفوا ومر معنا وشهد لهم القريب والبعيد أن الدنيا لم تؤثر فيهم وهم من كبار علمائنا أُعطوا الأموال ورفضوا أن يأخذوها وكثير منهم قد توفي ومنهم من هو باق الآن نسأل الله أن يثبت الجميع وأن يهدي الجميع .
يقول الله جل وعلا : { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } لاحظوا المؤكدات { إِذَا جَاءَكَ} قالوا: { نَشْهَدُ } هذه الشهادة { إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ } فهم إذاً يؤكدونه بعدة مؤكدات لأنهم كاذبون فجاء الرد عليهم قاسياً { وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}.
وهنا أيضاً في هذا الجانب لفتة مهمة قد لا تكون مرتبطة بالسورة، ممكن أن تشهد على عمل إنسان لكنك لا تشهد على قلبه ولذاك في قوله : (سبحانك اللهم وبحمدك) إذا كان الإنسان إماماً وهو يدعو في آخر المجلس يقول : (سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك) لاحظوا عند الشهادة قال : أشهد بينما عند الدعاء بالتسبيح والاستغفار والتوبة قال : (نستغفرك ونتوب إليك) لماذا ؟ قالوا : لأنه لا يحق لأحد أن يشهد عن قلب أحد، فلأن القضية إيمان وشهادة كل يشهد عند نفسه وكل يدلي بشهادته بينه وبين الله في قضايا الإيمان إلا إذا شهد له الناس بالإيمان في ظاهره وفي عمله أما القلب فلا يشهد أحد لأحد وإنما الذي يشهد بذلك هو الله جل وعلا ويشهد به الرسول صلى الله عليه وسلم بإخبار الله له، ولكن شهادتنا تكون ظاهراً كما قال سعد بن أبي وقاص : فإني ما علمت إلا أنه مؤمن فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( أو مسلم) ثلاث مرات ، فنحن نشهد لمن نرى منه مظاهر الإيمان بما رأينا لكننا لا نشهد على قلبه مهما كان حتى لو أظهر الإيمان وأبطن الكفر لن نعلم، ولذلك المناففون يعامَلون كمسلمين وتُحمى دماؤوهم وأعراضهم وجزاؤهم عند الله جل وعلا.
/ { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ }
لاحظوا لم يتهمهم أحد ولكنهم جاؤوا يبادرون لأن الذي عنده ريبة يبادر، هو يريد أن ينفي هذه الريبة فهو يأتي مباشرة، المؤمن ما يحتاج أنه في كل مجلس يقول : اشهدوا أيها المسلمون أنني مؤمن، اشهدوا أنني مسلم، اشهدوا أنني أشهد أن لا إله إلا الله، لا يحتاج فقد عرف الناس أنه مؤمن وأنه مسلم لكن المنافقون لأنهم يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام حتى خوفاً من أن ينكشف أمرهم هم الذين يبادرون، فهم اتهموا أنفسهم أولاً وهم محل التهمة ولا شك فجاؤوا هم الذين { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ } لم يطلبهم النبي صلى الله عليه وسلم { قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ } يؤكدون ذلك شهادة فلذلك كما يقول المثل : <يكاد المريب أن يقول خذوني> أما المؤمن لا يحتاج أن يقول ذلك لا يقول للناس وهو يصلي معهم في المسجد اشهدوا أنني أصلي، لا يحتاج إلى هذا الأمر إنما تُطلب الشهادة في حالات معينة، أما المنافقون فلأنهم يُخفون شيئاً عظيماً وهو الكفر فهم يبادرون لتغطية كفرهم ونفاقهم بهذا القول الذي يريدون أن يأتي على المؤمنين وقد كشفهم الله جل وعلا ، ثم أيضاً دائماً الإنسان غير الواثق من نفسه يُكثر الحلف -وبينت هذا سابقاً في درس مضى- لكن لا شك أن الحلف له أسباب قد يكون أحياناً يحلف الإنسان ليس لسبب في نفسه ولكن لأن السامعين يحتاجون إلى أن يؤكد لهم فلو جئت أنت بخبر غريب على بعض الناس وأنت متأكد منه لابد أحياناً أن تحلف بل هم قد يطلبون منك اليمين لأنه خبر غريب فسواء كان في الأمن أو في الخوف أو في غيره أو أي خبر عادي، لكن طبيعة المنافقين هي كثرة الحلف، من طبيعة المنافقين أنهم يُكثرون الحلف لأنهم يعرفون أنفسهم أنهم كاذبون .
فأيضاً دعوى الإيمان والإسلام سهلة إن لم تُصدَّق بالعمل ولذلك البرهان هو العمل { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا } أي أسلمنا ظاهراً، للعلماء كلام كثير في هذه الآية -كلام كثير في سورة الحجرات- ولكن من الأقوال: أن هذه الآية في المنافقين فإنهم يأتون -وهم من أعراب المنافقين- وقد ركّز الله جل وعلا في سورة براءة على نفاق الأعراب وأيضاً شهد بإيمانهم {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا } كما تعلمون وبيَّن، فعدل الله معهم ولذلك لا يجوز أن تذكر تلك الصفة دون الصفة الأخرى الشاهد أنهم قالوا : { آمَنَّا } فينزل القرآن { قُولُوا أَسْلَمْنَا } فهم لم يؤمنوا حقيقة هذا قول من أقوال العلماء أن هذه الآية في سورة الحجرات قالوا في بعض المنافقين ومن الأعراب لأن الله قال : { قَالَتِ الْأَعْرَابُ } قالوا منافقين الأعراب، وفي أقوال أخرى أنها ليست في المنافقين إنما هم قوم جاؤوا ولم يدخل الإيمان في قلوبهم وإنما أسلموا ظاهراً فقال الله فيهم ذلك والله أعلم .
/ { اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } لاحظ الجُّنة هي السترة، ولذلك الجنة لماذا تسمى الآن الجنة ؟ لأننا لا نرها فهي خفية عنا، والجن يُسمُّون الجن لاستتراهم فنحن لا نراهم فلذلك { اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً } سترة ووقاية لأنهم يعلمون مافي قلوبهم من كذب فلا يجدون وسيلة أو من أهم الوسائل لتغطية هذا الكذب هو الأيمان فلذلك تجد كثرة الأيمان بالنسبة لهم، وعمل القلب هو عمل خفي لا شك لم يجعله الله لأحد من البشر حتى لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولما جاء أسامة وقتل الرجل -الذي كان كافراً وقال لا إله إلا الله وهو يهوي بالسيف- قال : أقتلته ؟ قال يارسول الله : أنما قالها خوفاً من القتل قال : ( هلا شققت عن قلبه ) فكان النبي صلى الله عليه وسلم يُحذر دائماً من العمل أو التنبؤ بما في القلوب ، ما في القلوب لله رب العالمين نحن نكتفي بالظاهر يقول عمر : "كان الرجل يعمل عملاً فينزل القرآن أما وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإننا نؤاخذ الناس بظواهرهم ونكِل سرائرهم إلى الله" أقول هذا لأن هناك مع كل أسف من -أحياناً- من يتحدث عن قلوب بعض الناس ومافيها، إذا لم يقم دليل على مافي قلب الإنسان لا يحق لنا أن نتكلم فيه ولا يجوز ( هلا شققت عن قلبه ) هذا يقوله النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك يقول عمر : إنما نؤاخذ الناس بظواهرهم وندع سرائرهم إلى الله جل وعلا ، هذا الذي نحن مطالبون به ، ولذلك المنافقون كانوا يعامَلُون بالظاهر مع أن الله يقول عنهم : { هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ } يعني هم أشد كفراً من اليهود والنصارى والمشركين لكن لحكمة يعلمها الله وليبقى كيف نعالج النفاق في زماننا لأن في وقت النبي صلى الله عليه وسلم كان من السهل أن ينزل القرآن، أن يقال المنافقون فلان وفلان بل أُخبِر النبي صلى الله عليه وسلم من هم المنافقون وأخبر بذلك حذيفة ولم يخبر به حذيفة، لكن بعد من يعلم المنافقين، إذاً هو أعطانا منهجاً عملياً نستطيع أن نتعامل مع المنافقين في زماننا بنفس العلاج الذي عالج به القرآن وعالجت به السنة قضية النفاق وبهذا ننتهي، فهكذا يكون الأمر وإلا كان من اليسير أن يعلن الله جل وعلا أسماءهم ويؤتى بهم ويستتابوا فمن تاب ورجع للدين وإلا قُتل كافراً مُرتداً لأنهم آمنوا ثم كفروا فكفرهم أشد من اليهود والنصارى لماذا ؟ لأنهم مرتدون، لكن حقيقتهم وظاهرهم الإسلام، يُصلُّون مع النبي صلى الله عليه وسلم، يصومون، يغزون مع النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك هذه القضية الآن هذه السورة في غزوة المريسيع كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعهم عبد الله بن أبيّ وكانوا معه في غزوة تبوك ، فكثير من المشاهد لا تخلوا من المنافقين أي ظاهراً ولذلك يعامَلون حماية لإعلانهم الإسلام أعطوا حماية لدمائهم وأنفسهم وأموالهم أما سرائرهم فتُوكل إلى الله جل وعلا.
/ ثم بعد ذلك يقول الله جل وعلا : { ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا } تأملوا..
{ ثُمَّ } هنا قال العلماء : إما للتراخي الرُتبي لأن ثم تأتي للتعقيب والترتيب والتراخي، عكس الفاء فهي تأتي للترتيب والفورية جاء زيد فمحمد أي جاء فوراً ، أما الواو لا تقتضي تعقيب ولا ترتيباً، أما "ثم" لما تقول جاء زيد ثم محمد ، بينهما فترة أي جاء زيد وبعد لحظات أو وقت جاء محمد وهكذا، فعبر عنها أهل اللغة بهذا التعبير، طيب هنا يقول { ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا } هل هم آمنوا فترة من الزمن ثم كفروا ؟ قالوا: تحتمل معنيين: إما للتعقيب التراخي الرُتبي - رُتبة- أو أنها فعلاً للزمن أي أنها أول الأمر أسلموا فلما فكروا بمصالحهم ودنياهم ارتدوا عن الإسلام -والعياذ بالله- فالشاهد أنهم آمنوا ثم كفروا كما قال الله جل وعلا { فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } لأنهم تقلبوا بين الكفر وبين الإيمان فهم لا يفقهون ولذلك لا يسمعون، لا يستجيبون وهذا جانب عظيم جداً بالنسبة لهؤلاء المنافقين .
/ وأيضاً قال العلماء { اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً } كره بعض العلماء كثرة اليمين واستدلوا بهذه الآية وبقوله تعالى : {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ } وكذلك وهي ملحوظة عند بعض أهل السوق -بعض التجار- الذين يبيعون وخاصة في بعض الأسواق كالغنم وغيرها يُكثرون الحلف وقد ورد من الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم ولا يكلمهم يوم القيامة ولهم عذاب أليم رجل يُنفق سلعته بالحلف الكاذب فتجدهم يقسم بالله أن بضاعته جيدة وأنه كذا وهو يكذب، ولهذا هذا يخشى عليه أن يكون من هؤلاء الثلاثة الذين حذر منهم النبي صلى الله عليه وسلم ، واستدلوا أيضاً بعدم إكثار اليمين بقوله تعالى { وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ } في كل حالة يحلف، وقلت لكم في الدرس الماضي هناك أخيار والله طيبون ولا نشك في صدقهم وإصلاحهم لكن تجده في المجلس الواحد يحلف عشرين مرة خمسة عشر مرة وينصحه الناس لكنه تعوَّد على ذلك ويعتذر ويقول سأحاول ولكنه ..، فلنحذر لا نعود ألسنتنا على كثرة الحلف فهذا جانب إذا تعوّد الإنسان على شيء أكثرَ منه فلهذا كان المنافقون من صفاتهم كثرة اليمين وبالذات اليمين الكاذب .
/ يقول الله جل وعلا : { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } ما قال أجسادهم قالوا : لأن الجسم أعم من الجسد فيُشاركون الجمادات في هذا الأمر فلهذا قال الله جل وعلا :{ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } فلهم هيئات، إذاً لهم هيئات جميلة ولهم لسان ذلق حتى ورد عن عبد الله بن عباس قال : كان عبدالله بن أبيّ وسيماً صحيحاً صبيحاً ذلِق اللسان فإذا قال سمع منه النبي صلى الله عليه وسلم مقالته فوصفه الله بتمام الصورة وحُسن الإبانة ولكن قلبه كان فارغاً من الإيمان وهو عدو من أعداء الله ورسوله، ولذلك المُعول عليه هو الإيمان، المُعول عليه صدق القلب وما يتبعه من عمل ( ألا إن التقوى هاهنا ) ويشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره أي إلى قلبه لكن هذه التقوى التي في صدر النبي صلى الله عليه وسلم خرجت في ظاهره، فخرجت في أعماله صلى الله عليه وسلم، خرجت في كل شأنه صلى الله عليه وسلم فإيمانه هو الإيمان الكامل وهو قدوتنا صلى الله عليه وسلم { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
/ { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ } لاحظوا يا أخوان أنهم حتى لم يظفروا ولا بالوصف بالخشب مطلقة لأن الخشب لو قال كأنهم خُشب، الخشب تنفع، ناظروا أمامكم سقف استفاد منها ، لكن لما تكون مسندة أي لا خير فيها لا نفع فيها، فلذلك تصور يكفي المنافقين ذماً أنهم لم ينالوا ولا مجرد وصف أنهم كالخُشب بدون وصف ما قال كأنهم خشب لا قال مُسنّدة أي لا تنفع بل في الحقيقة تضر قد تسقط على المارة لا نفع فيها، وهكذا النفع الذي ركّز عليه المفسرون في بيان صفة المنافقين .
/ { وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } كما بينا أنهم عندهم ذلاقة ولذلك في قصة المرأة التي قتلت امرأة أخرى وفي بطنها جنين وجعلت هذا النبي صلى الله عليه وسلم في دية الجنين غرة عبد أو أمة، قام حَمَل بن النابغة الهُذلى قال : كيف أغرم ؟ -يقول للنبي صلى الله عليه وسلم- : ( كيف غرم من لا شرب ولا أكل ) لأنه سقط جنينها ولم يولد فجعل النبي صلى الله عليه وسلم فيه دية غرة عبد أو أمة فيقول هو لأنه لابد يدفع هو الذي يجب أن يدفع هذه الدية فيقول للنبي صلى الله عليه وسلم مناقشاً ولا نقول معترضاً يقول : يا رسول الله : كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل - لم يولد ولادة طبيعية- ولا نطق ولا استهلّ فمثل ذلك -أي الذي يسقط هكذا كما نقول أسقطت المرأة- فمثل ذلك يُطَلّ -أي يكون هدراً- فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما هذا من إخوان الكُّهان ) لسجْعِه الذي سجع، طبعاً هو صحابي ليس كاهناً ولكن تعرفون الكاهن بتصرفاته وتخيلاته يضر الناس ويسحرهم ويؤثر فيهم، هذا الرجل لما قال هذه العبارات أثّر ببعض الناس الموجودين ، النبي صلى الله عليه وسلم يقول الذي سقط بسبب أن المرأة قتلت المرأة ومن في بطنها نعم قتلته ، وهو في بطنها لم تلده ولادة طبيعية فقضى به دية، فهو يقول كيف أغرم هذا ؟ خلاص قتل مع أمه نعم نغرم المرأة يقول ثم جاء بهذه العبارات المؤثرة كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يُطَل ، كانت عبارات فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا من باب التشبيه بالأخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع ، طبعاً هذا قوله الراوي (من أجل سجعه الذي سجع).
/ أيضاً بعض العلماء نبه إلى تنبيه ولولا أن بعض العلماء ذكره العلماء وهو الشيخ مصطفى العدوي ماذكرته يقول : "طالب العلم إذا حضر الدرس يجب أن يكون حاضراً ومنتبهاً لأن البعض يحضر لا يريد الدرس ولا يريد الموعظة وإنما يريد الراحة وتجد جلسته لا تتناسب مع جلسة طالب العلم فلذلك قال عليه : "يُخش أن يكون كما وصفهم الله هنا يجلسون عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنهم خشب مسندة" فنبه إليها جزاه الله خيراً .
/ { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } هذه قضية عجيبة -يا أخواني- الإنسان الذي في نفسه شيء تجده قلق وخائف يخشى كلما تحدث إنسان قال : سيكشف سوءتي وتجده غير مستقر لأنه يُخفي أمراً عظيماً لو انكشف لضره ضرراً عظيماً.
واذكر قصة طريفة ذكرها لي أحد الأخوة في الجمارك في المطار يقول : جاءنا شخص من دولة عُرِفت أن الذي يأتي منها كثير منهم يُهرِّبون المخدرات ويتخذون لذلك حيل وأساليب خبيثة جداً وطرق عجيبة من أجل تهريب المخدرات يقول : جاءنا هذا الشخص وفتشناه لأننا نحتاط يقول أكثر لهؤلاء ما وجدنا معه شيء يقول لما ذهب يعني انتهى خرج لكنه ما وصل إلى البوابة الخارجية يقول واحد من الزملاء نادى على زميل له ولكن زميله بعيد قال يافلان بصوت مرتفع وافق اسم هذا الشخص اسم هذا الشاب فهرب مسرعاً فيقول أعطينا إشارة للبوابة يقول أوقفوه، يقول تعودنا على هذا فإذا معه مخدرات. يقول هو مر من عندنا الآن ما وجدنا معه شيء وزميلنا صوّت لزميل له من بعيد فقط يناديه لكن وافق الاسم اسم الشخص فلما قال يا فلان حسِب أنهم اكتشفوه فهرب صرخ وهرب يقول نحن تعودنا إشارة إيقاف الباب فبدأنا نفتش تفيشاً دقيقاً فوجدنا معه مخدرات فهو { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِم } وهذا معه مخدرات يخفيها ومع أنه نجى وتعدى لكن يريد الله لكشفه شعر أنه قلق ينتظر متى يخرج من البوابة، وهذا أمر مُشاهد عند أي إنسان يخفي شيئاً يكون قلقاً ، مجرد رؤية وجهه حركاته تصرفاته تدل على أن معه شيئاً، وأصحاب الخبرة سواء من رجال الجمارك أو أحياناً رجال الأمن أو غيرهم يعرفون مثل هذه الأمور بالتجربة وبالسبر أن الذي معه شي .. بل حتى الأب يدرك أن بعض أبناؤه يخفي شيئاً أحياناً، أو أن بعض أهله يخفي شيئاً فتختلف فراسة الناس في هذا الجانب على كل حال.
إذاً هم هؤلاء المنافقون وهم أشباه لليهود كما سيأتي { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِم } فكلما سمع خبراً خاف أنه قد كُشف فيه.
/ { هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ } يتعجب الإنسان طيب أليس اليهود أشد عداوة ؟ أليس الكفار أشد عداوة ؟ المشركون ؟
لا ، المنافقون كأن لا عدو سواهم، نعم ولم يُعبِّر بأشد قال : { هُمُ الْعَدُوُّ } يعني من إيحاءها البلاغي أنهم كأنه لا عدو سواهم، لماذا ؟ ذكر العلماء عدة أمور :
/ الكفار من أهل الكتاب والمشركين عداوتهم ظاهرة بينما هؤلاء عداوتهم خفية .
/ ثانياً أيضاً : أن عداوة المنافقين عن حقد وحسد وغل بينما عداوة بعض الكفار عن جهل وعن شهوة ولذلك لاحظوا عملياً بواقع التاريخ يُسلم من أهل الكتاب كثير، يُسلم من المشركين كثير، الآن اسألوا مكاتب الدعوة كم يُسلم من النصارى، كم يُسلم من الصينيين وهم جاؤا مشركين وثنيون يعني، كم يسلم من عدد من المشركين بينما المنافقين قَلّ أن يهتدوا، ما أقول لا يهتدون قلّ أن يهتدي المنافق لأن أصل عداوته عن غِل وحقد وليس عن جهل ولذلك لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وبدأ عبد الله بن أُبيّ بعداوته جاء أحد الصحابة وقال يا رسول الله إنك جئت وهو يُجهَّز له التاج من أجل أن يُسوّد فلما جئت شعر أنك أخذت المُلك منه يعني إذاً أصبحت عداوته يشعر أن النبي صلى الله عليه وسلم نزع الملك منه والسيادة منه نعم ، وكان قومه يُعدونه زعيماً فأصبح أشد أعداء الله على وجه الأرض في زمنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( بل نحسن صحبته ونترفق به ) ظاهراً مراعاة له ولأهله وعقابه عند الله جل وعلا.
إذاً العدو الظاهر أيضاً سهل الحذر منه لكن كيف تحذر من إنسان يكون في داخل الصف، قد يكون في داخل البيوت، قد يصلي مع الناس في مسجدهم فإذاً { هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ } .
في لفتة تدربية أشير إليها مهمة وهي: الحذر والخوف ، الحذر في القرآن -لاحظوا- جاء بصيغة الأمر ، الخوف جاء بصيغة النهي إلا الخوف الطبيعي كالخوف من دابة أو سبع أو غيرها { فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ } { فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي } يأتي بصيغة النهي لا تخاف إلا من الله جل وعلا إلا الخوف الطبيعي كما خاف موسى عليه السلام من الحية من العصا لما رآها حية هذا خوف طبيعي ولا يُنهى عنه { فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ } لما خاف من فرعون { فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ } إن الإنسان يخاف من عدوه لكن الحذر -وهذا العجيب- جاء بصيغة الأمر قال العلماء: ما الفرق بينهما ؟
كل الحذر في القرآن بصيغة الأمر { هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ }، { خُذُوا حِذْرَكُمْ }، { وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ } ،{ فَاحْذَرُوهُمْ } كلها بصيغة الأمر لأن الله يأمرنا أن نحذر وينهانا أن نخاف، لو تدبرت آيات القرآن وجدت هذا مطرداً ، الخوف يُقعِد عن العمل الذي يخاف لا يشتغل، الذي يخاف ما يعمل، لكن الحذر هو أن تعمل وأنت مُحتاط ، لما أمر الله الصحابة أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يصلوا صلاة الخوف أمام العدو ورد ثلاث مرات فيها ، إذاً لم يتركوا الصلاة ولم يتركوا الجهاد لكن فاحذروهم .. نعم، وبين حتى لا يميل عن المسلمين أي ميلة وهكذا المنافقون أن تحذر منهم ، فإذاً الحذر يختلف عن الخوف ، المشكلة أن البعض خلط بين الخوف والحذر وقع في نفسه الحذر فخاف فلم يعمل ، وآخرون خافوا أن الحذر خوف فلم يخافوا ولم يحذروا، فاختلطت الأمور فيها ، فيجب أن نُفرِّق بين الخوف وبين الحذر، الحذر مطلوب مع العمل وأنت مثلاً : تريد تدخل سوق من الأسواق وقد يكون في هذا السوق وقد حدث هذا الأمر أذكر في بعض بلاد العربية كنا وغيرها وأردنا أن ندخل سوق من الأسواق فقال أهلها : انتبهوا لأموالكم في جيوبكم لا تأخذوا مالاً كثيراً فإن اللصوص كثير فاحتاطوا، يعني احذروا طبعاً نحن دخلنا السوق ما قالوا لا تذهبون إلى السوق، العجيب أن واحد منا من زملائنا -وهذا الكلام قبل أربعين سنة عام خمسة وتسعين- واحد من زملائنا قال هذا كلام أبداً ولا في شيء ولا لصوص ولا علينا، قالوا : والله نحن نبهانكم وبكيفكم ، فعلاً احتطنا الذي يضع مبلغ قليل، الذي يمشي وهو محتاط ،لما خرجنا من السوق فإذا الوحيد الذي سُرِق هو هذا الأخ، حقيقة هو الوحيد الذي سُرق ماله، قال والله ما أدري كيف سُرق مالي، طيب أنت قبل أن ندخل حذّرك الزملاء وقلت أبداً غير صحيح هذا الكلام، هم أهل البلد يعرفون البلد ما قال : ما تدخلوا السوق إنما تحذر .. تحتاط ، هكذا عند أعداء الإنسان فالحذر إذاً غير الخوف، أنت وأنت تجاهد في سبيل الله لو قلنا خف معناها لا تجاهد لكن لو قلنا احذر أنت تُجاهد في سبيل الله ولكنك تحذر من الأعداء { وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ } كما بين الله جل وعلا .
{ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } هذا دعاء عليهم { قَاتَلَهُمُ اللَّهُ } ويأتي أحياناً بمعنى اللعن لعنهم الله وهذا دعاء من الله جل وعلا عليهم وحقت عليهم اللعنة ولا شك { أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } أنّا يُصرفون عن الحق، تعجبوا يا أخوتي والله يا أخوان كما قلنا وقال الحسن البصري في اللقاء الماضي : لا يأمن على نفسه إلا منافق "لا يخاف النفاق إلا مؤمن ولا يأمن على نفسه من النفاق إلا منافق" هذا كلام الحسن البصري الذي قلنا أن كلامه رحمه الله يشبه كلام النبوة هنا أين الشاهد { قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } أي يُصرفون عن الحق، تصور داخل المجتمع المسلم يصلُّون مع النبي صلى الله عليه وسلم ، يرون الآيات البيّنات ، يحضرون الجهاد، يدفعون الزكاة ومع ذلك لا يؤمنون أنت ، الآن تستغرب من إنسان لم يعرف الدعوة في أقصى الأرض أو إنسان لم يسمع الدعوة إلا عرضاً لكن يعيش في داخل الصف المسلم والآيات تتنزل ليل نهار والحقائق تثبت ومع ذلك لا يؤمن، وسبحان الله -نسأل الله السلامة- كثير منهم لو نظرت إلى أعماله ما ينقصها إلا شيء واحد ماهو ؟ هو الإيمان، والمنافق وإلا هو يصلي ويصوم ويجاهد لاحظ الجهاد الذي اللهم سلم سلم ويشارك مع المجاهدين ما بقي عليه إلا الإيمان فيقول الله تعالى : { قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } كيف يعيشون مع هذا المجتمع ويرون الآيات ومع ذلك .. لكن تُفسرها آيات الأعراف { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا } سبحان الله آية الأعراف عظيمة جداً هؤلاء يرون كل آية يرون سبيل الرشد ولا يتبعوه ويروا سبيل الغي فتبعوه { وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا } الإنسان يخاف والنبي صلى الله عليه وسلم يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم { وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا } هذا الخطاب لمحمد في سورة الإسراء { لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا } قيل لأحد الصحابة ولعله عثمان رضي الله عنه متى تأمن ؟ قال : إذا دخلت قدمي اليمنى الجنة أمنت أما قبل ذلك لا { فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ } لاحظوا من هم؟ القوم الفاسقون .. القوم الكافرون هم الذي يأمنون مكر الله جل وعلا فلا نأمن مكر الله أيها الأخوة فكم رأينا من أناس كانوا والله على خير وعلى صلاح انحرفوا لأسباب ـ كما أشرت إليها قبل قليل ـ باعوا دينهم بعرض من الدنيا لشهوة أو منصب أو امرأة أو غير ذلك فالأمان صعب فيقول الله : { قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } .
نعم .. ثم بعد ذلك { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ } وسببها كما قلنا أن عبد الله بن أبي قيل له : تعال يستغفر لك رسول الله فرفض ، انظروا الغطرسة يا أحبتي من يحصل له أن يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ لو قيل لواحد منا لو تذهب إلى الشيخ فلان يدعو لك، والله يفرح لأن طلب الدعاء مطلوب على القول الراجح فكيف النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم من أجل أن يستغفر لهم يقولون : لا.. تكبراً وغطرسة ولكن يقول الله جل وعلا : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} طبعاً سبعين مرة ليست على سبيل الحصر يعني هل لو النبي صلى الله عليه وسلم استغفر لهم ثمانين مرة يُغفر لهم ؟ لا هذا من باب التكثير مثلما تقول لإنسان شوف والله لو تأتيني بعشرة أدلة طيب لو جاء لك بأحد عشر دليل، لا لن أصدقك ـ مثلاً ـ فمن باب التكثير { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}، وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول : ( لو أعلم أني لو زدت على ذلك لغفر الله لهم لدعى لهم ) انظر رحمته بالأمة، انظر رحمته بهؤلاء مع أنهم لا يريدون الرحمة في أنفسهم فلذلك هذه من صفاتهم الخبيثة أنهم { لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ } قالوا : هذه كناية عن الإعراض والتكبر فالمُتكبر تجده يُومىء برأسه ويومىء بجنبه (وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) وهكذا هؤلاء في كفرهم .
العجيب أنهم جمعوا بين الكبر يقول العلماء أنهم جمعوا بين الكبر وبين الضعف والجبن والخَور قال هكذا المنافق لأن له ظاهر وله باطن فهو جمع بين الكِبر والغطرسة والتجبر على أولياء الله، وبين الخوف وبين الجبن وبين الهزيمة النفسية فهو شخصيتان متناقضتان يقول العلماء : عندما نتأمل في المنافقين نجد أنه المنافق يجمع بين المتضادات الإيمان والكفر .. الصدق باللسان والكذب بالقلب .. المظهر الحسن والباطن الخبيث وهكذا ، فالمنافق شخصان يعيش أحدهما مع الناس ويعيش الآخر في كِيان صاحبه ومع شياطينه { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } ولذلك قال الله بعد ذلك : {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} وقف العلماء عند قوله : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } معنى جميل واستنباط تدبري عجيب قال: الله سبحانه وتعالى يهدي من يريد الهداية يهدي من يطلب الهداية.
الفسق ما هو ؟ ـ مر معنا في الدرس الماضي الفسق مر معنا في درس يوم الجمعة في الحديث ـ الفسق هو الخروج والفأرة تسمى
ـ أكرمكم الله ـ فويسقة لأنها تخرج من بيتها تسئ للناس وتؤذي الناس، فسُمي الفاسق فاسقا لأنه خرج إما عن دين الله أو ارتكب المعصية ، قال العلماء : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } هنا لأن المنافقين هاربون من الهداية فكيف يهديهم الله ؟ الله سبحانه وتعالى يهدي المُقبل فلا يجتمع هروبهم من الهداية وعدم إرادتهم الهداية ويُدعوَن إلى الاستغفار ويهربون ويهديهم الله!! لا .. سنة الله لكن يهدي من تاب إليه ، يهدي من أناب إليه، يهدي من استغفر، يهدي من أقبل ، ولهذا هذه الآية قد توقع إشكال عند البعض لماذا لا يهدي الله القوم الفاسقين ؟ أليس هناك فاسقون هداهم الله ؟ أليس هناك على فِسق وهداهم الله ؟ بلى .. هناك فاسقون هداهم الله لأنهم فاسقون في ظاهر أعمالهم لكن تجد في قلوبهم شيء من الإيمان ، تجد في قلوبهم رغبة ، تجده إذا خلا بربه دعا الله جل وعلا يارب اغفر لي .. يارب ارحمني .. يارب انقذني من هذه المعاصي لأنه وقع فيها شهوة ، أما شخص كالمنافق يُدعى إلى رسول الله ليستغفر له ويرفض، فقال الله جل وعلا : {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } ثم يهددهم هذا التهديد {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } لأن الله أيضاً قالوا طبع على قلوبهم فلا يؤمنون ـ والعياذ بالله ـ ولذلك كان إيمان المنافقين نادراً وشروط توبتهم تختلف عن شروط غيرهم كما بيّن العلماء، فشروط توبة المنافق شديدة جداً { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا } فبين الله جل وعلا أن شروط توبة المنافق تختلف عن شروط توبة أي إنسان لأنه أفسد، ولأنه خبيث الظاهر والباطن، ولأن قلبه يمتلئ حقداً على هذا الدين، ولأنهم هم العدو فاحذرهم، هكذا نراهم أمامنا، تجدهم في حقدهم في بلاءهم لا يجدون فرصة إلا ويشمتون بأهل الخير، يستهزؤن بالمؤمنين، يستهزؤن بالمجاهدين، تجدهم يستهزؤن بأصحاب الخير والجمعيات الخيرية يتهمونها بالاتهامات أطلقوا لفظ الإرهاب، لم يسلم منهم أحد وقلت هذا وتحدثت في الدروس الماضية عجب والله رأينا منهم عجب حتى قلت لكم قرأت لشخص وأنا لا أذكر الأشخاص على المنهج الذي وضحته، يقول : "هؤلاء الذين عند الإشارات -هذا كتب المقال فيه- يُقدمون للناس قبل الإفطار الماء والتمر حتى لا يسرعوا - تعرفون مشكلة في رمضان نعاني منها قبل الإفطار بخمس دقائق أو بعشر دقائق سرعة تؤدي إلى حوادث يريد الإنسان يلحق أن يُفطر في بيته أو عند من دعاه بوضع غير طبيعي فجاء بعض أهل الخير فبدأوا يأتون ببعض الشباب يقفون عند الإشارات يعطونه كيس فيه تميرات تمر فيه سبع تمرات أو أقل أو أكثر يعطونه ماء ويقول هذا فطورك - فيأتي من يكتب ويقول مع كل أسف هو شخص له شأنه ليس نكرة يكتب ويقول: "هؤلاء لا تصدقوا أنهم من أجل الإحسان إلى الناس لا.. هؤلاء لهم أهداف سياسية" والله هكذا لهم أهداف سياسة "هؤلاء تقف وراءهم منظمات لها مطامع " أي أهداف سياسية عند هؤلاء البسطاء يعطون الناس تمرة ، جمعيات خيرية تحسن إلى الناس تغيث الفقراء والمساكين وتساعد المجاهدين انظروا المليء اتهامها بالإرهاب، اتهامها بأن لها أهداف وهي لا هدف لها إلا رضى الله عز وجل { لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا } وقلت لكم كلمة رائعة لشيخ الإسلام ابن تيمية مهمة جداً أنا أضطر أكرر للتنبيه أولاً والتأكيد يقول "من أحسن إلى إنسان ثم طلب منه الدعاء فلم يعد مُحسناً لأنه أخذ جزاءه" لاحظوا خلاص يعني إنسان تعطيه صدقة وتقول : "ادع لنا جزاك الله خير" يقول خلاص أخذت جزاءك لم تعد محسناً أما هو يدعو لك هذا كلام (**) هو يدعو لك جزاه الله خير بل النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالدعاء "من أحسن إليكم أو من صنع لكم معروفاً فكافؤه - هذا الأمر لنا نحن - فإن لم تجدوا ما تكافؤنه فادعوا له" فإذاً فرق بين أنك إذا أحسنت لأحد أعطيته صدقة أو ساعدته في معروف أو شفاعة أو أي معروف قلت جزاك الله خير لا تنسنا من الدعاء .. أدع لنا ، يقول استعجلت مكافأتك، أما هو يدعو لك فالأليق به أن يدعو لك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهذا أن يُكافئك إن لم تجد مكافأة أن تدعو له، هذه معاني عظيمة { لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا } { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا } ولهذا أنا أعرف بعض الأشخاص والحمد لله وموجودين الآن يُحسنون إلى الناس ويرفضون أي هدية تقدم لهم لأنه يقول : لو أخذت الهدية لأخذت جزاء بل إنه أحياناً من أجل مراعاة المُهدي يقول : آخذ الهدية وأقسِّمها ولا أُدخلها إلى بيتي لأن المُهدي أحياناً قد يكون يترتب مفسدة لو ردها عليه فيراعي نفسيته وأحياناً يقول له أنا لا آخذ الهدية لكن سآخذها وسأقسِّمها على الناس لن تدخل بيتي، طبعاً هذا لا يعني أنه لا ينبغي أن نأخذ، النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من عمل لكم معروفاً فكافؤوه ) لكن هذا الرجل سألناه لماذا ؟ قال أنا لم أُحسن إليهم من مالي أنا أحسنت إليهم من مال المسلمين لو كان من مالي لكان الأمر أيسر وأخذت بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لكن أنا وسيط بينهم وبين أهل الخير فما معنى أني أخذ مائة ريال من فلان وأعطيها فلان ثم يعطيني هدية أخذها لبيتي كأنني أخذت جزء من هذه (**) فلا يليق الحقيقة وهذا معنى أيضاً يجب أن ننتبه له، أما لو كنت من مالك وهو أعطاك ابتداء فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من صنع لكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه ) .
/ ثم بعد ذلك يقول : { هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنْفَضُّوا ۗ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } هذا منهج عجيب يا أخوان، هذا المنهج موجود من القديم والحديث يقول عبدالله بن أبيّ ومن معه لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى يتفرقوا يتركون النبي صلى الله عليه وسلم ، الآن يُضغط في كثير من بلاد المسلمين على بعض الدعاة، على بعض الصالحين بأموالهم، بأرزاقهم، بوظائفهم، حتى يتركوا العلم ويتركوا الدعوة ويتركوا الجهاد في سبيل الله فهو منهج مضطرد وموجود فيرد الله عليهم {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ } يخاطب المؤمن يقول إذا ضيّق عليك أولئك باسم دعوتك فصلوك من وظيفتك، ضيقوا عليك في رزقك، أغلقوا مؤسستك، لم يعطوك لاستقامتك اطمئن {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } .
وهو يقول للمنافقين أيضاً امنعوا اقطعوا ما شئتم، يقول لهؤلاء الذين يقطعون أرزاق الناس افعلوا ما شئتم فلله خزائن السماوات والأرض ليست من عندكم هذا معنى دقيق لأنني أرى في هذا الوقت هناك - مع كل أسف - من إذا ضُيّق عليه في رزقه تخلى عن دعوته، تخلى عن طريقه تقول له لماذا ؟ يقول والله ضُيِّق علي في رزقي طيب { لِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض } هل هم الذين يعطونك ؟ هم ليسوا إلا مجرد وسائل .
/ يقول الله جل وعلا : { هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنْفَضُّوا } كانوا يتصورون:
أولاً: أن هذه النفقة من عندهم هم مع أن هذا كلام باطل.
ثانياً : أيضاً يتصورون أن الدُعاة وطلاب العلم ومَن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم -وكلهم أخيار- باقين عند النبي صلى الله عليه وسلم من أجل النفقة التي يدفعونها هم، فهم يتصورون أنهم إذا قطعوا هذه النفقة سينفضون فرد الله عليهم { وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ } نعم لا يفقهون أن الله الرَّزاق ذو القوة .
هذه المشكلة أيها الأخوة اسمحوا لي سأُطيل فيها لبعض الوقت ولذلك قد أضطر أن نأخذ حلقة ثالثة في الدرس القادم لأن الموضوع كما ترون ملئ وما كنت أريد ذلك ولكن حتى لا نختزل الأمر اختزالاً، جئنا لنستفيد وخاصة حركة النفاق الموجودة .
هذا واحد يسألني الآن يقول هل الرافضة ينطبق عليهم هذا الوصف أنهم يسمعون الحق ولا يؤمنون ؟ لا شك أن كثير منهم كذلك ولا نقول كلهم كما قال الله جل وعلا : { مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ } أي منهم من يهتدي والحمد لله كما قال عن اليهود، فاليهود منهم من يهتدي لكن كثير منهم ساء ما يعملون فكذلك هؤلاء الرافضة الذين على أصول الرفض فلاشك أنهم يسمعون الحق ويعيشون بيننا ولا يهتدون بل يتآمرون مع أعداء الله، مع المجوس والإيرانيين مع الصفويين مع الباطنيين هذا أمر ظاهر فقال الله جل علا : { َلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ } .
استفدت هناك فائدة لأحد الأخوة جميلة هذا الأخ حقيقة في بلد - إحدى الدول العربية - وهو داعية معروف وطالب علم ضُيِّق عليه في بلده وضُيِّق في رزقه ما زادة ذلك إلا ثباتاً واستقامة مع طول بلائه ومضايقته فقال كلمات حين قيل له ماهي من الأسباب ما لقي من المضايقات وخاصة في باب الرزق و له أولاد وعليه التزامات كيف لم يؤثر عليك ؟ قال كلمة جميلة جداً فعلاً نستفيد منها ولذلك أردت أن أذكرها يقول : "سأسألكم سؤال أنت الآن لو أنك ذهبت للبنك ووضعت فيه -مثلاً- تعرف أن في رصيدك عشرة آلاف جنيه أو عشرة آلاف دينار أو دورلار أي مبلغ من المبالغ ومعك إيصال من البنك أن هذا المبلغ معك يقين في جيبك سلّمت المبلغ لحسابك أدخلته في حسابك، ثم جئت لصراف من الصرافات يقول وبدأت تحاول أدخلت البطاقة في الجهاز -من الأجهزة المنتشرة- جاء الجهاز وقال لك ليس لك رصيد هل يهتز قلبك ؟ قال : أبداً.. لأنك واثق أن في حسابك مبلغ فستقول هذا الجهاز خربان أو البطاقة خربانه، وكم تخرب الأجهزة، ثم يقول طيب ذهبت إلى صراف ثاني ونفس الطريقة ثالث، يقول لا يعلم يقول ستدخل في المرة الثالثة أوالرابعة على مدير البنك وتقول : أصلحوا جهازكم أو أصلحوا البطاقة لأنني أنا واثق أني لي عندكم لي عشرة آلاف جنبه أو دينار أو دولار أو غيرها وسيعتذر منك مدير البنك ويقول أعذرنا ، يقول لنا هكذا ، ما علاقتها بالموضوع؟ يقول : أنا عندي يقين أقوى من يقيني أن في حسابي عشرة آلاف أو أقلّ أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين يقين تماماً { وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } إذا قيل للمشركين وهم مشركون من الذي يرزقكم ؟ قالوا : الله ، قال : فإذا كان هذه الجهة منعتني أو فصلتني أو ضايقتني اعتبرها صراف خربان لأني واثق الرزق موجود في السماء، أعتبرها يقول صراف خربان أنتقل لعمل آخر لما جاء يقول والله رزقي الذي في السماء سيأتي { فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ } فسبحان الله تأملنا حال هذا الرجل والله يا إخوان مع أنه مرّ بظروف قاسية أنعم الله عليه نِعم عجيبة جداً، ما حصل عليها زملاؤه الذين تنازلوا أو تراجعوا في بلدهم أو صانعوا أو جاملوا، قد يكون لهم عذر نحن لا نتكلم، فهذه هي العزة أيها الأخوة هذه هي القوة .
انتقل لمعنى آخر، فتنة القول بخلق القرآن بعض كبار العلماء -كما ذكر الذهبي وغيره- ضعفوا وتأولوا لما ضغط عليهم المأمون وبعض خلفاء بني العباس تأولوا وهم كبار علماء الأمة مع أن الإمام الذهبي ذكر بعضهم أنا لا أريد أن أذكرهم، ثبت الإمام أحمد وثبت غيره، منهم من قُتل ومنهم من سُجن كالإمام أحمد من الذي أصبح إمام أهل السنة ؟ مع أنه سُجِن وقُيد وجُلد ؟ هو الإمام احمد بن حنبل أصبح إمام أهل السنة على لثباته بينما هناك بعضهم خمد ذكره ، مع أنهم لاحِظوا نلتمس لهم العذر ولا نقع في أعراضهم ضعغوا وحتى هذا الذي ربما يضعف أحياناً لضعف يقينه قد نلتمس له العذر لكن نحن ندل على الأعلى { وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } وهذا الأمر سبحان الله تأملت في عدد كبير في عدد من الدعاة في الداخل وفي بلاد كثيرة والله وجدتهم لما ثبتوا ولم يتراجعوا ولم يلههم ضعف قطع أرزاقهم كما يقولون في بلدهم ما زادهم إلا عزّا، وبعضهم جاءهم الامتحان والاختبار من الله ثم أغناهم الله غناً أصبح بعض زملاؤهم الذين لم يسلكوا طريقهم بحاجة إليهم ، إذاً يقول سبحانه وتعالى ولله خزائن السماوات والأرض، يأتيني -مع أكل أسف- شاب يسألني ويقول لي أنا وجدت وظيفة في البنك الفلاني وهو بنك ربوي اسمح لي أنا لي سنة سنيتن ما وجدت وظيفة هل يجوز أن أتوظف ؟ أقول له : ما يجوز، بنك ربوي ما يجوز ، يقول : ماذا أفعل ما وجدت وظيفة ؟ أقول له : عليك بسورة الطلاق التي مرت معنا قبل أسبوعين { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } هذه الآيات عجيبة جداً في تحقيق الفرج ليس في الرزق فقط في كل شيء فلذلك لا حجة لأحد يقول : أنا مظطر لأتوظف في بنك فيه ربا أو في شركات تأمين محرمة أو غير ذلك بحجة أنه لم يجد وظيفة ، لا يا أخي الكريم الرزاق هو الله وهنا يقول الله جل وعلا : { وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } خطاب لنا وخطاب للمنافقين ثم يعود للمنافقين {وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} لا يفقهون أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، هؤلاء الذين يُضايقون الناس في أرزاقهم لا يفقهون أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين هو الذي رزقكم، يحدثني أحد الأخوة وكانت معه أخته صغيرة عمرها ثمان سنوات في الحرم قال : أنا وأختي قادمون من جدة وهي راكبة معه والإذاعة إذاعة القرآن الكريم يتلوا قوله تعالى : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ } يقول : مباشرة التفتت لي عمرها ثمان سنوات وقالت : من الذي أغناهم ، إذا كان الله فقير من الذي أغناهم ، انظروا هذا التدبر وهذا الفهم وهذه الفطرة عمرها ثمان سنوات -وفقها الله وأصلحها- إذاً لو فقِه أولئك الذين يضايقون الناس نقول من الذي رزقكم أنتم، أنتم الآن تقطعون الأرزاق بعض الناس لأنهم دعاة أو طلاب علم أو كذا بل شردوا وهُجروا من بلادهم يا أخوان لم يكتفوا فقط بقطع أرزاقهم شردوهم وهجّروهم أصبحوا يبحثون عن مأوى لهم في بلاد المسلمين أو حتى بعضهم يذهب لبلاد الكافرين نقول : من الذي أغناكم ؟ هو الله .. نعم لما قال اليهود : { إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ } انظروا كيف ردّ الله عليهم لعنهم الله جل وعلا { إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ } { غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ } سبحانه وتعالى، إذاً الله سبحانه وتعالى ينفق كيف يشاء وهو ينفق على هؤلاء الذين قطعوا أرزاقهم ولله خزائن السماوات والأرض لا تقلق يا أخي الكريم .
والعجيب -أختم بهذه النقطة- تأتيني بعض الناس تقول له من الرزاق ؟ يقول : الله ، من هو الذي عنده خزائن السماوات والأرض ؟ قال : الله، بعد قليل تتحدث معه يقول شفت فلان هذا أو الجهة الفلانية يريد أن يقطع رزقي سبحان الله أنت قبل قليل تقول الله والآن تقول يقطع رزقك لا يقطع الرزق إلا من يملكه والله هو الذي يملك الرزق وليس فلان ولا فلان ولا الشركة ولا أي جهة كانت.
هذا خلل الحقيقة ولذلك ضعُف بعض الناس لضعف يقينهم لضعف إيمانهم ولذلك وصف الله المنافقين { وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ } هؤلاء الذين يتنازلون أيضاً بسبب هذه الدعاوى عندهم نقص - لا أقول هم منافقون يختلفون - عندهم نقص في الفقه .
/ ثم بعد ذلك - ولعلها قد تكون آخر من دروسنا اليوم- { يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ } من القائل ؟
تأملوا هذا التدبر القائل : عبد الله بن أبيّ هو الذي قال هذا الكلام لكن الله جل وعلا وصف، نسبه للمنافقين جميعاً وهذا معنى عظيم لماذا ؟ لأنهم أقرُّوه وأيّدوه ولم يُنكروا عليه فدخلوا في الذم جميعاً كأنهم القائلون جميعاً، ولذلك تجدون في وقت النبي صلى الله عليه وسلم تنزل الآيات عن اليهود مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم ما قالوا هذا إنما قالوه من سبقهم لأنهم رضوا به ولم ينكروه ولم يغيروه فأصبحوا شركاء فلذلك من رضي بقول آخر فهو شريك له ولم ينكر لا بيده ولا بلسانه ولا بقلبه، أما من أنكر على حسب درجات الإنكار فهو بريء فإذاً يقول : { يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ } يعني يقصد من هم { الْأَعَزُّ } ؟ يقصد هم المنافقون، ويقصد - حاشاه -{ الْأَذَلَّ } هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم يأتي الرد الحازم { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } نعم.. الأعزّ سيُخرج الأذل لكن من هو الأعزّ تعال نقول يا عبد الله بن أُبي من هو الأعزّ ؟ الأعزّ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل ذلك الأعزّ هو الله ، وهذا الذي حدث، ألم يُخرج النبي صلى الله عليه وسلم اليهود؟ ألم يُخرج بني قينقاع ؟ ألم يُخرج بني النضير ؟ لأنهم الأذل وأخرجهم الأعزّ الرسول صلى الله عليه وسلم وقاتل بني قريظة فجاءت الآية لاحظوا لم يكتفِ ويقول كذبتم قال :{ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } أي نعم يمكن أن يُخرج الأعزّ الأذلّ لكن دعونا نحرر من هو الأعزّ ؟
هو الله ، إذاً أنت يا أخي الكريم ترتبط بعزيز ولكن أدخلك الله في هذه الآية قال : { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ } فهذا معنى أيضاً دقيق في هذا الجانب فالعزة أيها الأخوة معناها عظيم ودقيق وقد تختلط على البعض في الكِبر، العِزة كما بيّنها الله في سورة المائدة { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ } أما الذي يكون عزيزاً على المؤمنين فهذه ليست عزة إنما هذا كِبر لأنه غالباً في المظهر قد يكون فيهه تشابه أول الأمر لكن عندما تقول أين موضع هذه العزة ؟ إن كانت ضد الكفار فهذه العزة المطلوبة، إن كانت ضد المؤمنين فهذا هو الكِبر، ولذلك عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه قيل له، جاءه رجل فقال : إن الناس يزعمون أن فيك تيهاً - أي اعتزازاً بشخصيته رضي الله عنه - قال : ليس بتيه ولكنها عزة ثم تلى هذه الآية قال : ليس بتيه ليس بكبر إنما هي عزة المؤمن ، وبلغ عمر رضي الله عنه أن رجلاً يمشي وكان قد طأطأ رأسه فضربه بالدرة وقال : ارفع رأسك لا تُمِت علينا ديننا، يطأطئ رأسه الفاسق ، يطأطئ رأسه اليهودي النصراني إلى أضيق الطرق أما المؤمن يرفع رأسه حتى في بلاد الكفار.
والله أذكر كنا في مطار غربي وقبل الإقلاع في مطار نيويورك - حتى أوضح تعرفون ماذا تعني أمريكا - فحان وقت الصلاة فقال بعض الأخوان نصلي فقال : لواحد أذن قال : لا.. صعب الأذان، كأنه يقول أقِم بخفية ونصلي، أمام الناس فقال : واحد لا.. فقام يا أخواني أذن ثم أقام بصوت في وسط المطار ثم صلينا والناس ينظرون، الكفار ينظرون.
اسمحوا لي أقول بعضكم فيه إعجاب بهؤلاء الذين اعتزوا بدينهم، بعض الناس تقول له أذن يقول : استحي ، تستحي من ماذا ؟ تستحي من دينك، تستحي من شعيرة الله جل وعلا!! نعم بعضهم الآن -مع كل أسف- في الطائرة والله لا يصلي ما أقول لكم يؤذن مع أنه في بعض الطائرات -خاصة الحمد لله الخطوط السعودية- الطائرات البعيدة الكبيرة فيها أماكن للصلاة، أنا ألاحظهم مسلمون يكون في الطائرة قرابة ثلاثمائة شخص ويحين وقت الصلاة وقد لا نصل إلا الوقت الثاني وقد لا يصلي إلا ثلاثين أو أربعين، وربما قريب منهم قد يصلون على كراسيهم ولا ينبغي لهم ذلك، البقية لا يصلون ضعف إيمان أو جهل، المؤمن يجب أن يكون عنده عزة .
العِزة أيها الأخوة لها معاني فتختلف إذاً هي عن الكِبر فالفرق بينها وبين الكِبر - كما قلت - المُتكبر هو الذي يتكبر على المؤمنين، يمشي في تيه، يخاطب المؤمنين - كما يقال - بطرف أنفه هذا متكبر. أما العزيز كما جاء ربعي بن عامر معه قوسه يدخل على رستم من زعماء الفرس ويخرِّق المكان من عزة وقوة حتى يقول كيف أنتم كنتم ترعون الغنم وكنتم تأتون تأخذون منا الجباية؟! قال : ذلك أمس أما اليوم فلا، بعثنا الله جل وعلا لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وأخرجنا من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، وتكلم بكلام العزة والقوة وهو يخرِّق، تعرفون الفرشة أوالسجاد الفارسي القديم فاخر ويخرِّقه ليثبت أنه هو الأعز وأولئك الأذل بسبب كفرهم وطغيانهم هذا هو العزيز حقيقة ويقول جل وعلا : { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } بعض الناس عند أعداء الله يهِن ويضعُف هناك مع كل أسف من يوالي أعداء الله بحجة أنه ضعيف هذا ضعف، أيضاً يقول الله جل وعلا : { فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } العبرة ليست بالضعف العسكري ولا بالضعف السياسي القوة بعزة المؤمن وإيمانه وثباته مهما كان المظهر من ضعف، نحن نحتاج في هذه الظروف التي تعيشها الأمة الآن أن نعتز بديننا نعتز بعقيدتنا ووالله لقد رأيت في أنحاء الأرض يميناً وشمالاً الذي يعتز بدينه يجد إحتراما من الكفار ويجد إحترام لأنه عزيز ومع ذلك لو ناله شيء من الأذى وقد يقع ما يضره، في سبيل الله لكن بعضهم كما قال عمر : لا تُمت علينا ديننا فضربه بالدرة ، بعض الناس يضعف أمام أعداء الله، نحن ما نقول ما يحذر -تكلمنا قبل قليل- يحتاط الإنسان، يحذر إذا خاف على نفسه أن يُؤذى، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يُذل أحدكم نفسه ) كيف لا يُذل نفسه ؟ أي يعمل عملاً لا يستطيعه ولا يطيقه لا يُفهَم من كلامي غير ما أردت. إذاً هذه مسائل نحتاج إليها في هذا الجانب.
ثم ختم الله جل وعلا بقوله : { وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ } سبحان الله أختم بهذه الكلمات وجدت تشابه في سورة الحشر - ستأتي - قال عن أهل الكتاب : (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ) وقال : (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ) { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ } نعم ختمها بأنهم لا يفقهون ولا يعقلون، وسورة المنافقون ختمها الله بأنهم لا يفقهون ولا يعلمون والمعنى واحد، ويفسر ذلك ما هو؟ العلاقة الوطيدة بين المنافقين وبين أهل الكتاب وهي في سورة الحشر { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا } الآيات هم أخوتهم وُصِفوا في سورة الحشر أهل الكتاب وبالذات اليهود أنهم لا يفقهون ولا يعقلون، ووُصِف المنافقون بأنهم لا يفقهون ولا يعلمون والنتيجة واحدة لأن منهجهم واحد والتعاون بينهم قائم قديماً وحديثاً فاطمئنوا لا تخافوا من أناس لا يفقهون وأناس لا يعقلون وأناس لا يعلمون كيف يخاف منهم المؤمن ؟ بل عليه أن يعتز وأن يثبُت ودين الله منصور .
أسأل الله أن ينصر المجاهدين في كل مكان أينما كانوا وأن يرفع آية الإسلام والمسلمين أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .
ونكمل بإذن الله في الدرس القادم نكمل هذه السورة العظيمة حول سورة المنافقين وما يتعلق بالنفاق وصلى الله وسلم على محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق