س: كيف نهتدي بالقرآن؟
الجواب: من أهمّ المعارف التي يحتاجها المسلم معرفة كيف يهتدي بالقرآن، وتلخيص ذلك في أربعة أمور:
1-تصديق أخباره
2-وعَقْل أمثاله
3-وامتثال أوامره
4-واجتناب نواهيه
القرآن فرقان بين الهدى والضلال، والاهتداء به واجب لأنّ تركه يوقع العبد في الضلال وما يترتّب عليه من سخط الله وعقابه، ولا سبيل للسلامة إلا باتباع هدى القرآن. قال الله تعالى: {إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحقّ فمن اهتدى فلنفسه ومن ضلّ فإنما يضلّ عليها}
وقال تعالى آمراً نبيه ﷺ أن يقول:{وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فلنفسه ومن ضلّ فقل إنما أنا من المنذرين}، وقال تعالى: {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين . يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم}.
وفضائل الاهتداء بالقرآن عظيمة كثيرة؛ فهو السبيل لرضوان الله تعالى وما يتبعه من بركات، وبه يزداد المؤمن هدى وإيماناً وعلماً وحكمة ويجد ما وعد الله به عباده الذين يتلونه حقّ تلاوته حقّاً وصدقاً فهو لهم هدى وبشرى، ورحمةٌ وذكرى، وشفاء وفرقان، ونور وبيان إلى سائر ما وصفه الله كتابه، والإعراض عن الاهتداء بالقرآن جريمة توعّد الله عليها بالانتقام كما قال تعالى: {ومن أظلم ممن ذكّر بآيات ربّه ثمّ أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون} فسمّى المعرض مجرماً وتوعّده بالانتقام.
وبذلك يتبيّن خطر هجر تلاوة القرآن فإنّه سبب لأنه يؤول بصاحبه إلى هجر العمل به والإعراض عنه.
فلذلك كان من أهمّ المهمّات للمؤمن أن يتفقّه في سبيل الاهتداء بالقرآن ليدرك ما يمكنه إدراكه من فضائل الاهتداء به، ويسلم من خطر الإعراض عنه إعراض تلاوة أو إعراض تفكّر وتدبّر أو إعراض عمل. ومداره على الأصول الأربعة المتقدّم ذكرها.
الأصل الأوّل: التصديق وذلك بأن يتلقّى ما في القرآن بتصديق مطلق لا ارتياب فيه، وقبول تامّ لا تردد فيه، وفرحٍ بما جعل الله فيه من الهدى والنور، والعلم والحكمة. فإذا عظمت هذه المعاني في القلب عظم أثر تصديقه، وازداد إيمانا وتوفيقاً وقرباً من الله تعالى بكل تصديق يتجدد في قلبه. وكلما كان العبد أحسن تصديقاً كان اهتداؤه بالقرآن أرجى وأحسن كما قال تعالى:{والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون * لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين * ليكفّر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون}، قال مجاهد: هم أهل القرآن يجيئون به يوم القيامة.
فتبيّن أن التصديق الحسن يبلغ بصاحبه مرتبة الإحسان التي هي أعلى مراتب الدين من وجهين:
1:أن الله سمّاه محسناً في قوله: {ذلك جزاء المحسنين}
2:أن الله يكفّر عنه سيئاته؛ فمن كفّر الله عنه سيئاته قَدِمَ يومَ القيامة ليس معه إلا الحسنات؛ فيكون بذلك من أهل الإحسان لأن سيئاته قد كُفرت عنه
ومن أوتي التصديق الحسن المثمر لليقين فقد أوتي أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده، وهي نعمة اليقين؛ كما في الحديث الصحيح: «سلوا الله العفو والعافية فإنَّ الناسَ لم يُعْطَوا بعد اليقين شيئاً خيراً من العافية» فقدّم نعمة اليقين على نعمة العافية.
ومن ثمرات التصديق الحسن أن الله يكفي عبده ما أهمّه كما قال الله تعالى بعد الآيات المتقدّم ذكرها: {أليس الله بكافٍ عبده ويخوفونك بالذين من دونه} الآيتين. ومن حصلت له الكفاية من الله فقد هُدِيَ ووُقِي؛ فتبيّن بهذا أنّ أعظم الناس اهتداء بالقرآن هم أصحاب التصديق الحسن.
والتصديق الحسن يثمر في قلب صاحبه اليقين وصدق الرغبة والرهبة؛ فيحصل له من البصائر والبينات ما ترتفع به درجته، ويزداد به علماً وهدى ويقينا، ويكون به أحسن اتباعاً للهدى. ولذلك كانت تلاوة القرآن من أعظم أسباب صلاح القلب وتزكية النفس، وذهاب الهمّ والغم. فهذا ما يتعلق بالأصل الأول.
الأصل الثاني: عَقْلُ أمثال القرآن. وقد ضرب الله للناس في هذا القرآن من كلّ مثل فمن وعى هذه الأمثال، وفقه مقاصدها، وعرف ما يراد منها فاعتبر بها وفعل ما أرشدت إليه فقد عَقَل تلك الأمثال واهتدى بها، فصحّ علمه، وصلُح عمله، وحسُنت عاقبته.
وعَقْل الأمثال أوسع من مجرّد فهمها؛ فإنّ الفهم المجرّد لمعاني مفردات الأمثال إذا لم يكن معه فقه للمقاصد وعملٌ بما أرشد الله إليه لا يعدّ عقلاً للأمثال. فليس كل من يعرف الأمثال يعقلها؛ إذ لا بد من الجمع بين التبصّر بها واتّباع الهدى الذي بينه الله عز وجل بهذه الأمثال. قال الله تعالى: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}، فمن لم يفقه مقاصد هذه الأمثال ولم يتبع الهدى الذي أرشد إليه بها فإنه لا يكون ممن عقلها ولو قرأ في تفسيرها ما قرأ، ولو عرف من معانيها وأسرارها ما عرف. فالعبرة بالفقه والعمل واتّباع الهدى، وليس مجرّد معرفتها.
وأمثال القرآن على نوعين:
1: أمثال صريحة، وهي التي صُرّح فيها بلفظ المثل.
2: وأمثال كامنة، وهي التي تفيد معنى المثل من غير تصريح بلفظه.
فكلّ خبرٍ قرآني أو قصة مشتملة على مقصد ووصف لعمل وبيان لجزائه ففيها معنى المثل، وإن لم يصرّح فيها بلفظ المَثَل.
انظر إلى قول الله:{لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}
فسمّى صدر الآية مثلا مع عدم ورود لفظ المثل فيه. وقال:{اعلموا أن الله يحيى الأرض بعد موتها قد بينّا لكم الآيات لعلكم تعقلون} فهذا مثل لإحياء القلوب بعد موتها.
وضرب الأمثال من أحسن من وسائل التعليم؛ لأن المثل يقرِّب المعانيَ الكثيرة بألفاظ وجيزة؛ يسهل تصوّرها واعتبارها؛ وتظهر كثيراً من حِكَم الأمرِ والتقدير؛ ويتبصّر بها المؤمن فيفقه مقاصدها؛ ويعرف إرشادها؛ فتثمر في قلبه ما تثمر من المعرفة الحسنة والتصديق والخشية والإنابة والرغبة والرهبة
وأمثال القرآن من أصول الاهتداء به لأنها تبصّر المؤمن بأنواع من البصائر والبيّنات، وتنبهه على العلل والنظائر، وترشده إلى أحسن السبل وأيسرها؛ وتعرّفه بالعواقب والمآلات؛ فيستفيد فوائد عظيمة تورثه اليقين؛ وزكاة النفس، وطهارة القلب، وصلاح العمل، وحسن العاقبة بإذن الله تعالى.
الأصلان الثالث والرابع: امتثال الأوامر واجتناب النواهي
وبهما يتحقق معنى التقوى، وتحصل الاستقامة؛ فإنّ الله تعالى قد أمر بما فيه الخير والصلاح ، ونهى عمّا فيه الشرّ والفساد؛ فمن أطاع الله بأن امتثل ما أمر الله به في كتابه واجتنب ما نهى عنه؛ فإنّه يُهدى بطاعته وإيمانه للتي هي أقوم.
امتثال الأوامر يقود إلى الفضائل والبركات، واجتناب النواهي يعصم من الزلل والمهالك، فيجمع بين السلامة من الإثم والغنيمة من البرّ، وتلك حال أهل التقوى والاستقامة المهتدين بهدى القرآن.
من جمع هذه الأصول الأربعة فقد اهتدى بالقرآن ، وسلك صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
وهذه الأصول الأربعة راجعة إلى العلم والعمل:
- فالأصلان الأولان مبناهما على العلم، ويثمران اليقين والبصيرة في الدين.
- والأصلان الآخران مبناهما على العمل ويثمران التقوى والاستقامة.
ومبنى علم السلوك على تصحيح العلم وإصلاح العمل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموعة تغريدات لـ عبد العزيز بن داخل المطيري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق