الأربعاء، 25 يوليو 2012

ترتيب القصص القرآني في السور

هناك قصص لغير الأنبياء ذكر في العهد المكي، لم يذكر سوى مرة واحدة كخبر أصحاب الجنة (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ) ، وقصة أصحاب الكهف وذي القرنين وسيظهر لك:
 1 ـ أن بعض القصص القرآني موزع على القرآن مكيه ومدنيه، وإن كانت مساحته في العهد المكي أوسع منها في العهد المدني.
2 ـ أن هناك سوراً قرآنية لم يذكر فيها شيء من القصص، كما أن هناك سوراً ذكرت فيها قصة واحدة، ولو أننا استقرأنا القرآن الكريم لوجدنا أن نصف السور المكية تقريباً لم تخل من ذكر هذا القصص، سواء كان ذلك موجزاً أم مفصلاً . وأما السور المدنية فإن بضع سور فقط هي التي ذكر فيها شيء من القصص بإيجاز، اللهم إذا نظرنا إلى ما ذكر من أخبار بني إسرائيل في سورة البقرة.
 3 ـ إن هذا القصص كان موزعاً توزيعاً موضوعياً على السور القرآنية. فسورة آل عمران مثلاً فُصل فيها نبأهم، وسورة مريم فُصل فيها نبأ إبراهيم وبنيه، وذريته ومنهم مريم ـ بالطبع ـ وقصص الأنبياء العرب فُصل أكثر ما فصل في السورة المكية، هذا على سبيل الإجمال.
 أما من حيث التفصيل فنقول : إن السبع الطوال التي تبدأ بسورة البقرة وتنتهي بسورة براءة كانت أكثر سورة فيها نالت نصيباً من القصص سورة الأعراف، وذلك لأنها جاءت تعالج موضوع العقيدة من حيث تاريخها البعيد، لذلك نجدها ابتدأت بقصة آدم، ثم ذكرت قصة نوح بعد فصول كثيرة من الآيات، وبعد قصة نوح مباشرة ذكرت قصة هود وصالح ولوط وشعيب، وموسى مع فرعون ومع بني إسرائيل، ونلحظ أن القصص في سورة الأعراف عدا قصة آدم كانت جميعها حديثاً عن الأنبياء عليهم السلام مع أقوامهم، وما لقي هؤلاء من أولئك من شدة وعنت.
 أما السورة المكية الثانية في السبع الطوال فهي سورة الأنعام، وهذه جاءت تتحدث عن العقيدة من حيث ردُ الاقتراحات التي اقترحها المشركون، وعلاج الشبهات التي أثاروها، وما يتصل بذلك من أدلة الوحدانية والرسالة والبعث، ومن حيث ما حرمه المشركون على أنفسهم دون دليل، ومن هنا لانجد في هذه السورة سوى قصة إبراهيم عليه السلام، ولكنها ذكرت من حيث استدلاله عليه السلام على الإله الحق وهو متسق تماماً مع موضوع السورة الكريمة . وبقية السبع الطوال كلها سور مدنية، والقصص التي ذكرت في بعضها مع قلتها كانت حديثاً عن بني إسرائيل فحسب .
فإذا تجاوزنا السبع الطوال وجدنا أن سورتي يونس وهود تحدثنا عن بعض القصص، وإن كان نصيب الثانية أكثر من نصيب الأولى فسورة يونس حدثتنا موجزاً عن نوح عليه السلام ، وقد بدأت به السورة ثم حديثاً فيه بعض التفصيل عن قصة موسى مع فرعون، لكن سورة هود بدأت بالحديث عن قصة نوح مفصلة تفصيلاً تاماً، ثم جرت على هذا الترتيب التاريخي فذكرت قصة هود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب واشارة موجزة لقصة موسى، ولكن قصة إبراهيم في سورة هود لم تكن عما جرى بينه وبين قومه، وإنما عما كان بينه وبين الرسل من الملائكة، وكأنما ذكرت مقدمة لقصة لوط التي فصلت الحديث عنه مع قومه بعض التفصيل.
 ثم جاءت سورة يوسف وهي كما نعلم خاصة به عليه الصلاة والسلام ، لكن سورة الرعد خلت من ذكر هذا القصص القرآني.
 حدثنا القرآن الكريم عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، بأنه أُمة وأنه أبو الأنبياء ، لأن أكثر الأنبياء الذين أرسلهم الله من بعده من ذريته إن لم يكونوا جميعاً وما نعرف ممن قص الله علينا نبأهم بعده عليه السلام . أقول : ما نعرف واحداً ليس من ذريته ابتداءً بإسماعيل وإسحاق، وختماً بسيد البشر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
 وسورة إبراهيم، السورة التي سميت باسمه أرادها الله أن تكون أمة في السور كذلك فلها من اسمها نصيب. من أجل ذلك وجدنا هذه المحاضرة والمحاورة التي تنسب إلى الرسل، وما كان بينهم وبين أقوامهم، ولم نجد مثلها في غير هذه السور الكريمة . إنهم تجمعوا ولكن في هذه السورة كما يتجمع الأبناء في بيت الأب . إن الإشارة في قصة موسى في سورة إبراهيم كانت لبني إسرائيل دون فرعون وجميل أن يذكر في قصة إبراهيم بنو إسرائيل الذين ينتسبون إليه دون فرعون، وليس هذا فحسب، بل إن ما يدعو للإعجاب حقاً ويطرب له كل فؤاد أن الرسل الذين جاؤوا بعد إبراهيم هم أبناؤه وذريته، ولنستمع إلى ما تقصه علينا سورة إبراهيم : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ) [آية 9] وهؤلاء كانوا قبل إبراهيم ـ بالطبع ـ ويستأنف الكلام فيقول الله : (وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ) الذين من بعد قوم نوح وعاد وثمود، وهم الذين لايعلمهم إلا الله لكثرتهم وتعدد منازلهم، واختلاف لغاتهم، إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة. ولكن ما بال أولئك؟ (جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ) الآيات الظاهرة، فماذا كان منهم؟ يقول الله : (فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ)، وهي كناية عن التقنيط والتيئيس، والحسد والغيظ، وهذا شبيه بقوله تعالى: (عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) وهكذا ردّ أولئك الأقوام أيديهم في أفواههم، معلنين للرسل أنهم لن يؤمنوا برسالتهم، وما كان ذلك إلا حسداً وغيظاً وكراهية للحق ، أو ردّوا أيديهم في أفواه الرسل حتى لا يتكلم الرسل (وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ) بهذه الصراحة الوقحة (وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) عجيب أمر أولئك جعلوا قضية الرسل المشرقة الواضحة قضية تدعو إلى الريبة والتهمة والقلق . ويرد الرسل جميعاً هذا الباطل (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) لاينبغي أن يكون في الله شك، وهو فاطر السماوات والأرض (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) ، (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى)، ولكن مع هذا التحبب والتلطف لا يزيد الفريق الآخر على أن يقول للفريق الأول، وهم الرسل عليهم السلام: (إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا) وهذه هي التهمة الأولى .
 وأما الثانية : (تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا) . ثم يأتي دور التمحل فرغم الحجج الواضحة ولكنهم مع ذلك لايكتفون (فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) وترد الرسل مقالة أولئك : نحن لاننكر أننا بشر، نحن معترفون بهذه البشرية وهل ادعينا غيرها، ولكن أكل البشر سواء؟ ألستم تزعمون أنتم أنكم خير من غيركم فما دمتم ترون أنفسكم أفضل من غيركم، فلماذا تنكرون على غيركم أن يمنّ الله عليهم بمننه وكرمه؟.
 أما ما طلبتموه من سلطان فمع أنه تمحل منكم، ولكن مع ذلك ما كان لنا أن نأتيكم بشيء مما طلبتم إلا بإذن الله، عليه نتوكل وعليه وحده يتوكل المؤمنون، ولماذا لا نتوكل عليه، وأي شيء يمنعنا من ذلك وقد أكرمنا بالهداية. أما ما يلحقنا من إيذاء فلنصبرن عليه وعلى الله يتوكل المتوكلون.
وبعد تلك الرقة في القول والإقناع في المنطق بعد ذلكم القول الذي يمتع العواطف ويقنع العقول، ويوقظ المشاعر ويهز النفوس، يقول أولئك الكافرون لرسلهم بعد كل هذا (لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا) وهنا يعرض المتكبرون عضلاتهم ويلوحون بعصا القوة (لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا) سمعناها من قوم شعيب، وقالها قوم لوط ولكنها هنا يقولها فريق الكفر مجتمعاً (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا) وليس معنى هذا أن الرسل عليهم السلام كانوا على ملة أقوامهم ـ فمعاذ الله أن يكونوا كذلك ـ ولكن معنى الآية الكريمة ـ والله أعلم ـ أو لتصيرن في ملتنا. وهنا تدرك الرسل العناية الإلهية (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ) أوحى إليهم ربهم الذي أكرمهم بعنايته ورسالته، رباهم وتعهدهم وتولاهم (لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) يا لفظاعة الظلم! إنه أساس الدمار والبوار والانحراف (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ) وصدق الله وعده، فنجى رسله، وأسكنهم وأورثهم الأرض، والأرض لله.
 وذلك التأييد إنما يكون للرسل ولمن كان على نهجهم فمن اجتمع له هذان الأمران:
 1 ـ أن يخاف مقام الله تبارك وتعالى، أي أن يخاف ذلك الموقف في الآخرة الذي سيقفه، أو يخاف مقام الله : أي يخاف مراقبة الله تبارك وتعالى، وقيامه سبحانه وتعالى عليه بكل ما كسب (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت).
2 ـ أن يخاف وعيد : أن يخاف ما توعده الله تبارك وتعالى به.
 ويستفتح الرسل يطلبون من الله أن يحكم بينهم وبين أقوامهم (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) وفتح الله بينهم (وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) خاب أولئك الجبابرة المتعالون على الحق، المعاندون في آيات الله، وهو أن خسر في دنياه، فإن هناك خسارة أعظم (مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ) أي بين يديه سيلاقيها، ويعرض عليها ويدخلها (وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ) وأنّى له أن يسيغ مثل ذلك، نعوذ بالله ونستجير به سبحانه (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ). من كل مكان يأتيه الموت!! ما أبدعه من تصوير وما أشد وقعه على النفس!! أسباب الموت من كل ناحية وجانب ولكن لا موت.
(وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ) تلك محاورة بين رسل الله، أهل الحق، وبين أهل الباطل. وهذه المحاورة بين الرسل الكرام يختار لهما المكان اللائق بها بيت الشيخ بيت الأب العظيم سورة إبراهيم عليه السلام وهذا إن دلّ على شيء فهو يدل على أن الأنبياء جميعاً أمة واحدة مهما اختلفت أزمنتهم وأمكنتهم، وإن أهل الباطل كذلك.
أما سورة الحجر، فبعد أن ذكرت قصة آدم انتقلت بعد فاصل قصير إلى الحديث عن إبراهيم عليه السلام ، ولكن لا من حيث ما كان بينه وبين قومه، وإنما من حيث مجيء الرسل وتبشيرهم له، ثم تحدثت عن قصة لوط وأشارت إشارتين موجزتين خاطفتين إلى أصحاب الحجر الذين سميت السورة باسمهم وأصحاب الأيكة.
 وإذا جاز لنا أن نقسم ما حدثت عنه السورة تقسيماً جغرافياً فإن الذين حدثتنا عنهم سورة الحجر كانوا جميعاً في منطقة واحدة، وأمكنة متقاربة فقرى قوم لوط وثمود ومدين كلها في شمال الجزيرة، وكأن الحديث عنها كان تذكرة لأهل مكة، لأنهم يمرون بطريقهم على هؤلاء الأقوام، وعلى هذه الأمكنة.
أما سورة النحل ، وهي سورة النعم، فلم نر فيها شيئاً من هذا القصص، اللهم إلا بعض الآيات ثناءً على إبراهيم عليه السلام .
 وتأتي سورة الإسراء، ولا نقرأ فيها إلا لمحة عن قصة آدم، وهذا يتلاءم مع موضوع السورة، ثم اشارة متلائمة أيضاً مع موضوع السورة إلى الآية التي أعطيتها ثمود، وإشارة كذلك إلى الآيات التي أعطيها موسى لفرعون.
 أما سورة مريم، فلقد بدأت الحديث عن زكريا عليه السلام وبشارته بيحيى عليه السلام ، ثم جاءت قصة مريم، وهذا على عكس ما جاء في سورة آل عمران حيث بدأ الحديث عن مريم، لأن السورة الكريمة سميت باسمها، وبعد هذا حدثتنا السورة عن إبراهيم وأبيه ، موسى وأخيه وبعض أنباء إبراهيم ولكن لا من حيث ما كان بينهم وبين أقوامهم، وإنما هي إشارات ثناء على أنبياء الله عليهم السلام، ونلحظ أن الذين حدثتنا السورة عنهم كانوا من ذرية إبراهيم، اللهم إلا ما جاء من اشارة موجزة عن إدريس إذا لم نقل إنه إلياس. وتأتي سورة طه، ويكون الحديث فيها عن موسى عليه السلام ، وعن أكثر من جانب في حياته : رسالته وإرساله إلى فرعون ، وخبره مع بني إسرائيل ، ثم وبعد فاصل من الآيات الكريمة تحدثنا عن قصة آدم .
 أما سورة الأنبياء، ولها من اسمها نصيب، فلقد كان الحديث فيها عن الأنبياء ـ عليهم السلام ـ ثناءً ومنّةً وفضلاً... ولكن كان الحديث فيها موجزاً إيجازاً تاماً، بدأ الحديث فيها عن موسى عليه السلام بآيتين اثنتين، وهكذا كان الحديث عن لوط ونوح وداود وسليمان وأيوب وغيرهم. كان كله موجزاً مركزاً والرسول الوحيد الذي فصلت عنه السورة الكريمة سورة الأنبياء كان إبراهيم عليه السلام ... وليس في ذلك شيء من العجب فإبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء.
وتأتي سورة الحج، فلا نقرأ فيها شيئاً من القصص، ولعل اسمها يشير إلى الحكمة في ذلك، أما ما ذكر عن إبراهيم فإنما كان حديثاً ذا صلة بالحج.
 وتأتي سورة المؤمنون، والمؤمنون تكفيهم الإشارة فتحدثنا السورة بإيجاز يكفي المؤمنين للعبرة عن نوح وهود، ولمحة عن موسى وهارون، وجعل ابن مريم وأمه آية. إن ذلك متلائم تماماً مع اسم السورة الكريمة وموضوعها.
 أما سورة النور، فنظن أن موضوعها الذي جاءت تتحدث عنه جعلها خالية من هذا القصص، وسورة النور هي السورة المدنية بين سور مكية.
أما سورة الفرقان، فلقد جاءت علاجاً للشبهات التي أثارها المشركون حول الرسالة والرسول، وما ذكر فيها من إشارة عن السابقين لم يكن عما جرى بين الأنبياء وأقوامهم من حوار وجدال، وإنما كان بياناً لما حل بأولئك بعبارات قصيرة موجزة.
وتأتي الطواسين الثلاث : الشعراء والنمل والقصص .
أما سورة الشعراء: وهي أكثرها تعداداً لقصص الأنبياء، فبعد ذكر القرآن والنبي وأهل مكة، ابتدأت الحديث عن موسى عليه السلام مع فرعون، وفصلت بعض التفصيل تفصيلاً لانكاد نجده في غير سورة الأعراف أعني في شأن فرعون، وبعدها تنتقل السورة للحديث عن إبراهيم عليه السلام ، ولكن هذا الحديث يكون أكثر ما يكون عن تمجيد إبراهيم لربه. ثم تحدثنا السورة عن قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب، ثم تنتقل إلى القرآن الكريم، وتنزيله بالحق: (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ) .
 أما سورة النمل، فبعد أن تحدثنا عن القرآن والنبي تذكر شيئاً عن قصة موسى عليه السلام ومبدأ رسالته، ولكن بإيجاز ثم تذكر داود وسليمان وتفصل الحديث عن سليمان وما كان من ملكة سبأ. ثم تحدثنا عن ثمود وقوم لوط... ولكن بما ليس فيه تفصيل، وإنما هو أقرب إلى الإيجاز.
 أما سورة القصص: وهي آخر الطواسين، فالحديث فيها إنما هو عن موسى عليه السلام منذ ولادته إلى أن أرسل إلى فرعون. حتى ما جاء في آخر السورة كان حديثاً عن قارون الذي هو من قوم موسى، لكن السورة تبدأ بالحديث عن القرآن، وتنتهي كذلك ونلحظ ما يلي: الطواسين وطه، كان الحديث فيها بادئ ذي بدء عن موسى عليه السلام ، بل إن منها ما اقتصر على الحديث عنه أو أطال كـ (طه) والشعراء والقصص، ونتساءل: هذه الطواسين حتى طه هذه السورة التي ابتدأت بحرف (الطاء) جميعاً بدأت الحديث عن موسى عليه السلام ، ولكن كان للحديث عن القرآن الكريم فيها شأن كذلك.
 وتأتي سورة العنكبوت، والإشارات إلى الأنبياء فيها موجزة، وقد حدثتنا عن نوح وإبراهيم ولوط وآية واحدة جمع فيها عاد وثمود، وآية واحدة عن قارون وفرعون وهامان، واشارة موجزة لمدين. سورة العنكبوت سورة الدعاة ولا أدل على ذلك من بدايتها وخاتمتها، أما بدايتها : (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) أما خاتمتها، فهي قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).
 أما سورة الروم، فقد اكتفت أن يُشار فيها إلى الروم، وغلبتهم، ولم يذكر فيها شيء من القصص: وكذلك السورة التي بعدها سورة لقمان اكتفت أن تحدثنا عن وصية لقمان لابنه، وكذلك سورة السجدة لم تحدثنا عن شيء من هذا القصص، اللهم إلا بدء خلق الإنسان من طين.
 وتأتي سورة الأحزاب المدنية ونِعم ما ذكرته لنا من نصر الله المؤمنين وقد ابتلوا وزلزلوا زلزالاً شديداً فالله نصرهم على الأحزاب، والحمد لله أولاً وآخراً.
 وتأتي سورة سبأ، وسبأ كما نعلم كانت لها شهرتها (جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ)، ولكنهم أعرضوا فأرسل عليهم سيل العرم، وبُدلوا بجنتيهم ذواتي الثمر الزكي الشهي، بُدلوا بجنتيهم جنتين أُخريين ذواتي أكل خمط وأثل، وشيء من سدر قليل، (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ). سورة سبأ هذه ذكرت فيها قصة واحدة قصة داود وسليمان، ومن عجيب شأن القرآن وروعة نظمه وبديع صنعته، وجميل موضوعاته، ورائق معانيه أن تجد هذا الترتيب المحكم. آية إعجاز ودليل صدق، وبرهان حق، ذكرت فيه قصة داود ثم اتبعت بقصة سبأ، ولكن هل تعلم أن قصة داود في سورة سبأ ذكرت من حيثية يهدف لها القرآن، إن الله ذكر داود في سورة سبأ ليبين أنه أنعم الله عليه فشكر (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ). فسورة سبأ تذكر لنا فريقين من الناس أنعم الله عليهما، لكن منهم من شكر النعمة، ومهم من كفرها. ولهذا يذكر عقب هاتين القصتين قول الله تعالى: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ).
 أما سورة فاطر، فكان الحديث فيها عن آثار فاطر السماوات والأرض، ولم يأت فيها شيء من القصص.
 أما سورة يس، و(يس) قلب القرآن، فلم يذكر فيها إلا المثل لأصحاب القرية (إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ).
لكن سورة الصافات ذكر فيها الأنبياء من حيث الثناء عليهم والنبي الذي فُصل خبره هو إبراهيم عليه السلام .
 وتأتي سورة (ص)، فلم يكن الحديث فيا عما جرى بين الأنبياء وبين أقوامهم، وإنما عن بعض ما ابتُلي به بعض الأنبياء كداود وسليمان وأيوب كل ذلك كان تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وثناء بإيجاز على إبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل واليسع وذي الكفل.
أما سورة الزمر ، فلم يذكر فيها شيء من قصص الأنبياء ـ عليهم السلام ـ .
وتأتي الحواميم السبع :
 فيكون الحديث في السورة الأولى وهي  سورة غافر (المؤمن) عن نبأ موسى، وتفيض في الحديث عن مؤمن آل فرعون.
أما سورة فصلت ففيها إشارة في معرض الحديث عن أهل مكة ووعيدهم إن أعرضوا. وأما سورة الشورى فليس فيها شيء من القصص القرآني.
وتأتي سورة الزخرف، وفيها اشارة عن إبراهيم عليه السلام تتلاءم مع موضوعها، وشيء عن خبر موسى مع فرعون، وما كان من اعتزاز فرعون وفخره بنفسه وبملكه، وهو متلائم مع موضوع السورة كذلك.
 وتأتي سورة الدخان فتحدثنا شيئاً عن خبر فرعون متسقاً مع ما أصيب به أهل مكة حينما دعا النبي -صلى الله عليه وسلم - عليهم بسنين كسنين يوسف.
 لكن سورة الجاثية نجدها خالية من القصص، اللهم إلا إشارة موجزة عن بني إسرائيل وما خصهم الله به، ولكنهم اختلفوا.
 وتأتي سورة الأحقاف وهي السورة الأخيرة في الحواميم، وفيها إشارة ساكني الأحقاف وهم عاد.
 ثم تأتي ثلاث سورة مدنية : وهي سورة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وسورة الفتح المبين الذي أكرمه الله به، ثم سورة الحجرات ـ وبالطبع ـ لايكون فيها شيء من هذا القصص.
 ويبدأ المفصل فنجد إشارة موجزة في بعض سوره ـ كما في سورة (ق) والقمر، وكما جاء من ذكر موسى وقومه في سورة الصف، ومن خبر أصحاب الجنة وصاحب الحوت في سورة (ن)، ومن اشارات في سورة الحاقة.
 والسورة الوحيدة في المفصل التي فصل فيها، كانت سورة نوح، حيث كانت كلها حديثاً عنه عليه الصلاة والسلام . كل ما في المفصل إذن كان اشارات. كما جاء في سورة المزمل وسورة الفجر والشمس والبروج عن أصحاب الخدود. وهناك سورتان كان فيهما بعض التفصيل عن بعض الأنبياء وهما: سورة الذاريات حيث فصلت في نبأ إبراهيم، وبعض إشارات إلى قوم لوط وفرعون وعاد وثمود وسورة النازعات التي أجملت الحديث عن خبر موسى عليه السلام مع فرعون.
-----------------------------------------------------------
المصدر : القصص القرآني ـ إيحاؤه ونفحاته / د.فضل حسن عباس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق