السبت، 24 يناير 2015

وقفات تدبرية مع قوله تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)

د. ناصر العمر




سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد الرحمة المهداة والصفوة المجتباة صاحب الوجه اﻷنور والجبين اﻷزهر صاحب الخلق العظيم الذي أدّبه ربه ورباه وزكاه (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) [سورة القلم : 4] .
نقف هذه الوقفة أيها اﻷحبة بين جزئين بعد أن انتهينا من جزء عم وسنواصل في اﻷسبوع القادم بإذن الله مع جزء تبارك ابتداء من سورة المرسلات.
أحببنا هذه الوقفة مع هذا الموضوع العظيم، هذا الموضوع الذي نحتاجه دائما وأبدا وتبرز أهمية هذا الموضوع من خلال عوامل عدة وأسباب كثيرة منها:
/ استجابة ﻷمر الله جل وعلا (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [سورة الحشر : 7] وكيف نأخذ ما أتانا به وننتهي عما نهانا عنه إن لم نعرف أخلاقه صلى الله عليه وسلم.
ثانيا: ... نأخذ هذا الموضوع طاعة لله جل وعلا الذي أمرنا بالاقتداء به والتأسي به (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة) [ سورة اﻷحزاب : 21] ولن تستطيع أن تتأسى بأحد إن لم تعرف صفاته وأخلاقه، أن تعرف صفاته وأخلاقه وبهذا تتأسى به.
ثالثاً: حاجة المسلم دائماً وأبدا إلى من يقتدي به في شؤون حياته كلها وأعظم من يُقتدى بهم هم اﻷنبياء عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام وعلى رسولنا صلى الله عليه وسلم  (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه) [سورة اﻷنعام : 90] فلاشك أن صفاتهم وأخلاقهم هي ما يجب أن نتعلمه لنقتدي بهم.
أيضا يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما بعثت ﻷتمم مكارم الأخلاق ) ومن أعظم اﻷخلاق التي تمّمها ما التزم به صلى الله عليه وسلم من أخلاق النبوة .. من أخلاق عظيمة نحاول أن نتعرف على بعضها وإﻻ فيصعُب الحصر في هذا الوقت اليسير.
اليوم -أيها اﻷحبة- أحوال اﻷمة كما ترون من اﻻضطراب والقلاقل والفتن، يحتاج الناس في مثل هذه اﻷزمات إلى من يُثبتهم ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزب صحابته أمر قال لن تُراعوا، ومن أشدّ ما مر به صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم ما حدث في اﻷحزاب (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا*هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) [سورة اﻷحزاب : ١٠-١١] في هذا اﻻتجاه بعدها بآيات وذكر حالة المنافقين وما أحدثوه من اضطراب قال الله جل وعلا (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [سورة اﻷحزاب : 21] في إيمانه وأخلاقه وكلامه،  فاليوم مع ما ترون من تداعي الأمم وما يحدث للأمة نحتاج إلى أن نقتدي به ولاشك أن قدوتنا هو صلى الله عليه وسلم.
 أيضا هنا أيها اﻷحبة -كما ترون- حتى في داخل البيوت وفي داخل المجتمع تجد نفوسا قلقة، تجد مشكلات بيتية، تلحظ المشكلات في داخل الأسرة الواحدة ومن أبرز ذلك -مثلا- ما نجده ونسمعه مُعلنا مابين فترة وأخرى مثال عملي: كثرة الطلاق فنسبة الطلاق مرتفعة جدا لم تحدث أبدا من خلال السنوات التي نعرفها مثل العشر السنوات اﻷخيرة، أرقام تدل على أن هناك مشكلات كبيرة في داخل البيوت هذا ما وصل إلى الطلاق وهناك حاﻻت لم تصل إلى الطلاق ولكنها بقيت كمشكلات، ما نسمعه من تشرد اﻷبناء ومن لجوئهم إلى دار اﻷحداث بل والفتيات، وما نسمعه من اﻷخوة في الهيئات من أسباب هروب كثير من الفتيات تجد أن السبب هو ما يحدث في البيوت من مشكلات، نحتاج إلى من نقتدي به هنا، فما خلا بيت من مشكلة ولو خلا بيت من مشكلة لخلا بيت النبي صلى الله عليه وسلم وقد قصّ الله علينا في القرآن في مواضع (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ) [ التحريم:١ ] وأيضا (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) [سورة اﻷحزاب : 37] جاءت قضايا كبيرة.
إذا نحن نتعامل من أجل أن نحل هذه المشكلات عندما ندرس سنّة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.  وكما قلت في هذا الاضطراب تجد أناس في ارتفاع الغضب والشدة بسبب ظروف الحياة التي نراها في اﻷسواق وفي غيرها والمشكلات اﻷسرية وغيرها نحتاج إلى قدوة في أخلاقنا وهو نبينا صلى الله عليه وسلم.
/ ومن أسباب تناول هذا الموضوع أن الله مدح رسوله صلى الله عليه وسلم في مواضع عدة من القرآن:
 (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) [سورة القلم : 4]
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [سورة اﻷنبياء : 107]
(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة الشورى : 52]
(وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ۚ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ ) [سورة التوبة : 61]
هذه العناية بهذه الصفات في القرآن عن النبي صلى الله عليه وسلم ونحن جئنا نتدبر (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) نقف معها .. نستفيد منها .. نتأسى به صلى الله عليه وسلم.
/ وأيضاً -وأخيرا- الرد على الطاعنين فيه صلى الله عليه وسلم، ومن أعجب ما قرأت في هذه النقطة بالذات حول قوله تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) قال الجنيد وغيره: "العظيم الرفيع القدر الجليل الشأن السامي المنزلة". وقال آخرون: إذا ماذا يمكن للبشر أن يقولوا فيه بعد قول الله جل وعلا!! إذا كان الله جل وعلا يقول عن نبيه (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) هل يمكن أن نلتفت ﻷي طعن أو مثلبة من أعدائه (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ*فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ*إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [سورة الكوثر] فإذا بعد هذا المدح العظيم في القرآن للرسول صلى الله عليه وسلم ﻻ يمكن للعاقل فضلا عن المسلم المؤمن أن يلتفت لما يقال من شُبه حول النبي صلى الله عليه وسلم، مرة يثيرون قضايا تعدد أزواجه صلى الله عليه وسلم ومرة يثيرون كذا وذاك، ما بعد هذا الثناء مجال للطعن إﻻ من كفر بالله -والعياذ بالله- (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) هو المقطوع.
السورة التي قرأها إمامنا -جزاه الله خيرا- قبل قليل عظيمة جدا (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ*وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ*الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ*وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) كله للنبي صلى الله عليه وسلم وقبلها السور التي قبلها (وَالضُّحَىٰ*وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ* مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ) هذه أخلاقه صلى الله عليه وسلم.  إذا معرفة أخلاقه تعطينا حصانة أﻻ نلتفت لقول شانئ أو طاعن، ومن التفت إليها أو دخل قلبه شيء منها فلنقص إيمانه وعلِمه ولاشك وإﻻ إذا جاء من عند الله جل وعلا ﻻ يُلتفت إلى غيره.
هذه أسباب أشرت إليها ﻷن الله جل وعلا زكّى نبيه صلى الله عليه وسلم في مواضع عدة -كما قلت- مدحه في مواضع عدة:
فزكّى لسانه (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ) [سورة النجم : 3]
وزكّى قلبه (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ) [سورة النجم:١١]
وزكّى عينيه (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ) [سورة النجم : 17]
وزكّاه جملة (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ) [سورة آل عمران : 159]
 هذا هو نبينا صلى الله عليه وسلم ولهذا تكون وقفتي هذا اليوم.  أسأل الله أن يبارك في هذا الوقت ﻷن الموضوع عظيم، ومن الصباح وإلى دقائق مع اﻷذان وأنا أحاول أن أختصر في الموضوع وأختصر ويبقى وأختصر ويبقى كالذي يريد أن يغرف من النهر فلا ينقص بل من البحر فﻻ ينقص ﻷن أخلاقه عظيمة صلى الله عليه وسلم ولكنها إشارات ووقفات مما نحن بأمس الحاجة إليه مع أننا بحاجة لكل شيء وَرَد عنه صلى الله عليه وسلم.
سأقدم بمقدمات تساعدنا على فهم ما يأتي.
فمفهوم اﻷخلاق كثير من الناس قد ﻻ يدركه ويخلط بين اﻷخلاق أحيانا والعبادات ولهذا قال العلماء : "اﻷخلاق هي سجايا في النفس إما جبلية وإما مكتسبة أما العبادات فلها تأثير في اكتساب اﻷخلاق.  فلا نقول فلان خُلُقه الصلاة لكن نقول إن الصلاة تحدث أخلاقا حميدة (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر) [سورة العنكبوت : 45] فالنهي عن الفحشاء والمنكر وهي مخالفة للفحشاء والمنكر للأخلاق أثر من آثار الصلاة.
الزكاة (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [سورة التوبة : 103] فليست الزكاة نقول هي الخُلق هي عبادة وكلها عبادة حتى الخُلق عبادة لكن من آثار العبادة أو من آثار الزكاة أنها تُطّهر اﻹنسان وتُطّهر نفسه وتزكّيه.
أيضاً الصيام ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة بأن يدع طعامه وشرابه ) ( وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث وﻻ يفسق وﻻ يسخط فإن حاجّه أحد أو جادله فليقل إني امرؤ صائم ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فلذلك نلحظ أن الصوم هو عبادة لكن له آثار عظيمة على اﻷخلاق ولذلك من لم يكن له هذا اﻷثر في أخلاقه ﻻ قيمة لصيامه من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، القضية ليست إمساك أو تعذيب للنفس.
الحجّ -كما تعلمون- يقول الله جل وعلا (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) [سورة البقرة : 197] انظروا كيف يُهذِّب الحجّ اﻷخلاق فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم (من حجّ فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) إذا هذه اﻷخلاق التي وردت أثر من آثار العبادة وهلُم جرا.إذا هذا نوع من تعريف العبادة.
هناك فرق بين الخَلْقِ والخُلُق ولذلك ورد حديث عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم كما حسنت خَلقي فحسن خُلقي ) الخَلق هو: الهيئة .. هو الشكل في شكلك وقيامك ووقوفك (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم) هذا الخَلق انظر إلى خلق الإنسان ومقارنة -ولا مقارنة- مع خلق حتى أجمل الحيوانات لا يمكن أن يُقارن فقد خلق الله اﻹنسان في أحسن تقويم، لكن الخُلُق هي: أفعال وصفات مُكتسبة أو جبلية ولذلك - قلت لكم- جاء في الحديث في المقدمة( اللهم كما حسنت خَلقي فحسن خُلقي ) ولهذا أيضاً في سورة التين (قَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ *ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) أي بعضهم -الكافربأخلاقه السيئة- بدل أن خَلَقه على هذه الهيئة العظيمة أن يجعل الصفات تتوافق مع هذه الهيئة ردّه الله -وهذا القدر الكوني- أسفل سافلين. فإذا هناك فرق ﻷن هناك من يخلط ولو باللفظ بين الخَلق والخُلق.
وتحدث العلماء كثيرا في معنى قال الراغب: " الخَلق والخُلق في اﻷصل أي أصل واحد (خلق) لكن خصّ الخَلق بالهيئات واﻷشكال والصور المُدركة بالبصر وخصّ الخُلق بالقوى والسجايا المُدركة بالبصيرة قال تعالى ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) قال الطبري: "اﻷدب العظيم" وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعن مجاهد وعن غيره بل قالت عائشة رضي الله تعالى عنها لما سئلت عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان خلقه القرآن" اختصرت.
ولذلك يقول الجاحظ في تعريف الخلق اصطلاحا: الخُلق هو حال النفس بها يفعل اﻹنسان أفعاله بلا روية وﻻ اختيار -ﻻحظوا- والخُلق قد يكون في بعض الناس غريزة وطبعا وفي بعضهم ﻻ يكون إلا بالرياضة واﻻجتهاد كالسخاء قد يوجد في كثير من الناس من غير رياضة وﻻ تعمد وكالشجاعة والحُلم والعفة والعدل وغير ذلك من اﻷخلاق المحمودة.  وخلاصة اﻷخلاق ما عبرت عنه عائشة رضي الله عنها هو اﻻلتزام بما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ( كان خلقه القرآن ) .
وضرب العلماء مثلا بالطفل أحيانا قد يكون عمره سنة أو سنتين ويكون واحد من مجموعة من اﻷطفال تلحظ ويلحظ اﻷب أو اﻷم أو المُربي أنهم ليسوا كلهم سواء في بعض أخلاقهم، يوجد فيهم من فيه عجلة -وهو ﻻ يزال صغير- من فيه حمق .. من فيه هدوء من صِغره.  هذا تعتبر جِبلّة وبعد ذلك قد يحافظ عليها وقد ينحرف ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) وهناك مكتسبة (إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يصطبر يصبره الله ) يأتي رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يقول يا رسول الله أوصني قال: ﻻ تغضب - ﻷنه لحظ النبي صلى الله عليه وسلم عليه أنه فيه شيء من الغضب- قال: أوصني، قال: ﻻ تغضب، قال أوصني، قال: ﻻ تغضب ) ربما لو جاءه آخر من أحلم الناس ما قال له هذا الكلام ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ﻷشجّ بن عبد قيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله -يعني صفتين حميدتين- الحُلم واﻷناة ) ﻻحظوا هنا -كما ورد في بعض الروايات- ( قال يا رسول الله هل هما خصلتان تخلقت بهما أو جبلت عليهما ) ما قال النبي صلى الله عليه وسلم ما يتخلق اﻹنسان بخلق ليس فيه فإجابة النبي صلى الله عليه وسلم يدل على صحة السؤال أنه ممكن أن تكون الصفات واﻷخلاق جِبلّة ويمكن أن تكون مكتسبة (قال: بل جُبلت عليهما، قال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحب) وهذا نلحظه في أنفسنا فضلا عن غيرنا يجد اﻹنسان فيه صفات طيبة وخيرة من صغره وفيه صفات تجد بعض الناس يكتسبها فيما بعد.
سمعت أحد اﻷشخاص أكثر من مرة -طالب علم- يقول ما ضاربت أحد -يعني اعتديت على أحد- في حياتي أبدا حتى وأنا طفل.
هذه إذا جِبلّة من صغره ولذلك يقول أيضا لما كبُرت أيضا لم أشتكِ أحدا في محكمة وفي حق أبدا .. إطلاقا، بل إنه عُرِف من صغره يقول وهو طفل كما يذكر وهو في السادسة أو أول متوسط كان الناس من حوله -زملائه- يأتون به ليُصلح بينهم وأصبح اﻵن -وهو كبير في السن- من المُصلحين بين الناس، هذه جبلة.  ولهذا هناك صفة قد تكون جبلة وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء وقد تكون مكتسبة معناه ممكن يعالج اﻹنسان ما عنده من نقص، وقد يكون فيه صفات جبلية جميلة وقد يكون فيه صفات يحتاج أن يكتسبها، قد يكون اﻹنسان ليس ذلك السخاء أو ليس ذاك الكرم لكنه يتعود ويتعلم.
أحد اﻷبناء -يقول أبوه- أقام مناسبة يقول فسرتني هذه المناسبة كما يقال جملتنا، يقول فأرسلت له رسالة قلت له: يا بني بيّض الله وجهك قد جملتنا بهذه المناسبة -يعني تقديرا للضيوف- قال: لم نكن كذلك يا أبي ولكنك علمتنا ذلك فأصبحت قدوتنا في ذلك . إذا قد يكون اﻹنسان في أول حياته ليس كذلك فيصبح كريما سخيا شجاعا.
هذه مقدمة في تعريف اﻷخلاق ولهذا أيضا ذكر العلماء كابن القيم وغيره والحديث يطول في هذا الجانب، ولذلك قال ابن القيم: "فإن قلت هل يمكن أن يقع الخلُق كسبيا أو هو أمر خارج عن الكسب؟ قال: -يقول ابن القيم- قلت: يمكن أن يقع كسبيا بالتخلُّق والتكلف حتى يصبح له سجية وملكة" واستدل أيضاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم- وهو حديث في الصحيحين- ( ما يكن عندي من خير ﻻ أدخره عنكم وإنه من يستعف يُعفه الله ومن يتصبر يصبره الله ومن يستغنِ يُغنهِ الله ولن تُعطوا عطاء خيرا وأوسع من الصبر ) هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم.  إذا هذه اﻷخلاق مكتسبة فعلّق عليه ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا الجانب.
من الوقفات ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) :
/ وقفة لغوية لكنها جميلة أعجبتني ذكرها بعض العلماء: ما قال وإنك لصاحب خلق عظيم، قال ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) قالوا: أي يعلو على الخلق كالجالس على الكرسي فكأن اﻷخلاق قاعدة له صلى الله عليه وسلم ولو قيل الصاحب، الصاحب يكون مُقارنا فكأنه يقول اﻷخلاق ليست مجرد مقارنة بل هي أساس وكل شيء له أساس فإذا كانت أساسه أخلاقه العظيمة فتدل على آثارها.  فهذا معنى بلاغي استنبطه بعض علماء اللغة في قوله ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) وإن قال بعضهم معنى آخر.
أيضا قالوا: قوله تعالى ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ) لك، يدل على العموم هنا أي خلق عظيم يتبادر إلى ذهنك فقد أكتسب به النبي صلى الله عليه وسلم.  ولذلك يقول ابن القيم - كما في مدارج السالكين- "حسن الخلق يقوم على أربعة أركان ﻻ يتصور قيام ساقه إﻻ عليها"
 ﻻحظ حتى هذا عبر بهذا التعبير ساق وعليها.  ما هي أيها اﻹمام؟ طبعا استنبطها من القرآن والسنة.
قال "الصبر والعفة والشجاعة والعدل" أعيدها ثم أُفصِّل. وأيضا ذكر ابن القيم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تخلق بها بل بأعلاها.  هذه اﻷركان اﻷربعة ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) الصبر والعفة والشجاعة والعدل.
أنا أريد عندما أذكر هذه المقدمات والقواعد بل كل الموضوع كلٌ منا ينظر إلى نفسه فما يجد من خير -وأنتم أهل الخير- في هذه الصفات يحمد الله جل وعلا عليها سواء كانت مكتسبة أو جبلّية، وما يشعر من نقص -والنقص طبع البشر- يحاول ان يستدركها فلا يزال أمامه فسحة وفرصة ما لم يأتهِ اﻷجل -نسأل الله حسن الختام- .
الصبر والعفة والشجاعة والعدل قال ابن القيم : " الصبر يحمِله على الاحتمال وكظم الغيظ وكف اﻷذى والحلم واﻷناة والرفق وعدم الطيش والعجلة" كل هذا يحمله أن يبتعد عنه. هذا بالصبر.
قال: "والعفة تحمِله على اجتناب الرذائل والقبائح من القول والفعل وتحمِله على الحياء وهو رأس كل خير -الحياء رأس كل خير- وتمنعه من الفحشاء والبخل والكذب والغيبة والنميمة".
والشجاعة ليست التهور، فرق بين الشجاعة والتهور.  "والشجاعة تحمله على عزة النفس وإيثار معالي اﻷخلاق والشيم وعلى البذل والندى" ....الخ ما ذكره ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) .
الرابعة: قال "والعدل يحمله على اعتدال أخلاقه وتوسطه فيها بين اﻹفراط والتفريط فيحمله على خلق الجود والسخاء الذي هو توسط بين الذل والقِحة وعلى خلق الشجاعة الذي هو توسط بين الجبن والتهور وعلى خلق الحلم الذي هو توسط بين الغضب والمهانة وسقوط النفس".  فمنشأ جميع هذه اﻷخلاق -يقول ابن القيم رحمه الله-  هي هذه اﻷربعة.
ثم قال -في المقابل- "ومنشأ جميع" حماكم الله منها وحفظنا جميعا منها "ومنشأ جميع اﻷخلاق السافلة -أي المناقضة ﻷخلاق النبوة على أربعة أركان: الجهل والظلم والشهوة والغضب،  فالجهل يريه الحسن في صورة القبيح والقبيح  في صورة الحسن ويريه الكمال نقصا والنقص كماﻻ" هذا الجهل.
قال "والظلم  يحمله على وضع الشيء في غير موضعه فيغضب في موضع الرضا ويرضى في موضع الغضب، ويجهل في موضع الأناة، ويبخل في موضع البذل.  وهلم جرا"
والشهوة قال "تحمله على الحرص والشح والبخل وعدم العفة والنهم والجشع والذل والدناءات كلها" يقول ابن القيم.
الصفة الرابعة من اﻷخلاق المرذولة الغضب قال "يحمله على الكِبر والحقد والحسد والعُدوان والسفه" وكل  خلق من هذه اﻷخلاق فيها إفراط وتفريط والحق بينهما في صفات الخير والكمال والجمال.
/ هنا وقفة أيضا تدبرية:
أسأل الله أن يبارك فيكم فأنتم دائما سبب ليزيد الواحد علمه بعد جهل وكذلك اﻷخوة القائمون على هذا المسجد فهم أيضاً الذين اقترحوا هذا الموضوع.  هذه الوقفة لم أُدركها إﻻ وأنا أُعِد لكم ولذلك نحن نقرأ القرآن كثيرا ونحفظه أحياناً لكن ما نقف عند دﻻﻻته.
أين هذه الوقفة التدبرية (ّن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ*مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ*وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ*وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) [سورة القلم 1: 4] ﻻحظوا قالوا: نفى عنه الجنون كاملا ثم أثنى عليه وهو جواب القسم (ّن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) أقسم الله بالقلم أول المخلوقات أقسم الله به وجواب القسم (مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ*وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ*وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) 
الوقفة التدبرية التي استفدتها هذا اليوم: لما نفى عنه الجنون وما يشابه الجنون ﻷنه في آخر السورة اتهام المشركين له بالجنون -كما تعلمون- فقدّمها نفيا، والجنون درجات قالوا "كل نقص في العقل فهو كسب في الجنون"  ﻻ نحسب أن المجنون هو المجنون أعلى درجات الجنون التي نعرفها، قالوا كل نقص في العقل فهو نوع درجة من الجنون ويرتفع حتى يصل إلى الجنون الكامل كما أن النوم درجات والصفات درجات فالجنون درجات يبدأ من نقص العقل فنفاه الله عنه.
 قالوا: ثم قال ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) أي لاكتمال عقلك كمُلت أخلاقك.  هذه الوقفة التدبرية لاكتمال عقلك كمُلت أخلاقك، الثمرة من ذلك، من اللوازم أن كل نقص في العقل ولو كان يسيرا يُحدث خلة وصفة وخُلقا مذموماً. معنى عجيب في التدبر (..... )
وقال: وكل -أيضا- خصلة ذميمة في اﻹنسان هي تدل على نقص في عقله. وهذا يحتاج منا أن نراجع أنفسنا.
فإذا كل كمال في العقل يُورث صفات حميدة. وتذكرون أني قلت لكم في قوله تعالى (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) [سورة العنكبوت : 45]  قال بعض العلماء: إذا أردت أن تعرف تمام صلاتك فانظر إلى بُعدك عن الفحشاء والمنكر فبقدر ابتعادك عن الفحشاء والمنكر فهو تمام في صلاتك وبمقدار وقوعك في المعاصي نقص في صلاتك ﻷن الله قال (إِنَّ الصَّلَاةَ) الكاملة التامة التي شرعها الله ﻻبد أن تنهى عن الفحشاء والمنكر فإذا وجدت خللا في صلاتك فأثرها بسبب بعض المعاصي، وإذا وجدت ارتكابك أو وقوعك في معاصي بسبب نقص في الصلاة ﻷن الصلاة التامة الكاملة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
 هنا أيضا نفس المعنى التدبري في سورة القلم أن بمقدار تمام عقلك تكون صفاتك الحميدة تبدأ باﻹيمان وما بعده.
 ولذلك بعض الناس -ﻻحظوا- يقول فلان -قد يمدح بعض الكفار-  يقول ما أعقله .. فلان عاقل، القرآن يرُده على لسانهم هم (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [سورة الملك : 10] فبعض الناس قد يراه الناس يقول هذا عاقل وهو كافر،  لو كان عاقلا ﻷعظمُ الصفات هي اﻹيمان.
هذه المعاني الدقيقة في فهم اﻷخلاق ولذلك أثنى الله على النبي صلى الله عليه وسلم لتمام عقله تمت أخلاقه ونفى الله عنه الجنون جملة فكذلك اﻹنسان يكون . لعلي أوضحت ما أريد من هذه الوقفة المؤثرة في هذا الجانب.  والله أعلم .
/ وقفة أيضا مع أخلاق الأنبياء وأخلاقه صلى الله عليه وسلم: لماذا ذكر الله الأنبياء في سورة الأنعام ختمها بقوله (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ) [سورة اﻷنعام : 90] ويستحيل عقلا وشرعا أن يحيلنا الله جل وعلا بالاقتداء إﻻ بمن كمُلت أخلاقهم. الآن قد يقول المُعلم أو اﻷب لابنه كن مثل فلان، قد يكون باب الكرم أو باب العلم أوباب .... من الصفات، ﻻ يمكن أن يقول له هذا إﻻ يريد منه صفات العلو. ولذلك يذكرون قصة فيها طرافة : أن رجلا عُرِف بمكانته ومنزلته وعِلمه وفضله قال لابنه : يا بني ماذا تتمنى؟ قال: أتمنى أن أكون مثلك، قال: لا، يا بُني أنا كنت أتمنى أن أكون كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وانظر الفرق بيني وبين علي بن أبي طالب إذا سيكون الفرق بيني وبينك كالفرق بيني وبين علي بن أبي طالب لماذا لا تتمنى أن تكون كأبي بكر وعمر وعثمان حتى ترقى . فلذلك وجهنا الله للاقتداء بالأنبياء ومنهم النبي صلى الله عليه وسلم، الأنبياء نالوا أعلى الصفات وأكمل الصفات.
 لكن قد يقول قائل: قوله تعالى (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) [البقرة:٢٥٣] وقوله تعالى (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ ۖ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) [الإسراء:٥٥] . هذا التفضيل لا يُنقص من مقامهم ولا من أخلاقهم ولا من عُلوهم إنما هو تفضيل في داخل الكمال، قال العلماء هو تفضيل داخل إطار الكمال والكمال درجات لكن كلهم في أعلى مقامات الكمال عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام فلا يُفهم من ذلك أي فهم خاطئ في قوله (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ) ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتناول الناس تفضيل الأنبياء (.....) مثّل بيونس بن متّى لاتقولوا إني أفضل من يونس بن متّى أو كما قال صلى الله عليه وسلم، الأنبياء نحن ما نفضِّل الأنبياء، تفضيل الله لهم وبعضهم على بعض لذلك يُقال أولوا العزم من الرسل نعم هذا تفضيل من الله سبحانه وتعالى ، فنصّ الله على هذا في القرآن (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف:٣٥] واختلف العلماء ولكن القول الراجح أنهم خمسة الذين وردوا في سورة الأحزاب وفي سورة الشورى أولوا العزم من الرسل لأن نفس الخمسة كلهم وردوا وأيضا قال العلماء الذين يأتون أيضا في حديث الشفاعة -لاحظوا التوافق- وهم: نوح عليه السلام وإبراهيم عليه السلام وموسى عليه للسلام وعيسى عليه السلام ومحمد عليه الصلاة والسلام ، فنفس الخمسة وردوا في سورة الأحزاب وسورة الشورى، وهم أيضا الذين عدّهم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الخمسة الذين يأتي الناس إليهم لكن هذا لا يقدح في مقام غيرهم، كلا فهم أنبياء الله ورُسله.
نأخذ بعض الصفات لهؤلاء الأنبياء:
يقول الله جل وعلا عن أيوب (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص:٤٤] ولذلك يُقال حتى في المثل أعظم من صبر أيوب لأن الله ابتلاه بمرض طويل لم يكن هذا الابتلاء في بعض الأنبياء فصبر فقال (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) وأيضا في سورة ص (وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)  (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)  هكذا.
يقول أيضا عن يحيى (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) [مريم:١٢] ويقول (أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ..) الآية.
ويقول في نوح (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) [الإسراء:٣] 
وقال في إسماعيل ( إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ) [مريم:٥٤] وقال لأبيه (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات:١٠٢] في أعظم (....) سيذبحه.
فيخُصّ الله بعض الأنبياء بصفة لا لأنها مفقودة في غيرهم لكن لسبب فلأنه لما جاء في قصة إسماعيل أنه سيذبحه أبوه فجاء الثناء عليه بالصبر، ولما أيوب جاء أيضا موضوع المرض الطويل الذي أصابه حتى وصل إلى تخلي زوجته عنه ليس تخليا منها ولكن هو أشار إلى ذلك في قصة حدثت وذكرها العلماء وإلا فقد صبرت معه رحمه الله فأثنى الله عليه .
الشاهد: أن الأنبياء جاءت أخبارهم وصفاتهم.
 وأثنى الله على حِلم إبراهيم عليه السلام، وأيضا قال الله جل وعلا (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف:٥٥] الذي هو يوسف عليه السلام، وقال عن موسى ( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا) [الكهف:٦٩] وقال (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) [القصص:٢٧] وهلم جرا من هذه الصفات.
أما النبي صلى الله عليه وسلم  -كما ذكرنا- قال الله جل وعلا فيه ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) أي عاليا مُستعليا بالقرآن
 وقال الله له (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:١٩٩] وقال (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ) [آل عمران:١٥٩] وقال (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:١٢٨] .
وخلاصة الأمر: أنه صلى الله عليه وسلم اجتمعت فيه كل الصفات، لو جلسنا نُعددها ما وصلنا إلى شيء منها فقد بلغت الذروة فقد كان سهلا لينا .. قريبا من الناس .. مُجيبا لدعوة من دعاه .. قاضيا لحاجة من استقضاه .. جابرا لقلب من سأله لا يحرمه ولا يرده خائبا .. وإذا أراد أصحابه منه أمرا وافقهم عليه وتابعهم فيه إن لم يكن فيه محذور .. وإن عزم على أمر لم يستبدّ به دونهم بل يشاورهم ويُأمرهم .. وكان يقبل من محسنهم .. ويعفو عن مسيئهم ولم يكن يُعاشر جليسا له إلا أتمّ عشرة وأحسنها فكان لا يعبس في وجهه ولا يُغلظ عليه في مقاله ولا يطوي عنه بِشرَه ولا يُمسك عليه فلتات لسانه ولا يؤاخذه بما يصدر عنه من جفوة بل يُحسِن عشرته غاية الإحسان ويحتمِله غاية الاحتمال .  كل هذا القول ذكره شيخنا الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله فليُرجع إليه عند قوله تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .
 صفات عظيمة أشرت إليها ووقفت عندها لنقتدي به صلى الله عليه وسلم وأخلاقه في القرآن كما أشرت إلى بعضها لكننا نقف الآن مع آية عجيبة من أخلاقه صلى الله عليه وسلم.
يقول الله جل وعلا في سورة آل عمران (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ) [آل عمران:١٥٩] هذه الآية مليئة وتستحق محاضرة مستقلة ودرسا مستقلا ولكن هل وقف أحدكم عند هذه الآية في يوم من الأيام في موضعها كيف جاءت؟
جاءت بعد قوله تعالى في سياق (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ۚ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران:١٥٢] جاءت آيات فيها عتلب للصحابة وقد وقعوا في أخطاء كما بيّن الله جل وعلا لاحظوا (حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ) ومع ذلك بعد كل هذه الصفات -وهي طويلة لم أقرأها كاملة- في سورة آل عمران قال الله له (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ)  -سبحان الله- .
الوقفات كثيرة جدا أنه بعد كل هذه الصفات والأخطاء التي وقعت من الصحابة رضوان الله عليهم والقرآن ينزل يصحح أخطاء الصحابة ، الخ ما نزل ، نأخذ هذه الدروس وهذه الوقفات :
أولا: حُسن خُلقه صلى الله عليه وسلم فلم ينهرهم .. لم يقسُ عليهم بعد كل (فشلتم .. وتنازعتم .. عصيتم) صفات كبيرة وأخطاء وعفى الله عنهم جل وعلا رضوان الله عليهم، حُسن الخُلُق ولين الجانب والبعد عن الغلظة التي تستدعي تفرق الناس.
ثانيا: أنظروا خير الجماعات وهم صحابة النبي  صلى الله عليه وسلم خير القرون وقعت منهم هذه الأشياء (فشلتم .. وتنازعتم .. عصيتم) لكنهم أوّابون، لكنهم رجّاعون إلى الحق. فيدل على مهما كان أننا لا نستغرب أن يقع ممن حولنا بعض الأخطاء. هذه فائدة يعني إذا كان هؤلاء مع النبي صلى الله عليه وسلم وربّاهم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع منهم هذه الأشياء -طبعا وقعت من بعضهم- ليس المراد أنها وقعت منهم جميعا حتى يقوا ابن مسعود في قوله تعالى (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) يقول لولا أن الله جل وعلا قال ذلك ما كنت أتوقع أن أحد من الصحابة يريد الدنيا لكن هذا كلام الله جل وعلا، هم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم هذا أمر عظيم.
الفائدة بالنسبة لنا أيضا ما دمنا حول هذه الآية بعد قوله أن نتعامل مع من حولنا باللين والرفق ، أيضا أنه قد يقع أخطاء لأني ألحظ ويلحظ البعض أنه إذا وقع خطأ ممن حوله، من أولاده .. من زوجته .. من أقاربه غضب واشتد وكيف يقع منك ذلك، يا أخي وقع من خير القرون هذه أيضا وقفة.
ثالثا: انظروا إلى معاملة النبي صلى الله عليه وسلم مع كل ذلك العجيب من هذه الوقفات -سبحان الله- يقول بعض العلماء حول هذه الآية: مراعاة الطبيعة البشرية ومن حولك لا تستدعي مجرد الفضاضة فقط (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖوَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) كيف؟ قال: فقد تكون تعرف أشخاصا لا يسيؤون للآخرين وليس فيهم فضاضة ولا يسيؤون بكلامهم لكنهم قلّ أن تجد منهم كلمة طيبة أو رحمة مهداة على لفظ بعض الناس يقول فلان كافٌ خيره شره وما يمكن التقارب منه، فالله سبحانه يأمر النبي صلى الله عليه وسلم لا يكتفي بترك الفضاضة والشدة ولا يأمره فقط باللين فيقول (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖفَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) ادع لهم (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) مع ما وقع منهم. سبحان الله انظروا هذه الأخلاق العظيمة ولذلك من الرحمة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم استجابة لأمر الله كما في هذه الآية أنه عفا عنهم وأنه دعا لهم صلى الله عليه وسلم وأشركهم في الأمر أن نتقدي به في هذه الصفات.
ثم (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ) ليست منك الرحمة حتى الجبلية التي قلنا عنها بعض الصفات من الله، سبحان الله ونحن نتكلم عن النبي صلى الله عليه وسلم لاشك الصفات العظيمة لله جل وعلا أكمل الصفات لله جل وعلا هو الذي حسّن خُلُقه وهو الذي ليّنه (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ) ويُثني عليه. سبحان الله الناس يتعودون أن الواحد إذا أحسن إلى آخر منّ عليه، ما قال أنا أعطيتك وأنا فعلت، الله جل وعلا يُثني على النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي أعطاه هذه الصفات هذا يدل على ماذا ونحن نتكلم عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم ؟ على الخُلُق الأعلى على صفات الله جل وعلا العليا له أكمل الصفات جل وعلا .
أيضا: أننا نحتاج إلى الكلمة الحانية فيمن حولك مهما كان (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصّلت:٣٤] كان بيني وبين أحد الأشخاص نقاش غفي الأسبوع الماضي حول تغريدة فيقول بعض الناس مهما أحسنت إليه قولا وفعلا لا يُفيد، قلت هل أصدقك أو أصدق الله جل وعلا؟ وحاشا هذا من باب الجدل والنقاش، الله عز وجل يقول (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ) ما قال فقد لا يكون عدو (كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)  لكن المشكلة في الأول الذي ما أعطى هذا .... (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) لأنه لو كان فعلا قد أحسن الإحسان الذي أمر الله به لاختلفتم صفة المقابل، ولديّ من الأحداث والقضايا والله ما يثبت هذا الأمر أن يكون إنسان بينه وبين شخص عداوة فيُحسِن إليه ويدفع بالتي هي أحسن ينقلب، وهذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نتحدث عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم ، كيف؟ نتحدث عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم يقول بعض الصحابة كان أبغض الناس إليّ رسول الله فما أمسى المساء إلا وهو أحبّ الناس إليّ، لماذا؟ ذكر صفة الإحسان بالمال أو بالكلمة فقط فإذا هو أحبّ الناس وممن ذكر هذا عمرو بن العاص رضي الله عنه قال كان من أشدّ الناس عداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم ولو رأيته -في ذلك الوقت- لفعلت وفعلت فما هو إلا أن يقول أحببته حتى إنني من حبه ومهابته لا أستطيع أن أرى وجهه ولو قيل صِف محمدا ما استطعت أن أصِفه، لمحبته له ومهابته ما يستطيع يضع عينه بعينه ويقول كان من أبغض الناس إليّ. إذا أمامنا الأحداث الواقعة وما بعد كلام الله شيء (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) والله لوسلكنا وتخلّقنا بهذه الأخلاق -أيها الأحبة- مع كل من خاصمنا لتغيرت أحوال الناس لكن الشيطان له مداخل كما بيّن ابن القيّم في الغضب وغيره .
أيضا: قال العلماء انتظمت أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وتنتظم أخلاق غيره بهذه الآيات :
أولا: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:١٩٩] نجعلها منهجا لنا.
 ثانيا: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء:٢١٥].
ثالثا: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) .
نعود مرة أخرى إلى الصفات النبوية أننا نحتاج لهذه الآية العظيمة يقول الله فيها (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ) وهي مثل عملي لقوله (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ).
إذا أنا وأنت -أخي الكريم ومن يسمع- نحتاج إلى هذه الآية مع أنفسنا .
شهِدت قصة فيها نوع من الطرافة : طالب عِلم عُرِف بحُسن مراعاته للآخرين مهما فعلوا فيقول له أحد المشايخ -وكنتُ حاضرا- قال يا فلان أنا متعجب من مراعاتك لمشاعر الآخرين. قال : لا، لا تعجب والله إنني أراعي نفسي أشدّ من مراعاتي للآخرين، قال: تُراعي نفسك!! قال: نعم، لأن نفسي إذا لم أراعيها قد تنفلت مني .. قد تنطلق مني فلا أشدّ عليها إلا بالواجب بالأمر والنهي الواجب ماعدا ذلك ..، وهذا ورد في أحاديث صحيحة (ليُصلي أحدكم نشاطه فإذا فتر فليرقد) فإذا كنت تقرأ القرآن وشعرت أنك تتثاءب لا تقرأ يا أخي يقول النبي صلى الله عليه وسلم (ليُصلي أحدكم نشاطه فإذا فتر فليرقد) أو فليقعد. المقصود مراعاة النفس هنا نحتاج إلى أن نكون لينين مع أنفسنا وهذا قد يستغربه البعض فكثير من -وقد تتبعت هذه المسألة- الذين يُصابون بانفصام الشخصية أو العُقد النفسية لم يُحسِنوا معاملة أنفسهم. نعم ، أعيدها مرة أخرى وتتبعت هذا الموضوع منذ سنوات الذين -حماكم الله- يُصابون بانفصام الشخصية وهي أعلى درجات الانفصام تصل إلى درجة الجنون أو العُقد النفسية وهي درجات من أعظم أسبابها أنهم لم يتعاملوا جيدا مع أنفسهم. وهي كلمة هذا طالب العلم يقول والله إنني أُراعي نفسي. أخذا بالقرآن والسنة (لا يكلف الله نفسا إلا وُسعها) خوفا من أن تنفلت مني. لأن النفس إذا انفلتت ما تملكها. يُراعيها .. يُهدئها لا يُجبرها على شيء إلا إذا كان واجبا أو نهيا عن منكر .
أيضا: يحتاجها الإنسان مع أسرته. أحبتي ألم أقل لكم في أول حديثي إن المشكلات في البيوت كثيرة . يقول النبي  صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله) نحتاج إلى أن نُراعي هذا الجانب اللين والرِفق مع أهل بيتنا .. الزوج مع زوجته .. الزوجة مع زوجها .. الأب مع أولاده. والله -يا أحبتي- إذا أخذنا بهذا الجانب سنجد عجبا في داخل بيوتنا من الراحة مهما كان ..... يقول شخص من الأشخاص لي عدد من الأبناء ويختلفون في البِر يقول: بعضهم قد ينقص، قد يُقصِّر -وهذا موجود في أكثر البيوت- يقول كنت أتعامل معهم ما لم أتعامل مع الذين يبرون فوالله أصبحوا من أشدّ أبنائي بِرا. لأنهم لما يكبروا يُركوا ويعرفوا فهذا معنى جميل جدا.
فإذا تعاملت الزوجة مع زوجها والزوج مع زوجته ..... دائما أقول للأخوات لما تذكر لي مشكلة أقول اسمحي لي أنا لست قاضيا لكن قد تكونين أنتِ السبب، لأني ألحظ الكثير .... وأنا أنصحهن بهذا الكلام، أغلبهن لو أقول لكم تتعدى النسبة عندي -أنا أحب الأرقام- تسعين بالمئة كل واحدة تطرح المشكلة ثم تقول أنا ما قصرّت معه بشيء -لو تُرِك القطا ليلا لنام- لأن كلمة "ما قصرت معه بشيء" "شيء" نكرة في سياق العموم يعني لا شيء قليل ولا كثير. من يقول هذا الكلام!! حتى الرجل لو قال هذا الكلام قلت له تكذِب، ما قصّرت بشيء!! فهذا خلل يُحدِث المشكلة .. يُحدِث المنّ، تبدأ تكبر المشكلة. فلهذا عندما نتعامل (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ) .
 إذا نحتاج إلى هذا الخُلُق مع أهلنا ولذلك حتى مع أولادنا، جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم، الأقرع بن حابس كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه (ووجد النبيّ يُقبِل الحسن رضي الله عنه وهو صغير، فقال الأقرع رضي الله عنه :إن لي عشرة من الولد ما قبّلت واحدا منهم ) هذا حديث صحيح، ماذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال (إنه لا يُرحم من لا يرحم) وفي بعض الألفاظ في البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتقبلون الصبيان؟! ما نقبلهم -جفاء- فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (أوأملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة) فعلا بعض الناس لا يُقبل أولاده. إذا التعامل حتى مع الأطفال .. مع الصغار مهم جدا. هذا المنهج في هذه الآية العظيمة في سورة "ن" وكذلك في سورة آل عمران يحتاجها الإنسان في دعوته.
هذا موضوع يحتاجه الدُعاة الحقيقة -وكلنا دُعاة- لا تفهموا من كلامي عندما أقول الدُعاة أن الدُعاة الشيخ فلان والشيخ فلان كلكم دُعاة لكن أحد يدعو بلسانه وأحد يدعو بقلمه وأحد يدعو بأخلاقه وقد يكون من أعظم -ونحن في باب الأخلاق- من أعظم أبواب الدعوة الأخلاق، والأخلاق لا تحتاج أحيانا إلى مزيد، أن يكون الإنسان فصيحا .. مُتكلِما، وكم أسلم من الناس بسبب أخلاقهم ولذلك يقول الله جل وعلا  هنا (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ما قال على عِلم عظيم بل قال ما أمر الله بشيء مثل ما أمره قل رب زدني عِلما مع أنه بلاشك أعلم الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن خلُقه العظيم أن الإنسان يحتاج إليه في دعوته. وأعجبني استنباط بعض العلماء -ومرّ معنا هذا الموضوع في سورة النازعات- قلّ أن تجد إنسان أسوأ خُلُقا من فرعون ومع ذلك يقول الله جل وعلا لموسى وهارون عليهما السلام (اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ*فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ) [طه:٤٣-٤٤] وجاء رجل لأحد الخلفاء فقال إني مُتكلم معك وناصحك وسأُغلظ عليك، قال : لا، لا تُغلِظ عليّ فوالله لست أنت أفضل من موسى ولا أنا أسوأ من فرعون، لا، ترفّق بي. فلذلك الإنسان عندما يترفق في المدعو بلطف وبإحسان يجد الإجابة يجد قبول الناس فنحن في دعوتنا نحتاج إلى ذلك بل أشدّ من ذلك أن الناس أحيانا دون أن يدعو مجرد أن يجدون أخلاقه أخلاق جميلة يؤمنون ....، كثير حدث هذا في الغرب تسألهم لماذا أسلمت قال عندنا جار مسلم وجدنا أخلاقه، لم يتكلم معه ولم يدعُه يوما من الأيام فبسبب أخلاقه في وفائه بالوعد .. في دقته .. أسلم، ولهذا لفتة جميلة ذكرها أحد العلماء يقول: لو أخطأ أحد هنا -في مجتمعه- قالوا أخطأ فلان لكنه لو أخطأ في بلاد الغرب -مثلا- أو بلاد الكُفر قالوا أخطأ مسلم فهنا يُنسب خطؤك للإسلام . إذا أقول نحتاج إلى الرِفق وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في بيوتنا وفي مؤسساتنا.
أيضا: في مؤسساتنا وأعمالنا نلحظ أن بعض المسؤولين سواء في مؤسسة خاصة أو عامة أو رسمية قد يكون فيه شدة وغِلظة على أصحابه. فائدة استفدتها من أحد المتخصصين جميلة جدا في القيادة يقول: "القيادة بالحب والمهابة أعظم من القيادة بالخوف" فبعض الناس يرى أن يقود الناس بالقوة وبالخوف وبالبطش، لا، إنما إذا كان بالحُب والمهابة هو أعظم وسائل التربية والقيادة وبخاصة في داخل البيوت فإن قيادة الإقناع ولذلك أعلى درجات الإيمان -كما تعلمون- وهي درجة الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
إذا خلوت الدهر يوما ** فلا تقل خلوت ولكن قل عليّ رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ** ولا أن ما تُخفي عليه يغيب
وإذا خلوت بريبة في ظُلمة ** والنفس داعية إلى الطُغيان
فاستحِ من نظر الإله وقل لها ** إن الذي خلق الظلام يراني
يوم من الأيام أرسل لي شاب وقال أنا أعصي وأتوب .. وأتوب وأعصي هل تدلني على طريق فعلا أُقلِع؟ قلت له سأسألك بالله : لو كنت في معصية ثم دخل واحد من أقاربك ماذا تفعل؟ قال: أعوذ بالله سأقلع فورا ، قلت طيب لو دخل أحد المشايخ؟ قال: أعوذ بالله يعني أعمل وهو يراني!! سأُقلع فورا ، قلت له -من باب التنظير طبعا يسمونه من باب الجدل- لو دخل عليك للنبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أعوذ بالله والله ما أفعلها، قلت: طيب الله سبحانه وتعالى يراك. كل هؤلاء تُقلع والله يراك ولا تُقلع !! قال: خلاص ..خلاص انتهيت. فإذا التصور الآن بعض الناس الحقيقة في شدته وقسوته وغِلظته على من تحت يده ويرى أنه ما يمكن أن يصير مسؤول أو مدير إلا بالشدة والغلظة والقوة، لا، إنما بالحب والمهابة هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، كان محبوبا .. مُهابا صلى الله عليه وسلم كما قال عمرو بن العاص ما أستطيع أن أراه ، ما أستطيع أن أضع عيني في عينه، كانت له مهابة عظيمة مع أنه ما ضرب أحدا صلى الله عليه وسلم. هذا معنى.
أيضا: يقول العلماء يحتاجها السياسي في سياسته والملوك والرؤساء في قيادة شعوبهم أن يكون للرئيس أو للملك أو للسلطان مهابة ومحبة ، نعم بعض الناس لا ينفع معه إلا العقاب لكن العقاب في بابه، هناك من الفُرس اشتهر بعض ملوك الفُرس القدامى -لا الفُرس المعاصرين- اشتهروا بالحكمة وكانوا من حِكمهم قالوا أساس المُلك العفو، ويقولون لأن تُخطئ في العفو خير من أن تُصيب في العقوبة ولذلك جاء درء الحدود بالشُبهات، تُدرأ الحدود بالشُبهات، نعم هناك أُناس  لاينفع معهم إلا العقاب ولذلك جاء باب التعزير وجاء باب الحدود والحدود ما فيه مجال ولا تسامح فيها، والتعزير يختلف من شخص لآخر. (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم) كما ورد في الحديث. فقيادة الناس إذا باللين والرفق والصبر (الذي يُخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يُخالطهم ولا يصبر على أذاهم ) سواء داعية أو مسؤول أو أمير أو وزير أو غيره، الذي يُخالط الناس سيجد من الناس شدة هكذا وجد النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه رجل يقول أعطني من مال الله لا تعطيني من مالك ويعطيه النبي صلى الله عليه وسلم، يأتي من يجرُّه حتى أثّر في صفحة عُنقه صلى الله عليه وسلم كما في الحديث ويقول أعطني فيلتفت عليه النبي صلى الله عليه وسلم ويبتسم ثم يقول أعطوه. الناس فيهم الجفاء .. فيهم الغِلظة لكن يحتاجون إلى رِفق من كل أحد، الأب في بيته .. المؤول في مسؤوليته .. المدير في مدرسته .. الوزير في وزارته .. السلطان في سلطانه، نحتاج إليه (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖوَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) قاعدة ثابتة طبِّقها في البيوت .. طبِّقها في المؤسسات .. طبِّقها حتى إمام المسجد، قد يكون بعضهم عذاب على الجماعة، نعم وإن كان إمام مسجد لا نُعمم الحكم لكن يوجد، يجب أن يكون رفيقا سهلا .. هينا .. لينا مُتخلِقا بأخلاق محمد صلى الله عليه وسلم.
إذا حتى لا ينفضوا من حولك نجد هذه الصور العملية عند النبي صلى الله عليه وسلم صفحة مُشرقة من حياته .
النبي صلى الله عليه وسلم جالس عند إحدى زوجاته -ولعلها عائشة- فأرسلته إحدى زوجاته طعام في صفحة فالغيرة موجودة حتى بين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، طبعا هي ما ملكت ... هي جالسه مع النبي صلى الله عليه وسلم يأكل معها يأتي الطعام من زوجة أخرى!! فغضبت فضربتها فسقطت وانكسرت وتناثر الطعام، ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟ هل غضب؟ هل تكلم؟ قال: غارت أمكم .. غارت أمكم ثم قام يلُم الطعام صلى الله عليه وسلم ويأخذ عنده صحفة سليمة ويضع فيها الطعام ويقول صحفة بصحفة وطعام بطعام ويعطيها الخادم من دون أن يتكلم على المرأة بشيء . التنظير سهل لكن التطبيق صعب إلا من وفقه الله جل وعلا. هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم.
جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم وهو النبي صلى الله عليه وسلم فأغلظ عليه -يريد حق من النبي صلى الله عليه وسلم- فهمّ الصحابة أن يضربوه، كيف يُغلظ على النبي صلى الله عليه وسلم!! قال: (دعوه فإن لصاحب الحقّ مقالا). إذا كان أحد يريد منك شيء فقد يُغلظ عليك وسع صدرك فمعه حق، ثم قال (أعطوه سِنا مثل سِنه قالوا يا رسول الله ما وجدنا مثل سِنه -يعني أحسن- قال أعطوه فإن من خيركم أحسنكم قضاء) هذا معنى عظيم .
وبالمناسبة: قد يسأل سائل إذا أقرضني أحد ألف ريال -مثلا- وليس بيني وبينه إتفاق إلا إني أرده ألف ريال ولكن لما صبر عليّ رأيت أني أعطيه ألف وخمسمائة ريال هل هذا ربا؟ فنقول إذا لم يكن شرط ولا عُرف ولا هو ينتظر إتفاق عُرفي فأعطه فالنبي صلى الله عليه وسلم أعطى رجل البكرة بكرتين فالربا إذا كان متفق عليه أو كان فيه اشترا أو عُرف، أحيانا يصير فيه عُرف فيتحول العرف فلذلك يقول ابن القيّم : "الشرط العُرفي كالشرط الوضعي" قاعدة جميلة الشرط العُرفي كالشرط الوضعي. هذه فائدة.
أيضا: يقول أنس رضي الله عنه كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة فنظرت إلى صفحة عُنق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثّرت فيها حاشية الرداء من شدة جبذته فقال: يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فضحك فأمر له بعطاء.
ونجد أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم . أول أيها الإخوة -وهذه والله من العجب- قبل بعثته ثم لما بُعث وجاء لخديجة رضي الله عنها يشكو لها زملوني .. زملوني .. دثروني .. دثروني ماذا قالت خديجة رضي الله عنها، تأملوا هذا الحديث الصحيح (كلا والله لا يُخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتُقرئ الضيف وتُعين على نوائب الحق) كما في البخاري، لاحظوا أين الشاهد؟ كلها صفات أخلاقية، ما قالت أنك تتعبد في غار حراء وأنك لم تسجد لصنم ولم تشرب الخمر -وهو فعلا كذلك صلى الله عليه وسلم لم يفعل هذه الأشياء- لا، قالت : والله لا يُخزيك الله أبدا، وذكرت هذه الصفات ، أُعيدها (إنك لتصل الرحم) صفة هذه، أخلاق (وتحمل الكل) ....تُعينه (وتكسب المعدوم) تساعده (وتُقرئ الضيف وتُعين على نوائب الحق) هذا لايخزيه الله. هذه أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم. يقول أنس رضي الله تعالى عنه : (خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين والله ما قال لي أُف قط ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا) في البخاري. عشر سنين طيب كل واحد منا يرجع إلى السائق عنده أو الخادم أو الخادمة ما نهره، ما قسى عليه، أنا ما أقول ما ضربه هذا شيء آخر، بعض الناس والله -مع كل أسف- قلت لهم هذا الكلام قالت أنت تدري إننا لوفعلنا هذا ساءت أخلاقهم، لو فعلنا مع الخدم أو مع بعض من عندنا ساءت أخلاقهم .
أعطيكم قصة المأمون مع إن المأمون تعرفون نصر الاعتزال لكن آخذ جانب معين. يوم من الأيام نادى يا غلام .. يا غلام -مملوك خادم مملوك- كان الغلام يأكل قال: أنتم ما تتركوننا إن كنا نائمين قلتم يا غلام وإن كنا نأكل قلتم يا غلام  -يقول للمأمون- والمأمون من هو المأمون في مُلكه وسلطانه وقوته، فسكت المأمون ثم قال: إن حسُنت أخلاقنا ساءت أخلاقهم وإن ساءت أخلاقنا حسُنت أخلاقهم والله لن تسوء أخلاقنا من أجل أن تحسُن أخلاقهم.
حقيقة عجيب ، يعني يقول لو نهرته وقسوة سوف يمشي صح لكن يقول هذا سؤ خُلُق ومع ذلك أبدا.
جاء خادم مرة لأحد السلاطين معه مرق له فعثر فانكب عليه، فغضب ، طبعا المرق ينكب على الأمير وإلا على السلطان ، مباشرة فقيه هذا الخادم فبدأ يُخاطبه قال والكاظمين الغيظ، قال كظمت غيظي، قال والعافين عن الناس، قال عفوت عنك، قال والله يحب المحسنين قال اذهب فأنت حُرٌ لوجه الله. هو صب عليه مرق .... بس اطمأن ألاّ يُعاقبه لكن مباشرة ألهمه قال والكاظمين الغيظ قال خلاص كظمت غيظي -كلام الله- قال والعافين عن الناس، قال عفوت عنك، قال والله يحب المحسنين قال اذهب فأنت حُرٌ.
إذا نحتاج إلى هذه الأخلاق من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم تقول عائشة رضي الله عنها : (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما له ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يُجاهد في سبيل الله) هذا أيضا في البخاري.
وقد شهد له أعداؤه صلى الله عليه وسلم وشهادات الأعداء -والحق ما شهدت به الأعداء- وحتى قبل بعثته كان يُسمّى الصادق فكيف إذا بعد بعثته!! بل يُسمى الأمين في قصة الحجر الأمين .. جاء الأمين .. جاء الأمين فرحوا به فكيف إذا بعد بعثته وهم كفار.
يقول من هو فرعون هذه الأمة أبو جهل يقول له: والله إنا لا نُكذبك ولكن نُكذِّب ما جئت به -حيلة شيطانية طبعا- لكنه يشهد على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يقول كذبا. أيضا أبو سفيان قبل إسلامه، مع هرقل لما سأله هرقل عن صدق النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على النبي صلى الله عليه وسلم بصدقه.
يقول العالم الأمريكي مايكل هارث : "إن محمدا -نقول صلى الله عليه وسلم- كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي" ثم يقول "إن هذا الاتحاد الفريد الذي لا نظير له في التأثير الديني والدنيوي يُخوِّله أن يعتبر أعظم شخصية في تاريخ البشرية جمعاء " هذا يقوله أمريكي كافر. هكذا أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم.
أيضا: كان النبي صلى الله عليه وسلم عنده غلام يهودي يخدمه -لما كان اليهود في المدينة- فمرِض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له -اليهودي الأب- أطع أبا القاسم فأسلم ثم أسلم الروح -هذا الغلام- فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الحمد لله الذي أنقذه من النار.
إذا حُسن الخُلُق يكونة-أيها الأخوة- مع الناس جميعا (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة:٨٣] وسبق أن بيّنت، ما قال قولوا للمؤمنين حُسنا .. للصالح (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [العنكبوت:٤٦] وإلى غير ذلك من الآيات .
 وقضية الولاء والبراء هناك خلط فيها الإحسان لا يمنع أن تكره دينه ، المُحارب تُعاديه، وقعنا في طرفين إفراط أو تفريط، ناس يأخذون هذه الآيات ويتنازلون مع أعداء الله ويُضيعون معالم الولاء والبراء ويُطالبون بمُعايشة الكفار دون حواجز وآخرون يعتبرون الكل كافر. مجرد أنه كافر وهذا خلل.
كيف نكسب الأخلاق الحميدة؟ باختصار:
/ تصحيح العقيدة: فالعقيدة الصحيحة يُهذِب أخلاق الإنسان (أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ) [هود:٨٧] العقيدة الصحيحة، عقيدة محمد صلى الله عليه وسلم .. عقيدة أهل السنّة والجماعة هي التي تُصحح أخلاق الإنسان ولذلك فالأخلاق جزء من العقيدة .
/ أيضا أن العبادات -كما قلت لكم قبل قليل- كل عبادة وذكرت لكم مؤثرة في الأخلاق، الصلاة .. الزكاة .. الصيام .. الحجّ تؤثر في الأخلاق . فالالتزام بهذه الأركان كما أمر الله تؤثر في أخلاقنا والآيات ذكرتها في الأول .
/ تدبر القرآن: تدبر هذه الآيات :
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ) [آل عمران:١٥٩]
(وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [فصّلت:٣٤] 
(وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) [النور:٢٢]
 (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) تدبر القرآن من أعظم وسائل (....)    
 / الاقتداء بالأنبياء وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم .
يا أخي الكريم اجعل لك قدوة وهو محمد صلى الله عليه وسلم ومن يقتدي به، قد تقولون كيف ومن يقتدي به؟ مثلا أنا أعرف شخص يقول: والله وبفضل الله وبشهادة من حوله تحسنت أخلاقه بشكل عجيب بسبب ماذا؟ قال وجدت من أشدّ الناس المعاصرين الذين عرفتهم وشاهدتهم حرصا على السُنّة هو سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، يقول فجعلته قدوة فارتفعت أخلاقه.
 لاشك أن -ولا نزكي على الله أحدا- كانت أخلاق الشيخ عبد العزيز يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم . مثال: يقول إذا أساء إليّ إنسان مباشرة أقول له أُسيء للشيخ بن باز ماذا أفعل؟ يقول والله ما أتردد إن الشيخ سيُسامحه فأُسامح. بل قال : والله وصل الأثر إلى أنني في أول حياتي وقيادتي السيارة صدمني أُناس والمرور يحكم عليهم مئة بالمئة، فيقول دفعوا مبالغ لإصلاح سيارتي. انتهوا وذهبوا وهو لا يعرفهم، يقول والله إني قدّرت المبالغ التي دفعوها وتصدقت بها بالنية عنهم . وهو أمر انتهى وذهبوا . يقول بعدما تأثرت بالشيخ عبد العزيز والشيخ عبد العزيز متأثر بالنبي صلى الله عليه وسلم وحريص على التزام سنته. إذا حين نجعل الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا وننظر هؤلاء الصالحين ونقرأ كتبهم تتغير أخلاقنا. قيل للأحنف بن قيس، الأحنف الذي في حِلم الأحنف في ذكاء (....) من أين تعلمت الحُلم؟ قال من قيس بن عاصم وذكر قضايا عن قيس بن عاصم وفي حِلمه عجبا والوقت لا يسعفني.
إذا حين تكون هناك قدوة لك بإذن الله يساعدك على هذا.
/ أيضا: التدريب، تدريب النفس فحتى الأخلاق تحتاج إلى تدريب (ومن يتصبر يصبره الله) (إنما الحلم بالتحلم) يقول النبي صلى الله عليه وسلم (والعلم بالتعلم ومن يصطبر يُصبره الله ). فإذا يمكن تتغير أخلاق الإنسان في هذا الآن.
ومن أعظمها: سؤال الله جل وعلا، الجأ إلى الله كما في الحديث (اللهم كما حسّنت خَلقي فحسّن خُلُقي) الجأ إلى الله سترى تغيرا في حياتك وتحسُنا، إن كنت على خير -وأنت كذلك بإذن الله- تزداد وترتفع في مقام الأخلاق أخلاق النبوة وإن كان عندنا نقص -ولا نخلو ونحن بشر- تزول بإذن الله بالتوجه إلى الله.   
وأخيرا : عُلو الهمة .
هذه كلها وسائل تُحسِّن الأخلاق الصبر .. الموعظة .. التواصي بين الزملاء .. القدوة الحسنة .. مُصاحبة الأخيار .. اللجؤ إلى أهل العِلم .. إدامة النظر في السيرة النبوية وقراءة سيَر الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ... إلى غير ذلك من الأسباب التي فعلا تكون مؤثرة بتغير أخلاق الإنسان .
أسأل الله الذي حسّن خَلقنا أن يُحسِّن أخلاقنا وأن يبارك فيكم وأن يجعل قدوتنا صلى الله عليه وسلم (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه) ، (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة). أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق