‏إظهار الرسائل ذات التسميات تفريغ دروس شرح تفسير السعدي للشيخ عبد الرزاق البدر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تفريغ دروس شرح تفسير السعدي للشيخ عبد الرزاق البدر. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 16 سبتمبر 2025

الدرس الثامن والأربعون | تفسير سورة البقرة: من الآية (٤٧) (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي…)

 تفسير سورة البقرة: من الآية (٤٧) (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي…) 


🎧 لسماع الدرس من موقع الشيخ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات أما بعد: فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في قوله تعالى (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين* واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون) 
ن/ "ثم كرر على بني إسرائيل التذكير بنعمته وعظا لهم وتحذيرا وحثا، وخوّفهم بيوم القيامة الذي لا تجزي فيه أي لا تغني نفس ولو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء والصالحين عن نفس ولو كانت من العشيرة الأقربين شيئا لا كبيرا ولا صغيرا، وإنما ينفع الإنسان عمله الذي قدمه، (ولا يقبل منها) أي النفس (شفاعة) لأحد بدون إذن الله تعالى ورضاه عن المشفوع له، ولا يرضى من العمل إلا ما أُريد به وجهه، وكان على السبيل والسنة.
(ولا يؤخذ منها عدل) أي فداء ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من عذاب الله ولا يقبل منهم ذلك، (ولا هم ينصرون) أي يدفعوا عنهم المكروه، فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه، فقوله (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) هذا في تحصيل المنافع، (ولا هم ينصرون) هذا في دفع المضار، فهذا النفي للأمر المستقبل به النافع (ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل) هذا نفي للنفع الذي يُطلب ممن يملِكه بعوض كالعدل، أو بغيره كالشفاعة فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع، وأن يعلقه بالله تعالى الذي يجلب المنافع ويدفع المضار فيعبده وحده لا شريك له، ويستعينه على عبادته"

ت/ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأصلح لنا إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أما بعد: فلا نزال مع هذا السياق المشتمل على وصايا الله جل وعلا لبني اسرائيل، قد تقدم قول الله عز وجل (يا بني إسرائيل) ثم أعيد هذا النداء (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) والتكرار فيه التذكير والتأكيد، التذكير بالنعم الكثيرة التي أنعم الله بها عليهم، والتأكيد عليهم أن يعوا هذا الذي يذكرهم الله سبحانه وتعالى به، متذكرين فضل الله جل وعلا عليهم وإنعامَه عليهم بالنعم المتعددات، قال: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) (نعمتي) مفرد مضاف يراد به الجمع، فالمراد النِعم التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها عليهم ولهذا هنا أجمل قال (نعمتي) ذكر النعمة إجمالا وسيأتي التفصيل بدءا من قوله (وإذ نجيناكم من آل فرعون) ولهذا سيأتي في آيات عديدة ذكر الله عز وجل لنعم يذكرهم الله سبحانه وتعالى بها بُدأت بقوله (وإذ نجيناكم من آل فرعون)، هذا الآن قوله (وإذا نجيناكم) بدأٌ بالتفصيل، هنا إجمال للنعمة قال (نعمتي التي أنعمت عليكم) هذا إجمال ثم بدأ التفصيل من قوله (وإذ نجيناكم من آل فرعون) ولهذا ستجد يمر معنا في السياق أنواع من النعم يعددها (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد) إلى آخر الآية وهكذا تجد يأتي تعداد للنعم هنا أجمل وبعده ماذا؟ فصّل.
قال (يا بني إسرائيل) عرفنا ما في قوله (يا بني اسرائيل) من حفز النفوس، نفوس هؤلاء وتذكيرهم بانتسابهم لهذا النبي الصالح عليه السلام يعقوب.
 (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين) هذا تخصيص بعد تعميم (نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين) هذا من جملة النعم، التفضيل هو من جملة النعم (وأني فضلتكم على العالمين) فضّل مَن؟ بني إسرائيل على العالمين، أي عالَم؟ العالم كله؟ (وأني فضلتكم على العالمين) أي عالم الزمان الذي كان فيه من يُعنون بهذا الخطاب، لأن هذا تذكير للموجودين في زمن النبي عليه الصلاة والسلام بماذا؟ بالنعم التي أنعم بها على من؟ على آبائهم وأجدادهم (جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين) الحديث عن ماذا؟ عن النعم التي أنعم بها على آبائهم وأجدادهم، يوضح لك أن هذا هو المقصود الآية التي تأتي (وإذ نجيناكم من آل فرعون) الذين في عهد النبي عليه الصلاة والسلام هل رأوا فرعون؟ إذن، لما يقول (وإذ نجيناكم من آل فرعون) هذا المعني به مَن؟ يذكرهم بنعمة الله على آبائهم  وأجدادهم.

قال: (وأني فضلتكم على العالمين) أي عالم زمانهم، هذا هو المقصود، والمراد تفضيل آبائهم في زمن موسى وبعده، قبل أن يكون تغيير، قبل أن يكون منهم التغيير والتبديل، فتكون (ال) في قوله (العالمين) ما نوعها؟ نعم، العهد، (العالمين) (ال) هنا للعهد، يوضحه السياق قال أبو العالية رحمه الله في قوله (أني فضلتكم على العالمين) "أي بما أُعطُوا من المُلك والرسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزمان، فإن لكل زمان عالَما" وروي نحو قوله عن غير واحد من أئمة السلف، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "ويجب الحمل على هذا" ما المراد؟ حمل المعنى في قوله (على العالمين) على هذا الذي ذكره أبو العالية وغيره من أئمة السلف من حيث أن المراد بالعالمين عالم ذاك الزمان، قال: "ويجب الحمل على هذا لأن هذه الأمة -أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لأن هذه الأمة أفضل منهم لقوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس) ولقوله صلى الله عليه وسلم (إنكم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله)،  قال الحافظ ابن كثير: "والأحاديث في هذا كثيرة". إذا قوله (وأني فضلتكم على العالمين) أي عالم ذلك الزمن، لا يتناول ما قبله ولا يتناول أيضا ما بعده، فالمقصود به ذلك الزمان فضّلهم بأن جعل فيهم أنبياء وجعلهم ملوكا وآتاهم في زمانهم ما لم يؤت أحدا من العالمين في زمانهم.
قال (وأني فضلتكم على العالمين) هذا الآن باب من أبواب الترغيب تذكير بالنعمة.
 قال: (واتقوا يوما) هذا تهديد وتخويف
(واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) (اتقوا يوما) المقصود بذلك اليوم يوم القيامة، والمقصود باتقاء ذلك اليوم اتقاء ما فيه من أهوال وشدائد وأمور عظيمة فظيعة.
(اتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) أي لا تغني نفس عن نفس مهما كانت القرابة ومهما كانت المحبة ومهما كانت الصلة مثل قوله: (واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا) مهما كانت الصلة (يوم يفر من أخيه* وأمه وأبيه* وصاحبته وبنيه) فلا تجزي نفس عن نفس شيئا.
 (نفس عن نفس شيئا) هذه ثلاث نكرات في سياق النفي فتفيد  العموم، (لا تجزي نفس) أي مهما كانت ومهما كان جاهها، مهما كانت مكانتها، مهما علت منزلتها، (عن نفس) أيضا مهما كانت قرابتها، مهما كانت صلتها، مهما كانت المحبة لها والعطف عليها، (عن نفس شيئا) أي ولو قليل، (شيئا) ولو نفعا قليلا، ولو شيئا يسيرا ما يحصل ذلك، مثل الآية التي في آخر الانفطار (يوم لا تملك) مثلها (يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله)، (لا تملك) مثلها (لا تجزي) (لا تغني) (نفس عن نفس شيئا). 
(واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) آخر ما نزل على نبينا عليه الصلاة والسلام (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) أي يوم القيامة اتقوا ذلك اليوم بالاستعداد وإصلاح العمل، وإقامة النفس على طاعة الله مثلها (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد غد) (غد) يوم القيامة.
(واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) لما ذكّرهم النعمة في الآية التي قبلها عطف بالتحذير من حلول النقمة والعقوبة.
(اتقوا) أي تجنبوا الأمور التي تنالون بها العقوبة في ذلك اليوم، تجنبوها، اتقوا ذلك اليوم الذي ستقفون فيه بين يدي الله عز وجل، يأمر في القرآن بتقواه، ويأمر بتقوى النار، (وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة)، وأيضا اتقاء اليوم الآخر اتقاء ما فيه من الأهوال والعقوبات، والتقوى هي: أن يجعل المرء بين ما يخشاه ويخافه وقاية تقيه وذلك بفعل الأوامر واجتناب النواهي.
(واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة) (ولا يقبل منها شفاعة) وهذا فيه أن من مات كافرا لا تنفعه شفاعة الشافعين، ولا تقبل فيه شفاعة، فقوله (ولا يقبل منها شفاعة) أي في الكافرين، ومنه قوله (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) مهما كان جاه الشافع، ومهما كانت قرابة المشفوع له ومنزلته ما تنفعهم شفاعة الشافعين، وقد ثبت في صحيح البخاري عن نبينا عليه الصلاة والسلام أن ابراهيم الخليل اتخذه الله خليلا، وجاهُه عند الله عز وجل جاه عظيم، قال: (يلقى إبراهيم الخليل أباه يوم القيامة فيقول له ألم أقل لك لا تعصني؟ ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول: الآن لا أعصيك، فيقول إبراهيم سائلا رب العالمين سبحانه ألم تعدني ألا تخزني يوم يبعثون؟ وأي خزي أعظم من أبي الأبعد؟  أن يكون من أهل النار، وأن يدخل النار فيقول الله عز وجل: يا إبراهيم إني حرمت الجنة على الكافرين) -هذا شاهد الآن- هذا شاهد لـ لا يقبل شفاعة لكافر، الكافرون لا تنفعهم شفاعة الشافعين، قال: (ثم يقال لإبراهيم أنظر فينظر فإذا والده تحول إلى صورة ذيخ -ذكر الضباع- فأُخذ بقوائمه وألقي في النار).
(ولا يُقبل منها شفاعة) فيه قراءة (ولا تُقبل منها شفاعة) قراءة عشرية (ولا تقبل منها شفاعة) الشفاعة هذه اللفظة هي بمعنى شفع، الشفاعة هي الشفع مثل الموعظة هي الوعظ، الشفاعة هي الشفع، فلما يكون اللفظ جاء مرة بالتذكير ومرة بالتأنيث يكن مرت لوحظ المعنى، ومرة لوحظ اللفظ. فمثلا قوله في قراءة (لا تُقبل منها شفاعة) لوحظ  اللفظ (شفاعة)، وفي هذه القراءة (لا يُقبل منها شفاعة) لوحظ المعنى الذي هو الشفع مثل ما جاء في قوله سبحانه وتعالى (فمن جاءه موعظة) مع قوله (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة) مرة قال (جاءكم) ومرة قال (جاءتكم)، في موضع لوحظ  المعنى وعظ، وفي موضع لوحظ اللفظ موعظة، وكله من الفصيح في اللغة.
قال: (ولا يقبل منها شفاعة) أي شفاعة في مَن؟ في الكافر، أما عصاة الموحدين تنفعهم شفاعة الشافعين وفي هذا أحاديث، ولهذا النفع المنفي يختص بمن لا يرضى الله قوله وعمله الذي هو الكافر، الذي لا يرضى الله سبحانه وتعالى قوله وعمله، والله لا يرضى إلا عن أهل التوحيد ولهذا ما تنفع الشفاع إلا لمن كان موحدا.
(ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل) العدل ما هو؟ الفدية. العدل هو الفدية (لا يؤخذ منها عدل) يعني لا يؤخذ منها فدية  وسميت الفدية عدلا لأنه مثل المفتدى أو المفدي لما يقدم فدية عِدل أي مثل شيء يفتدي به مثل قوله سبحانه وتعالى (وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها) ما معنى تعدل كل عدل؟ تفدي بكل فدية. هذا معنى أن تعدل كل عدل، أي تقدم كل فدية مهما عظُمت فإنه لا يُقبل منها، مثل قوله تعالى (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به) هذا مثل (وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها) لو ملء الأرض قدمه ذهبا ليفتدي به من عذاب يوم القيامة لم يُتقبل منه.
قال (ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون) (ولا هم ينصرون) أي لا يجدون من ينصرهم ليتخلصوا من العقاب لا هم فيهم قوة وقدرة في أنفسهم ينتصرون ينصرون أنفسهم، ولا يجدون ناصرا ومعينا مثل قوله (فماله من قوة ولا ناصر).
قال الشيخ رحمه الله: "ثم كرر سبحانه وتعالى على بني إسرائيل التذكير بنعمته وعظا لهم، وتحذيرا وحثا" في قوله (يا بني إسرائيل) مع أنه تقدمت (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم وإياي فارهبون) ثم قال (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) وسيأتي أيضا في آخر السياق (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين) فالتكرار هنا للتأكيد والتذكير بعظم النِعم التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها عليهم.
 قال: "ثم كرر على بني إسرائيل التذكير بنعمته وعظا لهم، وتحذيرا وحثا وخوفهم بيوم القيامة الذي لا تجزي فيه – أي في ذلك اليوم أي لا تغني- نفس ولو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء والصالحين" نفس يعني مهما عظُمت مكانتها، مع مهما علت منزلتها، مهما كان جاهها، (عن نفس) ولو كانت من الأقربين من العشيرة، ولو كان ولد الإنسان أو والده، لا يجزي والد عن ولده ولا مولود يجزي عن والده شيئا، (شيئا) لا كبيرا ولا صغيرا وإنما ينفع الإنسان عمله الذي قدمه.
(ولا يقبل منها) أي النفس (شفاعة) لأحد بدون إذن الله ورضا الله عن المشفوع له، ولا يرضى من العمل إلا ما أريد به وجهه سبحانه وتعالى، وكان على السبيل والسنة، هذان شرطا قبول العمل الإخلاص للمعبود والمتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام.
 (ولا يؤخذ منها عدل) أي فداء ولو افتدت بملء الأرض ذهبا لتنجوا من العذاب، أي فداء (ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض جميعا ومثله معه) لافتدوا به من عذاب يوم القيامة ولا يقبل منهم ذلك، وهذا جاء فيه آيات عديدة في كتاب الله عز وجل.
(ولا هم يُنصرون) أي يُدفع عنهم المكروه، فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه لا يحصل إطلاقا. فقوله: (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) هذا في تحصيل المنافع، (ولا هم ينصرون) هذا في دفع المضار. فهذا النفي للأمر، المستقبل به النافع.
 قال: "(ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل) هذا نفي للنفع الذى يطلب ممن يملكه بعوض كالعدل، أو بغيره كالشفاعة" العِدل الفداء، أو بغيره كالشفاعة. قال: "فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه عن التعلق بالمخلوقين لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع" وهذا السياق مما يبين لنا عظم شأن التوحيد، وأن لا يعلق المرء قلبه إلا بالله، مثل ما قال علي رضي الله: "لا يخاف عبد إلا ذنبه، ولا يرجو إلا ربه" قال: "لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من نفع، وأن يعلقه بالله الذي يجلب المنافع ويدفع المضار فيعبده وحده لا شريك له، ويستعين على عبادته" قوله فيما سبق (وهم لا ينصرون) هذا في دفع المضار فهذا النفي للأمر المستقبل به النفع في نسخة " بالمستقل به" لعل الذي بعده يوضح لما قال "هذا النفي للنفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض" ففيه نفع بعوض ونفع مستقل به، كأنها هي اللفظة الأقرب للسياق، والله تعالى أعلم.

وأختم هذا المجلس بفائدة نافعة لطيفة رأيتها في تفسير بن جُزَيء لهذه الآية (يا بني إسرائيل) فائدة لطيفة ونافعة:
 يقول رحمه الله: (يا بني اسرائيل) لما قدم دعوة الناس عموما وذكر مبدأهم دعا بني إسرائيل خصوصا" الناس عموما أين؟ (يا أيها الناس اعبدوا ربكم)
" لما قدم دعوة الناس عموما دعا بني اسرائيل خصوصا وهم اليهود وجرى الكلام معهم من هنا" - من قول (يا بني إسرائيل) إلى ماذا؟ قال: "إلى حزب سيقول السفهاء" كله يتعلق بخطاب لبني إسرائيل إلى حزب (سيقول السفهاء) فتارة دعاهم بالملاطفة وذكر الإنعام عليهم وعلى آبائهم، وتارة بالتخويف، وتارة بإقامة الحجة، وتوبيخهم على سوء أعمالهم، وذِكر العقوبات التي عاقبهم بها".
ثم انظر هذا التلخيص الآتي اللطيف قال: "فذكر من النعم عليهم عشرة أشياء من النِعم : وإذ نجيناكم من آل فرعون، وإذ فرقنا بكم البحر، بعثناكم من بعد موتكم، وظللنا عليكم الغمام، وأنزلنا عليكم المنّ والسلوى، ثم عفونا عنكم، فتاب عليكم، نغفر لكم خطاياكم، أتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا"
قال: "وذكر من سوء أفعالهم عشرة أشياء -كلها في السياقات الآتية- وذكر من سوء أفعالهم عشرة أشياء: قولهم سمعنا وعصينا، واتخذتم العجل، وقالوا أرنا الله جهرة، وبدل الذين ظلموا، ولن نصبر على طعام واحد، ويحرفونه. وتوليتم من بعد ذلك، وقست قلوبكم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق.
 قال: "وذكر من عقوبتهم عشرة أشياء: ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله، ويعطوا الجزية، واقتلوا أنفسكم، وكونوا قردة، وأنزلنا عليهم رجزا من السماء، وأخذتكم الصاعقة، وجعلنا قلوبهم قاسية، وحرمنا عليهم طيبات أحلت لهم. وهذا كله جزاء لآبائهم المتقدمين".
 هذا ونسأل الله الكريم أن ينفعنا أجمعين بما علمنا، وأن يزيدنا علما وتوفيقا، وأن يصلح لنا شأننا كله، وأن يهدينا إليه صراط مستقيما.. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا

اقرأ المزيد...

الأربعاء، 10 سبتمبر 2025

الدرس السابع والأربعون | تفسير سورة البقرة: من الآية (٤٤)

 تفسير سورة البقرة: من الآية (٤٤) (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم …) 


🎧 لسماع الدرس من موقع الشيخ
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات أما بعد: فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في قوله (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) 
ن/ "(أتأمرون الناس بالبر) أي: بالإيمان والخير، (وتنسون أنفسكم) أي: تتركونها عن أمرها بذلك والحال وأنتم تتلون الكتاب (أفلا تعقلون) وسمي العقل عقلا لأنه يُعقَل به ما ينفعه من الخير، أو يَعقِل به ما ينفعه من الخير، وينعقِل به عما يضره، وذلك أن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمرُ به، وأول تارك لما ينهى عنه، فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله، أو نهاه عن الشر فلم يتركه دل على عدم عقله وجهله، خصوصا إذا كان عالما بذلك قد قامت عليه الحجة، وهذه الآية وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل، فهي عامة لكل أحد لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أُمِر به أنه يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين أمر غيره ونهيه، وأمر نفسه ونهيها، فترك أحدهما لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين، والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر فليس في رتبة الأول وهو دون الأخير، وأيضا فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله، فاقتدائهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة".
ت/ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وأصلح لنا إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أما بعد: فلا نزال مع هذه الآيات في كتاب الله عز وجل المشتملة على وصايا أوصى الله جل وعلا بها بني إسرائيل، ولهذا صُدرت - كما سبق - بقوله (يا بني إسرائيل) ثم ذكر الله سبحانه وتعالى جملة من الوصايا، وهذه الوصايا كما نبه أهل العلم وإن كانت موجهة لبني إسرائيل فإنها عامة فيها التحذير من التشبه بهم فيما نهاهم الله عنه وحذرهم منه، وكانوا على صفات ولاسيما علماءهم على صفات ذميمة إلا من هداه الله عز وجل منهم، فكانوا يُحر فون الكلم، ويكتمون الحق، ويلبسون الحق بالباطل، ويتهاونون بما أوجب الله سبحانه وتعالى عليهم، وكانوا يُظهرون أنفسهم مظهر الدعاة والعلماء، فيأمرون الناس بالبر والخير والطاعة، لكن في أنفسهم لا يفعلون ذلك، يظهرون أنهم دعاة للحق ولكنهم في أنفسهم لا يعملون، مع أنهم أهل كتاب ويعلمون أن طريقتهم مخالفة للكتاب الذي تعلموه، ولهذا جاءت هذه الوصية في جملة هذه الوصايا قال الله عز وجل في خطابه لهم: 
(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم)
 (أتأمرون الناس بالبر) هذا توبيخ لهم لأن الاستفهام له مقاصد منها التوبيخ، وهذا توبيخ لهم على هذا الصنيع وهذه الطريقة التي كانوا عليها. 
(أتأمرون الناس بالبر) البر: الطاعة والعبادة وأعمال الخير مثل الصدقات ونحو ذلك، قال قتادة رحمه الله: "كان بنو اسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وبالبر ويخالفون فعيّرهم الله عز وجل" أي بذلك، الحاصل: أن هذا السياق في قوله (أتأمرون الناس بالبر) هو توبيخ لهم على مسلك كانوا عليه، وطريقة كانوا عليها، يُظهرون أنهم دعاة، وأنهم أهل النصح والتعليم، ويعلمون الناس الخير لكن لا يعملون به. 
قال (وتنسون  أنفسكم) النسيان هنا المراد به الترك. (تنسون أنفسكم) قال ابن عباس رضي الله عنهما: "تتركون أنفسكم" أي: تتركونها لا تعملون بهذا الخير الذي تدعون الناس إليه، وتحضونهم عليه. التوبيخ هنا عائد إلى ماذا؟ قال (أتأمرون الناس بالبر) هل هو توبيخ على أمرهم للناس بالبر؟ هذا لا يوبخ عليه الإنسان، على أمره الناس بالبر، أو حثه الناس على البر، فليس المراد بالتوبيخ هنا توبيخهم على أمرهم بالبر، فإن الأمر بالبر مطلوب، وإنما هو عائد إلى تركهم العمل بهذا البر الذي يأمرون الناس به، ويدعون الناس إليه ويوهمون الناس أنهم دعاة، وأنهم علماء يعلمون الناس الخير لكنهم في واقع أنفسهم لا يعملون، ومن كانت هذه صفته، هذه طريقته، وهذا مسلكه هو في ظاهره - كما يذكر ابن القيم رحمه الله أظنه في مدارج السالكين -  هوفي ظاهره يدعو إلى الجنة ولكن في باطنه وحقيقة أمره يدعو إلى النار، لأن الناس إذا نظروا إلى أفعاله وقالوا هذا الذي عنده العلم، وهذا الذي يدعونا إلى هذا الخير، هذه حاله في العمل إذا حالنا نحن في التقصير والتفريط ستكون من باب أولى أن نكون مقصرين، ولهذا هم في الظاهر دعاة إلى الجنة وفي الباطن والحقيقة دعاة إلى النار لأن الناس يتأثرون – مثل ما قال الشيخ – بالأفعال، أبلغ من اقتدائهم بالأقوال.
 قال (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب) الجملة هنا حالية، أي والحال أنكم تتلون الكتاب، والمراد بالكتاب التوراة الذي كان بين أيديهم (وأنتم تتلون الكتاب) أي تقرؤونه تعلمتموه، عرفتم ما فيه من أوامر.
 (وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) أي ليس لكم عقول تعقِلكم، لأن العقل سمي عقلا لأنه يعقِل صاحبه، مثل تسمية العقال الذي تُشد به يد البعير عندما يُبرّك حتى لا يقوم، سمى عقالا (تعهدوا القرآن فإنه أشد تفلتا من الإبل في عُقلها) عقُل جمع عقال لأنه يعقل به الإبل.  والعقل سمي عقلا لأنه يعقل صاحبه، معنى يعقل صاحبه يحجز صاحبه إذا أعمل عقله كفه عن ما هو قادم عليه من خطيئة، أو إثم أو جرم قال (أفلا تعقلون)
 قال الشيخ رحمه الله تعالى: "(أتأمرون الناس بالبر) أي بالإيمان والخير، (وتنسون أنفسكم) أي تتركونها عن أمرها بذلك - تتركونها أي لا تأمرونها بذلك - تهملون أنفسكم والحال (وأنتم تتلون الكتاب)" أي أن الجملة حالية والحال (وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)، قال: "وسُمي العقل عقلا لأنه يعقِل" معنى يعقِل يحجز، يمنع لأنه يعقِل به ما ينفعه من الخير، وينعقِل أن ينحجز به عما يضره من الشر، وذلك لأن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به، وأول تارك لما ينهى عنه، وقد تقدم قول الله عز وجل لهم (ولا تكونوا أول كافر به) فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله، أو نهاه عن الشر ولم يتركه دل على عدم عقله وجهله، خصوصا إذا كان عالما بذلك، عنده علم بفساد طريقته، بأن الذي هو عليه جرم وإثم، خصوصا إذا كان عالما بذلك قد قامت عليه الحجة أي البينة، وهذه الآية يقول الشيخ "وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل فهي عامّة لكل أحد" هكذا أيضا قرر ابن كثير رحمه الله في كتابه التفسير وغيره من أهل العلم، قال ابن كثير: "الآية وإن كانت خطابا في سياق إنذار بني إسرائيل فإنهم لم يُقصدوا بها على سبيل التخصيص وإنما هي عامة لهم ولغيرهم" ولهذا يروى في الأثر أن رجلا جاء إلى ابن عباس رضي الله عنهما وقال: أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فقال ما معناه: أتعلم من نفسك أنك جدير بذلك، أو أنك قادر على ذلك؟ قال نعم، قال: "إن كنت تعلم من نفسك أنك لا تخطئك ثلاث آيات فاففعل" وذكر له هذه الآية (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)، وذكر له قول الله تعالى في سورة الصف (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) وذكر أيضا له قول العبد الصالح نبي الله شعيب عليه السلام لقومه (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) والمعنى: أنا لا أريد أن أنهاكم عن شيء وأخالفكم إليه، يعني أذهب وأفعله (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه)، إذا هذه الآية وإن كانت في سياق إنذار بني إسرائيل فهي عامة لكل من يأمر المعروف وينهى عن المنكر، أن ينتبه لنفسه، ما معنى أن ينتبه لنفسه؟ أي لا يترك نفسه مثل ما قال الله (وتنسون أنفسكم) أي تتركون أنفسكم، لا يترك نفسه بل يبدأ بأمرها، يبدأ بنصحها، يبدأ بزجرها، يبدأ بوعظها وتذكيرها، يبدأ بتخويفها، إذا قال للناس اتقوا الله يقول لنفسه: اتق الله، يخوف نفسه، يحذرها من سخط الله سبحانه وتعالى وعقابه، أما إن كان يأمر ويعلم ويدعو ليقال داعي، أو ليقال معلم، أو يقال عالم، أو يقال واعظ وهو لا يعمل بما يعظه، فهذا مصيبته عظيمة، وفيه شبه من علماء بني إسرائيل، مثل ما قال سفيان، قال: "من فسد من علمائنا ففي شبه من اليهود" قال فهي عامة لكل أحد لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتا) المقت هو أشد الكره (كبُر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).
قال الشيخ: "وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أُمِر به أنه يترك الأمر بالمعروف، أو لم يقم بما أَمَر به أن يترك الأمر بالمعروف، ما أَمَر به أي: ما أمر به الناس من طاعة، أو عبادة، أو نحو ذلك "إذا لم يقم بما أمر به أن يترك الأمر بالمعروف" يعني إذا كان يأمر الناس بشيء ولم يقم به هو ليس معنى ذلك أن يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين، عندنا واجبان:
 الأول: الأمر المعروف والنهي عن المنكر.
والثاني: أن يفعل الإنسان المعروف وأن يتجنب المنكر.
هذا واجب، وهذا واجب، لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين: أمر غيره أو أمر غيره ونهيه، وأمر نفسه ونهيها، فترك أحدهما لا يكون رخصة في ترك الآخر. فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين، والنقص -نقص الكمال- أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر، فليس في رتبة الأول وهو دون الأخير، فهذا أمر بيّن أهل العلم عند هذه الآية، يعني ليس معنى كون الإنسان مقصرا أن يترك كل شيء، بل يعمل، ينصح الناس ويعمل على نصح نفسه وإصلاحها وإقامتها على طاعة الله، يعني حتى يتضح كلام أهل العلم بشكل واضح بين أرأيتم لو أن أبا -والدا- مبتلى بمعصية معينة وما تمكن من معالجة نفسه لترك هذه المعصية، هل معنى ذلك أن لا ينهى أبناءه عنها؟ وهل له أن يتلو هذه الآية (أتأمرون الناس بالبر تنسون أنفسكم) فيترك إصلاح أولاده ونهيهم؟ هو مبتلى وعمل على معالجة نفسه ما تمكن، لكن يبين لأبنائه وينصح ويزجر ويخوف ويهدد، ويعمل على من مناصحتهم، وفي الوقت نفسه يستمر في مجاهدة نفسه ومعالجتها ومداواتها، من هذا الذي هو مبتلى به، لكن يبقى مثل ما يقول الشيخ الآن، يقول "النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله، فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة" نعم

ن/ قال رحمه الله "(قوله واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين* الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون* يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين* واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون) أمرهم الله تعالى أن يستعينوا في أمورهم كلها بالصبر بجميع أنواعه، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها، والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل أمر من الأمور ومن يتصبر يصبره الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان وتنهى عن الفحشاء والمنكر يستعان بها على كل أمر من الأمور، (وإنها) أي الصلاة (لكبيرة) أي شاقة (إلا على الخاشعين) فإنها سهلة عليهم خفيفة، لأن الخشوع وخشية الله، ورجاء ما عنده يوجب له فعلها منشرحا صدره لترقبه للثواب وخشيته من العقاب، بخلاف من لم يكن كذلك، فإنه لا داعي له يدعوه إليها وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه، والخشوع هو خضوع القلب وطمأنينته، وسكونه لله تعالى وانكساره بين يديه ذلا وافتقارا، وإيمانا به وبلقائه ولهذا قال (الذين يظنون) أي يستيقنون (أنهم ملاقوا ربهم) فيجازيهم بأعمالهم، (وأنهم إليه راجعون) فهذا الذي خفف عليهم العبادات، وأوجب لهم التسلي في المصيبات، ونفّس عنهم الكربات، وزجرهم عن فعل السيئات، فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات، وأما من لم يؤمن بلقاء ربه كانت الصلاة وغيرها من العبادات، من أشق شيء عليه"

ت/ نعم، قال الله جل وعلا (واستعينوا بالصبر والصلاة) استعينوا بالصبر والصلاة على ماذا؟ لم يُذكر، استعينوا بالصبر والصلاة لم يذكر على ماذا؟ والقاعدة: أن حذف المتعلق يفيد العموم، لم يذكر، الآن سبق مثلا أقرب مذكور (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم)  استعينوا بالصبر والصلاة على مداواة أنفسكم في هذا، وسبق أيضا قبله أوامر فيشمل استعينوا بالصبر والصلاة على كل خير، على كل بر، على كل أبواب الطاعات والعبادات، ولهذا الصبر والصلاة فيهما أعظم معونة للعبد، قال بن جرير له كلمة قصيرة لكن جميلة، إمام المفسرين قال: "إنهما لمعونتان على رحمة الله" الصبر والصلاة، وإذا وُفق العبد لهاتين الصفتين الصبر والصلاة كانتا معونة له على الفوز برحمة الله وأعمال البر والطاعات والخير، وتجنب المنكرات والمحرمات، ولهذا في آية أخرى قال سبحانه وتعالى (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) أي استعينوا بها على نهي أنفسكم، يستعينوا بصلاتكم على نهي أنفسكم عن الفحشاء والمنكر، ولهذا -سبحان الله- تجد الصلاة المكتوبة وزعت على أوقات اليوم الليلة مفرقه، يعني ما جُمعت الصلاة الخمس في أول النهار أو في آخر النهار، جاءت مفرقة ينشغل الإنسان بأموره ثم يرجع إلى هذه الصلاة تداوي قلبه وتقربه من ربه، وتزكي نفسه، ثم ينشغل ثم ينادى للصلاة مرة أخرى، فيرجع يصلي ثم ينام، ويستيقظ على المناداة للصلاة، ليستهل يومه بهذه الصلاة، ولا يزال مع هذه الصلوات الخمس تداويه، تعينه، تنهاه، ولا سيما إذا أحسن في أدائها وإقامتها، وأعظم الإحسان في الصلاة أن يبدأ مشروع الصلاة مع العبد من حين يؤذن، إذا سمع الأذان يوقف كل شيء ويعتبر أنه دخل في مشروع هو أعظم موضوع كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بذلك، فالصلاة فيها معونة عظيمة للعبد على ماذا؟ كل خير، أطلق هنا قال (واستعينوا بالصبر والصلاة) ولم يذكر على ماذا، فيشمل كل خير، يشمل كل ما تُنال به الرحمة، كل أبواب الرحمة، كل أبواب البر، تجنب أيضا المنهي، المحرم، استعينوا بالصبر والصلاة.
وهنا قال (استعينوا بالصبر) (ال) الداخل هنا على (الصبر) تفيد الشمول، لأن الصبر أنواع فإذا قيل أي أنواع الصبر المراد هنا؟ الصبر أنواع فأي أنواعه المراد؟ يقال: يشمل كل أنواع الصبر، (ال) الداخلة على الصبر تفيد الشمول، يعني شمول أنواع الصبر كلها، لأن الصبر ثلاث أنواع: الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على أقدار الله المؤلمة، وإذا وُفق العبد إلى هذه الخصلة العظيمة، والخلة المباركة الصبر، قد قال عليه الصلاة والسلام (ما أُعطي عبد عطاء أوسع من الصبر) هذا عطاء واسع عظيم لماذا؟ لماذا كان الصبر عطاء واسعا؟ لأنه هو المعونة على الطاعات، أرأيتم الشخص الذي لا صبر عنده هل يستطيع أن يحبس نفسه على فعل الأوامر؟ الشخص الذي لا صبر عنده هل يستطيع أن يحبس نفسه عن ترك النواهي؟ الشخص الذي لا صبر عنده هل يستطيع أن يحبس نفسه عن التسخط في الأقدار المؤلمة والجزع ونحو ذلك؟ (استعينوا بالصبر والصلاة) أي واستعينوا بالصلاة فإنهما أكبر معونة للعبد على كل خير وفلاح ورفعة في الدنيا والآخرة.
(وإنها) أي الصلاة، هذا في قول أكثر المفسرين، وبعضهم أعاد الضمير في (إنها) على الاستعانة (واستعينوا) هذا فيه الاستعانة، البعض أعاد الضمير على الاستعانة، وجمهور المفسرين أن الضمير عائد إلى الصلاة، (وإنها) أي الصلاة (لكبيرة) أي ثقيلة كبيرة المراد بها ثقيلة (إلا على الخاشعين)  الخاشع المتواضع الذي انكسرت نفسه وذلت، ولهذا يحتاج العبد أن يذلل نفسه، يوطئ نفسه، يتواضع، يخضع. إذا اتصف بهذا الخشوع، هذا التواضع صارت الصلاة ليس فيها ثقل، ليس فيها ثقل على قلبه بل ستكون الصلاة هي راحته، هي أُنسه، هي قرة عينه كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام (أرحنا بالصلاة يا بلال) وقال (جُعلت قرة عيني في الصلاة).
قال (وإنها لكبيرة) أي ثقيلة (إلا على الخاشعين) من هم؟ ما صفتهم؟ قال (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم)
 وهذا فيه تنبيه على مسألة كبيرة جدا في هذا الباب: أن أعظم ما يعين على إصلاح القلب وتزكيته خشوعا وخضوعا وتواضعا إلى غير ذلك ظن العبد في قلبه بمعنى اعتقاده في قلبه انه سيلقى ربه وسيقف بين يدي الله سبحانه وتعالى، فإن الظن هنا (الذين يظنون) المراد به يعتقدون، المراد بالظن هنا العقيدة، (يظنون أنهم ملاقوا ربهم) أي يعتقدون، ولهذا من يأتي فائزا يوم القيامة ويؤتى كتابه بيمينه ماذا يقول؟ (إني ظننت) يعني في الدنيا (أني ملاق حسابيه) ظننت أي اعتقدت في الدنيا أني سألقى الحساب فكنت أُعد لهذا الحساب عدته، (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) أي سيلقون الله ويقفون بين يديه سبحانه وتعالى، (وأنهم إليه راجعون) أي: إليه المرجع، إليه المصير فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.
قال رحمه الله تعالى: "أمرهم الله عز وجل أن يستعينوا في أمورهم كلها بالصبر بجميع أنواعه"  وذكرها رحمه الله "والصبر على طاعة الله حتى يؤديها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها، والصبر على أقدار الله المؤلمة، فلا يتسخطها، فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه، معونة عظيمة على كل أمر من الأمور" استعينوا بالصبر على ماذا؟ كل أمر من الأمور، ومن يتصبر يصبره الله. هنا الشيخ يذكر تنبيها على لطيفة من يقرأ هذه وتحدثه نفسه بأنه ضعيف الصبر، قليل الصبر، أو ما عنده صبر، بعض الناس قد يقرأ هذه الآية (استعينوا بالصبر) فينظر إلى نفسه  أن هذا الصبر ليس عنده، يقول الشيخ: "ومن يتصبر يصبره الله" يتصبر يعالج نفسه، يداويها، يحاول معها، يصبرها "من يتصبر يصبره الله"، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان بهذا وصفها السلف ميزان الإيمان، ما معنى ميزان الإيمان؟ يعني أنها محك يومي يزن المرء فيه إيمانه، محك يومي، ميزان يومي. قال: "وتنهى عن الفحشاء والمنكر" استعانوا بها على كل أمر من الأمور، لاحظ الشيخ في الصبر وفي الصلاة ذكر أن الاستعانة على ماذا؟ على كل أمر، من أين أخذ ذلك؟ من الإطلاق في الآية، قال استعينوا ولم يذكر على ماذا فيشمل كل أمر من الأمور، أمور الخير والصلاح. 
قال: (وإنها) قال الشيخ: أي الصلاة، وهذا قول جمهور المفسرين، لكبيرة أي شاقة، وأيضا معنى كبيرة ثقيلة، شاقة ثقيلة على كل أحد إلا الخاشعين فإنها سهلة عليهم، خفيفة لا يجدون لها أي ثقل ولا أي مشقة، "لأن الخشوع خشية الله ورجاء ما عنده يوجب له فعلها منشرحا صدره لترقبه للثواب وخشيته من العقاب" إذا أردت أن تفهم هذا الثقل -ثقل الصلاة- (إلا على الخاشعين) الخاشعين الذين خشعت قلوبهم تنظر الآن إلى رجل كبير السن جسمه في غاية الضعف، وإذا أراد أن يقوم يقوم بمشقة، ومع هذه المعاناة والثقل في جسمه، والضعف في قواه تجده كل صلاة يتكئ على عكازه ويمشي خطوات ثقيلة لضعف جسمه ولا تفوته الصلاة لخشوع قلبه، وقوة قلبه، وتجد من الشباب من يوصف بأنه في قوته البدنية رافع للأثقال، يرفع الأثقال من قوته البدنية وينادى لصلاة الفجر ويُوقظ لصلاة الفجر واللحاف الخفيف الذي على جسمه، يغطي به جسمه ما يستطيع أن يرفعه لضعف قلبه وليس بدنه، بدنه قوي والآخر ذاك بدنه ضعيف وقلبه قوي فيقوم مع ضعف البدن، وهذا بدنه قوي غاية القوة، يُمدح بدنه بالقوة عند رفقائه وزملائه يُمدح، ولكن اللحاف الخفيف الذي يغطي به نفسه لينام ينادى لصلاة الفجر فما يستطيع أن يرفع اللحاف لا لضعفٍ في بدنه وإنما ضعف في ماذا؟ ولهذا قال السلف "قوة المؤمن في قلبه" وضربوا لها المثال في الصلاة، قال ترى كبير السن، الطاعن في السن، ضعيف البدن ينهض هذا النهوض ويمشي منشرح الصدر للصلاة، وتجد الشاب القوي -قوي البدن- لضعف القوة في قلبه حاله مع الصلاة التفريط والتضييع.
قال: "فإنها سهلة عليهم خفيفة لأن الخشوع وخشية الله و رجاء ما عنده يوجب له فعلها منشرحا صدره لترقبه للثواب وخشيته من العقاب بخلاف من لم يكن كذلك، فإنه لا داعي له يدعوه إليها" الداعي في القلب، وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه إذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه، والخشوع هو خضوع القلب وطمأنينته وسكونه لله تعالى، وانكساره بين يديه ذلا وافتقارا وإيمانا به وبلقائه ولهذا قال (الذين يظنون) أي يستيقنون، يعتقدون (أنهم ملاقوا ربهم) أي سيقفون بين يديه فيجازيهم بأعمالهم، (وأنهم إليه راجعون) قال الشيخ: "فهذا الذي خفف عليهم العبادات، وأوجب لهم التسلي في المصيبات، ونفّس عنهم الكربات، وزجرهم عن فعل السيئات، فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات -أسأل الله لنا ولذرياتنا والمسلمين من واسع فضله سبحانه وتعالى- وأما من لم يؤمن بلقاء ربه كانت الصلاة وغيرها من العبادات من أشق شيء عليه.
نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله وهدانا إليه صراط مستقيما، اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا.
اقرأ المزيد...

الثلاثاء، 19 أغسطس 2025

| الدرس السادس والأربعون | تفسير سورة البقرة: من الآية (٤١) (وآمنوا بما أنـزلت مصدقا لما معكم..)

  تفسير سورة البقرة: من الآية (٤١) (وآمنوا بما أنـزلت مصدقا لما معكم…) 


🎧 لسماع الدرس من موقع الشيخ
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات أما بعد: فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله :
ن/  "قال تعالى (وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون* ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون *وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) قال رحمه الله: ثم أمرهم بالأمر الخاص الذي لا يتم إيمانهم ولا يصح إلا به فقال (وآمنوا بما أنزلت) وهو القرآن الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فأمرهم بالإيمان به واتباعه، ويستلزم ذلك الإيمان بمن أُنزل عليه، وذكر الداعي لإيمانهم به فقال (مصدقا لما معكم) أي موافقا له لا مخالفا ولا مناقضا، فإذا كان موافقا لما معكم من الكتب غير مخالف لها فلا مانع لكم من الإيمان به لأنه جاء بما جاءت به المرسلون فأنتم أولى من آمن به وصدق به لكونكم أهل الكتب والعلم، وأيضا فإن قوله (مصدقا لما معكم) إشارة إلى أنكم إن لم تؤمنوا به عاد ذلك عليكم بتكذيب ما معكم، لأن ما جاء به هو الذي جاء به موسى وعيسى عليهما السلام وغيرهما من الأنبياء، فتكذيبكم له تكذيب لما معكم، وأيضا فإن في الكتب التي بأيديكم صفة هذا النبي الذي جاء بهذا القرآن والبشارة به، فإن لم تؤمنوا به كذبتم ببعض ما أنزل إليكم، ومن كذب ببعض ما أنزل إليه فقد كذب بجميعه، كما أن من كفر برسول فقد كذب الرسل جميعهم. فلما أمرهم بالإيمان به نهاهم وحذرهم عن ضده وهو الكفر به فقال (ولا تكونوا أول كافر به) أي بالرسول والقرآن. وقوله (أول كافر به) أبلغ من قوله (ولا تكفروا به) لأنهم إذا كانوا أول كافر به كان فيه مبادرتهم إلى الكفر، عكس ما ينبغي منهم وصار عليهم إثمهم وإثم من اقتدى بهم من بعدهم. ثم ذكر المانع لهم من الإيمان وهو اختيار العرض الأدنى على السعادة الأبدية فقال (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) وهو ما يحصل لهم من المناصب التي يتوهمون انقطاعها إن آمنوا بالله فاشتروها بآيات الله واستحبوها وآثروها، (وإياي) أي لا غيري، (فاتقون) أي فإنكم إذا اتقيتم الله وحده أوجبت لكم تقواه تقديم الإيمان بآياته على الثمن القليل، كما أنكم إذا اخترتم الثمن القليل فهو دليل على ترحل التقوى من قلوبكم".

ت/ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وأصلح لنا إلهنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. اللهم يا ربنا يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام فقهنا أجمعين في الدين، وعلمنا يا ربنا التأويل أما بعد: لا نزال مع هذه الآيات المشتملات على وصايا الله جل وعلا لبني إسرائيل 
وقد صُدرت هذه الوصايا بقوله جل وعلا (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) وعرفنا أن تصديرها بذلك فيه تحريك لنفوس هؤلاء المخاطبين بهذا الخطاب وبهذه الوصايا فكأنه يقال لهم يا نسل هذا العبد الصالح المطيع لله عز وجل كونوا مثله مقتدين به، مؤتسين به، متقين لله عز وجل، عاملين بأمره (اذكروا نعمة الله عليكم)، ثم أوصاهم جل وعلا بجملة من الوصايا قال:
● (وآمنوا) أي: يا بني إسرائيل
 (بما أنزلت مصدقا لما معكم) أي التوراة المنزلة على موسى عليه السلام، (آمنوا بما أنزلت) أي القرآن الكريم المنزل على محمد صلوات الله وسلامه عليه.
 (مصدقا لما معكم) أي مصدقا للتوراة، ومصدقا للإنجيل، ومصدقا لما بين يديه من كتاب أنزله الله سبحانه وتعالى، قد جعل الله عز وجل القرآن خاتمة الكتب المنزلة، وجعله حاكما عليها كلها (ومصدقا لما بين يديه من الكتاب) 
فما حكم القرآن بصدقه فهو الصدق، وما حكم القرآن بأنه هو الحق فهو الحق، وما حكم القرآن بأنه باطل فهو الباطل، فالهيمنة للقرآن.  (مهيمن) مصدقا لما بين يديه، ومهيمن أيضا عليه كما جاء في ذلك في سورة المائدة في ذكر الله عز وجل لصفة القرآن الكريم.
● قال (وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا) أي يا معاشر بني إسرائيل
(أول كافر به) أول كافر به مع أنه من المعلوم أن قريش فيهم عدد كبير جدا كانوا كفارا به فهم في أول الكفار به فما معنى قوله (ولا تكونوا أول كافرا به)؟
أي من جنسكم أنتم يا أهل الكتاب، يا أهل الكتاب أنزل الله عليكم كتابا وفي الكتاب المنزل عليكم جاءت البشارة بهذا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام فلا تكونوا أول كافر به أي بهذا الرسول. هذا قول جماعة من المفسرين، (ولا تكونوا أول كافر به) أي بالقرآن المنزل على الرسول عليه الصلاة والسلام. والقولان كل منهما ي يستلزم الآخر كما سيأتي معنا في كلام الشيخ رحمه الله، ولهذا فإن الحافظ بن كثير رحمه الله لما ذكر القولين قال: "وكلا القولين صحيح" يعني من قال إن المقصود أول كافر به أي بالقرآن، أو قال أول كافر به أي بالرسول عليه الصلاة والسلام، فكلا القولين صواب، كلاهما صحيح قال: "لأنهما متلازمان" لأن من كفر بمحمد عليه الصلاة والسلام فقد كفر بالقرآن، وأيضا العكس من كفر بالقرآن فهو كافر بمحمد عليه الصلاة والسلام، فهما متلازمان (ولا تكونوا أول كافر به) 
ولهذا الشيخ المصنف رحمه الله قال في تفسير الآية: "أي بالرسول والقرآن" جمع القولين، قال: " أي بالرسول و القرآن"
(ولا تكون أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) (تشتروا بآياتي) أي تستبدلوا بآياتي ثمنا قليلا أي : متاع الدنيا وإن كثُر، وإن كانت الدنيا كلها يُعطاها الإنسان فهي قليل في مقابل هذا الهدى والنور، والضياء والصلاح، والسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، ولهذا قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: "الثمن القليل الدنيا بحذافيرها" يعني لو كانت الذي سيعطاه الدنيا بحذافيرها هي ثمن قليل، باع دينه بثمن بخس ولو كان الذي أُعطيه الدنيا كلها.
 قال (ولا تشتروا بآيات ثمنا قليلا وإياي) (وإياي) أي الزموا تقواي
(وإياي فاتقون) كونوا من المتقين لله عز وجل، وتقوى الله جل وعلا أن يجعل العبد بينه وبين ما يخشاه من سخط الله وعقابه وقاية تقيه وذلك بفعل الأوامر وترك النواهي، كما قال طلق بن حبيب رحمه الله: "تقوى الله عمل بطاعة الله، على نور من الله، رجاء ثواب الله، وترك لمعصية الله، على نور من الله خيفة عذاب الله".
● قال (ولا تلبسوا الحق بالباطل) تلبس الحق بالباطل أي تخلطه، تخلطوه به من أجل ترويج الباطل، وهذه الطريقة يسلكها أهل الباطل من أجل ترويج باطلهم، يمزجوا باطلهم بشيء من الحق حتى ينفق عند العوام وعند الجهال.
● قال (ولا تلبس الحق بالباطل وتكتموا الحق) كتمان الحق إخفاؤه، (وأنتم تعلمون) والحال أنكم تعلمون أن هذا القرآن حق، وأن هذا الرسول عليه الصلاة والسلام حق مرسل من رب العالمين بالهدى والنور، تعلمون ذلك وقد قرأتم ذلك في التوراة المنزلة على موسى عليه السلام، وفي الإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام، كلهم بشروا به صلى الله عليه وسلم، أنتم تعلمون ذلك، والواو في قوله (وأنتم تعلمون) حالية، أي: الحال أنكم تعلمون صدق الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن ما جاء به حق.
● قال (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، واركعوا مع الراكعين) أمرهم بأهم الفرائض الدينية وأعظم الواجبات بعد التوحيد والإيمان، وهما إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
 قبل الدخول في كلام الشيخ في معنى الآية، أنبه على فائدة مهمة جدا تتعلق بالسياق كله بدءً من قوله (يا بني إسرائيل) إلى (يا بني إسرائيل) الآتية في تمام هذا السياق، لو نلاحظ في هذه الوصايا لهؤلاء جُمع فيها بين أوامر ونواهي، ولما تنظر في جُل هذه الوصايا تُدرك أنها تختص بفئة منهم من الأحبار أهل العلم، لأن العوام لا شأن لهم بلبس الحق بالباطل وكتمان الحق، لأنهم ما عندهم علم أصلا، هم تبع لعلمائهم (ولا تشتروا بآيات)، (أتأمرون الناس بالبر) ستأتي معنا، 
ولهذا لما تتأمل هذه الآيات تجد أنها كاشفة للعالم حقا من العالم بالدعوى والفقيه حقا من المتشبه بالفقهاء وليس منهم.
هذا معنى عظيم يستفاد من هذه الآيات، وقد أشار إلى هذه الفائدة العظيمة، الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في رسالة له عظيمة أسماها الأصول الستة، وقصد بتلك الأصول الستة العظيمة تنبيه الناس على أصول تضبط لهم دينهم، ويسلمون بها من الزلل، أصول عظيمة جدا، ستة أصول تضبط للناس دينهم، ويسلمون بها من الزلل، الأصل الرابع من هذه الأصول قال رحمه الله: "بيان العلم والعلماء والفقه والفقهاء، وبيان من تشبه بهم وليس منهم، وقد بين الله هذا الأصل في سورة البقرة في قوله (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) إلى قبل ذكر إبراهيم عليه السلام قال (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) كالآية الأولى. فهذا السياق كله يكشف فيه  المرء والمتدبر العلم والعلماء، والفقه والفقهاء، وبين من تشبه بهم - أي أهل العلم - وليس منهم.
 الآن لما يكون من يحمل العلم يلبس الحق بالباطل، أو يكتم الحق، أو غير ذلك من الصفات التي نهى الله عنها هؤلاء هذا متشبه بالعلماء وليس منهم، لكن من كان ملتزما بهذا الذي أوصى الله به من إظهار الحق وبيانه، والنصح للخلق، وعدم كتمان الحق، وسبّاقا إلى الخيرات، مقيما للصلاة، مؤديا للزكاة، مطيعا لله سبحانه وتعالى 
من كانت فيه هذه الصفات وهو يحمل العلم فهو العالم، ومن كان بخلاف هذه الصفات فهو متشبه بأهل العلم، وليس منهم.
قال الشيخ رحمه الله: "(وآمنوا بما أنزلت) قال: هو القرآن الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فأمرهم بالإيمان به واتباعه، ويستلزم ذلك الإيمان بمن أُنزل عليه يعني الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام، فقوله (آمنوا بما أنزلت) يتضمن أو فيه أمر لهم بالإيمان بالمنزل القرآن، وأيضا إيمان بالمنزل عليه القرآن وهو محمد عليه الصلاة والسلام.
 قال:" وذكر الداعي لإيمانهم - أي ما يستحثهم ويستنهض هممهم - ذكر الداعي لإيمانهم فقال (مصدقا لما معكم)" هذا القرآن المنزل على محمد عليه الصلاة والسلام مصدقا لما معكم من الكتاب - أي موافقا له لا مخالفا - إذا كنتم تؤمنون بالتوراة وهذا القرآن مصدق لما بين يديه من الكتاب فما الموجب لعدم قبوله؟ ثم في التوراة بشارة بمحمد عليه الصلاة والسلام، وفي الإنجيل بشارة بمحمد عليه الصلاة والسلام، وتنصيص على اسمه صلى الله عليه وسلم، فإذا لم تؤمنوا به كذبتم بالكتاب الذي تزعمون أنكم مؤمنون به الذي هوالتوراة والإنجيل، فقوله (مصدقا لما معكم) هذا - مثل ما ذكر الشيخ- فيه داعي، حافز لهم للإيمان بهذا القرآن، واستنهاض لهممهم للإيمان بهذا القرآن المنزل على محمد عليه الصلاة والسلام لأنه موافق للكتاب المنزل عليهم لا مخالف له، ولا مناقض له، فإذا كان موافقا لما معكم من الكتاب غير مخالف له فلا مانع لكم من الإيمان به لأنه جاء بما جاءت به المرسلون.
 قال: "فأنتم أولى – أي يا معاشر أهل الكتاب - أولى من آمن به وصدق به لكونكم أهل كتاب وعلم". قال: "وأيضا فإن في قوله (مصدقا لما معكم) إشارة إلى أنكم إن لم تؤمنوا به عاد ذلك عليكم بتكذيب ما معكم" لأن ما معكم من الكتاب فيه ماذا؟ فيه إخبار، وفيه بشارة بهذا القرآن، وبهذا الرسول عليه الصلاة والسلام، لأن ما جاء به هو الذي جاء به موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء، فتكذيبكم له تكذيب لما معكم.
 أيضا أمر آخر: في الكتب التي بأيديكم صفته عليه الصلاة والسلام، والبشارة به، فإن لم تؤمنوا به كذبتم ببعض المنزل عليكم، فإن كذبتم ببعض المنزل عليكم فأنتم مكذبون به كله لأن التكذيب ببعض المُنزل تكذيب بكل المُنزل قال: "كما أن من كفر برسول فقد كذب الرسل جميعهم" .
قال رحمه الله: "فلما أمرهم بالإيمان به نهاهم وحذرهم عن ضده وهو الكفر به فقال (ولا تكونوا أول كافر به، أي بالرسول والقرآن، أي بالرسول والقرآن".
وفي قوله (أول كافر به) أبلغ من قوله (لا تكفروا به) لأنهم إذا كانوا أول كافر به كان في مبادرتهم إلى الكفر به عكس ما ينبغي منهم لأنهم أهل كتاب، وصار عليهم إثمهم وإثم من اقتدى بهم من بعدهم، أي يبوؤن بآثامهم وآثام من تبعهم لأن العوام في الغالب تبع لعلمائهم (أطعنا سادتنا وكبراءنا) فيبؤون بإثمهم، وإثم من اقتدى بهم.
 ثم ذكر المانع لهم من الإيمان وهو اختيار العرض الأدنى أي من الدنيا على السعادة الأبدية فقال (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) الثمن القليل إما رئاسة أو زعامة، أو مكانة أو أعطيات يأخذها من العوام، أو نحو ذلك، فيخشى كثير منهم إن آمنوا بالرسول عليه الصلاة والسلام أن يفوتهم تلك الأمور فاشتروا بالآيات الثمن القليل، واستبدلوا بالآيات الثمن القليل، والباء تدخل على المُبدل المتروك، فهم تركوا الآيات وأخذوا ماذا؟ وأخذوا الثمن، رضوا بالثمن القليل وتركوا الآيات، تركوا القرآن وحي الله سبحانه وتعالى وتنزيله
قال: "وهو ما يحصل لهم من المناصب والمآكل التي يتوهمون انقطاعها إن آمنوا بالله ورسوله، فاشتروها واستحبوها وآثروها".
● قوله جل وعلا (وإياي) أي وحدي لا غيري (فاتقون) أي الزموا تقواي فإنكم إذا اتقيتم الله وحده أوجبت لكم تقواه تقديم الإيمان بآياته على الثمن القليل، كما أنكم إذا اخترتم الثمن القليل فهو دليل على ترحل التقوى من قلوبكم" ترحلها، أي ذهابها من قلوبكم. نعم

ن/ قال رحمه الله: "ثم قال (ولا تلبسوا) أي تخلطوا الحق بالباطل، وتكتموا الحق، فنهاهم عن شيئين: عن خلط الحق بالباطل، وكتمان الحق، لأن المقصود من أهل الكتب والعلم تمييز الحق وإظهار الحق، ليهتدي بذلك المهتدون، ويرجع الضالون، وتقوم الحجة على المعاندين، لأن الله تعالى فصّل آياته وأوضح بيناته ليميز الحق من الباطل، ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين، فمن عمل بهذا من أهل العلم فهو من خلفاء الرسل وهداة الأمم، ومن لبس الحق بالباطل فلم يميز هذا من هذا مع علمه بذلك، وكتم الحق الذي يعلمه وأمر بإظهاره فهو من دعاة جهنم لأن الناس لا يقتدون في أمر دينهم بغير علمائهم، فاختاروا لأنفسكم إحدى الحالتين".
ت/ قوله (ولا تلبسوا الحق بالباطل) يقول أي تخلطوا الحق بالباطل وتكتموا الحق، فنهاهم عن أمرين في هذا السياق لا تلبسوا الحق بالباطل هذا أمر، وتكتموا الحق هذا أمر آخر، وكلاهما كان من صفة أولئك، كان من صفة أولئك كتمان الحق، وكان من صفاتهم مزج الحق بالباطل، لبس الحق بالباطل، وكان أيضا من صفاتهم التحريف (يحرفون الكلم عن مواضعه) 
فنهاهم عن الشيئين عن خلط الحق بالباطل، وكتمان الحق، من كانت هذه صفته فهو من علماء السوء، ومن كان على الضد من ذلك يظهر الحق ويبين الحق، وينصح للخلق ولا يكتم، فهو من علماء الحق، علماء الهدى.
قال: "لأن المقصود من أهل الكتاب من أهل العلم" هذا المقصود من العالم أن يميز الحق من الباطل، وأن يظهر الحق ليهتدي بذلك المهتدون، ويرجع الضالون، وتقوم الحجة على المعاندين لأن الله فصّل آياته، وأوضح بيناته ليميز الحق من الباطل، ولتستبين سبيل المجرمين مثل ما قال الله تعالى (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين) فمن عمل بهذا من أهل العلم فهم من خلفاء الرسل وهداة الأمم، ومن لبس الحق بالباطل فلم يميز هذا من هذا مع علمه بذلك، وكتم الحق الذي يعلمه وأُمر بإظهاره فهو من دعاة جهنم، لأن الناس لا يقتدون في أمر دينهم بغير علمائهم، فاختاروا لأنفسكم إحدى الحالتين، اختاروا لأنفسكم، الخطاب لبني إسرائيل، فاختاروا لأنفسكم إحدى الحالتين.
 ومثل ما نبه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى مثل هذه السياقات فيها إيقاظ للقلوب لأن العلماء قديما قالوا: 
"من فسد من علمائنا ففيه شبه باليهود، ومن فسد من عبادنا ففي شبه بالنصارى". نعم.

ن/ قال رحمه الله: "ثم قال (وأقيموا الصلاة) أي ظاهرا وباطنا، (وآتوا الزكاة) مستحقيها، (واركعوا مع الراكعين) أي صلوا مع المصلين، فإنكم إذا فعلتم ذلك مع الإيمان برسل الله وآيات الله، فقد جمعتم بين الأعمال الظاهرة والباطنة، وبين الإخلاص للمعبود والإحسان إلى عبيده، وبين العبادات القلبية والبدنية والمالية. وقوله (واركعوا مع الراكعين) أي صلوا مع المصلين، ففيه الأمر بالجماعة للصلاة ووجوبها، وفيه أن الركوع ركن من أركان الصلاة، لأنه عبر عن الصلاة بالركوع. والتعبير عن العبادة بجزئها يدل على فرضيته فيها"
ت/ نعم، يقول رحمه الله: "ثم قال سبحانه وتعالى (وأقيموا الصلاة) أي ظاهرا وباطنا"
(اقيموا الصلاة) أي تامة كاملة كما أُمرتم بإقامة أركانها وشروطها وواجباتها، وتتميمها أيضا بتكميل مستحباتها لتكون تامة، لم يقل صلوا وإنما قال (أقيموا الصلاة). وقوله (وآتوا الزكاة) أي آتوها لمستحقيها، أعطوها مستحقيها، كما أمركم الله عز وجل،
والزكاة سميت زكاة لما فيها من تزكية المخرج للزكاة، وتزكية المال، وأيضا المجتمع فلها أثر عظيم في تحقيق التكافل والتراحم بين المسلمين.
 (واركعوا مع الراكعين) أي صلوا مع المصلين، قال مع الراكعين، قوله (مع الراكعين) هذه أخذ منها - مثل ما يأتي تنبيه الشيخ- أخذ منها فرضية ووجوب صلاة الجماعة. قال: "صلوا مع المصلين فإنكم إذا فعلتم ذلك مع الإيمان برسل الله وآياته فقد جمعتم بين الأعمال الظاهرة والباطنة، وبين الإخلاص للمعبود والإحسان إلى العبيد، وبين العبادات القلبية والبدنية والمالية. وبهذا تدرك به أن هذه الوصايا جاءت على جماع الوصايا وأهمها.
قال: "وقوله (واركعوا مع الراكعين) أي صلوا مع المصلين، ففيه الأمر بالجماعة في الصلاة ووجوبها" وفي هذا يقول الحافظ بن كثير رحمه الله في كتابه التفسير قال: "وقد استدل كثير من العلماء بهذه الآية على وجوب الجماعة"
قال: "وفيه - أي قوله (واركع مع الراكعين)- "أن الركوع ركن من أركان الصلاة" والدليل قال: "لأنه عبّر عن الصلاة بالركوع والتعبير عن العبادة بجزئها يدل على فرضيته فيها". نعم
قال تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)
نعم، نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله، وهدانا إليه صراطا مستقيما... سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا
اقرأ المزيد...

الأحد، 10 أغسطس 2025

| الدرس الخامس والأربعون | تفسير سورة البقرة: من الآية (٤٠) (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي…)

 تفسير سورة البقرة: من الآية (٤٠) (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي…) 



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات أما بعد: فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله:
ن/  " ثم شرع تعالى يُذكر بني إسرائيل نعمه عليهم وإحسانه فقال: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون* وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآيات ثمنا قليلا وإياي فاتقون* ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون* وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) (يا بني إسرائيل) المراد بـ (إسرائيل) يعقوب عليه السلام، والخطاب مع فِرق بني إسرائيل الذين بالمدينة وما حولها، ويدخل فيهم من أتى بعدهم، فأمرهم بأمر عام فقال (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) وهو يشمل سائر النعم التي سيذكر في هذه السورة بعضها. والمراد بذكرها بالقلب اعترافا، وباللسان ثناء، وبالجوارح استعمالا فيما يحبه ويرضيه.
(وأوفوا بعهدي) وهو ما عهده إليهم من الإيمان به وبرسله، وإقامة شرعه.
(أوفِ بعهدكم) وهو المجازاة على ذلك.
 والمراد بذلك ما ذكره الله تعالى في قوله (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنين عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي) إلى قوله (فقد ضل سواء السبيل)، ثم أمرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده وهو الرهبة منه تعالى، وخشيته وحده، فإن مَن خشيه أوجبت له خشيته امتثال أمره، واجتناب نهيه."

ت/ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأصلح لنا إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم يا ربنا فقهنا في الدين، وعلمنا التاويل، أما بعد:
هذه الآيات وما بعدها هي وصايا لبني اسرائيل أبناء يعقوب عليه السلام، لأن إسرائيل هو يعقوب عليه السلام، (يا بني إسرائيل) أي يا أبناء يعقوب ولذا جاء في الحديث في المسند وغيره (أن نفرا من اليهود أتوا النبي عليه الصلاة والسلام فقال: أتعلمون أن إسرائيل يعقوب؟ قال نعم، قال اللهم فاشهد) أو كما جاء في الحديث. فإسرائيل هو يعقوب، (يا بني إسرائيل) أي بني يعقوب، ناداهم بهذا النداء أبوة إسرائيل لهم الذي هو يعقوب نبي من أنبياء الله (يا بني إسرائيل)، وتتكرر هذه المناداة (يا بني إسرائيل) هذه - كما ذكر أهل العلم - فيها إثارة للنفس، تهييج للنفس حتى تُقبل على الوصية، أرأيت لو قلت لأحد الأشخاص - مذكرا له بكرم والده وفضله وإحسانه - لو قلت له يا ابن فلان الكريم كن مثل والدك، أو أعمل كذا، هذا فيه حث، فيه تهييج للنفس، فقوله (يا بني إسرائيل) كأنه يقول يا أبناء هذا العبد الصالح المطيع لله عز وجل، القائم بأمر الله، الممتثل لأمر الله سبحانه وتعالى كونوا مثله، أطيعوا الله، امتثلوا أوامر الله، التزموا بوصاياه سبحانه وتعالى لعباده.
(يا بني إسرائيل) إسرائيل هذه اللفظة تتكون من كلمتين (إس) و (رائيل) وهي بمعنى عبد الله، ولهذا جاء في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "إسرائيل كقولك عبد الله" (يا بني إسرائيل) أي يا أبناء هذا العبد الصالح المطيع لله عز وجل، العابد لله جل وعلا اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم. ثم جاء بعد ذلك جملة من الوصايا في هذه الآية وآيات بعدها، لكن بُدأت الوصايا بماذا؟ (اذكروا نعمتي)، ولعلك وأنت تطالع القرآن وتتدبر آياته تجد في دعوات الأنبياء يأتي التذكير بالنعمة (فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون)، (فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين)، و (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين) يأتي كثيرا التذكير بالنعمة، والتذكير بالنعمة وذكرها في القلب باب عظيم لإقبال القلب على المُنعم لما يذكر النعمة، ويُذكّر بالنعمة وعظمها هذا باب عظيم في تأثيره على القلب بإقباله على المُنعم المتفضل سبحانه وتعالى.
 قال (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) المقصود بالذكر:
● ذكر النعمة بالقلب أن يعرف بقلبه عظم نعمة الله عليه، وأن يكون ذاكرا هذا في قلبه، فضل الله وإنعامه ومنّه وكرمه سبحانه وتعالى.
وبلسانه حمدا وشكرا وثناء على المُنعم سبحانه وتعالى، نحمد الله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، حمدا وثناء على المُنعم.
● وبالجوارح استعمالا للنعم في طاعة المُنعم لا في ما يسخطه ويغضبه سبحانه وتعالى.
 وقوله (نعمتي) هذا مفرد مضاف فيفيد العموم. وأهل العلم من المفسرين لهم في قوله (نعمتي) أقوال:
 / منهم من قال التوراة، قال المراد بالنعمة التوراة.
/ ومنهم من قال: إنجاء آبائهم من فرعون وآله.
/ ومنهم من قال: تعم كل نعمة، لفظها واحد ومعناها جمع، والمفرد إذا أضيف يفيد العموم (وما بكم من نعمة فمن الله)، (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) نِعم الله (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) فالمفرد إذا أضيف أفاد العموم، ولا تعارض مع إفادة الآية الجمع مع تفسير بعض أئمة السلف لها بالتوراة أو بالإنجاء، هذا تفسير ببعض أفراد النعمة لا على وجه الحصر والتخصيص.
 (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم)
هذا يستفاد منه فائدة أشرت إليها وهو أن التذكير بالنعم نافع جدا في استصلاح القلوب وهداية العباد، ودلالتهم إلى الخير.
أن يُذكّر الغافل والعاصي واللاهي والمُعرض بنعمة الله عليه: يا فلان اتق الله، اذكر نعمة الله عليك، انظر هذه النعم التي أمدك الله بها في صحتك، في عافيتك، في مالك، في قوتك، اذكر نعمة الله عليك، اتق الله يا عبد الله، هذا نافع جدا وهو كثير -كما قدمت- في دعوات الأنبياء لأقوامهم، ولهذا الكافر يُذكّر بالنعمة في سبيل استصلاحه وهدايته للإسلام، والعاصي كذلك يذكر بالنعمة، يذكر بنعمة الله سبحانه وتعالى عليه.
■ (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم)
(أنعمت عليكم) أي تفضلت بها عليكم ومننت بها عليكم، وهذا فيه أن النعمة فضل الله ومنه وحده جلّ في علاه (وما بكم من نعمة فمن الله).
 ●(وأوفوا بعهدي أوفي بعهدكم)
عهدي: أي ما عهدت إليكم من التزام بالشرع وامتثال للأمر، واجتناب للنهي.
المقصود بالوفاء بالعهد: العمل بالشرائع امتثالا للأوامر، واجتنابا للنواهي، قال أبو العالية رحمه الله تعالى: "عهده إلى عباده دينه الإسلام أن يتبعوه" قال (أوفوا بعهدي أوفي بعهدكم)  (عهدكم) أي ما وعد الله عز وجل به المطيع من قبول عمله وإثابته عليه، فقوله (أوفِ بعهدكم) أي بالقبول لأعمالكم، وإثابتكم عليها الثواب العظيم.
● قال: (وإياي فارهبون) أي: اخشوني وخافوني، وهذا ترهيب. والذي قبله (أوفِ بعهدكم) ترغيب، فجُمع في هذه الآية لهم بين الترغيب والترهيب، وهذا مسلك القرآن في الدعوة ترغيب وترهيب،
قال (أوفِ بعهدكم) أي: أثيبكم، أجزل لكم الثواب، أوفيكم ما وعدتكم هذا ترغيب، (وإياي فارهبون) هذا ترهيب.
 وهذا أيضا يستفاد منه - إضافة إلى ما سبق- أهمية الترغيب والترهيب في باب الدعوة، وإيقاظ القلوب واستصلاح الناس، وهذا نهج القرآن.
قال (وإياي فارهبون* وآمنوا بما أنزلت)
المقصود بالمُنزل القرآن: وحي الله، وتنزيله على عبده ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين.
 (أنزلت) والنزول من أعلى وهذا فيه إثبات علو الله على خلقه، لأن القرآن نزل من الله (تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين) والنزول إنما يكون من أعلى. (أنزلتُ) المراد بالمُنزل القرآن.
(مصدقا لما معكم) أي الكتاب الذي معكم، والخطاب لبني إسرائيل، الكتاب هو التوراة ثم نزل من بعده الإنجيل، ثم جاء هذا القرآن (مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) ولهذا فإن قوله (مصدقا لما معكم) فيه أن القرآن حاكم على الكتب التي قبله وقد دخلها تحريف، فما حكم القرآن عليه بالحق فهو حق، وما حكم عليه بخلاف ذلك فهو باطل.
(وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكون أول كافر به)
● قوله (ولا تكونوا أول كافرا به) قيل: (به) أي محمد عليه الصلاة والسلام، وقيل (به) أي القرآن وكلا القولين صحيح، يتناوله اللفظ ويتناوله السياق، (وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به) لما خوطب بنوا إسرائيل بهذا الخطاب ألم يكن يوجد كفار كفروا بالنبي عليه الصلاة والسلام، وكذبوه؟ أكان موجود كفار أو لم يكن؟ كفار قريش لما نزل هذا الخطاب لبني إسرائيل كانوا موجودين كفارا بالنبي عليه الصلاة والسلام، فما معنى (أول كافر به) وهو يوجد أناس وأقوام سبقوهم إلى الكفر بالقرآن والكفر بالرسول؟
 
أول كافر به من جنسكم أنتم يا أهل الكتاب، يا بني إسرائيل، (ولا تكونوا أول كافر به) أي يا أيها المخاطبون بهذا الخطاب، يا بني إسرائيل، نعم، يوجد كفار من قريش ومن العرب عموما كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل هؤلاء، فإذن قوله (ولا تكون أول كافرا به) يعني أنتم يا أهل الكتاب، يا بني إسرائيل.
● قوله (ولا تكونوا أول كافرا به) فيه دلالة أن المتقدم إلى الكفر والسابق إليه أعظم جرما ممن أتى بعده لماذا؟
لأنه سيؤثر فيمن جاء بعده، فيبوء بإثم نفسه وإثم من صار مقتديا به في كفره، فيبوء بإثمه وآثام الآخرين. يعني رأيتم الآن هؤلاء المخاطبون لما يبادر أحد كبرائهم ورؤسائهم ومتبوعيهم، لما يبادر إلى الكفر بالنبي عليه الصلاة والسلام ويعلن كفره كم من العوام والجُهال تحته سيتبعونه، كم من الجُهّال والسفهاء سيتبعونه فيبوء بإثمه وإثم هؤلاء لأنه تسبب أيضا في ذلك.
● قال (ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآيات ثمنا قليلا)
 (تشتروا بآياتي) تستبدلوا بآياتي ثمنا قليلا. (ثمنا قليلا) ما المراد به؟ المتع الدنيوية، إما رئاسة  فبعض هؤلاء المخاطبين كان رئيسا في قومه، زعيما له شأن، له مكانة، فيخشى إن أعلن إسلامه تذهب هذه المكانة فماذا يصنع؟ يشتري بآيات الله ثمنا قليل هذه الرئاسة التي يطمع فيها. بعضهم كان له لمكانته لمنزلته في قومه أعطيات من قومه يؤدونها، فيخشى أن هذه كلها تتوقف، له شأن في قومه، يخشى أن يذهب هذا الشأن وهذه المكانة فيشتري بآيات الله، يستبدل بآيات الله الثمن القليل.
 (ثمنا قليلا) الحسن البصري إمام التابعين رحمه الله قال كلمة جميلة، قال: "الثمن القليل الدنيا بحذافيرها"
ماذا تكون لو اشترى بالدنيا بحذافيرها آيات الله؟ يعني هذا مغبون، خاسر أعظم الخسران، إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام في بعض الأعمال الصالحة يقول (خير من الدنيا وما فيها) (خير مما طلعت عليه الشمس) بعض الأعمال الصالحة مثل ركعتي الفجر النافلة، قال (خير من الدنيا وما فيها) وقال: (لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس) يعني الدنيا وما فيها، فإذا كان الدين كله استبدله بـ: إما رئاسة، أو قليل من المال، أو شيء من الجاه أو المكانة، هذا خاسر أعظم الخسران، استبدل أيات الله بالثمن القليل.
(ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون)
اتقوا الله، انتبهوا، اجعلوا بينكم وبين غضب الله وسخطه وعقابه والنار وقاية تقيكم بفعل الأوامر وترك النواهي كما قال طلق ابن حبيب رحمه الله - من علماء التابعين – قال: "(تقوى الله أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، رجاء ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله".
● قال (ولا تلبسوا) لا يزال السياق في الوصايا لبني إسرائيل (ولا تلبسوا الحق بالباطل) اللبس: هوالخلط، لبس الحق بالباطل خلطه بالباطل، وهذه الطريقة يفعلها من يفعلها من أئمة الضلال من من أجل ترويج الباطل على العوام والجُهال، يخلط الباطل بشيء من الحق حتى يغتر العوام بما يرونه فيه من الحق، أو الجانب الذي فيه من الحق، فيغتر بذلك، فيفعل ذلك الباطل. تلبس الحق هذه وسيلة يفعلونها من أجل التغرير بالعوام، ومن ذلك ما يفعله كثير من أهل الضلال بتسمية الأعمال الباطلة التي يدعون إليها بأسماء جميلة، أو أسماء حسنة، أو أسماء طيبة، فيغتر الجهال بتلك الأسماء، هذا من لبس الحق، تلبس الحق بالباطل.
 بعض المفسرين ذكروا مثال على ذلك لأن قبلها قال (آمِنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به) عرفنا أن بعض المفسرين قالوا: (أول كافر به) أي بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولا تكونوا أول كافر به، فبعض علمائهم في ذلك الوقت لما قامت الحجج، وظهرت أن هذا النبي هو الذي بُشر به في التوراة، وذُكر باسمه،  وذُكرت صفاته، وبدأ هذا الأمر يظهر بين اليهود، وبدأ بعضهم يدخل في الإسلام، رأوا شيئا واضحا، فبعضهم قالوا: نحن ذكر عندنا في التوراة أنه سيبعث نبي، وبُشرنا في التوراة بنبي من الأميين، لكن لم يذكر أنه من العرب، وهذا من العرب، لم يذكر أنه من العرب، فكانوا يأتون بأشياء يُلبسون بها على العوام، وفعلا أثروا على العوام، أو على عدد من العوام، فبقوا على الكفر بسبب هذه الطريقة لبس الحق بالباطل.
 وأيضا طريقة أخرى كانوا يسلكونها: كتمان الحق، اليهود وخاصة علماؤهم عُرِفوا بأمور سيئة للغاية في التعامل مع الشرع أخطرها - وكلها ذكرت في القرآن- التحريف، ولبس الحق بالباطل، وكتمان الحق.
● قال: (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق)، (تكتموا الحق) أي تخفوه، الكتمان ضد البيان (وتكتموا الحق) و(تكتموا) هذا معطوف على الفعل المجزوم بـ (لا الناهية)، ولا تلبسوا، ولا تكتموا، (ولا تلبسوا الحق) (وتكتموا) أي: ولا تكتموا الحق.
(وأنتم تعلمون) الواو هنا حالية أي والحال أنكم تعلمون أنه حق، حق مُنزل من الله سبحانه وتعالى رب العالمين.
ثم أمرهم بأعظم فرائض الدين وهذا فيه دلالة على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، أمرهم بأعظم فرائض الدين بعد الإيمان والتوحيد وهو إقام الصلاة وإيتاء الزكاة.
قال (وأقيموا الصلاة) ولم يقل صلوا، ولهذا في القرآن (يقيمون، أقيموا) لأنه مطلوب من العبد إقامة الصلاة أي بأركانها وشروطها وواجباتها، والحرص على توفيتها وتكميلها. (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) أي  التي افترضها الله وكتبها عليكم، وإيتاؤها: إخراجها في وقتها بنفس طيبة سمحة متقربا بذلك العمل إلى الله سبحانه وتعالى. وسميت زكاة لأنها زكاة للنفس والمال والمجتمع.

●(وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) 
قوله (مع الراكعين) أخذ منه أهل العلم وجوب صلاة الجماعة قال (واركعوا مع الراكعين، وأخذوا منه كذلك أن الركوع ركن من أركان الصلاة لأنه سمى الصلاة بهذا العمل الذي هو الركوع، (اركعوا) أي صلوا مع المصلين، قال (اركعوا مع الراكعين) أي صلوا مع المصلين، سمى الصلاة ركوع مما يدل على أن الركوع من أركانها لأنه سمى الصلاة بهذا العمل الذي هو الركوع، (اركعوا) أي صلوا مع المصلين، قال (اركعوا مع الراكعين) أي صلوا مع المصلين، سمى الصلاة ركوع مما يدل على أن الركوع من أركانها.

● قال المصنف رحمه الله: "(يا بني إسرائيل) المراد بـ (إسرائيل) يعقوب عليه السلام، والخطاب مع فِرق بني إسرائيل الذين بالمدينة وما حولها، ويدخل فيهم من أتى بعدهم، كلهم يتناولهم هذا الخطاب، فأمرهم بأمر عام فقال (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم"
 قال الشيخ: "وهو يشمل سائر النِعم التي سيذكر في هذه السورة بعضها"، قال مجاهد رحمه الله: "نعمة الله عليهم فيما سمى - أي ذكر في القرآن- وفيما سوى ذلك،  فجّر لهم الحجر، وأنزل عليهم المنّ والسلوى، وأنجاهم من عبودية آل فرعون" ذكر أمثلة فقط، فهو لفظ عام يتناول كل نعمة أنعم بها عليهم، قال: "وهو يشمل سائر النعم التي سيذكر في هذه السورة بعضها" ولهذا سيأتي بعدها بآيات (وإذ أنجيناكم من آل فرعون) اذكروا هذه النعمة، اذكروا إذ أنجيناكم من آل فرعون، وهكذا يأتي ذكر نعم عديدة أنعم الله، (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد) ويُذكّرهم، في السورة ذكر بعض النعم، إذ دا قوله (نعمتي) تتناول النعم التي ذكر بعضها في هذه السورة والنعم أيضا التي لم تُذكر، نعمتي أي عموم نعمي عليكم.
قال: "والمراد بذكرها بالقلب اعترافا، وباللسان ثناء، وبالجوارح باستعمالها فيما يحب الله ويرضى سبحانه وتعالى"
● قال: "(وأوفوا بعهدي) وهو ما عهده إليهم من الإيمان به وبرسله، وإقامة شرعه" وتقدم قول أبي العالية: "عهده إلى عباده دينه الإسلام أن يتبعوه" قال: "وهو ما عهده إليهم من الإيمان به وبرسله، وإقامة شرعه، (أوفِ بعهدكم) وهو المجازات على ذلك بالثواب والجنة والنعيم". ابن عباس رضي الله عنهما قال في معنى قوله (أوفِ بعهدكم): "أدخلكم الجنة لأن الله عز وجل وعد من أطاعه وأتبع رسله بالجنة، وهو سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد.
قال: "وهو مجازاتهم على ذلك"، والمراد بذلك ما ذكره الله في قوله (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لأن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك فقد ضل سواء السبيل). جاء في الأثر عن قتادة رحمه الله تعالى بقوله (وأوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم) قال: "العهد الذي أخذ الله عليهم في قوله (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنين عشر نقيبا) وذكر الآية بتمامها إلى قوله تعالى (فقد ضل سواء السبيل)، فتكون هذه الآية التي في سورة المائدة مفسرة لقوله (أوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم) فإن قوله (أوفوا بعهدي) هو قوله (لئن أقمتم الصلاة وأتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا) ، وقوله (أوفِ بعهدكم) تفسيره قوله (لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار).
● ثم بعدها قال (وإياي فارهبون) هذا ماذا قلنا هنا في تمام الآية؟ قال (فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء في السبيل) فهذه الآية التي في المائدة مفسرة لقوله (وأوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم وإياي فارهبون).

ن/ قال رحمه الله: " ثم أمرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده وهو الرهبة منه تعالى، وخشيته وحده، فإن من خشيه أوجبت له خشيته امتثال أمره، واجتناب نهيه".
ت/ نعم يقصد قول ختم الله الآية بقوله (وإياي فارهبون) هذا ترهيب وتهديد وتخويف يحمل المرء على الطاعة والامتثال. نعم.

ن/ قال رحمه الله: " ثم أمرهم بالأمر الخاص الذي لا يتم إيمانهم ولا يصح إلا به فقال (وآمنوا بما أنزلت) وهو القرآن الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم. فأمرهم بالإيمان به واتباعه، ويستلزم ذلك الإيمان بمن أُنزل عليه، وذكر الداعي لإيمانهم فقال (مصدقا لما معكم) أي موافقا له لا مخالفا ولا مناقضا، فإذا كان موافقا لما معكم من الكتب غير مخالف لها فما فلا مانع لكم من الإيمان به لأنه جاء بما جاءت به المرسلون فأنتم أولى من آمن به وصدق به لكونكم أهل الكتب والعلم".

نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله، وهدانا إليه صراطا مستقيما...
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا.
اقرأ المزيد...

الاثنين، 4 أغسطس 2025

| الدرس الرابع والأربعون | تفسير سورة البقرة: من الآية (٣٨) (قلنا اهبطوا منها جميعا…)

 الدرس الرابع والأربعون \ تفسير سورة البقرة: من الآية (٣٨) (قلنا اهبطوا منها جميعا…) 



الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات أما بعد: فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله:
ن / "قوله (قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون* والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) كرر الإهباط ليرتب عليه ما ذُكر وهو قوله (فإما يأتينكم مني هدى) أي أيَ وقت وزمان جاءكم مني يا معشر الثقلين هدى أي رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم مني ويدنيكم من رضائي، فمن تبع هداي منكم بأن آمن برسلي وكتبي واهتدى بهم، وذلك بتصديق جميع أخبار الرسل والكتب، والامتثال للأمر، والاجتناب للنهي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وفي الآية الأخرى (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) فرتب على اتباع هداه أربعة أشياء نفي الخوف والحزن، والفرق بينهما أن المكروه إن كان قد مضى أحدث الحزن، وإن كان منتظرا أحدث الخوف، فنفاهما عمن اتبع الهدى، وإذا انتفيا حصل ضدهما وهو الأمن التام، وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه، وإذا انتفيا ثبت ضدهما وهو الهدى والسعادة، فمن اتبع هداه حصل له الأمن والسعادة الدنيوية والأخروية، والهدى، وانتفى عنه كل مكروه من الخوف والحزن والضلال والشقاء، فحصل له المرغوب واندفع عنه المرهوب، وهذا عكس من لم يتبع هداه فكفر به وكذب بآياته (فأولئك أصحاب النار) أي الملازمون لها ملازمة الصاحب لصاحبه، والغريم لغريمه، (هم فيها خالدون) لا يخرجون منها ولا يفتر عنهم العذاب، ولا هم ينصرون. وفي هذه الآيات وما أشبهها انقسام الخلق من الجن والإنس إلى أهل السعادة، وأهل الشقاوة، وفيها صفات الفريقين، والأعمال الموجبة لذلك، والأعمال الموجبة لذلك وأن الجن كالأنس في الثواب والعقاب، كما أنهم مثلهم في الأمر والنهي"

ت / بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأصلح لنا إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. اللهم يا ربنا فقهنا أجمعين في الدين، وعلمنا التاويل، أما بعد: قول الله عز وجل (قلنا اهبطو منها جميعا) تقدم فيما قبل هذه الآية بآيتين قول الله عز وجل (قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو) ثم هنا تقدم قوله (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو) هنا قال (قلنا  اهبطو منها جميعا) هذا الإهباط الذي تكرر ذكره في الآيتين (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو)، ثم هنا قال (قلنا اهبطوا منها جميعا) هل هو إهباطان أو واحد؟ يعني ذُكر أولا ثم ذكر ثانيا هل الذي ذكر أولا غير الذي ذكر ثانيا أم هو هو؟
أهل العلم من أهل التفسير في هذا التكرار لهم ثلاثة أقوال:
 القول الأول: أن ذكر الإهباط مرتين لما عُلِق بكل منهما حكما غير الحكم الآخر. يعني لما تنظر في الإهباط الأول ما الذي ذكر بعده؟ قال (قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو) يعني علّق بالأول العداوة، يعني اهبطوا في ابتلاء يكون بينكم هذه العداوة بعضكم لبعض عدو، الثاني علّق فيه ذكر إتيان الهدى قال (اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى) أي اهبطوا للتكليف، فهناك ذكر الإهباط وذكر بعده وجود العداوة بين آدم وذريته مع الشيطان إبليس وذريته. هذا قول وهوأظهر الأقوال التي قيلت في معنى الآية.
الثاني: قيل إن التكرار على وجه التغليط على وجه تغليظ الأمر وتأكيده.
والقول الثالث: قيل هما إهباطان الأول من الجنة إلى السماء الدنيا، والثاني من السماء الدنيا إلى الأرض.
 لكن إذا تأملت في الآية الأولى التي قيل إن الإهباط فيها من الجنة إلى السماء، الدنيا، والثاني قالوا من السماء الدنيا إلى الأرض، لو نظرت إلى الآية الأولى تجد فيها ما يدل على أن الإهباط الذي أُمر في الآية الأولى كان أيضا إلى الأرض (قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر) فالإهباط إلى الأرض حتى في الآيات الأولى، ولهذا يعني في الآية ما يدل على ضعف القول، لأنه عقّبه في الموضع الأول بقوله (ولكم في الأرض مستقر)  فالسياق الأول يدل على أنه إهباط إلى الأرض، كما أن هذا أيضا الثاني إهباط من الجنة إلى الأرض. لكن كُرر على القول الأظهر في ما قيل في معنى الآية لاختلاف المتعلق، الأول علق به العداوة، والثاني علق به إتيان الهدى.

(قلنا اهبطوا منها جميعا) (جميعا) هذه حال في اللفظ، والمعنى: تأكيد (اهبطوا منها جميعا) مثل قوله اهبطوا أجمعون، وهذا لا يستلزم أن يكون الهبوط من جميعهم في زمن واحد أو في وقت واحد، الآن يعني لما يقول قائل هل وصل الطلاب؟ فيقول المجيب وصلوا جميعا، هل يلزم من وصلوا جميعا أن دخولهم كان في زمن واحد؟ ما يلزم، السياق اللفظ ما يلزم منه ذلك، فهو حال وهو أيضا في معنى التأكيد، تأكيد أي كلكم لا يتخلف أحد أجمعين، فهي كقوله اهبطوا أجمعون، (قلنا اهبطوا منها جميعا) (جميعا) هذا يتناول آدم وحواء وإبليس كما قال قتادة رحمه الله قال: "يعني من الجنة جميعا" آدم وحواء وإبليس.
 قال (فإما يأتينكم مني هدى) هذا متى كان؟ قوله (فإما يأتينكم مني هدى) يقول قتادة: "أوحي إليهم بعدما هبطوا (فإما يأتينكم مني هدى) لأنهم الآن نزلوا هبطوا إلى دار ماذا؟ دار ابتلاء وامتحان، امتحان في الهدى الذي يأتيهم من الله (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون* والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)، إذا قوله (فإما يأتينكم مني هدى) هذا يتناول آدم وحوا وإبليس، و ذريتهما، وإبليس على هذا مخاطب بالإيمان، مخاطب بهذا الهدى هو وذريته، ولهذا وجد في ذريته من أسلم، من آمن ودخل في الإسلام، فهم مخاطبون بهذا التكليف بهذا الأمر في هذا الهدى الذي نزل من الله سبحانه وتعالى.
(فإما يأتينكم مني هدى) هذا شرط، جواب الشرط هو الشرط الثاني في قوله (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم) هذا فيه شرط وجوابه، جملة الشرط وجوابه هي جواب الشرط الأول في قوله (فإما ياتينكم مني هدى)، والمراد  بالهدى الرسول والكتاب المنزل مع الرسول بالوحي من رب العالمين سبحانه وتعالى. وأيضا في قوله (مني هدى) فيه أن الهداية من الله، وأنها مِنة من الله وتوفيق، (مني) فهي فضل ومنة ولهذا لا تتحقق لأحد إلا إذا هداه الله ووفقه لأنها من الله، وهذا أيضا فيه أهمية سؤال الله الهداية. وهذا هو أعظم الدعاء وأجلّه. قد تقدم معنا فضله وعظيم شأنه في سورة الفاتحة في قوله سبحانه (اهدنا الصراط المستقيم).
(فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
(لا خوف عليهم) فيما يستقبلون من أمر الآخرة، (ولا يحزنون) أي فيما يتركونه من الدنيا ، أو ما فاتهم من أمور الدنيا، فهذه الجملة (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) جمعت بين الأمن أمنهم بعد الموت، لأن نفي الخوف فيه ثبوت ضده وهو الأمن، ففيه أمنهم فيما بعد الموت، ونفي الحزن فيه تسلية لهم عن الدنيا، فأمّنهم، وسلّاهم، أمنهم فيما هم قادمون عليه، وسلّاهم فيما هم تاركون له، لا تحزن على ما أنت تارك من أمر الدنيا، وما فاتك من أمور الدنيا قال (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
(والذين كفروا) أي بالله وبشرعه ووحيه المُنزّل، وبدينه الذي خلقهم لأجله، وأوجدهم لتحقيقه.
(وكذبوا بآياتنا) كذبوا بوحي الله المنزل على رسله عليهم صلوات الله وسلامه.
(أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) انتبه للفظة الصحبة، صحبة هؤلاء للنار (أصحاب النار) هذه الكلمة تعني أن هؤلاء هم أهل النار الذين إنما خُلقت النار لهم ، هم أهلها. أهلها الذين هم أهلها، فهذه اللفظة تعني الملازمة الدائمة، الخلود الأبدي، ولهذا قال (أصحاب النار هم فيها خالدون) ولهذا جاء في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون)، (لا يموتون) واضحة لأنه خلود لا موت فيه
لكن ما معنى (لا يحيون)؟ يعني هي حياة لكنها حياة عذاب، حياة جحيم (لا يموتون فيها ولا يحيون)، لكن قوما أو أقواما أصابتهم النار بخطاياهم، أو قال بذنوبهم فأماتتهم إماتة حتى إذا صاروا فحما أُذن في الشفاعة، هذا قسم آخر، كانوا دخلوا أو يدخلون النار ويخرجون بالشفاعة، وهم عصاة الموحدين، عصاة الموحدين ليسوا هم أهل النار الذين هم أهلها إنما هم من أهل الجنة، ولهذا في الآية الكريمة قال: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير* جنات عدن يدخلونها) حتى مَن؟ الظالم، لكن الظالم قد يصيبه شيء من الدخول للنار من أجل أن يُطهّر، يُنقى من الذنوب التي ارتكبها، لكن أهل النار الذين هم أهلها، أصحاب النار الذين هم الكفار، الذين إنما أعدت لهم، تقدم معنا قبل آيات أُعدت لمن؟ للكافرين تقدمت معنا، (أعدت للكافرين) أعدت لأهلها الذين هم أهلها، لكن هؤلاء الذين هم عصاة الموحدين إنما يكون دخولهم لها دخول مؤقتا على قدر جرائمهم وذنوبهم من أجل التطهير والتنقية، ولهذا بعد خروج  العصاة الموحدين واكتمال خروجهم من النار حيث لا يبقى في النار إلا أهلها الذين هم أهلها في ذاك الوقت يؤتى - كما جاء في الصحيح- بكبش ويجعل بين الجنة والنار وينادى أهل النار تعرفونه؟ فيقولون نعم هذا الموت، وينادى أهل الجنة تعرفونه؟ فيقولون نعم هذا الموت، ثم يذبح الموت بين الجنة والنار ويقال يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت وهذا قوله سبحانه وتعالى (هم فيها خالدون) أي أبد الآباد، (لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها).
 قال الشيخ رحمه الله تعالى: "كرر الإهباط ليرتب عليه ما ذُكر" هذا فيه اختيار الشيخ لأي الأقوال الثلاثة؟ نعم الأول.
الأول منها قال كرر الإهباط ليرتب عليه ما ذكر، ما ذكر هنا الهدى، إتيان الهدى، والأول رتب عليه وجود العداوة، فكرر اللفظ لاختلاف أو تغاير ما رُتب عليه، لتغاير ما رتب عليه ، كرر الإهباط ليرتب عليه ما ذُكر وهو قوله (فإما يأتينكم مني هدى) أما الموضع الأول ذكر الإهباط ورُتب عليه (بعضكم لبعض عدو) قال: "وهو قوله (فإما يأتينكم مني هدى) أي وقت وزمان جاءكم مني يا معشر الثقلين هدى" الخطاب لمن؟ آدم وحواء وإبليس وذريتهما، ولهذا قال الشيخ "يا معشر الثقلين" أي رسول وكتاب، الهدى ما هو؟ أي الرسول والكتاب. "يهديكم لما يُقربكم مني ويُدنيكم من رضاي، (فمن تبع هداي منكم أي يا معشر الجن والإنس بأن آمن برسلي وكتبي واهتدى بهم وذلك بتصديق جميع أخبار الرسل والكتب والامتثال للأمر والاجتناب للنهي (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون).
 في الآية الأخرى أي من سورة طه قال: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) لما تجمع الآيتين تجد رُتب على ذلك نفي أربعة أمور: نفي الخوف، ونفي الحزن، ونفي الضلال، ونفي الشقاء. أربعة من مجموع الآيتين ولهذا قال الشيخ رحمه الله: "فرتب على اتباع هداه أربعة أشياء: الأول والثاني نفي الخوف والحزن (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) والنفي فيه ثبوت الضد، ضد المنفي نفي الخوف والحزن والفرق بينهما أن المكروه إن كان قد مضى أحدث الحزن، وإن كان منتظرا أحدث الخوف، فنفاهما عمن اتبع الهدى، واذا انتفيا حصل ضدهما وهو الأمن التام. إذن الخوف يتعلق في المستقبل، والحزن يتعلق فيما فات، ولهذا من يتألم لشيء فقده أو أمر آلمه، قد مضى يقال له لا تحزن، ما يقال له لا تخاف، والشخص الذي عنده تخوفات من أشياء في مستقبل أيامه ما يقال له لا تحزن وإنما يقال له لا تخاف، الخوف فيما سيأتي والحزن فيما مضى، هذا الفرق بين الخوف والحزن.
قال: "وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه، وإذ انتفيا ثبت ضدهما وهو الهدى والسعادة" الهدى ضد الضلال، والسعادة ضد الشقاء، في قوله (لا يضل) هذا فيه إثبات الهداية، وفي قوله (لا يشقى) إثبات السعادة، وهذا فيه أن القرآن كتاب السعادة، هكذا قال في سورة طه قال (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) وماذا قال في أولها؟ (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) نفي الشقاء يدل على ثبوت ضده وهو السعادة أي إنما أنزلناه عليك أو إليك لتسعد، فالقرآن هو كتاب السعادة، وكلما عظُم حظ الإنسان من القرآن قراءة وتدبرا وعملا عظُم حظه من السعادة في الدنيا والآخرة (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى)
 قال: "فمن اتبع هداه حصل له الأمن والسعادة الدنيوية والأخروية والهدى، وانتفى عنه كل مكروه من الخوف والحزن، والضلال والشقاء، فحصل له المرغوب، واندفع عنه المرهوب، وهذا عكس من لم يتبع هداه فكفر به، وكذب بآيات فأولئك أصحاب النار، ولهذا قال جل وعلا بعدها (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)، (فأولئك أصحاب النار) أي: الملازمون لها ملازمة الصاحب لصاحبه والغريم لغريمه.
(هم فيها خالدون) أي لا يخرجون منها، ولا يُفتر عنهم العذاب، ولا هم ينصرون.
قال الشيخ: "وهذه الآيات فيها فوائد منها:
/ انقسام الخلق من الجن والأنس إلى أهل السعادة وأهل الشقاوة.
 انقسام الجن والإنس فريقين، أهل سعادة وأهل شقاوة. أيضا ماذا يترتب على ذلك؟ فريق في الجنة وفريق في السعير.
/ وفيها صفات الفريقين، والأعمال الموجبة لذلك، الموجبة للسعادة والأعمال الموجبة للشقاء.
/ وأن الجن كالإنس في الثواب والعقاب لأنهم مخاطبون بالتكليف، ومخاطبون بقوله (فإما يأتينكم مني هدى) مخاطبون بهذا مثل الإنس، كما أنهم مثلهم في الأمر والنهي أي مخاطبون بالأوامر والنواهي.
وأيضا فيها من الفوائد:
/ تهديد عظيم للعصاة
، وتخويف لهم، وتحذير لهم من المعصية، لأن - كما تقدم- في الإخراج لأبينا آدم من الجنة إنما كان بماذا؟ بمعصية واحدة، فمن تصور ما جرى لآدم بسبب معصية واحدة كان على وجل شديد من المعاصي وخوف عظيم منها. نعم

ن/ قال رحمه الله: "ثم شرع تعالى يذكر بني إسرائيل نعمه عليهم وإحسانه فقال (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوفوا بعهدكم وإياي فارهبون* وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآيات ثمنا قليلا وإياي فاتقون* ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون* وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين)
نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله، وهدانا إليه صراطا مستقيما....
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا.
اقرأ المزيد...

الأربعاء، 9 يوليو 2025

الدرس الثالث والأربعون | تفسير سورة البقرة: من الآية (٣٥) (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة…

 تفسير سورة البقرة: من الآية (٣٥) (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة..) 



الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات، أما بعد: فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله:
ن \ "قوله (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكون من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) لما خلق الله تعالى آدم وفضّله أتم نعمته عليه بأن خلق منه زوجة ليسكن إليها، ويستأنس بها، وأمرهما بسكن الجنة والأكل منها رغدا أي: واسعا هنيئا، (حيث شئتما) أي: من أصناف الثمار والفواكه، وقال الله تعالى له (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى* وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى)، (ولا تقربا هذه الشجرة) نوع من أنواع شجر الجنة الله أعلم بها، وإنما نهاهما عنها إمتحانا وابتلاءا، أو لحكمة غير معلومة لنا، (فتكون من الظالمين) دل على أن النهي للتحريم لأنه رتب عليه الظلم، فلم يزل عدوهما يوسوس لهما ويزين لهما تناول ما نُهي عنه حتى أزلهما أي: حملهما على الزلل بتزيينه، وقاسمهما بالله إني لكما لمن الناصحين، فاغترا به وأطاعاه فأخرجهما مما كان فيه من النعيم والرغد، وأُهبطوا إلى دار التعب والنصب والمجاهدة، (بعضكم لبعض عدو) أي آدم وذريته أعداء لإبليس وذريته، ومن المعلوم أن العدو يجد ويجتهد في ضرر عدوه وإيصال الشر إليه بكل طريق، وحرمانه الخير بكل طريق، ففي ضمن هذا تحذير بني آدم من الشيطان، كما قال تعالى (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير)، وقال (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا)، ثم ذكر منتهى الإهباط إلى الأرض فقال (ولكم في الأرض مستقر) أي مسكن وقرار، (ومتاع إلى حين) أي انقضاء آجالكم ثم تنتقلون منها للدار التي خُلقتم لها وخُلقت لكم، ففيها أن مدة هذه الحياة مؤقتة عارضة، ليست مسكنا حقيقيا، وإنما هي معبر يُتزود منها لتلك الدار، ولا تُعمر للاستقرار"

ت \ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأصلح لنا إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم يا ربنا يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا رب العالمين، فقهنا أجمعين في الدين وعلمنا التأويل، أما بعد:
قول الله جل وعلا (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) هذا معطوف على ما قبله، وقد مر معنا في الآيات وسياق الآيات المتقدمة ذكر الامتنان، امتنان الله سبحانه وتعالى على آدم عليه السلام بالمِنن العظيمة ولهذا فإن قوله (وقلنا يا آدم) هذا معطوف على ما قبله في ذكر الامتنان، مِنة الله سبحانه وتعالى على آدم وإخبار الله عز وجل لنا معاشر الذرية، ذرية آدم بهذه المنة العظيمة على أبينا آدم، والفضل العظيم عليه، وأيضا -كما سيأتي- ذكر العدو له حتى نعرف فضل أبينا فنأتسي به ونعرف عدو أبينا وعدونا وعدو ديننا الذي خلقنا الله لأجله فنحذره، فإن هذا من أعظم ما يقصد بهذه الآيات وهذا السياق العظيم المبارك، قال: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) هذا الأمر له بسكنى الجنة كان بعد التشريف العظيم الذي شرف الله به آدم عليه السلام عندما أمر الملائكة بالسجود له تحية -وقد تقدم- فبعد هذا التشريف العظيم بسجود الملائكة له، وإظهار مكانته العظيمة وعلمه، وفضل الله سبحانه وتعالى عليه، بعد ذلك أكرمه الله عز وجل بسكنى الجنة قال: (أسكن أنت وزوجك) أيضا السياق هنا قوله (اسكن أنت وزوجك) يدل على أن حواء خُلقت قبل دخول آدم الجنة، يدل على أن حواء خُلقت قبل دخول آدم الجنة، قال (أسكن أنت وزوجك الجنة)، ومن أهل العلم من أئمة التفسير من يرى أنها خُلقت له في الجنة وكان خلقها بعد دخول آدم عليه السلام الجنة، وبكل من القولين قال جماعة من المفسرين، (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا) أي تمتعا بما فيها من صنوف النّعم وألوان المنن، وطيب الثمار، (كلا منها رغدا) أي رزقا هنيئا واسعا، الرغد هو: السعة، عندما يقال فلان في رغد من العيش أي في سعة (كلا منها رغدا) أي رزقا واسعا كثيرا هنيئا. 
(حيث شئتما) من أي موقع، وأي ثمرة من ثمار الجنة تمتعا بثمرها الهنيء الطيب من أي موطن، كل ثمار الجنة لا يُستثنى من ثمار الجنة ثمرة إلا واحدة شجرة عينها الله سبحانه وتعالى لآدم، قال إلا هذه الشجرة وكُلا من كل ثمار الجنة. المنع من هذه الشجرة والتعيين لها قيل في الحكمة منه الابتلاء والامتحان، ابتلاء وامتحان لآدم عليه السلام، أو له حكمة الله أعلم بها، قد يكون هو الابتلاء والامتحان أراد الله أن يبتليه وأن يمتحنه، أو أن هناك حكمة الله سبحانه وتعالى أعلم بها.
 
قال (ولا تقربا هذه الشجرة) عين لهما شجرة معينة، ونهاهما عن قربانها، (لا تقربا) أي أنت وزوجك، ما هي هذه الشجرة؟ بعض المفسرين سموا أنواع، بعضهم قال العنب بعضهم قال النخلة، بعضهم قال الحنطة الحب، ذكروا قرابة ستة أقوال في التعيين أنواع من الشجر في الجنة، لكن الذي رجحه عدد من أئمة التفسير مثل ابن جرير الطبري، ومثل ابن كثير، ومثل أيضا ابن عطية، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: عدم القطع بتعيين شجرة، لأن الله عز وجل أخبرنا أنه أنه نهاهم عن قربان شجرة، لكن لم يأتِ في القرآن ولا في السنة الصحيحة تسمية هذه الشجرة أهي عنب، أهي رمان، أهي النخلة لم يأتِ تعيين، الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى يقول "ولا علم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين لأن الله لم يضع لعباده دليلا على ذلك في القرآن ولا من السنة الصحيحة" أي أنه أخبرنا بأنه نهاهم عن شجرة معينة في الجنة ألا يقرباها، ألا يقرباها أي بالأكل منها، (كلا منها) أي الجنة رغدا رزقا واسعا، تمتعا بكل صنوف الثمار والنعيم، والأرزاق التي في الجنة إلا هذه الشجرة لا تقرباها، أي لا تأكلا منها (ولا تقربا هذه الشجرة).
 (فتكونا) أي أنت وزوجك (من الظالمين) لما ذكر سبحانه وتعالى الظلم في هذا السياق أفاد أن هذا الأمر الذي نُهي عنه إثم وفعل محرم لأنه رُتب عليه ظلم (فتكونا من الظالمين) فأفاد ذلك أن النهي الذي كان ليس نهي كراهة، أو نهي تنزيه وإنما نهي تحريم.
(لا تقربا هذه الشجرة) أي يحرم عليكم قربان هذه الشجرة والأكل، حرمت عليكم قربان هذه الشجرة والأكل منها.
 (فأزلهما الشيطان) هذا بداية الكيد العظيم من هذا الشيطان للعدو لآدم ولذريته من بعده، كيد عظيم جدا وأنواع من الحيل والمكر والكيد لإيقاع آدم وزوجه في الزلل، في مخالفة ما نهى الله سبحانه وتعالى عنه، ثم من بعد ذلك التسلط على الذرية بالأمر نفسه إيقاعهما في الزلل، وفيما نهى الله سبحانه وتعالى عنه. (فأزلهما) أي آدم وحواء، (أزلهما) من الزلة أي أوقعهما في الزلل، وفي قراءة عشرية (فأزالهما) من الإزالة أي نحاهما، (فأزلهما الشيطان) نحاهما وأبعدهما من الجنة، (أزالهما) أي فعل أو تسبب في أمر يكون به ذلك، ولهذا كل من القراءتين مفسرة للأخرى، (أزلهما) أوقعهما في الزلل فترتب على وقوعهما في الزلل الإزالة، التنحية من الجنة، أزالهما: نحاهما، نحّاهما أي: تسبب في التنحية بما فعله معهما من إغواء.
 (فأزلهما الشيطان عنها) (عنها) أي: الجنة، (فأخرجهما) أخرجهما تسبب في إخراجهما، أضيف إليه الإخراج لكونه المتسبب فيه (فأخرجهما مما كانا فيه).
 قال الله سبحانه وتعالى (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو) (اهبطوا) الأمر بالهبوط هو لآدم وحواء وإبليس، قال (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) ويأتي في بعض الآيات (اهبطا) وسيأتي الكلام عليها.
(وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين)
 (بعضكم لبعض عدو) العداوة بين آدم وإبليس وذريتهما، ولهذا في في موطن من القرآن قال الله لآدم (إن هذا عدو لك ولزوجك)، وقال أيضا في موطن من القرآن سبحانه وتعالى لعموم الذرية (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) ولهذا من أعظم ما يستفاد من هذا السياق أن تتضح للمسلم هذه المسألة، أن هناك عدو وعداوته خطيرة جدا وشديدة وكبيرة، ودهاؤه ومكرهه كبير، وأن الواجب على المسلم أن يتخذه عدوا، أن يعتبره من أكبر أو أكبر أعدائه ويحتاط الاحتياط التام من كيد هذا العدو ومكره وينتبه لأنه مثل ما قال أهل العلم في تفسير هذا السياق المبارك "هذا السياق يتضمن التهديد العظيم عن كل المعاصي التي هي من كيد الشيطان بالإنسان ومكره به" لأن الآن سمعنا لما مكر الشيطان بالأبوين في كم ذنب، كم معصية؟ كثير؟ واحدة، لا تقرب هذه الشجرة، فانظر ماذا ترتب على هذه ال المعصية الواحدة، من تصور ما جرى لآدم بسبب معصية واحدة، كيف تألف نفسه المعاصي الكثيرة!! ولهذا هذا من أهم ما ينبغي أن يستفاد من القصص، لأن هذه القصص تذكر للعبرة، ليست مجرد معلومات تعرف وإنما مواطن فيها عبرة، فيها عظة، فيها إيقاظ للقلوب.

(فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه) أي ما كانا فيه من النعيم، (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) هذه كم؟ ثلاثة أشياء، ثلاثة أشياء، التي للناس في الأرض ثلاثة أشياء، (ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) هذه كم؟ ثلاثة أشياء لنا في الأرض، للذرية في الأرض ثلاثة أشياء: الأمر الأول: مستقر، أي مسكن وقرار، مستقر: أي مسكن تقرون فيه، تسكنون فيه. والأمر الثاني: متاع، يعني لكم فيها رزق، متاع: أي لكم فيها رزق قدّ ره الله وكتبه لكم، لأن كل نفس توجد في هذه الدنيا تُخلق وقد كُتب رزقها، كتب كل ما تطعمه وتتغذاه في هذه الحياة الدنيا.
الأمر الثالث: إلى حين، هناك آجال لكم، كل واحد له أجل معين منهم من يطول، ومنهم من يقصر، لكن لكل أجل، والأجل لا يتقدمه صاحبه ولا يتأخر عليه (ومتاع إلى حين) إلى حين انقضاء آجالكم، وهذا فيه أن بعد ذلك انتقال من دار إلى دار، الدار التي هم فيها دارعمل، والدار التي سينتقلون إليها دار جزاء على العمل، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم - يعني في الدنيا - عمل ولا حساب، وغدا - أي في الآخرة - حساب ولا عمل".
● قال رحمه الله تعالى: "لما خلق الله آدم وفضّله أتم عليه النعمة بأن خلق منه زوجه، أي أن حواء خُلقت من آدم لحكمة أرادها الله عز وجل، حتى يكون هناك انسجام وأنس وتواؤم (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها) خلقها منه ليسكن إليها، ليطمئن إليها، أن تكون النفوس قريبة من بعض، "فأتم عليه النعمة بأن خلق منه زوجه"
 هل خلق زوجة آدم كان في الجنة أو قبل الدخول؟ قولان لأهل العلم كما تقدم.
 ليسكن إليها ويستأنس بها، "وأمرهما بسكنى الجنة والأكل منها رغدا أي واسعا هنيئا حيث شئتم أي من جميع الأصناف والفواكه والثمار التي في الجنة، وقال الله له (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى* وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) وقال له جل وعلا (ولا تقربا هذه الشجرة هذه الشجرة) نوع من أنواع شجر الجنة الله أعلم بها". قوله "الله أعلم بها" هذا هو اختيار كثير من المحققين من أئمة التفسير، لأنه لم يأتِ نص لا في القرآن ولا في السنة في التعيين، قال: "وإنما نهاهما عنها امتحانا وابتلاء، أو لحكمة غير معلومة لنا" قد تكون الحكمة الابتلاء والامتحان، الحكمة خفية، الله أعلم بها.
قال: "(فتكونا من الظالمين) دل على أن النهي للتحريم، الدليل؟ قال: "لأنه رتب الظلم عليه" فهذا يدل على أن النهي لم يكن للكراهة ولم يكن للتنزيه وإنما كان للتحريم. قال: "فلم يزل عدوهما -أي إبليس- يوسوس لهما ويزين لهما تناول ما نهيا عنه حتى أزلهما" أي حملهما على الزلل بتزيينه، هذا على قراءة (أزلهما)، والقراءة الأخرى (أزالهما) أي نحاهما، عرفنا أن الأمرين مترتب أحدهما على الآخر، والقراءتان واحدة منهما مفسرة ومبينة للمترتب على المعنى الأول، في القراءة التي هي (أزلهما) هذا الزلل المترتب عليه الإزالة (أزالهما)، "حتى أزلهما أي حملهما على الزلة بتزيينه وقاسمهما كما في سورة طه (إني لكما لمن الناصحين)، فدلهما بغرور وقاسمهما بالله إني لكما لمن الناصحين، قال بعض المفسرين -لأنهم ذكروا أسباب أنه كيف أن آدم أطاعه في هذه- بعض المفسرين قالوا: ما كان يظن آدم أن أحد يجرؤ على أن يقسم بالله وهو كاذب، ما يظن ذلك، ما يظن أن أحد يجرؤ أن يقسم بالله وهو كاذب، فلما حلف (قاسمهما بالله) حلف لهم بالله أنه ناصح لهما أطاعه، قال بعض المفسرين ما كان يظن آدم أن أحد يتجرأ أن يحلف بالله وهو كاذب، فاغترا به وأطاعاه فأخرجهما مما كان فيه من النعيم والرغد، وأُهبطوا إلى دار التعب والنصب والمجاهدة والمكابدة، هذه الدار دار الدنيا.
 ●قال (بعضكم لبعض عدو) من؟ آدم وذريته مع الشيطان إبليس وذريته، ولهذا فإن الله عز وجل أبدى وأعاد في القرآن الكريم في بيان شدة هذه العداوة من إبليس لآدم وذريته، وتكرر هذا المعنى في مواطن عديدة يحذر الذرية من هذا العدو، ويذكر سبحانه وتعالى العداوة الشديدة منه لآدم وذريته.
قال "ومن المعلوم أن العدو يجد ويجتهد في ضرر عدوه، وإيصال الشر إليه بكل طريق وحرمانه الخير بكل طريق، وهذا الذي ينصب ويجتهد في فعله إبليس (ثم لآتيناهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين)، (ولا تجد أكثرهم شاكرين) هذا قاله عندما طلب من الله أن يُنظره، في ذاك الوقت قاله، قال (ولا تجد أكثرهم شاكرين) هذا ماذا يكون؟ هذا ظن من إبليس أنه سيفعل أفاعيل عظيمة جدا، ويمكر مكرا كبيرا.
والذي يظنه أنه ماذا سيحصل؟ أن أكثر الذرية سيضلهم، هذا ظنه (ولا تجد أكثرهم شاكرين) هذا ظن من إبليس
ماذا قال الله عز وجل في سورة سبأ؟ (ولقد صدّق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين)، (ولقد صدّق عليهم) يعني كثير من الذرية ما خيبوا إبليس في ظنه، فيهم ما خيبوه، أطاعوه واتبعوه، صاروا من أتباعه، وركضوا وراءه فيما يدعوهم إليه، ما خيبوه فيما ظنه، (ولقد صدّق عليهم إبليس ظنه) ظنه ما هو؟ (لا تجد أكثرهم شاكرين)، فعداوة شديدة، قال بعض السلف: "عدو يراك ولا تراه، شديد المؤنة" لكن مع شدة المؤنة هناك نعمة عظيمة ذكرها الله عز وجل ممتنا بها على العباد قال (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) عبادي الدخول في العبادة، التقرب إلى الله واللجوء إلى الله، والاستعاذة بالله، والذكر لله، الإقبال على طاعة الله، هذا ينحي الشيطان، إذا أذن المؤذن ماذا؟ ولى الشيطان وله ضراط، (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين)، الدخول في العبادة، القرب من الله، التقرب إلى الله، الصدق مع الله، الإخلاص مع الله، هذا كله يبعد هذا العدو شديد العداوة، أعاذنا الله عز وجل وذرياتنا والمسلمين من الشيطان الرجيم، ومن ذريته، ومن همزه ونفثه ونفخه. قال: "ففي ضمن هذا تحذير بني آدم من الشيطان" هذا مثل ما قدمت، من أهم ما ينبغي أن يستفيده المسلم من هذا السياق، أو أهم ما ينبغي أن يستفيده المسلم من هذا السياق أن يعرف أن هذا يتضمن تحذير لنا معاشر الذرية من هذا العدو قال: "ففي ضمن هذا تحذير بني آدم من الشيطان كما قال تعالى (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا* إنما يدعو حزبه) أي من يطيعونه ويتبعونه ويصيرون من أحزابه (إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) هذا الذي يريد (ليكونوا من أصحاب السعير) أي ليكونوا معه في النار، قال جل علا(أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو) كيف يتخذ الإنسان عدوه وليا له!! (بئس للظالمين بدلا).
ثم ذكر منتهى الإهباط، إلى ماذا ينتهي هذا الإهباط؟ فذكر أمور ثلاثة في الأرض (ولكم في الأرض مستقر) أي مسكن وقرار، (ومتاع) أي أرزاق، (إلى حين) أي انقضاء الآجال، ثم تنتقلون منها أي من الأرض للدار التي خلقتم لها، للدار التي خُلقتم لها، وخُلقت لكم التي هي الدار الآخرة، ففيها أن مدة هذه الحياة مؤقتة عارضة، ليست مسكنا حقيقيا وإنما هي معبر يتزود منه لتلك الدار، ولا تُعمر أي هذه الدار للاستقرار، فهي دار معبر وليست دار مستقر أو دار قرار. نعم

قال تعالى (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم)
ن \ قال رحمه الله: " (فتلقى آدم) أي تلقف وتلقن وألهمه الله، (من ربه كلمات) وهي قوله (ربنا ظلمنا أنفسنا..) الآية، فاعترف بذنبه وسأل الله مغفرته فتاب الله عليه ورحمه إنه هو التواب لمن تاب إليه وأناب، وتوبته نوعان: توفيقية أولا، ثم قبوله للتوبة إذا اجتمعت شروطها ثانيا، الرحيم بعباده ومن رحمته بهم أن وفقهم للتوبة وعفا عنهم وصفح".

ت \ قال (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) (تلقى آدم) أي أن الله تفضل على آدم ومنّ عليه بأن ألقى إليه كلمات، ألهمه كلمات، وفقه أن يقول كلمات علمه الله سبحانه وتعالى إياها قال: "(فتلقى آدم) أي تلقف وتلقن، وألهمه الله، (من ربه كلمات) كلمات ألهمه الله أن يقولها، وفقه الله أن يقولها، ما هي هذه الكلمات؟ جاء في سورة الأعراف ما يفسرها (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) هذه كلمات عظيمة في التوبة، ولهذا يشبهها تماما قول يونس عليه السلام (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، يشبهها تماما وصية النبي صلى الله عليه وسلم لصديق الأمة لما قال علمني دعاء أدعو الله به في صلاتي وفي بيتي، قال قل (اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) هذه كلها في المعنى نفسه، فألهمه الله كلمات هي هذه الكلمات التي ذكرها الله في دعاء آدم وزوجه في سورة الأعراف، جاء عن ابن عباس قال: "هي قوله (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) ، وجاء أيضا هذا المعنى عن الضحاك، وعطاء، وقتادة، وعطية العوفي عبد الرحمن بن زيد، وجماعة من المفسرين، ورجحه أيضا عدد من أئمة التفسير، رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وقبله أيضا ابن جرير الطبري، وآخرين من أهل العلم، هذه الكلمات (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) فيها الاعتراف بالذنب، والاعتراف بالذنب والندم على فعله هو بوابة التوبة، وهو الباب الذي يدخل منها المرء للتوبة عندما يستشعر الذنب الذي وقع فيه، ويندم على فعله للذنب، (ظلمنا أنفسنا) فاعترف بذنبه، وسأل الله المغفرة أن يغفر له هذا الذنب الذي وقع عليه، (فتاب الله عليه) تاب الله عليه ورحمه سبحانه وتعالى (إنه هو التواب) تواب هذا اسم من أسماء الله الحسنى ويتضمن صفة التوبة، يتوب سبحانه وتعالى على من يشاء، التوبة صفة لله.
وتوبة الله على عبده نوعان:
الأولى: التوفيق للتوبة (ثم تاب عليهم ليتوبوا) هذا قبل توبة العبد، (ثم تاب عليهم ليتوبوا) حتى هنا في آدم (فتلقى آدم من ربه) هذه التوبة التي قبل التوبة ألقى إليه كلمات تكون توبته من الذنب الذي وقع، هذه توبة من الله على آدم قبل توبة آدم، وتوبة بعد توبة آدم التي هي ماذا؟ (فتاب عليه) يعني قبِل توبته، فإذا توبة الله على عبده نوعان: توبة قبل توبة العبد بالتوفيق للتوبة، لأنه لا يتوب من ذنوبه إلا من وفقه الله للتوبة. ولهذا ينصح العصاة الذين تسلطت عليهم النفس الأمارة، وتسلط عليه الشيطان، ينصح هؤلاء أن يكثروا من دعاء الله أن يوفقهم للتوبة، يسأل الله عز وجل أن يشرح صدورهم، لأنه لن يتوب إلا إذا وفقه الله، ولن يدخل في التوبة إلا إذا شرح الله صدره لها، ويسرها له.. ولهذا أيضا من النصيحة للعصاة من قريب لك، أو ليس بقريب أن تدعو له، هو في تسلط، تسلط نفسه، تسلط الشيطان، وتسلط فتن الدنيا، إذا رأيته مبتلى وقد أنعم الله عليك بالهداية لا تدعُ عليه، أدعو له أن يُقبل الله بقلبه، أن يهديه، أن يتوب عليه، لأن هذا المتسلط عليه من نفس أمارة، ومن شيطان، ومن فتن في الدنيا مهلكة، لن يتوب إلا إذا شرح الله صدره، فكن عونا له، لا تكن عونا للشيطان عليه، كن عونا له، ادع الله أن يقبل بقلبه، وأن يشرح صدره، أن أن يهديه، إن وافقت منك ساعة إجابة دخل هذا العبد في التوبة وآجرك الله وآثابك على إحسانك في الدعاء لمسلم أو لعاص تسلط عليه الشيطان فأهلكه وأوبقه.
قال: "وتوبته نوعان توبة توفيق أولا، ثم قبول للتوبة هذه ثانيا"

متى تكون مقبولة؟ قال إذا اجتمعت الشروط وهي: الندم، والإقلاع والعزم، ثلاثة: ندم وإقلاع يقلع عن الذم. ويندم على فعله، ويعزم عزما أكيدا ألا يعود إليه، (الرحيم) أي بعباده الرحيم، ومن رحمته بهم أن وفقهم للتوبة، وعفا عنهم، وصفح.
 نفعنا الله أجمعين بما علمنا، وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله، وهدانا إليه صراطا مستقيما…. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا
اقرأ المزيد...