الثلاثاء، 28 مايو 2013

محاضرة برامج عملية في تربية الأسرة بالقرآن الكريم

د.عمر المقبل


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 هذا اللقاء بعنوان: «برامج عملية في تربية الأسرة بالقرآن الكريم»
 وهو محاضرة ألقاها فضيلة الشيخ الدكتور عمر بن عبد الله المقبل عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم، وعضو الجمعة العلمية بالسعودية للقرآن الكريم وعلومه، والتي أقيمت في جامع الناصر بحي الأندلس شمال الرياض. حيث استهلَّ الشيخ محاضرته بعد حمد الله والثناء عليه بطرح أسباب عرض هذا الموضوع، وذلك في أربعة أسباب هن الأبرز، حيث يقول فضيلته:
 أول هذه الأسباب التي تجعلنا نتحدث عن هذا الموضوع أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- قال لخير البيوت على وجه الأرض، بيوت محمد -صلى الله عليه وسلم- وبيوت أمهات المؤمنين: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}
 يقول قتادة وغيرهم من السلف رحمهم الله تعالى: "أي أعملن بما ينزِّل الله على رسوله في بيوتكنَّ من الكتاب والسُنّة، واذكرن هذه النعمة التي اختصَّكُنَّ بها من بين الناس، أنَّ الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس".
 وأقول: إنَّ حقًّا على المؤمن أن يذكر نعمة الله عزَّ وجل عليه إذ جعله من هذه الأمَّة التي نزل عليها هذا القرآن؛ فإنَّ أكثر بيوت أهل الأرض اليوم خالية من هذا النور العظيم. يقول الشيخ العلامة المفسر المربي الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله تعالى: "والمراد بآيات الله في القرآن والحكمة أسراره وسُنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأمْرُهنَّ بمثله يشمل ذِكر لفظه بتلاوته، وذكر معناه بتدبره والتفكر فيه، واستخراج أحكامه وحِكَمه وذكر العمل به". انتهى كلامه رحمه الله.
 اِربط هذا أخي الكريم وأختي الكريمة بين الوصف النبوي الذي وصفته عائشة رضي الله تعالى عنها لنبينا -صلى الله عليه وسلم- حينما قالت: «كان خُلقه القرآن»، ليتضح لك كيف كان القرآن حاضرًا في بيت النبوَّة الطاهر، صلوات الله وسلامه على صاحبه، ورضي الله تعالى عن أمهات المؤمنين أجمعين.
 لقد كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يا أتباع ملَّته، كان يُترجم القرآن الذي يُوحَى إليه ويتلوه في الليل، يترجمه إلى واقع عملي مع نسائه، مع أهل بيته، مع سائر الناس.
 وأقول: لن تكون الترجمة صحيحة إلاَّ إذا كان الفهم للنص المترجًم صحيحًا؛ إذ كيف يُعمَل بالقرآن ويطبق ويترجم عمليا من قِبل من لم يفهمه؟!.
 أما السبب الثاني الذي يجعلني أتحدث عن هذا الموضوع هو قول الله تبارك وتعالى لنا وليس للكفار: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
 ومن دقيق فقه الإمام البخاري رحمه الله تعالى أنه بوَّب على هذه الآية في الصحيح، ثم ذكر تحت هذا التبويب حديث ابن عمر المتفَق عليه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «كلُّكم راع وكلُّكم مسئول عن رعيته».
 يقول قتادة -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: «يقيهم بأن يأمرهم بطاعة الله وينهاهم عن معصيته، وأن يقوم عليهم بأمر الله، يأمرهم به، ويساعدهم عليه، فإذا رأى معصية لله ردعهم عنها وزجرهم عنها».
 ويقول بعض أهل العلم مستنبطًا أيضًا من هذه الآية: "فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير وما علمناه من الأدب."
 وأنا أسأل أيها الفضلاء: أنَّى لنا أن نقي أنفسنا وأهلينا، وأن نعلمهم ما يحبه الله لنفعله ونطبقه، وأن نُعلِّمهم ما يُسخط الله عزَّ وجل لنجتنبه ونحذره. أنَّى لنا إلاَّ بهذا الوحي العظيم من الكتاب والسُنة! قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ}، ولهذا يقول بعض المعلِّقين على هذه الآية الكريمة: «إنَّ تبعت المؤمن في نفسه وفي أهله تبعت ثقيلة رهيبة، فالنار هناك، وهو متعرَّض لها هو وأهله، وعليه أن يحول دون نفسه وأهله ودون هذه النار التي تنتظره هناك». هذا أمر ينبغي أن يدركه جيدًا كل من يريد أن يسلك طريق الدعوة. إن أول الجهد ينبغي أن يتوجه إلى البيت، إلى الزوجة، إلى الأم، ثم إلى الأولاد والى الأهل بعامة. ويجب الاهتمام البالغ بتكوين الأسرة المسلمة لتنشأ على إثرها نواة أسرة مسلمة يكون قائدها ودليلها كتاب الله عز وجل.
 وينبغي لمن يريد بناء بيت مسلم أن يبحث أولاً عن شريكة الحياة، وعن رفيقه الدرب، وإلاَّ فسيتأخَّر قليلاً، وسيظل البنيان متأخِّرًا متخاذلاً كثير الثغرات. إنه ليتعين على الآباء المؤمنين الذين يريدون أن يُنشؤا جيلاً صالحًا أن يعلموا أن هذا النشء وديعة وأمانة في أيديهم، وأنَّ عليهم أن يتوجَّهوا إليهم بالدعوة والتربية والإعداد قبل أن يتولَّى إعدادهم طرفٌ آخر أو شيء آخر، وأن يستجيبوا لله وهو يدعوهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}.
 السبب الثالث أيها الفضلاء الذي يجعلنا نتحدث عن مثل هذا الموضوع : أنَّ أسلافنا الذين سادوا الدنيا، وذلِّت رقاب الكفرة لهم كانوا يعتنون بهذا القرآن، بل إنَّ عزهم وفَخارهم وتملّكهم وتمكينهم في الأرض؛ إنما كان بسبب أخذهم للقرآن، وإنما كانت جيوش المسلمين أفرادًا تخرج وتهبُّ للجهاد في سبيل الله من عدة بيوتات، وهذه البيوتات رعاها القرآن وربَّاها القرآن، ونبتت في روضة القرآن.
 بوّب البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه فقال في كتاب «فضائل القرآن» [باب تعليم الصبيان القرآن]، ثم ذكر تحت هذا الباب أثر ابن عباس -رضي الله عنهما- الذي يقول فيه: «توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم». ماذا يعني بالمحكم؟ سور المفصّل. المقصود أن ابن عباس يقول توفى النبي -صلى الله عليه وسلم- وعمره عشر سنوات، ولم يمت إلا وقد أتقن المحكم وحفظه، وهذا دليل على عناية أسلافنا رضي الله عنهم ورحمهم بتنشئة هذه الفلذات التي هي فلذات الأكباد تنشئتهم على القرآن الكريم.
 السبب الرابع والأخير الذي أدخل بعده في صلب الموضوع: أنَّ أعداء الإسلام تفنَّنوا في صدِّ الناس عن هذا القرآن العظيم، وأقول - وبكل مرارة - تبعهم على ذلك بعض فسَّاق المسلمين وفجارهم بأساليب شتى وبطرق متنوعة: فضائيات، إذاعات ....الخ، كلُّ ذلك تفنَّنوا فيه؛ فنجحت كثيرٌ من هذه المحاولات وللأسف، والواقع أكبر شاهد، أفيُستكثر على الدعاة إلى الله -عز وجل- أن يتنادوا إلى رب الناس، إلى كتاب ربهم عز وجل بكل ما يمكن من الأساليب والطرق المشروعة والمباحة؟!.
 إن هذه البرامج أيها الإخوة إلاَّ محاولة من جملة المحاولات الكثيرة، أسأل الله عز وجل أن ينفعني وإياكم بها.
 أحبتي الكرام، يا أهل القرآن، إنَّ أول هذه الوسائل أو الطرق التي تُربَّى بها الأسرة ليتفعل دور القرآن في حياتها هو أن يُرسَّخ في نفوسهم تعظيم القرآن الكريم، وأثره في حياة الأسرة، وخطورة غيابه وضعف حضوره في البيت. وهذا يتم بعدَّة أمور:
 الأول: أن تدرك الأسرة جيدًا وعلى رأسها الأب والأم أنهم بدون القرآن أمواتٌ عُمي ضُلال جُهّال. من أين هذا؟ من كتاب الله عزَّ وجلَّ، قال الله تبارك وتعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}. ويقول الله عز وجل عن رسوله -صلى الله عليه وسلم-: {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى}. وحتى يقع من قلبك هذه الآية موقعها الذي ينبغي تعلَّم معي رعاك الله كيف كانت حياة نبينا -صلى الله عليه وسلم- قبل الوحي، هل كان يعبد الأصنام؟ أكيد لا، هل شرب الخمر مرة؟ أبدًا، هل حُفِظ عنه أنه اقترَّب من امرأة لا تحلُّ له؟ أبدًا، بل لم يُحفظ عنه ما هو أقلُّ من ذلك، لم يحفظ عنه أنه أخلَّ بأمانة أو غدر في عهدٍ أو كذب في كلمةٍ.. وقد كانوا يسمونه «الصادق الأمين»، ومع ذلك أيها الفضلاء كل هذا النصوع وكل هذا الإشراق في حياته إذا قستها إلى حياة الجاهلية، كلها بالنسبة إلى ما بعد الوحي لا شيء.. {وَوَجَدَكَ} ماذا؟ {ضَالاً فَهَدَى} بأيِّ شيء هداه؟ بهذا الوحي. إذا أسرة لا تتربَّى على القرآن أسرة تعيش في الضلالة شاءت أم أبت، والله ولو كان عندها أنواع العلوم، وأما قوله جُهّال فإنَّ الله عزَّ وجلَّ نعت كتاب في أكثر من موضع بأنه آي العلم، فعرَّفه بالعلم، قال الله تبارك وتعالى لرسوله -صلى الله عليه وسلم- في أكثر من موضع:
 {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}، {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ}..
 إذا من فقد هذا العلم فقد وقع في جهالة. وهذا أمر يجب أن يدركه الوالدان قبل، لأنهما إذا تشبَّعا به نقلا هذا المعنى لأبنائهم. أيضًا من الأمور التي تُعين على ترسيخ تعظيم القرآن في نفوس أفراد الأسرة أن تُذكَر الآيات والأحاديث والآثار التي تُعظِّم من مكانة القرآن في نفوس الأبناء ليصلوا إلى هذا المرتبة.
 استمع معي رعاك الله واستمعي يا أمَة الله إلى كلمات والله تُكتب بماء الذهب للإمام القرطبي صدّر بها تفسيره، حيث يقول: «فأول ذلك -أي فأول درجات الانتفاع بالقرآن- أن يستشعر المؤمن من فضل القرآن أنه كلام ربِّ العالمين، وأنه ليس كمثله شيء، وصفة من ليس له شبيه ولا ندّ، فهو من نور ذاته جلَّ وعلا..».. إلى أن قال: "ولولا أنه سبحانه جعل في قلوب عباده من القوة على حمله ما جعله ليتدبروه وليعتبروا به وليتذكروا ما فيه من طاعته وعبادته وأداء حقوقه وفرائضه، لولا أن الله جعل ذلك في قلوبهم لضعفت واندكتت بثقله، أو لتضعضعت له، وأنّى تطيقه وهو يقول تعالى وقوله الحق: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} فأين قوة القلوب من قوة الجبال؟! ولكنَّ الله رزق عباده من القوة على حمله ما شاء أن يرزقهم فضلاً منه ورحمة». انتهى كلامه.
 ومن جميل العبارات التي تُذكر في هذا المقام أنَّ الشيخ عبد الرحمن الدوسري -رحمه الله- تعالى لَمَّا سُئل عن أهم شروط المفسِّر قال: «أن تملأ قلبه الفرحةُ بالقرآن»، وهذا والله من دقيق الأجوبة وعميقها،كيف ذلك؟ الشيخ طبعًا لا يُغفل ضرورة العلم باللغة، وضرورة العلم بالناسخ والمنسوخ، إلى غير ذلك من العلوم التي يَلزم توافرها لدى المفسِّر، ولكنه أشار رحمه الله إلى معنى قد يغيب عن كثير من الذين يتعاملون بالقرآن، فأشار إلى هذا المعنى البليغ العظيم، وهو أن تملأ قلبك الفرحة به، لأنَّ من يتعاطى مع القرآن يجب أن يملأ قلبه الفرح والسرور والغبطة به، وإلاَّ والله سيكون تعامله معه تعاملا باردا . إنَّ كتاب الله أيها الفضلاء ليس متنًا من متون العلم يُتعامل معه بطريقة قد تكون إلى الجفاف أقرب،. لا، إنه كتاب الله وكفى، إنه كلام الله وحسب.
 أيضًا من الأمور التي تُعين على ترسيخ تعظيم القرآن في القلوب، وهذه كلها وسائل تابعة للبرنامج الأول، أنه خيرٌ من كلِّ ما يجمع الخلق، والدليل:  قال الله تعالى: «قل» يا محمد لهؤلاء؟، {قُل بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ}، «فضل الله» الإسلام كما قال السلف و«رحمته» القرآن، {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} ، وفي قراءة أخرى: {هُوَ خَيْرٌ مِمَّا تَجْمِعُونَ}.
 أخي الكريم.. تصور لو أنَّ اليوم اتصل عليك أكبر مصرف في المملكة من المصارف التي تتعامل معها، وقال: وقع عليك الاختيار، سيحول لك اليوم في حسابك عشرة ملايين، كيف تشعر؟ مسرور..،  حسنًا ما رأيك لو حُولت لك مائة مليون؟ مليار؟ كلُّ خزينة الدولة وضعت في حسابك الليلة؟ هذا كلُّه أيها الإخوة أقلُّ مما ينبغي أن يكون عليه قلب المؤمن من الفرح بكتاب الله -عزَّ وجل- ولذلك لما رأى عمر كثرة إبل الصَدَقة سمع الأعرابي الذي يُشرف عليها يقول: يا أمير المؤمنين يريد أن يبشِّره، ويقول: هذه إبل الصدقة -وكأنه يعني يريد أن يُدخِل السرور على قلبه لكثرتها- ثم قرأ الآية الكريمة التي ذكرتها قبل قليل، فقال: كذبت يعني «أخطأت» بلغة أهل الحجاز، إنما ذلك القرآن الكريم {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
 وإذا وصل الإنسان إلى هذه المرحلة وهذا الشعور يُرجى أن يصل إلى مرحلة شريفة عظيمة، وهي مرحلة الارتباط بالقرآن. وهي مرحلة عظيمة يجد الإنسان للقرآن معها طعمًا آخر والله لا يشبهه أيُّ طعم، ووالله لا يوازيها أيُّ لذَّة من لذَّات الدنيا. بوَّب البخاري -رحمه الله تعالى-  على حديث ابن عمر المتفق عليه: «لا حسد إلا في اثنتين» البخاري روى الحديث بألفاظ منها «ورجل آتاه الله القرآن» أتدري بمَ بوّب البخاري على هذا الحديث؟ قال: باب "الارتباط بالقرآن". ما معنى «الارتباط»؟ الفرح هنا والسرور، بحيث يصل الإنسان إلى مرحلة يُحسَد عليها.
فأقول: نحتاج إلى هذا الشعور، نحتاج إلى الفرح أيها الإخوة أن يملأ قلوبنا قبل أن نفتح المصحف، حتى ننتفع بكتاب الله عزَّ وجل. ولا بأس أن أذكر قصة وقعت هنا في الرياض، في رمضان العام الماضي، يحدثني أحد طلبة العلم أنه ألقى كلمة في أحد الجوامع، يقول: فلما فرغت قال لي: إن عندنا هاهنا في المسجد رجلاً غريبًا من إخواننا من الجنسية التركية، ويقول: إنَّ له مع القرآن شأنًا عجيبًا، وما هو؟ يقول: إنه يفتح المصحف، وإذا فتح المصحف بكى وبكى وبكى وتأثَّر كثيرًا، فنتعجَّب نحن، كيف يقع له هذا البكاء وهو غير عربي؟! أو بعبارة أخرى لا يفهم العربية، ولا يفهم المعاني، وقلت: فحاول مرة أن أجعل إمام المسجد، أو بعض جماعة المسجد أن يسألوه: هل تفهم اللغة العربية؟ فقال: لا. قالوا: كيف إذن تبكي؟ قال: صحيح، أنا لا أفهم، لكنه كلام الله -عز وجل-. انظر إلى الفرح! إنه كلام الله -عز وجل-، ثم قال لهم كلمة هي أشبه ما تكون بالصفعة، «ولكنكم أنتم عرب، فلماذا لا تبكون؟!».. أنتم تفهمون القرآن، لماذا لا تبكون؟!  وبالفعل، إنها لكلمة مؤثّرة.
 الأمر الرابع مما يُعِين على تعظيم القرآن في نفوس أبناء الأسرة بثّ احترام القرآن عمليًّا في نفوس أفراد الأسرة من جهة العلاقة من حفظه وتوقيره، حيث يوضع في مكان محترم، ومراعاة آداب التلاوة، بحيث لا يمسك الإنسان المصحف إلا على طهارة، إذا أراد أن يقرأ القرآن يكون متأدباً، لأن الطفل إذا نشأ على هذه الأمور نشأ تعظيم القرآن في قلبه. ثانيًا- من الأمور التي تُعين على تربية الأسرة بالقرآن - لاحظوا- ذكرت قبل قليل تعظيم القرآن في نفوس أبناء الأسرة - هذا جانب تعظيم القرآن ككتاب. عندنا جانب آخر وهو ذِكر الفضائل المتعلِّقة بتلاوته وتدبُّره والتدقيق في فهمه. وهذه غير تلك، الأولى تتعلَّق بعظمة القرآن ككتابٍ عظيمٍ مُنزَّلٍ من السماء، أمّا الأسلوب الآخر فهو ذِكر الفضائل التي جاءت في الحثِّ على تعلّم القرآن، كقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث عثمان المخرّج في البخاري: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» وحديث عمر في صحيح مسلم: «إنَّ الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين» إلى غير ذلك من الآثار والأحاديث في هذا الباب.
 ثالثًا- أنَّ من البرامج العملية لتربية الأسرة بالقرآن أن يوجد هناك درس أسبوعي يتعلق بمدارسة القرآن الكريم، ومن المقترحات، وكل أسرة لها ظروفها: عددها، مشاغلها، مستوى فهم أفراد الأسرة ومستوى فهم الوالدين، كل هذه عوامل مؤثرة، لكن نذكر خطوط عريضة، وكل إنسان يستطيع أن يوازن نفسه. فمن المقترح :
 - أولاً - أن يبدأ الدرس بمدراسة جزء عم، ثم نتدرَّج قليلاً حتى نصل إلى المفصَّل الذي ينتهي عند رأي جمهور أهل العلم عند سورة ق. أما لماذا المفصَّل؟ فلأنَّ سلفنا الصالح رضي الله تعالى عنهم كانوا يفعلون ذلك، يقول عمر رضي الله عنه «إن كان أحدكم متعلِّمًا فليتعلَّم من المفصَّل، فإنه أيسر».. ولأنه أيضًا أيها الفضلاء نستطيع من خلال سور المفصل أن نرسِّخ المعاني الكبرى التي تميزت بها السور المكية التي هي غالب سورة المفصل من :
- تعظيم الله عز وجل وتوقيره في القلوب.
- تعظيم اليوم الآخر في نفوس أفراد الأسرة، مما يتعلق بمقدمات يوم القيامة وأهوال يوم القيامة، ومآل الناس بعد ذلك فريق في الجنة وفريق في السعير.
- أنَّ هذا الجزء من القرآن مليءٌ جدًّا بالتربية على الأخلاق الكريمة، ولولا ضيق الوقت لأشرت إلى العديد من الأمثلة.
 الكتاب الذي أقترحه للأسرة التي تبتدئ لأول مرَّة هو كتاب الشيخ أبي بكر الجزائري وفّقه الله «أيسر التفاسير»، أمَّا لماذا هذا الكتاب من أجل الأسرة التي تبتدئ بهذا البرنامج؟ فلأنَّ كتاب الشيخ وفَّقه الله مؤلَّف على ما يُسمَّى بـ«الطريقة الدراسية» أو العلمية، فالشيخ يأخذ النصَّ من الآيات، ثم يُبيِّن الغريب، ثم يُبيِّن المعنى الإجمالي، ثم يأخذ ما يُسمَّى بـ«هداية الآيات» أو «الدروس المستفادة من الآيات». بإمكان الأب أن يقرأ هذا، ثم يلقيه، -إن أمكن- من صدره فهو أحسن وأفضل وإلاَّ من الكتاب، ومن الممكن مع الوقت أن يبدأ فيقول للأبناء: هاتوا ما عندكم من فوائد، هاتوا شيئًا من هداية الآيات، علامَ تدلُّ هذه الآية؟ ومثال الاستئناف ما ذكره الشيخ وفَّقه الله. فإن كانت الأسرة متقدِّمة بحيث إن الأب يستطيع أن يُعبِّر، يستطيع أن يلخِّص، فدونه تفسيرات مثل: تفسير الشيخ عبد الرحمن بن السعدي، مع مختصر تفسير الحافظ ابن كثير. وسأذكر - إن شاء الله - من خلال الحديث الآتي بعض التطبيقات العملية لهذه الطريقة.
 رابعًا- أيها الإخوة: مما تُربَّى به الأسرة وهذا مدخل عظيم فتح الله به، وخصوصًا لمن جربوه وهو: الانطلاق من القصص القرآني لترسيخ معاني الإيمان في نفوس أفراد الأسرة. إنَّ من المحزن أيها الإخوة أنك ترى بعض الناس اليوم يرى أن القصَّة لا تكتسب تأثيرها ولا قوتها ولا جمالها إلا إذا كانت غريبة بالنسبة لهؤلاء الناس. وهذا في الواقع نقصٌّ بيِّن. إنَّ الموفَّق من عباد الله -عز وجل- هو من ينطلق من قصص القرآن والسنة، لتربية النفوس، حيث كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يربِّي أصحابه بهذا، وكم نفع الله عزَّ وجل بهذا؟!
 إننا أيها الإخوة حينما نحثُّ على الانطلاق من القصص القرآني لا نُغفل غيرها، لكن من القبيح بالمؤمن أن تغلب قصص غير القرآن والسنة على حديثه، بحيث يُكثِر منها ويسعى إلى إبراز الغرائب من القصص التي ربما يكون فيها شيء من غرائب الأقوال والأفعال التي نحتاج إلى التثبت من أسانيدها، يصلح أن يكون هذا هو غالب الحديث. نعم لا بأس من استعمال القصص والأخبار، لكن لا تكون هي الأصل، بل الأصل والمنطلَق هو من هذه القصص، لماذا؟ إنَّ القصص القرآني أيها الإخوة يتصف بثلاث مزايا لا توجد في غيره:
 الميزة الأولى: هي جلالة مصدر هذه القصص، لأنَّ الله تعالى هو الذي قصَّها علينا، قال الله عز وجل: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}. ويقول الله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} في قصة أهل الكهف، هذا السبب الأول، أو الميزة الأولى.
 الميزة الثانية: صدق هذه القصص صدقًا لا يتطرَّق إليه أدنى شك، قال الله عزَّ وجل: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} صدقا في الأخبار، وعدلاً في الأحكام. ولَمَّا قصَّ الله تعالى قصة يوسف قال الله تعالى فيها: {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} إلخ الآية.
 الميزة الثالثة - أيها الإخوة - عظيم أثرها في نفوس أهل الإيمان، يقول الله تعالى:
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} لمن؟ {عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} إذا هذه من مواطن العِبَر العظيمة، {وَكُلاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}.
 إذا أيها الإخوة ننطلق من القصص القرآني في تربية الأسرة، ودعوني أضرب مثلين -لأنَّ الوقت أراه يضيق وإلاَّ كنتُ وضعت أكثر من مثال- ننطلق من مثال يخص الشباب ومثال يخص الفتيات ، دعونا ننظر إلى الأثر العظيم الذي يمكن أن يحدثه الانطلاق مثلاً من قصة أهل الكهف لأب يريد أن يغرس في نفس ابنه أثر الثبات على الحق، والبُعد عن المغريات، والإنعزال بالدين عزلة، على الأقل شعورية، لا يلزم أن تكون عزلة مكانية، فمثلاً قصة أهل الكهف تُقرأ ربما كلّ جمعة، ويعرفها كثيرٌ من الناس، لكن من هدايات هذه القصة العظيمة أنَّ الله سبحانه وتعالى حينما أثنَى على هؤلاء، أن الله -عز وجل- ذكر من جملة ما أثنى به عليهم أنهم اعتزلوا قومهم خوفًا على دينهم. فبإمكان -الأب- الذي يريد أن يوصل الرسالة لابنه الشاب الذي ربما يكون أتعبه من مراهقته ويقول: يا بني، هؤلاء اعتزلوا الفتنة، واعتزلوا شيئًا يؤثر على دينهم، وأثنى الله عليهم فقال: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} فما رأيك بهؤلاء الشباب الذين يذهبون بأقدامهم ويمشون إلى الفتن؟! ما رأيك بهم؟! أهؤلاء يحبهم الله؟! أهؤلاء ممَّن يُثني الله عز وجل عليهم؟
 وبإمكان الأب الواعي أن يتأمل هذه الآيات ويقرأ في تفسير السعدي مثلاً، ابن كثير، الأشقر، تفسير الجزائري، ويحاول أن يصل إلى هذه المواضيع أو لمعاني التربوية وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة في مناسبة من المناسبات يستطيع أن يوصلها لابنه.
 أنظر يا بني كيف أن الله تعالى لما ترك هؤلاء قومهم الكفار الذين يريدون أن يصدوهم عن دينهم، كيف لما تركوا هذا الفضاء الواسع وأووا إلى هذا الكهف الصغير نشر الله -عز وجل- عليهم رحمته ، إذا أنت يا بُنيّ حينما تأوي إلى ربك فإن الله تعالى يؤويك إلى رحمته. هذا نموذج أتيتُ عليه باختصار.
 نموذج آخر للفتيات: كم تُغرم من الفتيات اليوم بروايات أحيانا ساقطة، وربما يجد الأب أو تجد الأم صعوبة بالغة في تركها، وهذا لاشك أنه نوع من الفتنة، نحتاج إلى أن نعالج هذا الافتتان بهذه الروايات وهذه القصص الساقطة أو الماجنة أحيانًا أو حتى الروايات التافهة والقصص التي لا قيمة من ورائها أن نربطها بقصص القرآن. ومن ذلك قصة الفتاتين مع صاحب مَديَن، ما الذي يمكن أن نأخذه منها؟ نقول مثلاً إنَّ الله سبحانه وتعالى أثنى على إحدى المرأتين بقوله: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي.....} إلخ.. انظري يا بنيَّة، هذه المرأة أثنى الله -عز وجل- عليها، ووصفها بهذا الوصف، وليس هذا الوصف هو مجرد وصف، بل هو وصف يترتَّب عليه الثناء، فالمرأة العاقلة الرزينة المسلمة المؤمنة هذه هي مشيتها، مشية على استحياء، ليست مشية مسترجلة أو مشية تلفت الأنظار إليها. ثم انظري يا بنية كيف أبدت هاتان المرأتان عذرهما لموسى، لما سألهما موسى فقال: {مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}. يا لها من معاني لو التزمنا بها في تربية الأبناء! {لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ}، فليس من شأن المرأة أن تزاحم الرجال، حتى ولو كان في مصدر الحياة؟! حتى ولو كان في مصدر الحياة، فالماء مصدر أساسي للحياة ومع ذلك لم ترضَ هاتان المرأتان أن تزاحما ولا تقتربا من البئر أبدًا، لا نزاحم الرجال، حتى ولو كان ذلك على مصدر رزق، الله يرزقنا. ثم اعتذرتا بأن سبب خروجهما ليس مجرَّد تسكع ، وليس مجرد نزهة كما تفعل بعض نساء اليوم، هيا نروح للسوق، ماذا لديك يا فلانه؟ سأذهب يمكن أن قد نزل شيء جديد، لا، الأصل هو القرار: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} فاعتذرن بأن سبب خروجهن: {وَأَبُونَا} ماذا؟ {شَيْخٌ كَبِيرٌ}، ولاحظ هذا كما أنه اعتذار هو أيضا منقبة لهن حيث خدمنه لأنه شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع أن يخرج، إلى غير ذلك من المعاني التي يمكن أن ينظر فيها الوالدان في غرس هذه المعاني العظيمة من الأخلاق.
 وكما قلت لكم أيها الإخوة، إنَّ جلالة المصدر وقدسيته في نفوس أهل الإسلام والإيمان تختصر علينا مسافات كثيرة جدًا في وقع أثر هذه القصص على قلوب المؤمنين. هذه القصص أيها الفضلاء يمكن أن تُفعَّل أثناء الدرس الأسبوعي كما ذكرت قبل قليل، ويمكن للأب أن يشغل وقت الفراغ أثناء الذهاب والإياب. وأنتم هنا يا أهل الرياض أعانكم الله، ربما يذهب الواحد منكم في مشوار من بيته إلى بيت صاحبه، أو إلى عمل في مشوار لا يستغرق دقائق فيقضي الساعات في المرور، ويذهب الوقت سدى، بينما الأولاد يطالعون هنا أو هنا من شرفات العربة، فما أجمل أن يملأ الأب أو تملأ الأم فؤادها وعقلها بشيء من هذه القصص لتقضي به فترة الطريق، فنحن نستفيد من هذا الوقت في بناء معانٍ إيمانيةٍ جيدةٍ، بدلاً من ضياع أوقاتنا هنا وهناك، وعدم الاستفادة منها.
 خامسًا: من البرامج العملية التي تُربَّى بها الأسرة التحفيز عن طريق ذِكر أحوال السلف مع القرآن الكريم، بذكر أحوالهم وأخبارهم تلاوة وحفظًا وتدبُّرًا وبكاءً، وأخبار المتأثرين والمهتدين بالقرآن. وهنا أذكر ثلاثة كتب تساعد في هذا الباب:
 أولها- كتاب «بيوع القُرّاء» لمحمد الرمزي.
 والكتاب الثاني هو كتاب «الرقَّة والبكاء» للإمام ابن أبي الدنيا، المحدِّث المشهور.
 وثمَّة كتاب ثالث فيه نماذج من هذا لأخينا الدكتور بدر البدر بعنوان «منهج السلف في العناية بالقرآن الكريم».
 الفقرة الأولى التي ذكرتها وهي تعظيم القرآن في نفوس أبنائنا يخدمها كتاب -من أحسن ما قرأت ورأيت في هذا الباب- واسم هذا الكتاب «عظمة القرآن» للشيخ محمود الدوسري، وهو رسالة ماچستير وبحث متقن فيما أرى، ومن أحسن ما رأيته يتحدث عن هذه المسألة، عظمة القرآن للشيخ محمود الدوسري، وهو مطبوع.
 سادسًا- من البرامج التي تربط بها الأسرة بالقرآن الكريم ربطهم بالقرآن من خلال أسئلة خاصة تدور في فلك القرآن، إمَّا أحكام أو قصص أو آداب. وأنا أُفضل إن لم يكن الإنسان عنده قدر من العلم، ألاَّ يتدخَّل في الأحكام، حتى لا يقع في القول على الله بغير علم، لكن عندنا أمور كثر، عندنا قصص، عندنا عادات، عندنا آداب أو توجيهات مثال ذلك: لنفترض أن الأبناء الذين لدينا مثلاً في البيت كلّهم أو جلّهم يحفظ جزء «عم»، فيمكن مثلاً أن نطرح عليهم أسئلة منوَّعة تربطهم بمعاني السور عن طريق ألغاز وأسئلة، فهذه الطريقة كما هو معلوم مُحبَّبة لمثلهم. فمن الأمثلة مثلاً يطرح الوالد على الأبناء سؤالاً هو: أي سورة من السور سُمِّيت باسم آنية من أواني المنزل؟ ما هو الجواب؟ «الماعون»..  
 سورة خُتمت باسم نبيَّين؟ «الأعلى». سورة بُدِئت بثمرتين؟ «التين»
 سورة مثلاً ذُكر فيها اسم حيوان من الحيوانات أو سُميت باسمه؟  «الفيل» ، من الممكن أن أنطلق من هذا لأقصُّ عليهم قصَّة الفيل.
 سورة خُتمت بسجدة في جزء عمّ؟ سورة «العلق».. ولماذا خُتمت بهذه السجدة؟ فأنطلق إلى قصَّة أبي جهل ... إلخ . وأنطلق بهذه الطريقة لغرس معاني وفي نفس الوقت أسئلة يمكن للناس أن ينطلقوا منها في إفادة غيرهم.
 خذ نموذج آخر : من الممكن أن أنطلق أنا إلى غرس معنى إيماني، فأقول: يا أبنائي هناك سورة في جزء «عمَّ» ذُكر فيها أنَّ الإنسان محاسَب على كلِّ صغيرة من أعماله، وسيُثاب على كل البسيط من أعماله، فما هي السورة؟ أحسنت، «الزلزلة».. أنطلق من هذا السؤال إلى معنى إيماني، ومن دقيق تجويد الإمام مسلم رحمه الله، أنه ذكر حديث المرأة البغيّ التي سقت كلبًا فغفر الله لها وأدخلها الجنة، وذكر قريبًا منه جدًا حديث المرأة التي حبست الهرَّة فدخلت النار، مع أنَّ الأصل أو الظاهر أنها مسلمة. فانظر، يمكن أن تنطلق من تفسير هذه الآية {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}، هذه المرأة على الرغم من أنها ليست صائمة ولا قائمة ولا عابدة ولا مزكية ولا ولا، إنما هي بغيّ ولكنها عملت عملاً صالحًا، قام في قلبها إخلاص الله عزَّ وجل، فنفعها الله بهذا العمل فأدخلها الجنة. وامرأة ربما يكون عندها أعمال لكنها ظلمت حيواناً، وأنا أنطلق من هذا الظلم الذي حتى لو كان على الحيوانات لا يجوز، فما ظنكم بالإنسان المسلم؟!
 أيضًا من الأسئلة التي يمكن أن تُثار أو المعاني أنه من الممكن أن أرفع عند أبنائي قيمة الوقت، فأقول: اذكروا لي سورة من سور جزء «عم» سُميت باسم وقت من أوقات اليوم. «العصر»، أيضًا، «الضحى»، «الفجر»، «الليل». يا أبنائي ماذا يعني أنَّ تسمية الله عز وجل هذه السور بهذه الأوقات؟ هو دلالة على أنَّ الوقت شريف وعزيز... إلخ . تستطيع أن تنطلق من معاني يمكن أن تدخل إليها بسهولة من خلال هذه المنطلقات اليسيرة والسهلة.
 أيضًا يا أخي الكريم من المسائل التي تتعلق بربط الأبناء بالأسئلة: حدد خُلقًا من الأخلاق واطلب منهم من خلال جزء «عمَّ» أن يذكر الآيات التي تتعلق به. مثلاً «الكذب» خُلق ذميم بلا شك، تدلهم إلى أكثر من آية تذم هذا الخلق، مثل ماذا؟
 في سورة «الليل» قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} ماذا؟ {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}.
 في سورة الماعون، {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ}. واقلب الخلق، أعطيه خلق الصدق، وأعطيه أكثر من آية وهكذا.
 أنت تحدِّد الخلق بحيث يكون هناك نماذج من الآيات خارج جزء «عم» أستطيع أن أغرس معاني، يعني قصة لقمان مثلاً -والله يا إخوان- أقول من تجربة بعض الأفاضل استطاع أن يوصل معاني عظيمة في تربية الأبناء من خلال قصة لقمان، خذ آية واحدة فقط يا أخي: {يا بُنيّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}.
 يقول لي أحد الإخوة: قلت لابني مرَّة الذي ناهز الاحتلام، قلت له: يا بني، لو وضعت أنا في الغرفة الآن مفتاحًا صغيرًا في مكان أخفيه فيه كم نسبة الجهد الذي تستطيع أن تبلغه حتى تحضر لي هذا المفتاح؟ قال لي: والله يعني أحتاج بعض الوقت، سأخفيه لكن سأجعل مساحة البحث هي البيت كله. قال: لا، هذا صعب، ويأخذ جهدًا ووقتًا. قلت: يا بني، لو كانت هناك حبَّة من خردل صغيرة جدًا، وذُرت في هذا الكون العظيم الفسيح، إنها تحت ملك الله عز وجل، وتحت قدرته، إذا أراد الله عز وجل أتى بها. إنَّ رباً هذه عظمته يا بني لا يليق أن يُغفل!.
 والله يا إخوة إن الانطلاق في تربية الأبناء من هذه المعاني يختصر علينا أشياء كثيرة من المواعظ الطويلة العريضة التي ربما أحيانًا قد لا يُحسنها الإنسان، فإن أحسنها فسيحتاج إلى مقدمات. انطلق من هذه الآية، لن يقول لك أيضًا: يا أبت، والله ما أدري هذه القصة صحيحة، أو كذا، لا، فهذه آية من كتاب الله عز وجل، على الأقل سيتذكر هذا المعنى كلما مرَّت عليه، على الأقل تكون هذه الآيات التي تربيهم بها هي سبب هدايته وانطلاقته في ميدان الخير، إن في حياته أو بعد مماته.
/ أيضًا من البرامج أو الأفكار التي يمكن أن تُربَّى بها الأسرة : هي وضع لوحة في البيت تخدم هذا الغرض، ويمكن مثلاً اختيار عنوان مُشجِّع لهذه اللوحة، مثل أن تضع على سبيل المثال من ضمن المقترحات: «روضة القرآن»، «أفانين القرآن»، «روضة من رياض الجنة»... إلخ. وهذه اللوحة يمكن أن نجعلها نحن منطلقًا لتحقيق بعض الأفكار الماضية أيضًا، مثلاً: أن يوضع في اللوحة قرآناً يكون مناسبًا لجميع أو أغلب أفراد الأسرة.
 أيضًا من الأفكار أن يوضع في هذه اللوحة قصة من قصص القرآن، مع أهم الدروس المستفادة منها.
/ يمكن أيضًا أن تُطرح القصة ويقال: أحسن واحد من أفراد الأسرة يأتي بفوائد منها له جائزة أو هو فارس الحلقة القادمة، أو يوضع مكان للمتميزين من المتعاونين في أفراد الأسرة.
 كذلك أيضًا يوضع في اللوحة توقيت لبعض البرامج التي تعتني بالقرآن الكريم، إما في إذاعة القرآن، أو في قناة المجد، أو في غيرها من الوسائل الإعلامية المعروفة بانضباطها ومحافظتها.
/ أيضًا من الأفكار أن تكون اللوحة مشتملة على ورقة أو زاوية بعنوان: «عَلَم من القرآن»، القرآن أيها الأفاضل مملوء بالأعلام، والمقصود بالأعلام أسماء أناس، مثلاً عندنا «جبريل» عندنا «مالك»، عندنا «محمد» -صلى الله عليه وسلم-، عندنا الأنبياء كلهم، عندنا مكة، عندنا المدينة، عندنا زيد، من «زيد» هذا الذي ذُكِر في سورة الأحزاب؟ عندنا الشيطان، ما هذا الشيطان الذي ذكره الله في القرآن؟ عندنا جبال سُميت في القرآن، الجودي، ما الجودي؟! عندنا كذا وعندنا كذا، عندنا امرأة فرعون، عندنا مريم، وهكذا، انطلق في كل مرة لتتحدَّث عن هذا العلم، وبإمكانك أن تستفيد من كُتب التفسير، تستفيد من بعض مواقع الإنترنت التي تعتني بهذا، تسأل بعض المختصِّين، وهكذا. أهم شيء أن يكون عندك همّ، إذا وُجد الهمّ استطعت أن تعمل، أما إن لم يوجد فأعانك الله على نفسك.
/ أيضًا من الأفكار التي تُوضع في هذه اللوحة أن يُوضع آية وتفسير، وأكثر ما يؤخذ كما قلت بالمفصل، من الناس إلى نهاية المفصل، بحيث نختار بعض الآيات، أثناء الإشارة إلى شيءٍ من هداياتها.
/ أيضًا من الأفكار التي يمكن أن تكون ضمن اللوحة، ويمكن أن تكون مستقلة، وهي ربط الأسرة بالقرآن من خلال مسابقات تتعلَّق بغريب القرآن، ويحسن البداءة هنا كما قلت مرارًا بجزء «عم» ثم يُنطلق لِما بعده. ويمكن أن يُفعَّل هذا البرنامج أو هذه المسابقة عن طريق اللوحة السابقة، فمثلاً يوضع في زاوية اللوحة السابقة ركن لغريب القرآن فيه بعض الكلمات الغريبة الموجودة في جزء «عم» وهي كثيرة جدًا، فمثلاً في كل يوم يوضع ثلاث كلمات غريبة. فمثلاً في اليوم الأول نبتدئ من سورة «الناس» ومن الممكن أن تكون أغرب كلمة فيها {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}، «يُوَسْوِسُ» ما معناها؟ وما معنى «الخناس»؟ وما معنى «الْجِنَّةِ»؟ حسنًا.
 من الغد ننطلق إلى سورة «الفلق» نجد فيها «الفلق»، ونجد فيها «الغاسق»، ونجد «إذا وقب» و«النفاثات» ما معنى هذه الكلمات؟
 بعده  سورة «الإخلاص» ما معنى الصمد؟
 نأخذ من سورة «المسد» كلمتين: «جيدها» و«المسد».
 أنا متأكد أنه إذا وجد هذا كل يوم كلمة أو كلمتين أو على حسب مستوى الأسرة، أو على حسب التفاعل، لا تمر فترة إلا وقد وجدت ثروة ممتازة من الكلمات الغريبة التي فهموا معناها، وتُعينهم بالتالي على فهم كلام الله عز وجل ومن ثمَّ تدبُّره.
 تاسعًا- من الوسائل التي تُعين على ربط الأسرة بالقرآن أن تُنتقى عبارات وهي بالتعبير المعاصر «توقيعات» لبعض السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم تتحدَّث عن القرآن، أو قريب من هذا، بحيث تُخرج بتصميم جيد، ويحسن هنا أن يكون إخراج هذه اللوحات بشكل جذاب وجميل وتقنية الفوتوشوب تعين في هذا، وهناك مواقع في الإنترنت أو في الأخبار بها بعض التوقعات، ويمكن أن تُكتب على ورقة عادية وتوضع هنا وهناك، بحيث أنَّ الابن مثلاً يرى هذه الكلمة، ثم يرى هذه العبارة، وذاك التوقيع، ومع الوقت يكون عنده مجموعة من المقولات تبقى معه كلما سمعها تذكرها ولعلَّ إحدى هذه الكلمات تكون سببًا في انطلاقته.
 ثانيا: يستحسن أن تغيَّر هذه اللوحات في مدة زمنية معروفة، إما في الأسبوع مرة، أو في الأسبوعين مرة، أو في الشهر مرة على حسب القدرة والنشاط.
 عاشرًا- من البرامج التحفيز المادي والمعنوي لمن يعتني بالقرآن من أفراد الأسرة، أما المادي فهو يختلف من أسرة إلى أسرة غنًى وفقرًا، وسعةً وضيقًا، لكن الذي أوصي به ألاَّ يُبالغ في هذا التحفيز المادي، وأن يكون مدروسًا، لأن الابن إذا بولغ في دعمه مادياً مع الوقت قد تتطلَّع نفسه إلى أموال كثيرة قد لا تطيقها أنت، ثم تنقطع فينقطع مشروعك. لا، ولا ينبغي أن يكون التحفيز المادي يركز في أموال نقدية، لا، قد يكون التحفيز المادي أحياناً بهدية يستفيد منها في حياته، قد يكون التحفيز المادي مثلاً بكتاب فيه تفسير لبعض آيات القرآن الكريم، قد يكون التحفيز المادي بمثلاً رحلة معينة، هكذا.
 الجانب الثاني هو التحفيز المعنوي، وهذا له أساليب، فمثلاً يمكن أن يوضع اسم الابن المتميز خلال هذا الأسبوع في العناية بالقرآن، وهذا من خلال نقاط وطريقة معينة يكون فيها نصاب وعدل بين الأبناء؛ لكي لا تكون هذه المسابقات سببًا في إيجاد الفرقة، فيقال مثلاً الذي يحفظ مثلا السورة الفلانية له عدة نقاط، الذي يتجاوز مسابقة الغد له عدة نقاط، الذي يفعل كذا، توضع نقاط بحيث يكون هناك إنصاف ويعرف الابن لماذا فُضل هذا على ذاك. وكذلك أيضًا من التحفيز المعنوي أنه مثلاً في نهاية كل فصل دراسي أو في نهاية الإجازة الصيفية في استراحة مثلاً أو داخل البيت يقيمون وليمة يُحتفَى فيها بالمتميزين من أبناء الأسرة في هذه البرامج والمسابقات.
 حادي عشر- حبِّب الجنة لأولادك من خلال القرآن، وبغِّض النار لهم من خلال القرآن، كيف ذلك؟ أمَّا فيما يتعلق بالجنة فعن طريقين رئيسين:
 الأمر الأول: بالحديث عن النعيم الذي ذكره الله -عز وجل- في الحديث عن أهل الجنة، -رزقنا الله وإياكم ذلك النعيم- حدّثهم عن الجنة أخي الكريم
 حدّثهم عن النعيم الذي ينتظر من أطاع الله -عز وجل-
 حدّثهم عن النعيم الذي ينتظر من أقام هذا القرآن وعمل به، وحدثهم عن النعيم الذي ينتظر من استقام على السنة ودعا إلى الله عز وجل.
 حدثهم عن رؤية الله عز وجل
حدثهم عن صحبة محمد -صلى الله عليه وسلم-
حدثهم عن الأنهار التي تجري
 حدثهم عن الغلمان الذين يخدمونهم
 حدثهم عن الذهب واللؤلؤ
 حدثهم عن الفضة
 حدثهم عن الأكواب والقوارير
 حدِّثهم وحدثهم عن أشياء ربما تبقى أسابيع، بل مُدَد طويلة وأنت لا تستطيع أن تنتهي من هذا. حدّثهم بطريقة مشوّقة، وضِّح لهم هذا النعيم، ثم قل لأبنائك: ألا تحبون أن نجتمع في ذلك النعيم، وتحت تلك الظلال والأنهار تجري من تحتنا، ونحن وإياكم على سُرر متقابلين؟ طبعاً سيقولون «بلى» فقل لهم: إنَّ سبب أعظم فوز بذلك هو أن نقوم بهذا القرآن. ثم في المقابل بين فينة وأخرى قم بطريقة القرآن، مرة بالترغيب ومرة بالترهيب.
 حدّثهم عن عذاب النار
 حدثهم عن السلاسل والأغلال
 حدِّثهم عن الذل واليأس
 حدثهم عن الظل الذي لا يغني من اللهب
حدثهم عن السموم والحميم
 حدثهم عن أنواع الشقاء والعذاب
 حدثهم عن معنى قوله تبارك وتعالى: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وحدّثهم عن معنى خسارة النفس
 وحدّثهم أن من كفر بالله -عز وجل-أو أعرض عنه كيف أن هذه هي الخسارة العظمى، ليس الخسارة أن يخسر الإنسان في سوق الأسهم ولا أن يخسر الإنسان أموالاً، أو أن يكون فقيرًا في الدنيا، بل إن الخسارة الحقيقية هي خسارة النفس والأهل يوم القيامة حينما يقال للناس: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}. إنها فعلاً خسارة عظيمة، وحسرةٌ كبيرةٌ لا يعدلها حسرةٌ، ولا يمكن أن تبلغها خسارة مهما كانت تلك الخسائر.
 ثاني عشر - من الأفكار التي يُمكن أن تُربَط بها الأسرة بالقرآن الكريم هو تفعيل الجوال  داخل الأسرة، وهذا له صورتان:
/ أما أن يكون هناك جوال داخل الأسرة بين الأفراد المعدودين، أحبتي، كم نصرف على فواتير الجوّال! كثير، أليس كذلك؟! أخي الكريم.. استخرج لك بطاقة سوا، يعني احتسب لله عز وجل بطاقة بخمسين أو بمائة ريالاً أو جنيهًا شهريًا مثلاً، واجعل هذه القائمة زوجتك، أبناؤك الذين لديهم جوالات ، وإن شئت أن توسع الدائرة فباسم إخوانك وأخواتك ووالديك إن كان أحد منهم موجودًا ويستعمل هذه التقنية، وكن أنت منطلق هذه الفكرة. أرسل لهم بين الفينة والأخرى كلمة لبعض المفسرين، كلمة لبعض السلف، كلمة لبعض الفقهاء، كلمة من هنا وهناك أرسل لهم يا أخي شيئا من غريب القرآن، معنى الصمد، قال ابن كثير، وقال ابن عباس، قال قتادة، قال فلان، قال فلان.
 أرسل لهم معنًى تربويًا، في تفسير السعدي عدَّة آيات يمكن أن تتوقَّف عندها وتذكر منها عبرًا ودروسًا، انتقِ من هذه الدروس وعلِّق عليها، أو انقل تعليق الشيخ عليها، واذكر الآية ثم اذكر التعليق، وقل من فوائد هذه الآية كذا.
ومع الوقت أنا متأكد أنه سيتكون لدى أفراد الأسرة اقتراب من القرآن، وثروة جيدة جدًا من المعاني والإيمانيات والتربويات تبقى لك ذخرًا وتبقى لهم زادًا.
 الفكرة الأخرى أن تجتمع كلُّ أسرة من الأسر، ولتكن مثلا أسرة «آل فلان»، وعددها مائتان، ثلاثمائة، أربعمائة، ويستأجرون موقعًا من المواقع، وما أكثرها الآن، وأُجرتها قليلة جدًا، فإن كان أحد أفراد الأسرة موسرًا، فهذا حسن بحيث يُقال له عندنا رسائل لا تُكلف إلا خمسة عشر هللة أو أقل من ذلك نريد أن نُفعّل هذه الرسائل داخل الأسرة ، تقوم مثلاً بالتهنئة بالأعياد، التهنئة بالمناسبات الداخلية، ونجعلها أيضًا فرصة لبثٍّ معاني القرآن من خلال هذه الرسائل. نرسل لهم بين الفينة والأخرى كما ذكرت قبل قليل فائدة، عن معنى من معاني القرآن المؤثرة، غريب من غريب القرآن، ومع هذا الوقت سيكون هناك أثر إيجابي لا تتصورونه.
 ثالث عشر- وهذا ما قبل الأخير - هناك أمور مساعدة تُعين على تحقيق ما سبق، أعنى ربط الأسرة بالقرآن منها:
/ وضع جدول لمتابعة البرامج التي تقدمها الإذاعة، أو التلفاز عن طريق قناة المجد مثلاً. وأعرف أنَّ هناك أكثر من برنامج يُعنَى بهذا الجانب، ففي إذاعة القرآن هناك أكثر من برنامج لا تحضرني أسماؤها، ولكن يمكن أن يستفاد هذا من خلال البرنامج المطبوع والموجود والمتداول. في قناة المجد هناك برنامجان: البرنامج الأول «أفانين القرآن»، ويلقيه فضيلة الدكتور محمد الخضيري، والبرنامج الثاني (يتدارسونه بينهم) يُذاع ثلاثة أيام في الأسبوع يتناوب على تقديمه مجموعة من طلاب العلم.
/ الثاني من الوسائل التي تُعين على تحقيق هذه الجوانب هي الاستفادة من الشبكة العالمية في أمرين:
/ الأول- متابعة درس من دروس التفسير المبثوثة في عدَّة مواقع تنقل الدروس، ولعلَّ من أشهرها موقع البثِّ الإسلامي، تبحث عن دروس التفسير، وتبحث عن الشيخ الذي تعرف أنَّ له عناية بهذا الباب لتستفيد من هذا الدرس وتتابعه، لأنَّ ميزة هذه المواقع أنه تدخل إليها متى ما شئت، يعني إن أمكن متابعة الدرس في وقته فهذا حسن لتسأل عما أشكل عليك. إن لم تستطع فعلى الأقل تُحدِّد لك وقتًا في الأسبوع لتستمع إلى هذا الدرس أو ذاك إذا فاتك موعده. الجانب الآخر هو، وهذا ربما يكون أقرب إلى طلبة العلم، والذين لهم عناية بالدراسات القرآنية، متابعة المواقع التي تعتني بهذا الجانب، ومن أشهرها موقع «ملتقى أهل التفسير»، والذي يُشرف عليه بعض الإخوة من أهل العلم المختصين بهذا، فهذا أيضًا يزيد من ثقافة الإنسان.
 أخيرًا أيها الفضلاء، كلُّ ذلك لا يتم ولن يتمَّ إلاَّ بعون الله عزَّ وجل، ومهما اجتهد الإنسان فإنه لن يبلغ شيئًا إلاَّ بعون الله وفضله، فعلينا بالدعاء، لأنه
 إذا لم يكن عون من الله للفتى = فأول ما يجني عليه اجتهاده
 {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} ادعُ الله عز وجل، اضرعْ بين يديه وقل: يا رب، يا من أنزلت هذا النور، يا من أنزلت هذا القرآن والفرقان الذي جعلته رحمةً وشفاءً، يا رب اجعل بيتنا بيت قرآن، اللهم يا حيُّ يا قيوم كما جعلتَ بيت نبيِّك -صلى الله عليه وسلم- بيتًا يُتلى فيه القرآن، ويُقام فيه، ويُؤمَر به، اللهم اجعل بيتنا بيتًا من البيوت القرآنية.
 تدعو بما يفتح لك الله عزَّ وجلَّ، ادعُ الله سبحانه وتعالى، فإنَّ هذه وربُّك من أعظم، بل أقول هي أعظم نعمة على أب أن يجعل الله عز وجل بيته بيتًا يشعُّ منه نور القرآن، وتبلغه آيات القرآن، وينقاد أهله للقرآن، ويسير أهله خلف القرآن.
 أخيرًا أختم بذكر بعض الكتُب المقترحة التي تعين على تحقيق هذه الأشياء، منها وقد ذكرت بعضها في المحاضرة لكن لمن لم يكتب سابقًا فبإمكانه أن يكتب الآن:
/ الكتاب الأول: منهج السلف في العناية بالقرآن الكريم، للشيخ الدكتور بدر البدر.
/ الكتاب الثاني: التبيان في آداب حملة القرآن، للنووي رحمه الله.
/ الكتاب الثالث: أخلاق حَمَلة القرآن للإمام الآجُري.
/ الكتاب الرابع: كيف نبني جيلاً خُلقه القرآن، للأستاذة حنان بنت صلاح النمكي.
/ كتاب كيف تحبب القرآن الكريم إلى نفوس أبنائك، للدكتور محمد الثويني.
/ كتاب دموع القراء الذي ذكرته قبل قليل لمحمد الرملي.
/ الرقة والبكاء لابن أبي الدنيا.
 وأخيرًا وهذا الكتاب رأيته قريباً هذا الأيام، وهو ممتاز في الواقع في بابه يخدم جانب قصص القرآن، لأنه اعتنى بجمع كلِّ قصة من قصص الأبناء في موضوع واحد، وذكر هدايتها وهو كتاب «قصص القرآن الكريم» للدكتور:فضل حسن عباس.
 هذا ما تيسر إيراده وطرحه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا وبما قلنا، وأن يجعل بيوتنا بيوتًا قرآنية، ترفرف عليها راية القرآن، وينفع الله سبحانه وتعالى بها الأمَّة، إنه سميع مجيب.

----------------------------------------
مصدر التفريغ : موقع إسلاميات (بتصرف يسير)
اقرأ المزيد...

كتاب (عظمة القرآن الكريم) لمحمود الدوسري

 


بطاقة الكتاب :
العنوان : عظمة القرآن الكريم .
تأليف : محمود بن أحمد بن صالح الدوسري .
الناشر : دار ابن الجوزي .
السلسلة : رسائل جامعية ( 46 ) .
الطبعة : الأولى ( 1426ﻫ ) .
 غ/م : مجلد ( 705 صفحة ) .
 المصدر : من مرفوعات الأخ الفاضل عبدالرحمن النجدي وفقه الله وجزاه خيرا .

http://www.mediafire.com/download/66tm0br5cubslvn/%D8%B9%D8%B8%D9%85%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86+%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85+%D9%80+%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF+%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%B3%D8%B1%D9%8A+%D9%80+%D9%85%D8%A7%D8%AC%D8%B3%D8%AA%D9%8A%D8%B1.pdf




----------------------------
 المصدر: http://vb.tafsir.net/tafsir28680/#ixzz2UZUwe2eV
اقرأ المزيد...

السبت، 25 مايو 2013

التناسب بين سور الحمد كلها

السور المفتتحة بالحمد خمس سور :
/ سورتان منها في النصف الأول وهما الأنعام والكهف
/ وسورتان في الأخير وهما هذه السورة -سبأ- وسورة الملائكة
 / والخامسة وهي فاتحة الكتاب تقرأ مع النصف الأول ومع النصف الأخير
والحكمة فيها أن نعم الله مع كثرتها وعدم قدرتنا على إحصائها منحصرة في قسمين :
/ نعمة الإيجاد
/ ونعمة الإبقاء
 فإن الله تعالى خلقنا أولا برحمته وخلق لنا ما نقوم به ، وهذه النعمة توجد مرة أخرى بالإعادة فإنه يخلقنا مرة أخرى ويخلق لنا ما يدوم ، فلنا حالتان الابتداء والإعادة ، وفي كل حالة له تعالى علينا نعمتان :نعمة الإيجاد ونعمة الإبقاء.
 فقال في النصف الأول : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) [ الأنعام : 1 ] إشارة إلى الشكر على نعمة الإيجاد ، ويدل عليه قوله تعالى فيه : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ) [ الأنعام : 2 ] إشارة إلى الإيجاد الأول ، وقال في السورة الثانية وهي الكهف : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا*قَيِّمًا ) [ الكهف : 1] إشارة إلى الشكر على نعمة الإبقاء ، فإن الشرائع بها البقاء ، ولولا شرع ينقاد له الخلق لاتبع كل واحد هواه ، ولوقعت المنازعات في المشتبهات وأدى إلى التقاتل والتفاني ، ثم قال في هذه السورة -سورة سبأ- : الْحَمْدُ لِلَّهِ ) إشارة إلى نعمة الإيجاد الثاني ويدل عليه قوله تعالى : ( وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ ) وقال في الملائكة  : الْحَمْدُ لِلَّهِ ) إشارة إلى نعمة الإبقاء ويدل عليه قوله تعالى : ( جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا ) والملائكة بأجمعهم لا يكونون رسلا إلا يوم القيامة يرسلهم الله مسلمين كما قال تعالى :( وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ) [ الأنبياء : 103 ] وقال تعالى عنهم : ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) [ الزمر : 73 ] .
وفاتحة الكتاب لما اشتملت على ذكر النعمتين بقوله تعالى:(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) إشارة إلى [ ص: 207 ] النعمة العاجلة ، وقوله : ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) إشارة إلى النعمة الآجلة قرئت في الافتتاح وفي الاختتام .
 -------------------------- 
مفاتيح الغيب للإمام الرازي
اقرأ المزيد...

المجلس التدبري حول الجزءين السابع عشر والثامن عشر

أ.ضحى 

 الجزء السابع عشر :

/ {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} الحياة صعبة!! الوقت ضيق!! ليس هناك واحد منا إلا مثقل بالعمل.. وكلما ضاق الوقت صار الوقت الذي تنفقه في تلاوة القرآن وفهمه أغلى عند الله.. ولا سبيل إلى سعادة الدنيا والآخرة إلا بالتذكر بهذا الكتاب.. 

/ لا يكفي ترك المعصية سلوكا، بل يجب تعظيم شأنها قلبيا.. {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} فإذا حصل وعصينا فلنحتفظ بتعظيم الحرمات قلبياً على الأقل. [إبراهيم السكران]

/ { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}.
( وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ): يعني بذلك نفسه الكريمة فكفى به حاسبا أي عالما بأعمال العباد حافظا لها مثبتا لها في الكتاب عالما بمقاديرها ومقادير ثوابها وعقابها واستحقاقها موصلا للعمال جزاءها. [السعدي - رحمه الله-]

/ تأملي كم من الأعمال فعلناها، وقد نسيناها!!
كم من كلمة تفوهنا بها، أو سمعناها!!
بل وكم نظرت الأعين!!
وكم بطشت الأيدي!!
 وكم مشت الأقدام!!
وكم وردت على القلوب من موارد!!
 كل ذلك وأكثر، لنتأمله .... هل كان فيما يرضي الله تعالى؟
 -نسأل الله اللطيف أن يعاملنا بلطفه وعفوه-

  الجزء الثامن عشر :

/ {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ }
‏‏ إذا هانت عليك صلاتك فما الذي يعزُّ عليك؟!  بقدر ما تتعدل صلاتك تتعدل حياتك .. ألم تعلم أن الصلاة اقترنت بالفلاح " حي على الصلاة حي على الفلاح " فكيف تطلب من الله التوفيق وأنت لِـ حقه غير مجيب.

/ إذا رأيت أن نعم الله عليك تتابع، وأنت في المعاصي مستمر، فاحذر أن تكون من أهل هذه الآية: { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ} وهي آية تزيل الغبش عن أعين طالما فتنت بما عليه أهل الكفر والضلال الذين وسّع الله عليهم في دنياهم. [د.عمر المقبل]

/ إذا وجدت في قلبك وجلاً وخوفاً من قصور عملك عن رتبة القبول  فتلك علامة خير، تأمل قول الله عن أولئك الصفوة: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} .

/ قال بعض السلف عن هذه الآية: { قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} إنها أقسى كلمة يسمعها أهل النار، وهي من أشد ما يعذبون به! [د. عمر المقبل]
-اللهم أجرنا ووالدينا من النار-.

/ من أبلغ ما تقوله المؤمنة عندما تسمع قدحا أو فرية في دينها أو ربها: {سبحانك هذا بهتان عظيم} "لأن التسبيح: -من أكمل الذكر لاشتماله على جوامع الثناء والتحميد. -لأن في التسبيح إيماء إلى التبرؤ مما يقوله المنافقون." [التحرير والتنوير]

/ {الله نور السموات والأرض} فعندما يجتمع الجلساء متحلقين بمجالس القرآن ويشرعون في الاشتغال بكتاب الله؛ فإنما هم في الحقيقة يصلون أرواحهم بحبل الله -النوراني-  ويربطون مصابيح قلوبهم بمصدر النور الأكبر.. فإذا بهم يستنيرون بصورة تلقائية وبقوة لا نظير لها؛ وذلك بما اقتبسوا من نور الله العظيم. [د.فريد الأنصاري]
 اللهمّ ارزقنا من نور كتابك .. وأنر بصائرنا ، واهدِ قلوبنا .
---------------
 @afag-Tadabor
 #مجالس_المتدبرين
 فيس بوك : حلقة آفاق التدبر

اقرأ المزيد...

الخميس، 23 مايو 2013

المجلس التدبري حول الجزءين الخامس عشر والسادس عشر

أ.ضحى

 الجزءالخامس عشر :

 / {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ...} أي بالله، ولله، وفي مرضاته، متصلا بالظفر، بالبغية، وحصول المطلوب، ضد مخرج الكذب ومدخله..
 وكان بعض السلف إذا خرج من داره رفع رأسه إلى السماء وقال: "اللهم إني أعوذ بك أن أخرج مخرجا لا أكون فيه ضامنا عليك". يريد أن لا يكون المخرج مخرج صدق.

/ {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} فإذا أراد العبد أن يقتدي برجل فلينظر:
هل هو من أهل الذكر أو من الغافلين؟
وهل الحاكم عليه الهوى أو الوحي؟
فإن كان الحاكم عليه هو الهوى وهو من أهل الغفلة. كان أمره فرطا. [التفسير القيم لابن القيم]

/ {وَمَنْ أرادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِن فأولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً}.
 مريد الآخرة وجزاؤه: [ كان سعيه مشكوراً ] بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يقصد بعمله ثواب الآخرة قصداً مخلصاً، كما يفيده فعل الإرادة في : {وَمَنْ أرادَ الآخِرَةَ}، ولام الأجل في: {وَسَعَى لَهَا}.
الشرط الثاني: أن يعمل لها عملها المعروف في الشرع اللائق بها الذي لا عمل يفضي إلى نيل ثوابها سواه، وهو طاعة الله تعالى وتقواه، بامتثال أوامره ونواهيه، والوقوف عند حدوده.
الشرط الثالث: أن يكون مؤمناً موقناً بثواب الله تعالى وعظيم جزائه.

 / { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا } اسهر بعضاً من الليل فتعبد بالقرآن في الصلاة،فتكون على رجاء أن يبعثك ربك من مرقدك يوم يقوم الناس لرب العالمين؛ فيقيمك مقاماً يحمدك فيه جميع الناس، لما يرون لك من فضل، وما يصل إليهم بسببك من خير.
 كيف يكون التهجد؟
لفظ التهجد يفيد ترك النوم للعبادة، فيشمل تركه كله أو بعضه: بأن لم ينم أصلاً. أو لم ينم أولًا ثم رقد. أو نام أولًا ثم قام.
لكن ثبت أن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كان ينام ثم يقوم، فبينت السنة العملية أن التهجد المطلوب هو القيام بعد النوم.

/ { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا } نتناول القرآن العظيم دواء من عند ربنا:
- شفاء لأمراض عقولنا وأمراض نفوسنا، وأمراض مجتمعنا، فنتطلب ذلك منه بتدبر وتفهم إشاراته، ووجوه دلالاته.
- وشفاء أيضاً لأبداننا؛ فنفعل كما كان يفعل النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إذا أوى إلى فراشه، على ما تقدم في حديث عائشة رضي الله عنها وعلى ما جاء من نحو ذلك، مما ثبت عنه عليه وآله الصلاة والسلام، وانتهى إليه علمنا. غير مقصرين ولا غالين، وعلى ربنا متوكلين. سائلين الله أن يشفينا بالقرآن أجمعين. آمين يا رب العالمين. [ابن باديس]

 الجزء السادس عشر :

/ {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا} وفي ذكر إضافة العصيان إلى اسم الرحمن، إشارة إلى أن المعاصي تمنع العبد من رحمة الله، وتغلق عليه أبوابها،.كما أن الطاعة أكبر الأسباب لنيل رحمته.

 / { فَقَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} وكان مطلبه النور الحسي والهداية الحسية، فوجد ثَمّ النور المعنوي، نور الوحي الذي تستنير به الأرواح والقلوب والهداية الحقيقية، هداية الصراط المستقيم الموصلة إلى جنات النعيم، فحصل له أمر لم يكن في حسابه، ولا خطر بباله. (تأملي!!)

/ { وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي } أي: لا تفترا، ولا تكسلا عن مداومة ذكري بل استمرَّا عليه، والزماه ... فإن ذكر الله فيه معونة على جميع الأمور، يسهلها، ويخفف حملها.

/ { وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} ويؤخذ من هذه الآية الكريمة الأدب في تلقي العلم وأن المستمع للعلم ينبغي له أن يتأنى ويصبر حتى يفرغ المُملي والمعلم من كلامه المتصل بعضه ببعض فإذا فرغ منه سأل إن كان عنده سؤال ولا يبادر بالسؤال وقطع كلام ملقي العلم.. فإنه سبب للحرمان ، وكذلك المسئول ينبغي له أن يستملي سؤال السائل ويعرف المقصود منه قبل الجواب فإن ذلك سبب لإصابة. [الصواب - السعدي- رحمه الله-] .

/ { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَ‌بِّ لِتَرْ‌ضَىٰ} قال ابن القيم: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : إن رضى الرب  في العجلة إلى أوامراه . [مدارج السالكين ]
اللهــمّ اجعلنا من الذين يسارعون للخيرات وهم لها سابقون.
  ---------------
 @afag-Tadabor
 #مجالس_المتدبرين
 فيس بوك : حلقة آفاق التدبر
اقرأ المزيد...

الأربعاء، 22 مايو 2013

القبض والبسط -١-



الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا و يرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده و رسوله بلّغ عن الله رسالاته ونصح له في برياته فجزاه الله بأفضل ما جزى به نبيا عن أمته ، وصلى الله وملائكته والصالحون من خلقه عليه كما وحّد الله وعرّف به ودعا إليه وبعد :
 أيها المباركون في لقاء اليوم -إن شاء الله تعالى- سنعرض لمفردتين في كلام الله و هما القبض والبسط ، وقد وردتا مجتمعتين ووردتا متفرقتين في كلام رب العزة والجلال ، وكما جرت العادة نحاول قدر الإمكان أن نُجمل في الأول ونفصّل في التالي ، فنقول مستعينين بالله تبارك وتعالى :
 البسط المراد منه : السعة ، وحتى نأتي على أكثر الآيات التي جاء فيها ذكر البسط فإنها جاءت على طرائق متعددة منها :
- قول الله -تبارك وتعالى- في بيان أن البسط أحيانا يكون للطلب ، قال : (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ) فهذا بسطٌ للطلب ، فالله -جل وعلا- يشبّه في كتابه العظيم من يدعون غير الله كحال من يأتي إلى الماء وفيه من العطش والحاجة ما فيه ، ثم يبسط يده إلى الماء ثم ينتظر أن الماء يبلغ فاه ، فهذا الماء جماد لا يدري صاحبه أن القائم عنده بسَط يديه ، ولا يدري حاجته إلى الماء ولا بشدة عطشه ، فأنى أن يأتي الماء إلى فيه هذا محال ، فالله -جل وعلا- يُخبر أن هؤلاء الذين يعبدون غير الله هم كحال من يبسط -مع شدة العطش والحاجة- كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه ، قال ربنا بعدها : (وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ) لمَ أخبر أن دعاء الكافرين في ضلال ؟ 
لأن الكافر إن دعا ربه فالأصل أن الله لا يُجيبه إلا في حالات الاضطرار حتى تقوم الحجة عليه ، وإن دعا الأصنام فإن الأصنام لا تسمعه ولا تستطيع أن تجيبه ، إن دعا غير الله لا يستطيع أن تجيبه وإن دعا الله فإن الله لا يجيبه ، لهذا قال الله : (وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ) فهذا بسط اليد من أجل الطلب .
- جاء في القرآن بسط اليد من أجل الأخذ ، قال أصدق القائلين : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ)
ثم قال الله : (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) "ومن أظلم" إستفهام إنكاري أي لا أحد أظلم (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ) وقد وُجد عبر التاريخ مثل مسيلمة ومثل الأسود العنسي وغيرهما ، ويوجد في بعض -عياذا بالله- أهل العصر من يحاول أن يروم من هذا شيئا وهذا كله مبنيٌ على أنهم لم يعرفوا عظمة ربهم . قال ربنا بعدها : (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ) جواب "لو" هنا محذوف تقديره : لرأيت أمرا عظيما شنيعا ، ولو ترى يا محمد ، لو ترى يا قارئ القرآن ، لو ترى أيها المخاطب بهذه الآيات (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ) الظالمون هنا أول ماتنصرف إلى السابقين الذي يقول أحدهم أوحيَ إليّ و لم يوحَ إليه شيء أو يقول سأُنزل مثلما أنزل الله ، و يدخل فيها كل كافر ، قال الله تعالى : (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ) عندما يقال لك فلان غمره الماء ما معنى غمره ؟ غطاه ، غشّاه (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ) غمرات الموت : شدائده ، كرباته ، ما يقع فيه وهذا أهوال لا يعلمها إلا الله ، قال ربنا -جل وعلا- : ( والملائكة ) والملائكة من وُكلت بقبض الأرواح ملك الموت و من معه ، قال الله : ( ثم توفته رسلنا ) ، (وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ) في الأول قلنا : الذي يبسط يديه للماء ماذا يريد يطلب ، أما الملائكة هنا ماذا ؟ تأخذ .
 ( وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ) يقولون للميت بلسان الحال والمقال (أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ) فيلاقي الميت من شدة النزع -عياذا بالله- ما يلاقيه ، أما المؤمن تنشط روحه للخروج لأنها تريد أن تلقى الله -الله يثبتنا وإياكم و يختم لنا بخير و يعيننا على أنفسنا -.. آمين .
 قال : (بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ) أي عذاب الهوان (بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) موضع الشاهد منه ما هو ؟ أن هنا البسط من أجل الأخذ ، و قلنا في الأول من أجل الطلب .
/ كذلك جاء في القرآن كلمة "باسط" قال الله -تبارك وتعالى- : (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ) هنا البسط إرادة الصولة ، إرادة الضرب ، إرادة الأذى ، يبسطوا إليكم أيها المؤمنون أي يتكلم القرآن عن الكفار (إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) أي بالضرب سواءً بالقتل أو بالطعن أو بغيره (وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ) أي بالسباب ، فهذا بسط أذىَ ، بسط صولة ، بسط إجرام ، بسط ضرب ، وهو داخل في معنى البسط وهو السعة وهو التجاوز قليلا عن الحد .
/ كذلك جاء البسط بمعنى البذل والعطاء الذي لا منتهى له وهذا لا يقع إلا في حق الله ، قال أصدق القائلين عن ذاته العلية : (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) .. هذه أربعة .
/ هذا البسط في القرآن جاء كذلك في العلم والجسم ، فقد ذكر -جل وعلا- طالوت وهو أحد ملوك بني إسرائيل وكان ملكا عظيما ، وفي القرآن : (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ) قال الله عن طالوت لما نقم عليه بني إسرائيل أن يكون الملك له ، رد الله عليهم ، المَلَك أوحى إلى النبي : (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ) ذكر آيات ثم قال (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) أما أن يزده بسطة في الجسم فهذه ظاهرة ، أن يكون قويا ممتدا فارعا ، لأن الحرب آنذاك كانت بالسيوف والرماح والنبال وتحتاج إلى بسطة في الجسم ، لكن ما معنى بسطة في العلم ؟ البسطة في العلم إذا اجتمع في العالِم أمران :
أن ينتفع هو بعلمه وأن ينتفع بعلمه غيره ، أما -عياذا بالله- إن كان العبد لا ينتفع هو بعلمه ولا ينتفع غيره بعلمه فهذا لم يُعطى بسطةً على الحق في العلم ، وقد يؤتى أن الإنسان عياذا بالله -نسأل الله العافية- أن ينتفع غيره بعلمه ولا ينتفع به هو ، هذا من الدركات، من الخذلان ، من الخسران -نسأل الله لنا ولكم العافية- ، قال ربنا : (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) هذا كله حول مفردة بسطة في القرآن .
 / جاء في القرآن قول ربنا -جل وعلا- : ( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) هذا حث من المولى -تبارك اسمه وجلّ ثناؤه- لعباده المؤمنين أن ينفقوا على وجه الخصوص في أمور الجهاد ، فقال أصدق القائلين :  مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) سماه الله -عزّ وجل- قرضا ليجتمع أمران : (تشريف ما يُنفق فيه ، وحث المؤمنين على الإنفاق) ، وقال : (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ) لفظ الجلالة مفعول به ، وهذا يقابل الحديث القدسي : (يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني ، قال : كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟ قال : ألم يستطعمك عبدي فلان فلم تطعمه ) .. وفي الحديث : (مرضتُ فلم تَعُدني) .. كلها من هذا الباب تشريف حال من يُطلب أن يُبَر مع الحث والبعث والدافع على الإنفاق أو على العلم أو على غيره بحسب الحالة ، فقال الله -جل وعلا- هنا : ( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) قال القرطبي -رحمه الله- : "لما نزلت هذه الآية انقسم الناس إلى ثلاثة أحوال : قوم -وهم اليهود- قالوا -عياذا بالله- إن رب محمد فقير فطلب خلقه أن يُقرضوه ، فأجابهم القرآن كما قال الله -تبارك اسمه وجل ثناؤه- : ( لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ  .... ) إلخ الآيات ، فهذا حال اليهود ، كانوا يسكنون في المدينة . حال المنافقين : لم يقولوا ما قالته اليهود لكنهم بقوا يمسكون عن الإنفاق ، لا يعينون أحدا ولا يجهزون جيشا ولا يفكون عائلا -أسيرا- ، ولا يطعمون عانيا ، ولم يصنعوا شيئا من ذلكم البتة . بقي حال ثالثة : وهي حال أهل الإيمان ، حال أهل الصلاح من الصحابة وفي مقدمة هؤلاء أبو الدحداح -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- ".
 هذا قاله القرطبي كيف أن الناس تفاوتت أخبارهم ، أحوالهم مع قول الله -جلّ وعلا- : (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) قال رب العالمين بعدها ، وهذا سبب إدراجها في هذا اللقاء : (وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) المُلكُ ملكه والخلق خلقه والأمر أمره يوسّع على هذا ويضيّق على هذا . هذا التفسير الأرجح للآية .
قال بعض العلماء: معنى (وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ)  المعنى أن الله -جل وعلا- يوفق من يوفق لمن يبسط ويعطي ، ويمنع ويخذل بعض عباده أن ينفقوا فيقبضون أيديهم. والأول أظهر لكن الثاني لا نملك شيئا يمنعه نقلا ولا عقلا ، فنقول ربما الآية تحتمل الأمرين .
 قال رب العزة : (وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) في خاتمة الآية بقوله -تبارك اسمه وجل ثناؤه- : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) حثٌ للمؤمن على أن يعلم أن ذلكم الإنفاق سيراه يوم يلقى ربه تبارك اسمه وجل ثناؤه . وسُمي القرض قرضا لأنه قطع ، أنت تسمي ما يُعرف بالمقص عند العامية يسمى في اللغة مِقراض لأنه قطع ، وتقول في اللغة انقرض القوم يعني انتهوا ، فالمُقرِض يأتي لبعض ماله فيقطعه ويصبح في غير حوزته ثم يعطيه لمن أقرضه.  والناس في هذا إذا قلنا أن الآية نزلت في الجهاد لكن لا تمنع من أن الإنسان يكون باذلا للخير للمعروف لغيره ، والناس في هذا يتفاوتون بحسب هممهم ، بحسب أحوالهم بحسب رغبتهم في الخير ، وأحيانا يُعذرون بسبب من يقابلهم ، وقد كان في الناس من أهل السؤدد والفضل والخير من ضربوا في هذا مثلا ، ربما مر معكم في لقاءات سابقة أن -أظنه سعيد بن العاص- كان من أكثر الناس تكرُما ، وذكرنا بعض شأنه ، ومن شأنه أنه جاءه فتىً ذات يوم يريد قرضأ يعني ، فدخل الدار معه ولما دخل الدار كان المجلس غاصّا بالناس -كعادة مجالس الشرفاء والنبلاء وأهل الكرم- ثم خرجوا وبقي الفتى ، فعلم أن الفتى ما بقي إلا لحاجة فسكت الفتى دهرا و لم يطلب شيئا ومكث جالسا لكنه لم يخرج ، فقام سعيد إلى المصباح فأطفأه وقال : يا فتى سل حاجتك ، علم أن ذلك يستحيي وهو يرى وجهه ، فأطفأ سعيدُ المصباح حتى يكونون في ظُلمة ، لأنهم يقولون الحياء في العيون ، فشخص عندما تكلمه بالهاتف أنت أكثر جرأة من أن تقابله ، ومن تبعث له رسالة أنت أكثر جرأة من أن تكلمه ، فالحياء في العيون ، فغلب على ظنه أن الفتى لو جلس يتكلم وسعيد بن العاص ينظر إليه لربما أصابه من الفرَق ، أصابه من الخوف ، أصابه من الحياء ما يمنعه أن يسأل ، فغلب على ظنه أن ذلك هو المانع فقام إلى المصباح فأطفأه حتى يمكّن زائره أن يسأله ، وهذا لا يخفى على شريف علمكم في منتهى الفضل في منتهى الكرم . و قد قيل في مدح بعض من عُرِفوا بالسخاء ، عُرفوا بالكرم ، يقول :
هو البحر من أي النواحي أتيته = فلجته المعروف و الجود ساحله
 تعوّد بسط الكف -ونحن في كلام البسط والقبض-
 تعوّد بسط الكف حتى لو أنه = ثناها لقبضٍ لم تطعه أنامله
 ولو لم تكن في كفه غير روحه = لجاد بها فليتقِ الله سائلُه .
 وهذا باب واسع لكن الله يقول هنا -وهذا هو الذي يعنينا- : (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) .
/ جاء البسط في غير بني آدم ، قال الله -جلّ وعلا- عن كلب أصحاب الكهف : (وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا) فذكر الله أهل الكهف وأثنى عليهم وقال (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) تبعهم راعٍ ، مع الراعي كلبٌ دخلوا كهفا ، دخلوا فيفا في جوفه وبقي الكلب على الوصيد أي على باب الكهف -على مقدمته- باسطا ذراعيه ، فلما التحق بصالحين خلّد الله ذكره وبقي يُعرف في قرآن يُتلى إلى قيام الساعة . وينسبون إلى الشافعي البيتين الشهيرين:
 أحب الصالحين ولست منهم = لعلـي أن أنـال بـهـم شفـاعـة  
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الصالحين ، ويغفر لنا ولكم .. و صلى الله على محمدٍ وآله ، والحمد لله رب العالمين .
-----------------------------------------
الشكر موصول لمن قامت بتفريغ الحلقة شكر الله لها .
اقرأ المزيد...

دروس وعبر من قصة سبأ


د.عمر المقبل

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا وإمامنا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته أيها الإخوة ، وإنني لأحمد الله -عزّ وجل- ثانيا وابتداء وأثناء وانتهاء على نِعمه العظيمة والتي منها تيسير هذا اللقاء ... لنتذاكر شيئا من معاني الوحي الذي نزل على قلبه بأبي هو وأمي -عليه الصلاة والسلام- فإن الله -سبحانه وتعالى- قال له فيما قال (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) ومن المُسلم به أن الله -عزّ وجل- لا يقصّ علينا قصة في القرآن طالت أم قصُرت ، لا يقُصها علينا لأجل أن نضيف إلى رصيدنا الثقافي والمعرفي مجرد معلومات ، لا، إنما يقُصّها الله -عزّ وجل- علينا لغايات وحِكم منها ما أشارت له الآية الكريمة ( لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) وآية في آخر سورة يوسف تحكي أو تُذكر بأنواع من العِبر أو بأنواع من الحِكم ينبغي ألاّ تغيب عن ذهن المؤمن وهو يقرأ القصص قال الله -عزّ وجل- في خاتمة سورة يوسف ، في آخر آية منها (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ) ماذا ؟ (عِبْرَةٌ) لمن؟ (لِّأُولِي الأَلْبَابِ) أصحاب العقول (عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ) ، (وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فكلما مرت عليك قصة في القرآن فانظر مواضع الهداية منها ، وانظر كيف تستجلب رحمة الله بها ، وانظر كيف أثر الإيمان في قلبك بعد تلاوتها وتأملها وهذا لا يكون إلا بالتفكر الذي قال الله فيه (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ) ولا يكون التفكّر بالقراءة السريعة والهذرمة وإنما يكون بالتأمل وتحديق النظر ، هذه نقطة مهمة فيما يتعلق بالقصص القرآني.
 النقطة الثانية : شُغف كثير من الناس وهو يقرأ قصص القرآن بشيء وهو البحث عن تفاصيل أخفاها القرآن عمدا فينشغل بغير المهم عن المهم فمثلا : في قصة سبأ ما نسب سبأ التاريخي ؟ يذهب إلى كتب التاريخ ويبدأ يتكلم على سبأ وكم هم القبائل ؟ ست ، مالذي بقي منها في اليمن ؟ وما الذي خرج منها خارج اليمن ؟ حتى انطبق عليهم المثل المشهور تفرقوا أيدي سبأ ..وهكذا . فيدخل في هذه التفاصيل ، معرفتها جيدة لكن المشكلة تأتي حينما يُغرق في الدخول في التفاصيل التي إنما عُمدت الكلام فيها على كلام يذكره بعض المؤرخين لا مُستند له وإن شئت فقل لا حاجة للدخول في تفاصيله .
مثال آخر: في قصة يوسف -عليه الصلاة والسلام- تجد بعض الناس انشغل بأسماء إخوة يوسف من هم ؟ ما اسم المرأة التي راودت يوسف ؟ وأين كان يسكن يوسف ؟ وهنا يختصم المصريون فيه - وحُق لهم أن يختصموا- في الفيوم وإلا في مدينة أخرى . لا يُهمنا هذا ولا نبحث عمّا وراءه ، ولا ندخل في أسئلة جدلية لأننا نقطع - وهذه أيها الإخوة من القواعد المهمة في الانتفاع بقصص القرآن - نقطع يقينا أن الله -عز وجل- إذا أخفى علينا شيئا من التفاصيل في القصة أنه لو كان لها أثر في انتفاعنا بها لذُكرت لنا ، فإذا أخفاها الله فلا نُشغل أنفسنا ، إن مرت أو ذكرها بعضهم فالحمد لله أما أن نُمضي وقتا طويلا في البحث عن تفاصيلها بحيث نغفل عن المقصد الأكبر وهو الاعتبار فهذا نقص بيّن .
خذ مثالا ثالثا وأختم به هذه المقدمة : في قصة أصحاب الكهف ، من هم ؟ ما أسماؤهم ؟ كلبهم ما لونه ؟ وسبحان الله يأتي التوجيه في نفس سورة الكهف (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاء ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا) فيه جدل وأخذ ورد ، الإنسان بطبيعته -سبحان الله- يحب البحث عن التفاصيل ولكن من تأمل في طريقة العلماء الربانيين في تناولهم لمعاني القرآن الكريم وجدهم لا يدخلون في هذه التفاصيل ولا يُغرقون فيها ولا يبحثون إلا عمّا يمكن أن يكون سببا معينا على فهم هذه القصة وأمثالها .
أيها الأحبة : اخترت قصة سبأ لحقيقة مهمة أو لسبب مهم وهو : أن الخير الذي عاشت فيه تلك المملكة التي ذهبت في غابر التاريخ وكان مقرها اليمن بل قال بعضهم إن سبأ هي صنعاء نفسها ، العاصمة هذه التي هي من أقدم عواصم الدنيا ، اخترتها لوجود تشابه كبير بين ما كانوا عليه وبين ما نحن عليه من نِعمٍ تترى ، نُزار ، يُجبى إلينا ثمرات كل شيء ، ونجد أنه يُتخطف الناس من حولنا ، نحن نعيش في نِعم إن لم نشكرها فإنه يُخشى علينا من عواقبها ومآل عدم شُكران النِعم . ومن تأمل هذه القصة وتدبرها وتأمل سبب ورودها في هذه السورة العظيمة لاشك أنه سيُحدث ذلك له أثرا عمليا وإن لم يُحدث فتفكُره ناقص. وهذا يدعونا إلى أن نطرح السؤال التالي : كون أن السورة تُسمى بهذه القصة هذا له دلالته عند أهل العِلم ، دائما السور خصوصا تلك السور التي ليس لها إلا اسم واحد ، كما هو معلوم بعض السور تُسمّى بأكثر من اسم لكن السور التي ليس لها إلا اسم واحد ومنها سورة سبأ -فيما أحسب الآن- هذه لاشك أنها تبعث على التأمل ما سر اختيار هذا الاسم لهذه السورة؟ خذوا مثال : البقرة لها أكثر من اسم لكن أشهر اسم لها هو البقرة ، ما معنى أن يُختار اسم البقرة لتكون علما على أطول سورة في القرآن ، وسورة من أعظم سور القرآن ؟ ما ذاك إلا لرسالة ينبغي أن تفهمها هذه الأمة وهي : ألاّ يسلكوا طريق أصحاب البقرة الذين لما جاءهم الأمر من الله تلكؤا فيه ، ما لونها ؟ ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ؟ لو ذبحوا أي بقرة لحصل المطلوب فهي رسالة لهذه الأمة إذا أتاكم الأمر من الله افعلوه مباشرة ولا تتلكؤا ولذلك قال الله في خاتمة السورة (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) هذا من فضائل هذه الأمة ، عكس بني إسرائيل الذين عانا منهم موسى ما عانا . أعود وأقول : كل سورة سبأ ليس لها إلا هذا الإسم وهذا يجعلك تتفكر في أن هذه القصة تُشكّل العمود الفقري ، وإن شئت فقل تشكّل الرسالة القوية التي ينبغي أن يعيها المؤمن من خلال هذه السورة . وهذا يدعونا إلى أن ننتقل إلى سؤال آخر : ما هو مقصود السورة ؟ ما هو الموضوع العام الذي يشملها ؟ من أولها إلى آخرها .
أقول -والله أعلم بمراده- : من تأمل السورة وتدبرها ولاحظ مُفتتحها ومُختتمها وأثناءها وجدها تتحدث عن معنى -أرجو أن يكون صوابا- وهو : قدرة الله -عزّ وجل- على تبديل الأمور من حال إلى حال ، من حال الرخاء إلى حال الشدة والعكس ، وذكر الله -عزّ وجل- نموذجين ظاهرين للعبد الشاكر وللأمة الكافرة وكيف آل أمر هذا وأمر هؤلاء ، أُناس على حال فاضلة وحسنة من النعمة بدّل الله عليهم لما بدلوا ، وعبد صالح وهو داود -عليه السلام- شكر فأنعم الله -عزّ وجل- عليه بأنواع من النِعم من أجلّها ولد من صُلبه يكون نبيا ويؤتيه الله ملكا لم ينبغي لأحد من بعده وهكذا . 
إذا هذه القصة جاءت في العهد المكي وهي رسالة لأهل مكة الذين قيل لهم (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) وقال الله لهم (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) رسالة إلى أهل مكة ولكل قرية ومملكة ودولة ، سمّها ما شئت من بلاد الدنيا لا تستقيم على أمر الله ، المصير واحد ، والسّنة الإلهية لا تُحابي أحدا ، ولا تُجامل أحدا . فهي رسالة واضحة إلى أهل مكة إن لم تفعلوا فسيكون مصيركم مصير هذه المملكة وهي مملكة سبأ .
سبأ : هي قبيلة نُسبت إلى رجل من العرب تكاثرت ذريته فكانوا عدة قبائل منها : حِمير وفيرها من القبائل ، لكن كان من شأنهم -وهذا الذي يهمنا هنا- أن الله -عزّ وجل- أرغد عليهم ، كانوا قد سكنوا بين واديين عظيمين وكانت السيول تأتيهم من كل جهة فعملوا ردما حتى يستطيعوا أن ينتفعوا بهذه السيول في كل وقت في العام حتى قال بعض المؤرخين : إنهم وضعوا في السدّ ثلاثة أبواب فإذا ارتفع الماء جدا فتحوا الباب الأعلى حتى يفيض ما فيه فإذا نقص أو احتاجوا فتحوا الباب الثاني إلى الباب الثالث ، وكانوا -بزعمهم- أحكموا السدّ إحكاما شديدا حتى يستمر لهم ما هم فيه من نعيم وترف و...و...الخ ، وكان من شأن هذه القرى -أيضا- وهذه المملكة -مملكة سبأ- أنهم كما قال الله -عزّ وجل- (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ) هذه عُدوة الوادي الذي كانوا يسكنونه عن يمين وشمال ، هنا يأتي التوجيه الرباني (كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ) وتلحظ أن الله أضاف الرزق إلى صفة الربوبية لأن هذا من آثار ربوبيته -عزّ وجل- ولم يقل (كلوا من رزق الله) إشارة إلى منتِه عليهم -عزّ وجل- وأن هذا من آثار ملكه ومن آثار ربوبيته . هذه واحدة.
ثم لما أمرهم بأكل الرزق أمرهم بالشكر فقال (وَاشْكُرُوا لَهُ) وهنا إذا نظرت إلى هذا الأمر ونظرت إلى قول الله -سبحانه وتعالى- في قصة داود (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلا ...) الخ (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا) آل داود ، لم يقل داود ، كل آل داود قال (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) هؤلاء القلة داود وآل بيته ، ومن الكثرة الكافرة بنِعم الله سبأ.
(كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) هل الطيب هنا يعود إلى نفوس هؤلاء أم يعود إلى طيب البيئة والطبيعة التي عاشوا فيها؟ الثاني -بلاشك- وإلا لو كانوا طيبين معنويا لما استحقوا العذاب . 
(بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) وهنا التمس العلماء حكمة في ختم هذه الآية الكريمة بهذا الاسم العظيم (وَرَبٌّ غَفُورٌ) الله -عزّ وجل- إذا قست ما أنعم به من النِعم على ما يأتي من عباده من الشّكر فلا مُقارنة (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا) فضلا عن أن تقدروا على شكرها ومع ذلك فربنا -عزّ وجل- غفور وربنا شكور يقبل من عباده أن يأتوا بالواجبات ويتركوا المحرمات ، فهو -عزّ وجل- مع كثرة كرمه وإِنعامه وإِفضاله فإنه -عزّ وجل- يرضى من عباده بالقليل ومع ذلك أدرك هذه القرية والمملكة الخذلان ، ويقال أنه جاءهم عدة رسل وأنبياء ، المقطوع به أنهم لم يشكروا نعمة الله فاستعلنوا بالمعاصي وكفروا نعمة الله -عزّ وجل- كما سيأتي إن شاء الله في سياق القصة- .
ثم قال الله -عزّ وجل- بعدها (فَأَعْرَضُوا) وهذا كما يقول العلماء : أحد الأصلين الكبيرين في تكذيب جميع الأمم ، فالأصل الأول : الإعراض ، والأصل الثاني هو: التكذيب. وهذا كثير جدا قال الله -عزّ وجل- في سورة الليل (لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى*الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى)        هذه جمعت أصلي الكفر عند الأمم التكذيب والإعراض. (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا) وفي إبراز سبب الكفر حكمة ومعنى ينبغي أن ننتبه لها وهو: أن الله لا يظلم الناس شيئا ، لم يُعذبهم الله هكذا بل عذبهم الله بما كسبت أيديهم ، وفي هذا مما يُلتمس أنك -ولله المثل الأعلى- إذا أردت أن تُعاقب أحدا فبيّن له سبب العقوبة حتى لا يظن أنك ظلمته أو بهته . والله -سبحانه وتعالى- لو عذب لم يُعذب إلا من يستحق ومع هذا يُبرز الله -عزّ وجل- لنا في هذه القصة أكثر من سبب من أسباب تعذيبهم (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ) .
(فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) هم لما بنوا السدّين الضخمين يُقال أن الله -عزّ وجل- أراد أن يُبيّن هشاشة ما بنوا فأرسل على أصل السدّ فأرة نقبت هذا السدّ ولهذا يشتهر كثيرا المثل السائر (نقب أو ثقب في سدّ مأرب) ويُشار به إلى عدم الاستهانة بالذنب الصغير أو بالعمل الصغير الذي قد يتطور إلى أن يصل إلى هدم سدّ وإغراق بلد كاملة ، فأحيانا بعض الذنوب خاصة إذا استُعلن بها ولم تُنكر فإن عاقبتها قد تكون وخيمة جدا .
فأرسل الله عليهم هذا السيل العرِم الذي أتى على بيوتهم وأتى على ثمارهم ، وأتى على أشجارهم وأنهارهم وأتى على كل النِعم التي كانوا فيها ، فالثمار فسدت والأشجار اقتُلعت ، والأنهار طُمرت ، وحصل من الفساد شيء لا يخطر لهم على بال .
قال الله -سبحانه وتعالى- (وَبَدَّلْنَاهُم) وهذه عقوبة لكن الله -سبحانه وتعالى- لا يُعاقب إلا بعد قيام الحجّة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ*جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا) هنا لما بدلوا بُدل عليهم ، بدلوا الشكر بالكفر ، بدلوا الإقبال بالإعراض ، بدلوا الطاعة بالمعصية ، بدلوا الإيمان بالكفر والتكذيب فبُدلت حياتهم ، وهذه -والله- لا تقتصر على هؤلاء القوم لكن من الناس من يعمى ويظن أن عقوبات الله تعالى محصورة في أشياء حسية يراها الناس كهدم أو غرق أو أشياء من هذا القبيل ، لا ، عقوبات الله تتنوع ، أحيانا قد تأتي عقوبات تستنزف اقتصاد الناس ، تاتي عقوبات بأن يُسلط الله الناس بعض الناس على بعض ، تأتي عقوبات أخرى كثيرة تُشغل الناس وتُشغل الناس بعضهم ببعض ، وتُشغل الحكومات والدول حتى تأتي مشاكل تتتابع وتتراكم على بعضها لا يخطر لهم على بال أنها وصلت إلى هذه المرحلة وإذا فتشت وإذا هي ذنوب على ذنوب ، ومظالم على مظالم ، ومعاصي على معاصي ، ومنكرات لم تُنكر ومعروف لم يؤمر به حتى يأتي أمر الله وتحِق عليها السُنن قال الله -عزّ وجل- (وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) وقال الله -عزّ وجل- (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) والتدمير -كما قلنا- قد يأتي بهذه الصورة التي وقعت لسبأ وقد يأتي بالتدمير الاقتصادي ، وقد يأتي بالتدمير النفسي ، وقد يُسلط على الناس من سوى أنفسهم عدوا يستبيح بيضتهم -والعياذ بالله- فليحذر الإنسان ولا يأمن مكر الله فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون .
فلما بدلوا بُدل عليهم -كما قلنا- فقال الله -عزّ وجل- (وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ) جزاء وفاقا (ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ) وكلها أشجار -إذا قرأت في كلام المفسرين- وجدت أنهم يدورون على أنها أشجار -في الأعمّ الأغلب- كريهة الرائحة لا يُنتفع بها ، بعد أن كانت تلك الأودية والقرى فيها من أنواع الثمار ما الله به عليم حتى قال الحسن البصري -رحمه الله- : إن المرأة تخرج ومعها مغزلها وتحمل فوق رأسها المِكتل فلا تحتاج أن تقطف ثمار فقط بمجرد أن تمشي في هذه الأودية وهي مشغولة بمِغزلها يمتلئ المِكتل من كثرة ما يسقط فيه من الثمار والنِعم. فلما بدلوا بُدل عليهم .
وهذا -أيها الإخوة- كما يكون على مستوى الأمم فهو كذلك على مستوى الأفراد ولهذا تلحظ في القصة الآن نموذج للعبد الشاكر ، فعندنا عبد شاكر وأسرة شاكرة داود وآله ، وعندنا أمة كافرة ، هذا -كما قلنا- في حال الأمم فكذلك العبد نفسه إذا بدّل بدّل الله -عزّ وجل- عليه ، كم من إنسان من الصالحين والأخيار والأفاضل كان يعيش لذة مناجاة الله -عزّ وجل- ، كات يعيش لذة قراءة القرآن الكريم وتدبره ، كان يعيش لذة الصيام ، لذة القيام في الليل ، لذة البكاء من خشية الله -عزّ وجل- فلم يشكر هذه النعمة ، كيف؟ مثلا : بدأ يُطلق بصره فيما حرمه الله -عزّ وجل- ، أو بدأ يُطلق لسانه في أعراض الناس فبدأ ينتقصهم ويذكر عيوبهم فيعاقبه الله من حيث لا يشعر ، تخبو جذوة الإيمان في قلبه شيئا فشيئا حتى يُحرم من هذه النِعم ، هذا -والله أيها الإخوة- من أعظم ما يكون من العقوبات حتى يقسو قلبه ولا يكاد يعتبر بشيء -نسأل الله السلامة والعافية- فينتبه العبد كما أن الحديث عن كفران الأمم والدول والجماعات فكذلك نستفيد منه هنا فيما يتعلق بالأفراد والله تعالى يقول (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ) وهذه كما تكون في الأقوام تكون في الأفراد ، فمن غيّر غيّر الله -عزّ وجل- عليه ولا يظلم ربك أحدا .
قال الله -عزّ وجل- (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا) يعود التذكير بسبب العقوبة حتى يعتبر الناس ، وهنا تعليل آخر لجريان سنة الله -عزّ وجل- عليهم ، و"الباء" هنا المصلة بـ"ما" سببية أي بسبب كفرهم ، وأغلب آيات القرآن تُبيّن أن هلاك القرى إنما هو بالظلم إلا في هذه الآية فقد بيّنت أن سبب هلاكها هو الكفر فإذا اجتمع في دولة أو جماعة أو أمة من الأمم الظلم والكفر فقد استجمعوا أسباب الهلاك ، وقد يُهلك الله القرى بالظلم ولو لم تكن تُعلن الكفر والعكس كذلك قد يُهلك الله الأمم بالكفر وإن لم تُعلن الظلم لكن يقرر شيخ الإسلام -رحمه الله- قاعدة أو سنة مشهورة ومعروفة "أن الهلاك بالظلم أعمّ وأشمل من الهلاك بالكفر" وذكر كلمته المشهورة : إن الله قد ينصر الدولة الكافرة إذا كانت عادلة مع شعبها ورعيتها ، وقد يُهلك الله الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة ، تدين بالإسلام لكن ينتشر فيها الظلم ويفشو فشوا عظيما فهذا مؤذن بالعقوبة قال الله تعالى (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) وتتنوع الآيات في هذا ، وهذا -أيها الإخوة- كما نتحدث فيه عن السنن الماضية في الأمم والجماعات فكذلك الناس الذين يُمارسون الظلم في مُحيطهم الصغير ، قد يتسلط زوج على زوجته ، رجل يتولى مال أيتام أو رعاية أيتام فيظلمهم ، مدرس يظلم الطلاب الذين تحت يده ، مدير دائرة يظلم الموظفين الذين تحت يده فلا يُعاملهم بالعدل ، هذا مؤذن أيضا بسلب نعمة الله -عزّ وجل- عليه فالسنن تمضي ولا يظلم ربك أحدا.
قال الله -سبحانه وتعالى- (وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ) استفهام يريد الله -سبحانه وتعالى- منه أن نعتبر ليُقرر لنا -عزّ وجل- هذه الحقيقة ، وفي قراءة (وهل يُجازى إلا الكفور) والمعنى: لا يُجازى إلا هذا ، إلا من سلك هذه الطريقة ، إلا من كفر نعمة الله -سبحانه وتعالى- . ثم قال الله -عزّ وجل- مُبيّنا شيئا من سيرة هذه الدولة وهذه المملكة وهي مملكة سبأ فقال الله -عزّ وجل- (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً) والمعنى -كما أشرت قبل قليل- في كلمة الحسن ، كان بين هذه القرى مسافات ظاهرة بعض العلماء يقول مرتفعة وبعضهم يقول معروفة وكلا المعنيين صحيح فهي مرتفعة -بارزة- وهي معروفة حتى قالوا إن الإنسان منهم إذا سافر لم يحتج أن يتزود ، وقيل : إن الإنسان منهم يمشي مسيرة قليلة ثم يقف ، قليلة ثم يقف ، لماذا؟ قالوا : إن الإنسان عادة لا يمُد في سيره ويُسرع إلا خشية قلة الزاد فيحاول أن يستدرك الوقت ويستبق الزمن لأجل أن يصل إلى المكان الذي يأمن فيه على نفسه وعلى .. ، يعني الأمن الغذائي والأمن النفسي ، هم لا ، متى ما شاء سار ومتى ما شاء وقف (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) هي قرى الشام كما قال غير واحد من السلف ، فبينهم وبين هذه القرى قرى ظاهرة (وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ) فجمع الله لهم بين الأمن وبين النعمة وهذه غاية ما تكون (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ*إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ*فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ*الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) وقال الله -سبحانه وتعالى- (أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا) فالمقصود : أن هذه النعمة التي عاشتها سبأ أشبهتها بعض الشيء مكة شرفها الله فكانت الرسالة واضحة وهي رسالة لكل أمة ولكل جماعة يُنعِم الله -عزّ وجل- عليهم ألاّ يسلكوا هذا السبيل ، ولهذا في خواتيم سورة النحل التي يُسميها سُفيان بن عُيينه وغيره من السلف سورة النِعم ختمها الله بعد أن ذكر جملة طويلة من النِعم قال (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ) ماذا فعلت ؟ (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ) ثم انظر جمال وروعة التعبير القرآني (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ) اختيار كلمة "اللباس" دليل -والعياذ بالله- على شمول العقوبة ، الإنسان إذا لبس فإنما يكسو جسمه كله فكأنما صار الجوع والخوف غطاهم ولم يُبقِ موضعا إلا وقد أتى عليه (لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) ثم انظروا طريقة القرآن (بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) لم يظلمهم الله -عزّ وجل- .
قال الله تعالى هنا (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) -والعياذ بالله- ملّوا النعمة ، والإنسان إذا عاش في بيئة وطالت عليه المدة ربما -والعياذ بالله- يصل به الفِسق ، يصل به الطغيان إلى أن يطلب من الله -عزّ وجل- أن يرفع هذه النعمة عنه وهو لا يعرف عاقبة هذا السؤال ، فطلبوا هذا فعُقبوا ولهذا ينبغي أن يحذر الإنسان أن يدعوا على نفسه أو على ماله أو على ولده كما جاءت بذلك السُنة كما في صحيح مسلم من حديث أبي حُميد الساعدي -رضي الله عنه- (لا تدعوا على أنفسكم ولا على أولادكم ولا على أموالكم توافقون ساعة من الله تعالى فيُستجاب لأحدكم) ، هم هنا دعوا على أنفسهم من باب الطغيان والشعور بأن هذه النِعمة لا يمكن أن تُفارقهم ، وأن هذا قدر لازم لا يمكن أن تتحول عنهم فاستفتحوا -والعياذ بالله- على أنفسهم فأتاهم العذاب (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ) وفي هذا إشارة إلى السبب الثاني من أسباب عقوبتهم ، الأولى أشارت إلى الأصل الأكبر في عقوبتهم هو الكفر وهذه الآية تُشير إلى سبب آخر وكل كافر ظالم وليس كل ظالم كافر، فاجتمع فيهم السببان العظيمان من أسباب هلاك الأمم وعقوباتها .
قال الله -عزّ وجل- (فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ) أصبحوا حديثا يتحدث به الناس وتتحدث به القرى وتتحدث به الأمم كيف كانوا في نعيم وانواع من النِعم ثم تبدل حالهم قال الله -عزّ وجل-    (وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) قال أهل العلم : تفرقت هذه القبائل منها ما بقيت في اليمن ، ومنها من ذهب إلى عُمان ، ومنها من ذهب إلى دول أخرى وحضارات أخرى ، والمهم أصبحوا بعد ذلك مثلا يُضرب حتى قالوا في المثل العربي المشهور "تفرقوا أيدي سبأ" غذا كانت جماعة مجتمعة ثم تفرقوا يُضرب بسبأ في تمزقهم وتفرقهم في البلدان بعد أن كانوا مجتمعين في قرى منعّمة أصبحوا حديثا للناس قال الله -عزّ وجل- (وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ) وهذا -أيها الأخوة- هو المحل الذي ينبغي أن يتوقف عنده الإنسان (لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) صبّار على أوامر الله لأن الأوامر فيه كُلفة -بلاشك- ولذلك يُسميها العلماء الأحكام التكليفية ، فيها تكليف تحتاج إلى صبر ومصابرة ، والنِعم تحتاج إلى شكر ، ومن قرن بين هاتين الخصلتين فقد سلك طريق الأنبياء واقرؤا إن شئتم فواتح سورة الإسراء قال الله -عزّ وجل- (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) وقال الله في هذه القصة (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قالت له أمنا عائشة -رضي الله عنها- يارسول الله -وانظروا إلى هذا الجواب المدهش العجيب- لما قالت له يا رسول الله بعد أن رأته وقد تفطّرت قدماه من طول القيام : أتفعل هذا وقد  غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فماذا قال ؟ (أفلا أكون عبدا شكورا) هذا مقام عالٍ من مقامات العبودية ألا وهو مقام الشّكر ، هنا لم يُنكر عليها النبي -عليه الصلاة والسلام- سؤالها ولم يقل لها إنني أخشى ذنبا ، نعم الله غفر لي ، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يقتصر في عبوديته لله على هذا المقام كما هو حال كثير من الناس فقط وهو مقام ليس محذور شرعا لكن فرق بين هذا المقام والمقام الأعلى ، وبعض الناس لا يدفعه إلى العمل أحيانا إلا الخوف من العقوبة فقط لكن فرق بين هذا وبين من يفعل العبادة حُبّا ، وبين من يفعل العبادة شُكرا لله -عزّ وجل- وهذا الذي قاله -عليه الصلاة والسلام- (أفلا أكون عبدا شكورا) غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر لكنه يريد أن يترقى في مقامات الشُكر . ولهذا -أيها الأكارم- من كان يأتي إلى العبادة والطاعة وهو يستحضر هذا المعنى ستكون العبادة مهما ثقُلت على الناس من أخفّ الأشياء عليه بل وينتقل إلى مرحلة وهي أنه يجد اللذة العجيبة في أدائها - ولله المثل الأعلى- حينما يُحسن إليك أحد من الناس بمعروف كبير ، تصور أحد التجار الكبار أهداك خمسمائة ألف ، مليون ، وأنت عُشر هذا المبلغ يصنع في حياتك شيئا كثيرا ثم وجدت أنت أن من المروءة ومن حُسن الخلق أن ترُد هذا المعروف في بعض المناسبات فرأيت مثلا أنك تأتي لهذا التاجر بتُحفة من التمر الفاخر  فذهبت إلى منطقة بعيدة كالقصيم مثلا أو منطقة أخرى -وأنتم أهل نخيل- لكن تريد أن تُتحفه بتحفة ، ذهابك إلى البلد هناك ورجوعك هل ستجد فيه تعب وأنت تستذكر منته عليك ؟ لا ، بل تستلذ كل تعب يصيبك في الطريق من أجل أن تهدي له هدية تُعبر له عن شكرك له على هذا المعروف . 
يا أيها الإخوة : من يستحضر آلاء الله -عزّ وجل- ونِعمه عليه ، آلاء الله -عزّ وجل- في بدنه ، في جوارحه ، آلاء الله عليه في النِعم التي أولاه إياها في هدايته للإيمان ، في هدايته للسنة ، في حمايته في أمور كثيرة ، في ستره عليه مرارا وتكرارا يعصي والله يستره ، إذا استحضر هذه المعاني -والله- تهون عليه العبادة بل يجد لذة كما قلت .
هذه المقامات ينبغي أن يستحضرها العبد وهو يقرأ مثل هذه الآيات (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) فالمستحضر للنِعم يتحرك لسانه بالشكر ، وهنا الشكر -كما هو معلوم- ليس مقتصرا على مجرد القول ، القول ركن من أركان الشكر لكن لابد من تواطؤ الثلاثة الأمور : الجوارح واللسان والقلب كلها تتواطأ على شُكر المُنعم -عزّ وجل- ومن أعظم صور ذلك : ألاّ يُسخر الإنسان نعمة الله -عزّ وجل- عليه في معصيته ، ولهذا كان بعض السلف يعظ شابا لما جاءه وقال عظني ، أحاول أن أترك المعصية فعظني قال : تذكر أنك لا تعصي الله إلا بنعمة من نعمه فإن نظرت إلى الحرام فإنما تعصي بنعمة النظر ، إن عصيته بسمع محرم فإنما تعصيه بنعمة السمع ، إن عصيته بكتابة محرمة بالجوال أو الكمبيوتر ، بالنت ، بغير ذلك إنما تعصيه بهذه اليد التي حركها لك ، وإنما تعصيه بالفكر والعقل الذي أعطاك حتى تكتب ، وإذا ذهبت إلى مكان محرم فإنما تعصيه بالقدم التي حركها الله لك حتى لو شاء لجعلك مشلولا لا تستطيع أن تتحرك ، وأنت إذا تأملت هذا يستحي الإنسان ، إذا استحضر الإنسان هذا المعنى يستحي أن يعصي الله بنعمة الله ، هذه المعاني إذا تذكرها العبد أقول يهون عليه ترك المعصية ويهون عليه فِعل الطاعة بعون الله وتوفيقه .
ثم قال الله -عزّ وجل- مُعقِبا كما قال بعض العلماء إن القصة انتهت عند الآية تسعة عشر لكن التعقيب على القصة بدأ من الآية عشرين (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) قال أهل العلم : المراد بهذا -وفيها كلام- لكن من أقرب ما يُقال : إن إبليس لما أقسم بعزة الله وقال (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) هذا مما تحقق فيه القسم لكن أراد الله -عزّ وجل- أن يجعل للناس -كما يُقال نافذة أمل وبوابة فأل- فمع وجود هؤلاء الكفار بنعمة الله -عزّ وجل- إلا أنه بقي فيهم بقية باقية لم يسلكوا هذا الطريق وفي هذا درس في الفأل وفيه أن الله -سبحانه وتعالى- لا يظلم أحدا وأن الله -عزّ وجل- حقق موعوده لأن إبليس لما أقسم بعزة الله قال الله (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) وفي هذه الإضافة (إِلاَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) وفي قوله تعالى (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) إذا جمعنا هذه الأوصاف خرجنا بالأسباب التي تُعين على التخلص من إغواء الشيطان وإضلاله فالله -عزّ وجل- هنا لم يصف هؤلاء إلا بوصف واحد وهو الإيمان فقال (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) هم الذين قال الله فيهم (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) وهذا نستفيد منه درسا عظيما وهو أنه بقدر تحقيقك للعبودية يضعف سلطان الشيطان عليك ، كلما كانت عبوديتك لله أعظم وإيمانك بالله أقوى ضعف سلطان الشيطان عليك . ولاشك  (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) سلطان التغلب ، سلطان التسلط الذي يستمر ، لا ، هذا لا يكون أما الوسوسة العارضة فلا يكاد يسلم منها أحد إنما المقصود السلطان الذي يحصل به جر الإنسان من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر ، من دائرة الأولياء لله -عزّ وجل-  إلى دائرة أولياء الشيطان ، هذا لا يكون على من حقق العبودية ولهذا إذا وجدت أن الشيطان يتسلل إلى قلبك كثيرا فتفقد إيمانك ، تفقد عبوديتك ، كما أننا هنا أهل سبأ نفذ إليهم فأر هدم سدهم فانتبه لا يدخل الشيطان عليك من هذه الثغرات ، قد يدخل الشيطان على بعض الصالحين من ثغرة العين وما أكثر من ضاع بسببها ، قد يدخل عليه من ثغرة الأذن ، قد يدخل من ثغرة اليد ، الرِجل ، وأخطر شيء من ثغرة القلب حينما يمتلئ -والعياذ بالله- من أمراضه وأدوائه ولهذا في مثل هذه المقامات يضرع الإنسان لربه -عزّ وجل- وينكسر ويحني جبهته ويسجد ويتضرع بين يدي ربه -عزّ وجل- أن يحميه من كيد هذا الشيطان الرجيم الذي أقسم ألاّ يترك مجالا إلا سلكه (ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) انظروا إلى بروز قضية الشكر في هذه المقامات ، ففي قصة إبليس (وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) هنا نجد المثال واضحا لم نجد أكثرهم شاكرين بل وجدنا أكثرهم كافرين وكما قال الله -سبحانه وتعالى- (وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ) .
 قال الله -سبحانه وتعالى- (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ) وهذا سبب آخر بارز في قضية السلامة من كيد الشيطان وضعف سلطانه على العبد وهو حضور الآخرة في حياته ، فمن كانت الآخرة حاضرة في حياته كان تأثير الشيطان عليه وسلطانه أضعف وأبعد وهذا شيء معروف ، المحاكم الآن تمتلئ بقضايا -أزعم أنا- أن أكثر هذه القضايا أن أحد الطرفين يعرف أنه كاذب أو على الأقل ليس له حق ظاهر وإنما -والعياذ بالله- مبدأ إن حصل شيء وإلا لن أخسر شيئا -نسأل الله العافية- هؤلاء لو حضرت الآخرة في نفوسهم والله ما تجرؤا على ذلك ولما صاروا جنودا للشيطان في تحقيق مآربه من التفريق ، من إيجاد الضغائن والشحناء وأخذ أموال الناس بالباطل إلى غير ذلك ، فلو حضرت الآخرة في حياتنا ، حضرت الآخرة ونحن نصلي ، حضرت ونحن في خلواتنا ، حضرت الآخرة في علاقاتنا والله لقلّت أكثر المشاكل الموجودة اليوم بين الناس .
قال الله تعالى (إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) الله -سبحانه وتعالى- يُحصي على العباد أعمالهم فمن شكر فإن الله -سبحانه وتعالى- أكرم وأعظم شكرا ، ومن كفر فالويل له عمله محفوظ وقد يُعاقب وقد تؤخر عقوبته لكنه لن يُفلت لأن الله -سبحانه وتعالى- حافظ أعمال العباد وسيحاسبهم عليها وهذا من مقتضى حفظه -سبحانه وتعالى- .
هذا أيها الإخوة جزء من المعاني التي يمكن الوقوف عليها وأنا موقن بأن القصة تستحق أكثر من ذلك لكن هذه وقفات عابرة وكتاب الله -عزّ وجل- كنز وبحر لا تفنى فوائده ، وهنا حقيقة معنى نسيت أن أُشير إليه وهو يتعلق بهذه القصة وهو أن جمال الأرض وقيام الحضارة المادية ليس دليلا على حب الله تعالى لتلك البلد أو لتلك الدولة أو لتلك الأمة من الأمم بل قد يُنعِم الله -عزّ وجل- على بعض الأمم الكافرة ويحرِم بعض الدول المؤمنة ابتلاء منه -سبحانه وتعالى- وهذه من صور الابتلاء ، فالله -عزّ وجل- هنا أنعم بما أنعم -سبحانه وتعالى- على سبأ بهذه النِعم العظيمة التي لا يكاد يوجد لها نظير لكن هل هذا دليل على أن الله يحبهم ؟ الجواب لا ، ولهذا الدنيا يُعطيها الله من يُحب ومن لا يُحب لكن الآخرة والطاعة لا يُعطيها الله -عزّ وجل- إلا من يُحب فانتبه لا تستبدل توفيق الله لك بهذه الطاعة وتُفسده بما أشرنا إليه آنفا بل الزمها واشكر ، اعتبر أيضا بأن هذه الدنيا قد يعطيها الله -عزّ وجل- من لا يحب ولهذا لما دخل الفاروق -رضي الله عنه- على النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو في مشربة له -في مكان مرتفع- لما اعتزل نساءه ، دخل عليه وإذا جنبه الشريف لما غير من تُكأته رأى أثر الحصير على جنبه الشريف -بأبي وأمي ونفسي وما أملك صلوات الله وسلامه عليه- فدمعت عينا عمر قال : يا رسول الله أنت فيما أنت فيه وأنت رسول الله وكسرى وقيصر على عروش الذهب والفضة ، فقال له -عليه الصلاة والسلام- الذي لا تساوي الدنيا عنده شيء ، والذي قلبه معلق بالآخرة : يا عمر أما ترضى أن تكون لهم في الدنيا ولنا في الآخرة ؟-الجواب بلى- فسكت عمر -رضي الله عنه- وأثرت هذه السيرة في حياة عمر حتى إنه فُتح من الفتوح أضعاف أضعاف ما فُتح في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وجُلبت إليه كنوز كسرى وقيصر وما أثرت فيه ، خطب -رضي الله عنه- وثوبه فيه أكثر من رقعة على المنبر وهو أمير المؤمنين ، وبالمقياس الجغرافي اليوم نصف الدول العربية كانت تحت امرته -الشام ، الخليج ، العراق ، جزء من بلاد فارس ، مصر ، جزء من أفريقيا وهي تونس وتلك المناطق - كلها تحت إمرته وما تغير عنده شيء ، تعلقت نفسه بالآخرة ، يأتي رسول كسرى ويجده قد توسد شحنة صغيرة من الرمل ما أثرت فيه ، وهكذا القلب -أيها الإخوة- إذا تعلق بالآخرة لم ينفتن بما يأتيه من الدنيا ولا يعتبر هذا التوسع علامة مطلقة على الرضى ويستخدمها في طاعة الله -عزّ وجل- فهذا هو التوفيق وهذا هو السداد .
هذا ما تيسر ذكره في هذا المقام والقصة تستحق أكثر من ذلك وفيها مجال للتأمل والنظر وأنا أدعو الإخوة والأخوات إلى أن يكون جزء مما تُعمر به مجالسهم في البيوت أن يتداولوا مثل هذه القصص مع أبنائهم ومع بناتهم ، يقرؤا ما تيسر من كتب التفسير الموجودة التي -بحمد الله- تيسر كثير منها الآن . يقرؤا في بعض الكتب المعاصرة التي كُتبت بطريقة سهلة ليتدارسوا هذه المعاني ويغرسوا في نفوس أبنائهم وبناتهم هذه المعاني الكبار فما رُبيت والله البيوت وما عُمرت بخير من تلاوة كتاب الله وتدبر معانيه كما قال الله لزوجات نبيه -عليه الصلاة والسلام- (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . 
        
اقرأ المزيد...