الثلاثاء، 31 ديسمبر 2013

أمثلة قرآنية على دلالة الجملة الإسمية والفعلية

*د. محمد بن عبد العزيز الخضيري 


الجمل لها أثر في إدراك أكمل المعاني ومعرفة أتمّ أوجه التفسير عند الكلام على تفسير كتاب الله -عز وجل- لذلك لابد أن يكون طالب العلم عارفا بدلالات الجمل من جهة علم البلاغة وبالأخص علم المعاني.(1)
دلالة الجملة الإسمية :
الجملة الإسمية هي التي تبدأ بالإسم مثل: محمد كريم، الله ربنا، محمد رسول الله. هذه جملة اسمية فهي تبدأ بإسم. هذه الجملة الإسمية يقول العلماء: تدل على الثبوت والدوام. فأنا الآن لما أقول [سعد كريم] لا أريد أن تفهموا أنه كريم الليلة فقط وغدا قد يتحول إلى بخيل،لا ، ما دمت قلت [سعد كريم] عبرت بالجملة الإسمية فإن هذا الوصف ثابت له ، مُلازم له، مُستقر عليه .
[محمد رسول الله] هل هو رسول في ساعة دون ساعة؟ لا، الرسالة معه -عليه الصلاة والسلام- حتى لقي ربه فهو رسول الله دائما حتى نلقاه على الحوض -بإذن الله عز وجل- فنشرب من يده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها -أسأل الله لي ولكم ولوالدينا وللمسلمين أن نُمكّن من هذه الشربة العظيمة- هذا دلالة الجملة الإسمية.
دلالة الجملة الفعلية: يقول العلماء تدل على التجدد والحدوث [ضرب محمد سعدا] الضربة وقعت وانتهت لأنها جملة فعلية، فالجملة الفعلية تدل على حدوث الشيء ثم انقطاعه ويتجدد بعد ذلك. أما الجملة الإسمية لا، تقول فلان كريم أو شجاع أو إنسان، هذه الأشياء مستمرة معه.
يقول: من أمثلة ذلك: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) هذه جملة إسمية فالحمد كله ثابت مستقر لله -عز وجل- دائما وأبدا. لم يقل [نحمد الله رب العالمين] أراد أن يُبيّن أن الحمد ثابت لله ومستقِر، ولو قال [نحمد الله رب العالمين] يعني نحن نجدد الحمد لله مرة بعد أخرى كلما تجددت لنا نعمة جددنا الحمد ولذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث (إن الحمد لله) يعني الحمد كله ثابت لله ثم يقول (نحمده) نحن نُجدد الحمد له مرة بعد أخرى كلما تجددت نعمة أو اندفعت نقمة، ففعلي أنا مرة بعد أخرى وما يستحقه الله أن الحمد ثابت له مستقر له.
/ ثم قال: (اللَّهُ الصَّمَدُ) صمدية الله تأتي في حين دون حين أم ثابتة مستقرة لله؟ ثابتة مستقرة لله.
/ (يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ ﴿١٥﴾ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ) قال جاء بالجملة الفعلية (يَصْلَوْنَهَا) للدلالة الفعلية على زمن الاسطلاء مع تقوية الوعيد (يَصْلَوْنَهَا) في ذلك الوقت (يَوْمَ الدِّينِ) في تلك اللحظة يصلونها، يتجدد لهم الصلي ثم عُطفت عليها جملة إسمية (وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ) الاسطلاء في نار جهنم يُجدد لهم (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ) فيتجدد الصلي بعد أن يُلبس ثوب جديد من اللحم وغيرها -نسأل الله العافية والسلامة- يبدأ الصلي من جديد (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا) لتنضج مرة أخرى وتُصلى مرة أخرى -نسأل الله العافية- أي تُشوى في نار جهنم. ثم قال (وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ) هذه جملة إسمية ، هل سيخرجون من النار؟ لا، لن يخرجوا فهم ثابتون مستقرون دائمون في نار جهنم .
(عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ﴿١﴾ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ﴿٢﴾ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) فالتساؤل يتجدد في الصباح يسألون وفي المساء يسألون وبعد أسبوع يسألون فهم يتساءلون هل سيكون بعث أو لن يكون بعث فالتساؤل يتجدد لهم بين الفينة والأخرى لكن اختلافهم في البعث مستقر ودائم وثابت ولذلك قال (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) جاء بجملة فعلية ثم قال (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) جاء بجملة اسمية لأن الاختلاف باقي ودائم .
(وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ﴿٢٦﴾ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) التصديق بيوم الدين يتفاوت لدى المؤمن أحيانا كأنك ترى الجنة والنار من شدة تصديقك بيوم الدين، وأحيانا تقول: ساعة لقلبك وساعة لربك وتنسى الآخرة، وتنسى إن كل الساعات لله -عز وجل- من الغفلة التي تحصل لك، فالله يقول إن المؤمنين (يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) يتجدد لهم التصديق فمرة يزيد ومرة يخف قليلا ثم يزيد وهكذا يحدث لهم تصديق بعد تصديق. الآن لو كلمتكم عن الجنة وعن النار وآياتها يزيد عندكم التصديق وتخرجون كأنكم على جناحي طائر من شدة العلو الذي يحصل للإنسان عندما يتذكر هذه المعاني ثم إذا جلس الإنسان على البحر وإلا شاهد -مثلا- بعض الثمثيليات وبعض المشاهد السخيفة وغيرها نسي الآخرة، ولذلك -رحمة بنا- قال (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) ثم قال (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) جاء بالجملة الإسمية لأن إشفاقهم من العذاب دائم ، باقٍ لا يتخلف، لو تخلف نسوا الآخرة .
(بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) جاء بجملة إسمية للدلالة على أن هذه البراءة ثابتة وباقية ودائمة إلى يوم القيامة. لكن لو صلحنا صُلح مع إسرائيل خلاص نُخرِّب هذه البراءة؟ ما نخربها، باقية، ولو إن إسرائيل فتحت مصانع لنا في بلادنا وأكرمتنا وأعطتنا من خيرات الدنيا نخرِّب هذه البراءة؟ ما نخرِبها، باقية، البراءة باقية إلى يوم الدين.
/(إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) قال العلماء: سلام إبراهيم أبلغ من سلام الملائكة ، لماذا؟ لأن الملائكة قالوا (سَلَامًا) أي [نُسلِّم عليك يا إبراهيم سلاما] هذه جملة فعلية يعني ياتي سلامنا مرة بعد أخرى -يتجدد- أما إبراهيم ماذا قال؟ قال (سَلَامٌ قَوْمٌ) يعني السلام ثابت عليكم مستقر معكم. أيهما أبلغ؟ الذي ياتي ويذهب أم الثابت والمستقر؟الثابت والمستقر. ولذلك في قصة يحي قال (يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) وتعرفون أن أخذ الكتاب أحيانا يكون الإيمان قوي فيقوى الإنسان في الأخذ، أحيانا يضعف قليلا فيقِل واحيانا يضعُف فيقِل فيحتاج إلى أن يُجدد إيمانه حتى يأخذه بقوة قال (خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) أما السلام فهو ثابت عليه يوم وُلد ويوم يموت ويوم يُبعث حيا.
------------------------------
*شرح د. محمد بن عبد العزيز الخضيري لكتاب المراحل الثمان لطالب فهم القرآن للد.عصام العويد.
1- كتاب المراحل الثمان لطالب فهم القرآن للد.عصام العويد. 

هناك تعليقان (2):

  1. بارك الله فيكم ، نفعكم الله ونفع بكم بإذنه ومنه وفضله

    ردحذف
    الردود
    1. اللهم آمين وإياكم .. جزاكم الله خيرا

      حذف