الثلاثاء، 28 مايو 2013

محاضرة برامج عملية في تربية الأسرة بالقرآن الكريم

د.عمر المقبل


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 هذا اللقاء بعنوان: «برامج عملية في تربية الأسرة بالقرآن الكريم»
 وهو محاضرة ألقاها فضيلة الشيخ الدكتور عمر بن عبد الله المقبل عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم، وعضو الجمعة العلمية بالسعودية للقرآن الكريم وعلومه، والتي أقيمت في جامع الناصر بحي الأندلس شمال الرياض. حيث استهلَّ الشيخ محاضرته بعد حمد الله والثناء عليه بطرح أسباب عرض هذا الموضوع، وذلك في أربعة أسباب هن الأبرز، حيث يقول فضيلته:
 أول هذه الأسباب التي تجعلنا نتحدث عن هذا الموضوع أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- قال لخير البيوت على وجه الأرض، بيوت محمد -صلى الله عليه وسلم- وبيوت أمهات المؤمنين: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}
 يقول قتادة وغيرهم من السلف رحمهم الله تعالى: "أي أعملن بما ينزِّل الله على رسوله في بيوتكنَّ من الكتاب والسُنّة، واذكرن هذه النعمة التي اختصَّكُنَّ بها من بين الناس، أنَّ الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس".
 وأقول: إنَّ حقًّا على المؤمن أن يذكر نعمة الله عزَّ وجل عليه إذ جعله من هذه الأمَّة التي نزل عليها هذا القرآن؛ فإنَّ أكثر بيوت أهل الأرض اليوم خالية من هذا النور العظيم. يقول الشيخ العلامة المفسر المربي الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله تعالى: "والمراد بآيات الله في القرآن والحكمة أسراره وسُنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأمْرُهنَّ بمثله يشمل ذِكر لفظه بتلاوته، وذكر معناه بتدبره والتفكر فيه، واستخراج أحكامه وحِكَمه وذكر العمل به". انتهى كلامه رحمه الله.
 اِربط هذا أخي الكريم وأختي الكريمة بين الوصف النبوي الذي وصفته عائشة رضي الله تعالى عنها لنبينا -صلى الله عليه وسلم- حينما قالت: «كان خُلقه القرآن»، ليتضح لك كيف كان القرآن حاضرًا في بيت النبوَّة الطاهر، صلوات الله وسلامه على صاحبه، ورضي الله تعالى عن أمهات المؤمنين أجمعين.
 لقد كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يا أتباع ملَّته، كان يُترجم القرآن الذي يُوحَى إليه ويتلوه في الليل، يترجمه إلى واقع عملي مع نسائه، مع أهل بيته، مع سائر الناس.
 وأقول: لن تكون الترجمة صحيحة إلاَّ إذا كان الفهم للنص المترجًم صحيحًا؛ إذ كيف يُعمَل بالقرآن ويطبق ويترجم عمليا من قِبل من لم يفهمه؟!.
 أما السبب الثاني الذي يجعلني أتحدث عن هذا الموضوع هو قول الله تبارك وتعالى لنا وليس للكفار: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
 ومن دقيق فقه الإمام البخاري رحمه الله تعالى أنه بوَّب على هذه الآية في الصحيح، ثم ذكر تحت هذا التبويب حديث ابن عمر المتفَق عليه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «كلُّكم راع وكلُّكم مسئول عن رعيته».
 يقول قتادة -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: «يقيهم بأن يأمرهم بطاعة الله وينهاهم عن معصيته، وأن يقوم عليهم بأمر الله، يأمرهم به، ويساعدهم عليه، فإذا رأى معصية لله ردعهم عنها وزجرهم عنها».
 ويقول بعض أهل العلم مستنبطًا أيضًا من هذه الآية: "فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير وما علمناه من الأدب."
 وأنا أسأل أيها الفضلاء: أنَّى لنا أن نقي أنفسنا وأهلينا، وأن نعلمهم ما يحبه الله لنفعله ونطبقه، وأن نُعلِّمهم ما يُسخط الله عزَّ وجل لنجتنبه ونحذره. أنَّى لنا إلاَّ بهذا الوحي العظيم من الكتاب والسُنة! قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ}، ولهذا يقول بعض المعلِّقين على هذه الآية الكريمة: «إنَّ تبعت المؤمن في نفسه وفي أهله تبعت ثقيلة رهيبة، فالنار هناك، وهو متعرَّض لها هو وأهله، وعليه أن يحول دون نفسه وأهله ودون هذه النار التي تنتظره هناك». هذا أمر ينبغي أن يدركه جيدًا كل من يريد أن يسلك طريق الدعوة. إن أول الجهد ينبغي أن يتوجه إلى البيت، إلى الزوجة، إلى الأم، ثم إلى الأولاد والى الأهل بعامة. ويجب الاهتمام البالغ بتكوين الأسرة المسلمة لتنشأ على إثرها نواة أسرة مسلمة يكون قائدها ودليلها كتاب الله عز وجل.
 وينبغي لمن يريد بناء بيت مسلم أن يبحث أولاً عن شريكة الحياة، وعن رفيقه الدرب، وإلاَّ فسيتأخَّر قليلاً، وسيظل البنيان متأخِّرًا متخاذلاً كثير الثغرات. إنه ليتعين على الآباء المؤمنين الذين يريدون أن يُنشؤا جيلاً صالحًا أن يعلموا أن هذا النشء وديعة وأمانة في أيديهم، وأنَّ عليهم أن يتوجَّهوا إليهم بالدعوة والتربية والإعداد قبل أن يتولَّى إعدادهم طرفٌ آخر أو شيء آخر، وأن يستجيبوا لله وهو يدعوهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}.
 السبب الثالث أيها الفضلاء الذي يجعلنا نتحدث عن مثل هذا الموضوع : أنَّ أسلافنا الذين سادوا الدنيا، وذلِّت رقاب الكفرة لهم كانوا يعتنون بهذا القرآن، بل إنَّ عزهم وفَخارهم وتملّكهم وتمكينهم في الأرض؛ إنما كان بسبب أخذهم للقرآن، وإنما كانت جيوش المسلمين أفرادًا تخرج وتهبُّ للجهاد في سبيل الله من عدة بيوتات، وهذه البيوتات رعاها القرآن وربَّاها القرآن، ونبتت في روضة القرآن.
 بوّب البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه فقال في كتاب «فضائل القرآن» [باب تعليم الصبيان القرآن]، ثم ذكر تحت هذا الباب أثر ابن عباس -رضي الله عنهما- الذي يقول فيه: «توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم». ماذا يعني بالمحكم؟ سور المفصّل. المقصود أن ابن عباس يقول توفى النبي -صلى الله عليه وسلم- وعمره عشر سنوات، ولم يمت إلا وقد أتقن المحكم وحفظه، وهذا دليل على عناية أسلافنا رضي الله عنهم ورحمهم بتنشئة هذه الفلذات التي هي فلذات الأكباد تنشئتهم على القرآن الكريم.
 السبب الرابع والأخير الذي أدخل بعده في صلب الموضوع: أنَّ أعداء الإسلام تفنَّنوا في صدِّ الناس عن هذا القرآن العظيم، وأقول - وبكل مرارة - تبعهم على ذلك بعض فسَّاق المسلمين وفجارهم بأساليب شتى وبطرق متنوعة: فضائيات، إذاعات ....الخ، كلُّ ذلك تفنَّنوا فيه؛ فنجحت كثيرٌ من هذه المحاولات وللأسف، والواقع أكبر شاهد، أفيُستكثر على الدعاة إلى الله -عز وجل- أن يتنادوا إلى رب الناس، إلى كتاب ربهم عز وجل بكل ما يمكن من الأساليب والطرق المشروعة والمباحة؟!.
 إن هذه البرامج أيها الإخوة إلاَّ محاولة من جملة المحاولات الكثيرة، أسأل الله عز وجل أن ينفعني وإياكم بها.
 أحبتي الكرام، يا أهل القرآن، إنَّ أول هذه الوسائل أو الطرق التي تُربَّى بها الأسرة ليتفعل دور القرآن في حياتها هو أن يُرسَّخ في نفوسهم تعظيم القرآن الكريم، وأثره في حياة الأسرة، وخطورة غيابه وضعف حضوره في البيت. وهذا يتم بعدَّة أمور:
 الأول: أن تدرك الأسرة جيدًا وعلى رأسها الأب والأم أنهم بدون القرآن أمواتٌ عُمي ضُلال جُهّال. من أين هذا؟ من كتاب الله عزَّ وجلَّ، قال الله تبارك وتعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}. ويقول الله عز وجل عن رسوله -صلى الله عليه وسلم-: {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى}. وحتى يقع من قلبك هذه الآية موقعها الذي ينبغي تعلَّم معي رعاك الله كيف كانت حياة نبينا -صلى الله عليه وسلم- قبل الوحي، هل كان يعبد الأصنام؟ أكيد لا، هل شرب الخمر مرة؟ أبدًا، هل حُفِظ عنه أنه اقترَّب من امرأة لا تحلُّ له؟ أبدًا، بل لم يُحفظ عنه ما هو أقلُّ من ذلك، لم يحفظ عنه أنه أخلَّ بأمانة أو غدر في عهدٍ أو كذب في كلمةٍ.. وقد كانوا يسمونه «الصادق الأمين»، ومع ذلك أيها الفضلاء كل هذا النصوع وكل هذا الإشراق في حياته إذا قستها إلى حياة الجاهلية، كلها بالنسبة إلى ما بعد الوحي لا شيء.. {وَوَجَدَكَ} ماذا؟ {ضَالاً فَهَدَى} بأيِّ شيء هداه؟ بهذا الوحي. إذا أسرة لا تتربَّى على القرآن أسرة تعيش في الضلالة شاءت أم أبت، والله ولو كان عندها أنواع العلوم، وأما قوله جُهّال فإنَّ الله عزَّ وجلَّ نعت كتاب في أكثر من موضع بأنه آي العلم، فعرَّفه بالعلم، قال الله تبارك وتعالى لرسوله -صلى الله عليه وسلم- في أكثر من موضع:
 {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}، {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ}..
 إذا من فقد هذا العلم فقد وقع في جهالة. وهذا أمر يجب أن يدركه الوالدان قبل، لأنهما إذا تشبَّعا به نقلا هذا المعنى لأبنائهم. أيضًا من الأمور التي تُعين على ترسيخ تعظيم القرآن في نفوس أفراد الأسرة أن تُذكَر الآيات والأحاديث والآثار التي تُعظِّم من مكانة القرآن في نفوس الأبناء ليصلوا إلى هذا المرتبة.
 استمع معي رعاك الله واستمعي يا أمَة الله إلى كلمات والله تُكتب بماء الذهب للإمام القرطبي صدّر بها تفسيره، حيث يقول: «فأول ذلك -أي فأول درجات الانتفاع بالقرآن- أن يستشعر المؤمن من فضل القرآن أنه كلام ربِّ العالمين، وأنه ليس كمثله شيء، وصفة من ليس له شبيه ولا ندّ، فهو من نور ذاته جلَّ وعلا..».. إلى أن قال: "ولولا أنه سبحانه جعل في قلوب عباده من القوة على حمله ما جعله ليتدبروه وليعتبروا به وليتذكروا ما فيه من طاعته وعبادته وأداء حقوقه وفرائضه، لولا أن الله جعل ذلك في قلوبهم لضعفت واندكتت بثقله، أو لتضعضعت له، وأنّى تطيقه وهو يقول تعالى وقوله الحق: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} فأين قوة القلوب من قوة الجبال؟! ولكنَّ الله رزق عباده من القوة على حمله ما شاء أن يرزقهم فضلاً منه ورحمة». انتهى كلامه.
 ومن جميل العبارات التي تُذكر في هذا المقام أنَّ الشيخ عبد الرحمن الدوسري -رحمه الله- تعالى لَمَّا سُئل عن أهم شروط المفسِّر قال: «أن تملأ قلبه الفرحةُ بالقرآن»، وهذا والله من دقيق الأجوبة وعميقها،كيف ذلك؟ الشيخ طبعًا لا يُغفل ضرورة العلم باللغة، وضرورة العلم بالناسخ والمنسوخ، إلى غير ذلك من العلوم التي يَلزم توافرها لدى المفسِّر، ولكنه أشار رحمه الله إلى معنى قد يغيب عن كثير من الذين يتعاملون بالقرآن، فأشار إلى هذا المعنى البليغ العظيم، وهو أن تملأ قلبك الفرحة به، لأنَّ من يتعاطى مع القرآن يجب أن يملأ قلبه الفرح والسرور والغبطة به، وإلاَّ والله سيكون تعامله معه تعاملا باردا . إنَّ كتاب الله أيها الفضلاء ليس متنًا من متون العلم يُتعامل معه بطريقة قد تكون إلى الجفاف أقرب،. لا، إنه كتاب الله وكفى، إنه كلام الله وحسب.
 أيضًا من الأمور التي تُعين على ترسيخ تعظيم القرآن في القلوب، وهذه كلها وسائل تابعة للبرنامج الأول، أنه خيرٌ من كلِّ ما يجمع الخلق، والدليل:  قال الله تعالى: «قل» يا محمد لهؤلاء؟، {قُل بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ}، «فضل الله» الإسلام كما قال السلف و«رحمته» القرآن، {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} ، وفي قراءة أخرى: {هُوَ خَيْرٌ مِمَّا تَجْمِعُونَ}.
 أخي الكريم.. تصور لو أنَّ اليوم اتصل عليك أكبر مصرف في المملكة من المصارف التي تتعامل معها، وقال: وقع عليك الاختيار، سيحول لك اليوم في حسابك عشرة ملايين، كيف تشعر؟ مسرور..،  حسنًا ما رأيك لو حُولت لك مائة مليون؟ مليار؟ كلُّ خزينة الدولة وضعت في حسابك الليلة؟ هذا كلُّه أيها الإخوة أقلُّ مما ينبغي أن يكون عليه قلب المؤمن من الفرح بكتاب الله -عزَّ وجل- ولذلك لما رأى عمر كثرة إبل الصَدَقة سمع الأعرابي الذي يُشرف عليها يقول: يا أمير المؤمنين يريد أن يبشِّره، ويقول: هذه إبل الصدقة -وكأنه يعني يريد أن يُدخِل السرور على قلبه لكثرتها- ثم قرأ الآية الكريمة التي ذكرتها قبل قليل، فقال: كذبت يعني «أخطأت» بلغة أهل الحجاز، إنما ذلك القرآن الكريم {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
 وإذا وصل الإنسان إلى هذه المرحلة وهذا الشعور يُرجى أن يصل إلى مرحلة شريفة عظيمة، وهي مرحلة الارتباط بالقرآن. وهي مرحلة عظيمة يجد الإنسان للقرآن معها طعمًا آخر والله لا يشبهه أيُّ طعم، ووالله لا يوازيها أيُّ لذَّة من لذَّات الدنيا. بوَّب البخاري -رحمه الله تعالى-  على حديث ابن عمر المتفق عليه: «لا حسد إلا في اثنتين» البخاري روى الحديث بألفاظ منها «ورجل آتاه الله القرآن» أتدري بمَ بوّب البخاري على هذا الحديث؟ قال: باب "الارتباط بالقرآن". ما معنى «الارتباط»؟ الفرح هنا والسرور، بحيث يصل الإنسان إلى مرحلة يُحسَد عليها.
فأقول: نحتاج إلى هذا الشعور، نحتاج إلى الفرح أيها الإخوة أن يملأ قلوبنا قبل أن نفتح المصحف، حتى ننتفع بكتاب الله عزَّ وجل. ولا بأس أن أذكر قصة وقعت هنا في الرياض، في رمضان العام الماضي، يحدثني أحد طلبة العلم أنه ألقى كلمة في أحد الجوامع، يقول: فلما فرغت قال لي: إن عندنا هاهنا في المسجد رجلاً غريبًا من إخواننا من الجنسية التركية، ويقول: إنَّ له مع القرآن شأنًا عجيبًا، وما هو؟ يقول: إنه يفتح المصحف، وإذا فتح المصحف بكى وبكى وبكى وتأثَّر كثيرًا، فنتعجَّب نحن، كيف يقع له هذا البكاء وهو غير عربي؟! أو بعبارة أخرى لا يفهم العربية، ولا يفهم المعاني، وقلت: فحاول مرة أن أجعل إمام المسجد، أو بعض جماعة المسجد أن يسألوه: هل تفهم اللغة العربية؟ فقال: لا. قالوا: كيف إذن تبكي؟ قال: صحيح، أنا لا أفهم، لكنه كلام الله -عز وجل-. انظر إلى الفرح! إنه كلام الله -عز وجل-، ثم قال لهم كلمة هي أشبه ما تكون بالصفعة، «ولكنكم أنتم عرب، فلماذا لا تبكون؟!».. أنتم تفهمون القرآن، لماذا لا تبكون؟!  وبالفعل، إنها لكلمة مؤثّرة.
 الأمر الرابع مما يُعِين على تعظيم القرآن في نفوس أبناء الأسرة بثّ احترام القرآن عمليًّا في نفوس أفراد الأسرة من جهة العلاقة من حفظه وتوقيره، حيث يوضع في مكان محترم، ومراعاة آداب التلاوة، بحيث لا يمسك الإنسان المصحف إلا على طهارة، إذا أراد أن يقرأ القرآن يكون متأدباً، لأن الطفل إذا نشأ على هذه الأمور نشأ تعظيم القرآن في قلبه. ثانيًا- من الأمور التي تُعين على تربية الأسرة بالقرآن - لاحظوا- ذكرت قبل قليل تعظيم القرآن في نفوس أبناء الأسرة - هذا جانب تعظيم القرآن ككتاب. عندنا جانب آخر وهو ذِكر الفضائل المتعلِّقة بتلاوته وتدبُّره والتدقيق في فهمه. وهذه غير تلك، الأولى تتعلَّق بعظمة القرآن ككتابٍ عظيمٍ مُنزَّلٍ من السماء، أمّا الأسلوب الآخر فهو ذِكر الفضائل التي جاءت في الحثِّ على تعلّم القرآن، كقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث عثمان المخرّج في البخاري: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» وحديث عمر في صحيح مسلم: «إنَّ الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين» إلى غير ذلك من الآثار والأحاديث في هذا الباب.
 ثالثًا- أنَّ من البرامج العملية لتربية الأسرة بالقرآن أن يوجد هناك درس أسبوعي يتعلق بمدارسة القرآن الكريم، ومن المقترحات، وكل أسرة لها ظروفها: عددها، مشاغلها، مستوى فهم أفراد الأسرة ومستوى فهم الوالدين، كل هذه عوامل مؤثرة، لكن نذكر خطوط عريضة، وكل إنسان يستطيع أن يوازن نفسه. فمن المقترح :
 - أولاً - أن يبدأ الدرس بمدراسة جزء عم، ثم نتدرَّج قليلاً حتى نصل إلى المفصَّل الذي ينتهي عند رأي جمهور أهل العلم عند سورة ق. أما لماذا المفصَّل؟ فلأنَّ سلفنا الصالح رضي الله تعالى عنهم كانوا يفعلون ذلك، يقول عمر رضي الله عنه «إن كان أحدكم متعلِّمًا فليتعلَّم من المفصَّل، فإنه أيسر».. ولأنه أيضًا أيها الفضلاء نستطيع من خلال سور المفصل أن نرسِّخ المعاني الكبرى التي تميزت بها السور المكية التي هي غالب سورة المفصل من :
- تعظيم الله عز وجل وتوقيره في القلوب.
- تعظيم اليوم الآخر في نفوس أفراد الأسرة، مما يتعلق بمقدمات يوم القيامة وأهوال يوم القيامة، ومآل الناس بعد ذلك فريق في الجنة وفريق في السعير.
- أنَّ هذا الجزء من القرآن مليءٌ جدًّا بالتربية على الأخلاق الكريمة، ولولا ضيق الوقت لأشرت إلى العديد من الأمثلة.
 الكتاب الذي أقترحه للأسرة التي تبتدئ لأول مرَّة هو كتاب الشيخ أبي بكر الجزائري وفّقه الله «أيسر التفاسير»، أمَّا لماذا هذا الكتاب من أجل الأسرة التي تبتدئ بهذا البرنامج؟ فلأنَّ كتاب الشيخ وفَّقه الله مؤلَّف على ما يُسمَّى بـ«الطريقة الدراسية» أو العلمية، فالشيخ يأخذ النصَّ من الآيات، ثم يُبيِّن الغريب، ثم يُبيِّن المعنى الإجمالي، ثم يأخذ ما يُسمَّى بـ«هداية الآيات» أو «الدروس المستفادة من الآيات». بإمكان الأب أن يقرأ هذا، ثم يلقيه، -إن أمكن- من صدره فهو أحسن وأفضل وإلاَّ من الكتاب، ومن الممكن مع الوقت أن يبدأ فيقول للأبناء: هاتوا ما عندكم من فوائد، هاتوا شيئًا من هداية الآيات، علامَ تدلُّ هذه الآية؟ ومثال الاستئناف ما ذكره الشيخ وفَّقه الله. فإن كانت الأسرة متقدِّمة بحيث إن الأب يستطيع أن يُعبِّر، يستطيع أن يلخِّص، فدونه تفسيرات مثل: تفسير الشيخ عبد الرحمن بن السعدي، مع مختصر تفسير الحافظ ابن كثير. وسأذكر - إن شاء الله - من خلال الحديث الآتي بعض التطبيقات العملية لهذه الطريقة.
 رابعًا- أيها الإخوة: مما تُربَّى به الأسرة وهذا مدخل عظيم فتح الله به، وخصوصًا لمن جربوه وهو: الانطلاق من القصص القرآني لترسيخ معاني الإيمان في نفوس أفراد الأسرة. إنَّ من المحزن أيها الإخوة أنك ترى بعض الناس اليوم يرى أن القصَّة لا تكتسب تأثيرها ولا قوتها ولا جمالها إلا إذا كانت غريبة بالنسبة لهؤلاء الناس. وهذا في الواقع نقصٌّ بيِّن. إنَّ الموفَّق من عباد الله -عز وجل- هو من ينطلق من قصص القرآن والسنة، لتربية النفوس، حيث كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يربِّي أصحابه بهذا، وكم نفع الله عزَّ وجل بهذا؟!
 إننا أيها الإخوة حينما نحثُّ على الانطلاق من القصص القرآني لا نُغفل غيرها، لكن من القبيح بالمؤمن أن تغلب قصص غير القرآن والسنة على حديثه، بحيث يُكثِر منها ويسعى إلى إبراز الغرائب من القصص التي ربما يكون فيها شيء من غرائب الأقوال والأفعال التي نحتاج إلى التثبت من أسانيدها، يصلح أن يكون هذا هو غالب الحديث. نعم لا بأس من استعمال القصص والأخبار، لكن لا تكون هي الأصل، بل الأصل والمنطلَق هو من هذه القصص، لماذا؟ إنَّ القصص القرآني أيها الإخوة يتصف بثلاث مزايا لا توجد في غيره:
 الميزة الأولى: هي جلالة مصدر هذه القصص، لأنَّ الله تعالى هو الذي قصَّها علينا، قال الله عز وجل: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}. ويقول الله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} في قصة أهل الكهف، هذا السبب الأول، أو الميزة الأولى.
 الميزة الثانية: صدق هذه القصص صدقًا لا يتطرَّق إليه أدنى شك، قال الله عزَّ وجل: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} صدقا في الأخبار، وعدلاً في الأحكام. ولَمَّا قصَّ الله تعالى قصة يوسف قال الله تعالى فيها: {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} إلخ الآية.
 الميزة الثالثة - أيها الإخوة - عظيم أثرها في نفوس أهل الإيمان، يقول الله تعالى:
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} لمن؟ {عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} إذا هذه من مواطن العِبَر العظيمة، {وَكُلاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}.
 إذا أيها الإخوة ننطلق من القصص القرآني في تربية الأسرة، ودعوني أضرب مثلين -لأنَّ الوقت أراه يضيق وإلاَّ كنتُ وضعت أكثر من مثال- ننطلق من مثال يخص الشباب ومثال يخص الفتيات ، دعونا ننظر إلى الأثر العظيم الذي يمكن أن يحدثه الانطلاق مثلاً من قصة أهل الكهف لأب يريد أن يغرس في نفس ابنه أثر الثبات على الحق، والبُعد عن المغريات، والإنعزال بالدين عزلة، على الأقل شعورية، لا يلزم أن تكون عزلة مكانية، فمثلاً قصة أهل الكهف تُقرأ ربما كلّ جمعة، ويعرفها كثيرٌ من الناس، لكن من هدايات هذه القصة العظيمة أنَّ الله سبحانه وتعالى حينما أثنَى على هؤلاء، أن الله -عز وجل- ذكر من جملة ما أثنى به عليهم أنهم اعتزلوا قومهم خوفًا على دينهم. فبإمكان -الأب- الذي يريد أن يوصل الرسالة لابنه الشاب الذي ربما يكون أتعبه من مراهقته ويقول: يا بني، هؤلاء اعتزلوا الفتنة، واعتزلوا شيئًا يؤثر على دينهم، وأثنى الله عليهم فقال: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} فما رأيك بهؤلاء الشباب الذين يذهبون بأقدامهم ويمشون إلى الفتن؟! ما رأيك بهم؟! أهؤلاء يحبهم الله؟! أهؤلاء ممَّن يُثني الله عز وجل عليهم؟
 وبإمكان الأب الواعي أن يتأمل هذه الآيات ويقرأ في تفسير السعدي مثلاً، ابن كثير، الأشقر، تفسير الجزائري، ويحاول أن يصل إلى هذه المواضيع أو لمعاني التربوية وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة في مناسبة من المناسبات يستطيع أن يوصلها لابنه.
 أنظر يا بني كيف أن الله تعالى لما ترك هؤلاء قومهم الكفار الذين يريدون أن يصدوهم عن دينهم، كيف لما تركوا هذا الفضاء الواسع وأووا إلى هذا الكهف الصغير نشر الله -عز وجل- عليهم رحمته ، إذا أنت يا بُنيّ حينما تأوي إلى ربك فإن الله تعالى يؤويك إلى رحمته. هذا نموذج أتيتُ عليه باختصار.
 نموذج آخر للفتيات: كم تُغرم من الفتيات اليوم بروايات أحيانا ساقطة، وربما يجد الأب أو تجد الأم صعوبة بالغة في تركها، وهذا لاشك أنه نوع من الفتنة، نحتاج إلى أن نعالج هذا الافتتان بهذه الروايات وهذه القصص الساقطة أو الماجنة أحيانًا أو حتى الروايات التافهة والقصص التي لا قيمة من ورائها أن نربطها بقصص القرآن. ومن ذلك قصة الفتاتين مع صاحب مَديَن، ما الذي يمكن أن نأخذه منها؟ نقول مثلاً إنَّ الله سبحانه وتعالى أثنى على إحدى المرأتين بقوله: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي.....} إلخ.. انظري يا بنيَّة، هذه المرأة أثنى الله -عز وجل- عليها، ووصفها بهذا الوصف، وليس هذا الوصف هو مجرد وصف، بل هو وصف يترتَّب عليه الثناء، فالمرأة العاقلة الرزينة المسلمة المؤمنة هذه هي مشيتها، مشية على استحياء، ليست مشية مسترجلة أو مشية تلفت الأنظار إليها. ثم انظري يا بنية كيف أبدت هاتان المرأتان عذرهما لموسى، لما سألهما موسى فقال: {مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}. يا لها من معاني لو التزمنا بها في تربية الأبناء! {لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ}، فليس من شأن المرأة أن تزاحم الرجال، حتى ولو كان في مصدر الحياة؟! حتى ولو كان في مصدر الحياة، فالماء مصدر أساسي للحياة ومع ذلك لم ترضَ هاتان المرأتان أن تزاحما ولا تقتربا من البئر أبدًا، لا نزاحم الرجال، حتى ولو كان ذلك على مصدر رزق، الله يرزقنا. ثم اعتذرتا بأن سبب خروجهما ليس مجرَّد تسكع ، وليس مجرد نزهة كما تفعل بعض نساء اليوم، هيا نروح للسوق، ماذا لديك يا فلانه؟ سأذهب يمكن أن قد نزل شيء جديد، لا، الأصل هو القرار: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} فاعتذرن بأن سبب خروجهن: {وَأَبُونَا} ماذا؟ {شَيْخٌ كَبِيرٌ}، ولاحظ هذا كما أنه اعتذار هو أيضا منقبة لهن حيث خدمنه لأنه شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع أن يخرج، إلى غير ذلك من المعاني التي يمكن أن ينظر فيها الوالدان في غرس هذه المعاني العظيمة من الأخلاق.
 وكما قلت لكم أيها الإخوة، إنَّ جلالة المصدر وقدسيته في نفوس أهل الإسلام والإيمان تختصر علينا مسافات كثيرة جدًا في وقع أثر هذه القصص على قلوب المؤمنين. هذه القصص أيها الفضلاء يمكن أن تُفعَّل أثناء الدرس الأسبوعي كما ذكرت قبل قليل، ويمكن للأب أن يشغل وقت الفراغ أثناء الذهاب والإياب. وأنتم هنا يا أهل الرياض أعانكم الله، ربما يذهب الواحد منكم في مشوار من بيته إلى بيت صاحبه، أو إلى عمل في مشوار لا يستغرق دقائق فيقضي الساعات في المرور، ويذهب الوقت سدى، بينما الأولاد يطالعون هنا أو هنا من شرفات العربة، فما أجمل أن يملأ الأب أو تملأ الأم فؤادها وعقلها بشيء من هذه القصص لتقضي به فترة الطريق، فنحن نستفيد من هذا الوقت في بناء معانٍ إيمانيةٍ جيدةٍ، بدلاً من ضياع أوقاتنا هنا وهناك، وعدم الاستفادة منها.
 خامسًا: من البرامج العملية التي تُربَّى بها الأسرة التحفيز عن طريق ذِكر أحوال السلف مع القرآن الكريم، بذكر أحوالهم وأخبارهم تلاوة وحفظًا وتدبُّرًا وبكاءً، وأخبار المتأثرين والمهتدين بالقرآن. وهنا أذكر ثلاثة كتب تساعد في هذا الباب:
 أولها- كتاب «بيوع القُرّاء» لمحمد الرمزي.
 والكتاب الثاني هو كتاب «الرقَّة والبكاء» للإمام ابن أبي الدنيا، المحدِّث المشهور.
 وثمَّة كتاب ثالث فيه نماذج من هذا لأخينا الدكتور بدر البدر بعنوان «منهج السلف في العناية بالقرآن الكريم».
 الفقرة الأولى التي ذكرتها وهي تعظيم القرآن في نفوس أبنائنا يخدمها كتاب -من أحسن ما قرأت ورأيت في هذا الباب- واسم هذا الكتاب «عظمة القرآن» للشيخ محمود الدوسري، وهو رسالة ماچستير وبحث متقن فيما أرى، ومن أحسن ما رأيته يتحدث عن هذه المسألة، عظمة القرآن للشيخ محمود الدوسري، وهو مطبوع.
 سادسًا- من البرامج التي تربط بها الأسرة بالقرآن الكريم ربطهم بالقرآن من خلال أسئلة خاصة تدور في فلك القرآن، إمَّا أحكام أو قصص أو آداب. وأنا أُفضل إن لم يكن الإنسان عنده قدر من العلم، ألاَّ يتدخَّل في الأحكام، حتى لا يقع في القول على الله بغير علم، لكن عندنا أمور كثر، عندنا قصص، عندنا عادات، عندنا آداب أو توجيهات مثال ذلك: لنفترض أن الأبناء الذين لدينا مثلاً في البيت كلّهم أو جلّهم يحفظ جزء «عم»، فيمكن مثلاً أن نطرح عليهم أسئلة منوَّعة تربطهم بمعاني السور عن طريق ألغاز وأسئلة، فهذه الطريقة كما هو معلوم مُحبَّبة لمثلهم. فمن الأمثلة مثلاً يطرح الوالد على الأبناء سؤالاً هو: أي سورة من السور سُمِّيت باسم آنية من أواني المنزل؟ ما هو الجواب؟ «الماعون»..  
 سورة خُتمت باسم نبيَّين؟ «الأعلى». سورة بُدِئت بثمرتين؟ «التين»
 سورة مثلاً ذُكر فيها اسم حيوان من الحيوانات أو سُميت باسمه؟  «الفيل» ، من الممكن أن أنطلق من هذا لأقصُّ عليهم قصَّة الفيل.
 سورة خُتمت بسجدة في جزء عمّ؟ سورة «العلق».. ولماذا خُتمت بهذه السجدة؟ فأنطلق إلى قصَّة أبي جهل ... إلخ . وأنطلق بهذه الطريقة لغرس معاني وفي نفس الوقت أسئلة يمكن للناس أن ينطلقوا منها في إفادة غيرهم.
 خذ نموذج آخر : من الممكن أن أنطلق أنا إلى غرس معنى إيماني، فأقول: يا أبنائي هناك سورة في جزء «عمَّ» ذُكر فيها أنَّ الإنسان محاسَب على كلِّ صغيرة من أعماله، وسيُثاب على كل البسيط من أعماله، فما هي السورة؟ أحسنت، «الزلزلة».. أنطلق من هذا السؤال إلى معنى إيماني، ومن دقيق تجويد الإمام مسلم رحمه الله، أنه ذكر حديث المرأة البغيّ التي سقت كلبًا فغفر الله لها وأدخلها الجنة، وذكر قريبًا منه جدًا حديث المرأة التي حبست الهرَّة فدخلت النار، مع أنَّ الأصل أو الظاهر أنها مسلمة. فانظر، يمكن أن تنطلق من تفسير هذه الآية {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}، هذه المرأة على الرغم من أنها ليست صائمة ولا قائمة ولا عابدة ولا مزكية ولا ولا، إنما هي بغيّ ولكنها عملت عملاً صالحًا، قام في قلبها إخلاص الله عزَّ وجل، فنفعها الله بهذا العمل فأدخلها الجنة. وامرأة ربما يكون عندها أعمال لكنها ظلمت حيواناً، وأنا أنطلق من هذا الظلم الذي حتى لو كان على الحيوانات لا يجوز، فما ظنكم بالإنسان المسلم؟!
 أيضًا من الأسئلة التي يمكن أن تُثار أو المعاني أنه من الممكن أن أرفع عند أبنائي قيمة الوقت، فأقول: اذكروا لي سورة من سور جزء «عم» سُميت باسم وقت من أوقات اليوم. «العصر»، أيضًا، «الضحى»، «الفجر»، «الليل». يا أبنائي ماذا يعني أنَّ تسمية الله عز وجل هذه السور بهذه الأوقات؟ هو دلالة على أنَّ الوقت شريف وعزيز... إلخ . تستطيع أن تنطلق من معاني يمكن أن تدخل إليها بسهولة من خلال هذه المنطلقات اليسيرة والسهلة.
 أيضًا يا أخي الكريم من المسائل التي تتعلق بربط الأبناء بالأسئلة: حدد خُلقًا من الأخلاق واطلب منهم من خلال جزء «عمَّ» أن يذكر الآيات التي تتعلق به. مثلاً «الكذب» خُلق ذميم بلا شك، تدلهم إلى أكثر من آية تذم هذا الخلق، مثل ماذا؟
 في سورة «الليل» قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} ماذا؟ {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}.
 في سورة الماعون، {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ}. واقلب الخلق، أعطيه خلق الصدق، وأعطيه أكثر من آية وهكذا.
 أنت تحدِّد الخلق بحيث يكون هناك نماذج من الآيات خارج جزء «عم» أستطيع أن أغرس معاني، يعني قصة لقمان مثلاً -والله يا إخوان- أقول من تجربة بعض الأفاضل استطاع أن يوصل معاني عظيمة في تربية الأبناء من خلال قصة لقمان، خذ آية واحدة فقط يا أخي: {يا بُنيّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}.
 يقول لي أحد الإخوة: قلت لابني مرَّة الذي ناهز الاحتلام، قلت له: يا بني، لو وضعت أنا في الغرفة الآن مفتاحًا صغيرًا في مكان أخفيه فيه كم نسبة الجهد الذي تستطيع أن تبلغه حتى تحضر لي هذا المفتاح؟ قال لي: والله يعني أحتاج بعض الوقت، سأخفيه لكن سأجعل مساحة البحث هي البيت كله. قال: لا، هذا صعب، ويأخذ جهدًا ووقتًا. قلت: يا بني، لو كانت هناك حبَّة من خردل صغيرة جدًا، وذُرت في هذا الكون العظيم الفسيح، إنها تحت ملك الله عز وجل، وتحت قدرته، إذا أراد الله عز وجل أتى بها. إنَّ رباً هذه عظمته يا بني لا يليق أن يُغفل!.
 والله يا إخوة إن الانطلاق في تربية الأبناء من هذه المعاني يختصر علينا أشياء كثيرة من المواعظ الطويلة العريضة التي ربما أحيانًا قد لا يُحسنها الإنسان، فإن أحسنها فسيحتاج إلى مقدمات. انطلق من هذه الآية، لن يقول لك أيضًا: يا أبت، والله ما أدري هذه القصة صحيحة، أو كذا، لا، فهذه آية من كتاب الله عز وجل، على الأقل سيتذكر هذا المعنى كلما مرَّت عليه، على الأقل تكون هذه الآيات التي تربيهم بها هي سبب هدايته وانطلاقته في ميدان الخير، إن في حياته أو بعد مماته.
/ أيضًا من البرامج أو الأفكار التي يمكن أن تُربَّى بها الأسرة : هي وضع لوحة في البيت تخدم هذا الغرض، ويمكن مثلاً اختيار عنوان مُشجِّع لهذه اللوحة، مثل أن تضع على سبيل المثال من ضمن المقترحات: «روضة القرآن»، «أفانين القرآن»، «روضة من رياض الجنة»... إلخ. وهذه اللوحة يمكن أن نجعلها نحن منطلقًا لتحقيق بعض الأفكار الماضية أيضًا، مثلاً: أن يوضع في اللوحة قرآناً يكون مناسبًا لجميع أو أغلب أفراد الأسرة.
 أيضًا من الأفكار أن يوضع في هذه اللوحة قصة من قصص القرآن، مع أهم الدروس المستفادة منها.
/ يمكن أيضًا أن تُطرح القصة ويقال: أحسن واحد من أفراد الأسرة يأتي بفوائد منها له جائزة أو هو فارس الحلقة القادمة، أو يوضع مكان للمتميزين من المتعاونين في أفراد الأسرة.
 كذلك أيضًا يوضع في اللوحة توقيت لبعض البرامج التي تعتني بالقرآن الكريم، إما في إذاعة القرآن، أو في قناة المجد، أو في غيرها من الوسائل الإعلامية المعروفة بانضباطها ومحافظتها.
/ أيضًا من الأفكار أن تكون اللوحة مشتملة على ورقة أو زاوية بعنوان: «عَلَم من القرآن»، القرآن أيها الأفاضل مملوء بالأعلام، والمقصود بالأعلام أسماء أناس، مثلاً عندنا «جبريل» عندنا «مالك»، عندنا «محمد» -صلى الله عليه وسلم-، عندنا الأنبياء كلهم، عندنا مكة، عندنا المدينة، عندنا زيد، من «زيد» هذا الذي ذُكِر في سورة الأحزاب؟ عندنا الشيطان، ما هذا الشيطان الذي ذكره الله في القرآن؟ عندنا جبال سُميت في القرآن، الجودي، ما الجودي؟! عندنا كذا وعندنا كذا، عندنا امرأة فرعون، عندنا مريم، وهكذا، انطلق في كل مرة لتتحدَّث عن هذا العلم، وبإمكانك أن تستفيد من كُتب التفسير، تستفيد من بعض مواقع الإنترنت التي تعتني بهذا، تسأل بعض المختصِّين، وهكذا. أهم شيء أن يكون عندك همّ، إذا وُجد الهمّ استطعت أن تعمل، أما إن لم يوجد فأعانك الله على نفسك.
/ أيضًا من الأفكار التي تُوضع في هذه اللوحة أن يُوضع آية وتفسير، وأكثر ما يؤخذ كما قلت بالمفصل، من الناس إلى نهاية المفصل، بحيث نختار بعض الآيات، أثناء الإشارة إلى شيءٍ من هداياتها.
/ أيضًا من الأفكار التي يمكن أن تكون ضمن اللوحة، ويمكن أن تكون مستقلة، وهي ربط الأسرة بالقرآن من خلال مسابقات تتعلَّق بغريب القرآن، ويحسن البداءة هنا كما قلت مرارًا بجزء «عم» ثم يُنطلق لِما بعده. ويمكن أن يُفعَّل هذا البرنامج أو هذه المسابقة عن طريق اللوحة السابقة، فمثلاً يوضع في زاوية اللوحة السابقة ركن لغريب القرآن فيه بعض الكلمات الغريبة الموجودة في جزء «عم» وهي كثيرة جدًا، فمثلاً في كل يوم يوضع ثلاث كلمات غريبة. فمثلاً في اليوم الأول نبتدئ من سورة «الناس» ومن الممكن أن تكون أغرب كلمة فيها {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}، «يُوَسْوِسُ» ما معناها؟ وما معنى «الخناس»؟ وما معنى «الْجِنَّةِ»؟ حسنًا.
 من الغد ننطلق إلى سورة «الفلق» نجد فيها «الفلق»، ونجد فيها «الغاسق»، ونجد «إذا وقب» و«النفاثات» ما معنى هذه الكلمات؟
 بعده  سورة «الإخلاص» ما معنى الصمد؟
 نأخذ من سورة «المسد» كلمتين: «جيدها» و«المسد».
 أنا متأكد أنه إذا وجد هذا كل يوم كلمة أو كلمتين أو على حسب مستوى الأسرة، أو على حسب التفاعل، لا تمر فترة إلا وقد وجدت ثروة ممتازة من الكلمات الغريبة التي فهموا معناها، وتُعينهم بالتالي على فهم كلام الله عز وجل ومن ثمَّ تدبُّره.
 تاسعًا- من الوسائل التي تُعين على ربط الأسرة بالقرآن أن تُنتقى عبارات وهي بالتعبير المعاصر «توقيعات» لبعض السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم تتحدَّث عن القرآن، أو قريب من هذا، بحيث تُخرج بتصميم جيد، ويحسن هنا أن يكون إخراج هذه اللوحات بشكل جذاب وجميل وتقنية الفوتوشوب تعين في هذا، وهناك مواقع في الإنترنت أو في الأخبار بها بعض التوقعات، ويمكن أن تُكتب على ورقة عادية وتوضع هنا وهناك، بحيث أنَّ الابن مثلاً يرى هذه الكلمة، ثم يرى هذه العبارة، وذاك التوقيع، ومع الوقت يكون عنده مجموعة من المقولات تبقى معه كلما سمعها تذكرها ولعلَّ إحدى هذه الكلمات تكون سببًا في انطلاقته.
 ثانيا: يستحسن أن تغيَّر هذه اللوحات في مدة زمنية معروفة، إما في الأسبوع مرة، أو في الأسبوعين مرة، أو في الشهر مرة على حسب القدرة والنشاط.
 عاشرًا- من البرامج التحفيز المادي والمعنوي لمن يعتني بالقرآن من أفراد الأسرة، أما المادي فهو يختلف من أسرة إلى أسرة غنًى وفقرًا، وسعةً وضيقًا، لكن الذي أوصي به ألاَّ يُبالغ في هذا التحفيز المادي، وأن يكون مدروسًا، لأن الابن إذا بولغ في دعمه مادياً مع الوقت قد تتطلَّع نفسه إلى أموال كثيرة قد لا تطيقها أنت، ثم تنقطع فينقطع مشروعك. لا، ولا ينبغي أن يكون التحفيز المادي يركز في أموال نقدية، لا، قد يكون التحفيز المادي أحياناً بهدية يستفيد منها في حياته، قد يكون التحفيز المادي مثلاً بكتاب فيه تفسير لبعض آيات القرآن الكريم، قد يكون التحفيز المادي بمثلاً رحلة معينة، هكذا.
 الجانب الثاني هو التحفيز المعنوي، وهذا له أساليب، فمثلاً يمكن أن يوضع اسم الابن المتميز خلال هذا الأسبوع في العناية بالقرآن، وهذا من خلال نقاط وطريقة معينة يكون فيها نصاب وعدل بين الأبناء؛ لكي لا تكون هذه المسابقات سببًا في إيجاد الفرقة، فيقال مثلاً الذي يحفظ مثلا السورة الفلانية له عدة نقاط، الذي يتجاوز مسابقة الغد له عدة نقاط، الذي يفعل كذا، توضع نقاط بحيث يكون هناك إنصاف ويعرف الابن لماذا فُضل هذا على ذاك. وكذلك أيضًا من التحفيز المعنوي أنه مثلاً في نهاية كل فصل دراسي أو في نهاية الإجازة الصيفية في استراحة مثلاً أو داخل البيت يقيمون وليمة يُحتفَى فيها بالمتميزين من أبناء الأسرة في هذه البرامج والمسابقات.
 حادي عشر- حبِّب الجنة لأولادك من خلال القرآن، وبغِّض النار لهم من خلال القرآن، كيف ذلك؟ أمَّا فيما يتعلق بالجنة فعن طريقين رئيسين:
 الأمر الأول: بالحديث عن النعيم الذي ذكره الله -عز وجل- في الحديث عن أهل الجنة، -رزقنا الله وإياكم ذلك النعيم- حدّثهم عن الجنة أخي الكريم
 حدّثهم عن النعيم الذي ينتظر من أطاع الله -عز وجل-
 حدّثهم عن النعيم الذي ينتظر من أقام هذا القرآن وعمل به، وحدثهم عن النعيم الذي ينتظر من استقام على السنة ودعا إلى الله عز وجل.
 حدثهم عن رؤية الله عز وجل
حدثهم عن صحبة محمد -صلى الله عليه وسلم-
حدثهم عن الأنهار التي تجري
 حدثهم عن الغلمان الذين يخدمونهم
 حدثهم عن الذهب واللؤلؤ
 حدثهم عن الفضة
 حدثهم عن الأكواب والقوارير
 حدِّثهم وحدثهم عن أشياء ربما تبقى أسابيع، بل مُدَد طويلة وأنت لا تستطيع أن تنتهي من هذا. حدّثهم بطريقة مشوّقة، وضِّح لهم هذا النعيم، ثم قل لأبنائك: ألا تحبون أن نجتمع في ذلك النعيم، وتحت تلك الظلال والأنهار تجري من تحتنا، ونحن وإياكم على سُرر متقابلين؟ طبعاً سيقولون «بلى» فقل لهم: إنَّ سبب أعظم فوز بذلك هو أن نقوم بهذا القرآن. ثم في المقابل بين فينة وأخرى قم بطريقة القرآن، مرة بالترغيب ومرة بالترهيب.
 حدّثهم عن عذاب النار
 حدثهم عن السلاسل والأغلال
 حدِّثهم عن الذل واليأس
 حدثهم عن الظل الذي لا يغني من اللهب
حدثهم عن السموم والحميم
 حدثهم عن أنواع الشقاء والعذاب
 حدثهم عن معنى قوله تبارك وتعالى: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وحدّثهم عن معنى خسارة النفس
 وحدّثهم أن من كفر بالله -عز وجل-أو أعرض عنه كيف أن هذه هي الخسارة العظمى، ليس الخسارة أن يخسر الإنسان في سوق الأسهم ولا أن يخسر الإنسان أموالاً، أو أن يكون فقيرًا في الدنيا، بل إن الخسارة الحقيقية هي خسارة النفس والأهل يوم القيامة حينما يقال للناس: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}. إنها فعلاً خسارة عظيمة، وحسرةٌ كبيرةٌ لا يعدلها حسرةٌ، ولا يمكن أن تبلغها خسارة مهما كانت تلك الخسائر.
 ثاني عشر - من الأفكار التي يُمكن أن تُربَط بها الأسرة بالقرآن الكريم هو تفعيل الجوال  داخل الأسرة، وهذا له صورتان:
/ أما أن يكون هناك جوال داخل الأسرة بين الأفراد المعدودين، أحبتي، كم نصرف على فواتير الجوّال! كثير، أليس كذلك؟! أخي الكريم.. استخرج لك بطاقة سوا، يعني احتسب لله عز وجل بطاقة بخمسين أو بمائة ريالاً أو جنيهًا شهريًا مثلاً، واجعل هذه القائمة زوجتك، أبناؤك الذين لديهم جوالات ، وإن شئت أن توسع الدائرة فباسم إخوانك وأخواتك ووالديك إن كان أحد منهم موجودًا ويستعمل هذه التقنية، وكن أنت منطلق هذه الفكرة. أرسل لهم بين الفينة والأخرى كلمة لبعض المفسرين، كلمة لبعض السلف، كلمة لبعض الفقهاء، كلمة من هنا وهناك أرسل لهم يا أخي شيئا من غريب القرآن، معنى الصمد، قال ابن كثير، وقال ابن عباس، قال قتادة، قال فلان، قال فلان.
 أرسل لهم معنًى تربويًا، في تفسير السعدي عدَّة آيات يمكن أن تتوقَّف عندها وتذكر منها عبرًا ودروسًا، انتقِ من هذه الدروس وعلِّق عليها، أو انقل تعليق الشيخ عليها، واذكر الآية ثم اذكر التعليق، وقل من فوائد هذه الآية كذا.
ومع الوقت أنا متأكد أنه سيتكون لدى أفراد الأسرة اقتراب من القرآن، وثروة جيدة جدًا من المعاني والإيمانيات والتربويات تبقى لك ذخرًا وتبقى لهم زادًا.
 الفكرة الأخرى أن تجتمع كلُّ أسرة من الأسر، ولتكن مثلا أسرة «آل فلان»، وعددها مائتان، ثلاثمائة، أربعمائة، ويستأجرون موقعًا من المواقع، وما أكثرها الآن، وأُجرتها قليلة جدًا، فإن كان أحد أفراد الأسرة موسرًا، فهذا حسن بحيث يُقال له عندنا رسائل لا تُكلف إلا خمسة عشر هللة أو أقل من ذلك نريد أن نُفعّل هذه الرسائل داخل الأسرة ، تقوم مثلاً بالتهنئة بالأعياد، التهنئة بالمناسبات الداخلية، ونجعلها أيضًا فرصة لبثٍّ معاني القرآن من خلال هذه الرسائل. نرسل لهم بين الفينة والأخرى كما ذكرت قبل قليل فائدة، عن معنى من معاني القرآن المؤثرة، غريب من غريب القرآن، ومع هذا الوقت سيكون هناك أثر إيجابي لا تتصورونه.
 ثالث عشر- وهذا ما قبل الأخير - هناك أمور مساعدة تُعين على تحقيق ما سبق، أعنى ربط الأسرة بالقرآن منها:
/ وضع جدول لمتابعة البرامج التي تقدمها الإذاعة، أو التلفاز عن طريق قناة المجد مثلاً. وأعرف أنَّ هناك أكثر من برنامج يُعنَى بهذا الجانب، ففي إذاعة القرآن هناك أكثر من برنامج لا تحضرني أسماؤها، ولكن يمكن أن يستفاد هذا من خلال البرنامج المطبوع والموجود والمتداول. في قناة المجد هناك برنامجان: البرنامج الأول «أفانين القرآن»، ويلقيه فضيلة الدكتور محمد الخضيري، والبرنامج الثاني (يتدارسونه بينهم) يُذاع ثلاثة أيام في الأسبوع يتناوب على تقديمه مجموعة من طلاب العلم.
/ الثاني من الوسائل التي تُعين على تحقيق هذه الجوانب هي الاستفادة من الشبكة العالمية في أمرين:
/ الأول- متابعة درس من دروس التفسير المبثوثة في عدَّة مواقع تنقل الدروس، ولعلَّ من أشهرها موقع البثِّ الإسلامي، تبحث عن دروس التفسير، وتبحث عن الشيخ الذي تعرف أنَّ له عناية بهذا الباب لتستفيد من هذا الدرس وتتابعه، لأنَّ ميزة هذه المواقع أنه تدخل إليها متى ما شئت، يعني إن أمكن متابعة الدرس في وقته فهذا حسن لتسأل عما أشكل عليك. إن لم تستطع فعلى الأقل تُحدِّد لك وقتًا في الأسبوع لتستمع إلى هذا الدرس أو ذاك إذا فاتك موعده. الجانب الآخر هو، وهذا ربما يكون أقرب إلى طلبة العلم، والذين لهم عناية بالدراسات القرآنية، متابعة المواقع التي تعتني بهذا الجانب، ومن أشهرها موقع «ملتقى أهل التفسير»، والذي يُشرف عليه بعض الإخوة من أهل العلم المختصين بهذا، فهذا أيضًا يزيد من ثقافة الإنسان.
 أخيرًا أيها الفضلاء، كلُّ ذلك لا يتم ولن يتمَّ إلاَّ بعون الله عزَّ وجل، ومهما اجتهد الإنسان فإنه لن يبلغ شيئًا إلاَّ بعون الله وفضله، فعلينا بالدعاء، لأنه
 إذا لم يكن عون من الله للفتى = فأول ما يجني عليه اجتهاده
 {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} ادعُ الله عز وجل، اضرعْ بين يديه وقل: يا رب، يا من أنزلت هذا النور، يا من أنزلت هذا القرآن والفرقان الذي جعلته رحمةً وشفاءً، يا رب اجعل بيتنا بيت قرآن، اللهم يا حيُّ يا قيوم كما جعلتَ بيت نبيِّك -صلى الله عليه وسلم- بيتًا يُتلى فيه القرآن، ويُقام فيه، ويُؤمَر به، اللهم اجعل بيتنا بيتًا من البيوت القرآنية.
 تدعو بما يفتح لك الله عزَّ وجلَّ، ادعُ الله سبحانه وتعالى، فإنَّ هذه وربُّك من أعظم، بل أقول هي أعظم نعمة على أب أن يجعل الله عز وجل بيته بيتًا يشعُّ منه نور القرآن، وتبلغه آيات القرآن، وينقاد أهله للقرآن، ويسير أهله خلف القرآن.
 أخيرًا أختم بذكر بعض الكتُب المقترحة التي تعين على تحقيق هذه الأشياء، منها وقد ذكرت بعضها في المحاضرة لكن لمن لم يكتب سابقًا فبإمكانه أن يكتب الآن:
/ الكتاب الأول: منهج السلف في العناية بالقرآن الكريم، للشيخ الدكتور بدر البدر.
/ الكتاب الثاني: التبيان في آداب حملة القرآن، للنووي رحمه الله.
/ الكتاب الثالث: أخلاق حَمَلة القرآن للإمام الآجُري.
/ الكتاب الرابع: كيف نبني جيلاً خُلقه القرآن، للأستاذة حنان بنت صلاح النمكي.
/ كتاب كيف تحبب القرآن الكريم إلى نفوس أبنائك، للدكتور محمد الثويني.
/ كتاب دموع القراء الذي ذكرته قبل قليل لمحمد الرملي.
/ الرقة والبكاء لابن أبي الدنيا.
 وأخيرًا وهذا الكتاب رأيته قريباً هذا الأيام، وهو ممتاز في الواقع في بابه يخدم جانب قصص القرآن، لأنه اعتنى بجمع كلِّ قصة من قصص الأبناء في موضوع واحد، وذكر هدايتها وهو كتاب «قصص القرآن الكريم» للدكتور:فضل حسن عباس.
 هذا ما تيسر إيراده وطرحه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا وبما قلنا، وأن يجعل بيوتنا بيوتًا قرآنية، ترفرف عليها راية القرآن، وينفع الله سبحانه وتعالى بها الأمَّة، إنه سميع مجيب.

----------------------------------------
مصدر التفريغ : موقع إسلاميات (بتصرف يسير)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق