الأحد، 22 مايو 2022

الوقف والابتداء في سورة البقرة (٨ -٢٠)


  بسم الله الرحمن الرحيم 

الموضع الأول: 
قول الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8))
س: هل يصح الوقف على: (وباليوم الآخر)؟
 ننظر أولا إلى الواو التي بعدها: (وما هم بمؤمنین) ما نوعها؟
الواو هنا واو حالية، والجملة هنا (وما هم بمؤمنين) في محل نصب على الحال، يعني كأنه قال: "والحال أنهم ليسوا بمؤمنين" وبناء على ذلك لا يصح الوقف قبلها.
 وإذا فكرنا في المعنى: فالله سبحانه وتعالى أراد أن يبين حقيقة حالهم لا أن يبين بأنهم يقولون ءامنا بالله وباليوم الآخر، فهذا القدر يشترك فيه المؤمنون مع المنافقين، لكن لما أراد أن يبين حال المنافقين وصل الجملة بقوله عنهم (وما هم بمؤمنين) فالأصح ولا شك الوصل ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ) إلى آخر الآية .

الموضع الثاني: 
في الآية التي بعدها ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9))
الواو في قوله: (وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ) حالية، بمعنى والحال أنهم لا يخدعون إلا أنفسهم، وبالتالي لا يصح الوقف قبلها.
أما الواو في (وَمَا يَشْعُرُونَ) فهي ليست حالية، الله سبحانه وتعالى لما أراد أن يبين أنهم يريدون مخادعة الله والذين ءامنوا بيّن أن خداعهم لا يعود إلا على أنفسهم لكنهم لا يشعرون ذلك،.
فالواو في (وما يشعرون) تحتمل أن تكون :
/ عاطفة على (وما يخدعون) أي: وما يخدعون وما يشعرون بأنهم لا يخدعون إلا أنفسهم. وبناء على هذا القول لا يصح الوقف لأنها عاطفة ولا يصح الفصل بين المعطوفات. 
/ وتحتمل أن تكون استئنافية ابتدائية. وبناء على هذا القول يصح الوقف قبلها. 
والأقرب الذي عُمل به في المصاحف عدم الوقف قبلها، واعتبار أن الواو عاطفة. والله أعلم. 

الموضع الثالث:
في قول الله تعالى : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) 
وكذلك مثلها قول الله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ (13))
هل يصح الوقف على (الناس) و (الأرض) قبل قوله (قالوا) بمعنى هل يصلح أن يقف (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض) 
وهل يصح الوقف (وإذا قيل لهم ءامنوا كما ءامن الناس)؟
الجواب: لا يصح، والسبب أن (إذا) هنا شرطية لها فعل وجواب ففعلها (قيل لهم لا تفسدوا في الأرض) جوابها (قالوا إنما نحن مصلحون) إذا قيل لك كذا فقل كذا، فما بعد قيل لك كذا يعتبرجواب الشرط، فلا يصح أن تفصل بين أداة الشرط وفعله وجوابه، وهكذا في الآيه الثانية لا يصح الفصل بين إذا وفعلها وجوابها.

الموضع الرابع: 
(وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ إِلَىٰ شَيَٰطِينِهِمۡ قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ (14) )
 السؤال هل في الآية وقف؟ 
احتمالية الوقف في هذه الآية في موضعين: (قالوا ءامنا) و (قالوا إنا معكم)
 أما الموضع الأول (قالوا ءامنا) فيقف عليه البعض من باب أن الجملة قد تمت بشرطها وفعل الشرط وجوابه (وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا) لكن لا بد من مراعاة الأمر المعنوي، وهو الذي نبهت عليه في مقدمة الوقف والابتداء أننا كما أننا نراعي الجانب اللفظي نراعي الجانب المعنوي أيضا، فالجانب المعنوي هنا أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يبين تناقضهم ونفاقهم، وذلك بأنهم إذا لقوا الذين ءامنوا أظهروا إيمانهم بينما إذا خلوا إلى رؤسائهم وكبرائهم من اليهود وغيرهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون، فلا يتحقق البيان كاملا إلا بالوصل بقول: (وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ إِلَىٰ شَيَٰطِينِهِمۡ قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ) هنا يتبين المعنى.
الموضع الثاني : (قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ) هل يصح الوقف على (إنا معكم)؟ 
الجواب: لا يصح، والسبب أن هذا تتمة قولهم، يعني (قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ) هذا كله قول المنافقين، فلا يصح الفصل. 

وهنا في هذه الآية مسألة مهمة :
 نحن قلنا الآن أنه لا يوقف على (قالوا ءامنا) ولا يوقف على (إنا معكم) بمعنى أن الآية الأصح أنه لا وقف فيها، لكن النفَس يضيق فما العمل؟ 
هنا يأتينا ما يسمى بالوقف الحسن: وهو ما يوقف عليه لربط التلاوة بما قبله لا لاستئناف التلاوة بما بعده، أُعيد، الوقف الحسن يصح الوقف عليه من حيث الوقف، أما الابتداء بما بعده فلا يصح، بل لابد من ربط ما قبله بما بعده.
 هنا ينبغي أن نراعي الوقف الحسن، أن لا نقف عشوائيا، إنما نقف وقفا يفيد معنى، ولا نقف وقفا يوهم معنى فاسدا.
 نطبق في هذه الآية (وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلوا) ما رأيكم بالوقف هذا؟ يعني يقف على (خلوا) على نية أنه يعود ويقول (وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم)؟
 الجواب: هذا ليس بحسن لأنه لا يفيد معنى، وقد يوهم معنى فاسدا.

س: إذا وقف وقال (وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلوا إلى شيطينهم)؟
 نقول هذا أقبح مما قبله، لأنه يُوهم أنهم إذا خلوا إلى شياطينهم أيضا قالوا ءامنا، كقولنا إذا لقيت فلانا فسلم عليه وإذا لم تلقه يعني فسلم عليه أيضا،(وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلوا إلى شياطينهم ) فهذا وقف قبيح إلا إذا اضطر الإنسان اضطرار بمعنى أن نفسه لم يسعفه فقف وقفا ليس بحسن ـ بمعنى لا يتم المعنى به ـ لكن لا تقف وقفا يُوهم معنى فاسدا، بمعنى لو وقف (وإذا) أو (وإذا خلوا) لا يوهم معنى فاسدا، وإن لم يفهم معنى صحيحا، فهذا أهون من أن تقف على شيء يوهم معنى فاسدا.
حسنا أين نقف؟ الوقف الحسن في هذه الآية نقول (قالوا إنا معكم) يعني يقرأ ويقول (وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ إِلَىٰ شَيَٰطِينِهِمۡ قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ) لكن ما يكمل، إنما يعود فيقول: (قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون).
أمثلة هذا في القرآن كثيرة، والماهر بالقراءة ينبغي أن يراعي هذا مراعاة جيدة، ويلاحظه بدقة أن لا يوهم معنى فاسدا بسبب مراعاة وقف حسن حتى يعود ويربط، وأن يحاول قدر الإمكان أن يراعي معنى صحيحا في الجملة وإن لم يتم كما طبقنا في هذه الآية.

 الموضع الخامس:
 قوله تعالى (أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ (16)) 
هل يصح الوقف على (بالهدى) ؟ 
الجواب: لا يصح ، لأن الفاء هنا فاء عطف وتعقيب يعني فاء نتيجة، كانت نتيجة اشترائهم الضلالة بالهدى أن تجارتهم لم تربح وأنهم لم يكونوا مهتدين، فلا يصح الوقف هنا أيضا بل يصل، والواو في (وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ) واو عطف فلا يصح الوقف قبلها، بل يصل الآية كاملة.
 لكن لو جئنا نطبق الوقف الحسن هنا في هذه الآية أين يقف؟ 
إذا وقف (فما) الوقف هنا لم يفد شيئا، إذا وقف (فما ربحت) أيضا فيه نقص، بينما الأحسن أن يقف (فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ)  ثم يعود ويقول (فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ) بمعنى أنه يقرأ (أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ) أفاد معنى كاملا، لكن لا يصح الابتداء بما بعده لأن بعده واوعطف فيعود ويقول (فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ).

 الموضع السادس:
 قوله تعالى:  (مَثَلُهُمۡ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسۡتَوۡقَدَ نَارٗا فَلَمَّآ أَضَآءَتۡ مَا حَوۡلَهُۥ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمۡ وَتَرَكَهُمۡ فِي ظُلُمَٰتٖ لَّا يُبۡصِرُونَ (17))
 في قول الله تعالى  (فَلَمَّآ أَضَآءَتۡ مَا حَوۡلَهُۥ) هل يصح الوقف أو لا يصح؟
 الجواب: لا يصح، وإن وضعت علامة الوقف هنا في بعض المصاحف (فلما أضاءت ما حوله) ما السبب؟ 
نأتي إليها من ناحية إعرابية : (لما) هنا ظرف بمعنى (حين) وهو يتضمن معنى الشرط، فحين أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم فـ (ذهب الله) جواب للشرط، ولا يصح الفصل بين الشرط وجوابه، وبالتالي لا بد أن يقول (فَلَمَّآ أَضَآءَتۡ مَا حَوۡلَهُۥ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمۡ).

دعونا نطبق الوقف الحسن في هذه الآية أيضا:
 عندنا (وتركهم) الواو واو عطف فلا يصح الوقف قبلها فلا بد أن يوصل 
(مَثَلُهُمۡ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسۡتَوۡقَدَ نَارٗا فَلَمَّآ أَضَآءَتۡ مَا حَوۡلَهُۥ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمۡ) هذا أحسن وقف هنا ، يقف على (بنورهم) ثم يرجع (ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمۡ وَتَرَكَهُمۡ فِي ظُلُمَٰتٖ لَّا يُبۡصِرُونَ )، وإذا ضاق عليه النفس يحتمل أن يقف (فَلَمَّآ أَضَآءَتۡ مَا حَوۡلَهُ) ليعود ويقول (فَلَمَّآ أَضَآءَتۡ مَا حَوۡلَهُۥ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمۡ) الخ الآية .

الموضع السابع:
(أَوۡ كَصَيِّبٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٞ وَرَعۡدٞ وَبَرۡقٞ يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ)
 س: هل يصح الوقف على (من السماء)؟
لا يصح الوقف، لأن ما بعدها بيان للصيَب أو صفة له، أن هذا الصيب المطر النازل من السماء (فيه) أي: يتضمن ظلمات ورعدا وبرقا، فلا يصح الوقف.
 س: هل يصح على (وبرق)؟ 
 أكثر المصاحف لم تضع هنا علامة للوقف، ولعل الأظهر أنه يصح، ذلك أن جملة  (يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ) جملة مستأنفة جوابا عن سؤال مقدر كأنه قال: ما حالهم مع هذه الظلمات والرعد والبرق؟ فكان الجواب (يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ)، فهذه جملة متكاملة مستقلة بنفسها في وصف حالهم، فقد يقال بصحة الوقف مع قولنا بأن الوصل أولى.
هذه خلاصة المواضع التي أحببت التنبيه عليها من حيث الوقف والابتداء في هذه الآيات، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علما وهدى وتقى، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مصدر التفريغ قناة نهج السلف في أخذ القرآن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق