الأربعاء، 27 أبريل 2016

مقاصد سورة يوسف/ د. محمد الخضيري


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد ..
هذه إطلالة على هذه السورة الكريمة سورة يوسف، وسورة يوسف من السور المئين وهي السور التي تتجاوز آياتها مائة آية وهو نوع من أنواع مقاطع القرآن، فالقرآن مُكون من السبع الطوال والمئين والمثاني والمفصّل
وقد أُعطي النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة السبع الطوال، ومكان الزبور المئين، ومكان الإنجيل المثاني، وفُضِّل بالمفصل ، وهذا المُفصّل مقسم على ثلاثة أقسام :
طوال المفصل وأوساط المفصل وقصار المفصل وهي التي تبدأ بسورة الضحى إلى سورة الناس .
سورة يوسف ليس لها اسم آخر إلا هذا الاسم وقد افتُتحت بالحروف المقطعة التي افتتحت بها تسع وعشرون سورة من سور القرآن الكريم .
هذه السورة الكريمة جاءت لتُكمل ما بدأته سورة هود وذلك أن سورة هود جاءت لتقول للنبي صلى الله عليه وسلم : أثبت واصبر فإن العاقبة لك وإن الله معك لن يضيعك كما كان مع من قبلك من الأنبياء ، هذا ما جاءت به سورة هود.
 في سورة يوسف جاءت لتقول له : أعلم أن عاقبة الصبر حميدة وجميلة ورائعة وممتعة وحسنة في الدنيا وفي الآخرة انظر إلى أخيك يوسف وإلى أخيك يعقوب ماذا حصل لهما من البلاء، بلاء يفتت الصخر ويفري الأكباد صبَرا وصابرا ورابطا وثبتا ولزِما أمر الله واتقيا الله عز وجل في صبرهما فكانت العاقبة لهما .
 انظروا ليوسف من الجب إلى سبيل الملك ، من قاع البئر إلى أن يكون المتصرف الأوحد والأكبر في مالية مصر كلها المتنفذ العجيب علماً بأنه ليس على دينهم ومع ذلك ملَّكه الله عز وجل وأتاه هذا التمكين الغريب بطريقة عجيبة لا يستطيع أحد يتصور كيف وصل إليها يوسف يعني لو أراد البشر أن يخططوا خطة أو يضعوا خطة لكي يصل يوسف بهذه الطريقة إلى ما وصل إليه ما استطاعوا ، فأنت يا محمد اثبت على دينك واصبر على أمر الله واتقِ الله في دعوتك وسيكون لك مثل ما كان لأخيك يوسف من قبل سيجعل الله لك من عاقبة الصبر شيئاً عجيباً .
ولذلك يصرح بهذه الفائدة في قول الله عز وجل : { قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } وتؤكد السورة على أنك وأنت تصبر يجب أن تستحضر تقوى الله والإحسان إلى عباد الله ولا يجوز لك أبداً وأنت في ضغط الألم وشدة المصاب وإحاطة البلاء بك لا يجوز لك أبداً أن تدع التقوى والإحسان في عبادة الله وإلى عباد الله لأن من يتتبع انظروا مثلاً إلى يعقوب عليه الصلاة والسلام يأتي أبناؤه ويكيدون لأخيهم يوسف فيؤذون بذلك أباهم أشد الأذى ويقطعون رحِمهم ويمكرون بهذا الطفل الصغير ثم يضعونه في هذا المكان العجيب - في قاع الجب - ثم يبيعونه فيصير بعد الحرية عبداً وبعد أن كان في بلدٍ فيه أبوه وإخوانه في مكان بعيد نائي، تنقطع أخباره ويذهب كل ذلك ، هل سمعتم أن يعقوب مزق ثيابه ؟ أوذهب إلى المصحات النفسية ؟ وإلا أمسك الأبناء واحد واحد وشتمهم ولعنهم وقال اهجروني واتركوني وابعدوا عني فأنا بريء منكم وأنتم بريؤون مني لا أُساكنكم في دار ولا أجلس معكم في أرض ؟
علم أن الذي حملهم على ذلك هو الحسد وما للحسد من دواء إلا الصبر ولذلك قال : 
{ وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }
ماهو الصبر الجميل ؟
الصبر الذي لا شكوى معه ، لا يشتكي يا أخواني تصوروا أب محروق على ابن من أحب أبنائه إليه، أجمل خلق الله على الإطلاق أُوتيَ شطر الحُسن، مثل هذا يُعتبَر من أعظم متاع الدنيا ، ويؤخذ هذا الابن على غرة وبحيلة ومِن مَن ؟ من أقرب الناس إليه أبناؤه الذين كان ينبغي أن يبروه ويصِلوه ويحسنوا إليه ومع ذلك ماذا يقول ؟ { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ } .
/ ثم ينتقل يوسف عليه الصلاة والسلام إلى العبودية ويُباع ويُشترَى ويذهب إلى بلد غير بلده وأرض غير أرضه ولغة غير لغته ودين غير دينه ويبقى عبداً ويأتيه بلاء على جانب آخر من جانب الشهوة، شاب وسيم جميل في غاية الحُسن والرقة والجمال وعند امرأة لا دين لها وثنية، فبدأت تُطالع في هذا الشاب ليل ونهار وتمكر مكرها وتحبل حبائلها من أجل أن توقعه في فتنتها ويصبر ويثبُت ويتقي الله، ما قال أنا غريب أنا عبد لا ملامة علي، أنا مسكين مضطهد، أنا يُباح لي ما لا يباح لغيري مثل ما يقول عندنا العامة - ما علي شرهة - وتنتهي فصول القصة في أنه يَسلم من كيدها في الوقوع في حبائلها لكنه لا يسلم من شرها فتُودي به إلى السجن ويقول هو بكل صبر وثبات { رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ } ويدخل السجن ويوم يدخل السجن ما قال : أنا مظلوم خلاص ابعدوا عني خلاص أنا لا أكلم أحد، هذه أرض لعنة وأرض بؤس وبلاء، أنا هنا معذور في أي تصرف أتصرفه وأي فعل أفعله لا .. يدخل السجن ويُحسن إلى الخلق، يُبشر هذا ويُواسي هذا ويخدِم هذا حتى اطمأن عليه فتيان فجاء إليه ماذا قال له ؟ { قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ } ماذا ؟ { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } ما ترك الإحسان وهو في السجن، محسنين في ماذا ؟ نراك من المحسنين في عبادة الله ومن المحسنين إلى خلق الله قيل أنه كان يُطعم السجناء ويُواسيهم ويبشرهم ويُسليهم، -سبحان الله- رأيتم كيف يا أخواني ما قال أنا مسكين مظلوم أنا مضطهد خلاص ما عندي استعداد، مالي نفس، مالي خِلق إني أتكلم مع أحد ويبدأ طول الوقت يشتم ويسب، لا .. بدأ حياة جديدة وكأنه ما خُلِق إلا للسجن وما يترك مُهمته العظمى وهي الدعوة إلى الله عز وجل، لما سأله الفتيان عن رأياهما ماذا قال ؟ { قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۚ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } ولم يُأوِّل الرؤيا من أجل أن يثبت عنده ويستمع إلى كلامه { وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ } انظر كيف جاء بالدعوة بطريقة لطيفة جداً وجميلة ومُحببة للنفوس وينتهي المطاف إلى أن يخبرهما بتأويل الرؤيا، ولا أحد يدري كيف كانت هذه الرؤيا سبباً في الإفراج عن يوسف لأن الذي يدبِّر الأمور من هو ؟ الله.
 يرى الملك رؤيا في المنام فيسأل الناس عنها رؤيا غريبة { وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } فقالوا كلهم جميعاً : { أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ } قال الناجي من الغلامين قال : { وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ } في واحد في السجن يُأوِّل تأويلاً عجيباً وهو الذي أوَّل لي رؤياي حتى وصلت أن أكون خادماً للملك، وجاء إلى يوسف فيوسف عليه الصلاة والسلام أوَّلها تأويلاً عجيباً غريباً أَوَّلها لأمة بقيت في تأويله خمسة عشرة عاماً وهي تستمع أو ترى أثر التأويل المُبهر، ثم الملك من شدة انبهاره بهذا التأويل { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ } أنا داخل السجن بتهمة لا أطلع قبل أن تُبرأ ساحتي لأني لو طلعت قالوا طلع بعفو، هذا كان مجرم سابق دخل السجن ثم عفا عنه الملك، لا لا لا ، أنا لا أخرج حتى تثبت براءتي أو أبقى في سجني ، وعند ذلك رجع الملك إلى أولئك النسوة وحصل الحديث معهم وثبتت على الملأ براءة يوسف عليه الصلاة والسلام ، وماذا قال الله عز وجل ؟
{ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } .
/ جاء الفصل الذي يليه وهو مجيء أخوة يوسف انظر كيف تدار وتُحبك القصة لكي نصل إلى هذه القصة العجيبة { وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ } ينظرون لكن لا يعرفون ولا يتوقعون أصلاً ولا يدور في خلدهم أن يلقوا يوسف الذي رموه يوم من الأيام في بئر لا يدرون ماذا حصل له بعدها، أكيد أنه مات ، يُقال أن بين فراق يعقوب ويوسف ولقائهما أربعين عاماً، يقال أنها أربعين بعض المفسرين يقولون ثمانين عاماً فماذا يُتوقع بعد ذلك.
 المهم استمرت فصول القصة عندما التقى بأخوته وحصل ما حصل حصلت له أيضاً تهمة مِن مَن ؟ من أخوته { قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ } ماذا فعل يوسف ؟ صبَر { فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ } وهو ملِك { وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ } يعني الصبر الذي كان عند يوسف لم يكن صبر إنسان مضطر للصبر لا .. صبر في حال الضرورة وفي حال الاختيار، في حال الإكراه وفي حال التمكن {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا ۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ }.
ثم رجعوا إلى أبيهم وحصل ما حصل لهذا الأب المكلوم الذي فقد يوسف ثم من بعده فقد أخَ يوسف وشقيقه ولما جاؤا إليه يخبرونه {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا } ماذا ؟ { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا }.
يعني يا محمد إن أدلهمت بك الخطوب واشتدت عليك وتكالبت عليك الأمور فاعلم أن فرج الله في تلك اللحظة أقرب إليك من حبل الوريد، لا تيأس من رحمة الله ، يقال إن سورة يوسف نزلت في عام الحزن العام الذي مات فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شخصان مهمان زوجه خديجة رضي الله تعالى عنها وعمه أبو طالب واشتد عليه أذى المشركين فأنزل الله هذه السورة لتُسلِّيه وتُفرِّج عنه وتُبيّن له أن الفرج قريب منه ولذلك قال العلماء - خذوها هذه مهمة جداً لكم في الحياة - سورة يوسف ما قرأها محزون إلا سُري عنه لا يمكن يقرأها محزون ، محزون بوفاة صديق ، بذهاب مال ، بمرض ، بأي شيء يُصيبك ويحيط بك اقرأها لن تخرج منها إلا وأنت مُنفرج الأسارير فرح مطمئن لوعد الله وأن بعد العسر يسرا. وهنا ماذا يقول ؟ { عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا }
/  ثم يقول : { يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ } ماذا ؟ { وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } وهنا جاءوا وانكشفت القصة وبان الأمر وقال لهم يوسف : { هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ } ماذا يا أخواني ؟ هذه هي الحكمة هذا هو الرابط هذا هو المحور لهذه السورة الكريمة عاقبة الصبر { إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ } ماذا قال لنفسه ؟ { قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ } يعني لن أُثرِّب عليكم بشيء فاطمئنوا ولن أعاتبكم على شيء، وبالفعل وفى بوعده فإنه لما جمع الله له إخوته وأبويه ورفعهما على العرش وخروا له سجداً ماذا قال ؟ { يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي } ما قال من بعد أن باعني أخوتي ورموني في الجب لا { نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي } لماذا ؟ لأنه قطع على نفسه ألاّ يُثرِّب عليهم وأن لا يذكر ما فعلوه لأحد وهذا من صبره، صبر على الخُلق وهو يعلم أنه مُحق وهو يعلم أنهم مُبطلون وأنهم قد آذوه وطلبوه ولكنه يترفع عن ذلك كله .
/ ثم من بعد هذا الصبر ماذا ؟ الشكر قال : { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } .
/ ثم تُختم هذه السورة ببيان أن هذه القصة ما جاءت للتسلية وإنما جاءت للعبرة والعظة وأن كل آية فيها وكل كلمة فيها تحتها عبرة حتى أحصى بعض العلماء المعاصرين أكثر من ألف فائدة ودرس يؤخذ من هذه القصة العظيمة والذي فيها أكثر من ذلك .
 يقول لي أحد المشايخ المعاصرين فسّرت سورة يوسف مائة مرة ما أذكر أني مرة فسرتها إلا خرجت بفوائد لم تكن انفتحت لي في المرة التي قبلها . أسمعوا ماذا يقول الله : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .
 أسأل الله أن ينفعنا بهذه السورة وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق