بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين..
أسأل الله سبحانه وتعالى في هذا اللقاء الذي نشرح فيه بإذن الله مجموعة من أمثال القرآن الكريم، أسأله سبحانه وتعالى أن يبارك لي ولكم ولكل من كان سببا في هذا اللقاء، وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يخدم كتابه ويتشرف بأن يكون من أهل القرآن أهل الله
وخاصته، وهذه مِنّة من الله سبحانه وتعالى يتفضل بها على من يشاء من عباده ، ثم أشكر من هم كما يُقال -خلف الكواليس- في مثل هذه الأعمال ولا يُرون ثم من كانوا مِمن يُعِدّون لهذا اللقاء أو كانوا مِمن يصورون هذا اللقاء أو كذلك مِمن له أي سبب لخروج هذه اللقاءات إلى أرض الواقع أن يجزيهم خير الجزاء وفضل الله سبحانه وتعالى واسع، وأسأله سبحانه وتعالى ألا يحرمني وإياكم فضله وبركته ورضاه.
وخاصته، وهذه مِنّة من الله سبحانه وتعالى يتفضل بها على من يشاء من عباده ، ثم أشكر من هم كما يُقال -خلف الكواليس- في مثل هذه الأعمال ولا يُرون ثم من كانوا مِمن يُعِدّون لهذا اللقاء أو كانوا مِمن يصورون هذا اللقاء أو كذلك مِمن له أي سبب لخروج هذه اللقاءات إلى أرض الواقع أن يجزيهم خير الجزاء وفضل الله سبحانه وتعالى واسع، وأسأله سبحانه وتعالى ألا يحرمني وإياكم فضله وبركته ورضاه.
قبل أن أدخل في موضوع الأمثال التي هي مقررة أن نتناقش فيها اليوم فقط أعرِج على بعض القضايا والمسائل المرتبطة بالمثل القرآني وإن كنت أعلم أن أخي الد.عبد الرحمن قد ألقى مقدمة في ذلك لكني لم أسمعها ولعلي وقع في حدسي أن هناك بعض القضايا تحتاج إلى إضافة ولا أدري هل طرقها أم لا لكن لا بأس نذكرها لكم سريعا بإذن الله تعالى.
/ تأتي أهمية المثل القرآني ودراسة هذه الأمثال من قوله تعالى (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [سورة العنكبوت 43] فجعل الله سبحانه وتعالى أمثال القرأآن من عِلم الخاصة لأنه قال (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) ولعل الإخوة الذين فكروا في هذا الموضوع وجعلوه وحدة موضوعية تُطرح في هذه اللقاءات الآية لتُبرز أمثال القرآن وهي فرصة كبيرة جدا أن ينتبه المستمعون والمُتلقون لهذا الأمثال إذ تمرّ عليهم ولا يظنون أنها كثيرة أو أن عددها كبير في القرآن، وما طُرِح وجُمِع في المذكرة التي بين يديكم هي الأمثال الصريحة فقط وإلا الأمثال المكنِية فهذه لم يُشر إليها فما بين يديكم هو ما يُطلق عليه الأمثال الصريحة.
/ الأمثال القرآنية التي جعل الله سبحانه وتعالى عِلمها للعالِمين -كما قال- لعلها هي التي دعت ابن عباس -رضي الله تعالى عنه - وهو يُفسِّر قوله تعالى ( مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) [سورة آل عمران 7] أن يُفسر المُحكمات بقوله: "ناسِخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه وما يؤمَن به ويُعمل به" والمتشابهات قال : "منسوخه ومُقدَّمُه ومُؤخرُه وأمثاله" وهذا الشاهد الذي نريده، ثُم قال وأقسامه وما يُؤمَن به ولا يُعمل به فجعل من المتشابه الأمثال، والمراد بالمتشابه هُنا في كلام ابن عبَّاس يعني ما يعلمُه بعض الناس دون بعض -المتشابه النسبي- فبالنِّسبة لبعض الناس هو معلوم وبالنسبة لبعض الناس غير معلوم،ولهذا لو نظرت أنت في بعض الأمثلة التي استمعت إليها قبل أن تُفسَّر لك وأردت أن تعرف المراد بها فستجد أن بعض الأمثلة بالنسبة لك غير واضحة وغير واضح المراد منها فإذا قرأت في التفسير تبيَّنت لك، وهذا يدُل على أنَّ الأمثال من المتشابه النسبي الذي يُدركه بعض الناس دون بعض فهذا يجعلنا نقول إنَّ أمثال القرآن من الأهمية بمكان لأنَّها مما يحتاج أن تُبيَّن وأن تُبرز من خلال ما طرحه عُلماء التفسير بدأً من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وختماً بالمُعاصرين من العُلماء المُحققين.
كذلك نجِدُ أيضاً ابن عباس رضي الله تعالى عنه يفسر الحكمة في قوله تعالى (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) [البقرة:٢٦٩] قال "يعني المعرِفة بالقرآن ناسِخه ومنسوخه ومُحكمِه ومُتشابِهه ومُقدَّمه ومُؤخَّرِه وحلاله وحرامه وأمثاله" فجعَل الأمثال من الحكمة قال "يؤتي الحكمة من يشاء" وفسَّر الحكمة بالمعرفة بالقرآن ثُم ذكر أنواع من العلوم التي تضمَّنها القرآن أشبه ما تكون بمعلومات موجودة في القرآن وذكر منها جُملة منها الأمثال فجعلَ معرفة الأمثال جُزء من الحكمة التي يؤتيها الله سبحانه وتعالى عبده الذي يعرِف القُرآن لأنه قال رضي الله تعالى عنه قال "المعرِفة بالقرآن" والمعرِفة بالقرآن كأنَّ المراد بها معرِفة أنواع العُلوم التي يتضمَّنها القرآن يعني موجودة في القرآن نفسه لأنَّ علوم القرآن فيه علوم يتضمَّنها القرآن نفسه وفيه علوم تكون خارجة عنه يعني ليست من منطوق آياته وإنما هي خارجة عنه أشبه ما تكون بعلوم تاريخية أو تدور حول تاريخ القرآن مثل جمع القُرآن صحيح أنَّ أصله موجود في القرآن لكن مجموعة من قضاياه هي مرتبطة بتاريخ القرآن وأنا أريد فقط أن ننتبه إلى هاتين المسألتين كُل العلوم التي ذكرها ابن عباس سواءً في المُحكم والمتشابه أو في تفسيره للحكمة وأنَّه المعرفة بالقرآن كل هذه الأمور التي ذكرها هي مما استبطنه القرآن من معلومات.
أمثال القرآن كلام العُلماء عنها لهم فيها مسارات:
المسار الأول: بيان معاني هذه الأمثال وهو الذي سيغلُب على مُدارستِنا في هذه اللقاءات، يعني مالمُراد بالمَثل، هذا المَثل القرآني مالمراد به ماذا أراد الله سبحانه وتعالى بهذا المَثل.
ومسار آخر: يتحدَّث عن بلاغة هذه الأمثال بمعنى أنَّه يُبرز البلاغة القرآنية من خلال ضرب هذه الأمثال وهذا قد نُلِمِّ بشيء مما فيه بإذن الله تعالى.
والمسارالثالث: ما تحتمله هذه الأمثال من فوائد واستنباطات علمية أو عملية وهذا النوع الثالث الكتابة فيه لا تزال نادرة وهذا مجال للبحث والنظر وهو قضية استنباط الفوائد والحِكم سواءً كانت علمية أو عملية من هذه الأمثال وهذا المسار الثالث.
/ أيضاً من القضايا المرتبطة بالأمثال وهي أيضاً مسائل كبيرة ومهمة وقد طرحتها كفكرة وفيها مجال للبحث لأنَّ الأمثال بُحثت من جهة المعاني وبُحثت من جهة البلاغة وبقي بعض الأشياء مثل ما ذكرت لكم قبل قليل ومنها مسألة مهمة جداً وهي أنَّ بعض الأمثال القرآنية تحتمل أكثر من نوع أو صورة وهذي مسألة مهمة أو غاية في الأهمية ويدل عليها تفسير ابن عباس لما جعل الأمثال من المتشابه. وسيأتينا إن شاء الله من خلال الأمثلة التي ندرسها شيء من هذا في أنَّ المَثل القرآني أو بعض الأمثلة القرآنية تحتمل أكثر من صورة أو أكثر من نوع فنجِد بعض المفسرين يحملها على صورة ومفسرون آخرون يحملونها على صورة أخرى فما هو موقِفنا نحن من مثل هذا الموضوع، يعني كيف نتعامل معه وهو أن يكون عندنا أقوال للمفسرين متعددة في المراد بالمَثل هذا يدخُل ضمن ما يُسمى باختلاف التنوع واختلاف التضاد في التفسير يعني تماماً بحيث أننا نتعامل مع المَثل مثل ما نتعامل مع اختلاف المفسرين في أي لفظة من الألفاظ ونُطبق عليها قاعدة التنوع والتضاد، وفي الغالب - أنا لا أريد أن أحكم حكماً لأني لم أبحث أو أستقرِئ جميع الاختلاف في الأمثال - لكن أقول في الغالب أنَّ الاختلاف في الأمثال هو اختلاف تنوع لأنَّ صورة التضاد صعبة في قضية الأمثال، يعني صورة التضاد أننا نوجِد تضاداً يعني اختلاف المفسرين يكون اختلاف تضاد في المَثل فيه صعوبة بالغة، ولكن أقولها تنظيراً من خلال الأمثلة التي سنُلقيها اليوم وغيرها من الأمثلة التي درستها أنها تدخل في باب اختلاف التنوع.
طبعاً فائدة هذه الاختلافات بالنسبة للمفسر أو بالنسبة للبلاغي أو بالنسبة حتى للداعية فائدة كبيرة جداً جداً بحيث أنَّ المفسر يستطيع أن يُبين جميع المُحتملات التي ذكرها المُفسرون وتوسع أو اتساع المثل القرآني لانطباقه على أكثر من صورة، والبلاغي يُمكن أن يدرُس الوجوه البلاغية في كُل مثل إذا وجِّه إلى هذا المعنى ما الذي يختلف من صور البلاغة فيه، وأمَّا المُستنبط سواءً كان عالماً أو داعية أو مُربياً أو غير ذلك المستنبط من هذه الأمثال يستطيع أن يستنبط من هذه الأمثال على حسب أنواع الصور الموجودة منها فيُرتب فوائد على المَثل إذا كان المراد به كذا، ويرتب فوائد أخرى على المَثل إذا كان المراد به شيء آخر، فإذاً سيكون عندنا اتساع في المعاني اتساع في الاستنباطات بسبب هذا التنوع الموجود من صُور المَثل.
طبعاً لا أريد أن اطيل في هذا لكن لعلي أكتفي بمثال واحد فقط للإشارة لتنوع الأمثال وهو في قوله سبحانه وتعالى (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ) [البقرة:٢٦٦] وهذا سبق أن أخذتموه.
طبعاً المَثل اختُلف فيه أو في صورته يعني ينطبق على من ؟
/ فابن عباس رضي الله تعالى عنه - يعني نختصر عبارته - أنه رآه ينطبق على رجُل يعمل بالحسنات حتى إذا كبُر بعث الله له الشيطان فعمِل بالمعاصي حتى أغرق أعماله كُلها لأنَّ صورة المَثل تنطبق على هذا الرجُل صورة رجُل يعمل الصالحات ثُم إذا كبُر في سِنه أغرقه الشيطان حتى أهلكه - والعياذ بالله -.
/ والصورة الثانية ذكرها السُدي قال: هذا مثل آخر لنفقة الرياء أنَّه ينفق ماله ليُرائي الناس به فيذهب ماله منه وهو يُرائي فلا يأجُره الله فيه يعني، لا هو استفاد من ماله وانتفع به في دُنياه ولا هو مُستفيد منه في آخرته فهو إذاً يُنفق ماله رئاء الناس فيذهب ماله وتذهب بركة الإنفاق فلا يستفيد لا من هذا ولا من هذا.
الآن أمامنا في صورة المَثل أمامنا صورتان هل هي صورة الرجل الذي يعمل بالحسنات ثم -والعياذ بالله- يختم له بالسيئات -نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعافينا وإياكم من هذا-
أو هي صورة رجُل منافق مُرائي ينفق ماله رئاء الناس.
أنت لو تأمَّلت ليس بين الصورتين تضاد والمَثل يحتمل أن ينطبق على هذه كاحتمال أن ينطبق على الثانية وما دام يصِح انطباقه على هذه وعلى تلك بدون أن يكون هناك تضاد أو تناقض فنقول إن المَثل صالح لهذا وصالحٌ لذاك.
فإذا كنت أنت تتكلم عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى يكون بينه وبينها ذراع ) فتستدِل بهذا المَثل بناءً على تفسير ابن عباس فإذاً أنت الآن تستخدم تفسير ابن عبَّاس وهو تنزيل للمَثل على صورة من الصور في حديثك عن هذا الموضوع. وإذا كان موضوعك عن النفقة والرياء فيها فأنت تستدِل بكلام السُّدي. فإذا أنت تستثمر التنوع الموجود في المثل باختلاف الحال الذي تقدِّمه أو تتكلم عنه. إذا هذه فائدة مهمة جداً .
طبعاً عندنا قول ثالث لابن عبَّاس رضي الله تعالى عنه في هذا لكن نكتفي به يعني قول أو صورة ثالثة لكن نكتفي بها والمقصود عموماً أن تنوع تنزيل المَثل على صُور هذا مجال من المجالات التي تدُل على اتساع معاني أو صُور أمثال القرآن.
/ من القضايا أيضاً المُهمة في الأمثال وهذه تحتاج إلى استقراء موضوعي: توارد بعض الأمثال على طرح قضية واحدة وهذا سنلاحِظه في الأمثال التي معَنا اليوم، بمعنى لو أردنا أن نُقسِّم الأمثال طبعا ونحن نُقسِّم الأمثال تقسيماً موضوعياً أمامنا أقوال مفسِّرين متعددة يعني أمامنا أقوال مِثل ما ذكرنا قبل قليل الآن عِندنا مَثل قُلنا مرة أنه ينطبق على رجُل يعمل بالحسنات ثم يُختم له بالسيئات والعياذ بالله، وقُلنا أنه ينطبق على رجُل مرائي مُنافق يُنفق ماله رئاء الناس جميل ؟
طيب لو أنا أردت أن أجمع الأمثال التي تتعلق بالرياء كم عندي من مَثل ؟ سأجِد عندي مَثل رقم واحد اثنين..ثلاثة أجمع مجموعة من الأمثلة المرتبطة بالنفاق، فإذا ممكن أنا أقول من باب النَّظر الموضوعي الأمثال المُتعلقة بالرياء والنِّفاق وأذكرها، الأمثال المتعلقة بالتوحيد والشرك وأذكرها، ثُم قِس على ذلك يعني أمثلة كثيرة وهذا موجود أو واضح جداً جداً عند من ينظر في الأمثلة ويحب أن يقسِّمها تقسيماً موضوعياً فنحنُ من أين استنبطناها؟ من أننا وجدنا أن بعض أمثال القرآن تطرح قضية واحدة ولكن المثل أو صور المثل تتعدد يعني طريقة المَثل تتعدد والقضية ماذا ؟ واحدة، والأولى عكس يكون المَثل واحد والصورة متعددة يعني هذه صورة وهذه صورة، ويمكن طبعا كما قلت لكم ستأتينا أمثلة من ذلك.
/ عندنا أيضاً من القضايا التي أيضاً يُمكن أن تكون مجالاً للدراسة وهي قضية النَّظائر بين أمثلة القرآن والسنة طبعاً نحن الآن نتكلم عن أمثلة القرآن يُمكن أن تقام دورة مستقلة عن أمثال الحديث وهذه دعوة للمتخصصين بالحديث أن يكون هناك لهم دورة مِثل هذه لاستكمال مثل هذه الأفكار في قضية أمثال الحديث.
النظائر في القرآن والسنة كفكرة عامة أيضا من القضايا المهمة وقد أشار إليها كثير من العلماء في ثنايا كلامهم سواء في شروح الحديث أو في تفسير القرآن لنظائر الكتاب والسنة، ما المراد بالنظائر؟ أن يذكر الله سبحانه وتعالى آية ويذكر الرسول صلى الله عليه وسلم كلاماً نجد أن الكلام الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم يعني في كلامه مُتوافق مع معنى الآية فنقول هذه الآية نظيرها قول الرسول صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، هذه نظائر ولا أريد أن أطيل في هذا لكننا نقول إنها فكرة صالحة للبحث ومجالها أيضاً واسع لكن من الأمثلة الموجودة عندنا هنا في قوله سبحانه وتعالى (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا) [الرعد:١٧] هذه الآية لو رجعتم إليها موجودة عندكم طبعاً ولعلكم سمعتم ما قيل فيها لأن حتى هذه الآية فيها تنوع في تصوير المثل يُمكن أن يُشابهها قول الرسول صلى الله عليه وسلم يعني على أحد تطبيقات المَثل أو أحد الصور التي فُسِّر بها المثل يوافِقها أو نظيرها قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إنَ مَثل ما بعثني الله به من الهُدى والعِلم كمَثل غيثٍ أصاب أرضاً فكان منها طائفة قبِلت الماء فأنبتت الكَلأ والعُشب الكثير، وكان منها طائفة أمسكت الماء فشرب الناس وسقوا وزرعوا، وكانت منها طائفة إنَّما هي قيعان لا تُمسك ماءً ولا تُنبت كلأً وذلك مَثل من فقُه في دين الله فنفعه ما بعثني الله به من الهُدى والعِلم ومَثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هُدى الله الذي أُرسلت به ) الصورة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في المِثال يعني في المَثل هذا هي أحد الصور التي فُسِّر بها مَثل الآية التي ذكرتها وهذا أيضاً إذن يُمكن أن يقول إنه من المجالات التي يُمكن أن تُبحث .
هذه بعض الأفكار أطرحها في مُقدِّمة هذه الأمثال التي بين يدينا وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما طرحته لكم وأن يُعين الباحثين على أن يكون عندهم قدرة على أن يُفرِّعوا من مِثل هذه الأفكار بحوثاً تُفيد المسلمين في هذا الباب.
/ عندنا المَثل الأول في سورة إبراهيم آية (١٨) في قوله سبحانه وتعالى:
(مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ)
طبعاً كما سبق أيضاً أن أخذتم في التفصيلات في تعريف المَثل أن المثل قد يكون بمعنى الصفة أو الحالة العجيبة يعني هو تمثيل شيء بشيء، وغالباً ما يكون تمثيل المعقولات بالمحسوسات.
هذا المثل في قوله سبحانه وتعالى (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ) طبعاً الرماد معروف وهو ما يتبقى من إشعال النار بالحطب أو الفحم يعني إذا أُشعلت النار بالحطب أو الفحم ما يتبقى منه أشبه بالتُراب يُسمى رماد. فالآن تُصوّر أعمال الكُفار - كما تُلاحظون - بهذا الرماد هذي أول صورة ذُكرت يعني (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ ) يعني مثل أعمالهم مثل الرماد.
ثُم قال الله سبحانه وتعالى (اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ) هذا الآن إضافة في المثل ثُم وصُفت الريح بأنَّها قال (فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ) يعني عندنا الآن إذا رماد وعندنا ريح في يوم عاصِف بمعنى أنها ليست ريح خفيفة وإنما ريح شديدة.
قال (لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ) هذا بيان للنتيجة، قال (ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ) .
الآن المَثل لما قال (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ) هل هو الآن مثل للكفار ؟ أو مثل لأعمال الكُفار ؟
هو مثل لأعمال الكفار طيب يأتينا الآن سؤال وهو أنَّه إذا كان المثل لأعمال الكفار ما فائدة قوله سبحانه وتعالى (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ ) يعني نسب المَثل إليهم حينما نسب المثل إليهم والمراد أعمالهم هذا فيه نوع من التنبيه على الخُسران الذي يحصل لمن ؟ للكافر نفسه تبعاً لخُسرانه لأعماله، يعني الآن تنبيه على خسارة الكافر نفسه تبعاً لخسارته لأعماله لأنَّ النتيجة أنه إذا خسر أعماله معناه أنه خسر هو فإذا لمَّا قُدِّم قوله (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وأُشير إلى الكُفر أنه محط الخسران كأن فيه إشارة إلى عظيم ما سيقوم بخسارته وهي أعماله التي كان يقدمها وهي أعمال في ظاهرها صلاح لم يستفد منها كما سيأتي.
أيضاً عِندنا لمَّا قال (فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ) وهذا أيضاً يدخل في باب البلاغة يعني الآن في قوله (فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ) يعني هل الآن هو اليوم العاصف ؟ أو الريح العاصِفة فيه ؟ يعني كأنه في يوم ريحه عاصف يعني الريح هي العاصفة فلمَّا نسب العصوف لليوم هذا مُبالغة أيضاً يعني مُبالغة في شدَّة هذه الريح حتى نُسب العصوف الذي للريح لليوم يعني كأن اليوم كُله عاصف، يعني كأنها استغرقت كُل اليوم بعصوفها.
معنى المَثل كما قال صاحب زاد المسير وأنا هُنا أُنبِّه إلى فائدة في هذا الكِتاب لأنني استفدت منه كثيراً في هذا الباب يعني مما لاحظته - طبعاً لم أراجع كل كتب التفسير لكن انتخبت بعض منها وكان منها كِتاب زاد المسير - يعني مما نظرته فيه استيعابه لذِكر الأقوال وبيانه للمعنى من هذه الأمثال [زاد المسير لابن الجوزي] .
يقول: "قال المُفسرون ومعنى الآية أنَّ كُل ما يتقرب به المُشركون يَحبَط ولا ينتفعون به كالرماد الذي سفته الريح فلا يُقدر على شيء منه فهُم لا يقدرون مما كسبوا في الدُنيا على شيء في الآخرة أي لا يجدون ثوابه ذلك هو الضلال البعيد من النَّجاة" انتهى كلامه. وطبعاً كونه بعيد عن النجاة لأنَّه على غير أساس ولا استقامة يعني لماذا لم ينتفع الكافر بالأعمال الصالحة التي كان يُقدمها في الدُنيا لأنَّ الكافر مهما كان ليس في كُل حياته من ألفها إلى يائها تكون كُل حياته ما فيها شيء جيد ما فيها خير فيه بعضها فيها خير ونحن نسمع اليوم يعني بعضهم ينفق أموال طائلة على بعض المنافع ما يُسمَّى بالمنافع الإنسانية، أو عبد الله بن جدعان وهو مِثال ذكرته عائشة للرسول صلى الله عليه وسلم أنَّه ما حال عبد الله بن جدعان وهو كان يُطعم الطعام ويُنفق الأموال يعني كان صاحب مكارم فقال (هو في النار لأنه لم يقُل يوماً ربِّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين) يعني لم يكُن من المؤمنين.
فإذا هذه الأعمال التي للكُفار هذا هو مآلها - والعياذ بالله - يعني تصوير لما يحصل للكُفار كما قال الله سبحانه وتعالى في آيات مُشابهة لها في قوله (وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا) [الفرقان:٢٣] يعني كأنًّه يرى أعمال أمثال الجِبال لكنه إذا جاء إليها هي تكون كالسراب لا حقيقة لها ومِثل هذا الرماد الذي لا يستطيع أن يجمعه يعني لو أراد أن يجمعه يعني جاء اليوم العاصف وسفَّ هذا الرماد ما استطاع أن يجمعه هل يستطيع أن يجمع الرماد إذا جاءته هذه الريح العاصفة ؟ الجواب لا، فإذا المقصود في ذلك أنَّه من خلال هذا المَثل معنى ذلك أنَّ الكافر لا ينتفع بأي شيء من عمله الذي عمِله في الدُنيا من خير. أيضاً مِثله قوله تعالى (مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ) [آل عمران:١١٨] وهذا مثال من الأمثلة التي مرَّت عليكم في هذا المقام. فإذا هذه كلها الآيات التي ذكرناها هي نظائر لهذا المَثل.
ابن عطية -رحمه الله تعالى- يقول : "شُبِّهت أعمال الكفرة ومساعيهم في فسادِها وقت الحاجة وتلاشيها بالرماد -يعني شُبِّهت بالرماد- الذي تذروه الريح تفرِّقه بشدَّتها حتى لا يبقى أثره ولا يبقى منه شيء" لأنه كأن وجه الشبه -كما ذكر الطاهر ابن عاشور- "الهيئة الحاصلة من انحلال شيء كثير بعد تجمُّعه" يعني وجه الشبه كما قال الهيئة الحاصلة من انحلال شيء كثير بعد تجمُّعه يعني رماد كثير ثُم جاءت هذه الريح ففرقته فاضمحل هذا الشيء الكثير، ومِثله ما ذكر الله سبحانه وتعالى (فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا) حتَّى لاحظ أنه هباء ومنثور تناثر يمنة ويسرة.
ماهي علاقة هذا المثل بالآيات التي قبلها ؟
من أكثر المفسرين عناية بذكر مناسبة المَثل الطاهر ابن عاشور من المتأخرين وكذلك صاحب نظم الدُرر الذي هو البِقاعي عناية بمناسبة المَثل لما قبله الطاهر ابن عاشور يذكر هذه المُناسبة وأنا اعتمدت عليه في هذه المُناسبات اختصاراً .
قال: "تمثيل لحال ما عمِله المشركون من الخيرات حيث لم ينتفعوا بها يوم القيامة وقد أثار هذا التمثيل ما دلَّ عليه الكلام السابق من شدَّة عذابهم فيحضر ببالِهم أو ببال من يسمع من المُسلمين أن يسأل نفسه أن لهم أعمال من الصِلة والمعروف من إطعام الفقراء ومن عِتق رقاب وقِرى ضيوفٍ وحِمالة دياةٍ وفداء أسارى واعتِمار ورِفادة الحجيج فهل يجدون ثواب ذلك ؟"
يعني الآن لمَّا ذكر الله سبحانه وتعالى يعني العقوبات الآيات التي قبلها كُلها ذكرت عقوبة الكافر يقع السؤال سواء من الكافر أو من المُسلم أن هؤلاء كان عندهم أعمال صالحة لِم لم تنفعهم في ذلك اليوم؟ كما قال.
قال: "وأنَّ المسلمين لمَّا علموا أن ذلك لا ينفع الكافرين تطلَّبت نفوسهم وجه الجمع بين وجود عمل صالح وبين عدم الانتفاع به عند الحاجة إليه فضُرب هذا المَثل لبيان ما يكشف جميع الاحتمالات" فالمقصود من ذلك إذا أنه بالفعل هذا سؤال يرِد بالذهن وهذا يرد عند بعض الناس اليوم تلاحظون بعض الناس يذكرون من باب الشُبه وأنه يقول كيف الله سبحانه وتعالى لا ينفع فلان أو فلان من الكُفار -يعني ممن نعرف أنَّ الأصل فيهم الكُفر- كيف لا ينتفعون وهم يفعلون ويفعلون ويفعلون ويذكر لك بعض الأمور التي يفعلونها من الأعمال الخيرة مثلا من إقامة مستشفى خيري للفقراء يدخله أي واحد بدون النظر إلى دينه، أو يُقيمون المآتم أو الملاجئ أو غيرها من أعمال البر التي يقومون بها ما تنفعهم هذه ؟ الله سبحانه وتعالى بيَّن في القرآن - وهذا مِثال من الأمثلة - أنَّه مادام ليس مُسلماً فإنه لا ينفعه هذا وهو يأخذ أجره في الدُنيا كاملاً لأن يوم القيامة ليس هُناك إلا العِقاب لهؤلاء جزاءً وفاقاً وهذا من عدل الله سبحانه وتعالى يعني أنه يجازيهم الجزاء الوِفاق وهم في الدُنيا يكونون قد أخذوا أجرهم على ذلك وانتهى عملهم بانتهاء الدنيا. طيب هذا الآن عندنا المثل الأول من الأمثلة التي بين يدينا .
/ المثل الثاني: أيضاً في سورة إبراهيم المثل الأول في آية (١٨) المثل الثاني في سورة إبراهيم من قوله (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) هذا في آية (٢٤)
قال الله سبحانه وتعالى (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) وهذه الآية تدلنا على أحد أسباب ضرب الأمثال يعني لماذا يُضرب المَثل للناس؟ ذكره الله سبحانه وتعالى قال (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) فإذا التذكّر أحد أسباب ضرب الأمثال .
/ هذا المَثل في قوله (أَلَمْ تَرَ) هل المراد هنا بالرؤيا رؤية البصر أو الرؤيا العلمية التي تكون بالقلب ؟
طبعاً ظاهر من خلال السياق أن المراد ماذا ؟ رؤية القلب التي تسمَّى الرؤيا العلمية بمعنى ألم تعلم يعني ألم ترى إذا لم يكُن شيئاً يُدرك بالبصر فإنَّ المراد به رؤية القلب اللي هي العلم مثل قوله سبحانه وتعالى ( الم ترَ كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) هل الرسول صلى الله عليه وسلم شاهد ما فعله الله سبحانه وتعالى بأصحاب الفيل ؟ الجواب: لا، إذا (أَلَمْ تَرَ) هُنا في هذا المقام بمعنى ألم تعلم ؟ يُسمونها الرؤيا القلبية .
طيب الكلمة الطيبة وقع فيها خِلاف في المُراد بها :
/ فبعض المُفسرين قال: كلمة طيبة هي شهادة أن لا إله إلا الله كشجرة طيبة ومعنى ذلك إذا الآن أن المراد بهذه الكلمة - التي هي كلمة التوحيد - يعني من تمسّك بها فقد تمسّك بكلمة أصلها ثابت وفرعها في السماء، طبعاً الأصل المراد به الجذور والفرع المُراد به ما خرج من هذه الجذور إلى أن يمتد في السماء ولذلك قال فرعها في السماء وهذا إشارة إلى بُعدها في الارتفاع بحيث كأن الناظر إذا نظر إليها رأها بعيدة جداً جدا .
طيب من اختار هذا - اختار أن المراد بها كلمة التوحيد - فيقع سؤال الآن الانتفاع الآن يكون بالشجرة أكثر أم بالثمرة ؟ بالثمرة، ولهذا بعض المفسرين قال أنَّ المراد بقوله (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) أي كثمرة شجرة طيبة لأنَّ الانتفاع بكلمة التوحيد هو بماذا ؟ بالإيمان بها والتَّمسك بها فقالوا "تُرك ذكر الثمرة اكتفاءً بدلالة الكلام عليه" وهذا ذكره الطبري رحمه الله تعالى وكذلك ذكره صاحب زاد المسير ابن الجوزي يعني كأن المراد الإشارة إلى طيب الثمرة.
طيب هذه الشجرة الآن التي ذُكرت إذا قُلنا أن المراد بها شجرة أي الأشجار هي ؟ هذا أيضاً وقع عند المفسرين خِلاف في تعيين الشجرة، عندنا قول: أنَّ المراد بها النخلة، أن الشجرة المراد بها النخلة.
وقول ثاني أنها شجرة في الجنة وهذا رواه أبو ظبيان أحد الرواة عن ابن عباس رواه عن ابن عباس أنها شجرة في الجنة.
وقول الثالث أنها شجرة من غير تعيين وإنما يُنظر فيه إلى الوصف، الله سبحانه وتعالى نكَّرها قال ( كمثل شجرة ) أنه جعلها مثل شجرة فالله سبحانه وتعالى لمَّا ضرب المثل قال (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) والتنكير يدل على ماذا ؟ على التعميم هُنا عندهم يعني يُقال أنه مثل شجرة طيبة فأي شجرة انطبق عليها هذا الوصف دخلت في هذا المعنى.
إذا عندنا قول: تعينها بأنها النخلة، وقول أنَّها شجرة في الجنة، وقول أنها أي شجرة ينطبق عليها هذا الوصف.
طبعاً إذا قلنا أنها أي شجرة ينطبق عليها هذا الوصف فهذا سيدخُل فيه كونها شجرة في الجنة -لو صح-_ وكونها النخلة لأنَّ النخلة تنطبق عليها هذه الأوصاف، والشجرة التي ذكرها ابن عباس في الجنة نقول هذا مِثال -ولو صح- نقول أنه يمكن أن ينطبق عليه أنها شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء قد تكون بهذه الصفة وهذا يدخُل في باب الغيبيات التي لا تُدرك إلا من باب الخبر ولو صحَّ هذا عن ابن عباس لقُلنا إنَّ له أصلاً لأنَّ الصحابي لا يُخبر عن أمر أو عن خبر غيبي إلا إذا كان عنده أصل من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم يعني يكون مُتلقَّن. وهذه قاعدة يطول الأمر فيها لكن هذا حُكم أغلبهم.
يعني الآن أقول لكم أنَّ حُكم أغلبهم مادامت خبرية فالأصل أن ابن عباس تلقَّاها من حضرة النبي صلى الله عليه وسلم فإذا يُحكم أنها من المرفوع حُكماً حتى يثبت خلاف ذلك، نقول أنَّه يثبت لها حُكم المرفوع حتى يثبت خلاف ذلك.
طيب لاحظوا أننا عندنا في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إشارة إلى النخلة وتشبيهها بالمؤمن لمَّا قال : (ما شجرة هي أشبه بالمؤمن) لمَّا جاءه عذق وكان الصحابة عنده وابن عُمر قصة ابن عُمر مشهورة في الصحيحين وأنه أراد أن يقول ولكنه استحيا لصغر سنه فذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن سكتوا قال هي النخلة، فشبَّه المؤمن بالنخلة طيب.
القول الثاني أن المراد بالشجرة الطيبة المؤمن، يعني القول الأول المراد به النخلة، والقول الثاني المراد به المؤمن قالوا أنَّ المؤمن أصله ثابت أنه يعمل في الأرض ويبلغ عمله في السماء يعني جعلوا الآن وجه الشبه بينه وبين الشجرة أنَّ اصله ثابت لأنه في الأرض وعمله يصل إلى السماء ( أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) فوجَّهوا المعنى إلى هذا .
/ وقوله (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ) لكي يكون أيضاً في المؤمن قالوا -الذي هو قول ابن عباس- أنَّه يذكر الله كُل ساعة من النهار يعني يذكر الله آناء الليل واطراف النهار فهو إذا يخرج منه العمل الصالح نهاراً وليلاً يشبه هذه الشجرة التي تؤتي أكُلها كل حين.
طبعاً في قوله سبحانه وتعالى (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ) أيضاً وقع خلاف عند المفسرين في المراد بـ (الحين) وكما تلاحظون (الحين) مُنكّر، وذكر المُفسرون ما يمكن أن نقول إنه أمثلة للحين وليس مرادهم التعيين لأن بعضهم قال ثمانية أشهر وهذا وارد عن علي رضي الله تعالى عنه، وبعضهم قال ستة أشهر وهذا وارد عن ابن عباس وهو قول الحسن وعِكرمة، وبعضهم قال بكرة وعشية ، وبعضهم قال في السنة يعني أقوال متعددة لكن المراد بالحين - كما نعلم - إذا نُكِّر أنه المدة من الزمان وكُل هذه ينطبق عليها أنها مُدة من الزمان لكن التعيين بأنها كذا أو كذا هذا يحتاج إلى دليل إضافي وبما أنه وقع فيه خلاف - واللغة محتملة لهذه الأقوال والسياق مُحتمل لهذه الأقوال - فإذا نقول ماذكروه هو على سبيل التمثيل للحين وليس مرادهم أن المراد بالحين هذا دون غيره يعني من قال ثمانية أشهر ليس مراده أنها ثمانية أشهر دون غيرها بحيث أنه إذا قيل له ستة أشهر قال لا إنما مراده ذكر مِثال للحين.
طيب لو أردنا الآن أن نربط بين أشهر الأقوال وهي النخلة والمؤمن يعني ما العلاقة بين المؤمن والنخلة؟ وجدنا أيضاً تشبيه للمؤمن بالنخلة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، يعني لاحظ الآن يدور الكلام في الشجرة الطيبة هذه أن تكون دائرة بين المؤمن وبين النخلة كيف تؤتي النخلة أُكلها كُل حين ؟ هذا سؤال مهم جداً لأنه قد يفهم القارئ لها أن المراد أنها تُثمر طوال السنة هل المراد أنها تثمر طوال السنة ؟ هذا مُحتمل، فإذا وجدنا ثمرة تُثمر طوال السنة ويستفاد منها طوال السنة فنقول يصدُق عليها أنها تؤتي أُكلها كل حين، ومثل هذه الآن الشجرة اللي هي النخلة هي تؤتي أُكلها كُل حين وهذا واضح جداً كيف ؟ أن ثمرتها تبقى طوال السنة يُستفاد من ثمرتها طوال السنة فإذا هي تؤتي أُكلها طوال السنة بل وتبقى حتّى إلى ما بعد ذلك أليس كذلك. فإذا هي يصدُق عليها أيضاً أنها تؤتي أُكلها كل حين.
فإذا إن قُلنا أن الكلمة هي لا إله إلا الله وشُبهت بالنخلة لجاز، ولو قُلنا إن الكلمة أي صاحب الكلمة وهو المؤمن الذي تصدر منه الكلمة الطيبة مثل ما قلنا قبل قيل في المَثل الذي قبله (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً ) أي صاحِبها وصار المثل على الكلمة وعلى الشجرة لجاز ذلك وهذا من اتِّساع كلام العرب.
فيقع عندنا الآن ما العلاقة بين النخلة والمؤمن مثل ما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه، ذكر أيضاً صاحب زاد المسير للعُلماء توجيهات قال:"فأمَّا الحكمة في تمثيل الإيمان بالنخلة فمن أوجه:
/ وذكر أحدها: أنها شديدة الثبوت فشُبه ثبات الإيمان في قلب المؤمن بثباتِها التي هي كلمة التوحيد" معذرة الكلام عن التشبيه بكلمة التوحيد نقول أنَّ الشجرة الطيبة التي هي كلمة التوحيد "فكأنَّها مستقرة في قلب المؤمن ثابتة كثبات النخلة في الأرض".
والثاني: أنها شديدة الارتفاع قال "فشُبِّه إرتفاع عمَل المؤمن بارتفاع فروعِها" عمل المؤمن يرتفع وهذه النخلة أيضاً مرتفعة.
والثالث: أن ثمرتها تأتي في كُل حين قال "فشُبِّه ما يكسب المؤمن من بركة الإيمان وثوابه في كُل وقت بثمرتها المُجتناه في كُل حين على اختلاف صنوفِها قال فالمؤمن كُلما قال لا إله إلا الله صعِدت إلى السماء ثم جاءه خيرها ومنفعتها.
قال والرابع: أنَّها أشبه الشجر بالإنسان فإنَّ كُل شجرة يُقطع رأسها تتشعب غصونها من جوانِبها إلا هي إذا قُطع رأسها يَبَست يعني مثل الإنسان إذا قُطع رأسه يموت - هذا تشبيه لطيف عموما - قال ولأنَّها لا تحمل حتى تُلقَّح وذكر لنا مثال - وهذا كُله من باب اللطائف - قال ولأنَّها فضلة تُربة آدم فيما رُوي -عليه الصلاة والسلام- عموماً المقصود أن هناك نوع من العلاقة بين التشبيه والمشبَّه ذكر طبعاً كما تلاحظون صاحب زاد المسيرمجموعة من هذه العلاقات .
نأتي الآن إلى سياق المثل في الآيات : عندنا الآن سياق مثل الكلمة الطيبة وبعده مثل الكلمة الخبيثة.
يُجمِل الطاهر بن عاشور أيضا المناسبة في هذين المثلين فيقول: "استئناف ابتدائي اقتضته مناسبة ما حُكي من أحوال أهل الضلال وأحوال أهل الهداية ابتداء من قوله تعالى ( وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا) إلى قوله (تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ) " قال: "فضرب الله مثلا لكلمة الإيمان وكلمة الشرك فقوله (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا) إيقاظ للذهن ليترقب ما يرِد بعد هذا الكلام وذلك مثل قولهم (ألم تعلم) ولم يكن هذا المثل مما سبق ضربه قبل نزول الآية بل الآية هي التي جاءت به فالكلام تشويق إلى علم هذا المثل، وصوغ التشويق إليه في صيغة الزمن الماضي الدال عليها حرف "لم" التي هي لنفي الفعل في الزمن الماضي والدال عليها فعل "ضرب" بصيغة الماضي لقصد الزيادة في التشويق لمعرفة هذا المثل وما مُثِّل به".
فإذا كأن الآن مناسبة المثل: أنه سيق بعد ذكر أحوال الكفار وأحوال المؤمنين، وظاهر من الآيات أن أحوال المؤمنين مُقدّمة في الذِكر فذكر الله سبحانه وتعالى مثالا للمؤمنين ومثالا للكفار - كما سيأتي في المثل الثالث- وهو قوله سبحانه وتعالى (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ) وهي آية رقم (٢٦) من سورة إبراهيم.
الكلمة الخبيثة مقابلة للكلمة الطيبة فإذا كانت الكلمة الطيّبة هي "لا إله إلا الله" ماذا يُقابل "لا إله إلا الله"؟ الشِرك. فإذا تكون الكلمة الخبيثة "الشِرك". وإذا قلنا المراد صاحبها فيكون المُشرِك بناء على ما سبق في المثل في الآية السابقة.
/ أيضا كما اختلفوا في الشجرة الطيبة أيضا وقع اختلاف في الشجرة الخبيثة:
فقيل: إنها الحنظلة وهذا فيه رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو صحّ لما تُعُدي تفسير النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا قال به أنس ومجاهد -كما قال صاحب زاد المسير- .
/ قال ابن عباس أنها ليست بشجرة مخلوقة. يعني من أشجار النار كما ذكر في تلك من أشجار الجنة.
/ وقول آخر: أنها الثوم.
لو تأملتم الآن الحنظلة والثوم والشجرة التي ليست مخلوقة اخرجها لأننا سبق أن علّقنا على ذلك لكن نريد الآن الحنظلة والثوم.
هل الحنظل والثوم شجر أو نجم؟ قال الله سبحانه وتعالى ( وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) [الرحمن:٦] ومن معاني النجم في هذه الآية أنه ما نجم على الأرض والشجر ما ارتفع بساقه عن الأرض. هذه أحد معاني النجم والشجر . طبعا المعنى الثاني في النجم النجوم التي في السماء. فقوله سبحانه وتعالى ( وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) أحد معانيها ما نجم من الأرض. قصدت من ذلك أن نتبه لاتساع المعاني.
الآن: الحديث هنا عن شجر أو عن نجم؟ إذا قلنا عن النجم أنه ليس مرتفعا مثل: القرع والبطيخ والكوسا واللوبيا وغيرها، كل هذه العرب تسمِّيها نجم، وإذا كان لها ساق تُسمِّيها شجر وهذا أحد معاني قوله ( وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) .
الآن هؤلاء - وهم عرب - فسّروا الشجرة التي في قوله تعالى (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ) بـما نجم عن الأرض.
ماذا نستفيد من هذا التفسير؟ أنه يصِح إطلاق الشجر على ما نجم من الأرض.
لماذا أقول لكم هذا الكلام؟ أقول لكم هذا الكلام لأن بعض المفسرين استشكل هذا المعنى يعني يعترِض أو يستدرك على هذه الروايات أو يشير استدراك أن هذه إنما هي مما نجم على الأرض ولا تُسمّى شجرا إلا إذا كان لها ساق . وهذا فيه نظر لماذا؟
أولا: لأن هؤلاء عرب وفسروا القرآن على حسب لغتهم - وهم أعلم بلغتهم - فإذا قال ابن عباس والرواية عنه أنها الثوم، ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ورواية عن مجاهد وعن أنس أنهم قالوا أنها الحنظل فهذا دليل عربي على صحة إطلاق الشجر على ما نجم من الأرض. ولهذا يمكن أن نقول إنه إذا أُطلِق الشجر فإنه يشمل النجم وذا الساق يعني يشمل هذا وهذا. وهذا أحد أدلة الإطلاقات وهي تفسير هؤلاء العرب هذه الشجرة بهذه الشجيرات التي ذُكِرت. فإذا لا مقام للاستدراك في هذا الموطن.
/ الآن في قوله سبحانه وتعالى (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ) كما قلنا التي هي كلمة الشِرك أو الكافر (كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ) ولاحظوا الآن كل هذه النباتات التي ذكروها لو أنت أمسكتها بيدك وهززتها تنقلع لأن جذورها قريبة من الأرض، لكن النخلة من أجل أن تقلعها ماذا تحتاج؟ كلفة ، حفر والعروق ممدة إلى أن تصِل لو أردت أن تقلعها من جذورها . فلاحظ هذا التشبيه بين الكلمة الطيبة وبين الكلمة الخبيثة، يعني الشرك مُهتز ليس له قرار لا في قلب صاحبه ولا على أرض الواقع أبدا. هذا هو الأصل. ولهذا من الأشياء المهمة جدا ننتبه لها ونحن نتكلم عن هذا قد يقول قائل : كلامك فيه نظر، لماذا؟ لأننا نرى اليوم أن أهل الإشراك في علو وأهل الإيمان في سفول. الجواب عن هذا: أننا نظرنا نحن خطأ من جهة أننا ننظر إلى زمن معين ولا ننظر إلى جميع الزمن.
دائما هذه قاعدة تنتبهون لها في القرآن حينما تقرأ القرآن القرآن لا يُحدِثك عن الدنيا فقط، يعني هل القرآن يُحدِثنا عن الدنيا فقط؟ الجواب: لا، القرآن يُحدِثنا عن حياتنا قبل الدنيا وفي الدنيا وبعد الدنيا - في الآخرة - فأنت حينما تربط الزمن فقط بالدنيا فهذا تقصير في الفهم، فإذا قاعدة في القرآن تستصحبها معك دائما : أنك حينما تقرأ في القرآن في مثل هذه الأمور لا تنظر إلى الدنيا فقط. إذا نظرت إلى الدنيا يقع الإشكال عندك. وأذكر لك مثالا : أصحاب الأخدود ألم يختِم الله سبحانه وتعالى خبرهم بقوله (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) ولم يُذكر الفوز الكبير إلا في هذا الموطن، لو كنا ننظر بنظرنا الدنيوي نقول كيف يقول الله سبحانه وتعالى (الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) وهم قد قُتلوا وماتوا ما تنعّموا بحياتهم ولا ماتوا ميتة طبيعية بل إنهم أُحرِقوا بالنار، كيف يُحرقون بالنار ويقال (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) . هذا إذا نظرنا نحن بالنظر القاصر لكن بالنظر القرآني المطاف لم ينتهِ، الدنيا ليست آخر المطاف ، فإذا معنى ذلك أن عندنا إذا الآخرة فإذا لابد أن ننظر هذا النظر.
نفس القضية الآن هنا حينما نقول الشِرك لا قرار له ، الشِرك نهايته إلى وبال، لا تنظر أنت فقط إلى زمنك الذي تسلط فيه الكفار وتظن أن هذا هو تفسير الحياة الدنيا كلها وتفسير القرآن كله بما ذكره إنما هو في وقتك هذا، لا، الزمن ممتد والنعاية إلى يوم القيامة ولهذا الله سبحانه وتعالى قال (اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ) وهذا واقع لأنه في يوم القيامة لن تجد للشرك أي قائمة أبدا، أما الإيمان ستجده مثل ما قال الله سبحانه وتعالى.
طبعا ابن عباس قال - في رواية - أنه الكافر لا يُقبل عمله ولا يصعد إلى الله تعالى فليس له أصل في الأرض ثابت ولا فرع في السماء ، يعني الآن المعنى الثاني للمثل أن المراد به الكافر ، يعني الكافر يُقدِم أعمال فيها خير ، يعني أعمال صورتها صورة خير - كما ذكرنا- لكن هذه الأعمال ليس لها أصل ثابت يُمسِكها وهو التوحيد والإيمان بالله سبحانه وتعالى، وكذلك إذا صعِدت إلى السماء تُغلق أبواب السماء دونها يعني ليس له باب مفتوح في السماء كما قال الله سبحانه وتعالى في سورة الدخان قال (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ) وهذا فيه إشارة - كما ذكر ابن عباس وغيره من التابعين - إلى موطن عمله في الأرض وموطن عمله في السماء، فالمؤمن له موطن عمل في السماء يبكي عليه وأيضا باب مفتوح له في السماء تدخل منه الأعمال الصالحة فإذا مات بكى عليه ذاك الباب لأنه سيُغلق، أما الكافر إذا صعِد عمله إلى السماء رجع ليس له باب مفتوح فما تبكي عليه السماء..لا تذكره، وكذلك الأرض هذه الأعمال التي عملها انتهى أخذ أجرها وانتهى فليس بينه وبين الأرض ارتباط ولا بينه وبين السماء ارتباط كما قال ابن عباس - أعيد كلامه - قال: " لا يُقبل عمله ولا يصعد إلى الله تبارك وتعالى فليس له أصل في الأرض - لأنه صار هباء منثور حتى في الأرض أخذ أجره - ولا فرع في السماء " .
ما معنى قوله (اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ) الاجتثاث - كما قلنا قبل قليل - هو الاقتطاع لكن هو الاستئصال ، يعني لما قال (اجْتُثَّتْ) ولاحظوا الكلمة فيها نوع من الثِقل وهذا يأتي في قضية بلاغة القرآن في اختيار الألفاظ يعني بلاغة القرآن في اختيار الألفاظ أن يختار الكلمة المناسبة حتى لو كان فيها شيء من الثِقل، لأن الثِقل من حيث هو ليس عيبا دائما في اللفظ، يعني الثِقل من حيث هو ليس عيبا دائما في اللفظ . إذا جاء الثِقل مع سورة تتناسب معه فهذا من تمام البلاغة، يعني الله سبحانه وتعالى حينما يُعطي بعض الناس قدرة في اختيار الألفاظ، القدرة في الاختيار أن تختار اللفظة التي تتناسب مع المقام، فإذا كان المقام مقام حرب ليس من المعقول في مقام الحرب أن تذكر بعض الأمور كاللهو وغيره ليس مقام لهو، وإذا كان مقام احتفاء بصديق ليس من المعقول تذكر الموت أليس كذلك؟ فإذا أنت تختار من الألفاظ ما يتناسب مع المقام. فلاحظ أنت قوله سبحانه وتعالى (تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ)
[سورة النجم 22] (ضيزى) يعني الجائرة تمام الجور يعني البعيدة تمام البُعد في الجور مع أن لفظة جائر وردت في القرآن وأيهم أخف على اللسان جائر أو ضيزى؟ جائر، لكن ضيزى في مقامها هنا أولى وليس هذا مقامها لكن أذكرها فقط للإشارة لترجعوا إلى كتب البلاغة أو بعض الكتب التي تعتني ببلاغة القرآن ستجدون كلامهم عن مثل هذه الفكرة في مثل هذا المقام .
ومثله (اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ) يعني ايش قال الله سبحانه وتعالى (وإذا السَّمَاءُ كُشِطَتْ) كشطها أيضا إزالة يعني قلعها قلعا إزالة كأنك تكشط الجلد عن أصول اللحم في الذبيحة يسمونه كشط فإذا هذه اللفظة وإن كان فيها نوع من الثِقل إلا أنها جاءت في موطنها كأنها تدلك على تمام الاستئصال كأنه لم يبقَ منها شيء (اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ) .
انتهى الحديث عن هذا المثل الذي بين يدينا نُلخصه الآن - نختصره -:
إن كان المراد الكلمة الخبيثة - الشِرك - فكما قلنا ليس لها أصل لا في قلب الكافر ولا أيضا لها أصل في الأرض فتُجتث هذه الكلمة وليس لها قرار أبدا.
إن قلنا المراد الكافر وهو الإشارة أيضا إلى عمله فكذلك الكافر بسبب شِركه ليس له من الأعمال التي يقوم بها أي شيء فهي تذهب في الدنيا ويأخذ أجره في الدنيا ولا يصعد له في السماء شيء لأنه ليس لها أصل يبقى في الأرض معه وليس لها أصل في السماء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق