الأحد، 3 أبريل 2016

تفسير الأمثال في سورة النحل / د.مساعد الطيار



.... المثل الرابع: وهو قوله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- في سورة النحل آية (75):
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[النحل: 75].
طَبْعًا لاحظوا أنه في سورة إِبْرَاهِيْمَ ذُكر ثلاث أمثلة، وعندنا الآن في سورة النحل عندنا هذا المثال، وسيأتينا مثال آخر في الآية التي بعدها فهما مَثَلان، وفيه ثالث الذي هو آخر مثل في آية (112).
أنا الآن يعني ظهر في ذهني يعني مسألة أَيْضًا، وهي ممكن نقول: خارطة الأمثلة في القُرْآنِ، ممكن نجعل خارطة للأمثلة في القُرْآنِ. يعني كل سورة وكم احتوت من مثال، ثم لو رسمت أنت هذه الخارطة للأمثلة يمكن أن تجعل أَيْضًا روابط، يعني تجعل روابط بين الأمثلة بناءً على الأقوال، يعني بمعنى أنك تجعل خارطة لها والمثل وما قيل فيه. ثم تجعل روابط بمعنى أنه ممكن في لوحة واحدة نعرف الأقوال التي في الأمثال، يعني سور هذه الأمثال والروابط بينها التي هي النظائر التي تكلمنا عنها قبل قليل.
يعني هذه أَيْضًا فكرة الآن ظهرت، ممكن لو واحد منكم بعد الدورة يعمل بها أو يقوم بها، بحيث أنه يذكر السور يعني يوزع السور التي ذُكرت فيها الأمثال ثم كل سورة ما هي الأمثال التي ذُكرت فيها، كل مثل ما هي السور التي ذكرت فيه، ثم يربط بين السور هذه مع الآيات الأخرى من الأمثال. ممكن يخرج يعني بلوحة واحدة، جميع هذه الأمثال مع الأقوال، مع النظائر مرةً واحدة، وهذا لاشك ولله الحمد والمنة الآن يعني أمر متيسر وهو مفيد. مثل هذا العمل مفيد لو كانت بين أيدينا الآن مثل هذه الخارطة، كنا نشرح عليها ونبينها فهذه توضع لمن يسّر الله له ذلك، يعني تُوضع لدوراتٍ قادمة.
طيِّب هذا المثل عندنا الآن في قوله: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا) نأتي الآن إلى المثل، عندنا مثلان متجاوران مثل المثلين السابقين في سورة إِبْرَاهِيْمَ.
 نبدأ بالمثل الأول الذي هو قوله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى-: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ)، هذا العبد المملوك؛ مقابل له: (وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا).
الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- يقول: في عقولكم -يعني أيها الكفار وحتى في عقول غيرهم- هل يستوون؟
الجواب: لا، يعني: هل يمكن أن يسوِّي العقل -عقل الإنسان المحايد- بين عبد مملوك لا يقدر على التصرف، وبين إنسان وهبه الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- الرِّزق الحسن ينفق منه سرًا وجهرًا؟ الجواب: قطْعًا لا يستوون. ولهذا الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- قال: (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)، لماذا ذكرأنهم لا يعلمون؟ لأنه ليس المراد هذه الصورة، المراد ما يقابلها في الواقع، بمعنى أنهم لو فهموا هذا المثل وامتثلوه لعَلِموا العلم الذي يُوصلهم إلى الهداية.
طيِّب؛ عندنا الآن كما قال صاحب [زاد المسير] قال: "(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا) أي بيَّن شبَهًا في بيان المقصود" يعني هذا الآن تفسيره: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا) يعني بيَّن شبهًا في بيان المقصود. ثم ذكر أن فيه قولان:
 الأول: أنه مثلٌ للمؤمن والكافر، فالذي لا يقدر على شيءٍ هو الكافر لأنه لا خير عنده؛ يعني ما عنده شيء ينفق منه، قال: وصاحب الرزق هو المؤمن لما عنده من الخير، وهذا قول ابن عباس وقتادة. هذه الآن الصورة الأولى التي تنطبق عليها المثل.
القول الثاني: أنه مثلٌ ضربه -اللَّهَ تَعَالَى- لنفسه وللأوثان، لأنه مالكُ كل شيءٍ وهي لا تملك شيئًا. وهذا قول مجاهد والسُدِّي. طيِّب؛ لاحظوا الآن هاتين الصورتين، وهذه تتكرر في بعض الأمثال، سنجد أنها تتكرر، أنه هل هو ضُرب في المخلوق أو ضُرب في الخالق، يعني: هو مثلٌ للمخلوق أو مثلٌ للخالق. وهذا أنا ذكرت لكم قضية النظائر، هذا الآن مثال لو نحن جعلناه في الشجرة، جئنا سورة النحل المثل الأول كذا، المعنى الأول فيه كذا المعنى الثاني فيه كذا. الصورة الثانية: أنه ضُرب مثلٌ للخالق، سنجد مَثَل آخر أَيْضًا ضُرب للخالق، فنجمع بينه وبين هذا المثل، وسنجد نفس القضية أنه ضُرب في المخلوق، نجمع بينه وبين المثل. وهذا سيفيدنا في الترتيب الموضوعي الذي ذكرت لكم بداية كلامي، أن الموضوعات كما قلنا: ما هي الأمثلة المضروبة في الكافر؟. الأمثلة المضروبة في المؤمن؟ الأمثلة المضروبة في المنافق؟ الأمثلة المضروبة في الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى-؟ ستجد أن الأمثلة صارت واضحة عندك من خلال هذه الخريطة. طيِّب؛
 أَيْضًا الذين قالوا: بأن المثل ضُرب بالمؤمن والكافر، ذكروا تعيين - يعني عيَّنوا أشخاصًا - فبعضهم قال: إنه ضُرب بقومٍ كانوا في زمن الرسول ﷺ، والذين قالوا بهذا اختلفوا على قولين:
 أحدهما: أن المملوك أبو الجِوار، وصاحب الرِّزق الحسن سيِّده هشام بن عمرو. وهذا رُوي عن عكرمة عن ابن عباس، يعني رواية عن ابن عباس، ومقاتل قال: أبو الحواجِر يعني سمّاه هكذا، يعني خلاف في اسمه.
والقول الثاني: أن المملوك أبو جهل بن هشام، وصاحب الرِّزق الحسن أبو بكر الصديق -رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْه-، وهذا قاله ابن جُريج من أتباع التابعين.
الآن في مثل هذا المثال، إذا جئت إلى مِثل هذه الأمثلة، وهذا تنبيه لكيفية التعامل مع الأقوال في التفسير، هذه الآن أقوال تفسيرية.
 ما الذي يَلزمك الآن لكي تُطبق المثل على هؤلاء؟
 انطباق صورة المثل على أحوال هؤلاء الأشخاص، إذا أردنا أن نُطبِّق المثل الآن على المملوك وعلى سيِّده هشام، يعني الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- يقول: أنا أضرب لكم مثلًا بمملوك لا يستطيع أن يعمل شيئًا، لا يقدر على عمل شيء لأنه لا يستطيع العمل إلا بأمر سيده، وسيِّدُه هذا الذي يستطيع أن يتصرف وينفق كما يشاء ويفعل ما يشاء، هل يستوي عندكم أيها الكفار هذا بهذا؟ الجواب: لا.
 فكذلك لا يستوي الخالق بالمخلوق. طيِّب؛
 أَيْضًا المملوك أبو جهل إذا قلنا: المملوك أبو جهل طَبْعًا هو مملوكٌ بماذا؟ بما فيه من الشرك، أبو بكر الصديق مقابل الذي ينفق سرًا وجهرًا، وأبو جهل ماذا يصنع؟ لا ينفق. يعني هذا قابضٌ وذاك مُنفق، هل يستوي هذا القابض لماله الذي ليس فيه خير، مثل هذا الذي يعني ينفع الناس وينفق سرًا وجهرًا؟ الجواب: أَيْضًا لا. طيِّب؛
 إذًا الآن هؤلاء الذي ذُكروا هل المراد أنهم هم المرادون دون غيرهم؟ هذا سؤال، يعني: المراد هم دون غيرهم؟ الجواب: لا.
 ما داموا ليسوا هم المُرادين دون غيرهم، إذا هم أمثلة لمن ذُكر في هذا المثل. إذا قلنا: إن المثل مضروبٌ بالمخلوق، فذكر بعض الأشخاص من باب التمثيل لا التعيين، طيِّب؛
 نأتي الآن إلى علاقة المثل أو مناسبته في السياق:
الطاهر بن عاشور -رحمه اللَّهَ تَعَالَى- أَيْضًا قال يقول: "أَعْقَبَ زَجْرَهُمْ عَنْ أَنْ يُشَبِّهُوا اللَّهَ بِخَلْقِهِ، أَوْ أَنْ يُشَبِّهُوا الْخَلْقَ بِرَبِّهِمْ، بِتَمْثِيلِ حَالِهِمْ فِي ذَلِكَ بِحَالِ مَنْ مَثَّلَ الله عَبْدًا بِسَيِّدِهِ فِي الْإِنْفَاقِ، فَجُمْلَةُ (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا.. إِلَى آخْره) مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا نَاشِئًا عَنْ قَوْلِ الله تَعَالَى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلا يَسْتَطِيعُونَ) [سُورَة النَّحْل: 73]".
 قال: "فَشَبَّهَ حَالَ أَصْنَامِهِمْ فِي الْعَجْزِ عَنْ رِزْقِهِمْ بِحَالِ مَمْلُوكٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَصَرُّفٍ فِي نَفْسِهِ وَلَا يَمْلِكُ مَالًا، وَشَبَّهَ شَأْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي رِزْقِهِ إِيَّاهُمْ بِحَالِ الْغَنِيِّ الْمَالِكِ أَمْرَ نَفْسِهِ بِمَا شَاءَ مِنْ إِنْفَاقٍ وَغَيْرِهِ، وَمَعْرِفَةُ الْحَالَيْنِ الْمُشَبَّهَتَيْنِ يَدُلُّ عَلَيْهَا الْمَقَامُ، وَالْمَقْصُودُ نَفْيُ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ، فَكَيْفَ يَزْعُمُونَ مُمَاثَلَةَ أَصْنَامِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْإِلَهِيَّةِ، وَلِذَلِكَ أُعْقِبَ بِجُمْلَةِ (هَلْ يَسْتَوُونَ)".
 يعني: إذا مُحصّلة المثل ذهبت إلى التوحيد سواءً قلنا: إنه مَثَل ضُرب بمخلوق أو ضُرب بخالق، فإذا مُحصِّلة المثل ونهايته: أنه إذا كان العبد المملوك لا يساوي سيده عندكم، فكيف تُسوّى هذه الأصنام بالله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى-!!.
ولاحظوا إن هذا الخطاب؛ هل هو خطاب للوجدان -يعني خطاب عاطفي- أو خطاب للعقل؟ هذا خطاب للعقل؛ كيف خطاب للعقل؟. الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- يعني: يذكر لهم أمور منطقية يُدركونها هم من ذاتهم، أشياء محسوسة عندهم ويمارسونها في يومهم، فما كان يومًا من الأيام العبد في مقام سيده عندهم أبدًا، ما كان العبد في مقام سيده، فكانت هذه الأصنام مخلوقة، وهم يعني يُقرون بأنها مخلوقة لأنهم هم يصنعونها - هم يفعلونها - فكيف يُسوّى بين الخالق والمخلوق في العبادة؟. ولهذا الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- قال: (لا يستوون). وهذا تعجيب من حالهم، يعني: قال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)، يعني: بمعنى أنهم قد جهلوا جهلاً شنيعًا، كيف جاءهم هذا الجهل الشنيع؟ هذه صورة من صور الجهل الشنيع عندهم، ولذا لماذا سُمي عصرهم عصر الْجَاهِلِيَّةِ؟ إلا لمثل هذا الأمر الذي يُلغي فيه العربي العاقل عقله، يعني: هم أصحاب عقول لكن هذه العقول -سبحان الله- يعني أُلغيت هذه العقول، يعني: أغْلقوا المنافذ مع أنهم أصحاب عقل، الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- لم ينفي عنهم العقل الموجود - عقل التصرف - لكن العقل الذي يُوصلهم إلى الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- سبحان الله أغلقوه (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ) يعني: عقل السماع ..عقل الاستجابة (مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ).
 ولهذا أقول لكم من باب الفائدة -انتبه لها استطرادًا هذا-:
بعض المخالفين لأَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ من كثرة ما يُردِّد من الأباطيل، ومن كثرة ما هو فيه من غياهب الظُلمة والشرك - سبحان الله- تنطمس بصيرته حتى يرى أن ما هو فيه حق، وهذا -والعياذُ بالله- يعتبر تمام الانحدار في الشرك، سواءً كان هذا من الطوائف التي تتنسب إلى الإسَّلَام أو كان حتى من الكفار، خصوصاً الذي يكون له بصر ومعرفة، يعني يستطيع يفكر ويقرأ عن الإسَّلَام، و يقرأ عن أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ ولكنه لا يهتدي إلى الحق، هذا تعلم يقينًا أنه مثل حال أبي جهل، يعني: يعلم ولكنه سدَّ منافذ العقل الذي يُوصِله إلى الاهتداء -والعياذُ بالله-، ولهذا لا تستغربوا هذا الأمر، يعني: حينما تنظرون إلى بعض هؤلاء، نحن نستغرب لأننا -ولله الحمد والمنة- يعني ما مارسنا هذه الأشياء، تتعجب واحد أمامه ألوف مؤلفة يتكلم ويكذب، في الحين يكذب؛ يعني: في الحين يُخرِج الكِذبة وكذبة وراء كذبة واستدرار للعواطف وهؤلاء يصدقون. يعني هؤلاء يصدقون فأنت تتعجب؛ لكن لم يُمارَس عليك هذا الأسلوب، احمد الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- أنه لم يمارس عليك هذا الأسلوب، تصوَّر لو كان من صِغرك يُمارس عليك هذا الأسلوب، قصص مكذوبة واحدة تلوا الأخرى تلوا الأخرى، خلاص تنطمس عندك البصيرة، وهو هذا مع ما عنده من العقل الذي يمكن أن يُدرك به أَيْضًا تنطمس عنده -والعياذُ بالله-.
وكذلك هؤلاء الكفار الذين ضَرب الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- فيهم المثل ولذلك قال: (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) يعني: انطمست عندهم أبواب العلم، العلم الذي يوصلهم إلى الحق -والعياذُ بالله-.
المثال الخامس: مرتبط بالمثال السادس، وهو في الآية التي بعدها، عندنا في قوله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى-:
(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ) يعني: لاحظ الآن في الآية التي قبلها قال: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا) طَبْعًا فيه تفاصيل في الألفاظ وكذا، والوقت لا يسمح بها، فنحاول نشير إشارات سريعة. يعني الضرب هناك بعبد، وهنا الضرب برجلين: (رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم). طَبْعًا لاحظ الآن كيف صورة المثل، الآن رجلين؛ الرجل الأول أبكم، إذًا سيكون مُقابِله الرجل الثاني مُتكلِّم، لأن البُكم هو انعدام آلة الكلام. طيِّب؛ قال: (لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ) بسبب هذه الآفة التي عنده؛ لكن المُتكلم عنده -إذا- القدرة، هذا المقابل له؛ طَبْعًا لم يُذكر لكنه يُفهم من الخطاب.
 قال: (وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ)، يعني: ثقيل؛ يعني: مُتعِب لمولاه، إذا الثاني لا، ليس كذلك
 (أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ) والآخر بخلافه أينما وجهه سيأتي بخير، يعني هذه صورة.
 أَيْضًا هل يستوي هذا وهذا؟ لا يستوي، ولذلك قال الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى-: (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ)، ما قال: صفته كيت كيت كيت، قال: (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم) فاختُزلت الأوصاف المقابلة وذُكر وصف آخر وهو: الأمر بالعدل وأنه على صراطٍ مستقيم، لأن هذا هو المراد، يعني: هذا هو النتيجة.
 نأتي الآن ندلو في المثل نفهم كيف رُكب هذا المثل. يقول ابن الجوزي -رحمه اللَّهَ تَعَالَى-:
"ومعنى: (لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ) أي من الكلام لأنه لا يَفهم ولا يُفهم عنه" ولهذا حالة الأبكم حالة صعبة جدًا لا يدركها إلا الأبكم، أو من يكون في حالة مثل حال الأبكم، متى يكون في حالة مثل حال الأبكم؟ لا ما هو لازم مرة، لو أرسلناك إلى كوريا وأنت ما تعرف أي شيء من كلامهم ماذا يحصل؟. يعني الإشارة، ما هو الأبكم يشير، فهذه صورة يعني ممكن أن تكون مارستها يومًا ما، لتشعر بإشكالية المثل هذا، فأنت تقول له: جب لي ماء يجيب لك ما أدري إيش، وتطلب شيء فيأتيك بشيء آخر، وتسأل عن شيء فيأتيك، يعني: (أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ)، طيِّب؛ هذا فقط مجرد أَيْضًا تقريب هذه الصورة في المثل.
قال: (وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ) قال ابن قتيبة: أي ثِقلٌ على وليه وقرابته. ثم قال: فيمن أُريد به المثل من هو المراد به المثل؟ على أربعة أقوال:
أولًا: أنه مثلٌ ضربه -اللَّهَ تَعَالَى- للمؤمن والكافر، فالكافر هو الأبكم، والذي يأمر بالعدل هو المؤمن، وهذا مروي عن ابن عباس. الثاني: أنها نزلت في عثمان بن عفان هو الذي يأمر بالعدل، وفي مولّىً له كان يكره الإسَّلَام، وينهى عثمان عن النفقة في سبيل الله وهو الأبكم، وهذا أَيْضًا رُوي من طريق ابن عباس.
والثالث: أنه مثلٌ ضربه الله تعالى لنفسه وللوثن، مثل الآية السابقة -قبل قليل- فالوثن هو الأبكم، واللَّهَ تَعَالَى هو الآمر بالعدل، وهذا قول مجاهد وقتادة ومحمد بن السائب الكلبي ومقاتل.
والرابع: أن المراد بالأبكم أُبيّ بن خلف، والذي يأمر بالعدل حمزة وعثمان بن عفان وعثمان بن مظعون، وهذا قاله عطاء.
قال: "فيَخرج عن هذه الأقوال في معنى مولاه قولان:
أحدهما: أنه مولىً حقيقي إذا قلنا إنه رجلٌ من الناس.
والثاني: أنه بمعنى الولي إذا قلنا إنه الصنم. فالمعنى وهو ثِقلٌ على وليه الذي يخدمه ويُزينّه.
 ونأتي الآن إلى تلخيص الأمثال مثل ما ذكرنا قبل قليل، يعني: الآن كان صار بيننا المثل إما أن يكون في الخالق وإما أن يكون في المخلوق.
- فإن كان في المخلوق فهو مثالٌ بين المُؤْمِنِ والكافر، وما ذُكر من الأشخاص فهو على سبيل التمثيل لا التعيين، فإذا الأقوال في أنه عثمان والقول بأنه كذا، يعني أمثلة لمؤمنٍ ولكافر. فإذا بناءًا على ذلك نقول: إن هذه مجرد أمثلة وليست تخصيصًا لأن المراد بها فلان دون غيره، فصار إذا الأمر بيِّن مثل ما قلنا في المثل السابق إما أن يكون في الخالق وإما أن يكون في المخلوق.
طَبْعًا الآن إذا كان في الخالق فإنه الآن تشبيهٌ لوليّ الصنم وما يُتعب نفسه فيه، يعني: هذا الآن الذي يعبُد صنم أينما يُوجِّه هذا الصنم لا يأتي بخير أبكم (كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ) يتعب في تنظيفه وتطييبه وتزيينه، وينقله من مكان إلى مكان ويعتني به ويخاف عليه، إذا هو ثِقَل على مولاه؛ لكن الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- ليس كذلك، فالله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- أرحم بعباده، يحب عباده، يرأف بعباده أينما أرادوه وجدوه -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى-، يعني: ليس بينك وبين الله إلا أن تدعوه، أو تنشئ الصلاة فتفتح الباب الذي بينك وبين الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى-، ليس عندك شيءٌ أكلف من هذا، أن تتوضأ وتدعوا الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى-. أما هذا العبد الذي يخدم هذا الوثن فإنه يتعب مثل ما ذكر الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- ولهذا قال: (أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ).
 نأتي الآن إلى علاقة المثل بالسياق، وهذا كما قلت لكم ننقله من كلام الطاهر بن عاشور، لأنه اعتنى به كثيرًا، الطاهر يقول:
 "هَذَا تَمْثِيلٌ ثَانٍ لِلْحَالَتَيْنِ -لأنه سبق حالة المؤمن والكافر- بِحَالَتَيْنِ بِاخْتِلَافِ وَجْهِ الشَّبَهِ -لأنه له كلام دقيق هنا، سنقف عليه إن شاء الله- قال: "فَاعْتُبِرَ هُنَا الْمَعْنَى الْحَاصِلُ مِنْ حَالِ الْأَبْكَمِ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنِ الْإِدْرَاكِ وَعَنِ الْعَمَلِ وَتَعَذُّرُ الْفَائِدَةِ مِنْهُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ، وَالْمَعْنَى الْحَاصِلُ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ الْكَامِلِ الْعَقْلِ، وَالنُّطْقِ فِي إِدْرَاكِهِ الْخَيْرَ وَهَدْيِهِ إِلَيْهِ، وَإِتْقَانِ عَمَلِهِ وَعَمَلِ مَنْ يَهْدِيهِ، ضَرَبَهُ اللَّهُ مَثَلًا لِكَمَالِهِ وَإِرْشَادِهِ النَّاسَ إِلَى الْحَقِّ، وَمَثَلًا لِلْأَصْنَامِ الْجَامِدَةَ الَّتِي لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ. وَقَدْ قَرَنَ فِي التَّمْثِيلِ هُنَا حَالَ الرَّجُلَيْنِ ابْتِدَاءً، ثُمَّ فَصَّلَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ مَعَ ذِلك عَدَمِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا بِأُسْلُوبٍ مِنْ نَظْمِ الْكَلَامِ بَدِيعِ الْإِيجَازِ. إِذْ حَذَفَ مَنْ صَدْرِ التَّمْثِيلِ ذِكْرَ الرَّجُلِ الثَّانِي، لِلِاقْتِصَارِ عَلَى ذِكْرِهِ فِي اسْتِنْتَاجِ عَدَمِ التَّسْوِيَةِ تَفَنُّنًا فِي الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ أُسْلُوبِ هَذَا التَّمْثِيلِ، وَأُسْلُوبِ سَابِقِهِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا)[سُورَة النَّحْل: 75]، وَمِثْلُ هَذَا التَّفَنُّنِ مِنْ مَقَاصِدِ الْبُلَغَاءِ كَرَاهِيَةً لِلتَّكْرِيرِ لِأَنَّ تَكْرِيرَ الْأُسْلُوبِ بِمَنْزِلَةِ تَكْرِيرِ الْأَلْفَاظِ". واضح، هذه قاعدة: تكرير الأسلوب بمنزلة تكرير الألفاظ، هنا أَيْضًا فقط أستطرد إلى مسألة مهمة جدًا وهي: مقاصد البلغاء، من أين نأخذ مقاصد البلغاء؟. يعني: العلماء يستقرؤن كلام العرب، لأنهم هم المراد بهم أهل البلاغة، ويستقرؤن القُرْآنِ يستقرؤن السنة، يستقرؤن أقوال الصَّحَابَةِ ومن كان من أهل العربية، ويعرفون من خلالها يستخرجون هذه المقاصد، ما هي المشكلة التي تقع عندنا هنا في قضية مقاصد البلغاء؟ [التكلُّف في دعوى المقصد] إذا وقع تكلف في دعوى المقصد سيقع عندنا تكلُّف في تخريج بعض الآيات من القُرْآنِ من جهة البلاغة. طيِّب. وسأذكر مثال لتوضيح هذه الفكرة
 هل من مقاصد البلغاء العناية بالسجع أو لا؟ ما الجواب؟ الجواب: نعم من مقاصد البلغاء العناية بالسجع.
 لكن لاحظوا الآن السجع فيه مشكلة وهي أن يكون السجع مقصودًا لذاته، وأن يكون السجع تابعًا للكلام، السجع الذي يكون مقصود لذاته هل هو من مقاصد البلغاء؟ الجواب: لا. المقصود لذاته يعني: أنا أريد أن أقول كلامًا مسجوعًا، دون النظر إلى المعاني؛ هذا الذي قال عنه ﷺ: «أسجعًا كسجع الكُهّان»، يعني: سجع الكُهّان لماذا ذُم؟. غير ما يحتمله من الكلام الباطل أنه يأتي بكلامٍ لأجل أن ينتظم السجع، كلام لا معنى له، فإذا هذا النوع من الكلام ليس من مقاصد البلغاء، ولا يوجد في كلام مقاصد البلغاء. لكن الإتيان بالسجع المتوافق مع المعنى هذا من مقاصد البلغاء، أو ليس من مقاصد البلغاء؟ من مقاصد البلغاء، فإذا قعّدنا هذه القاعدة؛ إذا سيكون السجع من حيث هو من مقاصد البُلغاء. شرطنا فيه إذا أن لا يختل فيه المعنى، لا أن يكون هناك قدرٌ زائد في المعنى؛ لا يلزم، يعني الشرط فيه أن لا يختل المعنى، لا يكون هناك قدرٌ زائد في المعنى. إذا اشترطنا قدر زائد في المعنى من أجل السجع، سنقع في التكلف، وخذوا مثال من ذلك: مرة (رب موسى وهارون)، ومرة (رب هارون وموسى). إذا اضطررنا إلى أن نقول إنما عُبِّر في ذلك الموطن بكذا لأجل كذا، وبحثنا عن عِلل معنوية سنقع في التكلُّف ولن نأتي بما يُقنع العقل. لكن إذا قلنا بما أن السجع من مقاصد البليغ؛ والسجع شرطه ألا يُخِلّ بالمعنى؛ فاختير (موسى وهارون) هناك لأجل روي الآيات، واختير (هارون وموسى) لأجل روي الآيات؛ انتهى الإشكال ولا احتاج العقل إلى كدّ ذهنٍ أكثر من هذا، وكنت غير مقتنعٍ بهذا الكلام لسبب وهو: أنه تُشحن أذهاننا بالمعنى الآخر، أنه أُتي به لأجل وأُتي به لأجل، ولكن بعد قراءتي في كتاب الطاهر بن عاشور ارتحت إلى هذا وهو مذهبه الذي نتكلّم عنه الآن من باب التفنن، فالتفنن في الخطاب وتغيير الخطاب هذا من مقاصد البليغ، لا يلزم أن يكون وراءه معنىً خفي وأسرار، وعلى طاري أسرار -ما دامت أسرار- فلماذا تكشفها؟! كنت أمس أو قبل يومين مع الشيخ سليمان العايد –الدكتور في جامعة أم القرى- فكنت أتكلم أنا وإياه عن سر البلاغة والكلام عن هذا يعني الكلام نوع من تحريك وتقويم لهذه الفكرة، فقال لي هو قال: أشغلونا في قولهم سِر سِر سِر، قال: ما دام سر لماذا يُظهرونه؟ يخلّونه بينهم وبين أنفسهم. يعني لطيفة؛ هي من باب اللطائف؛ لكن أقصد من ذلك أن ننتبه إلى هذه الفكرة لأنها مهمة جدًا، الطاهر بن عاشور لمن يقرأ في كتاب الطاهر بن عاشور، ويتتبع أسلوبه في تتبع بلاغة القُرْآنِ سيقف على مثل هذا. لمَّا قال: مقاصد البلغاء كراهية التكرير، طَبْعًا إلا إذا احتاج المقام إلى التكرير، ثم قال: "لِأَنَّ تَكْرِيرَ الْأُسْلُوبِ بِمَنْزِلَةِ تَكْرِيرِ الْأَلْفَاظِ). مثل قوله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى-: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى)، اذهب وانظر إلى ما يحاول أن يتكلفه كثير أو بعض من يقف عند هذه الآية لماذا لم يقل: وما قلاك؟ ما تحتاج هذه. لأن قوله: (وَمَا قَلَى)، وقوله "وما قلاك" متساويان في المعنى، فهل ذكرها أفضل من حذفها أو حذفها أفضل من ذكرها؟ حذفها أفضل لتتناسق الآيات من جهة السجع فما يكون فيه إشكال، بل هذا هو عين البلاغة أن يكون الذكر والحذف متساويان فيُختار الأنسب للمقام، فما نحتاج بعد ذلك أن نتكلف، ولذلك -كما قلت لكم- بعض من تكلّم في فواصل الآيات تجد أنه يتكلف، ويتمحل لإخراج الحِكم والعِلل، ولكنها غير مُقنعة تُحس بها رائحة التكلف واضحة جدًا، عمومًا لعلنا نقف -ما أدري- الوقت يبدو أننا أخذنا يعني وقتًا طويلًا تحتاجون إلى راحة إلى العصر. لعلنا نقف عند هذا ونكمل -إن شاء الله- بعد صلاة العصر بإذن -اللَّهَ تَعَالَى-، سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا أنت نستغفرك ونتوب إليك.


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه والتابعين . وقفنا قبل صلاة العصر في حصة هذا اليوم من الأمثلة القرآنية التي ابتدأناها بالأمثلة في سورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وانتهينا من المثال الخامس وسنبتدئ الآن بالمثال السادس من سورة النحل وهو :
/ قوله سبحانه وتعالى : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }
هذا هو المثال الأخير من أمثلة سورة النحل آية مئة واثني عشر.
كما سبق أيضا في تنويع أو أنواع  الأمثلة نلاحظ أن هذا المثال على غير الأمثلة السابقة ، يعني موضوع آخر وجديد وموضوع يرتبط بقضية الإيمان والكفر يعني يمكن أن نقول ثمرة الإيمان والشكر وثمرة الكُفران والمعصية يعني هذا المثل يحكي هذا الموضوع.
 الله سبحانه وتعالى في هذه الآية يقول :{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً } ولاحظوا أيضاً قضية الأسلوب القرآني في عرض الألفاظ لمَّا قال قرية على ماذا ؟ على التنكير ، لو قلت أي قرية في هذا الموطن مجاز، ولو قلت إنه قصد قرية معينة فنبحث عنها لجاز ثم يدخل فيها غيرها من القرى ، فلننظر ماذا قال المفسرون في موضوع هذه القرية وما المراد بهذا المثل؟
 ابن عباس ومجاهد وقتادة وكثير أيضاً من المفسرين قالوا : إن القرية مكة ، السورة كما تلاحظون - سورة النحل - سورة مكية فكأن الله سبحانه وتعالى ضرب المثل لأهل مكة وكذلك لأهل الإسلام بما حصل من أهل مكة فهم قبل مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم هم أكثر العرب أمناً بل كانوا أكثر أهل الدنيا أمناً فكما تعلمون دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقدَر الله لهذا البلد الذي هو مكة أن يكون بلداً آمناً ، وكذلك يُجبى إليه ثمرات كل شيء بدعوة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام فلما جاءت الرسالة - رسالة محمد صلى الله عليه وسلم - وكفروا بها تبدّل حالهم من الأمن إلى الخوف ولذلك قال سبحانه وتعالى : { فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ } وسيأتينا إشارة إذا كانت في مكة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد دعا عليهم بسبع سنين كسنيّ يوسف وتحققت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وجاؤا إليه صلى الله عليه وسلم يطلبونه أن يرفع هذه الغُمة عنهم كما هو معلوم في السيرة .
/ في قول آخر: أن المراد بالقرية قرية أوسعَ الله على أهلها بدون تعيين وذكروا طبعاً في هذا أنها يعني مطلق قرية ليست محددة وإن كان ذكروا نوع من الأكل الذي كانوا يختصون به وهو الخبز .
/ وقول ثالث رُوي عن أم المؤمنين حفصة قولها يشير إلى أن القرية الأمنة هي المدينة وذلك أنها كما رُوي عنها أنها لما صدرت من الحج وكان عثمان رضي الله تعالى عنه محصورا في المدينة قال : فرأت راكبين فسألتهما عنه فقالا : قُتِل فقالت والذي نفسي بيده إنها للقرية - تعني المدينة - التي قال الله تعالى في كتابه :{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّة }
قال ابن الجوزي : " تعني حفصة أنها كانت على قانون الاستقامة في أيام النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما { فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ } عندما قتلت عثمان رضي الله عنه ومعنى { كَانَتْ آمِنَةً } أي ذات أمن يأمن فيها أهلها أن يُغارعليهم، {مُطْمَئِنَّة}
 أي ساكنة بأهلها لا يحتاجون إلى الانتقال عنها لخوف أو ضيق".
 طبعاً قول حفصة هنا أيضاً لا يعني أن القرية المراد بها تلك القرية دون غيرها حتى لو كان قصدها أن القصد الأول للقرية هي تلك القرية، فإذاً نحن عندنا الآن في تحديد القرية نظران :
- إما أن ننطلق من أن القرية اسم جنس فكل من انطبق عليه هذا الوصف فهو يدخل في قول الله سبحانه وتعالى : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّة }.
- وإما أن يُراد بها قرية بعينها فإما أن تكون مكة على قول الجمهور، وإما أن تكون المدينة على قول حفصة.
 والقول بإنها مكة أو المدينة لا يعني عدم دخول غيرها فيها يعنى إن قلنا : إن المراد بها أولاً مكة او المدينة لا يعني هذا القول عدم دخول غيرها فيها، ودخول غيرها فيها من باب القياس فكل قرية حصل منها ما حصل من أهل مكة أو ما حصل من أهل المدينة فإنه ينطبق عليهم هذا الوصف المذكور في القرآن. وهذه قاعدة تُجريها في أغلب العمومات التي في القرآن وأعيدها لكم لتأكيدها .
العمومات التي في القرآن: إما أن يُعمم اللفظ مباشرة فيدخل فيه كل من ينطبق عليه هذا اللفظ، إما أن يُعمم اللفظ فينطبق عليه كل من  يدخل تحت هذا اللفظ ، وإما أن يكون اللفظ عام والمراد به خاص ويدخل غيره من باب القياس وإما أن يكون عاماً والمراد به خاص فيدخل غيره من باب القياس.
 طيب أنت باعتبار عملية التفسير هل تعمل بالأول أم تعمل بالثاني؟
 الجواب نقول : نعم بالجميع حسب السياق، يعني الذي يجعلنا نقول بأحدهما دون الآخر السياق والأحوال يعني بالنظر إلى السياق والأحوال .
 هذا الذي اختصره لكم في فكرة العام في القرآن تضعونه ويكون منكم على بال لأهميته أهمية قصوى في علم التفسير. وأنا ان كنت استطردت في بعض القضايا لأهميتها فارجوا أن تعذروني في هذا فأنبهكم مرة أخرى ما ذكرته لكم مُهم بالغ الأهمية في التفسير لأن من لا يدرك الفرق بين التعميم من جهة اللفظ والتعميم من جهة القياس يقع عنده الغلط في حمل بعض الآيات التي لا تحتمل عموم اللفظ فيحملها على عموم اللفظ وهي ليست كذلك وإنما عمومها يكون من باب آخر، ومن أدرك هذا يُدرك أنه - في الغالب - لا فرق بين من يرى أن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ لأن الذي يقول إن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ لا يرى أن هذا اللفظ لا يدخل فيه غير هذا السبب فقط وإنما قُصارى أمره أن يقول : إن هذه الآية الأصل فيها الخصوص ودخول غير هذا الخاص فيها من جهة القياس وليس من جهة عموم اللفظ ، لو طبقناها الآن على هذا إذا قلنا : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً } قلنا قرية عامّ يدخل فيه أي قرية تتصف بهذا الوصف، فمكة اتصفت بهذا الوصف فتدخل - في ذلك الحين - ، والمدينة - في ذلك الحين - الذي تحدثت عنه حفصة دخلت في هذا الوصف وانطبق عليها هذا الوصف فتدخل، ولو انطبق الوصف على أي قرية أخرى يأتيها رزقها رغداً من كل مكان ثم حصل لها كُفر بأنعم الله فإنه يحصل أن الله يذيقها لباس الجوع والخوف ..الخ فيكون عامّ تدخل فيه أي قرية.
 نحن إذاً الآن أنطلقنا من تعميم ماذا ؟ اللفظ ، من أول الأمر جعلنا اللفظ عاماً .
على قول الجمهور - الذي نسبه ابن الجوزي لهم - أنها مكة نقول الآية نزلت أولاً في أهل مكة يعني على وجه الخصوص القرية أول ما نزلت هذه الآية على وجه الخصوص المراد بها أهل مكة ثم يدخل معهم كل من اتصف بهذه الصفة.
نحن الآن لاحظوا وجه التعميم في الأول جعلنا اللفظ من أصله عامّاً ، في الثاني قلنا لا اللفظ عام يراد به الخصوص يعني القرية لفظ عام يُراد به أهل مكة خاصّة ثم يدخل مع أهل مكة من اتصف بصفتهم .
أيهما الأقرب إلى طريقة التفسير ؟
الثاني، الأقرب إلى طريقة التفسير الثاني، طبعاً أنا أعرف بعض الناس قد يستغرب هذه لكن أنا أقول لكم من خلال الخبرة التي خبرتها في كتب التفسير أن القاعدة هذه التي يذكرها بعض العلماء أن [العبرة بعموم اللفظ] لا تتناسق مع جميع عمومات القرآن، وتطبيقات المتقدمين من الصحابة أو بعض تطبيقات المتقدمين من الصحابة والتابعين وأتباعهم قائمة على الثاني وهي أنه لفظ عام أريد به الخصوص ، فإذا أردنا أن نحمل كلامهم على عموم اللفظ فإننا كأننا نعترض أو نستدرك على كلامهم، مثل ما ثبت في الصحيح عن كعب بن عُجرة لما سُئل عن آية الفدية قال : "هي فيّ خاصة ولكم عامة" يعني إذاً آية الفدية يقول لي خاصة يعني أنا سبب نزولها هي مُختصة بي لا أحد شاركني فيها لكن لكم عامة ، فمعنى كلامه أنها نفس القضية كما قلنا ماذا ؟ لفظ عام أُريد به الخصوص ودخول غير هذا الخاص يكون من باب القياس. هذا النوع أو هذا الأسلوب هو المناسب لطريقة التفسير.
 أما التعميم هكذا بدون قيد أو ضابط يعني مجرد أن لفظ صورته صورة العموم نقول هذا عام والعبرة بعموم اللفظ هذا يستخدمه أحياناً وليس دائماً يعني في بعض المواطن التي تصلح له يستخدمه من ضعُفت آلة التفسير عنده ظناً منه أن هذه الآية مُنطلقها العموم ابتداء يعني من ضعفت آلة التفسير عنده في بعض المواطن التي لا تصلح أن تُعمم من جهة اللفظ إذا أطلق عليها عموم اللفظ فهذا يدل على ضعف مهارته وضعف آلته في التفسير فيكون أو يصلح - ينطبق عليه - ما يقوله المحدِثون من تضعيف بعض الرجال بأنه سلك الجادَّة يعني سلك الشيء المُعتاد ، فهنا نقول أنه سلك الجادة ظناً منه أن هذه الآية من العام من جهة اللفظ وإنما هي عموم ويأتي من جهة القياس.
 إدراك المُفسر أن العموم يأتي من جهة القياس هذا دال على براعته في التأتي لمعاني الآيات، وأما إن جعلها من العموم اللفظي فهذا دلالة على ضعف آلته - كما قلت لكم - ليس في كل المواطن لكن في بعض المواطن التي هي من هذه الصورة.
 طبعاً المقام أو مقام تقرير هذا مقام آخر لكن أشرت إليه لأنه تكرر عندنا كما تلاحظون ألفاظ عامة والمفسرون يذكرون خصوصات ، هل هذا من باب الخصوص أو من باب التمثيل ؟ نحن إن جعلنا اللفظ من أصله عامّاً قلنا هذا من باب التمثيل، فأهل مكة مثالٌ للعموم وأهل المدينة في ذلك الحال مثالٌ للعموم وأي قرية يحصل لها مثل هذا الأمر فهي أيضاً تدخل في هذا العموم .
 نرجع الآن إلى قوله سبحانه تعالى أو نفس المثل الذي ضربه الله سبحانه وتعالى وهو قوله : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّة } لاحظوا أن الطمأنينة أثر من آثار الأمن فصحّ تقديم الأمن هنا لأن الطمأنينة أثره وقوله سبحانه وتعالى : { يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ } هذا ذكر للمقام الآخر أو الحال الآخر لأن عندنا الآن حال الأمن وحال الأكل - الشِبع والرِّي - يعني الإنسان إذا لم يكن آمناً فأكله هل يكون سليماً ؟ الجواب: لا، ولاحظ نفسك أنت في بعض الحالات التي تكون فيها في حالة فزع أو في حالة انشغال أو غيره يعني تريد أن تُدرِك رفقة أو شيء وأنت جائع وتأكل، في هذه الحالة لا تستمتع في أكلك ولا تهنأ به بل قد لا يكون مُشبعاً إن لم يكن ضاراً ، فالله سبحانه وتعالى يذكر لنا هذه القرية أن الله سبحانه وتعالى قد أنعم عليها إنعاماً تاما، لا من جهة الأمن ولا من جهة الطمأنينة ولا من جهة الأكل والشرب قال : { يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ } يعني قرية يمكن أن نُسميها قرية مدللة لا يتعب أهلها لا يذهبون ويأتون بالطعام هي يأتيها رزقها، يعني لاحظ الآن الألفاظ وما تؤدي إليه قال : { يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ } واضح الآن ، فإذاً الآن هذه القرية أهلها لا يتعبون في البحث عن الرزق كثيراً ثم قال عنهم الله سبحانه وتعالى : { فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُون } يعني أبدلهم من بعد أمنهم خوفاً ومن بعد شِبعِهم جوعاً يعني الان قال الله سبحانه وتعالى : { فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ } ولاحظوا هذا: بدأ في الأول بالأمن ثم بدأ في الثاني بالجوع الذي هو مُرتبط بالأكل والشرب لأن الجوع بعد حصول الخوف فالإنسان مع حصول الخوف يبحث عن ما يسد رمقه عما يأكله فتجده دائماً هائم الذهن فالمقصود عموماً أن الله سبحانه وتعالى يذكر لنا هذه القرية كيف تحول حالها تبدّل .
وذكر لنا الله سبحانه وتعالى أمثلة يعني مثلاً قصة سبأً يعني قوم سبأ وما حصل منهم هي مثال من أمثلة القرية الآمنة المطمنئة وما حصل منهم من تبديل فأذاقهم الله سبحانه و تعالى من بعده لباس الجوع والخوف مثال.
 كذلك سيأتيكم مثل أصحاب الجنتين، أمثلة كثيرة جداً موجودة في القرآن نظير هذه الآية، بل إنك اليوم تجد قريباً منك قُرى كانت هذه الأوصاف موجودة عندهم وتحولت إلى الوصف الآخر، ولهذا ما فائدة هذه الآشياء التي تأتينا من الله سبحانه وتعالى بضرب الأمثال نحن مشكلتنا مع الأسف أننا نقرأ القرآن وكأنه لا يخاطبنا نحن كأنه يخاطب أقوام آخرين يعني الواحد منا يقرأ وتجد أنه يُقصِّر فيما يقرأ يعني هو عرف المعنى لكنه مقصر وكأن المخاطب إنسان آخر، مباشرة حينما تقرأ القرآن على أن الذي يُخاطب إنسان آخر اعرف أنك لن تتأثر بالقرآن، يعني هذه أحد موانع التأثر بالقرآن أن تقرأ القرآن وتنظر في زواجره وأوامره وكأن المقصود بها غيرك طبعاً إما بلسان الحال وإما بلسان المقال يعني بصراحة لسان الحال أكثر -أحياناً- لأن لسان المقال صعب لكن لسان الحال أكثر يعني حالنا نحن ونحن نقرأ القرآن ونسمع مثل هذه الزواجر والنواهي أننا لا نُطبقها ولا ننتهي عن النواهي فهذا دليل أكيد على أننا نقرأ القرآن وكأن المراد غيرنا وليس نحن ، فأي واحد منا يقرأ القرآن بهذه الصفة فليعلم أنه لا ينتفع بالقرآن أبداً ولا يحصل له الانتفاع، إنما يحصل الانتفاع حينما تقرأ القرآن على أنه يخاطبك أنت أولاً وتنظر إلى قلبك كما قال سبحانه وتعالى :{ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ } فهو يخاطب القلب فتنظر إلى قلبك كيف يفهم هذا الكتاب.
 ونقول هذا لماذا ؟ لأنك إذا نظرت لحال الناس عندنا اليوم ستجد أن الآية تُخاطبهم وتُنبههم وتُحذِّرهم وتُنذرهم ولكن أحوال الناس اليوم تُخالف هذا التحذير، يعني أحوالنا اليوم تُخالف هذا التحذير، وتأمّل أنت الناس من صغيرهم إلى كبيرهم يعني ليس المقصود فلان من الناس أو جهة معينة من الناس لا .. هذا القرآن لا يُخاطب الناس بطبقاتهم، يُخاطب الإنسان باعتباره إنسان بغض النظر عن وصفه يعني ملِك أو وزير أو أمير أو دكتور أو مُمرض أو طبيب يعني كل هذه الأوصاف هذه ليست هي المرادة الآن المراد أنت أن تنظر كمسلم ما هو مقامك مع هذه الآية بغض النظر عن مرتبتك في هذه الأمور الدنيوية والحال كما تلاحظون نسأل الله سبحانه وتعالى أن يلطف بنا.
/ ذكروا في قوله : { فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ } طبعاً بعض المفسرين قال: أصل الذوق إنما هو بالفم وهذا استعارة منه يعني أنه لما أقول أذاقها لباس الجوع والخوف هذه يقع فيها إشكال علمي - تحتاج طبعاً إلى بحث لكن أنا أشير إليها كمسألة علمية-
 ما الدليل على أن الذوق لا يكون إلا بالفم ؟ صحيح أن المُتعارف عليه عندنا والموجود في بعض الكتب هذا لكن ما ذُكِر في القرآن وما ذُكر في السنة وما ذُكر في كلام العرب يُشعِر بأن مفهوم الذوق أوسع من أن يكون باللسان قال صلى الله عليه وسلم : ( ذاق حلاوة الإيمان ) لا يلزم أن يكون هذا الكلام - كما ذكر ابن الجوزي - أنه استعارة، لماذا لا يكون أصلاً ويكون مفهوم الذوق أوسع فيكون { فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ } وأنه يكون ذوق حقيقي بدل أن يقال أنه استعارة ، ولهذا أصحاب المجاز - يعني من يرون المجاز - يجعلون هذا من أمثلة المجاز. عموماً هذا فقط مجرد الكلام عنه كمسألة .
 أيضاً من الفوائد المرتبطة بالآية أن الله قال : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً } هل المراد القرية هي بنيان القرية ؟ إذاً المراد أهلها. وأيضاً نفس الفكرة العرب حينما تقول اسأل القرية، اذهب إلى القرية واسألهم ، لا يتصور العرب عندما يقول لواحد اذهب إلى القرية واسألهم المراد أن يسأل البنيان لأنه لا تسمى القرية قرية إلا إذا كان أهلها فيها، إذا هذا مِما تُعورف فيه بينهم دون أن تنطق به ألسنتهم ، فحمل بعض هذا الكلام على المجاز أو التوسع فيه أيضاً هذا فيه نظر في بعض الأمثلة، لا يعني ذلك أنه لا يوجد المجاز، المجاز يوجد لكن بعض الأمثلة فيه اعتراض عليها في هل ينطبق عليها المجاز أو لا ينطبق. عموماً هذه الآية يعني من يرى المجاز يذكر مجاز في قرية ويذكر مجاز في { فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ } يعني في "فَأَذَاقَهَا" وفي " لِبَاسَ" الجوع والخوف .
/ نأتي الآن إلى مسألة وهي ارتباط هذه الآية بالسياق وكما قلت لكم نحن اعتمدنا في هذا على الكلام الطاهر بن عاشور.
 الطاهر بن عاشور يقول : "عطف عِظة على عظة والمعطوف عليها هي جُمل الامتنان بنِعم الله تعالى عليهم من قوله : { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } وما اتصل بها إلى قوله : { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ }" 
قال : "فانتقل الكلام بعد ذلك بتهديد من قوله : { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا } فبعد أن توعَّدهم بقوارع الوعيد ولهم عذاب أليم وقوله : { فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } إلى قوله : { لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ } عاد الكلام إلى تهديدهم بعذاب الدنيا بأن جعلهم مضرِب مثل لقرية عُذبت عذاب الدنيا أو جعلهم مثلاً وعظة لمن يأتي بمثل ما أتوا به من إنكار نعمة الله" ثم قال : "ويجوز أن يكون المعطوف عليه جملة ..." إلخ كلامه. لكن المقصود الآن معرفة مقام هذا المثل في هذه السورة ، وهذه السورة يسميها بعض العلماء سورة النِعم، وهنا الآن تلاحظ قوله فكفرت بأنعم الله وكما ذكر الطاهر قبلها ذُكرت النِّعم { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا } يعني مجموعة من النِعم بل السورة منذ أن بدأت وهي تتكلم عن النِعم فالارتباط بين هذا المثل وهو مرتبط بالنِّعم وما ورد في السورة واضح جدا لأنه منذ أن بدأت وهي تناقش موضوع النِّعم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق