{ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَد }
(خَلَقْنَا) خلق : فعل ماض، والنون ضمير متصل في محل رفع الفاعل وهي نون العَظَمة ، والفاعل : هو الله جل و علا.
والخلق أحد خصائص الربوبية وخصائص الربوبية أربعة لا دخل لغير الله جل وعلا بها فهي خاصة بالله، وأركانها:
أولها : الخلق كما قال تعالى: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } وهذه الدليل الأول والخاصية الأولى.
وثانيها : المُلك كما قال تعالى: { لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ }.
ثالثها: التدبير كما قال الله جل وعلا : { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ } الرابع : العلم.
فهذه الأربعة الخلق والملك والتدبير والعلم خصائص ربوبية الله جل وعلا للخلق.
قوله : { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَد } خلق الله جل وعلا للإنسان في كبد { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَد }
الإنسان : معروف الألف واللام تفيد الإستغراب أي جميع الناس، وقيل المراد: آدم.
فسواء حُمِل على الخصوص وهو آدم، أو حمل على العموم وهم آدم وذريته.
على القول الأول أن المراد به آدم ما هو المعنى إذا قال : { خَلَقْنَا الْإِنْسَان } يعني خلقنا آدم في كبد، ما معنى خلقنا آدم في كبد إذا كان الإنسان آدم؟
قال اهل العلم القائلين بهذا القول : إن الكَبَد المراد به كبد السماء ويقال : في كبد السماء أي في وسطها، وآدم خُلق في السماء آدم، لم يُخلق على وجه الأرض فقد ورد في الحديث أن الله جل وعلا لما أراد خلق آدم بعث إلى الأرض ملكاً فقبض من أديمها قبضة -يعني من ظاهر الأرض قبضة- ثم عرج بها إلى الله فخُلق من تلك القبضة آدم ولذلك سجد الملائكة كلهم اجمعون لآدم في السماء قال : { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } إذن خلق آدم كان في كَبَد، وكَبَد الشئ وسطه يعني في وسط السماء.
والسماء إذا اطلقت يراد بها:
/ العلو.
/ قد تُطلق السماء على السحاب كما قال الله تعال:{ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً }
/ وقد تُطلَق السماء على السماء نفسها كما قال تعالى: { سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِنْ تَفَاوُتٍ }
وإذا أُفردت السماء فإنها تشمل السماوات كلها إذا أفردت السماء من غير قيد بالسماء الدنيا فإنها تشمل السماوات السبع كلها.
في أي سماء كان خلق آدم ؟ وفي أي سماء كان وجود آدم ؟
منهم من قال في السماء الدنيا ومهم من قال فوق السماء السابعة، لكن ورد في حديث الإسراء والمعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم التقى بآدم في السماء الدنيا فهذا مستقر الأرواح ، جميع أرواح بني آدم خُلِقت في السماء الدنيا ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء قال : (فاستفتحتُ -أي استفتح جبريل- في السماء الدنيا فقيل : من ؟ قال : جبريل ، قيل : من معك ؟ قال : محمد ، قيل : أوبُعث إليه ؟ قال : نعم، فَفُتحت السماء ثم دخل جبريل ودخل محمد صلى الله عليه وسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم :فإذا برجل جالس عن يمينه أسودة وعن يساره أسوِدة إذا نظر يمنة تبسم وإذا نظر يسرة اشمأز فقلت لجبريل : من هذا؟ قال : هذا آدم، فقلت وما هذه الأسوِدة عن يمينه وعن يساره؟ قال : هذه نِسمُ بنيه) يعني أرواح أبنائه.
فإذا كان المراد بالكَبَد السماء فيكون المراد بالإنسان الناس جميعا ، ويكون المراد أرواح الناس خلقت في السماء الدنيا، وإذا أراد الله خلق إنسان وكوّنه أرسل ملكاً فقبض روحه من السماء الدنيا ثم نزل بها إلى جسمه في رحم أمه فتُنَفخ فيه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه : (يُجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يُرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ) وهذه الروح على قدر كمالها يكون قدر المَلَك المُرسل إليها فإذا كانت الروح مُعظمة عند الله أرسل لها ملكاً مقرباً كروح عيسى ابن مريم أرسل لها جبريل عليه الصلاة السلام يحملها إلى مريم قال : { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِياً } يعني جبريل عليه السلام ، وإن كان دون ذلك كان الملك الذي يحملها دون ذلك فالملائكة درجات كما قال الله عز وجل : { جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَىٰ } هذه درجة ،{ وَثُلَاثَ } درجة ثانية ، { وَرُبَاعَ } درجة ثالثة { يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ } حتى تصل إلى جبريل عليه السلام كم عنده ؟ ستمائة جناح وقد يكون هناك ماهو أكثر من ذلك.
{ ِ لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ }
القول الثاني : أن الكبد المراد به التعب والنصب والمشقة وهذا القول هو الراجح لأن الإنسان فعلاً خُلق في مشقة، فمن نظر إلى خلق الإنسان من بدايته إلى نهايته يجد أن المشاق والمتاعب مع هذا الإنسان منذ كان نطفة إلى أن يكون جثة جامدة في قبره.. كيف ؟
أول ما تخرج النطفة وتجري في الرحم لا قرار لها، ثم تكون مضغة معلقة، ثم تكون عظاماً، ثم تُكسى العظام لحما، ثم تنفخ فيه الروح، ثم تبدأ بعد ذلك المشاق والمتاعب، أول ما يخرج يخرج بمشقة قال تعالى : { ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ } لو لم ييسر الله لك سبيل الخروج من بطن أمك ما خرجت لكن سبحان من يسر لك الخروج ولذلك قال تعالى في شأن خروج الإنسان قال : { وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ }
وهذه الآية من أعجب الآيات فانظر إلى الإنسان في بطن أمه إذا عُمِّر أجله يُنكّس ، يكون منتصب فإذا انتهى أجله نُكِّس-أصبح رأسه أسفل- ولو لم يُنكّس الإنسان في بطن أمه لما خرج لأن الأرجل ما يمكن تخرج والرأس عند الخروج يكون لين فيلين الرأس حتى يخرج ويفتح الطريق لبقية الجسم ولو كان الرأس ليس عظماً لما خرج أيضاً لضَعُف ولكان الإنسان في مشقة لكن يسر الله له هذا السبيل { ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَه } فإذا خرج من بطن أمه تبدأ المتاعب يبدأ يتنفس الرئة كانت مطوية لأول مرة تشتغل يدخل الأكسجين ، الأمعاء لأول مرة تشتغل ، يدخل الحليب، الدورة الدموية كان الدم واقفا لأول مرة يجري جريانه في جميع الأوردة والشرايين، كان القلب ينبض لكن العروق لم تكن كلها تشتغل ، فإذا الإنسان يبدأ في الكبد يبدأ في النصَب من بداية ولادته، ثم يُكلّف بالمص -مص الحليب- كما قال تعالى في شأن الرضاعة قال : { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } وسنأتي أليها بعد قليل إن شاء الله لأن النجدين طريقي للبن وقد هدى الله سبحانه وتعالى إليها، وقيل النجدين طريق الحق والباطل إلى غير ذلك. فتبدأ المشاق وعند نبات الأسنان وخروجها مشاق أخرى، وعندما يكبر مشاق ومتاعب فكل الحياة مشاق، الأرض التي يمشي عليها جرداء، والسماء التي تُظله والحر والبرد وكل ذلك، كل هذه المشاق والمتاعب خُلق الإنسان فيها لماذا { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَد }؟ الله جل وعلا قادر على أن يخلق الإنسان في جنة ويبقى في جنة لكن خلقه في كبد لأجل أن يتعرف إليه فإذا جاع توجه إليه فأطعمه، وإذا عطش توجه إليه فسقاه، إذا مرض توجه إليه فشفاه، فأدخله حياة الكبد ليضطر إليه فيدعوه فيتعرف على ربه فيفلح، ولذلك كل الناس مؤمنهم وكافرهم ،عربهم وعجمهم عند الاضطرار يتوجهون إلى الله جل وعلا وحده لا شريك له { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَد }.
وقيل في قوله تعالى: { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَد } أي خلقنا الإنسان في كبد يعني اختبار ، والكبَد من الكبِد، والكبِد هي مكان الألم ،أشد ألم يعانيه الإنسان هو ألم الكبد، أيضاً أغلى شيء يملكه الإنسان بعد قلبه الكبد، ولذلك قالوا عن الأبناء هم الأكباد قالوا " أبناؤنا أكبادنا تمشي على الأرض".
{ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ * أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } طبعاً هذا الإنسان الذي خُلق في كبد يحسب أن لن يقدر عليه أحد، انظروا إلى التناقض في هذا الإنسان ، الإنسان عندما تسمع كلام القرآن عن الإنسان ترى العجب العجاب، هو ظلوم جهول ومع ذلك يحسب أن لن يقدر عليه أحد ومع ذلك إذا استغنى طغى وبغى، فجميع حديث القرآن عن الإنسان يبين حقيقة هذا الإنسان لكن رحمة الله وستره هي التي تجعل هذا الإنسان مكرم ومبجل وشي كبير، أما هو الإنسان في الحقيقة الله يستر عليه قال جل وعلا :{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ } ماذا ؟ { ظَلُومًا} هذه صفة ، الظلم ضده العدل ...يتبع
إذاً الإ نسان ما عنده عدل ، {جَهُولًا } الجهل ضده العلم الإنسان ما عنده علم ، فماذا أعطاه الله حتى يكون عنده الأمرين ؟
أعطاه الله الشريعة الإسلامية ليكون عنده العدل ، وأعطاه السمع والبصر والفؤاد ليكون عنده العلم فقال جل وعلا : { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } ماذا ؟ جُهَّال { لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَة } ، هذا السمع والصبر والفؤاد حتى تستفيد تحتاج إلى كبِد ، تحتاج إلى مشقة ، إلى بذل مجهود، العلم لا يُحصَّل بالراحة، إذا أعطيت العلم بعضك لن يعطك شييء، وإذا أعطيت العلم كُلك أعطاك بعضه ، وكل شي يحتاج إلى نكد حتى المال إذا جلست فالسماء لا تمطر ذهباً، فكل رزقك في كبد، كل حياتك في كبد، تحتاج إلى أن تبذل جهود حتى تحصل على رزقك وتحصل على ما قُدّر لك من الخير أو من عكسه ولذلك أيضاً مثال هذه الآية من القرآن قول الله تعالى : { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } لماذا ؟ { نَبْتَلِيهِ } من أجل البلاء { فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا } والبلاء يكون بالخير والشر {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً } ومنه قول الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ } تعرف الكدح ؟ { كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا } الإنسان مسكين يكدح يكدح ، والكدح : هو بذل مجهود شديد. فهو في كبد وفي كدح وفي ابتلاء وفي ضيق وفي مشقة حتى ييسر الله عز وجل عليه { إِنَّكَ كَادِح إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا } ولذلك مهما كان تنعّم الإنسان في هذه الدنيا إذا دخل الجنة يعلم أنه كان في سجن وفي ضيق ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (يؤتى يوم القيامة بأبأس أهل الدنيا فيغمس غمسة في الجنة فيقول يقال : هل مر بك بأس قط ؟ قال : فيقول لا ) كذلك أنعم أهل الدنيا إذا دخل الجنة كأنه ما مر به نعيم قط لأن الجنة تُنسي ما قبلها .
{ أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } هنا (يَقْدِر) لها ثلاث تفاسير:
التفسير الأول : من القُدرة وهي القوة يعني عندما يطغى الإنسان يحسب أنه لا أحد يقدر عليه، لا أحد قوي عليه كما حصل لعاد { قَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّة } فطغوا وبغوا فأهلكهم الله جل وعلا، كذلك الإنسان عندما تشتد قوته يقول : لن يقدر عليَّ أحد وهنا جاءت العبارة : {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ}، { أَحَدٌ } من أسماء الله جل وعلا { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ومن ظن أو حسب أن الله جل وعلا ليس بقادر عليه لا يخلوا من حالين :
/ إما أن يكون هذا اعتقاد عنده فهذا كفر.
/ و إما أن يكون هذا الشيء حصل له من باب الخوف كما حصل للرجل الذي قال لأولاده : إذا أنا مت فحرقوني ثم ذروا رمادي نصفه في البر ونصفه في البحر فإن ربي لو قدر علي لعذبني عذاباً أليماً ، فلما مات أخذه أبناؤه فحرقوه وجعلوه رمادا ثم ذروا نصفه في البحر ونصفه في البر ثم جمعه الله قال : عبدي ما حملك على ما فعلت ؟ قال : الخوف منك يارب، قال اذهب فقد غفرت لك ) فهذا الخوف من الله يعني الذي حصل لهذا الشخص حتى فعل ما فعل هذا يغفر له لأنه ليس ظن أنه لايقدر عليه ولكن الدافع له هو الخوف ،أما من ظن أن الله لا يقدر عليه فقد كفر كفراً عظيماً وسيرى العذاب الأليم لا محاله.
القول الثاني : { أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } يقدر بمعنى نقدِر والقدر هو: الضيق والتضييق، ومثل قصة يونس عليه السلام { إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ } أن لن نضيق عليه والكبَد هو التضييق، والإنسان قد يحسب أن حياته كلها ستكون سعة ورغد من العيش كما هو حال صاحب الجنتين { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ } ماذا قال ؟ { قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا } يعني هذه الجنة دائماً موجودة { وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ } ماذا ؟ { خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا } انظر هذا الحسب الذي عنده ماذا نفعه ؟النهاية { ِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا }.
{ أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا } انظر المشكلة عندما يتكلم الإنسان بشيء وهو لم يفعله { أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا } طبعاً هذه الآية نزلت في رجل اسمه الأشد، هذا الأشد هو رجل كان إذا وقف على الجلد يأتي الرجال فيجذبون الجلد من تحت رجليه فتتقطع الجلد إلا موقع قدميه مش شدة قوته ويقول : لن يقدر علي أحد لا أحد اقوى مني، وأهلكه الله.
أيضاً فيها دليل على البعث لأن المشركين يقولون : أبد إذا متنا وكنا تراباً وعظاماً انتهى الموضوع لا أحد يستطيع يرجعنا بشر، وهذا الزعم تساءلوا فيه وكثُر الكلام حتى نزلت { عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } نبأ البعث وهذا الخبر جعلهم يعتقدون أنهم إذا ماتوا لا أحد يقدر أنه يجمعهم، وتتشابه هذه السورة وسورة القيامة في الافتتاح وفي الرد على هذا الموضوع، سورة القيامة { لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ * أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ } ماذا ؟ { أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ } وهذه { أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } يقدر عليه أحد في جمعه بعد موته وفي إحياءه بعد موته { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } ولا شك أن الإنسان في حياته يلاحظ الحياة والموت بين عينيه ألست تنام كل ليلة وتستيقظ ، أليس في بشترك ما تقطعه وترميه من شعر وأظافر وغير ذلك فما قُطع منك ميت وما بقي فيك حي فأنت تجمع بين الميت والحي في جسمك، وأيضاً تستيقظ وتنام فيقضتك حياة ونومك وفاة { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى }، ما تأكله دليل على الحياة والموت، الطعام من أين خرج من الأرض، الأرض ميتة كيف خرج منها الطعام؟ الله الذي أحياها { إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ } { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ } البيضة الميت من الدجاجة الحية، والدجاجة الحية من البيضة الميتة { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } وتأكل أنت من الذي خرج من الأرض الميته فتحيا به وهو ميت { وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُون } من قبوركم.
{ أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا } والمال اللُّبد : المال الكثير ، والعرب كثيراً ما يفتخرون بالمال الكثير، وعندما يكثُر مال الإنسان يطغى { إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} لكن هذا الذي يقول : { أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا } أهلكه في ماذا ؟ هل أهلكه في الخير؟ أو أهلكه في الشر؟ فإن كان أهلكه في الخير فأفضل شيء يُهلك فيه المال ما سيأتي ذكره هو اقتحام العقبة، وإن كان أهلكه في الشر فقد هلك وأهلك ،هلك ..أهلَك المال وأهلك هو نفسه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق