قال تعالى (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران:١٧٥]
(إِنَّمَا ذَلِكُمُ ) أي المثبط لكم الشيطان أي الشيطان يضخِّم الكفار في أعينكم ويجعل لهم هالة ، ويجعل منهم أصحاب قوة لا يمكن أن تُدحر ولا تُقهر ولا تُهزم ، فهذا هو الشيطان الذي يجعل لهم مثل هذا الانتفاش والتعاظم أو العظمة في نظر الآخرين .
(إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ) المعنى المتبادر الظاهر -والله تعالى أعلم- في قوله ( يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ) أي يخوفكم من أوليائه، وأولياؤه هم الكفار ، فالشيطان يخوف المؤمنين منهم ، يُلقي في نفوسهم أمورا يتعاظمون فيها قوة الكفار وما بأيديهم حتى يُشعِرهم أن هؤلاء الكفار قوة لا يمكن أن تُواجه ولا تُقهر.
الحاصل: أن هذا هو المعنى وليس معناها أن الشيطان يُخوف أولياءه أي أنه يُلقي الرعب والخوف في قلوب أوليائه ، ليس هذا هو المراد ، بل هو يُحرِّضهم على الإقدام على أهل الإيمان كما حصل في بدر لما زيّن لهم أعمالهم وقال (إني جار لكم) [الأنفال:٤٨] فهو الذي دفعهم إلى المواجهة.
وقوله ( يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ) أبلغ في المعنى فهو يجعل لأوليائه من الهالة والعظمة بحيث إن جانبهم يكون مهيبا مرهوبا فيرفعهم بهذا بخلاف ما لو قال يخوفكم أولياءه، يخوفكم أنتم، فالمعنى الأول أبلغ.
( يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ) أي يجعل لأوليائه في قلوب الناس .. في قلوب الخلق مخافة فيحسبون لهم حسابا ولا يجترئون على مواجهتهم .
فالمقصود: أن المعنى المتبادر من قوله ( يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ) أي يخوف المؤمنين من أوليائه لا أنه يخوف أولياءه من المؤمنين أو من غير ذلك لأنه من المعلوم أن الشيطان لا يخوف أولياءه وإنما يدفعهم ويشجعهم على المُضي لحرب أهل الإيمان ، فهو لا يُلقي الخوف في قلوبهم وإنما يجتهد أن يُلقي الخوف في قلوب المؤمنين، وهذا عام في الجهاد -في القتال- في سبيل الله عز وجل وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيجعل لأهل الباطل عظمة غير حقيقية ولو كان من أقل الناس شأنا -صاحب المنكر والباطل- فلا يجترئ عليه المؤمن -أحيانا- إذا قَبِل عن الشيطان هذا التأثير واﻹلقاء. يلقي في قلبه مهابة من هذا اﻹنسان ويجعل قلبه من الخواطر والوساوس ما يجعله ينصرف عن اﻹنكار عليه حتى لو كان صاحب المنكر من أبسط الناس، فلذلك ترى الإنسان -أحيانا- إنسانا يرى إنسانا بجانبه يأكل ويتكئ على يده أويشرب بيده اليُسرى أو نحو ذلك وﻻ يجترئ حتى على أن يلمسه فقط لينبهه.
ويجلس في المجلس يسمع الغيبة أصرح ما تكون واﻻستطالة في اﻷعراض ولربما الذي يقوم بهذا من أبسط الناس وليس له لا سلطان وﻻ يجترئ أن يقول كفّ عن أعراض الناس .. اتق الله ، فيسكت ويُداهن . هذا موجود.
فهذا كله من الشيطان يقول له إن أنكرت فإن هذا اﻹنسان قد يُسيء إليك أو قد يحصل مفسدة أكبر، أو -هذا اﻹنسان- قد يُقاطعك أو يفهم هذا على غير مُرادك أو نحو ذلك، فيترك اﻹنسان مثل هذه الأشياء، يصلي بجانبه إنسان يرى عليه ألوان المُنكرات ولا يُكلمه، أحيانا ﻻ يعرف يصلي من بجانبه وإذا سجد -يسجد بهذه الطريقة- يجمع يديه ويسجد على ظهور أصابعه ولا يجترئ يكلمه ولو كان من أبسط الناس، هذا من الشيطان.
---------------------------------------------------------------
تهذيب المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير / الشيخ خالد السبت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق