الأحد، 28 ديسمبر 2014

من هدايات سورة الشرح

د. محمد بن عبد العزيز الخضيري

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أما بعد...
 قدّمنا في سورة الضحى أنها في تذكير النبي صلى الله عليه وسلم بنِعم الله عليه وهذه السورة أيضاً تذكير بنعم أخرى على محمد صلّى الله عليه وسلم لكن النِّعم المذكورة في سورة الضحى كانت نِعم مادية والنعم المذكورة في سورة الشرح كانت نعم معنوية فالله سبحانه وتعالى قد امتن عليه بقوله:
 ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) فشرح الصدر من أعظم النِعم 
(وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ*الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) أي غفرنا لك ذنبوبك التي أثقلت كاهلك
(وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) هذه هي النعمة الثالثة من نِعم الله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم بيَّن له نعمة هي له ولسائرالخلق فقال: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)
وهي أن الله لم ينزل على عبده شدة إﻻ وجعل معها يسراً وخِفَّة ورحمة وهذا من فضل الله عز وجل على عباده وهي في الوقت ذاته تطمين لهم إذا نزلت بهم المصائب وحلّت بهم الكروب أن ينتظروا فرج الله جلّ وعلا  (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً )
ثم بيَّن له سبيل الشكر كما بيَّن في سورة الضحى قال: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)
تأملوا معي يا إخواني هذه النِّعم التي ذكّر الرب سبحانه وتعالى بها نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وافتُتحت هذه النِّعم بنعمة شرح الصدر،  ولا شك أن نعمة شرح الصدر من أجلّ نِعم الله على عبده وأن العبد ينبغي له أن يسأل ربه دائما وأبدا أن يشرح الله صدره لأنه إذا انشرح صدره أدى عمله بإقبال ورَوح وراحة، وإذا انشرح صدره دعا الناس برفق وتعامل مع أهله برحمة وَرَبى أولاده بلِين وطيبة نفس ويُحسن في عمله ، ولذلك لما كلّف الله موسى عليه الصلاة والسلام بالنبوة وحمّله هذه الرسالة العظيمة قال موسى (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي) [سورة طه : 25-29] فبدأ بشرح الصدر لأن الداعيَة أحوج ما يكون إلى أن يكون صدره مشروحاً حتى يتحمل ما يلاقيه من أذَى الناس وحتى يُقبِل ويقول ما عنده من الدعوة للناس بصورة طيبة.
الأمر الثاني: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) هذا وعد كريم من الله عز وجل مؤكد مرتين ليطمئن العباد إلى هذا الوعد وهو أن كل عسر نزل بالعباد فإن الله قد جعل معه يسرا فلا تظنن أن شدة تنزل بك إلا وقد جعل الله معها يسرا فانتظر فرج الله سبحانه وتعالى وقد قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه في هذه الآية: "لن يغلب عسُرٌ يسريين"، فالعسر في الآيتين قد ذُكر مرتين لكنه ذُكر معرّفا والمعرفة -كما يقول العلماء- إذا تكررت في الجملة فإنها لا تدل على التعدد ولذلك قوله  (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) هما عسُرٌ واحد، أما (يسرا) فقد جاءت مُنكّرة والمُنكّر إذا جاء في الجملة مُكرراً دلّ على التعدد، إذا لن يغلب عُسر واحد يُسرين فابشر ياعبد الله يا من ابتُليت بضُّر، يامن ابتليت بمرض، يامن ابتليت بفقر، يامن ابتليت بدين، أبشر بفرج الله عز وجل وترقّب هذا الفرج من الله جل وعلا.
المُقدِّم: بالذات وأنها جاءت في سياق الدعوة إلى الله عز وجل والأذى الذي يتعرض له النبي صلى الله عليه وسلم ، جاءت هذه الآية لتطمئن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ومن بعده في هذا الدرب أن أي أذى آتٍ إنما بعده اليسر والتوفيق والتسهيل من الله سبحانه وتعالى.
 وهذا ما حدث لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد أُوذي أذى شديداً حتى طُرِد وأُخرج من أحبّ البقاع إلى الله وأحبّ البقاع إلى نفسه وهي مكة فماذا حصل بعدها، حصلت بعدها الفتوح والخير والغنائم والمال وإسلام الناس (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)) .
لكن في النهاية نعود ونقول كلما أنعم الله عليك بنعمة فعليك أن تبحث عن سبيل لشكر تلك النعمة وأن تُسخِّرها لطاعة الله ولا تظن أنها جاءت لتكون جزاءً من دون أن يكون منك ما يقابلها من الشُكر.
 ففي سوره الضحى قال (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى) وقال (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ) وهنا قال ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)
 (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) النهاية (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) إذا فرغت من شغلك فانصب في عبادة ربك، وإذا فرغت من شغلٍ دِينٍ فانصب في شغل دنيا، وإذا فرغت من شغل دنيا فانصب في شغل دين ولا يبقى المسلم فارغا في حياته أبداً.
 (وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) يعني اجعل رغبتك وحاجتك عند الله سبحانه وتعالى فهو الذي يحقق الحاجات.
 نسأل الله عز وجل أن ينفعنا جميعا بكتابه وبالهدايات التي تضمنها هذا الكلام الرباني وصلى الله وسلم على نبيه وحبيبه محمد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق