الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

من هدايات سورة البلد

د. محمد بن عبد العزيز الخضيري

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أما بعد..
  هذه السورة أقسم الله عزوجل فيها بهذا البلد الذي هو مكة وأقسم فيها بقوله (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) وجواب القسم (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) هذه حقيقة يجب أن يعيها كل مسلم بل يجب أن يعيها كل إنسان وهو أن هذه الدنيا دار ابتلاء وأن الإنسان لا يمكن أن يتنعم فيها نعيما دائماً ولا أن يلتذ بها لذة كاملة بل هي منغصة، التنغيص مخلوطٌ بكل جزئياتها وهذا مما يهون الأمر والبلاء على نفس المؤمن إذا علم أن هذا هو قدر الله وأمره في هذه الحياة وأن الإنسان مخلوق ليكابد، فهو يكابد عندما يكون جنين، ويكابد في صباه وطفولته، ويكابد عندما يكون في حال غُلمته وشبابه، ويكابد في حال كهولته وفي حال هرمه، فهو في كبدٍ ولن يترك هذا الكبد حتي يضع أول رجلٍ له في الجنة ، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها.
 ثم في هذه السورة قول الله عز وجل (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) هذا يقوله ربنا سبحانه وتعالى عتابا لأؤلئك الذين كفروا به وأولئك الذين اغتروا بما أوتوا من أموال فكانوا يقولون (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا) يعني يقول الواحد منهم أهلكت مالا كثيرا في ملذاتي وفي حاجاتي وفي توسعي في أموري وشهواتي فالله عزوجل يذكره ويقول له (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ * أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) أي وضحنا له الطريق طريق الحق وطريق الباطل فلا يمكن أن يأتي إنسان ويقول التبس على الأمر لم أعرف الفرق بين الإيمان والكفر ولا بين التوحيد والشرك ، ولا بين الظلم والعدل، ولا بين الكذب والصدق، بل هذا واضح بالفطرة، وقد جعل الله في فِطرِنا ما نعرف به ونُميّز بين الحق والباطل والضار والنافع فهذه حجة من الله عليك.
 ثم قال الله عزو وجل (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَة * فَكُّ رَقَبَةٍ)
أي هلا اقتحمت يا ابن آدم هذه العقبة!! إن العقبة هي: الأعمال الصالحة التي تجوز بها -بإذن الله عز وجل- نار جهنم ولذلك فسرها بقوله (فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) يعني أن من فعل هذه الأشياء التي هي عقبة لأنها شديدة على النفوس لا يجتازها الإنسان ولا يفعلها إلا بإيمان صادق وعزيمة وشكيمة قوية يتحمل بها هذه الدوافع والنوازع النفسية فيقول الله عز وجل له (فَكُّ رَقَبَةٍ) تفك الرقبة أي تعتق الرقاب في سبيل الله ، أو تطعم في يوم ذي جوع شديد (يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ) أي يتيما قريبا منك، (أَوْ مِسْكِينًا) أي فقيرا (ذَا مَتْرَبَةٍ ) أي قد لصق بالتراب من شدة الفقر .
ولا يكفي هذا، يعني لا تكفي صورة العمل الصالح بل لابد من اقتران الاعتقاد الصحيح معها وهو الإيمان ولذالك قال (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) تأملوا عباد الله كيف قرن بين اﻹيمان والتواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة، ﻻبد من هذه الأمور أن نكون مؤمنين ويوصي بعضنا بعضا بالصبر ويوصي بعضنا بعضا بالرحمة، الرحمة على الصغار ، على الإناث، على الضعاف، على الأيتام، على المساكين لابد من هذا ، ومجتمع يخلو من هذه الرحمة ومن التواصي بها مجتمع حري به أن تنزل به عقوبة الله عز وجل .
اسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ينفعنا بما سمعنا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق