الأحد، 28 ديسمبر 2014

من هدايات سورة التين

د. محمد بن عبد العزيز الخضيري


 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ...
سورة التين أقسم الله عز وجل فيها بأربعة أشياء فقال:
(وَالتِّينِ) هذا الأول
(وَالزَّيْتُونِ) هذا الثاني
(وَطُورِ سِينِينَ) هذاالثالث
(وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) هذا الرابع
وهذه الأمور التي أقسم الله بها أمور عظيمة، يقول العلماء "أن الله يقسم بالشيء إما لعظمته أومنفعته"
فالمنفعة في: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ)
والعظمة في: (وَطُورِ سِينِينَ*وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) فهذان مقران أو موقعان عظيمان جعل الله عز وجل فيهما أو لهما شأنا كبير
 أما طور سينين فهو المكان الذي كُلِّم فيه موسى عليه الصلاة والسلام وكُلِّف بالرسالة
اما هذا البلد الأمين فهو مكة التي كانت مولد رسول الله صَلى الله عليه وسلم ومحلّ بعثته عليه الصلاة والسلام، فكأنه يقول هذه مواقع الهداية التى هُديت فيها البشرية.
 فإن قلت لماذا ذكر موسى وذكر محمد ولم يذكر عيسى عليه الصلاة والسلام؟ قلنا بل أشار إليه في قوله (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) فإن محل هاتين الشجرتين هو أرض فلسطين التي وُلد فيها عيسى عليه الصلاة والسلام . فكأن هذه السورة قد أشارت إلى محل الرسالات الثلاثة.
ماهو المقسم عليه؟ (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) هذه منَّة من الله على عبده يقول: ياعبدي قد خلقتك في أحسن صورة وأكمل قوَام وعليك أن تذكر هذه النعمة فتشكرها وتؤدي حقّها الذي أوجبه الله سبحانه وتعالى عليك، لقد خلقناك أيها الانسان في هذا القوام الحسن ولكنك مع ذلك أبيت إلا أن ترتكس وأن تتدسا ولا تزكي نفسك، وأنا أُشبّه من يزكي نفسه ومن يدع نفسه على ماهي عليه بإنسان في وسط جبل فإن هو تجشم الصعاب وصعد فإنه سيصل إلى المكان الأعلى،  وإن هو ترك نفسه على ماهي عليه فإنها ستنزل به إلى الوادي السحيق وإلى المكان الأسفل لمحبتها للدَعة والسكون والراحة والمشتهيات وما يتوافق معه لأنها خُلقت من التراب فلذلك تحب التراب، أما الروح جاءت من الملأ الأعلى فهي نفخة الرب سبحانه وتعالى فهي تحب أن تصعد الى الملأ الأعلى فينبغي لك أيها الإنسان أن تشكر نعمة الله سبحانه وتعالى لذلك قال (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) فالإيمان والعمل الصالح هما سبيل الشكر والصعود بهذه النفس إلى مدارج الكمال ومحال الكرامة.
 ولاحظوا إخواني كيف أن الرب سبحانه وتعالى يقرِن كثير بين الإيمان والعمل الصالح ، الإيمان هو ذلك اليقين الصادق في النفس الإنسانية، هو ذلك الإيمان والاعتقاد الجازم بما أوجب الله سبحانه وتعالى أن يعتقده الإنسان (الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الاخر وبالقدر خيره وشره ) وهذا لا يكفي وحده لكي ينال الإنسان الثمرات النافعة والسعادة الحقيقية بل لابد أن يقرِنه بالعمل، والعمل وحده لا يكفي بل لابد أن يكون موصوفا بأن يكون صالحا، والصالح لا يكون صالحا إلا إذا جعله الإنسان أو توفر فيه شرطان:
الأول : إخلاص النية لله جل وعلا .
الثاني: متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال فهؤلاء لهم من الله سبحانه وتعالى أجر غير منقوص (غَيْرُ مَمْنُونٍ) أي غير منقوص ولا مقطوع، لا ينقص ولا ينقطع وهو الجنة فهي جزاء دائم ثابت مستقر لا ينقص أبدا ولا ينقطع أبدا.
  وقوله (فَلَهُمْ أَجْرٌ) نكّرها من أجل أن يُبين عِظمها فالتنكير أحد الوسائل لتعظيم الأمر.
  إذا علينا أحبتي من أجل أن نشكر نعمة الله عزوجل علينا في أبداننا وفي أنفسنا وأموالنا وفي ما آتانا الله جل وعلا أن نلزم الإيمان والعمل الصالح، فإذا لزمناهما شكرنا النعمة واستحققنا ذلك الأجر الذي وصفه الله بأنه (غَيْرُ مَمْنُونٍ)، وإذا قصّرنا في شيء من ذلك فلا نلومن إلا أنفسنا.
لمحة سريعة يا دكتور : وصف الله عز وجل لهذا البلد بالأمين ماذا وراءه؟
ربنا سبحانه وتعالى قد أمّن هذا البلد فجعله آمنا قال (ومن دخله كان آمنا ) وحكم بأن يأمن فيه كل شيء ولذلك لا تُلتقط لقطته ولا يُنفّر صيده ولا يُختلى خلاه لأن الله جعله آمنا، وعلى كل مسلم أن يُحقق ما جعله الله عز وجل في هذا البلد فيحرص على تأمين هذا البلد من أي خوف ومن أي عُدوان ومن أي إفساد يجعل هذاالبلد غير أمن. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق