الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

من هدايات سورة القدر

د.محمد بن عبد العزيز الخضيري



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أمابعد ...
هذه السورة لاشك أن موضوعها هو ما امتنّ الله به على عباده المؤمنين مِما جعل في ليلة القدر من الكرامة والفضل العظيم الذي ينبغي أن يفرح به المؤمنون ويُشَمِّر له العابدون.
 هذه السورة يمكن أن نأخذ منها جملة من الفوائد ونقف معها بعض الوقفات:
 الأولى: في قوله (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) المُنزل هنا هو القران والضمير يعود إليه بإجماع المفسرين والمقصود أنزلناه من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا وكان هذا الإنزال لأجل أن يعلم به أهل السماء وليكون في ذلك الإعلام بشرف هذا الكتاب وشرف هذه الأمة وشرف هذاالنبي الذي سينزل عليه هذا الكتاب وما اختار الله عزوجل له هذه الليلة العظيمة الفاضلة إلا ليعظُم مقداره ويشرُف وهذا يدلنا على أن هذا الكتاب ينبغي أن يكون في أجل المنازل وأعظم المواقع وألا نستهين به وأن نقدُره حق قدره.
 ثم في قوله (لَيْلَةِ الْقَدْرِ)  إما أن تكون سُميت بالقدر من التقدير، وإما من المنزلة والشرف
 فإن كانت من التقدير فهذا دلالة على أن هذا الكون قد نُظِّم تنظيماً هائلاً وعظيما وأن الرب سبحانه وتعالى يقدُر لكل شئ قدره وأن العباد ينبغي لهم أن يخططو لأُمورهم وينظموا أحوالهم وألا يجعلوا أمورهم سبهللا، انظروا كيف قدّر الله المقادير وكتب هذه المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ثم إن هذه المقادير أيضاً تُكتب كل عام وتُقدر في ليلة محددة يُعرف أو ينزل من اللوح المحفوظ ما يكون في ذلك العام وهذا من تقدير الله عزوجل وضبطه لما يكون في شؤون خلقه .
ثم من الوقفات: ماهو متصل بالفضل العظيم الذي يجعله الله سبحانه وتعالى في بعض الأعمال أو في بعض الليالى والأزمان أو في بعض الأماكن وفضل الله لا حدود له، فانظروا إلى عمل في ليلة واحدة يساوي في ميزان الله عز وجل عملاً في أكثر من ألف شهر فالعمل في ليلة القدر خير من العمل في ألف شهر لمن قبِل الله عز وجل منه العمل فيها، وهذا فضلٌ من الله وفضل الله عز وجل لاحدود له (والله ذو الفضل العظيم) ولا نستكثر ذلك فإن العمل في تلك الليلة يُساوى عمرا كاملاً وزيادة لأنه ألف شهر تساوى قرابة ٨٣ سنة و٤ أشهر وهذا خير كبير ولذالك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر شَمّرعن ساعد الجد واعتزل أهله وفراشه عليه الصلاة والسلام وقام أو أحيا ليله يطلب هذه الليلة -والتي تكون عادهً من بين ليلة إحدى وعشرين إلى نهاية شهر رمضان- يطلب هذه الليلة لعله أن يدركها بما هو عليه من الحال من القيام والدعاء والذكر والابتهال لله سبحانه وتعالى. فعلى المسلم أن يحرص على ذكر الله ودعائه وقيام تلك الليلة لعله أن يظفر بأن يكون من القائمين فيها فتكون خيرا له من ألف شهر فيكون بذلك قد عاش عمراً جديداً وعمراً ثانياً سيرى أثره وعِظم أجره عند الله سبحانه تعالى.
ثم في قوله: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا) من الوقفات فيها: أن كل مكان تكون فيه الملائكة فهو طيب وأن كل مكان أوزمان تخلو منه الملائكة هو مكان خبيث ولذلك الملائكة لا تأتي إلى أماكن الخلاء ولا إلى المكان الذي فيه إنسان جُنب وعلى الإنسان أن يحرص على أن يكون في الأماكن التى تعتادها وترتادها الملائكة مثل المساجد فهي أحب البقاع الى الله والمسلم إذا دخل المسجد فإن الملائكة تدعو له وتصلى عليه مادام في مُصلاه وتقول: "اللهم اغفر له اللهم ارحمه" مالم يُحدِث فيه وهذا يجعل كل واحد منا حريص على دخول الملائكة إلى بيته وإلى المكان الذي هو فيه.
 ومن موانع دخول الملائكة للمحل الذي فيه الإنسان الصور والأجراس فإن على الإنسان أن يُخلي المكان الذي يبيت فيه أويجلس فيه من هذين الأمرين خِلافا لمن يتهاون في وضع المُجسمات والأشياء التي تطرد الملائكة. 
اقرأ المزيد...

الاثنين، 29 ديسمبر 2014

الحلقــ الرابعة عشر ـــة/ أعظم الإصلاح ما يكون في داخل القوم



سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الهادي الأمين على حبيبنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين… (فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ)
 وقفة مهمة جدا: تأملوا في أول السورة (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)
هذا المشهد يدفعنا إلى أن نقول -كما قلت سابقا- أُهلك فرعون.. خُسف بفرعون فإذا هو يُوحَى لأمه أن تُرضعه وهاهي الآن بدأت مرحلة الرجوع إلى تحقيق الرسالة لما يؤدي في النهاية إلى تحقيق الوعد بإهلاك فرعون، كم بينهما؟ قال العلماء بينهما أربعين سنة ، أربعين سنة بين هذا ما نسمعه (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ) وبين (فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ) أي الرسالة. قال بعض العلماء: إن موسى لما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما كان داعية لأنه ورِث الرسالة لكنه لم يكن وقتها رسولا إنما أُرسل وبُعث بما في هذه الآية أي بعد أن انتهى الأجل ، وهذا واضح وصريح. إذا كم بينهما على القول الذي ذكره العلماء والمفسرون وأشرت إليه سابقا؟ أربعون سنة.
ماذا يقول المتعجلون!! أليس فرعون يبطش ويُهلك ويدعي أعظم من ذلك، يدعي الألوهية ويقول أنا ربكم الأعلى!! ويبقى موسى أربعين سنة منها عشر سنوات يرعى الغنم ويقول الله جل وعلا (ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) المهمات العظيمة، الرسالة والرسائل تحتاج إلى إعداد عظيم، هكذا كان، موسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل كلّمه الله تكليما بُعث ... أُرسل أمام طاغية من أعظم طغاة التاريخ إن لم يكن هو أعظم طُغاة التاريخ يُعدّ أربعين سنة. هذا معنى عظيم جدا.
 ماذا يقول أولئك المتعجلون الذين يريدون وهم لازالت أعمارهم عشرين سنة!! يريدون أن يغيروا الأرض في لحظات. محمد صلى الله عليه وسلم يبقى أيضا وقريش في ظلمها وعُتوها وطُغيانها وشِركها وجبروتها بما فيها فرعون هذه الأمة أبو جهل وغيره من أشكاله وأصحابه فله أصحاب، يبقى النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة حتى يُبعث لكن خلال هذه الأربعين في قصة موسى أو في قصة محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يُعَدُّون، كانوا يُهيؤن لأن المهمات والمسؤوليات الكبرى تحتاج إلى إعداد ولهذا فهي رسالة إلى الدُعاة إلى الله أن ينتبهوا إلى أن الأمر ليس فيه عجلة، أن يتعلموا فقه التدرج. الله سبحانه وتعالى قادر على أن يخلق السموات والأرض بكلمة “كن فيكون” (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) في كم خلق السماوات والأرض؟
الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل الحمل لحظة ومع ذلك بين ستة أشهر إلى تسعة أشهر، سُنن كونية سُنن التدرج نجدها في هذه الآيات .
إذا بُعث موسى بعد هذه المرحلة الطويلة من الإعداد والتهيئة فالأمر جد لا تدفعنا ضغوط الواقع إلى أن نتصرف خطأ، أما إذا كان التصرف صحيحا، إذا كان على منهج صحيح لاشك أننا مُطالبون بمنع الفساد وبتخفيف المفاسد كل هذا صحيح ، لا أقول نقف نتفرج، لا يُفهم مني هذا الكلام لكن أن يُؤتى الشيء.. من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه ، ولهذا لاحظوا ما وقع في بعض الدول لأن الأمور لم تنضج بعد كيف تكون المآلات، وكل شيء له زمن وله وقت، تأملوا في النخلة والنجدين هذا الزرع اليسير الذي تبذره اليوم ويخرج بعد أسبوع يُثمِر تأتيه الريح وتسفُه، النخلة تبقى سنوات حتى تُنتج لكن الله ضرب بها المثل (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) أما الأخرى -العَجِل- ينتهي. وكل شيء له بُعد .. له آثار يحتاج إلى إعداد فلذلك بُعث بعد هذه المرحلة الطويلة حتى إن رعي الغنم لاشك كان مرادا (ما من نبيّ إلا رعى الغنم) والله سبحانه وتعالى لا يُعجِّله شيء، مقتضى حكمته سبحانه وتعالى، نتعلم هذه الدروس العظيمة.
ثم بعد ذلك نجد أن موسى ما أعلن دعوته وما بعثه الله وهو في مدين رجع إلى مصر، فالدعوات تكون في داخل القوم (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ) أعظم الإصلاح ما يكون في داخل القوم .. من يعرفك وإلا يستغربون دعوتك. الذين يريدون أن يُصلحوا بلادهم من خارج بلادهم قد لا يُفلحون -أقول قد- نعم ممكن أن يذهب الإنسان من بلده إلى بلد آخر ليدعو إلى الله جل وعلا ليُصلِح البلد الفلاني، الأرض كلها بلاد الله جل وعلا (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا) لكن أنا أتكلم عن حقيقة ثابتة من يريد أن يُصلح بلده يُصلحه من الداخل وليتحمل المشكلات.. يتحمل العقبات .. يتحمل المصائب، يريد الجنة بدون ثمن (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا) يكون من داخل بلده يتحمل الأذى من سُخرية .. من سجن .. من قتل (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) أنبياء قُتلوا، زكريا ويحي عليهم السلام قُتلوا، أصحاب الأخدود قُتلوا. فهذا معنى عظيم جدا. أما إذا كنت تقول لا لا أريد أنا لا أستطيع أن أدعو في بلدي أريد أدعو في الشمال أو في الغرب، أرض الله، كلها أرض الله اذهب وادعو، أما أن تريد أن تُصلح بلدك وأنت من الخارج لا يُطيعك الناس، إذا لم تعش معهم وتتحمل آلامهم ومشكلاتهم لا يستجيبون لك إلا استجابة ضعيفة . هذا أمر يغيب عن البال. فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد بيّن أنه ما أرسل من نبيّ إلا بلسان قومه فكذلك يكون في داخل قومه. موسى رجع إلى مصر التي هي بلده ليبدأ مع هذا المحاورة والناس يرونه ويتحمل ما جاءه من أذى وتهديد وبهذا تُفلِح الدعوات ولهذا استجاب له بنو إسرائيل لم يستجب فرعون ومن معه لكن استجاب له بنو إسرائيل لأنه يعيش معهم آلامهم وأحزانهم، ما جلس في بلاد مدين ويُرسل إلى مصر من يدعو أهل مصر، ذهب هو واتخذ لذلك العُدة والأُهبة -كما سيأتي- استعد لهذه المرحلة العظيمة وبيّن له ربه ما يواجهه من عقبات كيف يواجهها . هذه معانٍ تغيب أحيانا عن أذهاننا في قصة موسى عليه السلام ولذلك نحتاج إلى أن فعلا نقوم بالإصلاح بما نستطيع ولنتهيأ بعد ذلك لِما قد يحدث فلذلك قال الله جل وعلا (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ) بدأت المرحلة .. بدأ الوحي، وجد نورا ولم يجد نارا، وجد نور الله جل وعلا ثم هنا أُوحي إليه في البقعة المباركة لأن الأمر مبارك والرسالة مباركة والنبيّ مبارك وهذا الأمر جاء من الله جل وعلا واهب البركة ولهذا ألفِت لفتة سريعة : (البقعة المباركة) أحيانا بعض الناس لما يدخل بيته يقول تبارك البيت، أو يركب السيارة الجديدة يقول حتى تتبارك السيارة، لا .. لا ، هذا خطأ ، لا يأتي هذا إلا لله -على القول الصحيح- تبارك الله رب العالمين، ما جاء في القرآن (تبارك) إلا لله جل وعلا لأنها صيغة تفاعل، لكن ممكن تقول تأتي البركة … ليست بأول بركتكم يا آل أبي بكر، أما تبارك -وهي شائعة مع كل أسف- خطأ فالله جل وعلا هو الذي يبارك غيره أما البيت فلا يتبارك بنفسه ولا تتبارك السيارة بنفسها ولا غيره فتقول لعل الله أن يبارك بمجيئك، نعم هذا لا حرج فيه، لعل الله أن يجعل فيك البركة، لا حرج فيه.
هنا يقول الله جل وعلا (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) موسى كلّمه الله تكليما ولذلك يسمى كليم الله وهذه لاشك ميزة عظيمة جدا له وكل نبيّ تجد له ميزة معينة، وكلّم الله محمد صلى الله عليه وسلم لما عُرج به إلى السماء في قضية الصلاة وغيرها .
أسأل الله جل وعلا أن يُبارك فيكم، لا تنسوا الدعاء لإخوانكم المجاهدين والمستضعفين، أسأل الله أن يُبارك فيكم وفي هذا الإفطار الذي نُفطره ومن هذه البركة التي أعطاكم الله جل وعلا ساعدوا إخوانكم لِتعمّ البركة للجميع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اقرأ المزيد...

الأحد، 28 ديسمبر 2014

من هدايات سورة التين

د. محمد بن عبد العزيز الخضيري


 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ...
سورة التين أقسم الله عز وجل فيها بأربعة أشياء فقال:
(وَالتِّينِ) هذا الأول
(وَالزَّيْتُونِ) هذا الثاني
(وَطُورِ سِينِينَ) هذاالثالث
(وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) هذا الرابع
وهذه الأمور التي أقسم الله بها أمور عظيمة، يقول العلماء "أن الله يقسم بالشيء إما لعظمته أومنفعته"
فالمنفعة في: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ)
والعظمة في: (وَطُورِ سِينِينَ*وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) فهذان مقران أو موقعان عظيمان جعل الله عز وجل فيهما أو لهما شأنا كبير
 أما طور سينين فهو المكان الذي كُلِّم فيه موسى عليه الصلاة والسلام وكُلِّف بالرسالة
اما هذا البلد الأمين فهو مكة التي كانت مولد رسول الله صَلى الله عليه وسلم ومحلّ بعثته عليه الصلاة والسلام، فكأنه يقول هذه مواقع الهداية التى هُديت فيها البشرية.
 فإن قلت لماذا ذكر موسى وذكر محمد ولم يذكر عيسى عليه الصلاة والسلام؟ قلنا بل أشار إليه في قوله (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) فإن محل هاتين الشجرتين هو أرض فلسطين التي وُلد فيها عيسى عليه الصلاة والسلام . فكأن هذه السورة قد أشارت إلى محل الرسالات الثلاثة.
ماهو المقسم عليه؟ (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) هذه منَّة من الله على عبده يقول: ياعبدي قد خلقتك في أحسن صورة وأكمل قوَام وعليك أن تذكر هذه النعمة فتشكرها وتؤدي حقّها الذي أوجبه الله سبحانه وتعالى عليك، لقد خلقناك أيها الانسان في هذا القوام الحسن ولكنك مع ذلك أبيت إلا أن ترتكس وأن تتدسا ولا تزكي نفسك، وأنا أُشبّه من يزكي نفسه ومن يدع نفسه على ماهي عليه بإنسان في وسط جبل فإن هو تجشم الصعاب وصعد فإنه سيصل إلى المكان الأعلى،  وإن هو ترك نفسه على ماهي عليه فإنها ستنزل به إلى الوادي السحيق وإلى المكان الأسفل لمحبتها للدَعة والسكون والراحة والمشتهيات وما يتوافق معه لأنها خُلقت من التراب فلذلك تحب التراب، أما الروح جاءت من الملأ الأعلى فهي نفخة الرب سبحانه وتعالى فهي تحب أن تصعد الى الملأ الأعلى فينبغي لك أيها الإنسان أن تشكر نعمة الله سبحانه وتعالى لذلك قال (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) فالإيمان والعمل الصالح هما سبيل الشكر والصعود بهذه النفس إلى مدارج الكمال ومحال الكرامة.
 ولاحظوا إخواني كيف أن الرب سبحانه وتعالى يقرِن كثير بين الإيمان والعمل الصالح ، الإيمان هو ذلك اليقين الصادق في النفس الإنسانية، هو ذلك الإيمان والاعتقاد الجازم بما أوجب الله سبحانه وتعالى أن يعتقده الإنسان (الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الاخر وبالقدر خيره وشره ) وهذا لا يكفي وحده لكي ينال الإنسان الثمرات النافعة والسعادة الحقيقية بل لابد أن يقرِنه بالعمل، والعمل وحده لا يكفي بل لابد أن يكون موصوفا بأن يكون صالحا، والصالح لا يكون صالحا إلا إذا جعله الإنسان أو توفر فيه شرطان:
الأول : إخلاص النية لله جل وعلا .
الثاني: متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال فهؤلاء لهم من الله سبحانه وتعالى أجر غير منقوص (غَيْرُ مَمْنُونٍ) أي غير منقوص ولا مقطوع، لا ينقص ولا ينقطع وهو الجنة فهي جزاء دائم ثابت مستقر لا ينقص أبدا ولا ينقطع أبدا.
  وقوله (فَلَهُمْ أَجْرٌ) نكّرها من أجل أن يُبين عِظمها فالتنكير أحد الوسائل لتعظيم الأمر.
  إذا علينا أحبتي من أجل أن نشكر نعمة الله عزوجل علينا في أبداننا وفي أنفسنا وأموالنا وفي ما آتانا الله جل وعلا أن نلزم الإيمان والعمل الصالح، فإذا لزمناهما شكرنا النعمة واستحققنا ذلك الأجر الذي وصفه الله بأنه (غَيْرُ مَمْنُونٍ)، وإذا قصّرنا في شيء من ذلك فلا نلومن إلا أنفسنا.
لمحة سريعة يا دكتور : وصف الله عز وجل لهذا البلد بالأمين ماذا وراءه؟
ربنا سبحانه وتعالى قد أمّن هذا البلد فجعله آمنا قال (ومن دخله كان آمنا ) وحكم بأن يأمن فيه كل شيء ولذلك لا تُلتقط لقطته ولا يُنفّر صيده ولا يُختلى خلاه لأن الله جعله آمنا، وعلى كل مسلم أن يُحقق ما جعله الله عز وجل في هذا البلد فيحرص على تأمين هذا البلد من أي خوف ومن أي عُدوان ومن أي إفساد يجعل هذاالبلد غير أمن. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
اقرأ المزيد...

من هدايات سورة الشرح

د. محمد بن عبد العزيز الخضيري

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أما بعد...
 قدّمنا في سورة الضحى أنها في تذكير النبي صلى الله عليه وسلم بنِعم الله عليه وهذه السورة أيضاً تذكير بنعم أخرى على محمد صلّى الله عليه وسلم لكن النِّعم المذكورة في سورة الضحى كانت نِعم مادية والنعم المذكورة في سورة الشرح كانت نعم معنوية فالله سبحانه وتعالى قد امتن عليه بقوله:
 ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) فشرح الصدر من أعظم النِعم 
(وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ*الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) أي غفرنا لك ذنبوبك التي أثقلت كاهلك
(وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) هذه هي النعمة الثالثة من نِعم الله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم بيَّن له نعمة هي له ولسائرالخلق فقال: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)
وهي أن الله لم ينزل على عبده شدة إﻻ وجعل معها يسراً وخِفَّة ورحمة وهذا من فضل الله عز وجل على عباده وهي في الوقت ذاته تطمين لهم إذا نزلت بهم المصائب وحلّت بهم الكروب أن ينتظروا فرج الله جلّ وعلا  (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً )
ثم بيَّن له سبيل الشكر كما بيَّن في سورة الضحى قال: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)
تأملوا معي يا إخواني هذه النِّعم التي ذكّر الرب سبحانه وتعالى بها نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وافتُتحت هذه النِّعم بنعمة شرح الصدر،  ولا شك أن نعمة شرح الصدر من أجلّ نِعم الله على عبده وأن العبد ينبغي له أن يسأل ربه دائما وأبدا أن يشرح الله صدره لأنه إذا انشرح صدره أدى عمله بإقبال ورَوح وراحة، وإذا انشرح صدره دعا الناس برفق وتعامل مع أهله برحمة وَرَبى أولاده بلِين وطيبة نفس ويُحسن في عمله ، ولذلك لما كلّف الله موسى عليه الصلاة والسلام بالنبوة وحمّله هذه الرسالة العظيمة قال موسى (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي) [سورة طه : 25-29] فبدأ بشرح الصدر لأن الداعيَة أحوج ما يكون إلى أن يكون صدره مشروحاً حتى يتحمل ما يلاقيه من أذَى الناس وحتى يُقبِل ويقول ما عنده من الدعوة للناس بصورة طيبة.
الأمر الثاني: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) هذا وعد كريم من الله عز وجل مؤكد مرتين ليطمئن العباد إلى هذا الوعد وهو أن كل عسر نزل بالعباد فإن الله قد جعل معه يسرا فلا تظنن أن شدة تنزل بك إلا وقد جعل الله معها يسرا فانتظر فرج الله سبحانه وتعالى وقد قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه في هذه الآية: "لن يغلب عسُرٌ يسريين"، فالعسر في الآيتين قد ذُكر مرتين لكنه ذُكر معرّفا والمعرفة -كما يقول العلماء- إذا تكررت في الجملة فإنها لا تدل على التعدد ولذلك قوله  (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) هما عسُرٌ واحد، أما (يسرا) فقد جاءت مُنكّرة والمُنكّر إذا جاء في الجملة مُكرراً دلّ على التعدد، إذا لن يغلب عُسر واحد يُسرين فابشر ياعبد الله يا من ابتُليت بضُّر، يامن ابتليت بمرض، يامن ابتليت بفقر، يامن ابتليت بدين، أبشر بفرج الله عز وجل وترقّب هذا الفرج من الله جل وعلا.
المُقدِّم: بالذات وأنها جاءت في سياق الدعوة إلى الله عز وجل والأذى الذي يتعرض له النبي صلى الله عليه وسلم ، جاءت هذه الآية لتطمئن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ومن بعده في هذا الدرب أن أي أذى آتٍ إنما بعده اليسر والتوفيق والتسهيل من الله سبحانه وتعالى.
 وهذا ما حدث لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد أُوذي أذى شديداً حتى طُرِد وأُخرج من أحبّ البقاع إلى الله وأحبّ البقاع إلى نفسه وهي مكة فماذا حصل بعدها، حصلت بعدها الفتوح والخير والغنائم والمال وإسلام الناس (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)) .
لكن في النهاية نعود ونقول كلما أنعم الله عليك بنعمة فعليك أن تبحث عن سبيل لشكر تلك النعمة وأن تُسخِّرها لطاعة الله ولا تظن أنها جاءت لتكون جزاءً من دون أن يكون منك ما يقابلها من الشُكر.
 ففي سوره الضحى قال (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى) وقال (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ) وهنا قال ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)
 (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) النهاية (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) إذا فرغت من شغلك فانصب في عبادة ربك، وإذا فرغت من شغلٍ دِينٍ فانصب في شغل دنيا، وإذا فرغت من شغل دنيا فانصب في شغل دين ولا يبقى المسلم فارغا في حياته أبداً.
 (وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) يعني اجعل رغبتك وحاجتك عند الله سبحانه وتعالى فهو الذي يحقق الحاجات.
 نسأل الله عز وجل أن ينفعنا جميعا بكتابه وبالهدايات التي تضمنها هذا الكلام الرباني وصلى الله وسلم على نبيه وحبيبه محمد .
اقرأ المزيد...

السبت، 27 ديسمبر 2014

من هدايات سورة العلق

د.محمد بن عبد العزيز الخضيري

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه
 الآيات الخمس الأولى من هذه السورة هي أول ما أُوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاءت بمعاني عظيمة وكريمة تدل على حقيقة هذا الدين وأن مبناه على العِلم والتعلم والقراءة قال (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ) وهذا يدل على أن هذا الوحي الذي أُوحي إلى رسول الله وهذا الدين الذي نزل من عند الله أنه أعظم كرامة نزلت من عند الرب سبحانه وتعالى على عباده وأعظم تحفة ينبغي أن يفرح العباد بها لأنه قرنها بوصفه الأكرم.
 ثم قال (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) ولا شك أن القراءة مربوطة بالقلم ولذلك عندما نتأمل هذا الكتاب وهو القرآن العظيم نجده يُقرأ ويُكتب وأكثر أسمائه تداولا القرآن والكتاب (ذلك الكتاب لاريب فيه) لأنه يُكتب والقرآن لأنه يُقرأ، ولا يمكن لأحد أن يتعلم هذا الوحي إلا بوسيلتين القراءة والكتابة، القراءة بأن يقرأه على شخص مُتقن وإمام معروف في باب تلاوة القرآن وأن يوافق ذلك المقروء المكتوب ولذلك لابد من هذين الشاهدين في ضبط القراءة أو ضبط القرآن الكريم.
 قال بعد ذلك (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى) "كلا" هنا بمعنى حقاً لأن "كلا" تأتي بمعنى حقاً وتأتى بمعنى الردع والزجر، فإذا كان الذي قبلها أمر مُنكر كان بمعنى الردع والزجر وإذا كانت بداية كلام جديد فإنها تكون بمعنى حقاً والمعنى الذي جاءت به في هذه الآية يقول الله فيه (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى) هذه هي طبيعة الإنسان كلما راء نفسه قد استغنى فإنه يُصاب بالطغيان ولاحظوا أنه لم يقل "كلا ان الانسان ليطغى اذا اغتنى أو إذا أصابه الغِنى" بل قال (أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى) يعني إذا رأى نفسه قد استغنى عن الله سبحانه وتعالى وعن مدده وكرمه ورأى أن هذا المال أو هذا الخير الذي بيده قد جمعه بنفسه فلا بد أن يُصاب بالطغيان، وأنت أيها الإنسان ينبغي لك أن تنظر فكل ما عندك من نعِم الله إنما هي نِعم من الله عليك ينبغي أن تنسبها إلى الله وألا تنسبها إلى أحد من عباده وأن تعلم أنها جاءتك بفضل من الله ولا تشكر عليها أحد سوى الله جل وعلا ولذلك قال (إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى) يعني تذكّر أيها الإنسان أنك وما معك وما بيدك وما أُثّلت كلكم راجعون إلى الله جل وعلا وأن هذه الأشياء التي تعتدُّ بها وتفخر بها بين الناس لن تكون بيدك يوما ما فلماذا تفخر بها ولماذا تستعلي وتطغى بها على عباد الله !!
اسأل الله سبحانه وتعالى أن يفقهنا بكلامه ويعلمنا تأويل كتابه إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على محمد .
اقرأ المزيد...

الخميس، 25 ديسمبر 2014

المتشابهات في سورة التوبة

/ قوله تعالى: (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ)
وهذه الآية نزلت في ذي القعدة، فآخر الأربعة صفر. ثم قال: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) . وانسلاخها آخر المحرم؟  جوابه: أن الآية الأولى في المعاهدين، والثانية في من ليس لهم عهد، ثم نسخ ترك القتال في الأشهر الحرم بقوله تعالى: (اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) وقيل: أول. الأربعة " شوال " وعلى هذا لا إشكال.
وقيل: أولها عاشر الحجة سنة تسع وسماها حرما لتحريم قتالهم فيها أو تغليبا للأشهر الحرم.[كشف المعاني في المتشابه من المثاني]

/ قوله تعالى : (وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) وفيما بعد : (ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) فاستوت الآيتان فى إعلامه تعالى نبيه والمؤمنين أنه يتوب على من يشاء وفى ختم الآيتين بصفتين من صفاته سبحانه ثم اختلفت الصفتان فقيل فى الأولى "عليم حكيم " وفى الثانية "غفور رحيم " ؟
 ووجه ذلك -والله أعلم- أن الآية الأولى أعقب بها ما تقدمها متصلا بها من الآى فى كفار مكة وفعلهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من التضييق والإحراج وبدئهم بالقتال يوم بدر ونقضهم العهد فى قصة خزاعة فى صلح الحديبة وهذا كله مبسوط فى كتب السير والتفسير فأمر الله تعالى بقتالهم وخزيهم والنصر عليهم وشفاء صدور من آمن من خزاعة وغيرهم ممن آذوه قال تعالى : (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ)  ثم قال تعالى (وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ) كأبى سفيان بن حرب وعكرمة بن أبى جهل إلى من أسلم منهم بعد ما صدر من اجتهادهم فى الأذية والصدّ عن سبيل الله. ثم قال (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أى بما فى القتال وفى طى ما جرى من ذلك كله بتقديره السابق أولا إذ لا تتحرك ذرة إلا بإذنه وتقدم علمه أولا وما فى ذلك من الحكمة، وختم أفعالهم السيئة بالأوبة والرجوع إليه سبحانه بسابق سعادة لمن شاهدها له منهم فهذا وجه النظم والتناسب فيه واضح.
 وأما الآية الثانية فسببها - والله أعلم - ما جرى يوم حنين من تولى الناس مدبرين حين ابتلوا بإعجابهم بكثرتهم فلم تغنِ عنهم شيئا ولم يثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك اليوم أحد إذ لم يبرح عليه السلام من مكانه فلم يثبت معه إلا القليل من العدد القليل فنادى العباس رضى الله عنه بآل الأنصار فاستجاب ناس وأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ومكّن نبيه والمسلمين من أعدائهم والقصة معروفة فختمت هذه الآي بقوله تعالى (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) تأنيسا لمن فرّ من المسلمين فى ذلك اليوم وبشارة لهم بتوبة الله عليهم وإن ما وقع منهم من الفرار مغفور لهم رحمة من الله سبحانه فجاء كل هذا على ما يناسب ولا يلائم خلافه والله أعلم. [ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل].

/   قوله تعالى : (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وورد بعد هذا بآيات (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) وبعد الحزب الأول من هذه السورة (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) وفى ذكر المنافقين من هذه السورة : (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) للسائل أن يسأل عن وجه افتراق أوصاف المذكورين فى هذه الآى بالظلم والفسق والكفر ؟وهل ذلك لداع من المعنى ؟
 والجواب: أن كل وصف منها إنما جرى على ما تقدمه لداعٍ مناسب من المعنى:
 أما الآية الأولى فإن قبلها قوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ) وهؤلاء المقول لهم : "أجعلتم " إنما هم كفار قريش ممن ظلم نفسه بالتقصير فى النظر وظن أن عمله من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كاف مخلِّص عند الله وأن المؤمن بالله واليوم الآخر المجاهد فى سبيل الله ليس بأفضل حالا وعملا منه فردّ الله مقالهم وقيل لهم : (لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ) ومن ظن ذلك كما ظننتم فظالم لنفسه من حيث قصر فى نظره مع تنبيهه على النظر فى وجه ما به خلاصه : (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وهم الذين سبق فى علم الله أنهم لا يؤمنون بظلمهم أنفسهم .
 وأما الآية الثانية فكفٌ ومنع للمؤمنين عن ارتكاب ما ليس من شأنهم ألا ترى أن قبلها : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ) فنُهوا عن موالاة من ذكر من آباءهم وإخوانهم إذا كانوا مؤثرين للكفر مستحبيه على الإيمان ثم قيل لهم : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ثم أعقب بقوله :(قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ) أى إن آثرتم ما ذكر وكان أحب إليكم (مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) أى أنكم إذا أتصفتم بهذا فقد خرجتم عن دينكم وفارقتم إيمانكم ولحقتم بمن كفر بعد إيمانه (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) والفاسق الخارج.
 وأما الآية الثالثة فقبلها قوله تعالى : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، ثم ذكر مرتكبهم فيه وتزيين ذلك لهم ولما قدر لهم من تماديهم فى كفرهم فقال : (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) فوسِموا أولا بالكفر فقيل :  (يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) إذ لم يكن تقدم لهم إيمان ثم خرجوا عنه بل كانت حالهم التمادى على كفرهم الذى لم يتقدمه إيمان، ولما ذكر بعض ما حملهم عليه كفرهم وأنه من سوء أعمالهم ومما زينه الشيطان لهم قال تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) الآيات فوصفوا بالتظاهر بالاسلام ثم خرجوا عنه بشنيع كفرهم وقبيح مرتكباتهم ووصفهم تعالى بأنهم "يلمزون المطوعين من المؤمنين " ومن لا يجد إلا جهده إلى قوله : (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) ثم قال : (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) فلخروجهم ومفارقتهم ما قد كانوا تظاهروا به من الإسلام وصِفوا بالفسق الذى هو الخروج والمفارقة من قولهم فسق الرطبة إذا خرجت من قشرها قال تعالى : "إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه " فقد وضح فى كل آية من هذه أن ما انجر فيها من وسم من أريد بها وجرى ذكره قبلها يقتضى ورود ذلك الوصف على ما ورد عليه وأنه لا يلائم كل آية منها إلا ما أعقبت به والله أعلم.[ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل]
 / قوله تعالى (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ) - إلى قوله - (لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ؟
 وقال بعده: (فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) .
وقال بعده: (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) .
جوابه: أن الأولى: نزلت في الذين فضلوا سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام على الإيمان والجهاد، فوضعوا الأفضل في غير موضعه، وهو معنى الظلم، أو نقصوا الإيمان بترجيح الآخر عليه، والظلم: النقص أيضا كقوله تعالى: (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا) .
والثانية: في المسلمين الذين اتخذوا أقاربهم الكفار أولياء، وبعض الفسق لا ينافى الإيمان.
 والثالثة: في الكفار الذين كانوا ينسئون الشهور فيُحلون حرامها ويُحرمون حلالها ولذلك قال تعالى: (زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ).[كشف المعاني في المتشابه من المثاني]



/ قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) هل وقع ذلك لغير المسيح؟ .

 جوابه: أنهم نزلوهم منزلة الرب تعالى في امتثال أحكامهم فيهم في التحليل والتحريم ولذلك قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا)
/ قوله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ) . وفي الصف: (لِيُطْفِئُوا) .
 جوابه: أن (يُطْفِئُوا) هو مفعول يريدون وفى الصف مفعوله محذوف تقديره: يريدون الافتراء لأجل أن يطفئوا نور الله بأفواههم أى بتحريفهم الكتاب وما يقولونه من الرد على النبى - صلى الله عليه وسلم -. ويؤيد ما قلناه من إظهار المفعول وحذفه في الصف ما ختم به الآيتان وظهر ذلك بالتدبر.[كشف المعاني في المتشابه من المثاني]


/ قوله تعالى :  (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)

وفى سورة الصف : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)
ومعنى الآيتين فى السورتين واحد وقد زادت آية براءة على آية الصف عشرة أحرف صورا فللسائل أن يسأل عن وجه ذلك ؟ والجواب عنه والله أعلم : أن زيادة آية براءة مقابل بها ما ورد من الطول فى المحكى فى هذه السورة من قول الطائفتين من اليهود والنصارى قال تعالى حاكيا عنهم : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ) فوقع فى المحكى هنا طول اقتضى ما بنى جوابا عليه ليتناسب.
وأما آية الصف فمقابل بها قول عيسى عليه السلام لما قال لهم : (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) ثم قال تعالى (فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) وإنما الجواب على المحكى من قولهم خاصة وهو قولهم (هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) وليس هذا فى الطول وعدة الكلم المحكى فى سورة براءة ألا ترى أن الواقع فى سورة براءة ست كلمات وفى الصف ثلاث كلمات. ثم إن الواقع فى سورة براءة مقال طائفتين منهم اليهود والنصارى مفصحا به والواقع فى الصف مقالة طائفة واحدة وهذا مراعى فقد وضح ورود كل من الآيتين مناسبا لما اتصل به وعلى ما يجب فى السورتين والله أعلم بما أراد.

/ قوله تعالى : (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) وفيما بعد من هذه السورة : ( وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) وكذا فى سورتى الحشر والمنافقين فورد فى الأولى : "يعلم " وفى البواقى "يشهد " مع أن المقصود فى الأربع آيات واحد وهو أنه سبحانه عليم بما يخفونه أو يظهرونه من أعمالهم فللسائل أن يسأل عن وجه ذلك ؟
والجواب والله أعلم : أن الاستطاعة وعدمها حكم لا يطلع عليه فى الغالب بل ينفرد كل بحاله فى ذلك إلا أن يعلم ذلك بقرينة فقول المنافقين فى إخبار الله تعالى عنهم : (لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ) غير مُشاهد من ظاهرهم فقد كان يمكن صدقهم أو صدق بعضهم لولا أنه سبحانه أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم بحالهم وما يكون من اعتذارهم قبل أن يقع منهم وبتقاسعهم عن الخروج فقال تعالى : ( لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ) فأعلم تعالى بما يكون منهم قبل أن يكون وذلك غيب وأعلم بوجه تقاسعهم وتثبطهم ثم أعلم بكذبهم فقال : (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) فحصل العلم بحالهم بإخباره تعالى ثم تكاثرت الشواهد عنهم. فلما كان حال الاستطاعة على ما ذكرنا من الخفاء حتى لا يطلع عليها ناسب ذلك التعريف عن اطلاعه تعالى على ما أخفوه من حالهم بالعلم فقال سبحانه : (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) ولا يناسب غيره.
 أما الآية الثانية فهى فى أهل مسجد الضرار وأمرهم مما قد كانوا تواطئوا عليه ولم يخفَ حال بعضهم عن بعض وذلك بخلاف حال الاستطاعة وما يمكن فيها من الخفاء فكان هذا مما يرجع إلى حكم الظهور والشهادة فكان ورود قوله تعالى هنا : ( وَاللَّهُ يَشْهَدُ) أنسب وكذا الحكم فى آية الحشر لبنائها على قوله تعالى : " ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم " إلخ الآية وكل هذا قول مشاهد معلوم مدرك بحاسة السمع وما وعدوا به إخوانهم من نصرتهم والخروج معهم أن خرجوا كل ذلك مما كنا يشاهد لو وقع وليس شئ من ذلك كالاستطاعة فى خفائها وغيابها فناسب هذا قوله تعالى : ( وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) الوارد فى سورة المنافقين لأن قولهم : "نشهد إنك لرسول الله " قول مدرك بالسمع مع أن هذه الآية قولهم نشهد فطابق هذا وناسبه قوله : "والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " وجاء كل من هذه الآي على ما يجب ويناسب والله أعلم. [ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل]

/ قوله تعالى : (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) وفيما بعد من هذه السورة : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) وبعد هذه الآية : ( وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) للسائل أن يسأل عن زيادة الباء فى قوله "وبرسوله " ولم تزد فى الآيتين بعد والظاهر من بعد ما يسأل فيه لأنها مقاصد مختلفة ؟
والجواب : أنك إذا قلت مثلا المانع من تقريب زيد نفاقه فإنك لم تزد على أن أخبرت عن علة منع تقريب زيد شيئا فإذا قلت أن المانع من تقريب زيد نفاقه فقد زدت على الاخبار بالمانع من تقريب زيد أنه نفاقه وإن قلت إنما المانع من تقريب زيد نفاقه فقد حصرت المانع من التقريب فى النفاق وأكدت ذلك تأكيدا أكثر من الحاصل بـ"إن" ولذا اتفق الأصوليون على القول المفهوم الحاصل من قوله صلى الله عليه وسلم : "إنما الولاء لمن أعتق " ولم يتفقوا فى المفهوم الحاصل من قوله عليه الصلاة والسلام : "فى سائمة الغنم بالزكاة " وذلك بسبب ما تقتضيه إنما من معنى الحصر وقد جرده بعضهم عن المفهومات وجعله دليلا برأسه لقوته وأبى أن يجعل هذا من دليل الخطاب وفى معنى قوله : "إنما الولاء لمن أعتق " وفى قوم قولك : "ما الولاء إلا لمن أعتق " فإن معناه حصر الولاء فى المعتق وأنه لا ولاء لغيره ومن هذا قوله تعالى : " إنما يخشى الله من عباده العلماء " أى ما يخشاه تعالى حق الخشية إلا العلماء، وقال تعالى : "إن هو إلا وحى يوحى " فنزه سبحانه نطق نبيه عن أن يكون غير وحى وليس قولك فى الكلام : هو وحى فى قوة قولك : إنه وحى يوحى لما زدت من التأكيد بـ"إن" ولا قولك : إنه يوحى فى قوة الاخبار القرآنى من قوله تعالى : " إن هو إلا وحى يوحى " لما بين قبل.
فإذا وضح هذا فقوله تعالى : (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) وقد ورد على أبلغ وجوه التأكيد وحصل حصر المانع من القبول فى كفرهم وأنه لو لم يكن الكفر لكان القبول فناسب هذا التأكيد الذى بلغ به الغاية زيادة الباء فى قوله "وبرسوله " لإعطائها معنى التأكيد وإحرازها إياه.
 ولما لم يكن هذا التأكيد الحصرى واقعا فى الآيتين بعد وإنما وكد فيها بأن قال تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) وقال تعالى : (إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) فلم يبلغ بهذا الإخبار مع تأكيده وقوته مبلغ الأول لم تلحقه الباء وجاء كل على ما يجب والله أعلم بما أراد. [ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل]
/ قوله تعالى: (إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) وقال بعد ذلك في مواضع: (كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) .
جوابه: أن الأول في سياق إثبات بعد النفى فناسب التوكيد بإعادة الجار بخلاف بقية الآيات. [كشف المعاني في المتشابه من المثاني]

/ قوله تعالى فى المنافقين : (وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) وقال فيما بعد : (وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا)
فحملت الآية الأولى على ما قبلها بالفاء والثانية بالواو
وزيدت "لا" النافية فى الأولى وسقطت من الثانية
وقيل فى الأولى "ليعذبهم " وفى الثانية "أن يعذبهم "
وقال فى الأولى "فى الحياة الدنيا " واكتفى بالوصف فى الثانية فقيل "فى الدنيا ". فتلك أربع سؤالات.
  والجواب عن الأول : أنه لما وصف تعالى أقوال المنافقين فى كفرهم وشتى مرتكباتهم وقرر ما هم عليه فى آيات إلى قوله : (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) فلما عرّف بأحوالهم قال لنبيه عليه السلام : (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ) وكان الكلام فى قوم أن لو قيل : إذا عرفت أحوالهم فلا تغتر بما لديهم فتظن أن ما مكّناهم فيه ومنحناهم إياه من مال وولد إحسان عجلناه لهم "أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم فى الخيرات بل لا يشعرون " ، "إنما نملى لهم ليزدادوا إثما " فالكلام فى قوة الشرط والجزاء فكان موضع الفاء.
 أما قوله فى الآية الأخرى : (وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ) فمنسوق على قوله : (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ) وكل هذا نهى له صلى الله عليه وسلم أن يفعله وليس كالأولى فى أن ذكر مرتكباتهم ما بنى نهيه عليه السلام عليه فيتصور فيه معنى شرط وجزاء فلا محل للفاء هنا ولا هو موضعها.
والجواب عن الثانى : أن الآية الأولى مقصود فيها من التأكيد ما لم يقصد فى الثانية لما قيل له عليه السلام : (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) وذكر له من قبح مرتكباتهم أشنعها أكد نهيه عليه السلام عن أن يلتفت إليهم تنزيها لقدرِه العلى عن الصغو إلى ما حاصله إملاء ولأهله فى الحقيقة استدراج وعناء فدخلت لا النافية تأكيدا يناسب هذا القصد ولما لم يكن فى الآية الأخرى اشتراط وجزاء يقتضى التأكيد فلم تدخل لا فجاء كل على ما يجب ويناسب.
والجواب عن السؤال الثالث : أن قوله فى الآية الأولى : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) بـ"لام" كى مناسب لما فى الآية من التأكيد إذ لا تقتضى تراخيا فناسب هذا ما ذكر من التأكيد.
 أما قوله فى الآية الثانية : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ) فيقتضى أن التأكيد لما لم يبلغ فى هذه الثانية مبلغ الأولى بما تقدم فيها أشعرت أن بما فيها من التراخى فـ"أن" هذه ليست من التأكيد فى نمط الأولى وهذا راعى مناسبة لفظية إذ الإخبار بحالهم واحد فى الآيتين من غير فرق.
فإن قيل فإن لام كي فى قوله تعالى : " ليعذبهم " تقدر بعدها "أن" -على قول الجمهور- فقد تساوت الآيتان.
قلت ليس المعنى مع تقديرها هو المعنى مع ظهورها بل لظهورها حكم لا يكون فى تقديرها وقد نص سيبويه رحمه الله على ذلك فى باب الجواب بالفاء من كتابه أنه كلام العرب فتبين أن قوله تعالى : " ليعذبهم " ليس كقوله : "أن يعذبهم " فيما يعطيه ظهور أن من التراخى والله أعلم.
والجواب عن السؤال الرابع : أن قوله (فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فى الآية الأولى بالجمع بين الصفة والموصوف مناسب أيضا وملائم أوضح ملاءمة للتأكيد الجارى فيها ، أما الآية الأخرى فلا تأكيد فيها فناسب ذلك الاكتفاء بقوله : "فى الدنيا " وجاء الكل على ما يجب ويناسب. [ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل]

/  قوله تعالى: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) .
وقال بعده: (وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا) .
 فالآية الأولى: بالفاء وتكرار (وَلَا) وباللام في (يُعَذِّبَهُمْ) وبلفظ (الْحَيَاةِ) .
والآية الثانية: بالواو، وسقوط (لَا) ، و (أن) موضع اللام.
جوابه: أن الآية الأولى: ظاهرة في قوم أحياء، والثانية: في قوم أموات.
وأما الفاء في الأولى: فلأن ما قبلها أفعالا مضارعة يتضمن معنى الشروط كأنه قيل: إن اتصفوا بهذه الصفات من الكسل في الصلاة، وكراهية النفقات فلا تعجبك أموالهم، الآية. والآية الثانية تقدمها أفعال ماضية، وبعد موتهم، فلا تصلح للشرط فناسب مجيئها بالواو. وأما قوله تعالى: (وَلَا أَوْلَادُهُمْ) فلما تقدم من التوكيد في قوله: (إِلَّا وَهُمْ) ، وفى قوله تعالى: - (وَلَا يَأْتُونَ) إلى (وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا) ، فناسب التوكيد في قوله تعالى: (وَلَا أَوْلَادُهُمْ) بخلاف الآية الثانية.
وأما (اللام) في الأولى، و (أن) في الثانية فلأن مفعول الإرادة في الأول محذوف، واللام للتعليل تقديره: إنما يريد الله ما هم فيه من الأموال والأولاد لأجل تعذيبهم في حياتهم بما يصيبهم من فقد ذلك، ولذلك قال: (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) ومفعول الإرادة في الآية الثانية " أن يعذبهم " لأن الأعمال المتقدمة عليه ماضية ولا تصلح للشرط ولذلك قال: (وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ)
وأما: (الدنيا) في الثانية فلأنها صفة للحياة فاكتفى بذكر الموصوف أولا عن إعادته ثانيا. [كشف المعاني في المتشابه من المثاني]

/ قوله سبحانه وتعالى : (وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ )
 وقال بعدها : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) فيهما سؤالان :
- قوله فى الأولى (وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ) ببناء الفعل للمفعول مكتفى به وفى الثانية (وَطَبَعَ اللَّهُ) ببناء الفعل على الأصل؟
- والثانى قوله فى الأولى  (فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ) وفى الثانية (فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) .
 والجواب عن الأول : أن مطلع الآية قبلها قوله تعالى : (وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) على بناء الفعل للمفعول فجاء قوله (وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ) على ذلك ونوسب بختام هذه الآية بداءة ما قبلها. وأما الثانية فلم يقع قبلها فعل بنى للمفعول وقد ذكر الفاعل فيها فجرى الكلام على ما يجب فقيل (وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ).
 والجواب عن الثانى : أن قوله (وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ) لما اجتمع ذكر إنزال السورة والإشارة إلى ذكر المراد بها بقوله : (أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ)  استدعى ذلك نظر من بلغه هذا المنزل واعتباره وتفهم المقصود به إلى الكمال ليقع الامتثال على وجهه فلما تراموا إلى الخلود إلى الراحة وترك الجهاد الذى تحملت الآية الأمر به ناسب ذلك أن ينفى عنه الفهم والتدبر فقيل : (وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ) والتفقّه التفكّر والاعتبار.
 ولما لم يقع فى الآية بعد ذكر تدبره وتفهمه لقرب المعنى المراد منه وذلك قوله : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ) صرف النفى إلى الحاصل على التفهم وهو العلم فقيل : (وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل]
/ قوله تعالى: (وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ) وقال بعده: (وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ) ؟
مع العلم بالفاعل، فخُتمت كذلك مناسبة بين صدر الكلام، وختمه.
والثانية: جاءت بعد بسط الكلام في عذر المعذورين فناسب البسط في توبيخ مخالفيهم، والتوكيد فيه بتصريح اسم الفاعل، ولذلك صدر الآية ب (إنما) الحاصرة للسبيل عليهم.
 وأما ختم الأولى بـ (لا يفقهون) ، والثانية بـ (لا يعلمون) :
أما الأولى: فلأنهم لو فهموا ما في جهادهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأجر لما رضوا بالقعود ولا استأذنوا عليه. والثانية: جاءت بعد ذكر الباكين لفوات صحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلمهم بما في صحبته من الفوز والمنزلة عند الله تعالى، فلو علم المستأذنون ما علمه الباكون لما رضوا بالقعود، لكنهم لا يعلمون. [كشف المعاني في المتشابه من المثاني]

/ قوله تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) وقال في المؤمنين: (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) ؟
 جوابه: أن المنافقين ليسوا بمتناصرين على دين معين وشريعة ظاهرة، فكان بعضهم يهود، وبعضهم مشركين، فقال: (مِنْ بَعْضٍ) أي في الكفر والنفاق، والمؤمنون متناصرون على دين الإسلام وشريعته الظاهرة، فقال: (أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) في النصرة وفى اجتماع القلوب على دينهم، فلذلك قال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ، وقال في المنافقين: (وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) [كشف المعاني في المتشابه من المثاني]

/ قوله تعالى : ( قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وقال بعد هذا : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)  فيها أربع سؤالات :
الأول : قوله فى الأولى (وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ) بـ"واو" النسق ولم يرد فيها "والمؤمنون " وقال فيها (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ)  ، وقال فى الثانية  (فَسَيَرَى اللَّهُ) بـ"فاء" التعقيب وفيها "والمؤمنون " ولم يقل فى الأولى "والمؤمنون " وقال "وستردون " بالواو وفى الأولى "ثم تردون " .
فاختلفت الآيتان فى ثلاثة مواضع فيسأل عنها وهل كان يصح وقوع الأولى فى موضع الثانية ؟ والثانية فى موضع الأولى ؟ وكل منهما على ما بنى ؟ فهذه أربعة أسئلة.
 والجواب عنها على الجملة أن الآية الأولى فى المنافقين لم يخالطهم سواهم والثانية فى طائفة من المؤمنين كان فيهم تقصير ولهم إيمان فأنسوا وقوى رجاؤهم قال الطبرى : "هى فيمن تاب من المخلفين " قلت ويشهد لهذا ما اتصل بالآية مما قبلها والواقع قبل الأولى من قوله : "قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم " أى لستم صادقين فى اعتذاركم ثم قال : "قد نبأنا الله من أخباركم " أى قد أطلعنا على نفاقكم وسوء سرائركم ثم قال : "وسيرى الله عملكم ورسوله " وهذا تهديد عطف على مثله وقصد تعريفهم بالمجموع مما استوجبوا به المقت ولم يعطف بالفاء إذ ليس ما تعطيه من المعنى مقصودا هناا ولم يقل هنا والمؤمنون إذ النفاق عمل يخفيه المنافق فلا يطلع عليه إلا الله سبحانه وقد يطلع عليه رسوله ومن شاء من عباده وإنما كانوا يتظاهرون بخلاف ما يبطنون ثم قال "ثم تردون " فعطف ردهم إلى الله بثم المعطية مع مهلة الزمان هنا تفاوتا فى التهديد والوعيد ولم تكن الواو لتعطى هذا المعنى وتحرزه وقد بينت المواضع الثلاثة التى خالفت فيها هذه الآية الآية التى بعدها.
وأما الثانية فهى فى المتخلفين عن غزوة تبوك قال الطبرى : "فيمن تاب منهم " كما تقدم وقد وقع قبلها قوله تعالى : (وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) ثم قال : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) فأمره سبحانه بأخذ زكواتهم وأخبره أنها تطير لهم وتزكية وأمره أن يدعوا لهم بقوله : "وصل عليهم " ثم زادهم تأنيسا بقوله : ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ)[ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل]

/  قوله تعالى: (وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) . وقال بعد ذلك: (فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) فقال في الأولى: (ثُمَّ تُرَدُّونَ) ، وفى الثانية: (وَسَتُرَدُّونَ) ، وقال في الثانية: (وَالْمُؤْمِنُونَ) ؟
 جوابه: أن الأولى في المنافقين بدليل: (قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ) وكانوا يخفون من النفاق ما لايعلمه إلا الله تعالى ورسوله بإعلامه إياه. والآية الثانية في المؤمنين، بدليل قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) وأعمالهم ظاهرة فيما بينهم من الصلاة والزكاة والحجّ وأعمال البر فلذلك زاد قوله: (وَالْمُؤْمِنُونَ) .
وأما (ثم) في الأولى فلأنها وعيد، فبين أنه لكرمه لم يؤاخذ هم في الدنيا، فأتى بـ (ثم) المؤذنة بالتراخى. والثانية وعد، فأتى بالواو والسين المؤذنان بقرب الجزاء والثواب وبعد العقاب. فالمنافقون يؤخر جزاؤهم عن نفاقهم إلى موتهم فناسب (ثم)
 والمؤمنون يُثابون على العمل الصالح في الدنيا والآخرة لقوله تعالى: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ) الآية.[كشف المعاني في المتشابه من المثاني]

/ قوله تعالى : (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) وفى سورة هود : (إِنَّ إِبْرَاهِيم لَحَلِيم أَوَّاه مُنِيب) فتقدم فى الأولى الوصف بأواه على حليم وتأخر فى الثانية وتقدم فيها وصفه بحليم.
 ووجه ذلك والله أعلم ان الأواه الكثير التأوه وفى كتاب ابن عطية أن التأوه التفجع فالمراد بالآية أن إبراهيم عليه السلام مع غلظة أبيه وقساوته حتى قال له (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنك ) وإبراهيم عليه السلام مع ذلك يتأوه تأسفا وتحسرا على إباية أبيه عن إجابته واتباعه مع تلطف إبراهيم عليه السلام فى قوله دعاء لأبيه إلى الإيمان فى إخبار الله تعالى عنه : ( يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً) إلى قوله : (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا) فكان عليه السلام لفرط ترحمه ورأفته وحِلمه يتعطف على أبيه ويستغفر له ولم يزل على ذلك إلى أن قطع من حاله وتبيّن له أنه عدو الله فتبرأ منه فأخبر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بما كان من أبيه إبراهيم فى ذلك ليقتدى به ويهتدى بهديه فقال تعالى : (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) وأعلمه تعالى بعذر إبراهيم فى استغفاره وأن ذلك كان عن موعدة تقدمت منه لأبيه فتقدم وصف إبراهيم عليه السلام فى هذه الآية بأنه أواه وذلك مناسب لما بينّاه.
 أما آية هود فمُنزلة على ما ذكر سبحانه من مجادلته فى قوم لوط جريا على ما وصفه سبحانه به من الحلم فكان تقديم وصفه هنا بالحلم أنسب وأجرى على ما بنى عليه. فوضح ورود كلا الموضعين على ما يجب ويناسب ولا يمكن عكس الوارد والله أعلم.
[ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل]

/ قوله تعالى: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ)  فهل التوبة الأولى هي الثانية أو غيرها؟
جوابه: قيل: الأولى عامة - والثانية في الفريق الذي كادت تزيغ قلوبهم.
وقيل: الأولى هي الثانية، وإنما بين في الثاني سبب توبتهم وقوله تعالى: (لِيَتُوبُوا) أي ليدوموا على توبتهم.

/ قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) إلى (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ) . وقال بعدها: (وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) زاد في الأولى: (عَمَلٌ صَالِحٌ)؟
 جوابه: أن الآية الأولى تضمنت ما ليس من عملهم فبين بكرمه تعالى أنه يكتب لهم بذلك عَمَلٌ صَالِحٌ وإن لم يكن من عملهم.
والآية الثانية تضمنت ما هو من عملهم القاصدين له فقال: (كُتِبَ لَهُمْ) أي ثواب ذلك العمل. والله أعلم. 
[كشف المعاني في المتشابه من المثاني] 
اقرأ المزيد...

الجمعة، 19 ديسمبر 2014

( تفسير سورة الأنعام من الآية (63-73)/ دورة الأترجة

د. مساعد الطيار


بِسمِ الله..الحَمدُ لــلِّه والصَّلاة والسَّلام عَلَى رَسُولِ الله....
 كُنَّا وقفنا مع قول الله تعالى ( إنَّما يستجيب الذِّين يسمعون والموتى يبعثُهُم الله ثُمَّ إليه يُرجَعُون)
وننتقل إلى الآية التِّي بعدها (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)
 طبعاً هنا نُلاحِظ أنَّه في القرآن ورَدَ في أكثر من موطن فيها إشارة إلى اقتراح الآيات في السُّورة نفسها في بداية السُّورة كانوا يختلفون في إنزال الآيات. وأخبر الله سبحانه وتعالى أنَّه حتَّى لو نَزَلَت هذه الآيات فإنَّهم لا يُؤمنُون.
وهنا قال الله (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً) نفس الفائدة سبق أن ذكرناها أنَّ إنزال الآيات إنَّما هُو حقٌّ من حُقُوق الله سبحانه وتعالى بمعنى أنّ المُقترَح ليس هو الأَصل في إنزال الآيات، ولهذا لم يَستجيب الله سبحانه وتعالى للكُفَّار إلاَّ في آية انشقاق القمر على أن يُؤمنوا ولم يؤمنوا. وكان من رحمة الله سبحانه تعالى أنّه لم يُعذِّبهم بالاستئصال بسبب عدم إيمانهم بهذه الآية لأنَّ من يَكفُر من السَّابقين بآية النَّبي فإنّ الله سبحانه وتعالى يستئصُلُهم، ومن رحمة الله أنَّ عذاب الاستئصال لم يقع عليهم .
  - تفسير آية (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )
 قال في التفسير الميسر: ليس في الأرض حيوانٌ يَدِبُّ على الأرض، أو طائرٌ يطيرُ في السَّماء بجناحيه إلا جماعاتٌ مُتجانسة الخَلق مثلَكُم ما تركنا في اللَّوح المحفوظ شيءٌ إلاّ أثبتناه، ثمّ إنَّهم إلى ربّهم يُحشرون يوم القيامة فيُحاسِبُ الله كُلاًّ بما عَمِل. والذِّين كَذَّبُوا بِحُجج الله تعالى صُمٌّ لا يسمعون ما ينفعهم . بُكمٌ لا يتكلَّمُون بالحَقّ فهم حَائرون في الظُّلمات لم يــَختاروا طريقة الاستقامة،من يشأِ الله إضلاله يُضلِّله، ومن يَشأ هِدايته يَجعله على صِراطٍ مستقيم. قُـل أيُّها الرَّسول لهؤلاء المشركين أخبروني إن جَاءكم عذابُ الله في الدُّنيا أو جاءتكم السَّاعة التّي تُبعثون فِيها أغيرَ الله تدعون هناك لكشف ما نزل بكم من البَلاء إن كُنتم مُــحقِّين بِزعمكم أنَّ آلهتكم التِّي تعبدونها من دون الله تنفعُ أَو تَضُرّ. بل تَدعون هناك ربّكم الذّي خلقكم لا غيره وتستغِيثون به فيُفَرِّجُ عنكم البَلاء العظيم النَّازل بكم إن شاء لأنّه القادر على كل شيء وتتركون حينئذ أصنامكم وأوثانكم وأوليائكم. ولقد بعثنا أيُّها الرَّسول إلى جَماعات من النَّاس من قبلك رُسلاً يدعُونهم إلى الله تعالى فكذَّبوهم فابتليناهم في أموالهم بِشِّدة الفقر، وضِيق المعيشة، وابتليناهم في أجسامهم بالأَمراض والآلام رجاءَ أن يَتذَّللوا لِرَبَّهم ويخضعُوا له وحده بالعبادة، فهلاَّ إذ جاء هذه الأُمم الــمُكذِّبة بَلاؤُنا تذّلَّلُوا لنا،ولَكِن قَسَت قُلُوبـِهم،وزيَّن لهم الشَّيطان ما كانُوا يعملون من المعاصي ويأتُون من الشِّرك، فلمَّا تركوا العمل بأوامر الله تعالى مُعرضيِنَ عنها فتَحنا عليهم أبواب كُلِّ شيءٍ من الرِّزق فأبدلناهم بالبأساء رخاءً في العيش، وبالضَّراء صِحةً في الأجسام، استدراجاً منّا لهم حتَّى إذا بَطِروا وأُعجِبُوا بما أَعطيناهم من الخير والنِّعمة، أخذناهم بالعذاب فجأة فإذا هُم آيسُون مُنقَطعون من كل خير.

 تعليق الشّيخ: قال الله تعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ) وهذا الخِطاب طبعاً للكُفَّار للتَّنبيه على قدرة الله سبحانه وتعالى في خلقه، ولهذا لو أردتَ أن تجمع دوابَّ الأرض -على كثرتها- وتقسِّمها على أصناف الأُمَم كَدابّة مثلاً (أُمَّةُ الثّعالب، أمَّة القِطط، أمّة الفئران، أمّة الأُسود، أُمّة النُّمور ....) وهكذا ستَجد أنّ كُلّ واحدة منها تُعَدّ أُمَم.
(أمثالُكُم) أيّ مِثلكُم في الأُممية (كالفُرس، والرُّوم ، والعرب فيها قبائل ) وهكذا من التَّـفريعات.
/ قال (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) الكتاب المراد به هنا - كما ذهب إليه أصحاب التّفسير الــمُيَّسر- أنّه اللَّوح المحفوظ.
ولفظة الكتاب يدخُلها علم الوُجُوه والنَّظائر بمعنى أنّه قد يَرِد الكتاب في القرآن ويُراد به القرآن كقوله تعالى (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) فيكون الكتاب هنا هو القرآن . (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) المراد به هنا اللَّــوح المحفوظ، وبعضهم يحمل هذه الآية على أنَّه القرآن، وإن كان القَول فيه ضَعف إلاّ أنَّه يصح بناء على أنّه (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) من أُصول العِلم وليس من فروعه بمعنى أنَّ القرآن يـحمل أصول العلم، وأمَّا فروع العلم فإنّها تُستنبط من هذه الأُصول. وهذه قاعدة كُليّة نبّه عليها الشَّاطبي – رحمه الله – في كتابه ( الموافقات) "أنّ دلالة القرآن على هذه القَضايا دِلالة كُليّة وليست دلالة تفصيلية" فإذا حُمِل على هذا المعنى صحَّ. لكن الصَّواب أنَّه في اللّوح المحفوظ.
/ (ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ) أيّ هذه الأُمم (يُحْشَرُونَ) .
/ قال الله سبحانه وتعالى (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ) لاحظ الآن الأوصاف الثلاث:
(صُمٌّ) أيّ لا يسمعون
(وَبُكْمٌ) أيّ لا ينطِقُون
/ قال (فِي الظُّلُمَاتِ) إشارة إلى العَمى، يعني أنّهُم قد صَارت الظُّلمات ظرفاً لهم أي كأنّهم في وسط الظُّلُمات ولذلك قال (في الظُّلُمات). هم الآن كل مناطق الفهم ومدارك الإحساس قد أُغلِقت عندهم فهم لا يسمعون، لا يتكلمون، لا يُبصرون، هذا من كان في الظُلُمات.
قال (مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) وهذا راجع إلى قدرة الله سبحانه وتعالى وحكمته، وهذا جُزء من آياتِ القَدر، من نَظَر إلى هذه الآية على وجه الإثبات ذهب إلى الجَبر. من حكّم هذه الآية فقط  (مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) فإنّه يذهب إلى القول بالجبر. ومن حكَّم آية (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) فإنّه يذهب إلى الاختيار أنَّ العَبد يَـخلُقُ فِعلَه. فيقع التَّـنازع بين أصحاب القَدر - الذِّين يزعُمُون أنَّ العبد يَخُلقُ فعله- وبين أصحاب الجَبر فيكون هناكَ نِـزاع بسبب أنّ هؤلاء أخذوا جُزءاً من الآيات، والآخرون أخذوا جُزءاً آخر فيقع هذا التَّخاصم في معنى الآيات، وهذا وقع كثيراً في طوائف أهل الإسلام.
/ قال (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ) لم يَدَع لهُم الجواب بل بيَّن سبحانه وتعالى هو الجواب في أنّه لم يقع منهم دعاءٌ إلاّ لله سبحانه وتعالى قال الله (فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ) وهذا مِصداقُه ( فإذَا رَكِبُوا في الفُلكِ دَعَوُا الله مخلصين له الدِّين ) معنى ذلك أنّهم إذا جاءتهم الأزمات فإنَّهم لا يدعُون إلاّ الله سبحانه وتعالى وهؤلاء كُفّار مكّة. وإذا كانوا في الرَّخاء فإنّهم يُشركُون بالله سبحانه غيره - تعالى اللّه عمّا يُشركون-  .
/ ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) يُخبر الله تعالى عن سُنّته أيضاً في الأُمم السَّابقة، أنَّـه سبحانه وتعالى أخذ هذه الأُمَم بالفَقَر والشِّدة حتى وصلَ بـِهم الحال إلى حدِّ التَّضَرع، أيّ صاروا إلى مـرحلة من الفقر والفَاقة والشِّدة جعلتهم يتضَّرعون لله سبحانه وتعالى ويطلبونه ويرجُونه، لكن قال الله سبحانه وتعالى (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا) أيّ هؤلاء أهل مكّة  (تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )
/ (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ) لاحِظ الآن هذه المَسألة وهي مسألة مهمّة جِدّاً ويغفل عنها الإنسان أنّ فتح أبواب كُلّ شيء لا يدُلّ على الخير (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) لاحِظ (بركاتٍ) أمّا هنا قال (فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ) فإذاً المقصد أو المُهمّ بقضيِّة ما ينزل من الله سبحانه وتعالى هو البركة (لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) فإذا قضيَّة أن يُفتح من السَّماء فقط ليست دِلالة على الخير، ولهذا قال هنا وهو يـختبرهم  (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ) وهذه قاعدة أيضاً في أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يَبتدء بالإِضلال للعبد وإنـَّما يفتح الله سبحانه وتعالى للعبد ويُريِه النَّجدين -طريق الخير وطريق الشَّر- فإذا سِلَكَ العَبد طريق الشَّر واستمرأ في هَذا الطَّريق واستَّمر فيه، فإنَّ من عقاب الله له سبحانه وتعالى، أن يزيده ضَلالاً في هذا الطَّريق وهذا مصداق الآية (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ) وقع منهم النِّسيان (فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ)  فظَنّوا هم هنا الآن أنَّ هذا من نعمة الله (حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمـَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) .إذاً لو تأمّلنا (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) يعني الزّيغ بدأ من العبد، فلمَّا لــم يرجع العبد ويهتدي ويتوب زاده الله سبحانه وتعالى -والعياذ بالله- زيغاً وهذا من باب الجزاء من جنس العمل فهم لــمَّا نَسُوا الله سبحانه وتعالى فتح الله عليهم أبواب كُلّ شيء حتّى زادوا ضلالاً ، وزدوا بُعداً عن الله -والعياذ بالله - قال (فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ).

- تفسير آية (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) .
قال في التفسير الميسر: فاستُؤصِلَ هؤلاء القَوم وأُهلِكُوا إذ كفروا بالله وكذَّبُوا رُسلَه فلم يبقَ منهم أحد، والشُّكُر والثَّناء لله تعالى خالِقُ كُلِّ شيء ومالكه على نُصرةِ أوليائه، وهَلاك أعدائه. قل أيُّها الرَّسول لهؤلاء المشركين أخبروني إن أذهبَ الله سـَمعكم فأصَّمَكم،وذهب بأبصاركم فأعماكم، وطبع على قلوبكم فأصبحتم لا تفقهُون قولاً. أيُّ إلهٍ غيرُ الله جلّ وعلا يقدِرُ على ردِّ ذلك لكم. اُنظُر أيُّها الرَّسول كيف نُنَّوع لهم الحُجَج، ثمَّ هُم بعد ذلك يُعرِضون عن التَّذكُر والاعتبار. قل أيُّها الرَّسول لهؤلاءِ المشركين أخبروني إن نزل بكم عِقابُ الله فجأة وأنتم لا تشعُرون به، أو ظاهراً عِياناً وأنتم تنظرون إليه.هل يُهلَكُ إلاَّ القوم الظَّالمون الذِّين تجَاوَزوا الحَدّ بصرفهم العبادةَ لغير الله تعالى وبتكذيبهم رُسُله. وما نُرسِلُ رُسلنا إلاّ مُبشِّرين أهل طاعتنا بالنَّعيم المقيم، ومُنذِرين أهل المعصية بالعذاب الأليم، فمن آمن وصدّق الرُّسُل وعَمِل صالحاً فأولئك لا يخافون عند لقاء ربّهم، ولا يحزنون على شيء فاتهم من حُظُوظ الدُّنيا. والذِّين كذَّبوا بآياتنا من القُرآن والــمُعجزات فأولئك يُصيبُهم العذاب يوم القيامة بسببِ كُفرهم وخُروجهم عن طاعة الله تعالى.

 تعليق الشيخ:  قوله (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) هذه خاتمة لقوله (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الدَّابِـر هو: آخر شيء كأنَّـه قـد أتى هذا العَذاب واستأَصَل أوَّلهم حتى وصل إلى آخرهم فقَطَعَ دَابرَهُم فلم يبقَ منهم أحد.
وقال (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) وهو يتكلَّم عن قومٍ سَبَق الحديث عنهم في قوله (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ) فلم يقُل "فَلمَّا نسُوا الذِّين ظَلَمُوا ما ذُكِّروا به" فجاء به على الضَّمير، فلمَّا جاء عند هذه الآية قال (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ولــم يقل "فقُطِعَ دابـِرهم وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" وهذا نوعٌ من الاستطراد وهو إظهارٌ في مَقَام الإِضمار للتَّنبيه على سبب من أسباب نزُول هذا العذاب بهم، ما هو سبب نُزول هذا العذاب بهم؟ أنَّـهم قومٌ ظلموا، فإذاً ظُلمهم كان سبباً من أسباب العذاب، لا يَتأتَّى فهم هذا لو كانت "فقُطِعَ دابرهم والحمدلله ربِّ العالمين".
 القَضيِّة الثّانية: أنَّ الله سبحانه وتعالى أثبت حمده بعد قطعِ دابر الذِّين ظلموا، لأنَّ الحمد هو ذكر المحمود بصفات الكمال وهؤلاء القَوم الذِّين ظلموا لم يحمدوا الله سبحانه وتعالى فلم يقَع الحمد التَّام إلاَّ بزوال هؤلاء القَوم الذِّين ذكرهم الله سبحانه وتعالى.
ونُلاحظ أنَّ المقطع (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) هو نفس المقطع الذِّي ابتدأت به سُورة الفاتحة على القول أنَّها تبتدأ بـ (الحمدلله ربّ العالمين) وهو القَول الأصَحّ.
طبعاً (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) تكرَّرت في القرآن في غير ما موطن.وجُعِلَ (الحَمدلله) يعني مِلكاً، أيّ الحمدلله لا غيره، الموصوف بأنّه ربّ للعالمين لأنَّها بدل من لفظ الجلالة. • والعالَمِين هنا المراد بهم جميع العوالم كما قال علي بن أبي طالب: كُلّ من سِوَى الله.
وأيضاً العالَمِين وردت في القُرآن والمُراد بها المكلَّفين فيكون للعالمين أكثر من وجه:
 في قول سبحانه وتعالى (إن هو إلاَّ ذكرٌ للعالمين) ولا يكون ذِكراً إلا للمكلَّفين من الجِنّ والإنس هنا فيكون ذكر للعالمين أي المكلفين من الإنس والجن. فيأتي العالَمِين والمراد بهم الجِنّ والإنس، ويأتي العالمين والمراد بهم كل من سوى الله سبحانه تعالى فيدخل فيهم الجِنّ والإنس.
/ قال (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ) هذا تهديد
 (وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) يعني الآن لو تأملت تصريف الآيات في القرآن التي طلب الله سبحانه وتعالى من الكفار أن يتأملوها ليُؤمنُوا به سبحانه وتعالى ستجد أنَّها كثيرة، وأنّها متنوعة، مرَّةً في النّبات، ومرَّةً في الحيوان، ومرَّة في الإنسان، ومرَّةً في الأحوال، تصريف الآيات بشتّى الطُّرُق لأجل أن يُؤمِنَ هؤلاء القوم ومع ذلك لم يُؤمنوا يعني ممَّن مات منهم كافراً فالله سبحانه وتعالى يقول هنا (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) .
فإن أخَذَ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم، إذا أخذ السمع إذاً أُغلِقَت أحد منافذ العَقل. أُخِذ البصر أُغلِق المنفذ الثاني للعقل. إذا خُتِمَ على القلب انتهى. يعني تصَوَّر أنت الآن إنسان لا يسمع، لا يُبصر، ليس له قَلب، هذا هو قَلب الكافر ولذلك قال (وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ).
/ (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) وكُلَّها تذكيرات لهؤلاء الكفّار-كُفَّار مكَّة- الذِّين كانوا مُعَاندين للنَّبي صلى الله عليه وسلّم لأنّ هذه السُّورة – كما تعرفون – سورة مكيّة ولعلّ يأتينا ما قيل في أنها نزلت دُفعة واحدة.
/ قال (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) هذه آية من آيات التَّبشير،الآن لاحظ المقام الآن في الحديث مع الكُفّار وقدَّم البِشارة وهذا من باب التَّصريف أيضاً، تقديم البِشَارة هنا مع أنَّ النَّاظر لأوَّل وهلة يقول مادام الخطاب مع الكُفَّار وذكر هذه الآيات الشَّديدة الكبيرة جِدّاً التّي تدُل على ما لهم من عقابات لِمَ لم يُقدّم الإنذار قبل التَّبشير لأنّ الإنذار يتناسب مع حال الكُفّار، فيكون هذا الجَانب مع ما ذُكر من هذه الجوانب أنّه جانب ترغيب، بعد ذكر هذه الآيات الشّديدة الدَّالة أنّ الله تعالى يقطع دابر الكُفّار قال (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ) وهذا هو الأصل فيهم، ثم قال (وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) أيضاً لاحظ فيه اللَّف والنَّشر المُرتَّب: (فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ) يُناسبه البشارة، (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا) يُناسبه النِّذارة. هذا أيضاً من أنواع اللَّف والنَّشر الــمُرَّتب. ثمّ أنّه قال في وصفهم أولاً في الآيات السّابقة (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) وهنا قال (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) وصف آخر لهم. في الأوَّل قال (الذِّين ظَلموا) وهُنا قال (بما كانُوا يفسُقُون). ومجِيء (كانُوا) هُنا للدِّلالة على تأصُّل الفِسقِ فِيهم.فإذا جاءت (كان) للدِّلالة على تأصُّل هذا الفِعل فيمَا بعده.
وقوله (بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) للدّلالة على تأصُّل الفِسق فيهم.
قوله (بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) ولم يقُل "بما فَسَقُوا" للدَّلالة عَلى تأصُّل الفِعل من جهة الفعل الماضي (كان)، والتَّجدُد في كلمة (يفسُقُون) من جهة أخرى في خاتمة الآية.

 - تفسير آية (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ...)
قال في التَّفسير الميّسر : قل أيُّها الرَّسُول لهؤلاء المشركين إنّي لا أَدَّعي أنِّي أملك خَزائن السّموات والأرض، فأتصَرّفُ فيها، ولا أدَّعي أنّي أعلم الغيب ولا أدَّعي أنّي مَلَك. وإنِّما أنا رسول من عند الله، اتّبِع ما يُوحَى إليّ وأُبّلغ وحيَهُ إلى النَّاس،قل أيُّها الرَّسول لهؤلاء المشركين هل يستوي الكافر الذّي عَمِيَ عن آيات الله تعالى فلم يُؤمن بها،والمؤمن الذِّي أبصر آيات الله فآمن بــِها أفلا تتفكرون في آيات الله لتُبصُروا الحقّ فتُؤمنوا به، وخَوِّف أيُّها النّبي بالقرآن الذِّين يعلمون أنَّهم يُحشرون إلى ربِّهم، فهُم مُصَّدَقُــون بوعد الله ووعيده، ليس لهم غيرُ الله وليٌّ يَنصُرُهم ولا شفيع يشفع لهم عنده تعالى فيُخَلّصهم من عذابه لعلّهم يتَّقون الله تعالى بفعل الأوامر واجتناب النَّواهي. ولا تُبعِد أيُّها النَّبي عن مجالستك ضُعفاء المسلمين الذِّين يَعبدُون ربّهم أوَّل النَّهار وآخره، يُريدون بأعمالهم الصَّالحة وجه الله، ما عليك من حِساب هؤلاء الفُقراء من شيء إنَّما حسابهم على الله، وليس عليهم شيءٌ من حسابك فإن أبعدتهم فإنَّك تكون من المتجاوزين حدود الله، الذِّين يَضَعُون الشّيء في غير موضعه.

 تعليق الشّيخ: قوله (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ) يعني قل يا محمّد لهؤلاء القوم المشركين الكُفَّار، إنّي (لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ) أيّ لا يدَّعِي محمد صلى الله عليه وسلّم ما ليس له، ومع ذلك نجِد أنَّ بعض من انحرف يَدَّعي له ما نفاهُ الله سبحانه عنه.
 (وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) إلا بما يُخبره الله تعالى به.
 (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) لستُ مَلَكاً من الملائكة، كُلّ هذه لم يدَّعها النّبي صلى الله عليه وسلم.
/ قال (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) إذاً مهمّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم هي فقط التَّبليغ ولهذا قال الله (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ) الأعمى يُمثِّل الكافر، والبصير يُمثّل المؤمن. هل يستوي المؤمن والكافر؟ الجواب: لا.
 في قوله (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) هذا يدُلّ على أنّ ما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلّم الأصل أن ما يقوله صلى الله عليه وسلم هو وحي، لكن إذا وقع منه صلى الله عليه وسلّم اجتهاد يُخالف ما أراده الله سبحانه وتعالى. فالسُّؤال هنا: هل الله سبحانه وتعالى يسكُت عن اجتهاد النّبي؟ أم أنّه جلّ وعلا يُخبر نبيِّه ؟ الجواب: أنّه يُخبره، وهذا نوع من العِصمة لنَبيّه قد يُغفل عنه، وهو أنّ النَّبي إذا وقع منه خطأ ما يُخالف ما أراده الله سبحانه تعالى فإنَّ من عصمة الله تعالى له أنّه يُخبرُهُ. هذا نوع من أنواع العِصمة لا يتأتَّى لغير النَّبي. الآن نحن نقع في أخطاء هل يخبرنا أحد أننا أخطأنا أو ما أخطأنا؟ الجواب: لا. لكن في حقِّ الأنبياء لا، لو وقع منهم خطأ فإنّ الله سبحانه وتعالى يُنبّههم على هذا الخطأ، فيُخبِرهُم به فيستغفرُون فيغفر لهم . مثلما قال في قصّة داوود عليه الصلاة والسلام بعد أن قال  ( فغفرنا له ذلك) وأيضا في قصِّة سليمان وفي غيرها من القَصص كلُّها يُخبِر بما حصَل من النَّبي ثُمّ يُخبِر بتوبة هذا النَّبي ، ثُمَّ يُخبِر بمغفرته سبحانه وتعالى. فإذاً المقصود من ذلك: أنّ الأصل في النَّبي أنّه يتبّع ما يُوحى إليه فلو وقع منه ما يخُالف ما يريده الله فإنّ الله سبحانه وتعالى يُخبره ويُصحِّح له هذا الأمر، فإن لم يُخبره فهو دلالة على صحة ما جاء به صلى الله عليه وسلّم.
/ قال (وَأَنْذِرْ بِهِ) أيّ أنذر بالقرآن (الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ) يعني أنذر به المؤمنين كما قال ( هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) فَهُم الذِّين يخافون أن يُحشَروا إلى الله أمّا الكُفَّار فإنّهم لا يُؤمنون بالبعث ولذا لا يخافون أن يُحشروا إلى الله.
/ قال (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) هذه نزلت في مكّة، أيَّام كان النّبي صلى الله عليه وسلّم ليس عنده إلا الضُّعفاء وكان النّبي صلى الله عليه وسلّم يرجو ويترقَّب إيمان بعض الكِبَار من مكّة، فكانت هناك مُوازنات فنبَّه الله سبحانه وتعالى على هذا الأمر أنَّه هل يُؤخَّر هؤلاء الضُّعفاء مثل صُهيب الرُّومي، وبلال وغيره ويَستدني هؤلاء الكِبار رجاء إسلامهم؟ أوّ أنّه يُبقي هؤلاء؟ فجاء الأمر الإلهي (وَلَا تَطْرُدِ) حتى لاحِظ العبارة فيها ثِقل (وَلَاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) أيّ لو وقع أنَّ النّبي صلى الله عليه وسلّم طَردهم لكان من الظّالمين – وحاشاهُ – أن يفعل هذا لـــــمَّا أخبره الله سبحانه وتعالى. وإلاّ نحن نعلم أنَّه وقع في بعض الآيات أنَّ بعض المشركين قال : لو أنَّك أبعدتَ هؤلاء لجِئنا مجلسك. يعني كيف نجلس نحنُ السَّادة مع هؤلاء وهم في حكم العبيد. فالله سبحانه وتعالى نهاهُ عن أن يفعل هذا الفعل. لأنَّه قد يرى الرسول صلى الله عليه وسلّم أنه من مقتضى المصلحة أن يُؤّخر هؤلاء، ويستدني هؤلاء رجاء إسلامهم، ولذلك جعل الله الأمر حتماً واحداً أنّه لا يفعل هذا الفعل.

- تفسير آية (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ....)
قال في التّفسير الميّسر: وكذللك ابتلى الله تعالى بعض عباده ببعض، بتبَاين حُظُوظِهم من الأَرزاق والأخلاق فجعل بعضهُم غنيّاً وبعضهُم فقيراً،وبعضهُم قويّاً وبعضهم ضعيفاً فأحوَجَ بعضَهُم إلى بعض اختباراً منه لهم بذلك، ليقولَ الكافرون الأغنياء أهؤلاء الضُّعفاء منّ الله عليهم بالهداية إلى الإسلام من بيننا. أليس الله تعالى بأعلم بـِمَن يشكرون نعمته، فيُوَّفقهم للهداية لدينه، وإذا جاءك أيُّها النّبي الذّين صدَّقوا بآيات الله الشَّاهدة على صِدقِك من القرآن وغيرهم، مستفتِين عن التَّوبة من ذُنوبهم السّابقة فأكرمهم بردّ السّلام عليهم، وبشِّرهم برحمة الله الواسعة فإنّه جلّ وعلا قد كتب على نفسه الرّحمة بعباده تفُضُّلاً أنَّه من اقترف ذنباً بجهالة منه لِعَاقبتها وإيجابها لسَخَطِ الله، فكلُّ عاصٍ الله مخطئاً أو متعمّداً فهو جاهل بهذا الاعتبار وإن كان عالماً بالتَّحريم، ثم تاب من بعده وداوم على العمل الصّالح فإنّه تعالى يغفر ذنبه، فهو غفور لعباده التّائبين، رحيمٌ بهم.ومثل هذا البيان الذّي بينَّاه لك أيُّها الرّسول نُبيِّن الحُجج الواضحة على كُلِّ حقّ يُنكره أهل الباطل ليتبيَّن الحقّ ، ولِيَظهَر طريق أهل الباطل المخالفين للرُّسل.

تعليق الشيخ: قال ( وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) يعني فتَّنا السَّادة بالعبيد، وفتَّنا العبيد بالسَّادة.
/ (لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا) أيّ ليقول هؤلاء السَّادة (لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا) يعني ما كان الإسلام ولا كان الإيمان بالله سبحانه وتعالى أن يأتي إلاَّ من هؤلاء قَبلنا، فهذا لا شك أنه نوع من فتنة، فقال الله (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ).
ثم قال الله (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا) أَيّ هؤلاء الضُّعفاء (فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ) وانظر إلى لُطف هذا التَّعبير (وإذا جاءَكَ الذِّين يُؤمنُون بآياتِنا فقُل سلامٌ عليكم كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) هذا اللُّطف في الخِطَاب وهم جَاؤوا يسألون عن الذَّنب إذا وقع منهم ماذا يحصُل؟ فالله سبحانه وتعالى قدَّم قبل فتواهم وسؤالهم قال (وإذا جاءَكَ الذِّين يُؤمنُون بآياتِنا فقُل سلامٌ عليكم كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ). قولُه (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) هذه مقدِّمِة للجواب. قال (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ) وكُلّ من عَمِلَ السُّوء حتَّى ولو كان عالماً فإنّه حال عمله بهذا السُّوء فإنَّه يعتبر جاهلاً كما ذكر ذلك ابن عبّاس رضي الله عنهما.
/ قال (ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ) أيّ عمل السُّوء ثمّ تاب (وَأَصْلَحَ ) أيّ أضاف إلى توبته زيادة إصلاح (فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أيّ يُوقِع مغفرته ورحمته على عبده. وهذا من تمام كرم الله سبحانه تعالى وتحبُّبه إلى عباده في أنّه ما جعل ذنباً إلاّ وله توبة. وقد أخبر النّبي صلى الله عليه وسلّم عن الرّجُل يُذنب ثم يتوب، يُذنب ثمّ يتوب، يُذنب ثمّ يتوب -وطبعا توبته تكون صادقة وليست توبةً كاذبة- فإنّ الله يُطلِع الملائكة يقول: قد علم عبدي أنّ له ربّاً يغفر الذَّنب، قد غفرتُ لعبدي فليعمل ما يشاء. مثل هذا هو نوع من توسيع رحمة الله تعالى لعباده.
 نحن الآن لو تأمّلنا هذا الأسلوب في الآيات: لاحظوا الآن جاء هذا وهو مُذنب انتهى. ماذا تقول له؟ كيف تتعامل معه؟ كيف تُرشده إلى التَّوبة؟ (سلامٌ عليكم كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) ثمّ بعد ذلك تقول من تاب وأصلح فإن الله غفور رحيم .
هل نحن بالفِعل حينمَا يأتِينا المذنب، أو يكون هناك من هو مُذنِب نتعامل معه بهذا الأُسلُوب؟
 هذا لا شَك نوع من التّربية نحتاج إلى أن نتأمَّله وأن نتبنَّه له، لأنَّه قد يقع مِنَّا خِلافَ ذلك ولكنَّه ليس هو الأسلوب الأنجع، هذا هو الأسلوب الأنجع ، الأسلوب الذّي أنزله الله في كتابه.
/ قال (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) أي تظهر وتتضَّح سبيل المجرمين. أغلب الآيات السّابقة كانت مع هؤلاء المجرمين مع الكُفّار، فهذا الإيضاح بعد الإيضاح بعد الإيضاح وما يمكن أن نُسمِّيه (تصريف القول) أيّ أنه يذكر الشيء مرّة بعد مرّة بعد مرّة، كلُّه لكي تستبين سبيل المجرمين وتكون ظاهرة وواضحة.
 السُّؤال أيضا الذِّي يرد: هل نحن من خلال قِراءتنا للقرآن تستبين لنا سُبُل هؤلاء المجرمين؟
 حينما نقرأ في الصُّحُف،حينما نقرأ في الكُتُب، حينما نُطالِع شيئاً ما في تلك الشَّاشات، أوفي الإنترنت، هل نحن نعلم أنّ هذا هو سبيل المجرمين وأنّهم يستخدمون هذا السَّبيل الإِجرامي أو لا؟ أو نحنُ مـِمَن تنطلي عليهم هذه السُّبُل ولا ننتبه لها؟ هذه قضيّة لا شك أنّها بحاجة إلى أن يكون المسلم واعياً من خلال هذا الكتاب. وأنا على ثقة كبيرة جِدّاً أنّه لو واحد منّا قرأ بهذا النَّفَس وحاول أن يستشهد لهذه الآيات بما يراه من الواقع -وإن أخطأ مرة أو مرتين أو ثلاث- لكن سيكون له دِربَة في أن يعرف بالفعل ما هو سبييل المجرمين الذّي يراه اليوم ظاهراً وماثلاً في أمثلة كثيرة من أعمال الشَّر التّي نراها.

 - تفسير آية (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)
قال في التّفسير الميّسر:  قل أيُّها الرسول لهؤلاء المشركين إنَّ الله عزّوجل نهاني أن أعبد الأوثان التِّي تعبدونها من دونه، وقل لهم لا أتّبع أهواءكم قد ضللت عن الصِّراط المستقيم إن اتَّبعت أهواءكم وما أنا من المهتدين. قل أيُّها الرّسول لهؤلاء المشركين إنّي على بصيرةٍ واضحةٍ من شريعة الله التّي أوحاها إليّ، وذلك بإفراده وحده بالعبادة وقد كذَّبتم بهذا. وليس في قُدرتي إنزال العذاب الذّي تستعجلون به، وما الحُكم في تأخُّر ذلك إلاّ إلى الله تعالى يقُص الحقّ وهو خير من يفصل بين الحقّ والباطل بقضائه وحُكمه.

 تعليق الشيخ: (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) وهذه الآية شبيهة بآية (قُل يا أيُّها الكَافرون*لا أعبد ما تعبدون).
(قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) وهذه أيضاً قاعدة في التَّعامل مع الكُفَّار وهو أنَّ اتَّباع أهواء الكُفَّار لا شَكَّ أنّه يُردِي المسلمين، ولذا يجب على المسلم أن يكون حَذِراً من أهواء الكُفَّار.وأنتم تُلاحظون اليوم أهواء بعض الكُفّار الذِّين يأتُون إلى بلادنا ويُقيمون أحياناً ندوات في سَفَاراتهم أو غيرها ويَدعُون أبناء هذا البلد لأن تعمل المرأة، وأن يفعلوا بالمرأة، ويجب على المرأة أن تفعل كذا، ويجب عليكم أن تفعلوا كذا. كُلّ هذا من أهواء القوم الذِّين ضلُّوا. ولهذا الله سبحانه تعالى يُحذّر (قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) فإذاً عندنا قاعدة أنَّ اتّباع أهواء الكُفّار يُوصِل إلى الضَّلال بلا ريب، ولا يمكن بحال أن يوصِل الكافر المسلم إلى الخير،لا يمكن، الكفر والإسلام نقيضان . فلا يُتصوَّر أن يكون الكافر مُوصلاً الهدى والخير للمسلم البتّة وإنما كما قال الله سبحانه وتعالى إن اتبعت أهواءهم فإنك تضِل ولا تكون من المهتدين.
/ قال (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ) وهذه الحقيقة الآية أيضا نفس المعنى الذي سبق وذكرناه  وهو وضوح الحقّ مع النبي صلى الله عليه وسلم ووضوح الحقّ عند أهل الحقّ (إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي) على أمرٍ واضحٍ ليس فيه أيّ شكّ أو ريب.
/ قال: (وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ) يعني أن الأمر كُلُّه لله إن شاء عجّل العذاب وإن شاء أخّره ولذلك (قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) معنى ذلك أنّ الأمر ليس لمحمد صلى الله عليه وسلم وإنَّما هو لله تعالى وهو سبحانه أعلم بالظالمين.
ولعلَّنا نقف عند هذا ثم نختم إن شاء الله في اللِّقاء القَادِم سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرُكَ ونتوب إليك.

المجلس الثَّاني
 بسم الله الرَّحمن الرَّحيم والصَّلاة والسَّلام على أشرف خلق الله أجمعين, اللهُمَّ اغفر لنا ولشيخنا أجمعين.
قراءة من التفسير المُيسر:  تفسير قول الله عزَّوجل: (قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ...) قُل يا أيَّها الرَّسُول لو أننَّي أملكُ إنزال العذاب الذِّي تستعجلونه لأنزلتُهُ بكم وقضي الأمر بيني وبينكم ولكنّ ذلك إلى الله تعالى وهو أعلمُ بالظَّالمين الذِّين تجاوزوا حدّه فأشركوا معه غيره,وعند الله جلّ وعلا مفاتح الغيب أي ّخزائنُ الغيب لا يعلمها إلا هو , ومنها علم الساعة، ونزول الغيث، وما في الأرحام والكسب في المستقبل، ومكان موت الإنسان، ويعلم كل ما في البرّ والبحر, وما تسقط من ورقةٍ من نبتة إلا يعلمها, فكل حبةٍ في خفايا الأرض وكل رطبٍ ويابس مُثبَتٌ في كتابٍ واضح لا لبس فيه وهو اللَّوح المحفوظ.

تعليق الشِّيخ: بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله , هذه الآية في قوله (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ) وهي مفاتِح الغَيب الخمسة التي أشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: مفاتح الغيب خمس ثم ذكر آخر سورة لقمان.
/ قال: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) أصلاً كل ما في الأرض إما برّ وإما بحر, أي يعلم كل ما في البرّ وكل ما في البحر, ذكر الله سبحانه وتعالى من دقيق علمه مثالاً قال: (وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا) أنت مثلاً في وقت الخريف -طبعا ما يمرّ علينا الخريف- لكن في وقت الخريف تتساقط الأوراق، اجلس أنت فقط خمس دقائق أمام هذه الأشجار، وانظر وحاول أن تحصي ما تستطيع من بصرك -بصرك محدود- كم من الأوراق تسقط؟ كل ورقة تسقط وتتحرك بطريقةٍ ما, ورقة تذهب يمين، والورقة الأخرى تعاكسها يسار، ثم تلتقيان, وقد تصطدمان كُلّ هذه بِعلمِ الله, وأنت الآن تعيش في حيّز ضيِّق جداً جداً وعقلُك لو تابَع لأحسَست أنَّه قد أُنهك وأنت تشاهد هذا الحدث الصغير وتحاول أن تربطه بعلم الله, كيف أن الله يعلم!  كيف قدّر الله هذه الورقة أن تسقط بهذه الطريقة ثم تميل يمنةً ثم تميل يَسرةً ثم تأتي الورقة الأخرى فتتقَاطع وإيَّاها ثم تعود! معنى أنك أمام أمر كبير جداً جداً فيما لو كنت ستُتابع أوراق هذه الحديقة وهي تسقط!! كيف بأوراق مدينتك!! كيف بالأوراق في جميع الأرض!! إذاً أنت أمام عظمة لا يُمكن أن تستوعبها ولا أن تُدركها .
 قال تعالى : (وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ) مهما صغرت (فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) بمعنى أنّ الله قد أحصى كل هذه في هذا الكتاب المبين وهو اللوح المحفوظ , فما من شيء في هذا الكَون إلا وقد كُتب في اللَّوح المحفوظ كما أخبر الله سبحانه وتعالى ، فانظر إلى هذا الأمر وتعجَّب, كل شيء تتخيَّله قد كُتب وحُفظ ودُوِّن والله تعالى يعلم به سبحانه وتعالى.
- تفسير آية (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ)
قال في التَّفسير الميسَّر: وهو سبحانه الذي يقبض أرواحكم في الليل بما يشبه قبضها عند الموت, ويعلم ما اكتسبتم في النهار من الأعمال, ثم يعيد أرواحكم إلى أجسامكم باليقظة من النَّوم نهارًا بما يُشبه الأحياء بعد الموت, لتُقضى آجالُكم المُحدَّدة في الدنيا, ثم إلى الله تعالى معادكم بعد بعثكم من قبوركم أحياءً, ثم يخبركم بما كنتم تعملون في حياتكم الدنيا, ثم يجازيكم بذلك.والله تعالى هو القاهر فوق عباده, فوقية مطلقة من كل وجه, تليق بجلاله سبحانه وتعالى. كل شيء خاضِعٌ لجلاله وعظمته, ويرسل على عباده ملائكة يحفظون أعمالهم ويُحْصونها حتى إذا نزل الموت بأحدهم قَبضَ روحَه مَلكُ الموت وأعوانُه وهم لا يُضيعون ما أُمروا به, ثم أعيد هؤلاء المُتوفون إلى الله تعالى مولاهم الحق. ألا له القضاء والفصل يوم القيامة بين عباده وهو أسرع الحاسبين. قل - أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: من ينقذكم من مخاوف ظلمات البرِّ والبحر؟ أليس هو الله تعالى الذي تدعونه في الشَّدائد مُتذللين جهرًا وسرًّا؟ تقولون: لئن أنجانا ربَّنا من هذه المخاوف لنكونن من الشاكرين بعبادته عز وجل وحده لا شريك له. قل لهم - أيُّها الرسول- : الله وحده هو الذي يُنقذكم من هذه المخاوف ومن كل شدة, ثم أنتم بعد ذلك تشركون معه في العبادة غيره. قل - أيُّها الرسول- : اللُه عزوجل هو القادر وحده على أن يرسل عليكم عذابًا مِن فوقكم كالرَّجْم أو الطُّوفان, وما أشبه ذلك, أو من تحت أرجلكم كالزَّلازل والخسف, أو يخلِط أمركم عليكم فتكونوا فِرقًا متناحرة يقتل بعضكم بعضًا. انظر -أيها الرسول- كيف نُنوِّع حُجَجنا الواضحات لهؤلاء المشركين لعلهم يفهمون فيعتبروا، وكذَّب بهذا القرآن الكفَّارُ مِن قومك أيها الرسول, وهو الكتاب الصَّادق في كل ما جاء به. قل لهم: لستُ عليكم بِحفيظٍ ولا رقيب وإنَّما أنا رسول الله أبلغكم ما أرسلت إليكم. وفي كُلِّ خبر قرارٌ يستقر عنده, ونهاية ينتهي إليها, فيتبيَّن الحقُّ من الباطل, وسوف تعلمون -أيُّها الكفار- عاقبة أمركم عند حلول عذاب الله بكم. وإذا رأيتَ - أيُّها الرسول- المشركين الذين يتكلمون في آيات القرآن بالباطل والاستهزاء, فابتعد عنهم حتى يأخذوا في حديث آخر, وإن أنساك الشَّيطان هذا الأمر فلا تقعد بعد تذكُّرك مع القوم المعتدين الذين تكلَّموا في آيات الله بالباطل.

تعليق الشيخ:  قال: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ) لاحظوا أنّها تبعٌ لِذكر علم الله سبحانه وتعالى السَّابق أي هذا مثالٌ آخر لِعلمِ الله (يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ) أيّ حال النوم (وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ) استخدام لفظ الجَرح للدِّلالة على الأثر يعني وجود العمل الأثر بالنهار (ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)
/ قال: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) سبقت طبعاً هذه الآية (١)
/ قال (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً) لو تأمَّلتم وقرأتُم في السُّنة لوجدتم الإنسان قد وُكِلَ به مجموعة من الحفظة, هؤلاء الحفظة يحفظونه من أمر الله كما ورد في سورة الرَّعد على أحد وجوه التفسير, فإذا جاء قدرُ الله الأكبر في أنَّه يُصيبه ما يُصيبه من الموت خَلَّوا بينه وبين الموت ولذا قال: (حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ) أي لا يُقصِّرون في أمرهم. لاحظوا الآن الحفظة هؤلاء لو أنت قرأت ستجد أنهم يحفظونك من أشياء كثيرة،يحفظونك من الجنّ والهوامّ والدَّواب وأنت لا تراهم فممكن أن يكون الإنسان نائم في الصحراء من شدة التَّعب ويمرّ قريباً منه الثعبان والعقرب ولكن بما أنّ الله لم يأذن لهذه الدَّواب بأن تؤذيه تجدها تمشي قريباً منه وتذهَب لا تؤذيه أبداً وقد يمرّ عليه ما هُو أكبر من ذلك، ولا يُؤذيه لماذا؟ لأنّ هناك حفظة يحفظونه من أمر الله لكنه لا يراهم .
/  قال: (ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) طبعاً الكلام للكفار، قل أيّ لهؤلاء الكفار (قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) هنا فائدة: أهل مكة الذِّين نزل لهُم الخطاب لم يكونوا أهل بحر لكن لا يعني أنَّهم لا يعرفون البحر ولذا خاطبهم الله تعالى: (وإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدِّين) معنى ذلك أنَّهم يركبون البحر ويعرفونه وإن لم يكونوا مباشرين على البحر.
/  قال: (قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ) وهذا فيه تنبيه مهم جداً إلى أننَّا كثيراً ما نعمَد إلى الأسباب ونغفل عمن سبّب هذه الأسباب وهو الله سبحانه تعالى, وهذا يَدُلّ على ضعف في الإيمان . مثال الآن: لو أنَّ واحد منَّا أُصيب مثلا بِحمَّى أو بزكام أوغيره تجده يذهب إلى الطبيب ويأخذ الدَّواء ويبدأ يستخدم الدواء وهو في حِسِّهِ أنّ هذا هو الذي سينفعه ويستعجل أخذ الدواء لأجل أن ينتفع  ينسى الذي أنزل هذا المرض هو الذي يرفعه وهو الله سبحانه تعالى ، لهذا من المهم جداً أن ننتبه وأن نُربّي أولادنا على هذا العمل ، ولا يعني ذلك أننا لا نذهب إلى الطبيب لكننا نستحضر الأسباب لكن بعد أن ننسِب الشِّفاء لله تعالى (قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ) وهذا خطاب طبعا للكفار.
(قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ) أيّ حاصب ..المطر.. الريح كُلَّها تأتي من فوق، (أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) مثل الزَّلال أوالبراكين (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ) (يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) أي يجعلكم شيعاً قبيلة فلان تقاتل قبيلة فلان كما نعلم أنّه يقع أحياناً, فمثل هذا عذاب من الله سبحانه  وتعالى .
/ قال: (انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) طبعا الخطاب هنا للكفار وهو تهديد للكُفَّار لكن في قوله (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) هذا وقعَ أيضاً على المسلمين لمَّا دعا الرسول صلى الله عليه وسلم بالثَّلاث دعوات اُستجيبَ له دعوتان وبقيت دعوة لم تستجب له. فما يُرى من التَّحريش بين المؤمنين اليوم ودائماً هُوَ من بقايا هذه الدَّعوة التي لم تُستجب للنَّبي صلى الله عليه وسلم، فلم يبقَ لإبليس إلاّ التَّحريش بين المؤمنين.
/ قال: (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ) آية سبق طبعا في معناها أكثر من آية قبل.
 (لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) هذه آية عامة يعني كل نبأ أخبر الله عنه تعالى فإنَّ له مستقرّ (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) هذا له مستقرّ سيقع , أي خبر في القرآن له مآل فإنّه سيصل إلى مآله, أهل الجنَّة إلى الجنَّة, وأهل النّار إلى النَّار، أخبار الجنّة، أخبار النار, أخبار يوم القيامة , كل هذا هو يدخل في قوله :(لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).
/ (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) هذا أصل يتمسك به من يرى عدم جواز رؤية التمثيليات التِّي تستهزئ بالمؤمنين قال: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) فلاحظ أنه وصفهم بأنهم ظالمين ولم يقل فلا تقعد معهم وإنَّما جاء الإظهار في مقام الإضمار للتنبيه على ظُلمهم ولهذا يحذر المسلم من أن يقع في مثل هذه الأمور في أن يقع في هذه الآية.

  - تفسير آية (وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ)
 قال في التَّفسير المُيسَّر: وما على المؤمنين الذين يخافون الله تعالى فيطيعون أوامره ويجتنبون نواهيه من حساب الله للخائضين المستهزئين بآيات الله من شيء ولكن عليهم أن يَعِظُوهم ليُمسكوا عن ذلك الكلام الباطل لعلهم يتقون الله تعالى. واترك - أيها الرسول- هؤلاء المشركين الذين جعلوا دين الإسلام لعبًا ولهوًا مستهزئين بآيات الله تعالى وغرَّتهم الحياة الدنيا بزينتها, وذكّر بالقرآن هؤلاء المشركين وغيرهم كي لا تُرتهن نفس بذنوبها وكُفرها بربها ليس لها غير الله ناصرٌ ينصرها, فينقذَها من عذابه، ولا شافعٍ يشفع لها عنده، وإن تَفْتَدي بأي فداء لا يُقْبَل منها. أولئك الذين ارتُهِنوا بذنوبهم, لهم في النار شراب شديد الحرارة وعذابٌ مُوجع بسبب كفرهم بالله تعالى ورسوله محمَّد صلى الله عليه وسلم، وبدين الإسلام. قل -أيُّها الرسول- لهؤلاء المشركين: أنعبد من دون الله تعالى أوثانًا لا تنفع ولا تضر؟ ونرجع إلى الكفر بعد هدايةَ الله تعالى لنا إلى الإسلام, فنُشبه - في رجوعنا إلى الكفر- مَن فَسَد عقله باستهواء الشياطين له فَضَلَّ في الأرض وله رفقة عقلاء مؤمنون يدعُونه إلى الطَّريق الصحيح الذي هم عليه فيأبى. قل -أيُّها الرسول- لهؤلاء المشركين: إنَّ هُدى الله الذِّي بعثني به هو الهدى الحق وأُمِرنا جميعًا لِنُسلم لله تعالى رب العالمين بعبادته وحده لا شريك له،  فهو رب كل شيء ومالكه وكذلك أُمرنا بأن نقيم الصلاة كاملة وأن نخشاه بفعل أوامره واجتناب نواهيه. وهو - جل وعلا- الذِّي إليه تُحْشَرُ جميع الخلائق يوم القيامة. والله سبحانه هو الذي خلق السموات والأرض بالحق. واذكر -أيُّها الرسول- يوم القيامة إذ يقول الله: "كن", فيكون عن أمره كَلَمح البَصر أو هو أقرب, قوله هو الحقُّ الكامل, وله الملك سبحانه وحده, يوم ينفخ المَلَك في "القرن" النَّفخة الثانية التي تكون بها عَودة الأرواح إلى الأجسام. وهو سبحانه الذِّي يعلم ما غاب عن حواسِّكم -أيها الناس - وما تشاهدونه، وهو الحكيم الذي يضع الأمور في مواضعها، الخبير بأمور خلقه. والله تعالى هو الذِّي يختص بهذه الأمور وغيرها بدءًا ونهاية، نشأة ومصيرًا، وهو وحده الذي يجب على العباد الانقياد لشرعه, والتسليم لحكمه، والتَّطلع لرضوانه ومغفرته.

 تعليق الشِّيخ: (وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ) لمَّا ذكر أوأمر بالإعراض عن الذين يخوضون في الحديث , من ذكّرهم بالله , قال ما على أمثال هؤلاء ( الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي لعلّ هؤلاء القوم الخائضين يتقون , فمن اتقى الله مع هؤلاء الخائضين ونَصَحَهم فليس عليه شيء وما يقوله فإنه ذكرى لهؤلاء لعلهم يتقون.
/ قال: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِه) أي بالقرآنِ (أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ) أن تُحبَس وتُرتهن (بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ) (تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ) هي كقوله: (كل نفس بما كسبت رهينة).
/ قال: (وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ) فإذاً الخطاب هذا كله لأهل الكفر .
(قُلْ أَنَدْعُو) قل للكفار (أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا) يعني لاحظ الآن هذا كأنه رجل استهوته الشياطين أصابه المسّ , أصابه الجنّ وهو ضالّ في الصحراء (لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا) ولكنه لا ينتصح ولا يأتي لهم (قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) أي نستسلم الاستسلام التَّام لله سبحانه وتعالى .
/ ثم قال: (وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ) لاحظُوا يُنفخ في الصُّور لم تأتي في القرآن إلا مبينة للمفعول أو للمجهول -يُنفخ في الصور،نُفخ في الصَّور- كلها جاءت على هذا النَّسق. وفيها دلالة على أنّ العناية بالنَّفخ في الصور، والصَّور هو: البوق الذي يكون مثل القمع فدلالة على العناية بالنفخ في الصور دون العناية بمن ينفخ وإن كان النَّافخ إسرافيل فهو معلوم من الآثار النَّبوية.
/ قال: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) ولعلَّنا نقف عند هذا الحدّ من هذه الآيات .
 طبعاً الآيات مررنا عليها مروراً سريعاً لِضِيق الوقت .
 - وقفة عند قوله تعالى: (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)
 يقول الإمام الطَّبري: "اختلف أهل التَّأويل في تأويل قوله: (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) فقال بعضهم معناه هؤلاء المُشركون المُكذِّبُون بآيات الله ينهون النَّاس عن اتِّباع محمّد صلى الله عليه وسلم والقَبُول منه وينأَون عنه، يتباعدون عنه".
 • ثم قَال "ذِكرُ من قال ذلك وأشَارَ إلى الرِّواية من طَريق علي بن أبي طلحة عن ابن عبّاس قال: ينهون النَّاس عن محمد أن يؤمنوا به، وينأَون عنه يعني يتباعدون عنه.
• ثم أورد رواية أخرى عن السُّدي قال: أن يُتبَّع محمد ويتباعدون منه.
• رواية أخرى عن ابن عباس من طريق عطية العَوفي قال : لا يَلقونه ولا يدَّعون أحداً يأتيه يعني محمداً صلى الله عليه وسلم .
• رواية أخرى عن الضَّحاك قال: وهم يَنهون قال عن محمد صلى الله عليه وسلم .
• قال عن قتادة قال: جمعوا النَّهي والنأي التباعد .الآن انتهى القول الأول .
• وقال بعضهم ينهون عن القرآن أن يُسمع له ويُعمل بمَا فيه .
 القول الأول ينهون عن النبي صلى الله عليه وسلم
 القول الثاني ينهون عن القرآن .
 • ووردت رواية عن قتادة قال ينهون عن القرآن وعن النَّبي صلى الله عليه وسلم وينأون عنه ويتباعدون عنه .
 • رواية أخرى عن مجاهد قال: ينهون عنه، قال : قريش عن الذِّكر , وينأون عنه يتباعدون.
• رواية أخرى عن مجاهد بنفس المعنى.
• ورواية أخرى عن قتادة بنفس المعنى يَنهون عن القُرآن وعن النَّبي صلى الله عليه وسلم .
• عن أبي زيد قال ينهَون عن أذى محمد صلى الله عليه وسلم وينأون عنه ويتباعدون .
• عن وكيع قال نزلت في أبي طالب كان يَنهى عن مُحمَّدٍ أن يُؤذى وينأى عمَّا جاء به أن يُؤمن به .
• عن حبيب بن أبي ثابت قال حَدَّثني ابن عباس قال نزلت في أبي طالب, رواية أخرى أيضاعن حبيب عن ابن عبّاس أنّها نزلت في أبي طالب، ورواية أخرى القاسم بن خيبرة أنها نزلت في أبي طالب , ورواية أخرى أيضاً عن العباس أنها نزلت في أبي طالب , ورواية أخرى عن القاسم نزلت في أبي طالب , وعن حبيب قال ذاك أبو طالب.
الآن عندنا ثلاث أقوال:
 • القَول الأول ينهون عن القرآن .
• القول الثاني ينهون عن النبي صلى الله عليه وسلم .
• القول الثالث ينهون أي المراد به أبي طالب.
 الآن إذا أردنا أن نحرر المعنى من جهة السياق :
 في آية 26 (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ) وقبلها (ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) الآن السياق في من؟ في الكفار، أول الصفحة (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ) يعني الآن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من جهة , وعن القرآن من جهة والخِطاب عن المشركين, لاحظوا الآن الطبري -رحمه الله تعالى- كيف سيختار المعنى , طبعا في التفسير الميسر اختاروا: وهم ينهون عن النبي صلى الله عليه وسلم وينأون عنه.    يقول الطبري -رحمه الله تعالى- في هذا: "وأَولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال تأويل وهم ينهون عنه عن اتِّباع محمد صلى الله عليه وسلم مَن سِواهم من النَّاس وينأون عن إتِّباعه , وذلك أن الآيات قبلها جرت بذكر جماعة المشركين العادلين به والخبر عن  تكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والإعراض عما جاءهم به من تنزيل الله ووحيه, فالواجب أن يكون قوله (وهم ينهون عنه ) خبراً عنهم إذ لم تأتنا ما يدل على انصراف الخبر عنهم إلى غيرهم . بل ما قبل هذه الآية وما بعدها ، يدل على صحة ما قلنا ، من أن ذلك خبرُ عن جماعة مشركي قريش قوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، دون أن يكون خبرا عن خاصٍّ منهم . وإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الآية : وإن يرى هؤلاء المشركون يا محمد كُلَّ آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقولون : إنَّ هذا الذي جئتنا به إلاّ أحاديث الأولين وأخبارهم ، وهم ينهون عن استماع التَّنزيل ، وينأون عنك فيَبعدُون منك ومن اتَّباعك (وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ..) إلخ الآية. هذا ترجيح الطَّبري .
 طيب الآن الطَّبري ردّ أحد الأقوال وهو أنها نزلت في أبي طالب لأنه قال عن جماعةِ مشركي قوم رسول الله دون أن يكون خبرا ًعن خاصّ منهم من هو؟ أبو طالب . لو كان خبراً عن خاصٍّ منهم يكون من أيِّ أنواع العموم؟ لو كان خبراً عن خاصٍ منهم عن أبي طالب, وهم ينهون عنه وينأون عنه, الضَّمير ضمير الجمع والمراد واحد يسمى العامّ الذي أريد به الخُصوص مثل : (الذين قال لهم الناس إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ) فإذاً هو الآن اعترض على من قال أنه أبو طالب.
 لو قلنا إنّ أبا طالب هو مثال لمن ينهى وينأى يصح أو لا ؟ يَصح , فيكون قول معتبراً من باب المثال , فالذين ينهون وينأون هم المشركون , طيب ينهون من؟ وينأون عن من؟ ينهون عن النبي أو القرآن؟ بناء على ترجيح الطبري ينهون عن استماع القرآن وينأون عن النبي صلى الله عليه وسلم , الضمير واحد وهم ينهون عن النبي وينأون عنه , أو ينهون عن القرآن وينأون عنه , الطّبري اختار المُشاركة بينهما لكن لاحظ الآن لمّا قلنا ينهون عن النبي وينأون عنه من لازِم ذلك أنهم ينهون عما جاء به أو لا؟
 طيب ينهون عن القرآن وينأون عنه من لازم ذلك أنهم ينهون عن النبي صلى الله عليه وسلم وينأون عنه أو لا؟
 فإذاً قولان متلازمان فاختيار أحدهما لا يُبطِل الآخر وبناءً عليه: من ذكر أنه القرآن فصواب ومن ذكر أنَّه الرسول صلى الله عليه وسلم فصواب ، ومن قال أنه أبو طالب على سبيل التمثيل فصواب . لأنَّ كل هذه الأقوال في النِّهاية عندنا تكون من باب اختلاف التَّنوع.
 نقف عند هذا الحَدّ كان بودي أننّا نربط قضايا المَوضوعات جدال المشركين مع الرسول صلى الله عليه وسلّم، قضايا التَّحليل والتَّحريم. ربط بالتوحيد لكن الوقت كما تلاحظون انتهى ولعل الله ييسر في لقاء قادم.

لتحميل الملف الصوتي:







____________________________
مصدر التفريغ ملتقى أهل التفسير (بتصرف يسير)
اقرأ المزيد...