الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

من هدايات سورة القدر

د.محمد بن عبد العزيز الخضيري



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أمابعد ...
هذه السورة لاشك أن موضوعها هو ما امتنّ الله به على عباده المؤمنين مِما جعل في ليلة القدر من الكرامة والفضل العظيم الذي ينبغي أن يفرح به المؤمنون ويُشَمِّر له العابدون.
 هذه السورة يمكن أن نأخذ منها جملة من الفوائد ونقف معها بعض الوقفات:
 الأولى: في قوله (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) المُنزل هنا هو القران والضمير يعود إليه بإجماع المفسرين والمقصود أنزلناه من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا وكان هذا الإنزال لأجل أن يعلم به أهل السماء وليكون في ذلك الإعلام بشرف هذا الكتاب وشرف هذه الأمة وشرف هذاالنبي الذي سينزل عليه هذا الكتاب وما اختار الله عزوجل له هذه الليلة العظيمة الفاضلة إلا ليعظُم مقداره ويشرُف وهذا يدلنا على أن هذا الكتاب ينبغي أن يكون في أجل المنازل وأعظم المواقع وألا نستهين به وأن نقدُره حق قدره.
 ثم في قوله (لَيْلَةِ الْقَدْرِ)  إما أن تكون سُميت بالقدر من التقدير، وإما من المنزلة والشرف
 فإن كانت من التقدير فهذا دلالة على أن هذا الكون قد نُظِّم تنظيماً هائلاً وعظيما وأن الرب سبحانه وتعالى يقدُر لكل شئ قدره وأن العباد ينبغي لهم أن يخططو لأُمورهم وينظموا أحوالهم وألا يجعلوا أمورهم سبهللا، انظروا كيف قدّر الله المقادير وكتب هذه المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ثم إن هذه المقادير أيضاً تُكتب كل عام وتُقدر في ليلة محددة يُعرف أو ينزل من اللوح المحفوظ ما يكون في ذلك العام وهذا من تقدير الله عزوجل وضبطه لما يكون في شؤون خلقه .
ثم من الوقفات: ماهو متصل بالفضل العظيم الذي يجعله الله سبحانه وتعالى في بعض الأعمال أو في بعض الليالى والأزمان أو في بعض الأماكن وفضل الله لا حدود له، فانظروا إلى عمل في ليلة واحدة يساوي في ميزان الله عز وجل عملاً في أكثر من ألف شهر فالعمل في ليلة القدر خير من العمل في ألف شهر لمن قبِل الله عز وجل منه العمل فيها، وهذا فضلٌ من الله وفضل الله عز وجل لاحدود له (والله ذو الفضل العظيم) ولا نستكثر ذلك فإن العمل في تلك الليلة يُساوى عمرا كاملاً وزيادة لأنه ألف شهر تساوى قرابة ٨٣ سنة و٤ أشهر وهذا خير كبير ولذالك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر شَمّرعن ساعد الجد واعتزل أهله وفراشه عليه الصلاة والسلام وقام أو أحيا ليله يطلب هذه الليلة -والتي تكون عادهً من بين ليلة إحدى وعشرين إلى نهاية شهر رمضان- يطلب هذه الليلة لعله أن يدركها بما هو عليه من الحال من القيام والدعاء والذكر والابتهال لله سبحانه وتعالى. فعلى المسلم أن يحرص على ذكر الله ودعائه وقيام تلك الليلة لعله أن يظفر بأن يكون من القائمين فيها فتكون خيرا له من ألف شهر فيكون بذلك قد عاش عمراً جديداً وعمراً ثانياً سيرى أثره وعِظم أجره عند الله سبحانه تعالى.
ثم في قوله: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا) من الوقفات فيها: أن كل مكان تكون فيه الملائكة فهو طيب وأن كل مكان أوزمان تخلو منه الملائكة هو مكان خبيث ولذلك الملائكة لا تأتي إلى أماكن الخلاء ولا إلى المكان الذي فيه إنسان جُنب وعلى الإنسان أن يحرص على أن يكون في الأماكن التى تعتادها وترتادها الملائكة مثل المساجد فهي أحب البقاع الى الله والمسلم إذا دخل المسجد فإن الملائكة تدعو له وتصلى عليه مادام في مُصلاه وتقول: "اللهم اغفر له اللهم ارحمه" مالم يُحدِث فيه وهذا يجعل كل واحد منا حريص على دخول الملائكة إلى بيته وإلى المكان الذي هو فيه.
 ومن موانع دخول الملائكة للمحل الذي فيه الإنسان الصور والأجراس فإن على الإنسان أن يُخلي المكان الذي يبيت فيه أويجلس فيه من هذين الأمرين خِلافا لمن يتهاون في وضع المُجسمات والأشياء التي تطرد الملائكة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق