الأحد، 23 نوفمبر 2014

الحلقــ الثالثة عشر ـــة / العاقل لا يُورد أهله الموارد



سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين..
أما بعد أيها الإخوة الصائمون... أيها الإخوة المؤمنون يا أهل القرآن نواصل مع هذه القصة العجيبة ...مع سورة القصص متأملين ومتدبرين ... متفكرين بما فيها من دلالات وآثار.
كان آخر ما أخذنا وآخر مرحلة وقفنا عندها عندما قال موسى عليه السلام لصاحب مدين (قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ۖ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ) .
مضت صفحة طويلة فإذا هو على منهج القرآن ينقلنا نقلة أخرى (فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا) هذه الفترة بين أن قال لصاحب مديَن واتفق معه (ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ۖ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) ثمان سنوات أو عشر سنوات (فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ) وهنا ينقلنا (فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ ) القرآن يتحدث عما يفيد الناس .. عما فيه الدلالة والهداية، هذه الفترة لو كان هناك حاجة لذكرها لذكرها، في قضية إتمام الزواج وكيف كان يرعى الغنم وكيف أصبح من أهل البيت، طُويت هذه الصفحة فبدأ مرحلة جديدة وهي مرحلة عظيمة تُؤكد ما في أول السورة في قضية (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) هذه المرحلة (فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ) أيما الأجلين قضى؟ هناك أجلان ثمان وعشر (فإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ) سأل أحد النصارى سعيد بن جبير -رحمه الله - قال: أيما الأجلين قضى موسى ؟ قال: لا أعلم حتى أرجع إلى حبر العرب .. حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- فرجع إليه وسأله: أيما الأجلين قضى موسى عليه السلام؟ قال: عشر سنوات لأنها الأتمّ ولا يليق بالنبي إلا الأتمّ والأكمل والأفضل. فرجع سعيد إلى هذا النصراني وأخبره، فقال: صدق، ذاك عالم وحبر. فهو استنباط بديع .. جميل لا يليق بالكريم إلا أن يكون كريما. ولذلك لما اقترض النبي -صلى الله عليه وسلم - من أحد الصحابة لحاجته إلى الغزو بعيرا ثم أراد أن يرده قالوا لا نجد إلا خيرا منه فقال: اقضوه. وبيّن لهم النبي -صلى الله عليه وسلم - أن خير الناس خيرهم قضاء … خيرهم أداء.
هذا معنى بديع جدا فهو قضى عشر سنوات مع أن المطلوب منه ثمان سنوات.
هل نحن نرى ذلك في أعمالنا وفي أدائنا؟!
هل الأجير سواء كان موظفا أو مسؤولا أو عاملا في أي مسؤولية كان يؤدي أتمّ الأجلين؟!
ألسنا نأتي إلى بعض المسؤوليات الكبرى في المسؤوليات ولا نجد المسؤول ولا نجد الموظف، يأتي للدوام ثم يبدأ يأخذ جزءا من الوقت للإفطار -في أيام غير رمضان- ثم آخر الدوام أو منتصفه يقول ذهب يأتي بأولاده، وقبيل انتهاء الدوام فإذا هو قد خرج.
 أتعجب كيف يستحلّ هؤلاء ما يأكلون؟! ثم يقول بعضهم أنا لدي مشكلات في بيتي، لأنك أكلّت أولادك حراما، ما أتمّ الأجل الأدنى فضلا عن الأجل الأعلى. إن لم يكن هناك وازع على الإنسان من ضميره ودينه ومراقبته لله -جل وعلا- الناس مهما وضعوا من الأنظمة لا تؤدي إلى النتيجة وإن كانت تساعد في ذلك. يأتي ويبصُم أو يوقع ثم يخرج والعجيب أن بعض زملائه يتواطؤن معه.
يقول لي أحد الأخوان لدي معاملة في جهة معينة فآتي أسأل عن المسؤولين يقولون خرج الآن بمهمة خارج المسؤولية لأن عمله فعلا يقتضي أحيانا أن يخرج كما يقال للميدان -للطبيعة- يقول فترددتُ عدة أيام فتعجبت ولا مرة أوافقه، كلما أدخل يقول زملاؤه الآن خرج .. قبل قليل خرج، يقول فاكتشفت أنه قد سافر منذ عدة أيام.
كذب وتواطؤ وحرام ثم يقولون تنشأ مشكلات في بيوتنا .. أولادنا يعصوننا؟! أنت عصيت ربك .. أنت أكلّت أبناءك حراما.
من منا يُتمّ الأجل يتقي الله -جل وعلا-!!
 كان أحد كبار مشايخنا -رحمه الله- وهو كان في جامعة من الجامعات إذا اضطر للتأخر ساعة -أي محاضرة أو محاضرتين- يأخذ ما يناسبها ويُسلّمه ويُدخله في حساب الجامعة ويرفض أن يأخذه . يا شيخ نحن نُقدّرِك وما أخرّك إلا سبب، لا… لا، لا يجوز. الكريم لابد أن يكون كريما، كما قلنا بالأمس يجب أن نُحسِن إلى الأُجراء وأن نعطيهم حقوقهم وأن يقوموا بما يجب كذلك يجب أيضا أن نُوفي الحقوق.
 إمام… مؤذن.. يغيب الأيام.. يترك الفروض، في هذا الشهر انظروا وبخاصة في العشر الأواخر وهي عشر مباركة قبيل انتهاء رمضان بعدة أيام -كما يقول- إذا ختم سافر، أين سافر؟ ما شاء الله ذهب يأخذ عمرة، يترك الواجب.. يترك المسجد.. يهمل المسجد ليأخذ عمرة وليست المسألة ساعات ويرجع كما يفعل بعض الأئمة -جزاهم الله خيرا- يصلُّون بنا التراويح ثم يذهبون إلى المطار ويقضون عمرتهم ويُصلُّون من الغد التراويح لا يتغيبون إلا صلاة الفجر -تقريبا- وهذا يجلس ثلاثة أيام يريد أن يعتكف في الحرم. ويا ليته أيضا كلّف إنسانا مثله أو أفضل منه، لا.. كأنه يريد أن يودع رمضان .. ينتهي من رمضان، كأن رمضان عبء عليه .
هذه مسائل عظيمة جدا ولها آثار في أخلاقنا.. في تربيتنا.. في أكلنا.. في شربنا.. في معاملتنا.. فيما يقع علينا من مصائب. الإنسان لو يقع عليه ظلم غضب غضبا شديدا … والظلم ظلمات يوم القيامة ولا يظلم ربك أحدا (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم مُحرم فلا تظالموا) لكن هذا المسؤول أو هذا الموظف يظلم الناس .. يعطل معاملاتهم يعني يجمع بين عدة سوءات، عطّل معاملات الناس.. أكل مالا حراما لأنه كل دقيقة لها قيمة .
 تأملوا أيها الأحبة وارجعوا إلى كتب الفقه قال العلماء: هل يحقّ للأجير أن يصلي السنن الرواتب بدون إذن من استأجره؟
القول الراجح قالوا: أما الفريضة لا إشكال فيها، أما الرواتب قالوا فنعم الراجح أنه يذهب ويصليها أما التنفل فلا إلا إن يأذن له سيده صاحب المال.. صاحب الشركة .. المسؤول لكن إذا كان بعض المسؤولين ليسوا بقدوة فماذا نفعل؟
الأمر عظيم -الحقيقة- جدا يا أحبتي مرتبط بيننا.. عقيدتنا (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ) .
هنا (فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ) الأتمّ والأفضل وهو الراجح (وَسَارَ بِأَهْلِهِ) من هم أهله؟ هي زوجته ولذلك تُسمّى الزوجة أهل، (آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا) وهو جبل الطور المعروف، نارا فيما رأى -على القول الصحيح- وإلا فهو نور من الله -جل وعلا- لأنه لما قرُب منه لم يجد نارا لكن من حكمة الله أن أراه النور كأنه نار وهو محتاج إلى النار لشيئين: لكي يتدفأ..يأخذ منها نارا يتدفأ هو وأهله ويحتاج أيضا إلى أن يأخذ منها قالوا كانت ظُلمة ليعرف الطريق ولهذا قال ( قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) تتدفؤون فذهب.
 هنا لفتة: 
أولا: جذوة تُقرأ بثلاث (جَذوة ، جِذوة ، جُذوة ) وكلها قراءات صحيحة -مثلثة- قالوا أبقى أهله لكن المسافة ليست بعيدة فالعاقل لا يُورد أهله الموارد، هو سيذهب إلى هذه النار لكن لا يدري ما الذي سيُفاجؤه .. ماذا يحدث له، قال امكثوا ولم يقل اذهبوا معي طبعا ليس في مكان بعيد يخاف عليهم لأن الدليل أنه أبصر النار والدليل أنها قريبة فلما أتاها مباشرة رآها ولذلك من يتلطف مع أهله .. يترفق بأهله.
يا أحبتي بعض الناس الآن ونحن في هذا رمضان من الصيف يأتي الصيف -الإجازة- عذاب على أهله حتى إذا أخذهم لسفر بعضهم بدلا من أن يكون السفر متعة وراحة فإذا هو عذاب -سبحان الله- النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) يقول لأهله امكثوا ، أيضا لاحظ هو الذي يخدم أهله سيأتي لهم بنار يصلون -يتدفؤون- . أذكر أننا أدركنا أجدادنا وآباءنا وكنا نسافر للحج هم الذين يخدمون النساء في الحجّ .
هذا معنى عظيم وهذه دلالات عظيمة . نواصل بإذن الله في الحلقة القادمة، أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد وأن نكون من خير الناس لأهلينا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق