د. محمد بن عبد العزيز الخضيري
حقيقة هذه السورة فيها هدايات كثيرة ،وهكذا سور القرآن وآياته مليئة بالهدايات لمن تأمل وتدبر ،
هذه السوره تسمى سوره المطففين والمقصود بالمطفف هو الذي وصفه الله عز وجل بقوله (الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) يعني الذين يزيدون إذا كان الكيل لهم ويُنقصون إذا كان الكيل لغيرهم وهم يستعملون هذه الطريقة من أجل أن ينالو شيئا طفيفا بغير حِل من أموال الناس سواء إذا أخذوا أو أدوا وأعطوا .
هذا المعنى قد يظنه بعض الناس مقتصرا على قضيه البيع والشراء ولكن الأمر أعم من ذلك ،،فالتطفيف يدخل في كل الأمور حتى في تقييم الناس ومدحهم وتزكيتهم والكلام فيهم يجب أن يقول الإنسان الكلام بعدل وإنصاف فلا يطفف سواء إذا مدح أو قدح فيمن يحب أو من يكره ،
وكذلك في أعمال الإنسان التي يتعبّد بها لله عز وجل كالصلاة مثلا فإن بعض الناس قد يُطفف بمعنى يُنقص في الصلاة الواجبة قدرا ولو كان قليلا فإن هذا من التطفيف الذي يُذم الإنسان عليه.
وهاهنا لفتة عظيمة جدا وجميلة وهي: أن الأشياء المُتفق على قبحها وأنها مُحرمة لسنا بحاجة إلى أن نُذكِّر الشخص الذي فعلها أو قام بها أنه قام بشيء مُحرم ولكننا نذكِّره بالجزاء لأنه يعلم تحريمها وهذا من باب الموعظة والله سبحانه وتعالى قد قال (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)
فالحكمة تكون مع الشخص الذي لا يعرف الحق ، والموعظة تكون مع الذي يعرف الحق لكنه لا يقوى على فعله او القيام به ،،
وهنا نلاحظ أنه قال (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ) فبدأ بالويل ثم وصف ذلك التطفيف فقال (الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) ثم عقب بالجزاء فقال ( أَلا يَظُنُّ أُوْلَـئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ)
هذا في أول السورة.
في آخرها نقف عند قول الله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ)
هذا وصف لقوم مجرمين لم يؤمنوا بالله عز وجل ،كان من صنيعهم عندما يرون أهل الإيمان أنهم يتغامزون ساخرين بهم مستهزئين بهم يفضفضون عن الحقد الذي في قلوبهم عبر هذه الوسائل المقيتة وهي الغمز واللمز والاستهزاء والسخرية بل ويقطِّعون الأوقات ويتسامرون الساعات الطوال في ثلب هؤلاء المؤمنين نظرا لإيمانهم.
وهذه الخصلة قد يفعلها المسلمين -مع كل أسف- عندما يرى رجلا قد أطاع الله سبحانه وتعالى وامتثل أمره يسخر منه ،لماذا تسخر منه؟! ألا تحاسب نفسك !! هذا الذي قام به أخوك وامتثل به أمر الله عز وجل لا يجوز لك أن تسخر منه لأجله ،بل يحب عليك أن تزري على نفسك وأن تعود على نفسك بالملامة كيف يكون أخوك قد امتثل أمر الله وأطاع حكم الله سبحانه وتعالى وأنت قصّرت في هذا الباب وأخللت بهذا الجانب ، إن هذا من أساليب الشيطان التي يعبث بها في أديان الناس وهذا الأمر مزلة قدم قد يجعل الإنسان يخرج من الدين وهو لا يشعر،، فليحذر أولئك الذين يتساهلون في أمر لمْز المومنين والسخرية بهم والاستهزاء بأفعالهم أن يخرجوا من الإسلام وهم لا يشعرون ..
أسأل الله أن يحفظ عليّ وعليكم ديننا وأن يقينا شر الاستهزاء بعباد الله. اللهم آمين.
___________________________________
جزى الله خيرا بنيتنا (خلود السويدي) على تفريغها للمادة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق