الأربعاء، 2 مارس 2016

تدبر سورة العلق / د. عويض العطوي



 بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد..
 أيها الإخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه السورة التي نتحدَّث عنها وهي سورة (العلق) أول الآيات التي بدأت بها هذه السورة هي أول ما نزل من القرآن على قلب محمد صلى الله عليه وسلم مُرادنا في هذه الجلسة -أيها الإخوة الكِرام- في هذه الدقائق أن نقِف ولو قليلاً على تدبُّر شيء من هذه السورة ودِلالاتِها.

/ هذه السورة أيها الإخوة الكِرام بدأت بفعل أمر (اقْرَأْ) وانتهت بفِعلين أيضاً كِلاهُما أمر ( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) وكثيراً ما يرِد في القرآن الأمر والنهي لأنَّ شرائع الإسلام مبينة على هذا مأمورات أو منهيات، وهذه الكلمة إذا وقفنا عندها (اقْرَأْ) وما بعدها لوجدنا أن هذه الآيات التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في أول نزول القرآن تتكلم عن قضية تُعتبر مِفصلِية ومهمة ألا وهي قضية العلم يتَّضح ذلك من الكلمات الواردة في هذه الآيات ( اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) تكررت مُفردة العِلم أكثر من مرة، ثُم جاءت أدوات العلم وهي القلم ثُم جاءت وسيلة التعلم وهي القراءة
من قول إقرأ للنَّبي الهادي ** بدأت لدُنيا رِحلة الأمجادِ
 هذه الكلمة - أيُّها الإخوة الكِرام - التي للأسف أصبح قليل من المسلمين من يُطبِّقها إقرأ، وإن كان المقصود بإقرأ هُنا إقرأ الشيء الذي نزل عليك يا مُحمد ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لمًّا أتاه الأمر قال (ما أنا بِقارئ) كلمة أو جُملة (ما أنا بقارئ) تحتمل معنيين لا تفاضُل بينهُما إلا من خلال السِّياق فيُمكن أن يكون المقصود في غير هذا السياق الذي نحن فيه الآن - أتحدَّث عن معنى الكلمتين - (ما أنا بقارئ) لمَّا أُمر بالقراءة قال (ما أنا بقارئ) إمَّا أن يكون المقصود أنني لا أعرف القراءة، أو لا أريد القراءة وكِلا المعنيين جائز إلا أنَّ السياق هو الذي يحدد ما المقصود، والمقصود هُنا - أيها الإخوة الكرام - أنني لا أعرف القراءة لأنه يُؤمر بشيء يقرأه جديد عليه ثُم بعد ذلك كُرر عليه الأمر حتَّى قرأ، فكان عليه الصلاة والسلام عندما يقرأ شيئا من هذا القرآن وعندما ينزل عليه جبريل يحفظ هذا الذي نزل عليه عن ربِّه سبحانه وتعالى.
( اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ) نتأمل - يا إخواني الكِرام- ذُكرت أيضاً في هذه الآيات بعض الأحوال المُهمة: الحالة الأولى: خلق الإنسان
 الحالة الثانية: (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) الحالة الثانية هي التعليم
ولو تأمَّلنا العلاقة بين خلق الإنسان من علق وبين كَون الإنسان يتعلَّم لوجدنا بينهُما بَوناً شاسِعاً، فإن الإنسان لو نظر إلى أصل خِلقته وهي أنَّه من علق أي من دمٍ مُعلَّق في عُنق الرحِم أو ما يُسمَّى بالعلقة دويدة معروفة كُلها دم لو وقعت على ثوبك لاستقذرت منها فهذا أصل الإنسان وأصل خِلقته إذاً فهو في الأصل على هذه الحالة ولكِنه يرتفع ويُكرم بالعلم ولذلك جاء وصف الله عزَّ وجل بالأكرم (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) أي الذي خُلق من عَلق علَّمه فهُنا الإنسان بماذا يرتفِع ؟ بالعلم، وإلا الناس كُلهم يتساوون في قضية أنهم مخلوقون من علقة، فالإنسان إذا أراد أن يرفع نفسه ماله إلا هذا الطريق وهو طريق العلم حتى مع الإيمان للعِلم شأن فإن الله عزَّ وجل يرفع المؤمنين بالعلم فالذين عندهم عِلم من أهل الإيمان تجِده بعلمه يعرف من الأحكام ومن الفضائل ومن الأعمال ما لا يعرفه الإنسان العادي ولذلك قد تفوت عليه الكثير من الفضائل وهو لا يعلم وقد يقضي وقته في عملٍ غيره أفضل منه، فالعِلم - يا إخواني الكِرام - إذا كُنَّا أُمة أول ما نزل عليها إقرأ فما هو وزن القِراءة عندنا اليوم ! دعونا من قراءة الكُتب الفكرية وغيرها، دعونا نقرأ ما أنزل الله تعالى علينا وهو القرآن، كم هو حجم القرآن!! الآن اليوم كُل واحد منا معاه جوال ومشترك في مجموعات ورُبما عنده أصدقاء وزملاء وغير ذلك تجِده مشغول بالساعات الطِوال لكن كم يقرأ من القرآن؟؟
 أنا أجزم أننا في الأزمنة الأخيرة بسبب هذه الجوالات نقصت عندنا قراءة القرآن بشكل كبير رغم أننا نتوقع أن القرآن موجود في جوالات أكثرنا لكن كم نقرأ ؟ إذا جاء رمضان تجد الواحد يُحاول أن يقتص له ربع ساعة وإلا دقيقة ليُكمل فيها جُزءً وانتهى الموضوع.
 أُمة نزل عليها أول ما نزل اِقرأ ما يستطيع الواحد منا أن يوجِد وقتاً كافياً أن يقرأ هذا الكِتاب؟!
 سورة واحدة بل آية واحدة إذا أردت أن تقرأها وتتدبَّرها وتتمعن ما فيها ثُم تعمل بما فيها هذا يحتاج لك عشرين دقيقة أو ثلاثين دقيقة أو أكثر، إذا كان بعض الصحابة ابن عُمر رضي الله عنه بقي ثمان سنوات، وبعضهم بقي اثنا عشرة سنة فقط في البقرة، في سورة البقرة يتأمَّلها.. ينظر فيها.. يعمل بما فيها. إذا كانت الأيام التي مضت مضت فدعونا نبدأ من اليوم لازم يكون لي في كُل يوم عمل أعمله بسبب آية في القرآن، الجُزء الذي تقرأه أنظر فيه فيه صفة معينة فيه آية محددة هُناك موقف معين أي شيء يجذبك إلى أن تعمل عملاً أو تترك عملاً سيئاً ثُم قُم بعمل هذا الأمر.
 مرَّت عليك آية في الإنفاق أنفق اذهب إلى أحد الجمعيات - اقتطع جزء من يومك - إذهب إلى أحد المؤسسات الخيرية إلى أخره أنفق تعوّد أن يكون الدافع الأول والمحرك الأول هو القرآن.
 مرت عليك آية فيها صلة رحم مباشرة أفعلُ ..أتذكر من قطعت من رحمي أذهب وأصِلهم.
 وهكذا القرآن مليئ بالتشريعات لو مريت على آية في القرآن الكريم (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة:٨٣] هذه ما تحتاج شيء تحتاج إني أفكر في نوعية كلامي هل أنا أتحدث بطريقة صحيحة مع الناس هل أنا أختار الكلمة المناسبة ؟
 إذاً ( اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )
 ممكن نحن لا نمشي بكُل الآيات لكن ننتقل إلى بعض المعاني أيها الإخوة الكِرام.
عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) هناك قضية أُخرى إذا نظرنا من خلال الآية يمكن أن ننظر من خلال قضية العلم وأدوات العلم كما سمِعنا ويمكن أن ننظر إليها من خلال السياق الذي نزلت فيه وهو الرسالة والمُرسل والرسول وقد احتوتها هذه الآيات، فالرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم وهو المُخاطب بالفِعل، والمُرسل هو الآمر (اقرأ) ومضمون الرسالة هو ما في اقرأ هذه . فاتَّضح من هذا أنَّها تحوي القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم والمُرسِل وهو رب العالمين سبحانه وتعالى، ودائماً الآيات الأولى في أي سورة تفتح لك باباً لفهم السورة فنستطيع من خلال الآيات الأولى هذه أن نقول أن هذه السورة تحكي مسيرة الدعوة الإسلامية الأولى وقد تتكرر، قد يرجع الإسلام غريباً وتتكرر، فلو لاحظت في أولها هذا الأمر، بعد ذلك هذا الوحي الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم هذه الرسالة بدأت الآن مالذي سيواجهها ستواجهها صعوبات ليس الأمر مفروشاً بالورود ( كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى) سيأتيك وأنت في هذا الطريق أشياء كثيرة وعقبات كثيرة وأُناس يقفون في طريق هذه الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى. هذا المعنى - أيها الإخوة الكرام - نجده في كل مرحلة ونجد في ختم السورة النتيجة من هذه الرسالة كُلها، ماهي النتيجة من هذه الرسالة ؟ أن يستسلم الإنسان اللي هو الاسلام أن يستسلم الإنسان لله رب العالمين والإسلام هو الاستسلام وأعلى أشكال الاستسلام السجود أعلى صور وأشكال العبودية السجود لأن الإنسان يتخلى عن أشرف ما لديه ويسجد لرب العالمين، والسجود هو أفضل الأحوال للقُرب من الله سبحانه وتعالى ولذلك قال (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ). 
والآية - أيها الإخوة الكرام - تعالج قضية ثانية وهي قضية خطيرة جداً في مسيرة الإنسان إلى الله وهي الكِبر، الكِبر أخطر داء على الإنسان ولذلك هو الذي تسبب لإبليس في المعصية التي عصاها، الكِبر (أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ) فإذا رأى الإنسان أنه استغنى بأي صورة من الصُور إما بعلمه أو بماله أو بجاهه أو بسلطانه أو بأي صورة من صور الاستغناء إعلم أنه وقع في أعظم خطأ. بل إن آيات القرآن كلها تعالج هذه القضية وأنتم تقرأون سورة الكهف أسبوعياً لو تأملتها حق التأمل وجدت أنها في كل قصة تعالج قضية من هذه القضايا الأساسية التي قد تجعل الإنسان يقع في التكبُر نأخذها على عجل فقط.
 الأولى الفُتوّة في قصة أصحاب الكهف - فتوّة - الشاب يُعجب بنفسه وبفتوته (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) غالباً الفتوة تدعو الإنسان إلى الانحراف لا إلى الالتزام، فهؤلاء جعلوا هذه الفتوّة في خير فنجحوا، ماغرتهم فتوتهم بالعكس جعلوها في الخير.
 المرحلة الثانية نتركها نأتي للمرحلة الثالثة وهي العِلم، العِلم قد يجعل الإنسان يتكبر ويطغى وهذا الذي حصل مع إبليس رأى نفسه أعلم وأعرف وأفضل وحصل منه ما حصل أيضاً ولذلك جاءت القصة التي فيها موسى عليه السلام لمُعالجة هذه القضية فقد كان يخطب في بني إسرائيل فسأله رجلٌ هل هناك يا نبي الله من هو أعلم منك ؟ فقال - حسب معرفته - لا، فعتب الله عليه أن لم يُسند العِلم إلى الله وهو نبي، وهو من أولي العزم من الرسل فما بالُنا نحن ؟ فقال بل اذهب، يوجد من هو أعلم منك اذهب إلى مكان كذا وكذا ستجد من هو أعلم منك. وتعرفون القصة كاملة.
 بعد ذلك الثالثة يا إخواني الكرام وهو السُلطان، لما يكون الإنسان معه سلطان كثير من الناس يحجزهم عن الخير المنصب .. الكُرسي .. المكانة، بل قريش كُلها، بل إنكم تقرأون في القرآن كُله كلمة (الملأ) دائماً تجدون (الملأ) هم الذين يعترضون على الرُسل الملأ معناهم عُلية القوم هؤلاء دائماً هم الذين يعترضون لأنها ستذهب مناصبهم وكراسيهم والناس سيتساوون ولذلك ما يُحبون هذا فيُصادمون الدعوة لا لأنها خطأ وهم يُوقنون أنها صح وأنه يدعو إلى فضائل الأخلاق، كيف النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يُأمِنون أموالهم عنده ويقولون الأمين فلمَّا دعاهم إلى الله قالوا كذاب وساحر الأوصاف نفسها هم الذين وضعوها، بل إن الأمانات بقيت عنده إلى اخر يوم كيف تضعون أموالكم عند ساحر ؟! كيف تصفونه بالسحر وتضعون أموالكم عنده ؟! كيف هذا !! كيف تصفونه بالجنون وتضعون أموالكم عنده ؟! لكن تعرف أن المقاييس مختلفة.
 بقيت الرابعة هذه كُلها نجحت خاصة صاحب السلطان ماذا فعل ذو القرنين ؟ سخَّر هذا السلطان لا ليتكبر على الناس بل ليخدم أضعف الناس (لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا) قال: يعني أُناس بُلهاء مساكين، أو لا يفقهون قولاً لا يعرفون اللغة على كُل حال هو سخَّر قوته كُلها في خدمة هؤلاء الناس الضعفاء المساكين نجح، كُل الثلاث نجحت، الوحيد الذي رسَب الذي لمَّا أختُبر بالمال وهو أحد مُسببات الكِبر ( كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى) الذي رسب هو صاحب الجنَّتين لماذا ؟ لأنه نسب الأمر إلى نفسه وادَّعى أنه إذا عاد إلى الله لأعطاه الله أحسن من هذا أيضاً فهو إذاً مُعجب بنفسه مُتكبر، والذي جعله يُعجب بهذا -أيها الإخوة الكِرام- أنه بنى هاتين الجنتين على أحسن نظام وأعظم نظام وهي ليست جنة واحدة جنَّة وجنَّة فلو فسدت واحدة عنده أخرى، الأمر الثاني والأخطر والأهم عند أي مُزارع هو الماء فأجرى الله له نهراً فيها ينبع منها ويبقى فيها حتى يكون الابتلاء أعظم فقال في نفسه لن تبيد هذه أبداً لا يُمكن أن تبيد لو كان بئر يمكن، لا أحتاج سحاب ولا مطر ولا غيره فابتلاه الله بهذا وما هي إلا لحظات حتَّى قال الله عز وجل (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ ) فهذا الوحيد الذي رسب لأنه وقع في المشكلة ( كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى) فكُل واحد منَّا يا إخوان قد تمُر عليه لحظات يُختبر هذا الاختبار وهو أنه يرى نفسه قد استغنى، كل شيء تفعله افعل الأسباب اللازمة ولكن في النهاية كِلْ الأمر إلى الله، اعلم أنه لا يُمكن أن يتم شيء إلا بمُراد الله. في حُنين يا جماعة وهم صحابة أعجبتهم كثرتهم قالوا لن نُغلب اليوم من قِلَّة الكثرة عدد كثير فقالوا نحن كُثر فاعتمدوا قليلاً على الكثرة فحصلت الهزيمة في أول المعركة، ما ينفع هذه ما فيها مُجاملة أي أحد يتكِئ على غير الله سبحانه وتعالى ويُسنِد الأمر إلى غير الله يقع في هذا .
قارون أليس من قوم موسى ؟ كان من أفضلهم ومعه ومن خاصته ماذا قال لمَّا أتاه المال ؟ المال ماهو له، المال مال الله لا يولد الإنسان وهو غني هكذا، المال مال الله الذي يُعطي هو الله ماذا قال ؟ (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي) (عِلم) قالوا معناها دراية وحُسن تنظيم وحُسن ترتيب وأنا رجل تِجاري وأعرف كيف أُسيّر الأمور، هذا الخطأ فقط، هذا الخطأ الخطير  أن يستغني الإنسان بنفسه عن ربه هو من أخطر الأشياء الموجودة التي قد تحصُل عند أي إنسان ولذلك نحذر منها ( كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى)
لعلي يا إخواني الكرام أختصر في هذه النقطة وأنتقل إلى نقطة أخيرة يا إخوان هو:
/ أن هذه الدعوة والمسيرة وغيرها تواجه عقبات كثيرة من ضمن العقبات الناس الذين يقفون في وجهها، وقد كان من عهد النبي صلى الله عليه وسلم مِمن وقف في هذا أبو جهل الذي يُسمونه بأبي الحَكَم وقف ضد النبي صلى الله عليه وسلم وهدد النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يطأ على رقبته عليه الصلاة والسلام إن رآه مرة أُخرى يُصلي عند الكعبة والنبي صلى الله عليه وسلم عاد وصلى عندها فأرسلته قريش إليه فقالوا إنه يفعل كذا فذهب للنبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يُنفذ وعده ولكنه عاد إليهم بوجه غير الوجه الذي ذهب به فقالوا مالك يا أبا الحَكَم ؟ فقال والله لقد رأيت بيني وبينه أهوالاً وخندقاً وناراً (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى) يعني أرأيت هذا الرجل ينهى عبدنا الذي هو النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي لله سبحانه وتعالى (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى) هذا الأمر يا إخواني الكرام الخطير الذي -إن شاء الله- لا يكون في أحد منا ولا مِمن نعرف يعمل مثل هذا العمل أن يأتي إنسان يعبد الله ثُم يأتي آخر وينهاه أن يعبد الله. الرسالة لماذا نزلت ؟ إقرأ لماذا نزلت ؟ الرسول صلى الله عليه وسلم لماذا أُرسل ؟ كُله ليعبد الناس ربهم سبحانه وتعالى فيأتي إنسان ويقول لا تعبد الله ؟ وينهاه أن يعبد الله ؟
 (عَبْدًا إِذَا صَلَّى) بعض الناس قد يستخدم نفوذه أو سلطته أو رأيه أو غير ذلك في مثل هذا، انتبه كُل شيء إلا عُبودية الله لا تُسهِم في شيء كهذا إنسان يعبد الله لازم نُعينه على عبادة الله سبحانه وتعالى واعلم -حسب مافي هذه السورة- أن سُنة الله ماضية أن الذي يفعل هذا وينهى عِباد الله عز وجل عن عِبادة ربهم ويقف في طريقهم اعلم أنَّ الذي سيُدافع عنهم هو ربهم سبحانه وتعالى ولذلك الله عز وجل خوّفه وذكر شيئاً مُخيفاً في هذا الأمر وقال سبحانه وتعالى (لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ) والمقصود هذا الرجُل والمقصود بالسَّفع بالناصية باختصار -لأن الكلام فيها يطول- المقصود تحقيره وإذلاله لأنه أراد أن يوقف أشرف شيء وهو عبادة الله سبحانه وتعالى، ولأنَّ العبد لله سبحانه وتعالى بسجوده يكون أعلى منزلة فكذلك يكون الإنسان أدنى منزلة عندما يُقاد من ناصيته يعني عندما يُمسَك من بداية شعرِه ويُجر، هذه أسوء حالات الإنسان، ومعنى السفع: الجذب الشديد على وجه الإهانة أو الشدة، فهذا الرجُل الذي فعل بالنبي صلى الله عليه وسلم ما فعل أو أي حالة أُخرى لأن (أَرَأَيْتَ) هذه تصلُح مُخاطبة للمعنيّ وتصلُح مُخاطبة لكُل مُخاطب في أي زمان أو مكان، فالذي يفعل هذا مصيره الإذلال بعد ذلك ولو كان في تلك اللحظة عزيزاً وكبيراً وله مكانة، مادام وقفَ أمام دين الله سبحانه وتعالى فالأمر في النهاية إلى الله سبحانه وتعالى.
 هذه السورة يا إخواني الكرام التي معنا تحكي لنا واقع مُعين وهو أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يعيش مأساة مع أصحابه يراهُم يُعذَّبون بل ويراهُم يُقتلون  (صبراً آل ياسر فإنَّ موعدكم الجنة) قُتلت سُمية وقُتل ولدها عمَّار أمام النبي صلى الله عليه وسلم ما يقدر يفعل لهم شيء وعُذِّب بلال وغيره من الصحابة لكن يجب أن نُدرك (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) دعونا نأخذ هذا اليقين إذاً الله عزَّ وجل يرى وهو أغير منَّا وأرحم منَّا لِعباده الذين يُعذبون أو يُقتلون أو غير ذلك لكن نحن البشر من طبعِنا السرعة نُريد كُل شيء يتغير، نُريد كُل شيء يتبدَّل، لو أراد الله عز وجل ذلك لانتهت - فترة الثلاثة عشر سنة بقيها النبي صلى الله عليه وسلم في مكة - لانتهت في يوم وليلة الله عزَّ وجل قادر أن ينصره في يومٍ وليلة لكن بقيت كُل هذه الفترة لنعلم أن هُناك قوانين ربَّانية لا تتغير الله عزَّ وجل يعلم متى يكون النصر مُناسباً، لسنا نحنُ البشر الذين نُحدد متى ينصُر الله لكن نحن نبذل الأسباب ونعمل بها لكنَّ الذي يُقدِّر ذلك هو الله رب العالمين سبحانه وتعالى ولذلك في آخر المطاف (كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) لا تُطع هذا الذي ينهى واعمل هذا العمل الذي هو السجود والاقتراب ولذلك لو ربطنا أول السورة بآخرها لوجدنا أنَّ أولها هو الدعوة من خلال هذا القرآن العظيم نهايتها ستكون الاستسلام لله سبحانه وتعالى وأوضح صور الاستسلام وأشكاله السجود، والسجود هو طريق القُربة إلى الله.
 نسأل الله لنا ولكم التوفيق هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق