الخميس، 15 نوفمبر 2012

سبب نزول قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ...) / سورة المائدة

الشيخ : محمد صالح المنجد
 

.....عن البراء بن عازب قال : مرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيهودي مُحممًا مجلودًا، فدعاهم فقال: "أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم" قالوا: نعم، قال: فدعا رجلا من علمائهم فقال: "أنشدك الله الذي أنـزل التوراة على موسى عليه السلام، هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟" قال: لا ولولا أنك نشدتني لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا -  لماذا غيرنا وبدلنا ؟ كثُر الزنا في أشرافنا - فكنا إذ أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الوضيع أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد مكان الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه"، فأمر به فرجم، فأنـزل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) إلى قوله (إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ) يقول ائتوا محمدًا - صلى الله ليه وسلم ، ما معنى (إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ) يعني ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم - فإن أمركم بالجلد والتحميم فخذوا به، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا فأنزل الله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)
 (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
 (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) في الكفار كلها. هذه الآية .
 معنى الحديث :
(مُرّ) يعني مرّ قوم بيهودي على النبي - صلى الله عليه وسلم -
 (وهو مُحمم) من "التحميم" بمعنى التسويد أي سوّدوا وجهه بالحُمم ، لطخوا وجهه بالسواد .
 (مجلود) معروف المعنى المقصود من الجلد .
 فدعا النبي - عليه الصلاة والسلام - اليهود فقال "هكذا تجدون حد الزاني" قالوا : نعم . معنى ذلك أن هؤلاء جلدوا هذا الشخص فيهم وسوّدوا وجهه والنبي - عليه الصلاة والسلام - لما مُرّ عليه بهذا اليهودي سألهم .
 يقول ابن حجر - رحمه الله - "يحتمل أن يكون بادروا فجلدوه ثم بدا لهم فسألوا فاتفق المرور بالمجلود في حال سؤالهم" ويوأيد الجمع ما رواه الطبراني "أن رهطا من اليهود أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعهم امرأة فقالوا : يا محمد ما أنزل عليك في الزنا " فينسجم أنهم جلدوا الرجل ثم بدا لهم أن يسألوا عن حكمه فأحضروا المرأة وذكروا القصة والسؤال فدعا رجلا منهم هو عبد الله بن صوريا من أحبارهم ، فقال - عليه الصلاة والسلام - "نشدتك بالله " و (أنشدتك وناشدتك) يعني سألتك وأقسمت عليك بالله . "هل تجدون هذا في كتابكم " أن الزاني هذه عقوبته تسويد الوجه والجلد ؟ قال : لا ، ليس كذلك ، ولولا أنك سألتني بهذه الطريقة وحرجت عليّ وحلفتني بالله ، بالذي أنزل التوراة على موسى ما اعترفت لكن ما دام سألتني بهذه الطريقة أنا مضطر للاعتراف ونحن غيرنا وبدلنا والسبب أن الزنا انتشر في أشرافنا والنظراء والوجهاء والرؤساء فصرنا إذا أخذنا الذي له واسطة تركناه ولم نعاقبه وإذا أخذنا الضعيف رجمناه والفقير والمسكين ليس له ظهر ولا ظهير ، فصار عندنا تناقض ونوع من من الكلام لماذا الضعيف كذا و... فعملنا اجتماع لمناقشة الموضوع وخرجنا برأي نفذناه أن الزاني أيا كان نسوّد وجهه بالفحم وهذه هي العقوبة فغيرنا الحكم الشرعي وجعلنا هذا الحكم بدلا من الحكم الشرعي عندنا . فانكشفت القضية وعُرف أن الأصل هو الرجم ، غيروا ، بدلوا وحرفوا لذلك هؤلاء (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ) . يقول الله تعالى (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ) أي اذهبوا إلى محمد - عليه الصلاة والسلام - فإن أمركم بالتحميم والجلد اتبعوه وخذوا ما يأمركم به وإن أفتاكم بالرجم احذروا ولا تطيعوه فيما يقول .
 والذي حصل أن يهود فدك وخيبر قالوا ليهود المدينة اذهبوا إلى محمد - عليه الصلاة والسلام - واسألوه عن حدّ الزاني فإن قال لكم التحميم وعدم الرجم اتبعوه وخذوا كلامه واعملو به ، (وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ ) - ما أعطاكم الذي تريدون - بل أعطاكم مالا تريدون وقال لكم الرجم فاحذروا أن تأخذوا بكلامه ونزل قول الله تعالى (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) ومعنى هذا أن هناك أشياء في التوراة لم يصل لها التحريف وبقيت على ... عند اليهود مع موسى ومنها حدّ الرجم ، ويحتمل أن يكون عليه الصلاة والسلام علِم بالوحي أن حكمها عند اليهود الرجم أصلا ، ويُحتمل أن بعض من أسلم من اليهود وهو عبد الله بن سلام مثلا قد أخبره بالحقيقة أن عندهم الرجم وهؤلاء قصدوا تحريف حكم التوراة والكذب على الله وتغيير الأحكام وحاولوا أن يأخذوا من النبي - عليه الصلاة والسلام - وينتزعوا منه موافقة على التحريف الذي حرّفوه وقالوا نذهب إليه ونستفتيه لعله يعطينا ويوافق ما عندنا ، يقول مادام هذا عندكم عيشوا عليه لكن النبي - عليه الصلاة والسلام - حلّف بن صوريا بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل هذه هي الحقيقة فاضطر للاعتراف بأنه في الحقيقة الموجود في التوراة هو الرجم ، ولذلك لا يُستبعد على هؤلاء الكذب لأن الله - عز وجل - قال (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) يأكلون الحرام ويسمعون الكذب ويقبلونه وإذا وافق هواهم عملوا به وهكذا الأحبار والرهبان يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله (لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) لكن هذا عادة متأصلة عندهم قول الإثم ، سماع الكذب وأكل السحت عادة متبعة موجودة عند هؤلاء اليهود .
 فالحديث هذا فيه عدة فوائد منها :
- وجوب الحدّ على الكافر إذا زنا ، الكافر الذمّي الموجود في المجتمع الإسلامي الموجود تحت سلطة المسلمين الكافر الذمّي إذا زنا يُقام عليه الحدّ عندنا إن كان مُحصنا رجم وإن كان غير مُحصن الجلد . واستدلّ العلماء ببعض روايات الحديث على أن المرأة إذا أُقيم عليها الحدّ تكون قاعدة حتى لا تتكشف أثناء الضرب ، وأما بالنسبة للرجل فقد ورد في السنة أن يُحفر له ، يُحفر لها إلى نصفها مثلا ثم تُجعل في هذه الحفرة وتُشدّ عليها ثيابها ويُرجم ...وهكذا يكون الحكم الشرعي في هذه الفعلة الشنعية وهي الزنا كما أن كل جزء في البدن تلذذ بالحرام فإن ... والقتلة الشنيعة على هذه الجريمة الشنيعة .
 - ما حكم أخذ شهادة الكافر ؟ مما يؤخذ من الحديث مسألة قبول شهادة الكافر ، ذهب جمهور العلماء إلى أن الكافر لا تُقبل شهادته على المسلم ولا على الكافر لا في الحد ولا في غيره ، لا في السفر ولا في الحضر . وجماعة من التابعين وبعض الفقهاء في مقتلة إذا لم يوجد مسلم نقبل شهادة الكافر في السفر خاصة كما أوردها أحمد - رحمه الله - ، وقال بعضهم : إذا لم يوجد مسلم قبلنا شهادة الكافر لأننا نحتاج تأكيد للشهادة ، وكذلك فإن الحديث يدل على رمي المحصن الذي سبق له وطء في نكاح صحيح ، هذا هو المحصن.
/ مسألة : هل يُجلد ثم يُرجم مباشرة ؟
 ورد عن علي أنه أُتي بمحصن زنا أو بامرأة محصنة زنت فقال جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن الرجم ثبت في السنة والجلد ثبت في الكتاب العزيز ، لكن الراجح - والله أعلم - أنه يُرجم فقط ، أن الزاني المُحصن لا يُجلد مئة ثم يُرجم يُرجم مباشرة وهذه أشنع ،الرجم كافيه وهو مؤلم في الحقيقة ولأنه ثبت في السنة الجلد أن النبي - عليه الصلاة والسلام - لما رجم ماعز ما نُقل أنه جلده ، رجم الماعزية ما نُقل أنه جلدها ، إذا الرجم فقط .
 / وكذلك الحديث يدل على أنكحة الكفار صحيحة لأنه لم يقل هذا اليهودي الذي رجم يمكن عقد نكاحه غلط وبالتالي يكون غير محصن لا ، اعتبر نكاح الكافر صحيح ورَجمه بناء عليه ، إذا عقود الكفار - الأنكحة - يعني لو جانا كافر وقال هذه زوجتي ، قد تزوجها في بلاد الغرب أو الشرق فهل نقول له نكاحك غل ويجب أن نعيده ؟
الجواب : إبقاء عقود أنكحة الكفار على ما هي عليه وتصحيحها والبناء عليها يعني ينبني عليه إرث مثلا ، ينبني عليه إحصان ، ينبني عليه ثبوت نسب للولد ، تصحصح أنكحة الكفار هذا مما ثبت في السنة . الكافر قال هذه زوجتي وقد تزوجها على طقوسهم ، على قوانينهم ، تزوجها في الكنيسة ، فنقول نحن بالنسبة لنكاحك ولو كان في الكنيسة أنه صحيح ونبني ليه كونك مُحصن وطئت فيه فنعتبرك محصن وإذا زنيت نُقيم عليك الحدّ . / وكذلك فإن اليهود يُنسبون إلى التوراة ولو حصل منهم التحريف فيُقال هؤلاء أهل التوراة لكن معروف ماذا فعلوا في التوراة وقد بقيت بعض التوراة إلى عهد النبي - عليه الصلاة والسلام - سليم لم يصلها التحريف منها آية الرجم لأنه جاء في الحديث أنه قال هاتوا التوراة (فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) فوضع صاحب مدراتهم يده عليها وقرأ التي قبلها والتي بعدها فلما أُزيلت يده وجدوا آية الرجم قد أخفاها ، هذا يدل على أن بعض التوراة بقيت صحيحة سالمة منها صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - (يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ)وكذلك فإن هذا الحديث المتعلق بهذه الآية يُبيّن القصة كيف نزلت وعندما نفهم سبب النزول نفهم الآية بأوسع وأشمل فهم .
 / (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ)
ما معنى (يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) ؟
 يُظهرون آثاره عند أدنى مناسبة وفي كل فرصة ، (يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) يدل على التوغل فيه - فِي الْكُفْرِ - وملابسته والتجوال فيه بعكس المؤمنين الذين يُسارعون في الخيرات .
/ قال الله (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) السمّاع غير السامع ، السمّاع كثير الاستماع يصغون للكذب ويعرفونه كذا ويستمعون إليه . والسحت : الحرام ، ممحوق البركة . هؤلاء حرفوا الكلم عن مواضعه وغيروا وبدلوا ونقلوا ، هؤلاء كانت عندهم الأحكام واضحة مبيّنة فغيروها وبدلوها. إذا جاؤك يا محمد - صلى الله عليه وسلم - ( فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا) فالآن لماذا هو حَكَمَ فيهم ؟ لأنهم جاؤا وسألوه فإذا سألوه بماذا نُجيب بشريعتنا أم بشريعتهم ؟ نُجيب بشريعتنا لكن قد يكون ما في شرعنا موافق لما عندهم مثل هذه المسألة ، مسألة الرجم ، فإن مسألة الرجم شريعتنا موافقة لشريعتهم فيها لكن إن أراد النبي - عليه الصلاة والسلام - أن يُقيم الحُجّة من كتابهم وشريعتهم وهو موافق لما في شريعتنا ، وقد خيّر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - في الحكم بينهم والإعراض عنهم لعل ذلك مقابل معاملة لهم بنقيض قصدهم لأنهم قالوا (إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ) وكذلك فإن هؤلاء كتموا حكم الله وأخفوه وبدلوه وحكموا بالبديل ، ما حكم هذا ؟ كفر .
 قال ابن تيمية - رحمه الله - معلقا على الآية " والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه , أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه : كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء.و في مثل هذا أُنزل قوله تعالى (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) أي هو المستحِل للحكم بغير ما أنزل الله " وهذا برهان قوي على ردة مُبدل الشرع ، يعني من جاء إلى حكم شرعي فبدّله ، أزال الحكم الشرعي ووضع حكم بديل فحكمه أنه مُرتد ، المُبدل الذي يُلغي أحكام الله فيقول نلغي الرجم ونضع بدلا عنه مثلا سجن ، نلغي حد السرقة ونضع غرامة مالية ، نلغي حد القتل ونضع مؤبد مع الأشغال الشاقة ، هذا العمل يعتبر رِدة ، مُخرج عن الإسلام ، الذي يفعله حلال الدم والمال فليس له حُرمة في ماله ولا في دمه ، فإذا هذه فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في رِدة المُبدّل . يقول الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - في كفر الذين يتلاعبون بأحكام الشريعة وصور الكفر في مسألة الحُكم بغير ما أنزل الله ، ما هي صور الكفر فيه ؟ الذي يخرج عن الملة في قضية الحكم يخرج من أي وجه ، ومن أي باب ؟ وعلى أي صورة ؟
 يقول: "إذا جحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقية حكم الله ورسوله فلا نزاع في كونه كفرا بين أهل العلم"فإذا الجحد معروف ، هذا رقم واحد .
 ثانيا : "إن لم يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أن حكم الله ورسوله حق، قال حكم الله أنا أعترف أنه حق ، صحيح ، ولكنه اعتقد أن حكم غير الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحسن من حكمه وأنه أتم وأشمل وفيه مراعاة للواقع والمستجدات والظروف الطارئة والتطورات التي حصلت على البشرية ، وعندنا أحكام فيها أخذ بعين الاعتبار بهذه الأشياء التي صارت موجودة في العالم ، فعندنا قانون أحسن وأشمل .
قال : "فهذا أيضاً لا ريب في كفره لتفضيله أحكام المخلوقين التي هي زبالة الأذهان وحثالة الأفكار على حكم الحكيم الخبير " .
 فإذا الواحد قال الشريعة صح لكن القانون الوضعي أحسن ، كافر مرتد خارج عن الملة يُقتل ، مرتد ، ولا يُقتل حدا ، يُقتل رِدة يعني ماله لبيت المال ، ورثته المسلمين لا يرثون شيء لأن هذا مرتد .
 ثالثا : "أن لا يعتقد كونه أحسن من حكم الله ورسوله، لكن اعتقد أنه مثله"
 قال أنا أقول الشريعة صح وكل في الشريعة مضبوط لكن عندي قانون يجوز أن يُحكم به مع الشريعة ، يعني لو قال الذي يريد الشريعة فهذه الشريعة ، ومن يريد القوانين فهذه القوانين ، أنا حاكم وكلاهما صحيح فنحن نطبق الجميع الشريعة والقانون . هذا أيضا كافر مرتد حلال الدم والمال لايقبل الله منه صرفا ولا عدلا .
 رابعا : "من اعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله فهو كالذي قبله".
 لو قال الشريعة أحسن ، أنا وضعت قانون لكن الشريعة أحسن من القانون لكن يجوز الحكم بهذا القانون . كافر ، خارج عن الإسلام لأنه يُجوّز الحكم بغير ما أنزل الله ، يُجيزه ، يعني يعتقد أن التحاكم إلى غير الشريعة جائز ، حتى لو اعتقد أن الشريعة أفضل وأحسن وأشمل وأجمل وأكمل ، كل هذا لا ينفعه في عدم الكفر ، يكفر ، يخرج عن الملة .
 خامسا : يقول الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - في صور الكفر الأكبر : "من أعظم ذلك وأظهره معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه، ومشاقة لله ولرسوله إيجاد المحاكم الوضعية التي مراجعها القانون الوضعي، كالقانون الفرنسي أو الأمريكي أو البريطاني أو غيرها من مذاهب الكفار، وأي كفر فوق هذا الكفر؟! وأي مناقضة للشهادة بأن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة؟!" . إذا عملية إيجاد المحاكم الوضعية كفر مُخرج عن الملة .
 سادسا : "ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر والقبائل والبوادي ونحوهم من حكايات آبائهم وأجدادهم وعاداتهم التي يسمونها (سلومهم)"
السلوم : كلمة عند البادية معناها : القانون الماشي في القبيلة أي قوانين موجودة في القبيلة يمشون عليها ، يعتقدون أنه لا يمكن الخروج عنها ، يعني أي واحد من أفراد القبيلة لا يجوز له أن يخرج عنها ، والذي يخرج عن سلوم القبيلة يُقاطع ، لا يُزوج ، لا تُجاب دعوته ، لا يُكلم ، يُتبرأ منه ، هكذا تجتمع القبيلة على مقاطعته إذا خالف السلوم ، فما حكم العمل بهذه الأشياء ولو كانت غير مكتوبة لأن هذه أشياء بين العشائر والقبائل محفوظة الأب يعلمها للابن والابن يعلمها لـ... وهكذا تُتداول بينهم ، إذا صار كذا تذبح خروفين ولو ذبحت واحد ما يُمر لازم اثنين خلاص مقرر عليه ، وأربعة مقرر عليه ، حكم ، هذا حُكم لا يمكن مخالفته ، أصلا لو ذبحت ثلاثة بدل أربعة فأنت خطأ وتبرأ منك ومُقاطع إذا ما مشيت على هذا . فما حكم هذا ؟
 يقول الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - : " ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر والقبائل والبوادي ونحوهم من حكايات آبائهم وأجدادهم وعاداتهم التي يسمونها (سلومهم) يتوارثون ذلك منهم ويحكمون به رغبة وإعراضاً عن حكم الله".
 يعني تقول له نذهب للمحكمة الشرعية يقول لا . هذا كفر أكبر مخرج عن الملة ، الذي يعتقد به كافر خارج عن الملة لأنه ماالفرق بين إنك تعملها دستور مكتوب في المحكمة الوضعية وبين أنك تعملها عُرف وليس عُرف فق لكنه شيء مطبق مُلزم لأفراد القبيلة ، يعني يحفظ حفظا ويُتداول فلا فرق نفس الشيء .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - : "وقد أجمع العلماء على أن من زعم أن حكم غير الله أحسن من حكم الله، أو أن هدي غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحسن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر، كما أجمعوا على أن من زعم أنه يجوز لأحد من الناس الخروج على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم أو تحكيم غيرها فهو كافر ضال" .
 فإذا الذي يقول ممكن فلان وفلان وفلان لا تنطبق عليهم الشريعة ، يجوز أن يُستثنى فلان وفلان من أحكام الشريعة ، هذا كافر لأنه اعتقد جواز خروج ناس عن الشريعة واعتقاد أنه يجوز أن يُطبق ليهم أحكام أخرى أو هؤلاء مُستثنون من الشريعة . ومجموع هذه العبارات لعلماء الأمة السابقين واللاحقين لا تترك مجالا للشك لتقرير هذه الحقيقة التي طالما تعامى عنها بعض الناس رغم وضوحها وضوح الشمس .
 يقول العلامة الشنقيطي - رحمه الله - : "وبهذه النصوص السماوية يظهر غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم" .
 وقال الشيخ أحمد شاكر المصري - رحمه الله - وهو من محدثي أرض الكنانة من العلماء المعاصرين : "هذه القوانين التي فرضها على المسلمين أعداء الإسلام هي في حقيقتها دين آخر جعلوه دينًا للمسلمين بدلًا من دينهم النقي وأوجبوا عليهم طاعتها، وغرسوا في قلوبهم حبها وتقديسها والعصبية لها حتى لقد تجري على الألسنة والأقلام كثير من الكلمات مثل «تقديس القانون»، «قدسية القانون»، «حرم المحكمة»،«محراب القضاء» - طبعا القضاء غير الشرعي -  وأمثال ذلك من الكلمات بل يصفون الشريعة بكلمات «الرجعية»، «الجمود»، «الكهنوت»، «شريعة الغاب» إلى أمثال ما ترى في الصحف والمجلات والكتب العصرية التي يكتبها أتباع أولئك الوثنيين ثم صاروا يطلقون على القوانين ودراستها كلمة «الفقه»، و«الفقيه»، و«التشريع»، و«المُشرِّع» ". فصارت قضية التشريع والمُشرّع في القوانين وليس في شريعة الله فيقول : المشرع كذا ، مشرّع البلد قال ، شرّع كذا ، وهذا الشرعية الدولية . كفر أكبر مُخرج عن الملة ، ما هي الشرعية !؟ هي الكتاب والسنة . فمن اعتقد أن هناك شرعية غير الكتاب والسنة يكفر مباشرة ، إذا قال هذا صحيح يجب أن نتحاكم إلى القانون الدولي ، نقول : الذي يعتقد بجواز التحاكم للقانون الدولي كافر خارج عن ملة الإنسان لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا . 
لو أن أحدا قال أنا معتقد أن هذا القانون الوضعي كفر لكن ليس عندي طريقة لآخذ حقي إلا بالقانون الوضعي ؟ يقول يا أخي أنت في بلد فيها محكمة شرعية الله يديم عليك النعمة لكن أنا في بلد ليس فيه محكمة شرعية كله قانون وضعي وليس عندي طريقة آخذ فيها حقي إلا بالقانون الوضعي ماذا أفعل ؟ هذا لو ذهب للقانون الوضعي ليحصل على حقه ليس على باطل ليس لديه طريقة إلا هذه لا يكون كافرا لأنه معتقد أن هذا كفر بس لجأ إليه اضطرارا ليس لديه حل آخر ومن أجل الحصول على حق لا على باطل وإلا ازدياد من الدنيا ، ولذلك فرق بين هذا وذاك ، فرق بين الذي يذهب إلى القانون الوضعي معتقدا جواز التحاكم إليه وأنه يجوز العمل به ، وبين من يذهب إليه مضطرا وهو معتقد أنه كفر لكن ما عنده طريقة أخرى لمنع ظالم من الاستيلاء على بيته مثلا ، لا يوجد طريقة إلا هذه ، هذا مضطر ، مُكره .
فهذه الصور التي منها التبديل طبعا من أسوئها إلغاء الشريعة ووضع قانون بديل وتحكيمه على الناس ، هذا معاندة لحكم الله ورسوله .
/ في الآيات هذه ، في القصة التي مرت معنا فيها مسألة أيضا وهي قضية اتباع الهوى في الوصول إلى رخصة موافقة لهوى النفس ، وهذه مسألة اتباع الرخصة ، محاولة الوصول إلى حكم ، اليهود في القصة حاولوا الوصول إلى أهوائهم ، حاولوا أن يجدوا منفذا ، يجدوا طريقا ليحصلوا على الحكم الذي يريدونه ، وبعض الناس اليوم مع المفتين يفعل ذلك فيحاول مع الشيخ يمين وشمال ويأخذه ويدور به حتى يجيبها على الطرف الذي يريده ، وبعض هؤلاء المفتين وأهل العلم أذكياء يعرفون من أسلوب كلام الشخص إنه متلاعب فيرفضون إفتاءه ، اذهب ، اغرب عني لن أجيبك ، أنت غير صادق ليس لك جواب عندي فاذهب . هذا طرده وجيه فهو يريد التلاعب حتى يصل إلى ما يريد فيُوعظ ويُطرد لأنه غير صادق . ولا يجوز لمسلم أن يفعل هذا ويجب أن يكون صادقا في الاستفتاء وأن يقبل كلام المفتي . الآن اليهود قالوا نذهب إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - إن أعطانا ما نُريد قبِلنا وإن أعطانا ما لا نريد رفضناه ، بعض الناس مثل اليهود يذهب للشيخ يقول نستفتي إذا قال لنا يجوز أخذناه وإذا قال لا يجوز سألنا غيره (إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ) ما حكم هذا العمل ؟ 
هذا جريمة كبيرة في حق الشرع وتلاعب بالدين ، والله - عز وجل - ما جعل دينه ليُتلاعب به هكذا ويجب على الإنسان إذا استفتى ثقة أن يُطبق ما يقول . إذا استفتيت عالم تثق بعلمه يلزمك أن تُطبق الفتوى إلا إذا شككت انه لم يفهم السؤال مثلا ، أما اتضح فعرفت أنت أن هذا هو العالم الثقة والسؤال واضح والشيخ فهم السؤال والشيخ ثقة ، صاحب عِلم ، يلزمك أن تعمل بكلامه ولا يجوز أن تذهب إلى غيره ، الذهاب إلى غيره تلاعب ، ولذلك العامّي مذهبه مذهب مفتيه ، يقول في شرح مختصر التحرير : " لو أفتى المقلِّد مفت واحد وعمل به المقلِّد لزمه قطعا وليس له الرجوع عنه إلى فتوى غيره في تلك الحادثة بعينها " .
ومن علامات تعظيم حرمات الله أن الإنسان يُعظم شرع الله ولا يتتبع الرُخص (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) وكذلك فإنه يجب على من يتتبع الرُّخص أن يعرف أن قوله تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وقول النبي - عليه الصلاة والسلام - (يسروا ولا تُعسروا) لا علاقة له بهذه القضية وهي التلاعب بالدين ، ومن ظن أن معنى (يسروا ولا تُعسروا) أن يبحث عن المفتي الذي يسهلّ لك فهذا خطأ في الفهم وانحراف فليس هذا هو المعنى .
 مثلا : أقول لك أقرضت فلان مالا يسر ولا تُعسر يعني خذ نص المبلغ وأقسط لك الباقي (يسروا ولا تُعسروا) 
 تقدم لك واحد قال زوجني بنتك فقلت له أريد عشرين فقال معي خمسة عشر ، قال يكفي خمسة عشر يا أخي (يسروا ولا تُعسروا) 
لكن تذهب إلى شيخ تقول كذا ...كذا فيقول لك : لا يجوز ، تقول يا شيخ (يسروا ولا تُعسروا) هذا تلاعب ، ليس له علاقة فالدليل لا يأتي هنا ، إذا أفتاك على ما يعرف من الكتاب والسنة ما له مجال أن تقول يا شيخ (يسروا ولا تُعسروا) لكي تأخذ الجواز وتنتزعه منه أبدا . ولو تلاعبت به وأثرت عليه نفسيا فلا يبنفعك كلامه عند الله ، يعني لو رضخ لك هذا الشيخ مثلا واستطعت بزخرف القول ، و(بعضكم ألحن بحجته من بعض) واستطعت أن تاتي به على ما تُريد فلا ينفعك عند الله ولا تستطيع يوم القيامة تقول أفتاني فلان سيُقال أنت تلاعبت وأنت غيّرت ، أنت بدلت وناورت ، ولذلك لا ينفع عند الله هذا ، الحق واضح . 
فإذا لا يجوز تتبع الرُّخص وقال الأوزاعي : "من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام" وقال : "اجتنبوا من قول أهل البلد الفلانية خمسة " يعني شاع في البلد الفلانية فتاوى ، قال : "اجتنبوا من فتاوى البلد الفلانية خمسا : شُرب المُسكر ، والأكل عند الفجر في رمضان ، ولا جمعة إلا في سبعة أمصار ، وتأخير العصر حتى يصير ظل كل شيء أربعة أمثاله ، والفرار يوم الزحف . واجتنبوا من قول أهل البلد الفلانية : استماع الملاهي ، والجمع بين الصلاتين من غير عذر ، والمتعة بالنساء ، والدرهم بالدرهمين ، والدينار بالدينارين يدا بيد ، وإتيان النساء في أدبارهن ".
يعني وُجد ، فهل العالِم لن يكون له زلة ؟ هل يخلو أحد من الزلة ؟ هل هناك أحد معصوم ، فلا يوجد شيخ إلا وتجد له زلة فإذا جمع أحدهم زلة هذا ، وزلة هذا ، وزلة هذا ...ماذا سيحصل ؟ سيجد إن واحد أباح الملاهي والموسيقى ، وواحد قال أكل ال.... في نهار رمضان لا يُفطّر ، واحد قال شرب النبيذ لا بأس به ، واحد قال تأخير العصر إلى قبل المغرب شيء بسيط لا بأس به ، واحد قال لا بأس بإتيان النساء في أدبارهن ... ، واحد يقول في المتعة لا بأس بها . طيب فسيجتمع الشر كله ولذلك قالوا : "من تتبع رُخص العلماء تزندق" أو "خرج من دينه" . وبعض أهل الأهواء - أصحاب الدنيا - يريد أن يتقرب إلى الخليفة فجمع له كتابا في الرُخص ، قال : أنا صنفت لك كتاب كله من كلام العلماء ، جمعت لك الكتاب ، يريد أن يتقرب إليه فجمع له هذه وصنّف وأعطاه إياه ، فأمر المعتضد بإحراق ذلك الكتاب ، لم تنطلي عليه . فبعض الناس مع الأسف يستعمل دائرة معلوماته الواسعة في إرضاء السلاطين في الفتاوى .
يقول ابن حزم : "وطبقة أخرى وهم قوم بلغت بهم رقّة الدين وقلة التقوى إلى طلب ما وافق أهواءهم في قول كل قائل، فهم يأخذون ما كان رخصة من قول كل عالم، مقلدين له غير طالبين ما أوجبه النص عن الله – تعالى – وعن رسوله صلى الله عليه وسلم" .     
وقال الشاطبي بالإجماع على أن تتبع رُخص المذاهب بغير مستند شرعي فِسق لا يحِلّ . اعتبر تتبع الرُّخص فسق ، الذي يتتبع الرُّخص يُعتبر فاسقا .
كذلك يقول القرافي : "لا ينبغي للمفتي إذا كان في المسألة قولان أحدهما فيه تشديد والآخر فيه تخفيف أن يفتي العامة بالتشديد والخواص من ولاة الأمور بالتخفيف وذلك قريب من الفسوق والخيانة في الدين والتلاعب بالمسلمين ودليل فراغ القلب من تعظيم الله تعالى وإجلاله وتقواه وحب الرياسة والتقرب إلى الخلق دون الخالق نعوذ بالله من صفات الغافلين" . فبعض الناس مثلا يصل به الجرأة إذا جاءه أحد يستفتيه يقول له ترى نحن نقول للناس لا يجوز لكن أنت علشانك يجوز ، فيُميز وهذا يدل على رِقة الدين وعلى أن الدين عند هؤلاء صار لا قيمة له . لذلك من كان يُقلّد شيخا معينا فترك تقليده لاتباع الهوى ليُقلّد شيخا آخر يُنكر عليه .
فهذه طائفة من كلام العلماء في عدم جواز تتبع الرُّخص وعدم التشهي وعدم اتباع الهوى والرضوخ لحكم الله ورسوله وأنه إذا استفتى عالما ثقة يلزمه أن يعمل بكلامه ، ونسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يُجنبنا الزلل وأن يهدينا سواء السبيل .

لحفظ الملف الصوتي :


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق