الثلاثاء، 30 أبريل 2024

فوائد الآيات ( 25 - 29 ) من سورة البقرة

إلى هنا مرحلة : لما حُكي الأقسام الثلاثة ومُثّل للمنافقين ما الذي تفرع من حكاية الأقسام الثلاثة؟
 قال بعدها (يا أيها الناس عبدوا ربكم)
● إذا هذا المقطع فيه دعوة الناس لعبادة الله سبحانه وتعالى وذِكر جزاءهم. 

ومما يستفاد من هذه الآيات:
1-  اقتران الربوبية بالألوهية في الدعوة إلى الله (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) فالألوهية نأخذها من (اعبدو) و(ربكم) نأخذ منها الربوبية، وهذا هو من كمال التوحيد.

2-  من فوائد الآية أيضا: صفة الخلق لله سبحانه وتعالى من أكثر أدلة القرآن على أحقية العبودية لله سبحانه وتعالى، لأنه قال (اعبدوا ربكم الذي خلقكم) واسم الموصول يدل على التعليل، ونظيره كما في سورة النحل (أفمن يخلق كمن لا يخلق) كانت هذه من أدلة وحدانية الله سبحانه وتعالى في ربوبيته وألوهيته.

3-  من الفوائد أيضا: من آثار صفة الربوبية تهيئة الأرض لمعاش الإنسان، وهذه نعمة كبرى من الله سبحانه وتعالى، فقال بعد الأمر بالعبودية قال (الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم) فإذا يُهيئ لكم كل هذا فحقه أن تتوجه له بالألوهية والعبودية، أن تعبده وحده وتعطيه كمال الخشية وكمال الخوف فلذلك فرع منها (فلا تجعلوا له أندادا وأنتم تعلمون).

4- في إتيان بهذا الأمر لما قال (اعبدوا) ثم قال بعدها (فلا تجعلوا لله أندادا) من أكمل الأدلة أن يأمر بالشيء وينهى عن ضده، فهذا غالبا ما يكون إلا في الأمور العظيمة مثل مسألة الألوهية والربوبية، فإن كونه يأمر بالشيء، (اعبدوا ربكم) يُفهم منها لا تتخذوا أندادا، ولو قال (لا تجعلوا لله أندادا) يُفهم منها (واعبدوا ربكم) ومع ذلك يأتي بالأسلوبين، فكان ذلك من تمام توحيد الله عز وجل في عبوديته وربوبيته. 

5- الأمور المذكورة في تهيئة الأرض لمعاش الإنسان من شأنها أن تقوي عند الإنسان عبودية المحبة لله عز وجل، فالإنسان عندما ينظر بمثل هذه الآية ونظائرها كثير في القرآن، خصوصا الآيات التي تحكي تسخير هذا الكون بأكمله لأجل الإنسان بحركة الشمس، وحركة الكواكب، وحركة القمر، واختلاف الليل والنهار كله يسير في مسيرة أنه مُسخر لأجل هذا الإنسان، فإذا هذه كلها من أكثر الأمور التي يتجه بها الإنسان تدبرا وتأملا حتى يمتلئ هذا القلب تعظيما لله سبحانه وتعالى ومحبة له. فهذه الآية التي بين أيدينا نظائرها كثير في القرآن الكريم.

6- من الفوائد أيضا: عطاء الدنيا يشمل الكافر والمؤمن لأن الآية ابتدأت (يا أيها الناس) والناس يشمل الكافر والمؤمن، ثم قال بعدها: (الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء) فالعطاء الكوني يشمل الكافر والمؤمن، وهذه من أعظم نِعم الله سبحانه وتعالى، بل وهي من وسائل دعوة الكفار إلى عبودية الله سبحانه وتعالى.
 تخلل هذا الأمر الذي هو الأمر بعبادة الله سبحانه وتعالى المتفرع على أقسام الناس، أمام مقصد إنزال القرآن الحديث عن التحدي بالقرآن وهذا ما اختُتم به الربع الأول من الجزء الأول الذي هو (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين) هذه الآية ضمن أربع أو خمس آيات في القرآن تحدثت عن التحدي بالقرآن الكريم، وهذه هي المعجزة الرئيسية لنبينا محمد ﷺ، إذ أن المعجزة التي تثبت صدقه هو أنه تحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن فلما أعجزهم تحداهم بعشر، فلما أعجزهم تحداهم بسورة، ولذلك هذه من السور التي تحداهم فيها بالقرآن بأكمله، وفي سورة الإسراء، وبالعشر أيضا في سور مكية، ثم أتت هذه الآية في بداية المدني، مما دل على أنه في الفترات السابقة كان التحدي يقع وكان العجز أيضا يقع من المشركين الذين كانوا أئمة الفصاحة والبلاغة، ففي هذا إثبات الإعجاز في القرآن عامة ووقوع ذلك الإعجاز حتى ولو كان بالجزء اليسير منه وهو السورة، ونعلم أن أقصر سورة في القرآن ثلاث آيات فقط وقع إذا بهذا التحدي والإعجاز.

 7-  الآيات أفادت أن من عارض القرآن فمصيره النار بما فيها من صنوف العذاب (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين). 

8- الآيات التي ذكر فيها التحدي بالقرآن تفتح للقارئ آفاق للتدبر في وجوه إعجازه. فكونه يتحداهم وهم أئمة الفصاحة والبلاغة ويعجزوا عن أن يأتوا بمثله هذه دعوة لتدبر أسلوبه، تدبر أخباره، تدبر أحكامه، تدبر وعده، تدبر وعيده، وكثير من الأمور التي يبرز فيها مسألة الإعجاز. وهناك كتب متخصصة في مسائل إعجاز القرآن من أراد الاستزادة يرجع فيها ويعلم كيف تُنزل هذه الآية على آفاق متعددة في صنوف إعجاز القرآن الكريم.




 من الفوائد في ختام هذا المقطع:
 البشارة والنذارة، البشارة للمؤمنين الذين يعملون الصالحات بالجنة بما فيها من صنوف النعيم. 
● ثم بعد ذلك الإشادة بأمثال القرآن ولو كان المُمثل به حقيرا إذا كان سبيلا لبيان الحق وحصول الموعظة، وهذه وردت في قوله (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها). فهذه لها أسباب نزول، ولها أحوال نزول، لكن الله سبحانه وتعالى لا يستحي من الحق، فإذا كان هذا المُمثل دنيء، الذي هو حشرة سيقوم به إظهار حق فإنه يُمَثل به. وقد وقع التمثيل في القرآن بذبابة كما في سورة الحج، ووقع التمثيل بالعنكبوت كما في سورة العنكبوت، وهنا وقع التمثيل بالبعوضة. ومن يدخل في تفاصيل خلق هذه الحشرات من حيث إبراز مسائل القدرة من الله سبحانه وتعالى وكيف أنها يمكن أي خلق من مخلوقات الله، سواء كان يسيرا أو كان عظيما، يمكن أن يكون كافيا في الاستدلال على عظمة الله سبحانه وتعالى. لكن طبعا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

■ من الفوائد أيضا التحذير من الاعتراض على حُكم الله ومن الاعتراض على حِكمة الأوامر، وحِكمة النواهي، وهذا نلمسه في صدر ذلك المثل لما قال الله عز وجل عنهم (ماذا أراد الله بهذا مثلا) فذكره على سبيل التوبيخ لحالهم فشأنك أنت أيها المؤمن أن تكون مستسلما منقادا ولا تعترض على شيء من حُكمه، إن كنت تريد بصدق نية أن تعرف الحكمة والفوائد فلا بأس، أما أن يكون على سبيل الاستهزاء، أو على سبيل الاعتراض على حكم الله، أو على سبيل ضرب النصوص فهذا من الأمور  المنهي عنها، والتي تكون مؤشرا من مؤشرات الكفر أو الخروج من الملة. 

 ■ الآيات أفادت أيضا: التحذير من نقض العهد وقطع الأرحام، وهذا في آية ( 27) ( الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون) حذرت من نقض العهد وقطع الأرحام.

■ أيضا في الآيات بيّنت أن المعاصي والفسوق سبب للفساد في الأرض. فإنه بعد أن ذكر نقض العهد وقطع ما أمر الله به أن يوصل قال (ويفسدون في الأرض) فدل على أنه إذا شاع في المجتمع هذه الصفات حصل الفساد في الأرض.

■ لما قال الله عز وجل (ثم يحييكم ثم إلى الذي ترجعون) فيها إثبات البعث.

■ في قوله تعالى (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا) التفكّر في أحوال الخلق من الإيجاد والحياة والممات سبيل لحصول الإيمان بالله ومن كفر بعد ذلك فحالته عجيبة، لأن الاستفهام هنا كان على سبيل التعجيب من حاله (وكيف تكفرون بالله) وما كان قبل؟ كنتم أموات وستعودون للموت بعد ذلك، من الذي أوجدكم؟ من الذي أحياكم؟ من الذي أماتكم؟ من يكفر وهو يتأمل في هذه الأمور فحاله عجيب. والتعجيب هنا على سبيل التوبيخ طبعا والتهكم من أحوالهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق