الثلاثاء، 12 أكتوبر 2021

تدبر سورة الكهف / د.عقيل الشمري


 

قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا (1)) الكهف
 يثني الله على نفسه بأنه أنزل القرآن العظيم على نبيه محمدٌ صلى الله عليه وسلم ولم يجعل هذا القرآن معوجاً زائغ عن الحق.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها ثناء الله على نفسه لأنه قال الحمد لله.

ثانياً: فيها أن نعمة إنزال القرآن من النِعم التي تستحق أن نحمد الله لأجلها.

ثالثاً: فيها ثناء الله على عبده بالعبودية إذ هي أشرف المراتب ولهذا قال الله (عبده) فوصفه بالعبودية فإن العبودية لله عزٌ وجل

 •••                                          ══════•••

قوله تعالى: (قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)) الكهف
أي : أنزل الله على عبده كتاباً معتدلاً مستقيماً لينذر الناس من عذاب الله في الدنيا وفي الآخرة، وليبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات بأن لهم عند الله سبحانه وتعالى جزاءً جزيلاً حسناً لا منغص له وهي الجنة.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: وصفُ القرآن بأنه قيم يشتمل استقامته في ذاته فالقرآن لا ميل فيه ولا زيغ به. ويشمل أيضاً قيامه على أمر الدنيا والدين.

ثانياً: هذه الآية فيها بيان وظيفة القرآن وهي النذارة والبشارة.

ثالثاً: قُدم في هذه الآية النذارة على البشارة لمناسبة الحال إذ المقام مقام تهديد للكفار.

قوله (مِّن لَّدُنْهُ) يدل على زيادة التهديد والوعيد أي أن هذا الإنذار من عنده هو.
كذلك دلت الآية على وصف المؤمنين باستمرارهم بالعمل الصالح ولهذا قال (يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ) وهي صيغة مضارعة تدل على الاستمرارية.
               
  •••══════•••

قوله تعالى: (مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3)) الكهف
 أي: خالدين في الجنة لا ينتقلون عنها ولا يُنقلون.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها دلالةٌ على خلود المؤمنين في الجنة.

ثانياً: فيها دلالةٌ على عظيم فضل أهل الجنة إذ يُغمسون في النعيم غمساً ولهذا قال الله (فيه) وهو جارٌ مجرور يفيد الظرفية.

                                             •••══════•••

 قوله تعالى (وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4)) الكهف 
أي أن هذا القرآن ينذر الله به من جعل لله ولداً من مشركي العرب ومن اليهود والنصارى المفترين.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: أعاد في هذه الآية لفظ الإنذار مع ذكره في الآية الثانية وذلك لزيادة الترهيب إذ المقام مقام وعيد لأنه يتكلم عن الذين نسبوا لله الولد تعالى الله عن ذلك.

ثانياً: هذه الآية فيها بشاعة قول من قال بأن الله اتخذ ولدا لأن لفظ الاتخاذ مشعر أن الله هو الذي اتخذ الولد لحاجته وهذا زيادة كفرٍ على كفر.

•••                                                   ══════•••

قوله تعالى: (مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)) الكهف
أي ليس عند هؤلاء المشركين من علمٍ بالله حينما نسبوا إليه اتخاذ الولد ، كما أنه ليس عند آبائهم الذين قلدوهم ، عظُمت مقالة هؤلاء التي تخرج من أفواههم أن يقولون إلا كلاماً كذبا.

هذه الآية فيها عدة فوائد:

أولاً: نفي الله عنهم العلم دليلٌ على أن قولهم خالٍ من الدليل إذا هو محض افتراء.

ثانياً: ذِكر آبائهم في هذه الآية دليلٌ على أن جهلهم موروثٌ منذ القدم، أي أن هذا الجهل ليس ناشئاً وحديثاً.

ثالثاً: قوله (كَبُرَتْ) دليل على أن بعض الألفاظ أكبر من قائلها (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ).

رابعا: في هذه الآية بيان حِلم الله إذ يسمع هذا الأذى ثم يحلُم عن هؤلاء ويرزقهم. 

•••══════•••

قوله تعالى: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)) الكهف 
فلعلك أيها الرسول صلى الله عليه وسلم مهلكٌ نفسك غماً وحزناً على أثر تولي هؤلاء وإعراضهم عنك لأنهم لم يؤمنوا ولم يصدقوا بك.

هذه الآية فيها عدة فوائد:

أولاً: فيها رأفة الله بنبيه صلى الله عليه وسلم فعليه أن لا يصل هذا الحزن إلى إهلاك نفسه إذ أن نفس المؤمن عند الله عزيزة.

ثانيا قوله (باخعٌ نفسك) ثم بعد ذلك قال (أسفا) دليلٌ على أن من أنواع الحزن ما يصيب الإنسان بالهلاك ، ولهذا نهت الشريعة عن الحزن وذمته.


•••
══════•••

قوله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)) الكهف

/ قوله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) أي إنا جعلنا ما على وجه الأرض من المخلوقات جمالاً لها زائلةً بزوالها ، وإنما جعلنا هذه لأجل أن نختبر هؤلاء العباد أيهم أحسن عملاً بطاعتنا وأيهم أسوء عملاً بالمعاصي.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: دلت الآية على بديع صنع الله الذي أتقن كل شيء فخلق الأرض وخلق لها زينتها.

ثانياً: فيها امتنان الله على عباده بما خلقه لهم.

ثالثاً: هذه الآية دليلٌ على فناء الدنيا لأنه سمّاها زينة والزينة تزول ولا تبقى.

رابعا: فيها دلالةٌ على أن هذه الدنيا إنما هي دار اختباراً وابتلاء.   

خامسا: فيها دلالةٌ على اختلاف وتفاوت الناس في الأعمال ولهذا قال (أَحْسَنُ عَمَلًا)

قوله تعالى: (وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)) الكهف 
أي إنا لمخربوا هذه الأرض بعد عمارتنا لها فمصيرها صعيداً جرزاً لا نبات عليها ولا زرع ولا غرس ولا حياة.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: دلت الآية على فناء الدنيا وزوالها.

ثانياً: هذه الآية فيها إثبات قدرة الله سبحانه وتعالى.

ثالثاً: فيها التحذير من الاغترار بالدنيا لأنها زائلة.


•••
══════•••

قوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)) الكهف.
أي هل حسبت يا محمد أن أصحاب الكهف الذين كان معهم كتب كانوا عجباً من آياتنا بل إن هناك من آياتنا ما هو أعظم وأعجب من قصة أصحاب الكهف.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: هذا الاستفهام في هذه الآية إنما هو انكاري.

ثانياً: هذه الآية فيها حثٌ على إعمال العقول والتفكر في آيات الله فإن كل ما رأيت من آيات الله عجيب فهناك ما هو أعجب منه.

•••══════•••

قوله تعالى (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)) الكهف.
أي حين لجأ الفتيان المؤمنون إلى الكهف خشيةً من فتنة قومهم وحينما قالوا ربنا أعطنا رحمةً من عندك تثبتنا بها وتحفظنا بها ويسر لنا الطريق الصواب الذي يوصلنا للعمل الذي تحب لأجل أن نكون راشدين.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: دلت هذه الآية على أن فتية أصحاب الكهف مستضعفون مطاردون.

ثانياً: وصفهم بأنهم فتية دليلٌ على أنهم كانوا متقاربي السن وأنهم كانوا شبابا.

ثالثاً: لفظ (الفتية) يدل على قلةٍ في العدد.

رابعاً: هذه الآية فيها دلالة على الابتهال إلى الله بالدعاء في حال الكرب ولهذا قال (فقالوا ربنا) والفاء للتعقيب.

خامسا: في هذه الآية إظهارٌ للافتقار لله سبحانه وتعالى في الدعاء ولهذا قالوا (آتنا) ولم يقولوا أعطنا ، وأتوا بـ (من لدنك) وأتوا بـ (رحمةً) وهي نكرةٌ تدل على حاجتهم لعموم رحمة الله.

أيضاً هذه الآية فيها طلب الهداية وطلب تيسير أسباب الهداية ولهذا قالوا (وهيء لنا) والتهيئة هي تيسير الأسباب التي تؤدي بالإنسان إلى الهداية.

  •••                                                             ══════•••

قوله تعالى : (فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11)) الكهف 
أي ضربنا على آذان أصحاب الكهف وهم في الكهف حجاباً ثقيلاً يمنعهم من السماع فالقينا عليهم النوم العميق سنين عديدة.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها دلالةٌ على عظيم قدرة الله سبحانه وتعالى إذ ضرب على آذان الكهف لأجل أن لا يسمعوا الأصوات فينزعجوا.

ثانيا: هذه الآية دليلٌ على سرعة استجابة الله لأوليائه ولهذا قال (فضربنا) فالتعقيب أي أن استجابة الله حصلت بعد دعائهم.

•••══════•••

قوله تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)) الكهف
أي ثم أيقظناهم من نومهم لنظهر للناس ما علمناه في الأزل وليتميز أي الطائفتين -المتنازعتين في مدة لبث هؤلاء- أيهم أضبط للحساب.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: دلت الآية على أن النوم موتةٌ صغرى ولهذا قال الله بعثناهم.

ثانيا: هذه الآية فيها إثبات البعث وهو من أركان الإيمان.

ثالثاً: هذه الآية فيها إشارة على علم الله الذي وسع كل شيء فهو يعلم أصحاب الكهف ومدتهم ومدة لبثهم ويعلم أي الحزبين أصاب الحق في قوله.

•••══════•••

قوله تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)) الكهف 
أي نحن نقص عليك أيها الرسول خبرهم بالصدق أن أصحاب الكهف فتيةٌ صدقوا ربهم وامتثلوا لأمره ولهذا جازاهم بأن زادهم هدى وزادهم ثباتاً على الحق.

 هذه الآية فيها فوائد:

أولا: تعظيم الله لنفسه إذ أخبر عن نفسه بـ (نحن) وهو لفظ التعظيم والله أهلٌ للتعظيم.

ثانيا: فيها الاختصاص (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ) يعني ليس غيرنا إذ أنه لا أحد يعلم إلا الله.

ثالثا: فيها دلالةٌ لمذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد ولهذا قال (وَزِدْنَاهُمْ هُدًى).

رابعا: هذه الآية دلالةٌ على حاجة المؤمن للازدياد من هداية الله، فما من مرتبةٍ في الإيمان إلا والمؤمن بحاجةٍ إلى أن يرتفع إلى مرتبةٍ أعلى منها.

•••══════•••

قوله تعالى: (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14)) الكهف 
أي قوينا قلوبهم بالإيمان وشددنا عزيمتهم به حينما قاموا بين يدي الملك فقالوا له ربنا الذي نعبده هو رب السماوات والأرض وإننا لن نعبد غيره من الآلهة ولو قلنا غير هذا الكلام لكنا قد قلنا قولاً بعيداً عن الصواب.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها دلالةٌ على أن الله يُثبِّت أولياءه ولهذا قال (وربطنا).

ثانيا: فيها حاجة المؤمن لأن يربط الله على قلبه في أوقات الفتن.

ثالثا: تدل الآية على أن تثبيت الله يأتي للمؤمن في أحوج ما يكون ولهذا قال (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا) يعني حينما قاموا فلم يربط الله على قلوبهم حينما ذهبوا إلى الكهف وإنما حين قاموا بين يدي الملك لان هذا مقامٌ عصيبٌ يحتاجون فيه إلى تثبيت الله.

رابعا: هذه الآية فيها فِقه فتية الكهف لأنهم احتجوا في باب الربوبية لباب الألوهية فقالوا (رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ) يعني لأنه هو مدبر هذا الكون فإن ذلك يستلزم أننا نُفرده بالعبادة.

•••══════•••

 قوله تعالى: (هَٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ۖ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) ) الكهف 
أي: هؤلاء قومنا اتخذوا لهم آلهةً غير الله فهل يستطيعون أن يأتوا على عبادتهم بدليلٍ واضح؟ ولا أحد أظلم ممن افترى على الله الكذب وادعى بأن له شريكا.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: جمع أصحاب الكهف في هذه الآية شروط تحقيق لا إله إلا الله وهما:

▪ الكفر بما يُعبد من دون الله

▪ والبراءة من كل من لم يعبُد الله

ولهذا قالوا (لن ندعوا من دونه إلهاً) ثم قالوا (هَٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً).

ثانياً: هذه الآية دليلٌ على أن الكثرة لا تدل على الصواب ولهذا قال (هَٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا) ومع هذا فهم ضالون.

ثالثا: دلت الآية على أن الشرك ليس له برهانٌ صحيح فقالوا (لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ)

•••══════•••

قوله تعالى: (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا (16)) الكهف 
أي: حينما فارقتم قومكم بدينكم وتركتم ما يعبدون من الآلهة فالجأوا إلى الكهف لأجل أن يبسط الله لكم من رحمته ولأجل أن يسهل لكم من أمركم ما تنتفعون به في حياتكم.

هذه الآية فيها فوائد:

 أولاً: هذه الآية دليلٌ على فِقه فتية الكهف أانهم لم يعتزلوا إلا بعدما قاموا بما أمرهم الله به من الدعوة التى التوحيد.

 ثانياً: في هذه الآية تفاؤل أصحاب الكهف ولهذا قال (يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ ) وهذا تفاؤل بأن الله سينشر لهم الرحمة في ذلك المكان الضيق.

 ثالثاً: في الآية كمال ثقتهم بربهم سبحانه وتعالى.

•••══════•••

 قوله تعالى : (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ۗ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا (17)) الكهف 
أي: وترى الشمس إذا طلعت من المشرق تميل عن مكانهم إلى جهة اليمين وإذا غربت فإنها تتركهم إلى جهة اليسار فتعطيهم شيئاً من ضوئها وهم في متسع من الكهف فلا تؤذيهم حرارة الشمس ولا ينقطع عنهم الهواء. ثم يقول الله بأن ذلك الذي فعلناه بالفتية إنما هو دليلٌ على قدرة الله ، ومن يوفقه الله للاهتداء بآياته فهو الموفق للحق، ومن لم يوفقه فإنك لن تجد له معيناً يرشده لإصابة الحق.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها حفظ الله لأوليائه ولأهل دعوته ولدينه.

ثانياً: هذه الآية دليلٌ على أن المهتدي هو من هداه الله وأن الضال من خذله الله.

ثالثاً: هذه الآية فيها ردٌ على جميع الفرق المبتدعة : فيها ردٌ على القدرية النفاة الذين يقولون بأنه لا يوجد قدر. وفيها ردٌ على الذين يقولون بالجبر لأن الله قال (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) فنسب الله الاهتداء إليه. وفيها ردٌ على المعتزلة الذين يقولون بأن أفعال العباد ليست مخلوقةً لله لأن الآية بيّنت أن الله هو الذي بيده الهداية وبيده الضلال.

•••══════•••

قوله تعالى: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (١٨)) الكهف 
أي وتظن أن أهل الكهف أيقاظاً وهم في الواقع نيام ونتعهدهم بالرعاية فنقلبهم مرةً للجنب الأيمن ومرةً للجنب الأيسر، وكلبهم مادٌ ذراعيه بفناء الكهف لو عاينتهم لأدبرت منهم هارباً ولملئت نفسك منهم فزعا.

 هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: جمع الله في هذه الآية وسائل حفظ فتية الكهف. تزاور الشمس وقرض الشمس وهم في فجوة والرائي يحسبهم أيقاظ وغير ذلك.

ثانياً: هذه الآية فيها فضل صحبة الأخيار. ولهذا ذكر الله كلب أصحاب الكهف إذ شملته بركتهم.

•••══════•••

 قوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ۚ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ۖ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۚ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (١٩)) الكهف 
أي وكما أنمناهم وحفظناهم هذه المدة الطويلة أيقظناهم من نومهم بعد ذلك ، وذلك لكي يسأل بعضهم بعضا كم من الوقت مكثنا نائمين فقال بعضهم: مكثنا يوما أو بعض يوم ، وقال آخرون: التبس علينا الأمر ، ثم فوضوا علم ذلك إلا الله وقالوا بأن الله أعلم بالوقت الذي مكثناه ، ثم أرسلوا أحدهم بنقودٍ إلى المدينة لينظر أي طعام المدينة أطيب وأحل فليأتهم بشيءٍ من هذا الطعام ، ثم أمروه أن يتلطف في شرائه حتى لا ينكشف أمرهم ولا يعلم بهم أحد من الناس.

هذه الآية فيها عدة فوائد:

أولاً: فيها رد الأمر في حالة النزاع لله سبحانه وتعالى اقتداء بأصحاب الكهف، فحينما اختلفوا قالوا ربكم أعلم بما لبثتم.

ثانياً: قوله (بِوَرِقِكُمْ) دليلٌ على جواز خلط الدراهم ثم الشراء بها.

ثالثاً: فيها دلالةٌ على جواز الوكالة. بعثهم أحدهم ليشتري لهم من المدينة دليلٌ على جواز التعامل مع الكفار بالبيع والشراء.

رابعاً: هذه الآية فيها تربيةٌ على الحذر ولهذا قال (وليتلطف).

            •••═══ ═══•••

قوله تعالى: (إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)) الكهف 
أي أن قومكم إن يطلعوا عليكم يرجموكم بالحجارة فيقتلوكم أو يردُوكم إلى دينهم فتصيروا كفارا وعندئذٍ فإنكم لن تفلحوا أبداً لا في الدنيا ولا في الآخرة.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: ذكرت هذه الآية مفاسد ظهور الكفار على المسلمين.

ثانياً: ذكرت هذه الآية أن كل من لم يكن مسلماً فإنه منفيٌ عنه الفلاح.

•••══════•••

 قوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ۖ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا (21)) الكهف
أي وكما أنمناهم سنين كثيرة وأيقظناهم بعدها أطلعنا عليهم أهل ذلك الزمان بعد أن كشف البائع نوع الدراهم التي جاء بها مبعوثهم وذلك لأجل أن يعلم الناس أن وعد الله بالبعث حق لا شك فيه. وأن القيامة آتيةٌ ، إذ يتنازع المطلعون على أصحاب الكهف بعد أن انكشف أمرهم فقال فريقٌ منهم: ابنوا على باب الكهف بناءً يحجبهم واتركوهم وشأنهم ربهم أعلم بهم، وقال أصحاب الكلمة النافذة الذين غلبوا قالوا لنتخذن على مكانهم مسجداً للعبادة. وقد نهى نبينا صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد.

 هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: هذه الآية فيها دلالةٌ على إثبات البعث والنشور.

ثانياً: فيها دلالةٌ على ذكر الدليل في حال الاختلاف. ولهذا كل واحدٍ من الطائفتين أتى بدليله ومبرره.

 ثالثاً: دلت هذه الآية على تغير حال أهل المدينة ودخول الإسلام إليهم. فالله أنام أهل الكهف وحفظ دينهم.

•••══════•••

قوله تعالى (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا (22)) الكهف 
أي: سيقول بعض الخائضين في شأن أهل الكهف هم ثلاثةٌ رابعهم كلبهم. ويقول فريقٌ آخر بل هم خمسةٌ سادسهم كلبهم. وكلام الفريقين قولٌ بالظن لا دليل عليه ، وتقول جماعةٌ ثالثة هم سبعةٌ وثامنهم كلبهم. ثم قال الله لرسوله قل لهم أيها الرسول ربي هو الأعلم بعددهم ما يعلم عددهم إلا قليلٌ من خلقه فلا تجادل فيهم أهل الكتاب لا في عددهم ولا غير ذلك.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: هذه الآية تدل على أن أهل الكتاب ليس عندهم كتابٌ يضبطون به دينهم ولهذا تنازعوا واختلفوا.

ثانياً: بينت هذه الآية أن سبب كثيرٍ من الاختلاف إنما هو الظن ولهذا قال الله (رَجْمًا بِالْغَيْبِ).

ثالثاً: في هذه الآية ردٌ لعلم الأشياء لله فهذا أنفع.

رابعا: دلت هذه الآية على المنع من استفتاء من لا يصلح للفتوى ولهذا قال الله (وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ) لأن أهل الكتاب ليس عندهم كتاب يضبط هذه القضية فنهى الله نبيه عن استفتائهم.

•••                                          ═══ ༻═══•••

قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) ﴾ الكهف
 أي: ولا تقولن لشيءٍ تعزم على فعله إني فاعلٌ ذلك الشيء غداً إلا أن تعلق قولك هذا بالمشيئة فتقول إن شاء الله ، ثم أمر الله نبيه أن يذكره عند النسيان فإن ذكر الله يُذهب النسيان وقال (وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ ) الطرق الموصلة إلى الهداية.

 الآية فيها عدة فوائد:

أولاً: فيها التأكيد على قول إن شاء الله.

ثانياً: فيها دلالةٌ على بركة هذه الكلمة "كلمة المشيئة" إن شاء الله.

ثالثاً: فيها تربيةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم على أن يبقى معتمداً في أقواله وأفعاله على الله وحده.

•••══════•••

قوله تعالى: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) ) الكهف 
أي ومكث أهل الكهف نياماً في كهفهم ثلاثمائة سنة وتسع سنين.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: بيّن الله مدة لبثهم في الكهف لأنه يترتب عليها إثبات البعث بخلاف عددهم إذ لا يترتب عليه فائدة. هذه الآية أيضاً دليلٌ على أن تغيير الناس يحتاج إلى سنواتٍ طويلة ولهذا لم يتغير أهل المدينة إلا بعد هذه السنوات الطويلة، وفي ذلك تصبيرٌ للدعاة على دعوتهم

                                                   •••══════•••

قوله تعالى : (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)) الكهف

/ قوله: (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) )
أي: قل الله أعلم بمدة لبثهم لأن له غيب السماوات والأرض فما أبصر الله لكل موجود، وما أسمعه لكل مسموع لا يخفى عليه شيءٌ من ذلك، وليس للخلق أحدٌ غيره يتولى أمورهم ، وليس له شريكٌ في حكمه ولا في قضائه ولا في تشريعه سبحانه وتعالى.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها دلالةٌ على علم الله بالغيب.

ثانياً: فيها اختصاص الله بعلم الغيب ولهذا قُدّم الجار والمجرور فقال (لَهُ غَيْبُ).

ثالثاً: فيها  فقال (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) وهي صيغة تعجب والمعنى: ما أبصر الله لكل موجود وما أسمعه لكل مسموع.

رابعا: في الآية دلالةٌ على قرب الله من أوليائه حينما يتعلقون به ولهذا قال (مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ) فالله هو وليهم. 

                                      •••═══ ༻═══•••              

/ قوله: (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27))
أي: واتل أيها الرسول ما أوحاه الله إليك من القرآن فإنه لا مبدل لكلمات الله وإنك لن تجد من دون ربك ملجأً تلجأ إليه.

هذه الآية فيها عدة فوائد:

أولاً: فيها دليلٌ على أن آيات الله لا تتبدل وسُننه لا تتغير سبحانه وتعالى.

ثانياً: فيها دلالةٌ على إثبات إحاطة الله وقدرته ولهذا قال (ولن تجد من دونه ملتحدا).

ثالثاً: فيها بيان ضعف المخلوق وقوة الخالق.           

                                                              •••═══ ༻═══••• 

 / قوله: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28))
أي: اصبر نفسك يا محمد مع أصحابك من فقراء المؤمنين الذين يعبدون الله وحده ويدعونه في الصباح والمساء يريدون بهذا الدعاء وجه الله واجلس معهم وخالطهم ولا تصرف نظرك عنهم إلى غيرهم من الكفار لأجل أنك تريد زينة الحياة الدنيا.
ثم نهى الله نبيه فقال (وَلَا تُطِعْ) من جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا وآثر هواه على طاعة مولاه ، وصار أمره في جميع أعماله ضياعا ، هلاكا ، خسارا.

في هذه الآية عدة فوائد:

أولاً: فيها حث على مجاهدة النفس على صحبة الأخيار بل قصر النفس على ذلك.

ثانياً: فيها الإشادة بعبادة المؤمنين الذين أمر الله نبيه أن يلازمهم وهي (يَدْعُونَ رَبَّهُم).

ثالثاً: فيها حثٌ على استمرار الدعاء والعبادة في الصباح والمساء.

رابعا: فيها دلالةٌ على أن الإسلام لا يقيم وزنا للمظاهر الدنيوية ولهذا قال ( وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا).

خامسا: فيها النهي عن طاعة من أغفل الله قلبه.

سادسا: فيها دلالةٌ على أن من أغفل الله قلبه ضاع أمره ولهذا قال (فرطا).

 •••                           ══════•••

قوله تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)) الكهف
أي: وقل يا محمد ما جئتكم به هو الحق من ربكم فمن أراد منكم أن يُصدق ويعمل به فليفعل فهو خيرٌ له ، ومن أراد أن يجحد فليفعل فما ظلم إلا نفسه. ثم يقول الله للكافرين ناراً شديدةً يحيط بهم سوارها وإن يستغث هؤلاء الكفار في طلب الماء فإنهم يُغاثوا بماءٍ كالزيت العكر شديد الحرارة يشوي وجوههم. ثم قال الله (بئس) أي قُبح هذا الشراب الذي لا يروي ظمأ ولا يُبرد جوفا.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها دلالةٌ على أن التخيير من أساليب الترهيب والوعيد ولهذا قوله (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) ليس للتخيير وإنما يُراد به التهديد.

ثانيا: فيها شدة وعيد الله للكافرين ولهذا قال (نارا) وهي نكرةٌ وعليها تنوين فتدل على أنها نارٌ عظيمة.

ثالثا: فيها دلالةٌ على أن العذاب يحيط بالكافرين إحاطةً ولهذا قال (سرادقها).

رابعا: تخصيص الوجه بالذكر في قوله (يَشْوِي الْوُجُوهَ) لأن الوجه أشد الأعضاء تألما، ولأجل أن يدل على احتراق الباطن فإنه حينما يشوي الوجه يحترق الباطن لأن الماء حار.

                                                    •••══════•••

قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)) الكهف 
أي إن الذين صدّٰقوا بالله ورسوله وعملوا. الصالحات لهم أعظم مثوبة. ثم بيّن الله بأنه لا يُضيع أجر من أحسن العمل.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: لما ذكر الله مقام الترهيب ذكر الله بعده مقام الترغيب لعباده المؤمنين.

ثانيا: فيها تأكيد الله على مضمون هذه الآية بأنه لا يُضيع أجر من أحسن عملا فابتدأت الآية بحرف التوكيد.

ثالثا: فيها الحث على تحسين العمل ولهذا قال (أَحْسَنَ عَمَلًا).

•••══════•••

قوله تعالى: (أُولَٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۚ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)) الكهف
أي: أولئك الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جناتٌ وبساتين يقيمون فيها إقامةً دائمة وهذه الجنة من تحتها الأنهار، وأيضاً يُحلّون فيها بالأساور من ذهب ويلبسون الثياب ذات الألوان الخُضر وقد نسجت ثيابهم من الحرير الرقيق والغليظ ، وأنهم يتكئون فيها على الأسرة. ثم مدح الله هذا النعيم فقال (نِعْمَ الثَّوَابُ) ثوابهم وحسُنت الجنة منزلهم.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها فضل الله على أهل الجنة بالنعيم المقيم الدائم.

ثانياً: فيها دلالةٌ على استمرار تحلية الله لأهل الجنة فقال (يُحَلَّوْنَ) وهو فعلٌ مضارع يدل على استمرار الحُلي عليهم.

ثالثا: فيها دلالةٌ على نعيم أهل الجنة ما بين الحلي والحرير، وأنواع الحرير الرقيق والغليظ.

رابعا: فيها دلالةٌ على راحتهم ولهذا قال (متكئين) والاتكاء دليلٌ على راحة النفس والضمير ، وهذا من أنواع النعيم.

                                       •••═══ ༻═══•••

   قوله تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) ) الكهف 

أي اضرب يا محمد لكفار قومك مثلاً رجلين من الأمم السابقة أحدهما مؤمن والآخر كافر وقد جعلنا للكافر حديقتين من أعناب وأحطنا هذه الأعناب بنخيلٍ كثير وأنبتنا وسط هذه المزرعة زرعا مختلفاً نافعة.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها جواز ضرب الأمثال في الدعوة إلى الله.

 ثانيا: فيها أخذ العظة والعبرة من الأمم السابقة.

ثالثا: فيها أن فضل الله ونعيمه يؤتاه أيضاً الكافر. ولا يدل ذلك على محبة الله له إنما هو زيادة اختباراً وابتلاء.

•••══════•••

  قوله تعالى: (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا ۚ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33)) الكهف 
أي قد أثمرت كل واحدةٍ من الحديقتين ثمرها ولم تنقص منه شيئا وقد أنعمنا عليه فشققنا بين الجنتين نهرا لأجل أن يسقي الجنتين بيسرٍ وسهولة.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: فيها عظيم نعمة الله على هذا الكافر ولهذا قال الله (وفجّرنا) بالتشديد للمبالغة في وفرة الماء ، وجعلها جنتين ولم يجعلها جنةً واحدة.

ثانياً: فيها دلالةٌ على أن ما يؤتيه الله للإنسان من النعم قد يكون استدراجاً له.

ثالثاً: فيها التفكّر بالنعم التي أعطاك الله إياها.

•••══════•••

قوله تعالى: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34)) الكهف 
أي وكان لصاحب الحديقتين ثمرٌ وأموالٌ أخرى فقال لصاحبه المؤمن وهو يحاوره في الحديث فقال: أنا أكثر منك أموالا وأنا أعز أنصاراً وأعوانا.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: فيها دليلٌ على أن الغرور يدخل قلب من لم يشكر نعم الله.

ثانياً: فيها دليلٌ على استعلاء المتكبر على المتواضع ولهذا قال (أنا) وقال (أكثر) وقال (أعز)

ثالثا: فيها دلالة على مرض القلب وهو مرض الكِبر.

•••══════•••

قوله تعالى: (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (36)) الكهف
أي ودخل هذا الرجل جنته وهو ظالمٌ لنفسه بالكفر بالبعث وقد شك في قيام الساعة فأعجبته ثمار الجنة وقال عند ذلك ما أعتقد أن هذه الجنة تهلك وإنما هي باقيةٌ مدى الحياة ، وما أعتقد أن القيامة واقعة وإذا فُرض وقوعها كما تزعم أيها المؤمن ورُجعت إلى ربي عند ذلك الوقت فإني سأجد أفضل من هذه الحديقة لكرامتي ومنزلتي عنده.

 هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: فيها أن الظلم قد يتلبس به الإنسان فيسير وهو ظالم ويدخل بيته وهو ظالم ولهذا قال (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ).

ثانياً: فيها دليلٌ على أن الاغترار بنعيم الدنيا قد يؤدي إلى إنكار البعث فاغتر هذا الرجل بجنته ثم أنكر البعث.

ثالثاً: فيها دليلٌ على بطلان من قاس أمور الآخرة على أمور الدنيا فليس من أُنعم عليه في الدنيا دليلٌ على محبة الله له وأن الله سيُنعم عليه في الآخرة.

•••══════•••

قوله تعالى: (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37)) الكهف
أي قال له صاحبه المؤمن وهو يحاوره كيف تكفر بالله الذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم جعلك بشرا معتدل القامة والخلق كيف تكفر بذلك؟!

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها إنكار الصاحب على صاحبه حينما يراه وقع في المنكر.

ثانياً: دلت هذه الآية على أن الشك في قيام الساعة كفرٌ ويُخرج من الملة.

ثالثاً: دلت هذه الآية على أن علاج المتكبر أن يُذكّر بأصله وأنه من نطفة وأن نعم الله هي التي تتوالى عليه.

•••═════ •••

 قوله تعالى: ( لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)) الكهف
 أي لكن أنا لا أقول بمقالتك وإنما أقول أن الله هو المُنعم والمتفضل وهو ربي لا شريك له ولا أعبد أحداً غيره.

 هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها اعتراف المؤمن بإيمانه وصدعه بذلك.

ثانيا: فيها حث على توحيد الله وعدم الإشراك به.

ثالثاً: هذه الآية دليلٌ على ذكاء الرجل المؤمن فأتى بالربوبية فقال ( لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي) يعني ربي الذي رباك بالنعم.

•••══════•••

قوله تعالى (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا (39)) الكهف 
أي هل حين دخلت جنتك وحديقتك فأعجبتك .. هلا حمدت الله وقلت هذه هي التي شاءها الله لي ولا قوة لي على تحصيلها إلا بالله ، هلا قلت ذلك حينما رأيتني أنا أقل مالا وولدا.

 هذه الآية فيها فوائد:

أولا: هذه الآية فيها دليلٌ على أن من رأى شيئاً يعجبه فليقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله.

ثانياً: فيها دليلٌ على الالتفات إلى المُنعم وهو الله.

ثالثاً: فيها توجيهٌ لأصحاب الأموال إلى النظر إلى من هو أقل منهم ولهذا قال ( إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا) .

•••══════•••

قوله تعالى (فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)) الكهف 
أي فعسى ربي أن يعطيني أفضل من حديقتك، وعسى ربي أن يرسل على حديقتك عذاباً من السماء فتصبح حديقتك أرضاً ملساء جرداء لا تثبت عليها قدم ولا ينبت فيها نبات ، أو عسى حديقتك أن يصير ماؤها الذي تُسقى منه غائراً فلا تستطيع إخراجه.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: فيها الدعاء على المكذبين بالله.

ثانياً: فيها حُسن ظن الإنسان المؤمن بربه ولهذا قال (فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ ).

ثالثاً: هذه الآية دليلٌ على أن المؤمن لا تفتنه مظاهر الدنيا إذ الإيمان لا يعدله شيء. 

•••══════•••

قوله تعالى (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42)) الكهف 
أي أحاط العذاب بالجنة وثمارها فهلك كل ما فيها فصار الكافر يقلب كفيه حسرةً وندامةً على الأموال التي أنفقها في هذه الجنة وهي خاويةٌ قد سقط بعضها على بعض وعند ذلك يقول هذا الرجل يا ليتني آمنت بالله و يا ليتني لم أشرك بربي أحدا.

 هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: فيها دلالةٌ على استجابة الله لعباده ولأوليائه وقد استجاب الله دعاء الرجل المؤمن.

ثانياً: فيها دلالةٌ على شدة عذاب الله إذا نزل فالله يمهل ولا يهمل.

ثالثاً: فيها دلالةٌ على أن الله يجمع للكافر العذاب الحسي والمعنوي فأحرق جنته وحسّر ضميره ولهذا قال (يقلب كفيه).

رابعا: فيها دلالةٌ على أن عاقبة الشرك خسارةٌ في الدنيا قبل خسارة الآخرة.

•••══════•••

قوله تعالى (وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا (43)) الكهف

أي ولم تكن له جماعةٌ ممن افتخر بهم يمنعونه من عقاب الله وما كان هذا الرجل ممتنعاً لا بنفسه ولا بقوته.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها دلالةٌ على ضعف الإنسان فليس له ناصرٌ من دون الله.

ثانياً: بينت هذه الآية انقطاع أسباب النصرة فليس له فئة ولا من نفسه ناصر.

•••══════•••

 قوله تعالى (هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)) الكهف 
أي في مثل هذه الشدائد وغيرها تكون الولاية لله الحق هو خيرٌ جزاءً وخيرٌ عاقبةً لمن تولاه من عباده المؤمنين.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها حسن ولاية الله للمؤمنين.

ثانيا: فيها أن العاقبة للمتقين. ولهذا قال (وَخَيْرٌ عُقْبًا) .

•••══════•••

قوله تعالى (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا (45)) الكهف
 أي: واضرب لهم أيها الرسول صفة الحياة الدنيا التي اغتروا بها وهي كماء أنزله الله من السماء فخرج بهذا الماء نبات وأصبح النبات مخضرا وما هي إلا مدةٌ يسيرة حتى صار هذا النبات يابساً متكسراً تنسفه الرياح، وكان الله ذا قدرةٍ عظيمةٍ على كل شيء سبحانه وتعالى.

 هذه الآية فيها عدة فوائد:

أولاً: هذه الآية دليلٌ على عدم الاغترار بالحياة الدنيا.

ثانياً: هذه الآية دليلٌ على أن الدنيا لا تستقر على حال كما أن النبات لا يستقر على حال ويتبدل من حال إلى حال وكذلك الحياة الدنيا.

ثالثاً: فيها إثبات عظيم قدرة الله ولهذا قال (وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا ) مقتدرا : صيغة مبالغة، زيادةٌ في المبنى تدل على زيادةٍ في المعنى فلم يقل الله قادرا وإنما قال (مقتدرا) ليبين عظيم القدرة.

•••══════•••

قوله تعالى (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)) الكهف 
أي: المال والأولاد جمالٌ وقوةٌ في هذه الحياة والأعمال الصالحة أفضل جزاءً عند الله وأفضل ما يرجو الإنسان من الثواب عند ربه.

 هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: قدم الله ذكر الأموال لتعلق الناس بها جميعاً ذكوراً وإناثا.

ثانياً: خصّ الله البنون دون البنات أيضاً لشدة تعلق قلوب الناس بهم.

ثالثاً: بين الله أن الأعمال الصالحة هي أفضل عند الله.

رابعاً: بيّن الله أن عاقبة الأعمال الصالحة هي أحسن ولهذا قال (وَخَيْرٌ أَمَلًا) أي أفضل ما يؤمل عليه الإنسان هي تلك الأعمال الصالحة.

•••══════•••

 قوله تعالى (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)) الكهف 
أي: واذكر لهم يا محمد يوم نزيل الجبال عن أماكنها وتظهر الأرض بارزة ليس عليها ما يسترها ، وجمعنا الأولين لموقف الحساب ولم نترك منهم أحدا.

 هذه الآية فيها فوائد:

أولا: ذكر الله الجبال لقوتها وصلابتها فغيرها من باب أولى يزيله الله.

ثانيا: هذه الآية فيها إثبات البعث والحشر ولهذا قال الله (وَحَشَرْنَاهُمْ) وهي صيغة ماضي مع أن الحشر في المستقبل وإنما ذكره الله بصيغة الماضي لتحتم وقوعه.

•••═══ ═══•••

قوله تعالى (وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا (48)) الكهف 
أي: عرضوا جميعا على ربك مصطفين فيقال لهم حينئذٍ لقد بعثناكم وجئنا بكم إلينا فرادى كما خلقناكم أول مرة بل إنكم ظننتم أن لن نجعل لكم موعداً نبعثكم فيه.

 هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: كلمة (عُرضوا) تدل على ضعف الخلق يوم القيامة على الله فهم كالجنود يعرضون على مالكهم.

ثانياً: فيها عناية الله بنبيه صلى الله عليه وسلم ولهذا قال (ربك) فأضاف الربوبية إلى كاف التخصيص.

ثالثاً: فيها إثبات البعث ولهذا قال (جئتمونا) وهو رجوعٌ بعد غياب، واتصلت بهذا الفعل النون الدالة على العظمة (جئتمونا) فالله هو الذي خلقنا وإلى الله مرجعنا.

•••══════•••

قوله تعالى (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)) الكهف 
أي ووضع كتاب الأعمال فتُبصر أهل الإجرام خائفين مما فيه ويقولون يا هلاكنا ما لهذا الكتاب لا يترك صغيرةً من أفعالنا ولا كبيرةً إلا أثبتها ، ووجدوا كل ما عملوه في الدنيا حاضراً أمامهم مثبتاً في الكتاب ، ولا يظلم ربك أحداً مثقال ذرة فلا يُنقص طائعٌ من ثوابه ولا يُزاد عاصم في عقابه.

هذه الآية فيها عدة فوائد:

أولا: فيها دليلٌ على أن الانسان تكتب أعماله صغيرها وكبيرها.

ثانيا: فيها شدة ويل وهلاك الكافرين ولهذا دعوا بالويل على أنفسهم فقالوا (يا ويلنا).

ثالثا: فيها إثبات العدل لله سبحانه وتعالى وأنه لا يظلم أحدا.

•••══════•••

قوله تعالى (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)) الكهف 
أي واذكر يا محمد حين أمرنا الملائكة بالسجود آدم وأمرنا إبليس بما أُمروا به فسجد الملائكة جميعاً لكن إبليس الذي كان من الجن خرج عن طاعة ربه ولم يسجد كِبراً وحسداً. 
ثم يقول الله أفتجعلونه وذريته أعواناً لكم تطيعونهم وتتركون طاعتي وهم الدّ أعدائكم.
 ثم قال الله (بئس للظالمين بدلا) أي قبحت طاعة الظالمين للشيطان بدلاً من طاعة الله.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: فيها تكريم الله لآدم.

ثانياً: فيها سرعة استجابة الملائكة لأمر الله ولهذا قال (فسجدوا) واللام التعقيب.

ثالثاً: فيها دليلٌ على أن من لم يطع الله فقد فسق وخرج عن طاعة الله.

رابعا: فيها الإنكار والتوبيخ لكل من اتخذ الشيطان ولياً ولهذا قال (أفتتخذونه) وهو استفهامٌ للتوبيخ والإنكار.

خامسا: فيها إثباتٌ لعداوة ابليس للإنسان.

•••══════•••

قوله تعالى (۞ مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)) الكهف 
أي ما أحضرت إبليس وذريته خلق السماوات والأرض فأستعين بهم على خلقهما ولا بعضهم على خلق بعض بل تفردتُ بخلق جميع ذلك ، وما كنت متخذ الضالين من الشياطين وغيرهم أعواناً لي.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها إثبات أن الله هو الخالق وهو المدبر.

ثانياً: فيها نفي اتخاذ الشركاء لله سبحانه وتعالى.

•••══════•••

قوله تعالى (وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا (52)) الكهف 
أي اذكر لهم حينما يقول الله للمشركين يوم القيامة نادوا شركائي الذين كنتم تزعمون أنهم شركاء لي في العبادة فنادوهم واستغاثوا بهم فلم يغيثوهم فقال الله: وجعلنا بين العابدين والمعبودين مهلكاً في جهنم يهلكون به جميعاً.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: دلت هذه الآية على شدة استغاثة المشركين بمعبوداتهم ولهذا قال (فدعوهم) ولم يقل فنادوهم وإنما نادوهم ثم دعوهم ثم استغاثوا بهم فلم يستجيبوا لهم.

ثانياً: هذه الآية دليلٌ على عدم التفات الشركاء لشركائهم يوم القيامة، ولهذا قال (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ).

•••══════•••

قوله تعالى (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53)) الكهف 
أي شاهد المجرمون النار فأيقنوا أنهم واقعون فيها لا محالة ولم يجدوا عن النار معدلاً للانصراف عنها إلى غيرها.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: وصف هؤلاء بالإجرام دليلٌ على إشهار هذا الوصف وأنه مقصود إذ الشرك أعظم الإجرام.

ثانيا: هذه الآية دليلٌ على يقين المشركين يوم القيامة بأنهم يستحقون النار ولهذا قال (فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا) أي عرفوا.

•••══════•••

قوله تعالى (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54)) الكهف 
أي ولقد وضحنا في هذا القرآن أنواعاً كثيرة من الأمثال ليتعظ بها الناس وكان الإنسان أكثر الأشياء خصومةً وأكثر جدالاً .

 هذه الآية فيها عدة فوائد:

أولاً: فيها دلالةٌ على رحمة الله بعباده في تنويعه الأمثال ولهذا قال (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا) أي نوعنا لأجل أن يهتدي العباد.

ثانياً: فيها دلالةٌ على عظمة القرآن إذ فيه من كل الأمثال.

ثالثاً: هذه الآية دليلٌ على ذم صفة الجدال.

رابعاً: ذكر الإنسان دليلٌ على أن سائر المخلوقات تستسلم لله إلا الإنسان فإنه يجادل.

•••═══ ═══•••

 قوله تعالى (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55)) الكهف 
أي وما منع الناس من الإيمان حينما جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم وما منعهم أيضاً من استغفار ربهم إلا أن تصيبهم سُنة الله في إهلاك السابقين أو يصيبهم عذابٌ من عند الله عياناً.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: هذه الآية دليلٌ على أنه لا يوجد مانعٌ عند الإنسان حقيقي يمنعه من الإيمان فما الذي يمنع الإنسان من الإيمان؟

ثانياً: هذه الآية فيها فتح بابٍ التوبة للمشركين ولهذا قال (ويستغفروا ربهم) ولو استغفروا لوجدوا الله تواباً رحيما.

ثالثاً: هذه الآية دليلٌ على ثبات سنة الله في الأولين والآخرين وهي إهلاك الظالمين.

•••═══ ═══•••

قوله تعالى (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ۚ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ۖ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا (56)) الكهف 
أي وما نبعث الرسل إلى الناس إلا ليكونوا مبشرين بالجنة ومخوفين بالنار ومع وضوح الحق يخاصم الذين كفروا رسلهم بالباطل تعنتاً ليزيلوا بباطلهم الحق الذي جاءت به الرسل ، واتخذوا كتاب الله وما خُوفوا به من العذاب اتخذوه سخرية واستهزاء.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: قُدمت البشارة على النذارة ترغيبا لهم ولهذا قال الله (مبشرين ومنذرين) ففي ذلك بيان سعة رحمة الله.

ثانيا: قوله (ويجادل الذين كفروا) فعل مضارع يدل على الاستمرار ، فهذه هي عادة أهل الكفر أن يجادلوا بالباطل.

ثالثا: بيّنت هذه الآية عاقبة الجدال بالباطل أنه يُورث ضعف اليقين في القلب ولهذا قابلوا الآيات بالاستهزاء.

•••═══ ═══•••

قوله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)) الكهف
 أي لا أحد أشد ظلما ممن وُعظ بآيات ربه فانصرف عنها إلى الباطل ، ولا أحد أظلم ممن نسي ما قدمته يداه من الأفعال القبيحة فلم يرجع عنها. ثم قال الله إنا جعلنا على قلوب هؤلاء أغطية فلم يفقهوا القرآن ولم يدركوا ما فيه من الخير ، وجعلنا أيضاً على آذانهم ثُقلاً فلم ينتفعوا به وإذا دعوتهم إلى الإيمان فلن يستجيبوا لك ولم يهتدوا إليه عقوبةً لهم على صدهم عن سبيل الله.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: فيها دلالةٌ على حاجة الإنسان للتذكير، ولهذا قال (ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ) فالإنسان من طبيعته الغفلة والنسيان إلا إذا ذُكر.

ثانياً: هذه الآية فيها دليلٌ على أن الشخص المُعرض لم يعطِ نفسه مهلةً ولا فرصةً في الوقت، ولهذا قال الله (ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا) والفاء للتعقيب أي أنه أعرض مباشرة بمجرد سماعه للآية ، ولو أعطى نفسه مهلةً وفرصةً للتفكير بهذا الكلام لاهتدى.

ثالثاً: هذه الآية فيها دليلٌ على إمهال الله للإنسان وعدم معاجلته بالعقوبة ولهذا قال (وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) أي أنه كان يعمل أعمالاً سيئة لكننا لم نعاقبه.

رابعا: دلت هذه الآية على عقوبة من أعرض عن ذكر الله بأن جعل على قلبه أكنة وجعل على آذانه وقر.

•••═══ ═══•••

قوله تعالى (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ۖ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ۚ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا (58)) الكهف 
أي وربك يا محمد الغفور لذنوب عباده إذا تابوا ، ولو يعاقب هؤلاء المعرضين عنه بما كسبوه من الذنوب والآثام لعجل لهم العذاب ، لكن الله جعل لهم موعداً يجازون فيه بأعمالهم، ولا يجدون من دون الله ملجأً يلتجئون إليه.
هذه الآية فيها فوائد: 
أولا: لما كانت الآية التي قبلها فيها بيان ذكر العذاب جاءت هذه الآية لبيان ذكر الرحمة ، فالقرآن فيه ترهيبٌ وترغيب.

ثانياً: هذه الآية فيها بيان سعة رحمة الله ولهذا قال (ذو الرحمة) التي تدل على تمكن الصفة ورسوخ الصفة في الموصوف، والله وسعت رحمته كل شيء.

ثالثاً: هذه الآية جمعت بين الرحمة والمغفرة، فالله بعد أن يستر على عبده يرحمه أيضاً.

رابعا: دلت هذه الآية على أن كل من عصى الله استحق أن يُعاقب لولا رحمة الله به.

•••═══ ═══•••

قوله تعالى (وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا (59)) الكهف 
أي وتلك القرى -قرى عاد وثمود ولوط وشعيب- أهلكناهم حينما ظلم أهلها أنفسهم بالكفر بآيات الله. وجعلنا لهلاكهم موعداً وميقاتاً وأجلاً فأهلكناهم فيه.

هذه الآية فيها عدة فوائد:

أولاً: فيها أخذ العظة والعبرة من الأمم السابقة.

ثانياً: فيها دليلٌ على أن عذاب الله له موعد لا يتقدم عنه ولا يتأخر وإنما يؤخره الله سبحانه وتعالى حتى يأتي ذلك الوقت لأجل ان يمهل عباده لعلهم أن يتوبوا ويرجعوا لربهم.

•••═══ ═══•••

قوله تعالى (إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)) الكهف
 أي واذكر يا محمد حين قال موسى لخادمه لا أزال أتابع السير حتى أصل إلى ملتقى البحرين، أو أني سأسير زماناً طويلاً حتى أصل إلى العبد الصالح لأتعلم منه ما ليس عندي.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها التصميم والعزم على تحمل المشاق في طلب العلم.

ثانيا: فيها التصريح بالعزم والإرادة ليكون أثبت للإنسان فموسى صرّخ بإرادته وقال (لا أبرح)

ثالثا: فيها الرحلة لطلب العلم وللعلماء.

فيها أيضا: اغتنام لقاء العلماء وإن تباعدت أقطارهم.

                             •••═══ ═══•••

قوله تعالى ( فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)) الكهف 
أي لما بلغ موسى وفتاه مجمع البحرين نسيا الحوت ، فإذا الحوت يصبح حيا ويتخذ له في البحر طريقا مفتوحا.

هذه الآية فيها عدة فوائد:

أولا: فيها إعانة الله للعبد المؤمن على إرادته، فأعان الله موسى حتى وصل.

ثانيا: فيها أن النسيان من عادة البشر.

ثالثا: فيها إثبات قدرة الله إذ أحيا الحوت بعد خروجه من البحر ثم أعاده إلى البحر وجعل له طريقا مفتوحا.

•••═══ ═══•••

قوله تعالى (فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا (62)) الكهف

أي لما فارقا المكان الذي نسيا فيه الحوت وشعر موسى عليه السلام بالجوع قال حينئذ لخادمه أحضر لنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا التعب الكثير.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: تدل الآية على علو همة موسى إذ أنه لم يصل إلى ذلك المكان وإنما تجاوزه أيضا.

ثانيا: فيه تواضع موسى إذ أنه يأكل مع خادمه ولذلك قال (غداءنا).

ثالثا: فيها جواز أن يخبر الإنسان بما يُحس به من تعب ولذلك قال (لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا).

•••═══ ═══•••

قوله تعالى (قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)) الكهف 
أي قال له خادمه أتذكر يا موسى حين لجأنا إلى الصخرة التي استرحنا عندها فإني نسيت أن أخبرك ما كان من أمر الحوت وما أنساني أن أذكر لك ذلك إلا الشيطان فإن الحوت اتخذ له في البحر طريقا وكان أمره شيئا عجيبا.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: دلت هذه الآية على تقديم العذر لمن كان له عذر ولهذا قالها الخادم معتذرا لحاله.

ثانيا: فيها صريح نسبة النسيان للشيطان إذ هو المتسبب فيه.

•••═══ ═══•••

قوله تعالى (قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65)) الكهف 
أي قال موسى ما حصل هو ما كنا نطلبه ثم رجع موسى والفتى على آثارهما يقصّان آثار مشيهما حتى انتهيا إلى الصخرة فوجدا عبدا صالحا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وآتيناه من علمنا العظيم.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: هذه الآية دليل على أن الله إذا أراد شيئا هيأ له أسبابه، فلما أراد الله وصولهما إلى مكانه هيأ لهم النسيان.

ثانيا: هذه الآية تدل على أن في بواطن ما يكره العبد خيرا له، فالفتى نسي الحوت وظاهر هذا النسيان شر إلا أن عاقبته كانت خيرا إذ هي العلامة التي حددها الله لنبيه موسى.

ثالثا: هذه الآية دلالة على كثرة عباد الله الصالحين ولهذا قال عبد من عبادنا أي من جملة عبادنا.

رابعا: دلت هذه الآية على أن منزلة الرحمة والعلم هي من مقامات العبودية ولهذا (قال آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا).

خامسا: قرنت الآية بين الرحمة والعلم ليكون العلم يُورث الرحمة بالخلق.

•••═══ ═══•••

قوله تعالى (قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)) الكهف

أي: فسلّم عليه موسى وقال له: أتأذن لي أن أتبعك لأجل أن تعلمني من العلم الذي علمك الله إياه.

هذه الآية فيها عدة فوائد:

أولاً: فيها فضيلة اتباع أهل العلم للاستفادة منهم.

ثانيا: فيها الأدب من العلماء ولهذا قال (هَلْ أَتَّبِعُكَ)

ثالثا: هذه الآية دليل على أن موسى لا يريد كل علم وإنما يريد العلم الذي فيه الرشاد، فليس كل علم نافع.

•••═══ ═══•••

قوله تعالى (قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)) الكهف

أي: قال هذا الرجل الصالح وهو الخضر -في قول كثير من أهل العلم- لموسى إنك يا موسى لن تطيق أن.تصبر على اتباعي وعلى ملازمتي، وكيف لك الصبر يا موسى على ما لم تُحط بباطنه ولا علمت المقصود من مآله.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: فيها التبرير لعدم الصبر ولهذا قال (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا).

ثانياً: بيّنت هذه الآية أن من لم يصبر إنما هو بسبب أنه ما أحاط بعاقبة الأم

                             •••═══ ═══•••

قوله تعالى (قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)) الكهف
 أي: قال موسى للعبد الصالح ستجدني إن شاء الله صابرا على ما أراه منك ولا أخالف لك أمرا تأمرني به.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها دليل على معرفة الإنسان بقدراته وصفاته.

ثانيا: فيها تعليق الأمور بمشيئة الله.

ثالثا: فيها دليل على أن ملازمة المتعلم للعالِم تحتاج إلى صبر ومجاهدة

                                   •••═══ ═══••

قوله تعالى (قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)) الكهف 
أي: قال العبد الصالح لموسى أن اتبعتني فلا تسألني عن شيئ أعمله مما تستنكره أنت حتى أذكره أنا لك وأبيّن لك شأنه وأبتدؤك أنا بالخبر عنه.

هذه الآية فيها فوائد :

أولا: فيها دليل على استجابة المعلِم للمتعلِّم حينما يرى إصراره على العلم فإنه يعطيه.

ثانيا: فيها تربية على الأدب مع المُعلم فلا يُبادر بالسؤال حتى يكون هو المبتدئ

•••═══ ═══•••

قوله تعالى (فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)) الكهف 
أي: فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت بهما سفينة فركبا فيها فلما ركبا فيها خرقها الخضر ، قال له موسى أخرقت السفينة لتُغرق أهلها؟! لقد فعلت أمرا منكرا.

هذه الآية فيها عدة فوائد:

أولاً: فيها دليل على أن الإنسان المسلم إنما يحكم على ظاهر الأعمال ، فظاهر عمل الخضر عليه السلام أنه يريد إغراق السفينة ولهذا أنكر عليه موسى.

ثانيا: فيها دليل على إنكار ما ظاهره يخالف دين الله.

•••═══ ═══•••

 قوله تعالى ( قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)) الكهف 
أي: قال الخضر لموسى عليه السلام لقد قلت لك من أول الأمر إنك لن تستطيع الصبر على صحبتي.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: فيها تذكير لمن خالف الشرط بمخالفته فموسى حينما خالف الشرط ذكّره الخضر.

ثانياً: هذه الآية دليلٌ على صدق ظن الخضر إذ أنه ظن أنه لن يصبر وبالفعل لم يصبر.

                            •••═══ ═══•••

قوله تعالى ( قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)) الكهف 
أي قال موسى للخضر لا تؤاخذني بنسياني شرطك علي ولا تكلفني مشقةً في تعلمي منك.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها دليلٌ على سرعة نسيان الإنسان.

ثانيا: فيها حسن بذل الاعتذار والاعتراف بالخطأ كما اعترف موسى عليه السلام.

ثالثا: فيها طلب التيسير في جانب الصحبة ولهذا قال (ولا ترهقني من أمري عسرا)

                    •••═══ ═══••

قوله تعالى ( فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)) الكهف 
أي فانطلق موسى والخضر عليهما السلام حتى إذ أبصرا غلاماً فقتله الخضر فأنكر موسى عليه وقال: كيف قتلت نفساً طاهرةً لم تبلغ حد التكليف ولم تفعل هذه النفس ما تستحق به القتل !! لقد فعلت بأمرك هذا أمراً منكراً عظيما. قال الخضر لموسى: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً على ما ترى من أفعالي.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: هذه الآية دليلٌ على قبول عذر من اعتذر ، ولهذا قبِل الخضر عذر موسى.

ثانيا: هذه الآية دليلٌ على أن الإنسان قبل بلوغه إنما هو زكي النفس لم تكتب عليه التكاليف ، ولهذا يسلم من الآثام وهذا سر وصف موسى لهذه النفس بقوله زكيةً.

ثالثاً: هذه الآية دليلٌ على أن قتل النفس بغير حق محرمٌ حتى في شرائع الأمم وهذا مما اتفقت عليه شرائع الأنبياء.

رابعا: هذه الآية دليلٌ على أن من وقع في الخطأ مرةً أخرى تُشدّ له العبارة أكثر من ذي قبل ، فالمرة الأولى قال الخضر لموسى (ألم أقل إنك) والمرة الثانية قال (ألم أقل لك).

•••═══ ═══••

قوله تعالى (قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا (76)) الكهف 
أي: قال موسى للخضر: إن سألتك عن شيءٍ بعد هذه المرة فاتركني ولا تصاحبني فإنك قد بلغت العُذر في شأني.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: فيها حياء المتعلم من مُعلمه، ولهذا قال موسى (إن سألتك عن شيءٍ).

ثانيا: لم يعتذر موسى عليه السلام بالنسيان لأنه لا يليق للإنسان أن يعتذر بنفس العذر أكثر من مرة.

ثالثاً: فيها حُسن اعتذار موسى عليه السلام.

رابعاً: فيها أدب موسى مع مُعلمه، ولهذا قال (فلا تصاحبني) ولم يقل فلا أصاحبك ، فنسب عدم المصاحبة لنفسه.

•••═══ ═══•••

قوله تعالى (فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)) الكهف 
أي ذهب موسى والخضر حتى أتيا أهل قرية فطلبا منهم طعاما على سبيل الضيافة فامتنع أهل القرية عن ضيافتهما فوجدا فيها حائطا يوشك أن يسقط فعدّله الخضر حتى صار مستويا ، عندئذ قال له موسى: لو شئت لأخذت على هذا العمل أجراً تصرفه في تحصيل طعامنا حين لم يضيفونا.

هذه الآية فيها عدة فوائد:

أولاً: فيها قبول اعتذار من اعتذر ولو للمرة الثانية، فالخضر عليه السلام قبل عذر موسى في المرة الثانية أيضاً.

ثانيا: دلت هذه الآية على أن لله حِكماً في البر ولله حِكم في البحر.

ثالثاً: هذه الآية فيها سعة رزق الله، إذ أن هذه القرية مع أنهم لئامٌ بخلاء ومع هذا كان الله يؤتيهم من رزقه.

رابعاً: هذه الآية فيها بذل المعروف لمن ليس من أهله كما فعل الخضر عليه السلام.

                                    •••═══ ═══•••

قوله تعالى (قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78)) الكهف 
أي قال الخضر: هذا وقت الفراق بيني وبينك يا موسى ، وسأخبرك بما تؤول إليه أفعالي والتي لم تستطع على ترك السؤال عنها صبرا.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: فيها دليلٌ على أن من اشترط شيئاً على نفسه أُلزم بشرطه ، فموسى اشترط على نفسه الفراق فأُلزم بذلك.

ثانياً: في القصة دلالةٌ على أن عدم الصبر على العلم يحرم الإنسان الفائدة.

•••═══ ═══•••

 قوله تعالى (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)) الكهف 
أي: أما السفينة التي خرقتها فكانت لأناسٍ مساكين يعملون في البحر أردت أن أعيبها بذلك الخرق لأن من أمامهم ملكاً يأخذ كل سفينةٍ صالحة لا عيب فيها يأخذها غصباً عن أصحابها.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها دليلٌ على بذل الأسباب في تحصيل الأرزاق ولهذا قال (يعملون في البحر)

ثانيا: سماهم الخضر مساكين مع أن لديهم مصدرا ماديا يكتسبون من خلاله وهذا يدل على ان المسكنة تختلف من حال إلى حال.

ثالثا: فيها أدب الخضر مع الله سبحانه وتعالى إذ نسب عيب السفينة إلى نفسه فقال (فأردت أن أعيبها) يعني أنا الذي أسبب فيها عيبا ، ولم يقل الله مع أن فعله كان من أمر الله.

رابعا: هذه الآية على أن الغنى غنى النفس فرجلٌ ملك ومع هذا يغصب مساكين على سفينة

•••═══ ═══•••

 قوله تعالى : (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)) الكهف 
أي وأما الغلام الذي قتلته فكان في علم الله أنه يكون كافرا وكان أبوه وأمه مؤمنين فخشينا لو.أنه بقي حياً أن يحمل والديه على الكفر لأجل محبتهما إياه ، فأردنا أن يبدل الله أبويه بمن هو خيرٌ منه صلاحاً وديناً وبمن هو خيرٌ منه براً بهما.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها حفظ الله لإيمان أوليائه كما حفظ الله مال المساكين ، فحفظ هنا إيمان الأبوين.

ثانيا: فيها دليلٌ على تعويض الله للمؤمن لما يفوته من أمر الدنيا فالله عوض الأبوين غلاماً مؤمناً.

ثالثاً: فيها أدب الخضر مع ربه اذ قال (يبدلهما ربهما) فنسب الإبدال لله لأنه خير، وقبل قليل نسب العيب لنفسه (أعيبها) لأنه في ظاهره شر.

رابعا: هذه الآية دليلٌ على أن من تزكى أصبح رحيما. ولهذا قال (خيرا منه زكاةً واقرب رحما)

                               •••═══ ═══•••

 قوله تعالى (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82)) الكهف 
أي وأما الحائط الذي عدلّت ميله حتى استوى فكان لغلامين يتيمين وكان تحت هذا الحائط كنزٌ من الذهب والفضة وكان أبوهما رجلاً صالحاً فأراد ربك أن يكبرا وأن يبلغا قوتهما وأن يستخرجا كنزهما رحمةً من الله بهما ، وما فعلت ذلك يا موسى الذي فعلت لم أفعله عن أمري ومن تلقاء نفسي ، إنما فعلته عن أمر الله ، ذلك الذي بيّنت لك أسبابه هو عاقبة الأمور التي لم تستطع صبراً على ترك السؤال عنها.

هذه الآية فيها عدة فوائد:

أولاً: هذه الآية دليلٌ على حفظ الله لضعفة المجتمع كالأيتام.

ثانيا: هذه الآية دليلٌ على أن صلاح الآباء من أسباب حفظ الأبناء ولهذا قال (وكان أبوهما صالحا).

•••═══ ═══•••

 قوله تعالى ((وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا (83)) الكهف 
أي ويسألك يا محمد هؤلاء المشركون عن خبر ذي القرنين قل لهم سأقص عليكم منه ذكراً تتذكرون به وتعتبرون به.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: فيها توجيه السؤال لأهل العلم.

ثانيا: تدل هذه الآية على أن (ذي القرنين) رجلٌ عربي لأن (ذي) من خصائص العرب.

ثالثا: تدل هذه الآية على أن سماع القصص إنما هو لأخذ العبرة والاتعاظ.

                            •••═══ ═══••

قوله تعالى (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85)) الكهف
 أي إنا مكنا لذي القرنين في الأرض وآتيناه من كل شيء أسباباً وطُرقاً يتوصل بها إلى ما يريد فأخذ ذو القرنين بتلك الأسباب والطرق بجدٍ واجتهاد.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: دلت هذه الآية على أن الله يؤتي ملكه من يشاء ، فملك ذو القرنين مشارق الأرض ومغاربها.

ثانيا: دلت هذه الآية على أن لكل شيءٍ سببا فالتمكين في الأرض له أسبابه.

ثالثاً: دلت هذه الآية على أن العمل بالأسباب من الأمور التي أخذ بها ذي القرنين لأجل أن يتوصل إلى مراده ، ففيها تربيةٌ على الاهتمام ببذل الأسباب.

•••═══ ═══••

قوله تعالى (حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) ) الكهف 
أي حتى إذا وصل ذو القرنين إلى مغرب الشمس وجدها تغرب في عينٍ حارة ذات طينٍ أسود ، ووجد عندها قوماً فقال الله له: يا ذا القرنين إما أن تعذبهم بالقتل أو غيره إن لم يقروا لله بالتوحيد، وإما أن تحسن إليهم فتعلمهم الهدى والرشاد.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: هذه الآية دليل على طبيعة القوم في مغرب الأرض في تلك الفترة أنهم قومٌ يأخذون بالحوار ولهذا خيرهم إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا.

ثانياً: هذه الآية دليلٌ على أن أهل تلك الجهة في ذلك الزمان لم يكونوا مؤمنين ولهذا قال الله: (إما أن تعذب).

ثالثاً: هذه الآية فيها حث لذي القرنين على أن يتخذ الحسنى ، ولهذا لما جاء الحُسن قال (تتخذ فيهم حسنا)

•••═══ ═══••

 قوله تعالى (قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)) الكهف
أي قال ذو القرنين أما من ظلم نفسه منهم فكفر بربه فسوف نعذبه في الدنيا ، إما بالقتل أو بالأسر أو بغير ذلك ، ثم يرجع إلى ربه فيعذبه عذاباً عظيماً في نار جهنم ، وأما من آمن فصدق بالله ووحّد الله فله الجنة ثواباً من الله وسنحسن إليه ونلين له القول ونيسر له المعاملة.

هذه الآية فيها عدة فوائد:

أولاً: دلت هذه الآية على أن ذو القرنين إنما بلغ مغرب الأرض ومشرقها لأجل أن يدعو الناس إلى توحيد الله. 

ثانيا: دلت هذه الآية على إثبات الإيمان باليوم الآخر وهذا مما اتفقت عليه شرائع الأمم ولهذا قال (ثم يرد إلى ربه)

ثالثا: هذه الآية فيها دليلٌ على أن العمل الصالح من الإيمان ولهذا قال (آمن وعمل صالحاً) فلم يكتفِ ذو القرنين بتلفظهم بالإيمان وإنما طلب منهم العمل الصالح.

 رابعا: هذه الآية دليل على أن عاقبة الإيمان والعمل الصالح الحسنى ولهذا قال (فله جزاءً الحسنى).

خامساً: هذا القول دليلٌ على عدل ذي القرنين إذ أنه يعاقب من ظلم ويُحسن إلى من أحسن.

                                    •••═══ ═══•••

 قوله تعالى (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90) ) الكهف 
أي ثم سار ذو القرنين وسلك طرقا حتى إذا وصل إلى مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم ليس لهم ستر بينهم وبين الشمس فليس عندهم بناء وليس عندهم لباس ، فهم فقراء من جهة ، جهلاء من جهة.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: فيها دليل على اختلاف المجتمعات إذ اختلف حال القوم عند مطلع الشمس عن القوم عند مغربها.

ثانيا: كشفت هذه الآية جزءا مما كان عليه المجتمع الشرقي في ذلك الزمان الجهل والفقر ، فليس عندهم شيء يستر عوراتهم أو يسترهم من الشمس ، فليس عندهم بناء وليس عندهم  ستر ، ففيهم جهل وفيهم فقر وهما قرينا الشرك.

                                 •••═══ ═══••

قوله تعالى (كَذَٰلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92)) الكهف 
أي وكذلك وقد أحطنا بما عند مطلع الشمس علما لا يخفى علينا ما هنالك من الخلق وأحوالهم وأسبابهم، ثم سار ذو القرنين وسلك طرقا ومنازل وأسباب وهي الأسباب التي أعطاها الله إياها.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: هذه الآية دليل على أن الإنسان عليه ألا يعتمد على نفسه ولهذا قال (وقد أحطنا) فمع كثرت الأسباب التي هيأها الله لذي القرنين مع ذلك الله أحاط بذلك. 

ثانيا: هذه الآية تدل على عدم الركون إلى النفس ولهذا مع أنه استولى على مغرب الأرض ومشرقها ومع ذلك قال الله (ثم أتبع سببا) لازال مستمرا باستغلال الأسباب التي تهيؤه للوصول إلى مراده.

                                  •••═══ ═══••

قوله تعالى (حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)) الكهف 
أي حتى وصل ذو القرنين إلى ما بين الجبلين الحاجزين لما ورائهما وجد من دونهما قوما لا يعرفون كلام غيرهم من الأمم .

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها اختلاف لغات المجتمعات فوجد ذو القرنين قوما لا يعرف لسانهم.

ثانياً: فيها قوة الأسباب التي هيأها الله لذي القرنين إذ أن قوما لا يفهم ذو القرنين كلامهم ومع هذا استطاع أن يتفاهم معهم وأن يوصلهم رسالته.

ثالثاً: هذه الآية فيها دليل على الالتفات للشعوب المستضعفة المعزولة عن الحياة.

                              •••═══ ═══••

قوله تعالى (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)) الكهف 
أي قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج وهما أمتان عظيمتان من بني آدم مفسدون في الأرض وذلك بإهلاك الحرث والنسل فهل نجعل لك يا ذا القرنين أجرا ومالا على أن تجعل بيننا وبينهم حاجزا يحول بيننا وبينهم؟

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: فيها دليل على حسن تعامل ذو القرنين مع أهل البلدان وإلا فكيف يطلب أهل بلاد قد احتُلت ديارهم من الذي احتلهم أن يكفيهم شر أعدائهم.

ثانيا: فيها دليل على شدة إفساد قوم يأجوج ومأجوج إذ أنهم يهلكون الحرث والنسل.

ثالثاً: فيها حسن الطلب ولهذا قالوا (فهل نجعل لك خرجا) 

                             •••═══ ═══••

قوله تعالى: (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)) الكهف 
أي قال ذو القرنين ما أعطاني ربي من الملك والتمكين خير لي من مالكم الذي تريدون أن تعطوني إياه فأعينوني بقوة منكم أجعل بينكم وبينهم سدا.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها اعتراف الإنسان المؤمن بنعم الله عليه.

ثانيا: فيه التحدث بنعم الله ولهذا قال (ما مكني فيه ربي خير)

ثالثا: هذه الآية تدل على علو همة ذي القرنين ولم يكن جمّاعا للمال وليس عنده رغبة في الدنيا وإلا فإنه سيطمع بالمال الذي أعطوه.

رابعا: هذه الآية دليل على فقه ذي القرنين لأنه طلب الإعانة منهم فقال (فأعينوني بقوة) فهو عمل شاق ولن يستطيعه إلا أهل البلد لعلمهم بضرورتهم وحاجتهم إليه.

خامسا: هذه الآية فيها دليل كرم ذي القرنين لأنهم طلبوا منه سدا فوعدهم بالردم وهو أقوى من السد.

                                •••═══ ═══••

قوله تعالى: (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)) الكهف 
أي أعطوني قطع الحديد حتى إذا جاءوا بها ووضعوه وحاذوا بين جانبي الجبلين قال ذو القرنين للعمال أججوا النار حتى إذا صار الحديد كله نارا قال أعطوني نحاسا أفرغه عليه فأفرغه عليه، فلما انطفأت النار أصبح السدّ نحاسا وحديدا.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: في الآية دليل على الإبداع الذي يتمتع به ذو القرنين في بناء السد، حيث بناه على غير مثال سابق.

ثانيا: طلب الحديد لأنه أقوى صلابة.

ثالثا: فيها دلالة على قوة أولئك القوم إذ أنهم بنوا بناء حتى ساووا بين الصدفين يعني حافة الجبلين

•••═══ ═══•••

قوله تعالى: (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)) الكهف 
أي فما استطاعت قوم يأجوج ومأجوج أن تصعد فوق السد وذلك لارتفاعه ولا استطاعوا أن ينقبوه من أسفله وذلك لبعده عرضه ولصلابته أيضا.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها تناسب في الألفاظ فلما كان الظهور والصعود من فوق السد أسهل قال (فما اسطاعوا) ولما كان النقب والخرق للسد أصعب أتت التاء فقال (وما استطاعوا له نقبا) فزيادة المبنى دليل على زيادة المعنى وهذا من بلاغة القرآن.

•••═══ ═══•••

قوله تعالى: (قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)) الكهف 
أي قال ذو القرنين هذا السد الذي بنيته إنما هو رحمة من ربي بالناس فإذا جاء وعد ربي بخروج يأجوج ومأجوج فان ربي سيجعل هذا السد دكا منهدما مستويا بالأرض وكان وعد ربي حقيقيا.

هذه الآية فيها عدة فوائد:

أولاً: تدل هذه الآية على تواضع ذو القرنين وأنه لم يأخذه كِبر وبطر في عمله وإلا فهو عمل جبار.

ثانيا: هذه الآية فيها بيان فضل ذو القرنين على تلك الأمة وعلى الأمم من بعدهم وذلك لأنه حجز عنهم إفساد يأجوج ومأجوج.

ثالثا: هذه الآية تدل على إيمان ذو القرنين بالساعة وأشراطها وهذا مما اتفقت عليه الأمم ولهذا قال (فإذا جاء وعد ربي) وهو قيام الساعة (جعله دكاء) وهو خروج يأجوج ومأجوج.

رابعا: هذه الآية تدل على أن لكل شيء نهاية ينتهي إليه.

•••═══ ═══•••

 قوله تعالى (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ۖ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99)) الكهف 
أي وتركنا الخلق حينئذ يوم ندك الجبال وننسفها نسفا تركناهم يختلط بعضهم في بعض ونفخ في القرن لأجل أن نبعث الناس فجمعنا الخلق جميعا لأجل الحساب والجزاء.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: فيها إثبات البعث.

ثانيا: فيها شدة هلع الناس عند قيام الساعة ولهذا قال وتركنا بعضهم يموج في بعض ويضطرب.

ثالثا: فيها دليل على النفخ في الصور ولهذا قال (ونفخ في الصور).

•••═══ ═══••

قوله تعالى: (وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100)) الكهف 
أي وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين وأبرزناها لهم لنريهم سوء عاقبة أفعالهم.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: فيها العذاب النفسي للكافرين جمعا مع العذاب الحسي ولهذا قال (وعرضنا) فهم يرونها قبل أن يدخلوها.

ثانيا: عرض جهنم للكافرين إنما هو عرض حقيقي مخيف مرعب ولهذا جاءت كلمة (عرضا) نكرة منونة وهي تفيد التهويل والترهيب.

•••═══ ═══••

 قوله تعالى: (الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)) الكهف 

أي الذين كانت أعينهم في الدنيا في غطاء عن آياتي وكانوا لا يطيقون سماع ذكر الله.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: بيّنت الآية سبب عذاب الله لهؤلاء الكفار أن أعينهم كانت في غطاء عن ذكر الله.

ثانياً: نبهت الآية إلى أن توبة أولئك هو أن يُرفع الغطاء عن أعينهم وأن يسمعوا كلام الله وأن يروا حجج الله وأن يفقهوا ويعتبروا.

•••═══ ═══••

قوله تعالى: (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102)) الكهف 
أي أفظن الذين كفروا بالله أن يتخذوا عبادي الذين عبدوهم من دوني أولياء لهم؟ كلا إنما هم أعداء وإنا أعدادنا لمن كفر بالله جهنم منزلا لهم.

هذه الآية فيها فوائد:

أولا: هذا الاستفهام إنكاري (أفحسب) أي أن الله ينكر عليهم ظنهم الباطل ذلك.

ثانياً: هذه الآية تدل على أن هذه المعبودات أيضا هي عباد لله ولهذا قال عبادي فهم في منزلة العبودية لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا.

ثالثا: فيها تهديد الله للكافرين ولهذا قال (أعتدنا) وهي التهيئة، تهيئة العذاب لهم قبل دخولهم إياه.

•••═══ ═══••

قوله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا(103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)) الكهف 
أي قل يا محمد لهؤلاء الناس هل نخبركم بأخسر الناس أعمالا؟ إنهم الذين ضاع عملهم في الحياة الدنيا وهم يظنون أنهم محسنون في أعمالهم.

هذه الآية فيها عدة فوائد:

أولاً: فيها أسلوب التشويق ولهذا قال الله (قل هل ننبئكم).

ثانيا: هذه الآية فيها بيان شدة خسارة هؤلاء القوم ولهذا جاءت صيغة المبالغة (الأخسرين أعمالا).

ثالثا: هذه الآية دليل على شدة خسارة أولئك الكفار إذ جمع الله لهم التعب في الدنيا وضياع العمل في الآخرة ولهذا قال (ضل سعيهم) يعني كان عندهم سعي وتعب لكنه لم يكن على هدى ولهذا ضاع.

 رابعا: هذه الآية دليل على إعجاب الكفار بعملهم ولهذا قال (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) ولو وُجد في قلوبهم عدم الأمن من مكر الله لما دخل في قلوبهم العُجب والكبر.

•••═══ ═══••

قوله تعالى: (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)) الكهف 
أي أولئك الأخسرون أعمالا هم الذين جحدوا بآيات ربهم وكذبوا به فبطُلت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة قدرا وثقلا وأولئك جزاؤهم نار جهنم بسبب كفرهم بالله واتخاذهم آيات الله استهزاء وسخرية.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: بينت الآيات سبب ضلال وخسارة أولئك أنهم جحدوا بآيات ربهم.

ثانيا: فيها دلالة على أن انكار البعث كفر ولهذا قال: (ولقائه).

ثالثا: فيها دليل على حبوط أعمال الكافر في الآخرة فالله يجازي الكافر على أعماله الحسنة في الدنيا فإذا جاء يوم القيامة حبطت أعماله ولهذا قال (فحبطت أعمالهم).

رابعا: فيها دليل على أن اتخاذ آيات الله هزوا وسخرية كفر ولهذا قال (بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا).

•••═══ ═══•••

قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108) ) الكهف 
أي إن الذين آمنوا بي وصدقوا رسلي وعملوا الصالحات لهم أعلى المقامات وأفضلها في الجنة منزلا ماكثين فيها أبدا لا يريدون عنها تحولا.

 هذه الآية فيها فوائد:

أولا: لما ذكر الله وعيد الكافرين بيّن الله جزاء المؤمنين فالقرآن فيه ترهيب وترغيب.

ثانيا: فيها أن المؤمنين في الجنة كالضيوف عند الله ولهذا قال (نزلا) هو ما يعد للضيوف.

ثالثا: ذكر الله (خالدين فيها) لأن النفس تتطلع دائما في حال النعيم إلى مدة اللبث، فبيّن الله أنهم خالدون ماكثون لتزداد أنفسهم نعيما.

                                    •••═══ ═══••

قوله تعالى (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)) الكهف 
أي قل أيها الرسول لو كان ماء البحر حبرا للأقلام التي يكتب بها كلام الله لنفذ ماء البحر ولم ينفذ كلام الله ولو جئنا بمثل هذا البحر مدادا أخرى.

هذه الآية فيها عدة فوائد:

أولاً: هذه الآية فيها إثبات كلام الله.

ثانيا: هذه الآية دليل على أن كلمات الله لا تنفذ.

ثالثا: الآية تربي المؤمن على الثقة بربه إذ كلماته لا تنفذ، فسعادة العبد قد تكون بكلمة من كلمات ربه يفلح بها العبد في دينه ودنياه.

•••═══ ═══•••

قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)) الكهف 
أي قل أيها الرسول إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي من ربي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يخاف عذاب ربه ويرجو ثواب ربه فليعمل عملا صالحا موافقا لشرع الله ولا يشرك بعبادة الله أحدا أبدا.

هذه الآية فيها فوائد:

أولاً: (قل إنما أنا بشر) هذه صيغة حصر فالنبي ليس هو إلا بشر ففيها إثبات بشرية النبي صلى الله عليه وسلم.

ثانيا: الآية فيها تقرير توحيد الألوهية ونفي كل عبادة من دون الله ولهذا قال (أنما) وقال (إلهكم) وقال (إله واحد)

ثالثا: الآية فيها حث للإنسان المؤمن على عبادة الرجاء القلبية ولهذا قال (يرجو) وهو فعل مضارع يدل على الاستمرار فلا يزال المؤمن مستمرا على رجاء الله.

رابعا: هذه الآية دليل على أن التوحيد شرط لقبول الأعمال ولهذا رتّب الله العمل الصالح على نفي الشرك فقال (فليعمل عملا صالحا ولا يشرك).

خامسا: هذه الآية فيها فتح لباب الأعمال الصالحة ولهذا قال (عملا) وهي كلمة نكرة تفيد العموم.

تم بحمد الله ،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق