الثلاثاء، 30 أغسطس 2016

تفسير سورة الأعلى/ أ. د عويض العطوي




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد ..
 أيها الأخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هذا اللقاء سيكون في تفسير سورة الأعلى بإذن الله عز وجل .
وكما تعودنا أيها الإخوة الكرام نبدأ بتلاوة الآيات لما لسماع الآيات كما ذكرناه أول مرة، بعد ذلك نتحدث عن السورة من خلال محورين رئيسين المحور الأول : معلومات حول السورة
والمحور الثاني : التحليل الدلالي لهذه السورة العظيمة.
 يقول ربنا سبحانه وتعالى : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى* سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى * وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى * فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى *إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}
هذه السورة أيها الإخوة الكرام عدد آياتها تسع عشرة آية.
 موضوعها الرئيس والتي تدور عليه هذه السورة هو:  تعظيم الله سبحانه وتعالى المُقتضي تنزيهه جل جلاله ، وهذا التعظيم وهذا التنزيه يقتضي أيضاً طاعته سبحانه وتعالى لأنك لا تُنزِّه إلا عظيماً والعظيم يجب أن يُطاع جل جلاله كما سنبينه في مناسبة السؤال . ما مناسبة هذه السورة التي هي الأعلى بالسورة التي سبقتها ؟ وهي سورة الطارق.
 ما آخر كلمات فيها ؟ الوعيد ، ما هي الكلمات التي فيها ؟ { فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا } سبقها حديث عن الكيد من الكفار، والكيد  إذا ذُكر في مقابل كيد آخر فهذا دليل على القوة والقدرة لأنه لا يستطيع أن يُجابه الكيد إلا قادر وهذا دليل من دلائل القوة .
 الأمر الثاني : أنها خُتمت بالتهديد بقوله تعالى : { فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا } وإذا صدر الكلام من قادر على التهديد يكون التهديد مؤثراً وأما إن صدر الكلام المُشعر بالتهديد من غير قادر لم يكن مؤثراً.
 فعلمنا بهذا أن في نهاية السورة ما يدل على قدرة الله سبحانه وتعالى من جهتين: من مجابهة وموازنة الكيد بالكيد ، الناحية الثانية : التهديد الوارد في آخر السورة .
لمن توجه هذا الكيد ؟ للكافرين ، وما هو فعل الكافرين ؟ هم لا يطيعون الله ، لا ينزلون الله منزلته ولا يقدِرون الله قدره، فناسب في بداية السورة التي معنا - وهي بعدها مباشرةً - أن يكون أول لفظ فيها ما يدل على تعظيم الله ضد ما يفعله الكفار وما يدل على طاعة الله ضد ما يفعله الكفار وما يدل على قدرة الله فيما دلت عليه آخر السورة الأخرى فكان أول الكلمات الواردة فيها :
{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } والتسبيح -يا أخواني الكرام- هو تنزيه والتنزيه لا يمكن أن يكون إلا لمعظَّم والمعظَّم لا بد أن يُطاع سبحانه وتعالى، فعلمنا بهذا أن الكفار لم يطيعوا فأول السورة دل على الطاعة ، الكفار لم يُنزهوا ربنا سبحانه ولم يَقدروه قَدره فبدأت السورة بما يدل على تعظيم الله سبحانه وتعالى وإنزاله منزلته وخصوصاً أن الأمر موجّه لأفضل الخلق وأعلاهم قدرا عند الله وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا كان هذا فعله صلى الله عليه وسلم وهذا الأمر مُوجه إليه وهو أعلم الخلق بالله فمن باب أولى الأمة وأهل الإيمان أن يأخذوا بفعله عليه الصلاة والسلام هذا مناسبة السورة للسورة التي قبلها .
ما مناسبة المطلع للمقطع؟ كما قلنا لكم سابقاً المطلع من بداية السورة ، المقطع نهاية السورة.
 السورة بدأت بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } ذكرنا لكم أن التسبيح يقتضي التنزيه، والتنزيه يأتي من كون المُنزّه عظيماً فيه صفات وأسماء دالة على الكمال فبالتالي يتنزه، وهذا التنزيه وهذا التعظيم يقتضي طاعة، وفعلاً نأتي في نهاية السورة فنجد آثار الطاعة بادية في مثل قوله تعالى -مثلاً - { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } وما بعدها من آيات في الغالب تكون دالة عليها أو من مقتضياتها. فالذي يسبح ربه يذكره ويصلي له ويسجد له وتزكو نفسه وتعلو نفسه ولذلك ذكر الله سبحانه وتعالى هذا الأمر في نهاية السورة كدليل على أن من يسبح ربه وينزهه أن هذا من دلائل عمله الصالح المُتمثل إما في ذكر الله أو في التزكية أو في الصلاة أو في غيرها كما سنبينها بالتفصيل إن شاء الله .
 أما التحليل الدِلالي لكلمات السورة : فبدأت بسبح، والتسبيح كما ذكرنا لكم أنه التنزيه وهذه الكلمة التسبيح بكل مشتقاته [تسبيح - يسبح - سبحانه] لا يُطلق إلا على الله سبحانه وتعالى ولا يُذكر إلا مع الله سبحانه وتعالى أو مع أسمائه، هذه كلمة خاصة دالة على تعظيم الله سبحانه وتعالى ، والدليل على ارتباط التسبيح بالله أننا بمجرد ما نسمع بعض دلائل القدرة سواء في الكون أو في السماوات أو في الأرض أو في خلق الإنسان يجد الإنسان المؤمن بدون حتى شعور أنه يقول سبحان الله، إذا رأى شيئاً عظيما ًمن خلق الله تجده مباشرة يقول سبحان الله .. هذا خلق الله، لماذا ؟ لأنه مرتبط التنزيه بتعظيم الله سبحانه وتعالى .
{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } لماذا جاءت { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } بينما جاءت في مواطن أخرى { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ }؟
 أحياناً تدخل الباء على كلمة اسم وأحيان لا تدخل ، فيه فرق بين (سبح اسم) و (سبح باسم) ، وإن كان هذا الأمر أشكل على العديد من أهل العلم وما الفرق بين أن يقال (سبح اسم ربك) و (سبح بإسم ربك) .
 طبعاً عندنا في اللغة أن الباء تدل على المُلاصقة والمُصاحبة والقُرب، وكأنه قيل (سبح باسم) يعني اجعل اسم ربك هو أداة التسبيح فتقول العظيم .. الكريم .. لا إله إلا الله ، اجعل أداة التسبيح هي أسماء الله سبحانه وتعالى.
 أما (سبح اسم ربك) فتجعل الإسم -إسم الله عز وجل- هو مُنزّه ، بمعنى أنك تصِف هذا الاسم بصفات الكمال هذا رأي.
 والرأي الثاني: يرى أن الكلمة المقرونة بالباء (سبح باسم ربك) هذا خاص بتسبيح معين هو التسبيح الفعلي والمقصود بالتسبيح الفعلي الصلاة وهذا رأي ابن القيم -رحمه الله- يرى أن (سبح باسم ربك) معناه صلِّ لله سبحانه وتعالى فالتسبيح قد يكون قولي وقد يكون فعلي فالصلاة تسبيح صورة من التسبيح لله سبحانه وتعالى فإذا كان فعلياً مثل الصلاة فيكون (سبح باسم) وإذا كان قولياً فيكون (سبح اسم) . المقصود معنا هنا { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } المقصود به أن يكون قولياً ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم طبّق هذا في الصلاة وقال في السجود : "سبحان ربي الأعلى" ، هذا على قول. وإن كان أيضا هناك بعض الآيات قد تُشكل في هذا الرأي هذا رأي لابن القيم رحمه الله .
 ذكر ابن القيم أيضاً رأي لشيخه - شيخ الإسلام ابن تيمية - وهو أنه عندما يأتي قوله تعالى : { سَبِّح باسْمَ } فيكون المعنى: سبح ناطقاً باسم ربك ابن القيم له قول سبح مُفتتحاً باسم ربك، وأما (سبح اسم ربك) فالمقصود سبح ذاكراً ربك .
يقول ابن القيم : وقد سألت شيخي شيخ الإسلام عن هذا فاجابني بهذا - طبعاً إجابة مختصرة في سطرين كما ذكرته لكم الآن - يقول : "وهذا الجواب يحتاج له رحلة لمن عرف فضل الله" يعني لو كان هذا كان الجواب بعيد كان يحتاج له واحد يسافر له سفر حتى يسمع من مثل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ولا عجب بأنهم كانوا يسافرون أحياناً ليسمعوا رداً أو يسمعوا حديثاً أو يسمعوا قائلاً، ولما نقول لك سفر ليس طائرة ولا سيارة بمعنى إما على الأقدام أو على قافلة بمعنى أنه يسافر أيام أو أسابيع وأحياناً شهور حتى يسمع حديثا واحد أو فائدة واحدة أو جواب واحد .
{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } إضافة اسم إلى (رب) لأن المراد هنا التذكير بخصائص الربوبية خصوصاً ، تعرفون خصائص الربوبية هي الخلق .. التدبير .. الإحياء .. الإماتة ، وهذه هي مظاهر القدرة ، ومظاهر القدرة تقتضي توحيد الألوهية لأن القادر هو الذي يُعبد سبحانه وتعالى ولا يصلح عقلاً أن يعبد الإنسان غير قادر فمثلاً إنسان يعبد مثلاً صنم أو يعبد شجراً أو يتقرب لوثن أو يتقرب لقبر هل القبر أو صاحب القبر أو الإنسان نفسه قادر إذا قورن بقدرة الله ؟ لا .. هو ضعيف وبالتالي لا تُصرَف العبادة إلا لقادر.
 { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } فالمقصود بذكر كلمة "رب" استحضار صفات الربوبية لأنها هي التي تدل على التنزيه والتسبيح .
/ صفة "الأعلى" دون "العلي": (العلي) جاءت في مواضع أخرى لكن هنا (الأعلى) لمناسبتها لموضوع السورة وهو التنزيه، فإن الأعلى صيغة تفضيل وصيغة التفضيل إذا ذُكرت دون المُفضل عليه فتدل على بلوغ هذا الموصوف أعلى درجات هذه الصفة فمثلاً أقول لك : محمد -شخص من الناس اسمه محمد- أقول محمد الأفضل غير لما أقول محمد أفضل من فلان، لما أقول محمد أفضل من فلان فمعناه أن تفضيلي فقط منحصر في هذا الشخص الآخر فقط لكن ليس شرطاً أن يكون أفضل من الآخرين صح وإلا لا ؟ يمكن يكون غيره أفضل منه، لما أقول في عبارة أخرى محمد هو الأفضل ما معناه ؟ معناه ما في أحد أفضل منه ، فإذا لم يُذكر المُفضل عليه يدل هذا على بلوغ الموصوف أعلى الدرجات الصفة، ما الصفة المذكورة هنا ؟ (العلو).
 وهي من أعظم الصفات وهي تدل على القدرة وهي تتناسب كثيراً مع قضية التسبيح ، لاحظوا معنا نحن البشر عندما ننزل ونضع أنوفنا على الأرض نسبح الله، نسبحه بأي صفة ؟ صفة العِظَم أو صفة العُلو؟ صفة العُلو لأننا نحن دنونا وهو سبحانه وتعالى في العُلو فناسب هذا .
ذكر الله سبحانه وتعالى لنا في هذه السورة بعض مظاهر الربوبية المُتمثلة في هذه الأوصاف { الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} وجاء هذا التعريف بالاسم الموصول "الذي" - أكثر من مرة ذكرناه لكم - للتدليل على أن الصفات المذكورة بعد الاسم الموصول تصلح أن تكون وصفاً مُميزاً للموصوف ويمكن أن يُعرَف بها ، إذا قيل { وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } ، { الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى } هل يمكن أن يكون هناك موصوف إلا الله سبحانه وتعالى بهذا الوصف؟ ولذلك يصلح أن يُعرّف به، هو الذي يخلق ويسوي سبحانه ، هو الذي يُقدِر، هو الذي يهدي، ولا يمكن لأحد أن يفعل ذلك إلا الله سبحانه وتعالى، فذكر الله عز وجل مجموعة من الصفات الدالة على الربوبية من ضِمنها [الخلق .. التسوية .. التقدير .. الهداية .. إخراج النبات] هل فيه بشر يستطيع هذه الأمور ؟ لا ، لله سبحانه وتعالى. طبعاً هذا لتربية موضوع التنزيه ، التعظيم لله سبحانه وتعالى بل هي كما يقال - يعني في هذه السورة - هي لتعليلات الأمر بتسبيح الله سبحانه وتعالى كأنه قيل لأنه لماذا يُؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسبيح ربه؟ لأنه الذي خلق وسوى والذي قدر فهدى هذه المظاهر يجب أن لا نفصلها عن نهاية السورة الأخرى فإذا كان سبحانه هو القادر على مثل هذا فهو القادر على تعذيبهم، هو القادر على إهلاكهم، هو القادر على الكيد لهم كما سمعنا في السورة الماضية .
 لاحظوا معي أن التعريف جاء بثلاث موصولات لكن كلها بلفظ واحد وهو "الذي" "الذي" ، الموصول الأول ذُكِر معه أمران وهو الخلق والتسبيح ، والموصول الثاني ذُكِر معه أمران وهو التقدير والهداية ، الموصول الثالث ذُكر معه الإخراج وتغيير هذا المرعى إلى غثاء أحوى، ربط الخلق بالتسوية في غاية المناسبة لأن خلق الإنسان لاشك أنه أمر عظيم ولكن النِّعمة بالتسوية لا تقل عن النعمة بخلق الإنسان أصلاً، الإنسان خُلِق هذه نعمة لاشك بها لكن تسويته على أن يكون خلقاً حسناً لا تقل أهمية ولا فضلاً على هذا الإنسان من الخلق ذاته ، لكن لما كانت التسوية لا تكون إلا بعد الخلق تقدم الخلق أولاً ثم بعد ذلك قال التسوية لأن التسوية هي تحسين خلق الإنسان فيكون في أحسن صورة وأجمل صورة ، العين في مكانها ، والرجل في مكانها ، والأنف في مكانه ، هذا الاعضاء الخارجية والداخلية وغير ذلك لو أختلّ هذا النظام لكان الإنسان في أبشع صورة لكن الله سواه ، إذاً الله عز وجل خلق فسوى.
 وليس هذا فقط -يا أخواني الكرام- في الإنسان، حتى الحيوان، الله خلقه بتسوية مُناسبة له ولخلقِه ، والإنسان له كذلك والنبات له كذلك { الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى } فعلمنا لماذا رُتبت التسوية على الخلق بـ "الفاء"، ولاحظ التسوية هذه تتم في لحظات الخلق يعني في أطوار الخلق نفسها فيخرج الإنسان من بطن أمه خلقه سوي وليس بعد ذلك يسوى خلقه لا، في فترات الخلق ولذلك جاءت "الفاء" للتدليل على سرعة التعقيب .
/ثم يقول : {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } قد يطرأ سؤال: لماذا ما جاءت هذه الصفات الخمسة الدالة على قدرة الله بموصول واحد؟ بمعنى أن يقال الذي خلق فسوى وقدر فهدى وأخرج المرعى ؟ لماذا الذي .. الذي .. الذي ؟
 تكرار الاسم الموصول يدل على أن كل صفة مذكور معها الموصول هي صالحة لوحدها بدون الأخرى للدلالة على قدرة الله ، والصفة الثانية -أيضاً- صالحة للتدليل على قدرة الله لوحدها، والصفة الثالثة -أيضاً- صالحة للتدليل على قدرة الله فكيف إذا اجتمعت الثلاث هذه بهذه الأوصاف التي سمعتموها.
 قد يقول قائل طيب لماذا ما فصلت الخلق عن التسوية ؟ الذي خلق الذي سوى.
 علمنا أن العلاقة وثيقة بين الخلق والتسوية الخلق التسوية مع الخلق ومترتب هذا على هذا، وكذلك التقدير والهداية ولو دخل الاسم الموصول (الذي قدر.. الذي هدى) لربما ما شعرنا بأن هناك علاقة بين الهداية والتقدير.
 التقدير -يا أخواني الكرام- الله سبحانه وتعالى جعل لنا في هذا الكون إما في أنفسنا من أخلاقنا وسلوكياتنا وطباعنا قدّر الله لنا شيء محدد، وقدر لنا في الكون تعامل معين، لو كان هذا التقدير بدون أن يهدينا الله كيف نستفيد من هذا التقدير كان ما اهتدينا إلى ذلك ولا ما استفاد البشر ولا ما نعِمنا بهذا التقدير الذي قدره الله سبحانه وتعالى، قدّر لنا هذا الماء يجري ، قدّر لنا هذا الماء يخرج من الأرض ، قدّر لنا هذا الثمر ينمو ، لكن هل هدانا لأن ننتفع به ؟ هدانا ، لو ما هدانا الله سبحانه وتعالى !! يكفي أن ينظر الإنسان إلى المجنون كيف يتصرف وكيف أن الأمر أمامه ومع ذلك ما يستفيد منه لأن قضية الهداية والعقل هنا ليست عنده إلا أنه يبقى عند حتى المجنون جزء خاص يمكن يتعلق أحياناً بأكله وشربه وقضاء بعض الأمور -وهو مجنون- يبقى له جزء.
 نأخذ الحيوان قد تكون الهداية في الحيوان أظهر من هذا لأن الإنسان عنده عقل، الله عز وجل أعطاه إياه ليهديه لمثل هذا الأمر ، الحيوان ما عنده عقل يكفيه لأن يكون مكلفاً لكن أليس الحيوان يتناكح ويتناسل وهذا ليس نظام وهداية وأمر عجيب؟ أليس يأكل ويشرب؟ أليس ينام ؟ أليس يرى الخطر أمامه فيهرب منه؟ لو أتينا بأي حيوان الآن وأمامه حفرة كبيرة ودفعناه إليها هل سيسقط فيها ؟ أبداً سيقاوم وربما يضر هذا الإنسان أو يقفز من فوقها هذه هداية ، فكل هذا الأمر هذا تقدير الله سبحانه وتعالى، ثم هدى هذا المخلوق - أياً كان هذا المخلوق - هذا رأي شيخ الإسلام ابن تيمية أن الآية شاملة للإنسان وللحيوان وإن كان بعضهم قال : الهداية خاصة بمن تنفع معه الهداية وهو الإنسان المُكلف والصحيح هذا القول. ولذلك ابن القيم له كتاب جميل جداً في بيان هداية الله للحيوان اسمه [شفاء العليل] يعني في هذا الكتاب كلام مطول عن هداية الله لهذا الحيوان، كيف الله هدى هذا الحيوان وذاك الحيوان شيء جميل جداً لو قرأه الإنسان حتى يستفيد في إيمانه ويعلو به فيعرف قدرة الله سبحانه وتعالى في هذه الكون .
{ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى } الذي يدل على أن المُخاطب في هذه الآيات أو المقصود بالهداية والتقدير والخلق في هذه الآيات هو الإنسان والحيوان، دليل هذا ذكر قضية المرعى وما حوله لأن هذا خاص بالحيوان فذكر الله سبحانه وتعالى { وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى } كنوع من أنواع القدرة الدالة على قدرة الله سبحانه وتعالى.
 لماذا ذُكر إخراج المرعى وجعله غثاء أحوى ؟
لأن قضية الخلق كلها وإن كانت تدل على التعظيم في أصلها أو التعظيم لله سبحانه وتعالى في أصلها إلا أن فيها ملمحاً آخر مهم وهو: أن القادر على خلق الإنسان قادر على إعادته ، ودائماً في السور المكية -خصوصاً- نجد إهتماماً بقضية البعث وذكر دلائلها سواء بالصوة المباشرة أو غير المباشرة فالذي خلق الإنسان وسواه وعدله وهداه قادر سبحانه وتعالى أن يُميته وأن يعيده، وأن الخلق أعظم من الإعادة هذا في صورة الخلق.
 الدليل الثاني : قضية النبات فمن الذي يخرج المرعى ؟ إخراج المرعى يدل على أنه أنزل مطراً من السماء فنبت العشب فخرج المرعى لذلك الله ما ذكر لنا النبات قال : { أَخْرَجَ الْمَرْعَى } والمرعى ماهو ؟ هو ما ترعاه البهائم والبهائم لا ترعى إلا ما خرج من الأرض طرياً جديداً هذا يسمى مرعى فخرج فدليل على أن الله أخرجها وأنتبتها، إخراج الله للأرض وإنباتها بعد أن كانت ميتة صورة من صور دلائل القدرة على البعث ، زد على هذا أنه جاء بعد ذلك قال : { فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى } ثم يعيده سبحانه وتعالى في صورة متكرره يراها الناس مرة أخرى فيكون مصفر ثم بعد ذلك يحترق فيكون أصفر ثم بعد ذلك يموت ليعود مرة ثانية يُحييه الله عز وجل مرة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة مما يراه الناس والبشر في كل يوم وفي كل أسبوع وفي كل شهر على اختلاف هذه الأرض فهذا الدليل يتواجد باستمرار يوجد باستمرار دليل على قدرة الله سبحانه وتعالى على الإحياء والإماتة إضافة على دليل القدرة الذي ذكرناه أكثر من مرة .
{ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى } هذا الأمر ليس له علاقة بقضية النبات والخلق، له علاقة بالقرآن فالحديث عن القرآن يعني سنقرؤك يا محمد هذا القرآن فلا تنسى ، ما علاقة ذلك بموضوع السورة في التنزيه والخلق والتدبير وما إلى ذلك ؟ 
إذا كان هذا التكفل من الله سبحانه وتعالى بإقراء النبي صلى الله عليه وسلم القرآن وبحفظه في صدره صادر من قادر هذه صفاته -الصفات السابقة- خلق فسوى وقدر فهدى ، على ماذا تدل هذه الصفات -يا أخواني الكرام- خلق فسوى وقدر فهدى، وعلى ماذا تدل الصفة الأولى (الأعلى) أيضاً ؟ كل هذه إشارات إلى أن هذا القرآن:
 أولاً : صادر من العُلو ومكان إنزاله العلو وهو كلام العلي سبحانه وتعالى هذه واحدة .
 أما الثانية : أن قضية الخلق والتسوية وقضية التقدير والهداية من الدلائل الدالة على الدقة واللطف والحفظ ، كيف الحفظ ؟
 المخلوق هذا لما خلقه الله في بطن أمه هل كان ضعيفاً أو قوياً ؟ هل كان يملك أن يُسوي خلقه وأن بجعل نفسه على أحسن صورة أم لا يستطيع ؟ لا يستطيع ، من الذي حفظه في بطن أمه ؟ من الذي سواه بعد ذلك في أحسن صورة ؟ من الذي حفظ له هذه الصورة حتى خرج فيها من بطن أمه ؟ وبعدما خرج من بطن أمه من الذي قدّر له هذا التقدير وهداه لهذه الهداية وحفظ له عقله وتدبيره وفكره حتى اهتدى لذلك ؟ هو الله فهي صورة من صور الحفظ الكثيرة وفيها دليل من دلائل القدرة الكثيرة فناسب بعد ذلك أن يُطمئن الله عزوجل نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه رغم كيد الكائدين ضد هذا القرآن العظيم واستهزائهم أحياناً منه إلا أن الله هو الذي سيتولى إقراءك يا محمد لذلك لاحظ هذا نسميه الالتفات في اللغة يقول : (سنقرؤك) كان الحديث عن الله بصفة الغائب { الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى } يعني هو سبحانه وتعالى ومقتضى السياق أن يُقال : { سَيُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى } لأن الحديث { وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى } مقتضى الحديث أن يُقال : (سيُقرئك) يعني الذي أخرج المرعى لكن الله سبحانه وتعالى قال { سَنُقْرِئُكَ } وهذا نسميه التفات من ضمير الغيبة إلى ضمير التكلم ، والضمانات دائما أحسن فيها أن تكون لضمير التكلم ، الواحد لما يضمن شيء أو يريد أن يتكفل لك بشيء الأحسن أن يقول عن نفسه يقول "أنا" صح وإلا لا؟ (وأنا به زعيم) أنا أضمن لك ذلك، أنا أفعل ذلك ، فناسب لأن هذا الأمر ضمان للنبي صلى الله عليه وسلم بالإقراء -إقراء القرآن- له فقال الله سبحانه وتعالى : { سَنُقْرِئُكَ } أي يا محمد { فَلَا تَنْسَى } .
ماذا تفهمون -يا إخواني الكرام- من كلمة { فَلَا تَنْسَى } هل هو نهي للنبي صلى الله عليه وسلم أن لا ينسى ؟ أم هو نفي للنسيان ؟
 فرق طبعاً بين المعنيين { سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى } إذا كانت على النهي معناه ينهى الله عز وجل نبيه أن لا ينسى ، وإذا كانت على النفي فتكون من باب آخر، وهو النفي ويوجد دليل أصلاً موجود في السورة نفسها أنه نفي دليل لغوي يسموه دليل نحوي وجود الألف لأنه لو كان نهيا (تنسَ) فعل معتل الآخر بالألف، القاعدة النحوية تقول : إذا دخل حرف النهي -لأنه جازم ، حرف الجزم- ومن حروف الجزم [النهي .. لا الناهية ] فهنا يُحذف حرف العلة فيُصبح (فلا تنسَ) هذه دائماً تجدونها من بعض الإخوان عندما يريد أن يكتب تذكير للمصلين يقول له لا تنسى قراءة آية الكرسي بعد الصلاة صاحبنا ينسى الألف وهو المفترض أن يكتبها لا تنسَ بسين عليها فتحة بس لا يكتب لا تنسى .
 دعونا ننظر ما المعنى على { فَلَا تَنْسَى } بالنهي معناه أن الله عز وجل ينهى نبيه أن لا ينسَ يقول بعض أهل العلم والنسيان أمر لا دخل للإنسان فيه، يعني هل أنت بيدك أنك تنسى أو لا تنسى؟ ليس بيدك، الأمر خارج عن إرادتك لأن قضية النسيان أمر خارج عنك، نعم قد تملك أنت أسباب لتتذكر أو ما تتذكر لكن هذا أمر خارج عن الإرادة ، الإنسان ينسى أحياناً (**) لكنه أحياناً يريد أن يتذكر ويعمل كل الاحتياطات مع هذا ينسى، مواعديكم الآن يكتبها في الورقة ويضعها في الجوال ويضعها على باب السيارة ومع هذا ينسى فإذاً قضية النسيان أمر خارج عن قدرة الإنسان وإرادته فلا يُنهى عنه.
 أما على -نحن نتكلم فقط في سياق هذه الآية- أما على النفي فيكون المعنى مناسب لضمان حفظ القرآن في صدر النبي صلى الله عليه وسلم فكأن الله عز وجل قال له (سنقرئك) سنتولى إقراءك القرآن يا محمد فلن تنساه بعد ذلك فـ "لا" تصير بمعنى "لن" طبعاً تتضح لكم إذا غيرت "لا" ووضعت "لن" لأن "لا" تحتمل كذا وكذا لكن لما نجعلها في "لن" فقط ، نفي فقط فيكون المعنى سنقرؤك فلن تنسى، اتضح الأمر الآن ؟ يعني ضمان من الله للنبي صلى الله عليه وسلم بعدم النسيان إذاً هذه أيضاً محطة وصورة من صور حفظ الله للقرآن. وأنا دائماً أركز على النقطة هذه، الحقيقة أتمنى أن نجمع كل صُور حفظ الله عز وجل للقرآن لأن بعضنا ما يعرف إلا نوع واحد من انواع الحفظ أو اثنين أو ثلاثة لكن هذه الآية الآن معنا صورة من صور حفظ الله للقرآن أين ؟ في صدر النبي صلى الله عليه وسلم ، الله تولى إقراءه وهذا فيه حفظ له حتى لا يكون هناك مدخل لحصول الخلل في قضية إقراء القرآن .
 الأمر الثاني : أنه قد يصل الخلل بسبب النسيان والنبي صلى الله عليه وسلم ينسى فقال الله سبحانه وتعالى : { فَلَا تَنْسَى } أي فلن تنسى.
 لكن قد يقول قائل: طيب في آيات نسيها النبي صلى الله عليه وسلم وقد وردت في الصحيح يعني نسي شيئاً فذكّره أحد وأيضاً فيه آيات كانت تُتلى وبعد ذلك نُسخت لأجل هذا قال الله سبحانه وتعالى بعد ذلك إستثناء :{ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } يعني إذا أراد الله أن يُنسيك شيئاً يا محمد فله سبحانه وتعالى ، وهذا الإنساء على قسمين : 
- أن ينسى النبي صلى الله عليه وسلم نسياناً مؤقتاً يجعل الله له من الأسباب ما يذكِّر به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في لحظة من اللحظات بحيث لا يتخلف بسبب ذلك تشريع وهذا حصل وإن كان قليل جداً ونادر.
- والصورة الثانية وهي -الأكثر- : وهو أن هناك آيات نُسخت ونسيت بعد ذلك ما عادت تتلى ولا تُقرأ فإذا أراد الله سبحانه وتعالى أن ينسى النبي صلى الله عليه وسلم فله سبحانه وتعالى ذلك ، لكن دلّ هذا على أن أي نسيان للنبي صلى الله عليه وسلم لشيء من القرآن سواء بسبب النسخ أو لشيء مؤقت هو من تقدير الله سبحانه وتعالى لا من تفريطه عليه الصلاة والسلام .
{ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى } أي لأنه يعلم الجهر وما يخفى، يقولون الجهر وما يخفى هنا المقصود بها :
- أي ما نسيته يا محمد أو ما أخفيته في صدرك فلم تقرأه جهراً فما قرأته جهراً يعلمه الله سبحانه وتعالى من القرآن وما أخفيته في صدرك يعلمه الله سبحانه وتعالى.
- أو يكون (وما يخفى) ما نسيه صلى الله عليه وسلم فقد يكون خفي حتى عليه عليه الصلاة والسلام بعدم النسيان سواء كان قلنا بالنسخ أو بغير ذلك { إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى }.
 الحقيقة في شيء يلفت النظر إن الله سبحانه وتعالى قال : { إِنَّهُ يَعْلَم } أي الله سبحانه وتعالى يعلم الجهر ما قال يعلم ما يجهر، بينما مع الخفاء ذكر الفعل فما قال سبحانه وتعالى يعلم الجهر والخفاء قال : { وَمَا يَخْفَى } وسر ذلك -والله أعلم- أن الجهر ظاهر، الجهر أصلاً لا يُسمى جهراً إلا إذا كان ظاهراً فناسب معه أن يُذكر المصدر الصريح، والصراحة دائماً من لفظها تدل على الوضوح هذا يسمى مصدر صريح (الجهر) بينما (ما يخفى) هذا نسميه مصدر مؤول بمعنى أنه لا يدل على المصدرية مباشرة فيه خفاء قليلاً إلا أن يصل إلى المصدر الصريح، المصدر الصريح هو الخفاء كلمة الخفاء، هناك إضافة إلا أن المصدر الثاني { وَمَا يَخْفَى } فيه كلمة "ما" وكلمة "ما" فيها عمومية وشمول كبير، وهذه العمومية والخبر تدل على صعوبة إدراك معناه إلا من الله سبحانه وتعالى.
 يعني خذوا -مثلاً- معي { فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } ماذا تتصور من كلمة { مَا } ماذا تتصور ؟
تعطي شيء هائل { مَا غَشِيَهُمْ } ما حُدد لنا ماهو الشيء الذي غشيهم لكننا نشعر بأنه شيء عظيم .. عظيم .. عظيم للغاية كل هذا دلالة ماذا ؟ أنه تدل على الشيوعية والانتشار والعموميات. وأيضاً كلمة (يخفى) فعل وقد يكون الإنسان يُظهر أحياناً ويُخفي أحياناً الأمر هو واضح من سماع أو رؤية أو غير ذلك لكن الخفاء قد يُدركه الإنسان مرة بملامح الوجه أو بالاستطلاع أو بالنظر والاستنتاج لكنه إذا كان يخفى مرة ويخفى مرة ويخفى مرة فما هي دلالة الفعل؟ فعل يدل على تجدد الحدث فيمكن للإنسان أن يعرف مرة ولكنه لا يعرف مرة ثانية لكن الله سبحانه وتعالى يعلم حتى لو تكرر هذا الخفاء مرة بعد مرة بعد مرة بعد مرة لأنه سبحانه وتعالى { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } .
{ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى } تيسير النبي صلى الله عليه وسلم لليسرى سواء كان للجنة أو كل ماهو ميسر -وهذا الذي ينبغي حمل الآية عليه الآن- كل ما هو ميسر الله عز وجل ضمِن له صلى الله عليه وسلم أنه يُيسر لليسرى.
 صار هناك اختلاف في هذا المعنى هل المقصود أن الله يُيسر النبي للشيء المُيسر أو أن الله عز وجل ييسر الشيء المُيسر للنبي صلى الله عليه وسلم؟
 طبعاً هذا ضد بعض وإن كان كلها صحيحة كلها خير وعلى هذا قول العرب :
(عرضت الناقة على الحوض) ، والأصل أن الحوض يُعرض على الناقة لتشرب أو لتأكل لكن هم كانوا يقولون : عرضت الناقة على الحوض ، عكس الأمر وهذه يسموها القلب في اللغة. أضرب لكم مثال يمكن أوضح { وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ } أليس المعنى وقد بلغتُ الكِبر هذا المعنى، لكن الذي جاء في الآية { وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَر } وكأن الكبر هو الذي يسعى عليه وبلغه، بينما المعروف أن الإنسان عندما يُعبر عن نفسه أنه وصل يقول : (بلغت الكِبر) وكأنك أنت الذي تمضي تمشي تمشي .. تمشي .. تمشي وصلت إلى الكِبر ، لكن الله عزوجل يقول : { وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَر } طبعا هذا فيه لطائف جميلة يسموها القلب في الكلمات.
 على كل حال الذي معنا هنا وسنتحدث فيه { وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى } دلالة الآية أن الله عز وجل يسّر النبي صلى الله عليه وسلم لليُسرى وهذا أعظم الفضل، فيكون كل ما يصدر عنه صلى الله عليه وسلم من رأي أو من مشورة أو من نظر أو إختيار كله ميسر -وهذا صحيح- النبي صلى الله عليه وسلم ما خُيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، والذي يتأمل حاله صلى الله عليه وسلم يعلم كيف قول النبي صلى الله عليه وسلم لا في كلامه ولا في فعله ولا في تصرفاته ولا في رأيه ولا في اختياره صلى الله عليه وسلم ، ولذلك يجب علينا أن نسأل الله أن ييسرنا لليسرى لأنك أحياناً تختار رأي فيه عنت وفيه مضرة وفيه مشقة فإذا سألت الله أن يُيسرك لليسرى جعلك الله لهذه اليسرى .
{ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى } الآن مطلوب من النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقوم بالتذكير.
 لماذا جاء هذا بعد كل هذه الأمور السابقة ؟ 
لما ذكر الله سبحانه وتعالى تعظيمه جل جلاله وأنه المستحق للتنزيه وبعد ذلك - وهو الأمر المهم في قضية التذكير - أن الله سبحانه وتعالى ضمِن لمحمد صلى الله عليه وسلم أداة من أهم أدوات التذكير ألا وهي حفظ الله للقرآن الذي هو الهداية العظيمة والشيء العظيم ثم بعد ذلك قال { فَذَكِّرْ } وهذا - يا أخواني الكرام - أتصور فيه درس وتوجيه للموجِّهين والمربين وغير ذلك ولمن بيدهم الأمر والتوجيه بأنه إذا أراد أن يوجه شخص قد يكون فيه مشقة وقد يكون فيه تعب أن أول الأمر يهيئ بالأدوات اللازمة. لماذا ؟
 لأن هذا يعطيه ثقة بنفسه وبما معه بأن يقوم بهذا الأمر فالله ضمن له القرآن وضمن له بأن ييسره بالطريقة الصحيحة، أنا أتصور بأن أي داعية أو أي إنسان يضمن الله له هذه الأمور، تخيل هذا الأمر أنه ضُمن لك أن الأداة المؤثرة معك وهي القرآن.
 والأمر الثاني : أن الله ضمِن لك التيسير في اختيار الأصلح من هذه الأداة وهي الهداية أو الرأي أو غير ذلك هل ستذهب وتنفذ هذه الدعوة بوثوق أو بنوع من الخوف ؟ لاشك - أتصور - أن الإنسان سيكون واثق لأن هذه الأمور معه ولذلك الله سبحانه وتعالى ذكر فقال : { فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى } يعني بعد هذا ذكّر، استمر، معك اليسرى، معك الهداية، معك الطريق استمر يا محمد .
{ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى } { إِنْ } حرف شرط يدل على عدم تحقق المشروط أو الشك فيه أو عدم اليقين الموجود فيه فدل هذا على أن ليس كل المذكَّرين تنفعهم الذكرى، فالذكرى تنفع أُناس ولا تنفع أُناس. لذلك بعض المفسرين - أظنه- ابن السعدي -رحمه الله- قال :
"{ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى } وإن لم تنفع الذكرى فلا تذكر" إذا في بعض المواقف أحياناً قد يكون التذكير فيها مضيعة لوقت الإنسان أو صرف للجهد في غير مكانه، فيذكِّر الإنسان مرة ومرتين وثلاث وأربع بما أنه يرى مجال للتذكير لكن إن كان إما أن أُذكِّر هؤلاء أو أُذكِّر هؤلاء -يعني ما في إلا وقت محدد- فهنا تُذكِّر من تنفعه الذكرى، أما إذا كان مافيه يعني صنف آخر أو جهة أخرى فاستمر في تذكير هؤلاء حتى لولم تظهر عليهم تلك العلامات الكبيرة لأنك أنت المُنتفع بهذا التذكير، أما إذا كان الجُهد إما أن يُصرف إلى هؤلاء أو إلى هؤلاء ففي هذه الحالة يُصرَف لمن تنفعه الذكرى. ولعل من دلائل ذلك أن الله عز وجل عاتب نبيه صلى الله عليه وسلم لأنه صرف بعض الجهد للكفار وترك بعض الضعفاء في قوله تعالى : { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ } صهيب وبلال وبعض المسلمين، فإذاً هؤلاء الناس المُقبلين على الخير الطالبين للذِكرى يجب أن أعطيهم الاهتمام الأكبر وإن بقي شيء للآخرين فيمكن إعطاؤه له . 
/ { سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى } ذكر الله سبحانه وتعالى من الذي ينتفع وهو من يخشى والخشية هي: الخوف عن عِلم.
 وهذا يدل أن العلم حتى عند غير المسلمين قد يكون سبباً في هدايتهم،  دائماً الجاهل الذي ما عنده عِلم ولا معرفة ولا تفكّر يكون من أصعب الناس في الهداية لكن الإنسان الذي دخل (** ) هؤلاء الناس الذين يكتشفون في عِلم الأجِنة وفي الطب وفي الفَلك تراهم من أقرب الناس لو دُعوا، من أقرب الناس لأنهم عرفوا أنه فيه قدرة وفيه قادر لخلق هذا الكون فيمكن أن يتعِظوا، ولذلك ناسب أنه تُذكر الخشية مع من يتذكر .
/ { وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى } هذا وصف لمن يترك ولا تنفعه الذكرى وصفه الله سبحانه تعالى بأنه الأشقى.
 والتجنب -يا أخواني الكرام- تفعيل أو صيغة تفعُّل دليل على أنه يقصد أن يترك التذكير يقصد أن يبتعد عن التذكير وهذا - للأسف - يوجد بعض الناس الآن ينزعج من التذكير، يعني يسمع التذكير ينزعج، منه يحاول أن يُسكِته بأي طريقة، يحاول أن يبتعد عنه بأي طريقة وهذا دليل على أن التذكير - خصوصاً بالقرآن - مؤثر للغاية ولذلك هو المسكين لا يستطيع أن يصبر إذ لو كانت المسألة منطقية اصبر واسمع هل هو حق أو باطل، هل هو صحيح أو لا، لكنه لا يتحمل أن يسمع هداية القرآن، لا يتحمل أن يسمع صوت الحق، ولذلك هو ينزعج من هذا ، هناك بعض الناس تنزعج من الأذان، فيه ناس تنزعج من التذكير -أنا يمكن ذكرت لكم مرة- البعض ما يريد أن تُوضع لوحة <إلى المقبرة> في الطريق الذي يمشي فيه لأنها تُذكِّره ، موت وقبر وأين سيعيش، هذا كله مرض في قلب هذا الإنسان وإلا بالعكس أنا قد أكون ظالم وقد أكون مسرف على نفسي لما أرى هذه اللوحة أكون عادلاً أعود إلى نفسي، بل هذا من المنهج الذي أُمرنا به ( أكثِروا من ذِكر هادم اللذات ) . 
{ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى * فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى } وصف الله سبحانه وتعالى حالة هذا الأشقى
/ { الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَىٰ } طبعاً هذا الوصف للتبشيع أو للتشنيع لحالته من أجل التنفير منها فإذا كان هذا الأشقى الذي يتجنب الذِكرى سيكون هذا مآله أنا أتصور إذا كان في مؤمن يفهم هذه الآيات، إذا كان عرف أن هذا الأشقى الذي يتجنب الذكرى وصل إلى هذه المرحلة أنه يصلى النار الكبرى، لاحظ وصفها بالكبرى لتهويل أمرها وأنه في هذه الحالة يجب أن يعود ويتعِظ لأنه إذا كان هذا حال الإنسان المُتجنب للذكرى - عياذاً بالله - فينبغي أن يكون الإنسان على غير هذه الصفات . 
/ { ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى } لا يعني هذا هناك حالة بين هذا وهذا وإنما المقصود لا يموت فيرتاح ولا هو يحيى حياة بدون عذاب، فهو يتمنى الموت لكنه لم يمت ولذلك جاءت كلمة (وَلَا يَحْيَى) من قبيل الاحتراس، كيف الاحتراس ؟ لو قال الله سبحانه وتعالى : { ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا } فقط لربما فُهم من ذلك أنه يتعذب بس هذا العذاب ليس من القوة ولا من العِظَم ولا من الهَول بحيث أنه يموت صاحبه، طيب إذا كان عذاب الدنيا اليسير هذا يموت منه الإنسان إذا كان حرق وإلا قتل وإلا غيره يموت الإنسان، ففُهِم من هذا أنه إذا كان ما يموت في الآخرة أن العذاب الذي عذبناه يسير أم غير يسير ؟ يسير ، فحتى لا يُفهم أنه يسير بما أنه لا يموت قال الله سبحانه وتعالى :{ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى } يعني ولا يحيى حياة بدون عذاب فهو يتمنى الموت لكنه لا يموت، وهو أيضاً لا يحيى حياة بدون عذاب، عياذا بالله. 
/ { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } لاحظوا معي ذُكِر في أول السورة أو في أثناء السورة أن الله سبحانه وتعالى ذكر { وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى * فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى } فذكر لنا الذي ينتفع وهو من يخشى والذي لا ينتفع وهو الأشقى، لكن الله سبحانه وتعالى قدَّم في هذه السورة ما يخُصّ الأشقى أولاً وهو { الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} ثم بعد ذلك جاء { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } لماذا ؟ لأن سياق السورة هو للتدليل على عظمة الله سبحانه ولإخافة هؤلاء الكفار الذين لا يقيمون لهذا القرآن وزناً . 
{ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } دخول { قَدْ } على { أَفْلَحَ } تدل على تأكيد الفلاح، ومجيء الفعل ماضي يدل أيضاً على وقوع الفلاح وتعمقه فيهم لماذا الفلاح ؟ لأنه يتناسب جداً، الفلاح هو الفوز بل هو أفضل، الفوز من كل وجه يسمى الفلاح { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } .
الحديث كان { سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى } ما قال قد أفلح من خشِي ربه ، ولا قال قد أفلح من سَبّح ، ولا قال قد أفلح من ذَكر ربه قال : 
{ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } دليل على أن التزكية أو التزكي هي أحد ثمرات القرآن أو التسبيح أو ما ذُكر سابقاً ، فالذي يقرأ القرآن تحصل له التزكية ، والذي يُسبِّح الله باستمرار تحصل له التزكية .
التزكية من أهم الأشياء التي يجب أن نحرص عليها، ممكن الإنسان يصلي، ممكن الإنسان يقرأ القرآن، أو يتصدق لكن التزكية هي علاج القلب ، التزكية هي نمو، أحياناً يشعر الإنسان بأن إيمانه عالي هذه التزكية، وهي التي تجعلك -أصلاً- تدفع في الصدقة أموالا أكثر، وهي التي تجعلك -أصلاً- تُصلي بخشوع، وهي التي تجعلك أصلاً تفعل أفعالاً عظيمة ، ولذلك يجب أن نبحث عنها.
 تسبيح الله باستمرار يعطينا التزيكة ، ذكر الله باستمرار يعطينا التزكية ، وقراءة القرآن تعطينا التزكية ، وهذه كلها ذكرت سابقاً . 
/ { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } لاحظ أن التزكية هذه عادت بعد ذلك عليك بالأمر العملي وهو المتمثل في ذكر الله في الصلاة فصلى { وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } تحدثنا سابقاً عن قضية اسم أو باسم أو غير ذلك.
 (فَصَلَّى) ليست الآية هنا محصورة في قول من قال بأن المقصود هو الزكاة وبعد ذلك الصلاة يعني زكاة الفطر وبعد ذلك الصلاة أو النّحر وبعد ذلك الزكاة، إنما مثل هذه الأشياء هي نوع من أنواع التمثيل فقط لكثير من العبادات التي هي تدل على تزكي هذا الإنسان وعلوا مكانه فهي شاملة لكل هذا . 
{ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } هذه دليل أن هذه الأشياء المذكورة سابقاً [الذكر .. الصلاة .. التسبيح .. قراءة القرآن] هذه الأربعة أنها هي بحد ذاتها أعظم الأشياء سروراً ومع هذا الناس يتركونها ويؤثرون الحياة الدنيا.
 هذه الأمور الأربعة هل هي من مقومات أو من مطالب الحياة الدنيا أم هي من مطالب الآخرة ؟ 
هذه الأشياء التسبيح والقراءة وذِكر الله سبحانه وتعالى من مطالب الآخرة ، من زرع الآخرة صح وإلا لا ؟ الدنيا مزرعة لكننا نعمل للآخرة ومع كل هذا ، الأمر مع وضوحه وبيانه وأنه سبب سعادة الإنسان وهدايته يقول الله سبحانه وتعالى :{ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} مع هذا كله أنتم تتركون هذه الأشياء وتُؤثرون الحياة الدنيا، تشتغلون فيها بمنغصاتها وبكدرِها وبتعبِها وبنصبِها وتؤثرونها على الآخرة.
 { بَلْ تُؤْثِرُون} الإيثار هو: اختيار من متعدد وهو تقديم شيء على شيء.  عندك أشياء متعددة تختار منها واحد وتترك الآخر، فهذا الاختيار أمامك هذه الدنيا وهذه الآخرة.
{ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } ذكر الله عز وجل في الآخرة لنحبها ولنعمل لها أمرين: الخيرية والبقاء.
 والخيرية والبقاء ليست من الدنيا ، الدنيا زائلة وأيضاً ليست موصوفة بالخيرية هي مذمومة، ولذلك فُضِّلت الآخرة بهتين الصفتين: الخيرية والبقاء والدوام.
/ { إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى } أي هذا التذكير أو هذا الوصف أو هذا الذِكر لقدرة الله سبحانه وتعالى أو التزكية أو غير ذلك كل هذا في الصحف الأولى، فهو ليس أمراً جديداً على هذه الأمة بل هو موجود.
 على ماذا يدل هذا ؟ على أن هذا شرع الله سبحانه وتعالى وهو ما أنزله على أنبيائه الكرام من قبل.
 { لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى } جمع الصحف دليل على أنها ليست صحيفة واحدة بل هي صحف متعددة ، قيل لإبراهيم عليه السلام عدة صحف ، وموسى عليه السلام عدة صحف ، فجمعها كلها اسمها الصحف .
وصفها بالأولى ليس شرطاً أن يكون دليل على أنه لم يسبقها شيء بل المقصود السبق الزماني - سبق الزمان- فأحياناً تحتاج أنك تذكر كلمة (أُولى) أو (أول) لا تقصد بها أول شيء طرأ في هذا الوجود وإنما تقصد أنه الأول بالنسبة لغيره صحيح أم لا ؟ نذكر الأولية بالنسبة لحد معين -مثلاً- أول من فعل كذا ليس شرطاً أني أذكر كل زمن قد أقصد الزمن الذي أنا فيه أو المحيط الذي أنا فيه. أول من ألقى كلمة فلان أقصد في المسجد هذا أو أقصد تبوك أو غير ذلك، فليس المقصود أنها الأولية وذُكر صحف قبلها ، على كل حال ليس هذا الهدف من ذكر الكلمة المقصود أن هذا التشريع وهذه الهدايات هي سابقة لكم ولهذه الأمة في أمم سابقة وعليكم أن تأخذوا بها. الصحف مبهمة ماهي الصحف الأولى ؟ فُصِّلت، هذه تفصيل بعد إجمال مثل { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ } ثم قال { وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ} ذكر خاص بعد إجماع، ذُكرت الصحف ثم بعد ذلك فصلت { صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى }.
 لماذا إبراهيم وموسى خصوصاً من بين الأنبياء؟ 
لأنه أُنزل على إبراهيم عليه السلام وموسى عليه السلام تشريع وهداية وما بعدها هو مأخوذ منها وليس هو تشريع جديد.
 وغير هذا موسى عليه السلام وإبراهيم عليه السلام ذُكرا -طبعاً كثيراً- من ضمن ما ذُكر في هذا أنهما من أعظم الأنبياء شرعاً ويذكرون لهذا خصيصتين: فإبراهيم عليه السلام هو خليل الله ، وموسى عليه السلام هو كليم الله . 
ولا شك -يا أخواني الكرام- أن نقل الناس أو ربط الناس أو البشر أو الخلق بعظماء ومقدَمين ولهم مكانة ومنزلة يكونوا أكثر قبولاً بالأخذ بما عندهم، وهذا من الهدي الذي يجب أنه نتعلمه، إذا أردت مثلاً أن تحيل الناس -ولله المثل الأعلى لا أتكلم في القرآن- إذا أردت أن تُحيل الناس إلى أحد ليأخذوا منه منهم -في الغالب- تُحيلهم على أعظم من تعرف - لا شك في عِلم الله أن كل أنبياء الله سبحانه وتعالى لهم مكانة ومنزلة- ولكن بعضهم مُيّز عن بعض بشيء معين.
 هذا ما أحببنا أن نذكره في هذا اللقاء وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق