الثلاثاء، 13 نوفمبر 2012

الوقفــ الثالثة ــة من جـ 11 / مع قوله تعالى (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ)



الوقفة الثالثة من الجزء الحادي عشر عند قول الله - جل وعلا - :
 (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)
 "قرية" في القرآن تُطلق ويُراد بها المدينة كما تُطلق "المدينة" في القرآن ويُراد بها القرية ، فالقرية والمدينة في القرآن بمعنى واحد ليس كما اصطلح عليه الناس في زماننا فيقول أصدق القائلين (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا) "كان" هنا على الأظهر تامة بمعنى وُجد أي : لا توجد قرية آمنت إيمانا اضطراريا فنفعها إيمانها ، هذا المعنى الأظهر .
 هناك معنى آخر نشير إليه لكننا لا نعتمده حتى نعود للأول وهوأنهم قالوا : أن الأنبياء والرسل لا توجد قرية آمنت كلها إلا قوم يونس . وهذا مقبول المعنى وهو من لوازم الآية لكن ليس المراد من الآية .
 (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا) ثم جاء الاستثناء المنقطع (إلاَّ قَوْمَ يُونُسَ) والمعنى : لكن قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا .
 يونس - عليه السلام - هو يونس بن متّى ، ويونس هذا ذُكر في القرآن في مواضع عدة ، ذُكر باسمه وذُكر بلقبه قال الله - جل وعلا - (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) وقال هنا (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا) ، وذكره في الأنعام في (تلك حجتنا) وجاء بما اشتُهر به قال الله - جل وعلا - (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا) وقال في "القلم" (وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ) وكلها تأتي على يونس .
 / هناك غلام نصراني اسمه عدّاس في منقلبه - صلى الله عليه وسلم - من الطائف لما ردّه أهلها بعث بعض سادتها له بقطاف من عنب فجاء به الغلام - واسمه عدّاس - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أخذه وهمّ بالأكل قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال له الغلام : أراك تقول قولا لا يقوله أهل هذه البلدة ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : من أنت ؟
 قال : أنا عدّاس
 قال : من أين ؟
 قال : من نينوى
 فقال - عليه الصلاة والسلام - : من بلدة النبي الصالح يونس بن متى ؟ - وهذا أول الوحي قبل الهجرة - فذُهل عدّاس لأنه يعرف أن العرب أمة أُميّة لا يقرؤون ، قال : وما أدراك ما يونس بن متى ؟ والله لقد تركت نينوى وليس فيها إلا أربع أو ست رجال يعرفون يوسف بن متى ، فإذا كان أهل القرية التي فيها يونس مع مُضي الأزمان نسوا يونس فكيف تعرفه أنت !؟
فقال - صلى الله عليه وسلم - : هو نبيّ وأنا نبيّ ، فأخذ عدّاس يُقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، موضع الشاهد منه : فهمنا من هنا أن يونس بُعث في نينوى من أرض الموصل من العراق دعا قومه ، توعدهم بالعذاب ، كأن العذاب تأخر ، - على أظهر أقوال العلماء تركهم - ، لما تركهم ركب سفينة ، ما إن ركبها إلا والسفينة باقية والسفُن غيرها تغدو وتروح ، فلما كانت السفُن تغدو وتروح إذا العلة ليست في الرياح ، العلة في السفينة فأخذوا يتساءلون فيما بينهم وقال والله إن هذا لا يكون إلا عبدا أبق من سيده فاقتروا فقبِل أن يدخل معهم قال الله (فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ) "فساهم" غير "فأسهم" ، "أسهم" بمعنى أعطى ، شارك ، لكن "فساهم" دخل في القرعة ، فوقعت القرعة عليه فأُلقي في .... القصة المشهورة . لما أُلقي في البحر ، والبحر والبر والجو كلها ملك لله فابتلعه حوت ، والحوت هذا ذهب إليه بقدر الله ، فلما ابتلعه أوحى الله إلى الحوت ألاّ تهشم له عظما ولا تأكل له لحما فبقي مستقرا في بطنه فأخذه الحوت إلى قاع البحر فاجتمع عليه ظلمة بطن الحوت ، وظلمة الليل ، وظلمة البحر.
 / يقولون - والعقل يقبله - حرّك جوارحه ، أعضاءه وجدها تتحرك فنادى - والله أثبت النداء - قال ربنا (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ) معنى (أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ) أي لن نُضيّق عليه ، يعني غلب على ظني أنني نبيّ ورسول وهم الذين أغضبوني فلو تركتهم لن يُضيّق الله عليّ ، لن يعاقبني الله على ما وقع مني ، هم الذين أخطؤا ، هم الذين كفروا ، هم الذين لم يستجيبوا لي ، وهو كأنه لم يستأذن من ربه في الخروج . (فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ) من التضييق ليس من القدرة وهذا الذي جعله يعزم على المُضيّ لكنه لما وجد نفسه في بطن الحوت ...
 - من رحمة الله بأي عبد إذا أراد الله أن يقبله يعلمه يُقبل على الله ، فالله يُعلّمه ثم يقبل منه . يُلقي في قلبه أن يتوب ثم يقبل منه التوبة ، يدله كيف يتوب ثم يقبل منه تلك التوبة ثم يرحمه - .
 / قال ربنا (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ) وذكر ثلاث جُمل :
 الأولى : شهد لله بالتوحيد فقال - كما قال ربنا - (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ) وما خلق الله الخلق إلا من أجل هذه الكلمة ، لا تُقام ساحة عرض يوم الحساب ، ولم يخلق الله السموات والأرض ولم يُنصب سوق النار وسوق الجنة ، ولم ينزل كتاب ولم تأتِ سُنة إلا من أجل أن يُعبد الله وحده دون سواه . فقهها يونس (أَن لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ) .
 الثانية : ثم نزّه ربه عمّا لا يليق به فقال ( سُبْحَانَكَ) ومن أعظم العبادات تنزيه الله عما لا يليق به .
الثالثة : ثم اعترف بخطيئته لأن في انكساره سببا عظيما لقبول توبته فقال (سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فجمع بين ثلاثة أمور (توحيد الله - تنزيه الله عما لا يليق به - الاعتراف بالذنب والخطيئة ) .
 ماذا قال أرحم الراحمين ؟
قال (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ) فحقق الله مراده فأمر الله الحوت أن يلقيه خارج البحر ، فألقاه الحوت قال الله (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ) لما مكث أياما - وقلنا مرارا الله لا يعجل لعجلة أحد من خلقه ، كان بالإمكان أن يخرج سويا لكنه خرج ضعيفا - ثم استوى على سوقه أياما حتى رُدّ إليه صحته فذهب إلى قومه .
 هم لما تركهم يوسف عليه السلام شعروا بقرب العذاب - أظلهم العذاب - فأصبح إيمانهم اضطراري لأنهم أظلهم العذاب ، فلما رأوا العذاب الأصل أن الله لا يقبل توبة حينها لهذا قال الله (إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ) مستثنون من سنن الله في خلقه ، لِمَ ؟ الله أعلم ، الخلق خلقه والأمر أمره والمُلك مُلكه. فاستثناهم الله - جل وعلا - وهم جأروا إلى الله وفرقوا ما بين كل ذات ولد وولدها ، ما بين البقر والعجل ، ما بين الإبل وفصيلها ، ما بين كل دابّة وابنها وما بين النساء وأولادهن ، فوقفوا في ساعة عظيمة يجأرون إلى الله - جل وعلا - والله تُستجدى رحمته بالانكسار ومن طرائق الانكسار أن يُوفق الإنسان للفظ ، كلمة يقولها تُستدر بها رحمة الله ، لذلك جبريل كان يُبغض فرعون لما قال فرعون أنا ربكم الأعلى جبريل أبغض فرعون بغضا عظيما فلما جاء فرعون في البحر أخذ جبريل يأخذ الطين ويضعه في فم فرعون خوفا من أن يقول فرعون كلمة يستدر بها رحمة الله وهذا من علم جبريل أن هناك كلمات تُستدر بها رحمة الله - جل جلاله - الله علمنا بعضها قال هنا ( لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق