الأحد، 7 ديسمبر 2025

| الدرس السادس والخمسون | تفسير سورة البقرة: من الآية (٧٩) (فويل للذين يكتبون الكتاب…)


الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات أما بعد: فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله:
ن/ "قوله (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) توعد تعالى المُحرفين للكتاب الذين يقولون لتحريفهم وما يكتبون هذا من عند الله، وهذا فيه إظهار الباطل وكتم الحق وإنما فعلوا ذلك مع علمهم ليشتروا به ثمنا قليلا، والدنيا كلها من أولها إلى آخرها ثمن قليل فجعلوا باطلهم شركا يصطادون به ما في أيدي الناس فظلموهم من وجهين: من جهة تلبيس دينهم عليهم ومن جهة أخذ أموالهم بغير حق بل بأبطل الباطل وذلك أعظم ممن يأخذها غصبا وسرقة ونحوهما ولهذا توعدهم بهذين الأمرين فقال (فويل لهم مما كتبت أيديهم) أي من التحريف والباطل (وويل لهم مما يكسبون) أي من الأموال، و(الويل) شدة العذاب والحسرة وفي ضمنها الوعيد الشديد قال شيخ الإسلام رحمه الله: «لما ذكر هذه الآيات..» نعم

ت/ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وأصلح لنا إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أما بعد: يقول الله تبارك وتعالى (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا)
هذه الآية تتعلق ببيان أمر غاية في السوء والشر كان عليه أحبار اليهود وعلمائهم وكبرائهم كانوا يكتبون كلاما بأيديهم ينشئونه ثم يقولون (هذا من عند الله) أي أن الله هو الذي تكلم به وأن الله سبحانه وتعالى أنزله من عنده وهم يعلمون ما هم عليه من الافتراء والكذب على الله سبحانه وتعالى وكل ذلك يصنعونه طمعا في شيء من الدنيا من رئاسة أو مال.
وقول الله جل وعلا (فويل) الويل: هو الهلاك العظيم، وقيل: واد في جهنم.
● (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) المراد بـ (الذين يكتبون الكتاب) أي الأحبار الذين بدلوا في التوراة وغيروا وزادوا ونقصوا.
(الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله)
 قوله (بأيديهم) هذا بيان لعظم الجرم وأنه شيء يصنعونه قصدا وعمدا ويخطونه بأيديهم.
(فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون) أي للأتباع، للأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني يعني إلا مجرد سماع من الأحبار لكن لا يميزون ولا يعرفون فالأحبار الذين هم كبراؤهم يقولون لهم هذا من عند الله، فالعوام الأميين يصدقونهم ويظنون أنه من عند الله ثم يقولون أي للأتباع الأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني أي إلا مجرد سماع أو قراءة (ثم يقولون هذا من عند الله) 
من أجل ماذا يفعلوا ذلك؟
قال (ليشتروا به ثمنا قليلا) الثمن القليل: إما مال أو رئاسة أو كلاهما.
● (ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم) أي من الكذب والبهتان والتحريف والتغيير والتبديل لكلام الله عز وجل.
(وويل لهم مما يكسبون) أي من الأموال هذا الذي يفعلونه من أجل أن يشتروا به مالا ثمنا قليلا، (فويل لهم مما يكسبون) أي من المال أو مما يكسبون من الإثم بهذا الصنيع الذي يصنعونه والفعلة الشنيعه التي يفعلونها، نظير هذه الآية قول الله عز وجل:
(وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) (ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) هذه نظيرها في بيان حال أحبار اليهود، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «نزلت في أهل الكتاب»
(فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) ثم هذه الطريقة (يكتبون الكتاب بأيديهم) بقيت في كبار هؤلاء وأحبارهم مستمرة، كلما أراد منهم أحد شيء كتب ونسبه للتوراة، ولهذا كثُرت التحريفات وكثُرت النسخ للتوراة كثرة عجيبة كلها يدخلها هذا التحريف وهذا التبديل.
وقد ذكر لي أن شخصا من هؤلاء في زماننا هذا دخل الإسلام بهذه الآية (فويل للذين يكتبون الكتاب) كان مارا في طريق ومحل فاتح لتلاوة القرآن فسمع هذه الآية - فأراد الله له خيرا - أثرت فيه، قال في نفسه هذا الذي نفعله  نكتب ونقول للناس هذا من عند الله، فأيقظه هذا الوعيد وهز قلبه فكانت سبب إسلامه (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون).
 روى الإمام البخاري رحمه الله في كتابه الصحيح عن الزهري قال: اخبرني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه أحدث أخبار الله،  تقرؤنه محضا لم يشب وقد حدثكم الله تعالى أن أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه فكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم؟ ولا والله ما رأينا منهم أحدا قط سألكم عن الذي أنزل إليكم»
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: «توعد تعالى المحرفين للكتاب الذين يقولون لتحريفهم وما يكتبون هذا من عند الله وهذا فيه إظهار الباطل وكتم الحق وإنما فعلوا ذلك مع علمهم ليشتروا به ثمنا قليلا والدنيا كلها من أولها إلى آخرها ثمن قليل فجعلوا باطلهم شَركا يصطادون به ما في أيدي الناس – أي من الأموال - فظلموا من وجهين - يعني وقع منهم الظلم من جهتين - من جهة تلبيس دينهم عليهم - تلبيس دين الناس على الناس - ومن جهة أخذ أموالهم بغير حق فجمعوا لعوامهم بين بليتين:
الأولى: يلبسون عليهم دينهم
والثاني: يأخذون منهم أموالهم» 
أخذ الأموال على ماذا؟ على شيء يعطونهم إياه محرفا ليس من دين الله ويقولون هذا من دين الله، فجمعوا بين الغش في أعظم الأمور، في الدين نفسه، وأكل أموال الناس بالباطل، وأخذ أموال الناس بالباطل قال: «فظلموا من وجهين: من جهة تلبيس دينهم عليهم، ومن جهة أخذ أموالهم بغير حق  بل بأبطل الباطل، وذلك أعظم ممن يأخذها غصبا وسرقة ونحوهما» هؤلاء الأحبار المال الذي يأخذونه مقابل التحريف والتبديل والتلبيس الذي يفعلونه هذا أعظم من أخذ المال غصبا أو سرقة، ولهذا توعدهم بهذين الأمرين قال: (فويل لهم مما كتبت أيديهم) أي من التحريف والباطل (وويل لهم مما يكسبون) أي من الأموال. والويل: شدة العذاب والحسرة وفي ضمنها الوعيد الشديد. نعم.

ن/ قال رحمه الله: "قال شيخ الإسلام رحمه الله لما ذكر هذه الآيات من قوله (أفتطمعون) إلى قوله (يكسبون) «فإن الله ذم الذين يُحرفون الكلمة عن مواضعه وهو متناول لمن حمل الكتاب والسنة على ما أصّله من البدع والباطلة»"
ت/ نعم. في الأصل «على ما أصّله هو من البدع الباطلة»

ن/ «لمن حمل الكتاب والسنة على ما أصّله هو من البدع الباطلة وذم الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني وهو مُتناوِل لمن ترك تدبر القرآن ولم يعلم إلا مجرد تلاوة حروفه، ومُتناوِل لمن كتب كتابا بيده مخالفا لكتاب الله لينال به دنيا وقال إنه من عند الله مثل أن يقول هذا هو الشرع والدين،  وهذا معنى الكتاب والسنة، وهذا معقول السلف والأئمة، وهذا هو أصول الدين ..
ت/ في الأصل وهو الواضح «وهذا قول السلف والأئمة» عندكم في الهامش كذا في الأصل، وفي كتاب درء التعارض« قول السلف»
ن/ «وهذا هو أصول الدين الذي يجب اعتقاده على الأعيان أو الكفاية، ومُتناوِل لمن كتم ما عنده من الكتاب والسنة لئلا يحتج به
 مُخالفه في الحق الذي يقوله، وهذه الأمور كثيرة جدا في أهل الأهواء جملة كالرافضة، وتفصيلا مثل كثير من المنتسبين إلى الفقهاء» انتهى كلامه.
 أعِد، «وهذه الأمور كثيرة جدا في أهل الأهواء جملة كالرافضة» في الحاشية زاد في الأصل والجهمية ونحوهم من أهل الأهواء والكلام وفي أهل الأهواء وتفصيلا..

 ت/ الزيادة هذه موجودة في الأصل وإثباتها بين معكوفتين في الأصل مناسب لأنها موجودة في الأصل، والواو التي قبل كلمة تفصيلا هذه زائدة انظر الآن الكلام من أوله يقول ابن تيمية: «وهذه الأمور كثيرة جدا في أهل الأهواء جملة» ثم قال: «وفي أهل الأهواء تفصيلا» ذكر أولا جملة ثم ذكر قال: «وهي في أهل الأهواء جملة كالرافضة، وفي أهل الأهواء تفصيلا – قال - مثل كثير» فالواو هذه زائدة. هذا كلام نفيس جدا نقله عن شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فيه تنبيه على مسألة مهمة وهي: أن الله عز وجل لما ذكر صنيع هؤلاء الذين هم أحبار اليهود يسمعون كلام الله ثم يحرفونه، (يحرفونه) يبدلون ويغيرون إما الألفاظ أو المعاني، وأيضا عندهم هذا الذي هو التحريف (يحرفونه)، وعندهم الكتمان، وعندهم هذا الذي هو يكتبون شيئا من أنفسهم ويقولون هذا من عند الله
فالله عز وجل لما أخبر عنهم بهذا وتوعدهم وتهددهم يُحذر مما صنعوا، لا يصنع أحد مثل صنيعهم فيبؤ بمثل عقوبتهم، ولهذا يقول شيخ الإسلام لما ذكر هذه الآيات من قوله (أفتطمعون) قال: «فإن الله ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه وهو مُتناول لمن حمل الكتاب والسنة على ما أصّله هو من البدع» وهذه طريقة أهل البدع يأتي إلى القرآن والعقيدة عنده منتهية ماذا يصنع؟ 
يحاول يلوي النصوص عن مدلولها ليجعلها دالة على العقيدة التي عنده، يعني يعتقد أولا ثم يستدل هذه طريقتهم يعتقد أولا عقيدة مبنية على الرأي على المنطق على أشياء من هذا القبيل ثم يقرأ القرآن ليستدل على عقيدة ثابتة عنده من دون القرآن ويحاول أن يلوي النصوص لتصبح دالة على العقيدة التي عنده. 
الأصل: أن الإنسان يهتدي بالقرآن يأخذ عقيدته أصالة من القرآن، وإذا وجد في القرآن شيئا يخالف ما في نفسه أو ما تعلمه أو ما توصل إليه برأيه يترك رايه ويترك ما علمه ويأخذ بكتاب الله سبحانه وتعالى.
فهذه الآيات مُتناوله لمن حمل الكتاب والسنة على ما أصّله هو من البدع الباطلة، وذم الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني وهو متناول لمن ترك تدبر القرآن ولم يعلم إلا مجرد تلاوة حروفه، الله ذكر في ذمهم - كما تقدم – (لا يعلمون الكتاب إلا أماني)، (إلا أماني) أي ليس لهم حظ من كتاب الله إلا التلاوة فقط، هكذا ذمهم الله سبحانه وتعالى، إذا من يقرأ القرآن ولا يفكر في التدبر وفهم القرآن والاهتداء بهداية القران يتناوله هذا الوعيد، قال: «وذم الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني» وهو مُتناوِل لمن ترك تدبر القرآن ولم يعلم إلا مجرد تلاوة حروفه، ومتناول لمن كتب كتابا بيده مخالفا لكتاب الله لينال به دنيا إما رئاسة أو غير ذلك وقال إنه من عند الله مثل أن يقول هذا هو الشرع وهذا هو الدين، يعني يؤلف شيء من رأيه، من عقله ويقول للناس هذا هو شرع الله وهذا هو دين الله، أو هذا معنى الكتاب والسنة، أو هذا قول السلف والأئمة، وهذا كثير في أهل البدع يريدون أن يروجوا بدعتهم وضلالتهم على العوام وعلى الجهال فيقولون لهم هذا من الكتاب والسنة، هذا دل عليه الكتاب والسنة، أو يقولون أن هذا دل عليه كلام السلف، من أجل أن يروجوا هذا الكلام على العوام والجُهال، وهذا هو أصول الدين الذي يجب اعتقاده على الأعيان أو الكفاية، هكذا يقولون للعوام، ومُتناول لمن كتم ما عنده من الكتاب والسنة لئلا يحتج به مُخالفه في الحق الذي يقوله، وهذه الأمور كثيرة جدا في أهل الأهواء جملة كالرافضة والجهمية ونحوهم من أهل الأهواء والكلام، وفي أهل الأهواء تفصيلا يعني يوجد منها أشياء هناك توجد جملة في الرافضة في الجامية يعني يكاد يكون دينهم كله قائم على ذلك، لكن تفصيلا يوجد أشياء منها متفرقة في كثير من المنتسبين إلى الفقهاء من المنتسبين إلى الفقهاء. هذا كلام في تنبيه مهم من شيخ الإسلام يستفاد من هذه الآيات بدءا من قوله (أفتطمعون) إلى قوله (فويل للذين يكتبون الكتاب) نعم.

ن/ قال رحمه الله: «قوله (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون* بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون* والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) ذكر أفعالهم القبيحة ثم ذكر مع هذا أنهم يزكون أنفسهم ويشهدون لها بالنجاة من عذاب الله والفوز بثوابه وأنهم لن تمسهم النار إلا أياما معدودة أي قليلة تعد بالأصابع فجمعوا بين الإساءة والأمن، ولما كان هذا مجرد دعوة رد تعالى عليهم فقال: قل لهم أيها الرسول (أتخذتم عند الله عهدا) أي بالإيمان به وبرسله وبطاعته فهذا الوعد الموجب لنجاة صاحبه الذي لا يتغير ولا يتبدل (أم تقولون على الله ما لا تعلمون) فأخبر تعالى أن صدق دعواهم متوقف على أحد هذين الأمرين الذين لا ثالث لهما، إما أن يكونوا قد اتخذوا عند الله عهدا فتكون دعواهم صحيحة، وإما أن يكونوا متقولين عليه فتكون كاذبة، فيكون أبلغ لخزيهم وعذابهم، وقد عُلم من حالهم أنهم لم يتخذوا عند الله عهدا لتكذيبهم كثيرا من الأنبياء حتى وصلت بهم الحال إلى أن قتلوا طائفة منهم، ولنكولهم عن طاعة الله، ونقضهم المواثيق، فتعين بذلك أنهم متقولون مختلقون قائلون عليه ما لا يعلمون، والقول عليه بلا علم من أعظم المحرمات وأشنع القبيحات. ثم ذكر تعالى حكما عاما لكل أحد يدخل فيه بنو إسرائيل وغيرهم وهو الحكم الذي لا حكم غيره لا أمانيهم ودعاويهم بصفة الهالكين والناجين فقال: (بلى) أي ليس الأمر كما ذكرتم فإنه قول لا حقيقة له ولكن من كسب سيئة وهو نكرة في سياق الشرط فيعم الشرك فما دونه والمراد به الشرك هنا بدليل قوله (وأحاطت به خطيئته) أي أحاطت بعاملها فلم تدع له منفذا وهذا لا يكون الا الشرك، فإن من معه الإيمان لا تحيط به خطيئته، (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) وقد احتج بها الخوارج على كفر صاحب المعصية، وهي حجة عليهم كما ترى فإنها ظاهرة في الشرك، وهكذا كل مُبطل يحتج بآية أو أحاديث صحيح، أو حديث صحيح على قوله الباطل فلا بد أن يكون فيما احتج به حجة عليه. (والذين آمنوا) أي بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر (وعملوا الصالحات) ولا تكون الأعمال صالحة إلا بشرطين: أن تكون خالصة لوجه الله، متبعا بها سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فحاصل هاتين الآيتين أن أهل النجاة والفوز هم أهل الإيمان والعمل الصالح والهالكون أهل النار المشركون بالله الكافرون به».

ت/ ثم قال الله جل وعلا (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) قالوا أي اليهود (لن تمسنا النار) أي لن تصيبنا النار إلا أيام معدودة (معدودة) أي قليلة، لا يُعرف عدد هذه الأيام لكن تأتي بعض النقولات عن بعض السلف أنها سبعة أو أربعين أو نحو ذلك، مثل ما جاء عن الضحاك وقتادة وعطاء ومقاتل: «قالت اليهود لن نُعذب في النار يوم القيامة إلا أربعين يوما، مقدار ما عبدنا العجل» 
الحاصل: هي دعوة يدعيها هؤلاء أن النار لن تمسهم، لن تصيبهم إلا أيام قليلة فيقول الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام قل لهؤلاء قل أيها النبي لهؤلاء في إبطال هذه الدعوة التي يدعونها (أتخذتم عند الله عهدا) عهدا بماذا؟ ألا يدخلوا النار إلا أيام معدودة (أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده) يعني إن كان عاهدكم (اتخذتم عند الله عهدا) أي ميثاقا بذلك وموعدا من الله وعدكم بذلك أن لا تمسكم النار إلا أياما معدودة؟ إن كنتم اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده، وقيل في المعنى (اتخذتم عند الله عهدا) أن المراد بالعهد التوحيد، يعني هل وحدتم الله لأن النجاة إنما هي لأهل التوحيد، أي هل أسلفتم توحيدا وإيمانا وطاعة لله توجب لكم ما تدّعون، توجب لكم ما تدّعون؟ (قل) أي أيها النبي لهؤلاء أهل هذه الدعوة (أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون) (أم) يقول ابن كثير: «هذه بمعنى (بل) (أم) تقولون على الله ما لا تعلمون) أي: بل تقولون على الله ما لا تعلمون»
● قال جل وعلا (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)
(بلى) هذا حرف استدراك ينفي الخبر الذي قبله ويثبت الخبر الذي بعده، بلى ينفي ما قبله ويثبت ما بعده، الذي قبله أن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة، هذا (بلى) تنفيه، والذي بعدها الذي تثبته (بلى) هو الخلود في النار (أصحاب النار هم فيها خالدون) فنفت دعواهم أن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة، وأثبتت أن من كان على هذا الكفر وعلى هذا الشرك الذي هم عليه ليس له إلا النار مخلدا فيها، فرد عليهم سبحانه وتعالى وبيّن أن الخلود في النار أو كذلك الخلود في الجنة راجع إلى ماذا؟ الإيمان والكفر، الخلود في النار راجع إلى وجود الكفر، والخلود في الجنة - كما سيأتي- راجع إلى وجود الإيمان والطاعة لله سبحانه وتعالى، قال: (بلى من كسب سيئة) لابد من فهم المراد بالسيئة هنا، (بلى من كسب سيئة) الشيخ - مثل ما مر معنا- يقول: «سيئة جاءت في سياق الشرط فتفيد العموم» أي أنها بعمومها تتناول أعظم السيئات التي هي سيئة الشرك.
 (وأحاطت به خطيئته) في قراءة (خطيئاته) جمع خطيئة، جمع مؤنث سالم، الإحاطة هنا أحاطت به تقوي ذلك أن المراد بالسيئة ماذا؟ الشرك، لأن العاصي لا يوصف بأن خطيئته أحاطت به، عنده إيمان، عنده شيء من الطاعة فلا يوصف العاصي بأن خطيئته أحاطت به، فالعاصي لم تُحط به خطيئته، فالذي عنده إيمان عنده طاعات فلا يوصف بأن خطيئته أحاطت به قال (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) من كانوا على هذا الوصف في الشرك والكفر بالله أحاطت بهم الخطيئة، إحاطت الخطيئة هي صفه الكافر خطيئته أي كفره بالله، حتى لو كان عنده شيء من العمل الصالح خطيئته التي هي الكفر تُحبط عمله وتبطله.
 قال (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) هذا الآن دليل ثالث على أن المراد بمن كسب سيئة أو أحاطت به خطيئته، أن المراد به ماذا؟ الشرك، لأن قال (والذين آمنوا) إذًا الذي قبله ماذا يكون؟ قال (والذين امنوا) هذا عطف على ما قبله إذا الذي قبله كفر هذا وجه ثالث.
ووجه رابع في الدلالة على أن قوله (كسب سيئة وأحاطت به خطيئته) ليس المراد المعاصي وإنما المراد الكفر أن الرد في هذا السياق على من؟ لما تقرا السياق (وقالوا لن تمسنا النار) ثم تأتي (بل) التي تنفي ما قبله وتثبت ما بعدها الرد على من؟ على عصاة أم على كفار؟ على كفار، فالرد في السياق على كفار يدّعون أن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة، النار لا تمس إلا أياما معدودة من؟ العصاة من أهل التوحيد، لكن الكافر لا، الكافر الذي أحاطت به خطيئته (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)، إذًا قوله (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك اصحاب النار هم فيها خالدون) السياق واضح أنها في الكفار، في اليهود. ماذا صنع الخوارج؟ نزلوها على المسلمين ويحتجون بها على تكفير مرتكب الكبيرة، يقول مرتكب الكبيرة كافر مخلد في النار قال تعالى (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) الآية في اليهود في الكفار والسياق واضح وأشرت إلى أربعة وجوه تدل على أن السياق إنما هو في الكافر والسيئة المراد بها الكفر وينزلونها على من؟ وينزلونها على أهل الإسلام، ثم لما ينزلون هذه الآيات على أهل الإسلام انظر ماذا تولد من البدع من ضلالات لما ينزلون هذه الآيات على أهل الإسلام يفعلون ماذا؟ ما جاء في الحديث الصحيح يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، أهل الأوثان في عافية منهم ولا يتعرضون لهم، ويتتبعون أهل الإسلام حتى في مساجدهم ويقول هؤلاء كفار ويقتلونهم وينزلون عليهم مثل هذه الآيات، لما تقرأ في استدلالاتهم كلها على هذه الطريقة ينزلون آيات في كتاب الله على غير وجهها ومن كان معهم من الجُهال لما يقرأون عليه هذه الآية وينزلونها على مرتكب الكبيرة يظن بجهله أن الآية هكذا هي تدل على أن صاحب الكبيرة كافر وأنه يوم القيامة مخلد في النار، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما افتتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سُم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجمعوا لي من كان ها هنا من اليهود فقال لهم من أبوكم؟ قالوا: فلان، قال: كذبتم بل أبوكم فلان - يريد أن ينبههم على ما سياتي من أسئلة انتبهوا الله يطلعني على ما تقولونه من كذب- قال: من أبوكم؟ فكذبوا قالوا فلان، قال: لا، بل أبوكم فلان - يعني الآن انتبهوا الأسئلة الآتية- قالوا صدقت وبررت، قال: هل أنتم صادقي - الذي سبق الآن مقدمة لشيء بعده، الآن كذبوا وكشف لهم كذبهم ثم قال لهم: هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟ قال: نعم، قال: يا أبا القاسم وان كذبناك عرفت كذبنا كما عرفت عرفته في أبينا) لن نكذب عليك أنت الآن أعطيتنا موعظة وأنّا لو كذبنا عليك يطلعك الله على الكذب، ما هناك حاجة أن نكذب عليك، لو كذبنا مكشوف سيكون كذبنا فسنصدقك الحديث، قال لهم: من أهل النار؟ قالوا: نكون فيها يسيرا - يعني مدة قليلة (لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) - قالوا لن نكون فيها إلا يسيرا ثم تخلفوننا فيها، من؟ يعني يا معاشر المسلمين، قال عليه الصلاة والسلام: (اخسؤوا والله لا نخلفكم فيها أبدا) سمعتم الحديث اعجبوا إذا من حال الخوارج، لا نخلفكم فيها أبدا، تركوا مَن نزلت فيهم الآية ونزّلوها في المسلمين، والمسلم لا يخلُف اليهود فيها أبدا، حتى من دخل النار لا يخلفهم، ويدخل ليس كدخولها أولئك، هم يدخلون دخول تخليد وتأبيد، والعاصي يدخل دخول تطهير وتنقية، فرق بين الدخولين. 
الحاصل: أن هذه كلها من الأمور التي تكشف قبح عقيدة أولئك الذين وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام بأنهم كلاب أهل النار، قال كلاب أهل النار، الكلب ماذا يفعل؟ في الغالب؟ أعماله ما هي؟ إما نباح أو نهش هكذا، وهؤلاء نباحهم تكفير للمسلمين ونهشهم تفجير وتدمير. هذا يعني وضح كيف وصفوا بأنهم كلاب أهل النار، الكلب عنده نباح وعنده نهش، ينبح وينهش هؤلاء نباحهم تكفير، ونهشهم تفجير وتدمير، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان.
 قال الشيخ رحمه الله: «ذكر أفعالهم القبيحة ثم ذكر مع هذا أنهم يزكون أنفسهم».
 أظن ما بقي وقتا نقرأها غدا إن شاء الله لكن ارجعوا قليلا في موضع عند قوله أرشدوني إلى الصفحة اللي أورد فيها الشيخ الآية واسألهم عن القرية في أي صفحة؟ سبعة وستين (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت) قال الشيخ بعدها ماذا؟ الآيات أنا قلت لكم أظنها الآية لكن الصواب كما ذكر الشيخ لأن الآيات التي بعدها كلها في الموضوع ذاته لأن بعد هذه الآية (وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يرجعون) ثم قال (فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون* فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين)  فالسياق الآيات التي بعدها، فقط أردت أنبه على هذا.
 نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا وأصلح لنا شأننا كله وهدانا إليه صراطا مستقيما.. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين جزاكم الله خيرا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق