الأحد، 25 أغسطس 2019

هل كان إبراهيم عليه السلام ناظرا أم مُناظرا؟ / بينات 1438هـ [٢]


 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ..
مشاهديّ الكرام مازلنا نتحدث في سورة الأنعام وقد وصلنا فيها إلى قول الله عز وجل :{وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} وبيّنا فيما مضى كيف أن ربنا سبحانه وتعالى أكرم خليله إبراهيم بأن أراه ملكوت السماوات والأرض حتى يكون موقناً بأدلة التوحيد متشبعاً بها حتى إذا دعا قومه كان ذلك عن يقين .
 دكتور عبد الرحمن هل من شيء تضيفه في هذه الآية ؟


د. عبد الرحمن الشهري: نعم يعني هذه الآية هي بداية للحديث عن هذه المناظرة أو الجدل الذي حدث بين إبراهيم وبين قومه في هذه السورة في أنه استعرض معهم هذه المعبودات التي يعبدونها الكواكب والنجوم وهذه الأصنام التي بدأ بها الحديث{أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً} وأنه ذكر أيضاً إبطال ما يُعبَد من دون الله سواء كان صنماً على الأرض أو كان كوكباً أونجماً في السماء فكلها باطلة.
 أيضاً تحدثنا عن مسألة اليقين الذي كان استقر في نفس إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع هذه الأدلة، واليقين هي من صفات أهلم العلم ، فإذا استقر العلم واستقر الفهم استقرت النفس به واطمأنت سُمي يقيناً وهي من أعلى درجات الإيمان وأعلى درجات العلم أن يصل الإنسان لمرحلة اليقين فلذلك ذكرت لنا يا شيخ محمد في اللقاء الماضي أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان على يقين تام وعلى بيّنة تامة وهو يناقش ويجادل قومه ولذلك قال الله :{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ } لذلك من أعظم ما أيّد الله سبحانه وتعالى به أنبياءه هذه الحُجج ولذلك نحن نقول دائماً أن الإسلام والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ودعواتهم كلها من آدم إلى محمد عليه الصلاة والسلام لم تُهزم قط في مجال الحُجة والبيّنة أبداً وإنما وقعت الانكسارات في المجال العسكري -قضايا مادية- يعني ينتصرون في معارك ويُهزَمون في معارك أما في ميدان الحُجّة والبصيرة والجدل فإنهم لم يُهزموا أبداً لأن التوحيد وعقائد التوحيد كلها حُجّتها ظاهرة وواضحة وحُجج المخالفين داحضة وداخرة لكنها مع الزمن ومع ضعف العلم تظهر حُجج المُبطلين أو ينتصر المبطلون لضعف المجادلين لهم بالحق ولذلك نحن نقول اليوم في زماننا هذا نحن أحوج ما نكون إلى العلم ، والعلم هو سلاح أعظم من الأسلحة المادية لأنه بالعلم ينتصر الحق وتنتصر الأديان وينتصر المؤمنون على المجادلين ، وبالمناسبة -يا إخواني- انظروا اليوم في الإعلام -وأنت يا شيخ محمد جزاك الله خير لك جهد كبير في هذا في قنوات أفريقيا- أن الجهاد بالعلم والجهاد ببيان الحق ووضوحه من أعظم أنواع الجهاد لأن هناك طائفة وفئة عظيمة جداً من المجتمعات هي فئات صامتة ليست محارِبة فهؤلاء تستطيع أن تكسبهم إلى صفك بالحق وبالحُجج دون ضجيج فتقدم برنامج علمي في تفسير هذه الآيات -مثلاً- يستمع إليه -مثلا- مليون منهم يمكن عشرين شخص أعداء ومناهضين للحق لكن منهم تسعمائة ألف هم يُعتبَرون من الأغلبية الصامتة هم مع الحُجة إذا ظهرت الحُجّة وبُيّنت بدليل وبطريقة جميلة وبأسلوب سهل كسِبت هؤلاء العدد الضخم جداً إلى صفك ، وبهذا ينتصر الحق ، وهو أعظم من الميادين العسكرية لأن الميادين العسكرية الانتصارات تكون فيها محدودة ، لكن الانتصار في ميادين الحُجّة والبيان ، هذه القصة وما سيأتي بعدها هي تدعم هذا الجانب انتصار إبراهيم عليه الصلاة والسلام في البداية كان انتصاراً بالحُجّة والبيان وأما في الميدان العسكري فإبراهيم عليه الصلاة والسلام أُلقي في النار ثم خرج منها في النهاية وخرج من البلد ، لكنه في ميدان الحُجّة البيانية والحُجج العقلية فقد انتصر إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما في هذه الآيات وستأتي تفاصيلها.
د.مساعد الطيار : في قوله :{ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِين } طبعاً اليقين هو أعلى مراتب العلم والله سبحانه وتعالى ذكر في سورة التكاثر {عِلْمَ الْيَقِينِ } و{ عَيْنَ الْيَقِينِ } و{ حَقُّ الْيَقِينِ } هو ذكر ثلاث مراتب كلها منسوبة إلى اليقين ، طبعاً إذا وازنا بين العلم واليقين فاليقين هو أعلى درجات العلم يعني يكون عند الإنسان بصيرة تامة بها ، ثم هذا اليقين الذي أنت متيقن منه قد يكون لسماع من ثقة فيكون علم -علم يقين- ، وقد تُشاهده ويكون عين يقين -مشاهدة- { لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ } مرتبطة بالرؤيا ، فإذا خالطها وصلت إلى حق اليقين . إبراهيم عليه الصلاة والسلام هنا واضح أنه وصل إلى مرتبة حق اليقين لأن الله سبحانه وتعالى قال : { نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } فهو فيها مرتبة عين اليقين لأنه رأى ، وإذا كان خالطها فتكون حق اليقين في قصته مع الطير هو أراد أن يرى ولذا قال : { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } طيب هذا الذي أُريَ ملكوت السماوات والأرض وصار من الموقنين كيف يطلب هذا الطلب !! ولهذا الله سبحانه وتعالى وهو يخاطب إبراهيم هذه المخاطبة بينه وبين ربه هي لنا في الحقيقة ليست فقط لإبراهيم عليه الصلاة والسلام .. لماذا؟
 لأنه يقول له : { أَوَلَمْ تُؤْمِنْ } يعني لماذا تطلب هذا ؟ {قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} يعني اُنظر مع هذا اليقين الموجود عنده لم يصل لمرحلة الطمأنينة فطلب الطمأنينة . طيب لماذا طلبها ؟ كأن الملك عندما قال :{ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ } ومال بها إلى معنىً آخر أحدث عند إبراهيم هذا السؤال كيف يحيي الموتى؟ فطلب أن يرى هذه الرؤية وقصدي فقط أن ننتبه أنه مهما بلغ الإنسان من اليقين أنه هناك مرتبة يطلب فيها الزيادة للطمأنينة أكثر فأكثر. وعندي أن هذه الآية إذا كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام ناظراً هي تكون من باب المكافأة له ، كافأه الله سبحانه وتعالى بأن أراه ملكوت السماوات والأرض ليصل إلى درجة اليقين بعد أن عرف أن كل هذه المعبودات ليست معبودات على الحقيقة ، ولهذا كما ذكرت سابقاً أن الكافي قال : (وكذلك) هي مرتبطة بما قبلها بقوله  :{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً } ولهذا عبر عنها الطبري بقوله "وكما أريناه البصيرة في دينة -يعني وصل إلى حد البصيرة في دينه- والحق في خلافه ما كانوا عليه من الضلال نريه ملكوت السماوات والأرض" يعني كأنه جعلها نتيجة لوصوله ببصيرته إلى الحق وإلى التوحيد .
د.عبد الرحمن الشهري : هناك دكتور أمريكي مشهور اسمه جفري لانغ له مجموعة من الكتب طبعتها دار الفكر ، أحد الكتب تحدث عن هذا الموضوع -عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام- وهو جدير بالقراءة حقيقة أنا أدعو المشاهدين لقراءته وهو بعنوان [حتى إبراهيم الخليل يريد أن يطمئن] أو عنوان قريب من هذا.
غير كتاب [حتى الملائكة تسأل] ؟ نعم .
سبحان الله له كتاب [حتى الملائكةالملائكة تسأل] أخذها من {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} و [حتى إبراهيم الخليل يريد أن يطمئن ] لذلك الذي جعلني أشير إلى الكتاب أنه يفتح ذهن المسلم إلى أسئلة لا يلتفت لها عادة ، هذا لأنه كان غير مسلم هو دكتور في الرياضيات وهداه الله سبحانه وتعالى على يد شاب سعودي مبتعث في أمريكا التقى به وأعطاه نسخة مترجمة من القرآن الكريم وكانت فاتحة خير ودخل في الإسلام ، فلما دخل في الإسلام كتب ثلاثة كتب أو أربعة تقريباً ثلاثة منها من سورة البقرة فقط [حتى الملائكة تسأل] و [حتى إبراهيم الخليل يريد أن يطمئن] وله كتاب آخر اسمه [ضياع ديني] وكلها كتب فيها عمق حقيقة ، يعني تلاحظون فيها أسئلة لا تستوقف المسلم الذي يقرأ القرآن الكريم ربما كل أسبوع مرة ، ولذلك أذكر واحدا من الأسئلة مرة يقول : أنه متوقع أني لما اقرأ المصحف أتوقع أنه سيذكر فيه عائشة وسيذكر فيه خديجة يعني زوجات النبي ﷺ  وأقاربه ومن حوله هذا شيء متوقع صح ؟ لكن عندما تقرأ في القرآن الكريم لا تجد ذكرا لهم ، لكن تجد ذكر مريم أكثر من عائشة وخديجة ، تجد ذكر عيسى ابن مريم أكثر من يمكن محمد ﷺ في القرآن ، وموسى ، فهذا تلفت نظر الذي كان مسيحي أو كان يهودي ثم يدخل في الإسلام ويجد هذا الحضور الشديد لموسى وعيسى في القرآن الكريم ومريم ابنت عمران عليهم السلام جميعاً هذه فقط إشارة عن هذه الآية .
د.محمد الخضيري : في قول الله عز وجل :{ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ } طبعاً إن قلنا أن هذه مناظرة فهو واضح لأنه جلس مع قومه من أجل أن يقنعهم بأن هذه الكواكب إنما هي مخلوقات وليست خالقة وكائنات يتصرف بها الله سبحانه وتعالى وليست هي المتصرفة وليس لها حق في الألوهية.
وإذا قلنا -كما ذكر الدكتور مساعد قبل قليل- من أنه كان إبراهيم ينظر لنفسه ليتعرف على ربه فإن الأمر فيها واضح جداً ولذلك في قول الله عز وجل :{ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي } إن قلنا أنه كان مُناظراً نقدِّر استفهاماً فنقول أهذا ربي ؟ {قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِين} ، وإن كانت -لا- إنما ينظر لنفسه فهذا التقدير غير موجود طبعاًً.
 { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ } يعني أظلم عليه الليل فالاجتنان بمعنى الاستتار يعني ستره الليل بظلامه.
 {رَأَىٰ كَوْكَبًا} والذي يظهر أن هذا كوكب كانوا يعبدونه ويعظمونه إما الزهرة أو غيرها من الكواكب.
 { قَالَ هَٰذَا رَبِّي } ولاحظوا أنه اختار كلمة ربي الربوبية الدالة على التصرف والمُلك والسيادة لأن الاحتجاج سيكون من هذا المُنطلق على أمر آخر وهو هل لها حق في الألوهية أو لا؟ كما سيأتي في آخر القصة.
قال: { فَلَمَّا أَفَلَ } يعني غاب { قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} معنى ذلك أنه يغيب عن مخلوقاته أو عن عابديه فمثل هذا لا يستحق أن يكون إله ، فالإله الحق هو الذي يهيمن ويتصرف ويدبِّر ولا يصيبه شيء من السِنة ولا النوم ولا الغيبة ولا الغفلة تعالى الله سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً .
د.مساعد الطيار : لاحظ عبارة ابن عباس عن طريق علي بن أبي طلحة حينما  لا يرجع الإنسان إلى عبارات السلف يستوحش أحياناً من بعض العبارات لو قيلت ، مثل لاحظ هذه العبارة موجودة منذ أيام السلف يقول في هذه الرواية : { وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِين } قال : "يعني به الشمس والقمر والنجوم الذي -هو ملكوت السماوات والأرض- {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي } قال : فعبده حتى غاب فلما غاب { قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِين }".
 قتادة قال : "علِم أن ربه دائمٌ لا يزول فقرأ حتى بلغ {هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ } قال : فرأى خلقاً هو أكبر من الخلق الأول وأنور، فكأنه الآن هي -كما قلت من قبل- بحث واستدلال لنفسه وحُجة على قومه لأن ما وصل إليه في النهاية سيكون حُجّة على قومه أنكم عقولكم هذه كيف لم تهتدي إلى أن هذه لا يمكن أن تُعبد ولا تستحق العبادة لأنها فيها هذه الصفة صفة الأفول والغياب.
د .محمد الخضيري : طبعاً هذا قبل النبوة لأن النبي لا يمكن ... .
د. مساعد الطيار :  ونتيجة لنظره هذا اصطفاه الله وأراه ملكوت السماوات والأرض وأوصله إلى مرتبة اليقين ، ولهذا {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ} فهذا من الرُشد أنه بحث حتى وصل ولهذا طبعاً لا نريد أن نخرج عن الآيات لكن من أكبر أسئلة الفلاسفة هو قضية البحث عن الإله وصفات هذا الإله ظناً منهم أنهم يستطيعون الوصول إلى الإله ، نعم العقل قد يُوصل إلى أنه يوجد لهذا الخلق خالقاً لكن صفات هذا الخالق على التفصيل لا يمكن الوصول إليها، قد تصل إلى بعض الصفات بالعقل ، وكذلك كيف تعبد هذه الإله ، هذا لا يمكن إلا برسالة، ولهذا ليس لك أنت إلا الاستسلام -يعني لو تصورنا وافترضنا رجلاً هكذا- إلا الاستسلام العام لهذا الإله لكن كيف أعبده .. ماذا يريد مني هذا الإله، لا يمكن أن يكون هذا إلا بالشرائع .
د .عبد الرحمن الشهري : وهذا هو معنى قول الله تعالى في حق النبي ﷺ عندما قال :{ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ } تجد أن المفسرين عندهم أقوال كثيرة في هذا المقصود أنك كنت ضال ، وفي آية أخرى قال : { مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} فالتفاصيل التي عرفها النبي ﷺ بالنبوة طبعاً أكيد ما عرفها إلا بالنبوة وبالوحي لكنه من سيرة النبي ﷺ محمد أنه لم يسجد قط للأصنام ولعلك ذكرت يوم كنا نتحدث في الموضوع هذا لأن السجود للصنم -عبادة الأصنام- هي خلل في العقل قبل أن تكون خلل ديني هي خلل في العقل كيف تسجد لهذا ولذلك إبراهيم قال لأبيه: { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} فعقلاً هي مخالفة للعقل ، فالنبي ﷺ ثبت فعلاً أنه لم يسجد للأصنام لكنه ما كان يعرف تفاصيل الصلاة ولا تفاصيل التوحيد ولا الأسماء ولا الصفات ما جاءت إلا بالوحي وهذا هو الضلال الذي وُصف به، لكن قطعاً ليس نبي من الأنبياء كان في سابقه قبل النبوة يعني منحرفاً انحرافاً في سلوكه وإنما كما تفضل الدكتور مساعد هي يعني عدم معرفة تفاصيل الشرائع لا تكون إلا بالوحي قطعاً وإلا كيف يتميز النبي عن غيره .
د.محمد الخضيري : في قوله :{ فَلَمَّا أَفَل َقَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِين } يعني استدل بهذا الأفول على أن هذه الكواكب ليست آلهة وأن الإله الحق هو الذي لا يغيب عن مخلوقاته وعن تدبير ملكه وإلا كيف يكون سير هذا الكون وحركتة الدائبة وانتظامه العظيم .
د .عبد الرحمن الشهري : ولاحظ هنا كيف تدرج كوكب صغير ثم انتقل للقمر -الذي هو أضوأ وأقرب- ثم انتقل إلى الشمس وقال هذه أكبر .
 د.محمد الخضيري : { فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ } 
في قوله : { لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي } كأن هذا من الحُجج الذي يقول بها من يرى أنها كانت مناظرة لأنه يقول :{ رَبِّي } .
د. مساعد الطيار : هو يذعن بوجود الإله ، هو بداية عبادته إذ علِم بوجود الرب لكن من هو ؟ هل هذا الذي يعبده قومه أو هذا أو هذا حتى هو وجد أن هذه كلها لا تصلح أن تكون فاستسلم لهذا الإله المطلق عنده غير محدد الآن { لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ}.
د.محمد الخضيري : { فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً } طبعاً العلماء يقولون أن هذه الكلمة إذا كان مناظراً فهي على سبيل التنزّل مع الخصم يعني أهذا ربي؟ أهذا الذي تريد أنه ربي ، خلاص أنا سأسلم لك بذلك ريثما نصل إلى تفنيد هذه الحجة وإبطال هذه الشبهة .
 د .عبد الرحمن الشهري :  هذه طريقة مهمة جداً في المحاججة والمناظرة سلكها إبراهيم نفسه في مجادلة النمرود في البقرة {قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ } فتركه من هذا وتنزّل معه وقال : { فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ } فهذه طريقة مهمة التنزل مع الخصم .
 د.محمد الخضيري : {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَال َ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} أعلن براءته الكاملة من كل معبوداتهم التي يشركون بها مع الله سبحانه وتعالى ، ثم أعلن توحيده فقال :{ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} فأنا لا أتجه في عبادتي ولا أعبد إلا الله سبحانه وتعالى الذي خلق هذه الكائنات التي أنتم تذعنون لها وتعبدونها من دونه جل وعلا وهذا هو اللائق بي وبكم ، وقال :{حَنِيفًا} أي مائلاً عن الشرك قصداً إلى التوحيد لأن الحنف يأتي بمعنى الميل فحنيفاً هنا بمعنى مائلاً عن الشرك إلى التوحيد قصداً يعني إرادة وعمدا .
قال: { وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين } تأكيد لقوله {حَنِيفَاً } ما أنا منهم يعني لا يمكن أن أُنظم في سلكهم أو أكون في دائرتهم لأن ما يفعلونه مخالف للفطرة السوية وللعقول الصحيحة .
د .عبد الرحمن الشهري :  وهذا دليل على أنهم أيضاً كانوا يعبدون كل هذه الأشياء يعني هذه الكواكب وهذا القمر يعني هناك من كان يعبد هذا ومن كان يعبد هذا والأصنام كانوا متنوعي المعبودات .
د. مساعد الطيار : إذا سمحتم لي أن أقرأ لكم عبارة الطبري وإن كانت طويلة قليلاً فيها إشارة إلى أن إبراهيم كان ناظراً ويعترض على من اعترض على رؤية ابن عباس يقول : "وأنكر قوم من غير أهل الرواية هذا القول الذي روي عن ابن عباس -وهي رواية علي بن أبي طلحة- وعن من رُوي عنه يقصد -قتادة واسحاق وابن عباس رضي الله عنهم- من أن إبراهيم قال للكواكب أو للقمر هذا ربي وقالوا هذا غير جائز أن يكون لله نبي ابتعثه بالرسالة أتى عليه وقت من الأوقات وهو بالغ إلا وهو لله موحد وبه عارف ومن كل ما يُعبد من دونه بريء ، قالوا: ولو جاز أن يكون قد أتى عليه بعض الأوقات وهو به كافر لم يجز أن يختصه بالرسالة لأنه لا معنى فيه إلا وفي غيره من الكفر به مثله وليس بين الله وبين أحد من خلقه مناسبة فيُحابيه باختصاصه بالكرامة قالوا : وإنما أكرم من أكرم منهم لفضله في نفسه فأثابه لاستحقاقه الثواب بما أثابه به من الكرامة وزعموا أن خبر الله عن قيل إبراهيم عند رؤيته الكواكب أو القمر أو الشمس { هَذَا رَبِّي } لم يكن لجهله بأن ذلك غير جائز أن يكون ربه وإنما قال ذلك على وجه الإنكار منه أن يكون ذلك ربه وعلى العيب لقومه في عبادتهم للأصنام إذ كان الكوكب والقمر والشمس أضوأ وأحسن وأبهج من الأصنام ولم تكن مع ذلك معبودة وكانت آفلة زائلة غير دائمة والأصنام التي دونها في الحسن وأصغر منها في الجسم أحق أن لا تكون معبودة ولا آلهة قالوا : وإنما قال ذلك لهم معارضة كما يقول أحد المتناظرَين لصاحبه معارضاً له في قول باطل قال به بباطل من القول على وجه مطالبته إياه بالفرقان بين القولين الفاسدين عنده الذين يصحح خصمه أحدهما ويدعي فساد الآخر ، وقال آخرون بل ذلك كان منه في حال طفولته وقبل قيام الحجة عليه وتلك حالة لا يكون فيها كفر ولا إيمان -معناه فيه إشكال- وقال آخرون منهم : إنما معنى الكلام أهذا ربي ؟ على وجه الإنكار والتوبيخ أي ليس هذا ربي وقالوا: قد تفعل العرب مثل ذلك فتحذف الألف التي تدل على معنى الاستفهام وزعموا أن من قول الشاعر : رفوني وقالوا يا خويلد لا تُرى ** فقلت وأنكرت الوجوه همُ همُ
 -يعني أهمُ همُ- .
قالوا : ومن ذلك قول ... :
 لعمرك ما أدري وإن كنت داريا ** شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر
 أي أشعيث بن سهم وحذف الألف ونظائر ذلك.
وأما تذكير هذا في قوله : {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي} فإنما هو على معنى أهذا الشيء الطالع ربي . قال : وفي خبر الله تعالى عن قيل إبراهيم حين أفل القمر { لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ } الدليل على خطأ هذه الأقوال التي قالها هؤلاء القوم وأن الصواب من القول في ذلك الإقرار بخبر الله تعالى ذكره الذي أخبر به والإعراض عن ما عداه" يعني ذهب إلى قول ابن عباس وقتادة وابن إسحاق .
د .عبد الرحمن الشهري :  يعني هو يرى أن استدلالهم بآخر الآية ليس لهم وإنما عليهم {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي } وهذا كلام الحقيقة جميل أسلوب الطبري رحمه الله .
 د. مساعد الطيار :  وهذا ظاهر والعجيب أنه ليس عند السلف قول آخر أنه كان مناظراً -وهذه أقوى أيضا- أي نعم لم يرِد عن السلف أن إبراهيم كان مُناظراً وإنما هذه كما تلاحظ أنها أقوال يذكرها الطبري لأقوال متأخرين ثم سار هذا القول المتأخر الذي ذكره السعدي والشنقيطي وابن كثير وابن عطية ولهذا أنا دائماً أدعوا الطلاب في مثل هذه المقامات ، الطلاب أحياناً حينما يأتون يبحثون عن آية لا يبحثوب بطريقة الترتيب التاريخي يبحثون عن أشهر المفسرين وماذا قالوا. اذكر هذه الآية كانت من الآيات التي ناقشتها مع الطلاب -طلاب الدراسات العليا- في أحد السنوات في مادة التفسير فطبعاً كانت مثار إشكال واعتراض كامل جداً من عندهم لكن بعد المناقشة والمداولة والأخذ والعطاء يعني تبين لهم على الأقل حجة قول السلف في هذا وأنا أذكر أحد الباحثين كتب بحثاً -لكن لا اذكر اسمه الآن- يعني كتب بحثاً يحتج بقول السلف وأن إبراهيم كان ناظراً ولم يكن مُناظراً وأنه لم يرد عن واحد من السلف أنه قال أن إبراهيم كان مناظراً .
د.محمد الخضيري : هذه الآيات الحقيقة تدلنا على ما أسلف فيه الدكتور عبد الرحمن قبل قليل أو في الحلقة الماضية وهي أهمية أن يتسلح الإنسان بالعلم والحُجج عندما يريد أن يدعو إلى التوحيد وإلى هذه الشرائع العظيمة التي أوحى الله بها إلى أنبيائه وأنه لا يكفي في ذلك مجرد العواطف والحب لهذا الدين لأن هذا الأمر لا يلبث أن ينقشع بل قد ينكسر أمام شبهة واحدة يلقيها بعض هؤلاء.
 حدثني مرة أحد الإخوة المحبين للدعوة يقول : كنا جالسين في مكان عام فجاءنا رجل وألقى علينا شبهة يقول الحقيقة نحن نعلم أنها باطل لكن لا نعرف كيف نرد عليها فعرفنا بذلك أن الإنسان لابد أن يكون متسلح بالعلم، العلم سلاح بل هو من أعظم الأسلحة في ميدان مجابهة الآراء والشبهات والشكوك والأقوال التي تضاد دين الأنبياء ولذلك في القرآن جاء قول الله عز وجل :{ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا } فسمى الجهاد بالقرآن الجهاد الكبير لذلك أنا أحث الشباب وأقول لهم إن الأوقات التي تمضونها في طلب العلم وفي تعلّمه وفي التحصن والتسلح به هي من الجهاد في سبيل الله ويؤكد هذا المعنى قول الله عز وجل :{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} فجعل المؤمنين على صنفين : صنف يقاتلون وصنف يطلبون العلم ، قال العلماء : هذا فيه دلالة على أنهم جميعاً مجاهدون ، وأحقهما في نظري بالجهاد هو من يجاهد في كل الأحوال وهو طالب العلم لأن المجاهد في السلاح يجاهد في حال دون حال متى ما سنحت فرصة لمواجهة الأعداء بالقوة وبالسيف فعل ذلك لكن الجهاد بالعلم يحتاجه طالب العلم والعامي والسائل والمتشكك والملحد والكافر واليهودي والنصراني والكبير والصغير ويُبذل في كل وقت، فحري بنا أن نحرص عليه وأن نحتسب كل دقيقة فيه لأنه من ما يحبه الله سبحانه وتعالى ويرفع به صاحبه.
د. مساعد الطيار: إن سمحتم لي أكمل فكرة استدلال السلف .
قد يقول قائل : ما الفضيلة في كون إبراهيم أن يكون ناظراً ؟ لأنه أيضاً لو جردنا الموضوع ونظرنا إلى -مثلاً- واحد في بيئة كافرة أو نصرانية ثم هداه الله سبحانه وتعالى، من نفسه بدأ يسأل ويستفسر يعني بعضهم يسأل عن التثليث وكيف يكون الثلاثة واحد .. إلخ ثم اهتدى إلى الإيمان نعُد عمله هذا منقبة لا أحد يعدُّ أن هذا خطأ، فيعني إذا تجردنا عن المشكلات الذهنية التي عندنا ونظرنا إلى فعل إبراهيم هو في الحقيقة فعل إبراهيم منقبة يعني كون إبراهيم في هذا المحيط المشرك خرج من بينهم يسأل هذه الأسئلة ويعترض هذه الاعتراضات حتى يتبرأ يعني هو لاحظ أنه تبرأ الآن من هذه المعبودات قبل أن يأتيه الوحي قال :هذه ما تصلح معبودات إذاً هذا الرشد ، هذا العقل الذي أعطاه الله أوصله إلى أن يُبطل هذه المعبودات قبل أن يأتيه الوحي فأكرمه الله سبحانه وتعالى بالوحي وأكرمه بأن أراه ملكوت السماوات والأرض وأوصله إلى درجة اليقين .
 د.محمد الخضيري : شاهداً على مع ذكرت يا أبا عبد الملك الأسبوع الماضي قابلت رجلاً من علماء فقلت له كيف اهتديت إلى السنة؟ فقال : أنا ما اهتديت إلى السنة بدعوة أحد ولكن وصلتني نسخة من سنن الترمزي ، قال : فعزمت أن أقرأ سنن الترمزي قال : أنا كنت أشرح جواهر المعاني وكتب كثيرة من كتب الصوفية والتيجانية وغيرها ومتمكن فيها قال : فكلما نظرت في سنن الترمذي وجدت أنني أبتعد كثيراً بما كنت عليه عن هذا المعين الذي لا يشك أحد أنه من كلام النبي ﷺ وسيرته وهديه لا وكلام أهل العلم يقول: لأن الترمذي رحمه الله بعد كل حديث قال أبو عيسى : "وقد كان على هذا جماعة أهل العلم" ثم يذكرهم يعني مثلاً البخاري وأحمد وإلى آخره فيقول : كنت انظر حالي تختلف عن حال هؤلاء إذا كانت هذه سنة النبي ﷺ واضحة فماذا أنا عليه؟! فلم أجد شيئاً من الباطل الذي كنت عليه موجوداً في سنن الترمذي قال : فانتهيت من سنن الترمذي وأنا أعلن براءتي من ما كنت عليه.
 وقد نشرت أنا هذا له في تويتر سجّل ذلك كاملاً في أربعين دقيقة، كانت الحقيقة عجيبة من العجائب لأنه الحقيقة ما كانت عن مناظرة أو مجادلة مع آخرين وإنما كان عن نظر توصل به إلى الحق. وبهذا ندعوا نحن كل إنسان أن ينظر فيما يموج في المجتمع نظرة صادقة كما قال الله عز وجل :{ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ ۖ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ} تستعين بشخص أو تكون لوحدك لتتأمل الأمر على الحقيقة وتعرض الأدلة وتبدي فيها وتقايس وتنظر فإنك إذا كنت صادقاً فإن الله سبحانه وتعالى لا يضيع جهدك وسيهديك إلى الحق لكن بشرط أن تكون صادق في عرض هذه الأمور ومتجرد من أي تبعات أخرى والله الأباء .. ماذا سيقول الناس .. سيذهب منصبي .. ستذهب علي دنياي ، هنا هذه عوائق تعوق نظر الإنسان أو اتباعه للحق .
د .عبد الرحمن الشهري : وطبعاً ترى هذه ضغوطات ليست سهلة ، ضغط المجتمع وضغط العادات وضغط التقاليد ليس سهلاً ، وأيضاً الذي يوفقه الله سبحانه وتعالى للتوجه للبحث الحقيقي عن الصواب وعن الحق في وسط هذه الضلالات المتراكمة هذا أيضاً توفيق عظيم لذلك قليل من الناس من يهديه الله سبحانه وتعالى لهذا ، وإلا وأيضاً على جهة أخرى يا دكتور ترى معظم أو أكثر، شريحة عظيمة من الناس هي ليست مع ولا ضد وإنما تنتظر الحق كيف يظهر إن ظهر في معرض مُقنع على لسانك اتبعوه وإن ظهر على لسان خصمك اتبعوه وهذا الذي أنا أتصور أن الدعاة ينبغي أن يركزوا عليه .
د.محمد الخضيري : لعلنا نكمل هذه القضية في مجلس قادم بإذن الله .. مشاهدينا الكرام انتظرونا في مجلس قادم وإلى لقاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق