السبت، 29 نوفمبر 2014

ليدبروا آياته/ سورة النازعات

د. ناصر العمر


سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد ..
أيها الإخوة فنقف اليوم مع سورة النازعات وسأحاول أن آخذها كاملةً لترابطها ولوحدة موضوعها فنستمع الآن إلى قراءة السورة أولاً ثم بعد ذلك -بإذن الله- أقف مع ما تيسر في الوقت المحدد مع هذه السورة العظيمة .
 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا * يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ * يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ * أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً * قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ * فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَىٰ أَنْ تَزَكَّىٰ * وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ * فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ* فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ * فَحَشَرَ فَنَادَىٰ * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ * إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَىٰ * أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ * فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَىٰ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَىٰ * فَأَمَّا مَنْ طَغَىٰ * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ * يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَىٰ رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ) .
هذه السورة كما استمعتم تتحدث عن الطغيان وعن نسيان اليوم الآخِر وعاقبة الطغيان وماذا سيحدث بعد ذلك .
بدأت بهذا المطلع القوي الذي يهز القلوب هزاً
 ( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا * يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ )
هكذا هذا المطلع فعلاً ترجف معه القلوب أيها الأخوة وكل هذا تمهيدٌ لما سيأتي بعده ، هذه الأقفال العظيمة في هذه السورة العظيمة تبيِّن أن الإنسان إذا أراد أن يتحدث بموضوع أن يقدَِم بمقدمة تتناسب مع الموضوع فالحديث عن اليوم الآخر يختلف عن الحديث عن الدنيا و زينتها، الحديث عن الكفار يختلف عن الحديث عن المنافقين، وهلم جرَّا فلكل مقام مقال وهكذا منهج مضطرد في القرآن فلذلك فالداعية وطالب العلم والمُعلم والمربي يجب أن يتناسق كلامه من أوله إلى آخره -كما لاحظتم- في هذه السورة كيف فعلاً ترجف معها القلوب من أولها إلى آخرها .
 سورة النازعات تُسمى سورة النازعات أو والنازعات، وقيل الساهرة، وقيل الطامة لأنها كلها وَرَدَت فيها ولكن أشهر أسمائها وهو الذي دأب عليه المفسرون وهو الموجود في المصاحف أنها سورة النازعات ، وهذه السورة مكية إجماعاً فليس هناك خلاف بين المفسرين أنها نزلت في مكة وسياقها يؤكد هذا الجانب لأنها تتحدث عن البعث واليوم الآخر وهذا ما كان ينكره الكفار من أهل مكة وغيرهم أما أهل المدينة فهم المؤمنون وإن وُجد المنافقين أواليهود أو من يشارك الكفار في ذلك ، إذا فالسورة مكية.
 وهذه السورة تركز على تأكيد البعث والجزاء على اليوم الآخِر وعلى ما يحدث هناك من خير أو شر من عقاب للكافرين المنكرين للبعث و من جزاء للمؤمنين.
 افتتح السورة بهذه الأقفال العظيمة القَسَم بالملائكة الأبرار ( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ) كل هؤلاء أو كل هذه الأقفال كالملائكة كما سيأتي بإذن الله ، ثم بعد ذلك صوَّر حالة المشركين وجاء بمثلٍ واقعٍ للعبرة تذكرة وعبرة لمن يخشى ألا وهي قصة فرعون وما حدث له من طغيان وكيف ستكون عاقبته وكيف كانت قبل ذلك.
 ثم وهذه وقفة أيضاً مهمة عندما خاطب الله جل وعلا المنكرين للبعث أو في البعث خاطبهم بأسلوبين : بأسلوب الترقيق والتخويف وبأسلوب إقامة الدلائل والحُجَج وهذا منهج -بإذن الله- سأشير إليه أثناء حديثي في هذه السورة .
 ثم خُتِمَت السورة بما يكون وما سيكون في يوم القيامة .
 / في قوله جل وعلا : ( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ) هي الملائكة تنزع أرواح الكافرين بل قال العلماء تغرق في نزع أرواحهم من جميع أطراف أبدانهم لأن الروح أيضاً متفرقة في البدن وعند الموت تزداد تفرقاً فتأتي الملائكة وتغرق أي تنشغل في نزع أرواحهم فكل عضو من أعضاء الكافر يتعذب في نزع الروح منه قلبه وبدنه وقدمه ورجله ورأسه يتفرق الروح فيه.
/  ( وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ) هذه الناشطات أي هي التي تنشط في قبض أرواح المؤمنين برفق ، انظروا الفرق بين ( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ) (وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ) فبالنسبة للكفار تنزع نزعاً ،وأيضاً في شدة ( غَرْقًا ) تدل على ذلك مستغرقةً في هذا الأمر بينما أرواح المؤمنين -جعلنا الله و إياكم ممن يخِفّ عليهم النزع- ( وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ) فهي تنشط في قبض أرواح المؤمنين برفق ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث : ( المؤمن يموت بعَرَق الجبين ) وكم والله حدثنا من أناس عمن حضروا وفاة بعض المؤمنين من آبائهم أو إخوانهم أو غير ذلك يقول : كأنه نائم لم نحس إطلاقاً بقبض روحه لأنها تُنزَع الروح كما تُسَل الشعرة من العجين برفق وهذه حسن خاتمة جعلنا الله وإياكم من هؤلاء .
 / ( وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ) أي تسبح بين السماء والأرض قيل تسبح : أي حاملةً الأرواح فأرواح الكفار تُرَد إلى أسفل سافلين وأرواح المؤمنين يُصعَد بها إلى السماء في جنات النعيم .
/ ( فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا ) وكلها في الملائكة، كل هذه الأقسام وهذه الأوصاف كلها في الملائكة فهي سابقةٌ لتنفيذ أمر الله جل وعلا فالملائكة ( لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) وهذه إشارة لنا أي أن نستبق ونتسابق بطاعة الله جل وعلا ( سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) ( سَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) فأقسم بهم لأن هذه حقيقتهم وهذا شأنهم وهذا دأبهم يتسابقون ويتبادرون لتنفيذ أمر الله جل و علا . ( فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا )
/ ثم بعد ذلك يقول : ( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) هؤلاء المدبرات أمراً يقومون وينفذون أمر الله جل وعلا فهم يسعون في تدبير أوامر الله في الخلق فهذا مُكلَّفٌ بالمطر.. وهذا مُكلّّفٌ بالماء.. وهذا مُكلَّفٌ بالأرزاق.. وهذا مُكلَّفٌ -كجبريل- بالوحي.. وهذا مُكلَّفٌ بقبض الأرواح فهي إذاً متنوعة الأعمال و كلها تحقق تنفيذ أمر الله جل وعلا .
/ ثم قال بعد ذلك : ( يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ) قيل أن هذا القول متضمنٌ لجواب القسم لأنه كأن السائل يقول : وماذا بعد هذه الأقسام العظيمة قال : ( يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ) أي أن وعد الله حق أي أن قيام القيامة والبعث والجزاء حق من الله جل وعلا.
 وقيل: أن جواب القسم هو في ذات الملائكة أي أن الملائكة كلهم يفعلون ذلك. ولكن الأول هو الأقوى و الله أعلم .
/ ( تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ) فهما صيحتان أو نفختان -كما تعلمون- في الصور وهذا أمر معروف وسيأتي ببيان له في اللقاءات القادمة بإذن الله ، إذاً فهناك ( الرَّاجِفَةُ ) وهناك ( الرَّادِفَةُ ) تُبيِّن هذا الأمر ، ثم هذا المطلع ( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ) يتناسب ذكر الموت لأنه أول مراحل الآخرة فبدأ بذكر الموت أي ( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ) أي تقبض الأرواح سواءً قبض أرواح الكفار أو قبض أرواح المؤمنين فهو متناسب مع بداية الحديث عن اليوم الآخر ( فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ ) ثم بيان الجزاء فأيضاً جعل المطلع يتناسب مع ما سيأتي بعد ذلك.
/ ( قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ) هنا لفتة جميلة قال العلماء : المراد بهؤلاء هم الكفار قلوبهم واجفة مضطربة غير مطمئنة ما قال : أبصارهم خاشعة ، قال : ( أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ) هذه لفتة تدبرية قالوا : أي كأن الأبصار للقلوب لأن ما يحدث في القلوب يظهر على الأعين فأنت أحياناً ترى إنساناً -كما قلنا في الدرس الماضي- ترى الأثر على وجهه ، في سورة عَبّسَ ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ) وبعد ذلك ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ) أيضا هنا الأبصار، تعرف أحياناً من النظر إلى البصر ، قد يكون البصر يبرق سروراً وبشرى، وقد يكون كئيباً ذليلاً خائفاً وجِلاً فربطها بالقلوب فهناك رابط -قال العلماء- بين القلوب وبين الأبصار وما يحدث في القلوب المكتومة يظهر على الأعين التي تُرى ولهذا قال : ( أَبْصَارُهَا ) ولم يقل أبصارهم من مزيد التأكيد أن العين تُنبئ عما في القلب غالباً والله أعلم .
/ ثم يقولون هنا بدأوا يذكرون شبههم ( أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ ) و ( الْحَافِرَةِ ) هي الأرض أو القبور ( أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ ) بعد ذلك  أي لمرددون مرة أخرى للأرض أي للبعث فهذا من إنكارهم من باب الإنكار لا سؤال فليس سؤالاً صحيح ( أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً * قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ) كل هذا استهزاء وسخرية فيما جاء به النبي صلى الله عليه و سلم من تأكيد البعث .
/  ثم يقول الله جل وعلا : الأمر ليس كما تتصورون، أنتم استعظمتم هذا الأمر وأنه كيف يكون البعث وكيف يكون ( فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ) فقط ( فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ) الأرض سميت ساهرة لأن من فيها قالوا يسهر ، الشاهد أن الساهرة هي الأرض أي يخرجون من قبورهم فيصبحون على الأرض استعداداً للبعث والجزاء ( فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ) أي أن هذا الذي تستبعدونه وتقولون هل يمكن أن يتحقق أمر سهل جداً على الله جل وعلا ليس أكثر من نفخة واحدة -زجرة واحدة- تعيد جميع الخلائق جميع هؤلاء من أولهم إلى آخرهم في زجرة واحدة بينما أنتم تستبعدون تحقق هذا الأمر.
 ثم بعد ذلك يتواصل في مثل هذه المعاني العظيمة في دلالة هذه السورة
/ ( يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ) قال العلماء : هذا أسلوب بليغ لتحقيق المقصود ، مرةً يأتي الإطناب والتوسع في الخطاب ومرةً يأتي الاختصار كما هو هنا والله أعلم .
( فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ) فهذا الذي تكذبونه وتستبعدونه سيتحقق في ذلك ، ثم هنا أهمية الحديث عن اليوم الآخر وهنا نوجه الدعاة وطلاب العلم إلى هذا المعنى قد يقول قائل إن المؤمنين -ولله الحمد- لا يحتاجون إلى هذا المعنى فهم يؤمنون بالله جل وعلا ويؤمنون باليوم الآخر وهذه السورة و أمثالها نزلت في مكة لمنكري البعث نقول : هذا صحيح وله وجهه ولكن حتى المؤمن حتى المسلم يحتاج إلى التذكير، بالتذكير بالآخرة لأن تذكيره بالآخرة يتخلص من كثير من المعاصي ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) كما سيأتي مزيد بيان في هذا بإذن الله.
/ ثم بعد أن قرر البعث و الجزاء جاء هذا السؤال للنبي صلى الله عليه و سلم ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ ) لاحظوا هذا السؤال ( هَلْ أَتَاك)  يا محمد (حَدِيثُ مُوسَىٰ ) ؟ من أكثر ما ذُكر في القرآن من قصص الأنبياء قصة موسى عليه السلام  بني إسرائيل وهي متكررة فهي في عشرات المواضع ، لم يرد قصة نبي ولا رسول كما وردت قصة موسى تُكرَر بأساليب مختلفة ، ذكر العلماء لذلك حِكَمَاً من أبرزها قالوا :
أولاً : فيها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولأنكم تعلمون أنه ما بين موسى وما بين محمد صلى الله عليه وسلم هم كلهم تبعٌ لموسى حتى عيسى عليه السلام فقد جاء بالإنجيل فيه المواعظ إكمالاً قالوا و تتمةً لأن التوراة فيها الأحكام و التوراة فيها المواعظ و من جاء بعده قالوا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الذين يكذبونك ويؤذونك ألم يأتك حديث موسى إقرأ وتأمل ما أوحينا إليك به فقد كُذِّبَ وأوذي موسى ومن أشد الأنبياء أذىً إيذاء موسى ولاشك أن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أوذي كثيراً والفارق أن الأنبياء يؤذَون -لاحظوا- من أعدائهم إلا موسى عليه السلام فقد أُوذيَ من أتباعه هذا الفرق ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يُؤذى من أتباعه إنما أُوذِى من أعدائه -من الكفار.. من المنافقين- وهم ليسوا من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم في الحقيقة إنما يتسترون بها من اليهود ومن غيرهم وكلهم آذوا النبي صلى الله عليه وسلم، لكن أتباعه -صحابته- كانوا يُجلُّونه.. يقدرونه.. ويعظمونه ولذلك الذين يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم قد فارقوا الإيمان وأعلنوا للنبي صلى الله عليه و سلم الكفر (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) فلعنهم الله في الدنيا والآخرة لكن موسى عليه السلام الذي يتابع القرآن أيها الاحبة يجد أن الأذى لم يكتفي أذى فرعون بل حتى عندما جاء فرعون وانتهى فرعون وهلك فرعون آذاه قومه ( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ) لاحظوا يخاطب قومه، وفي قصة العجل الذين وقعوا في العجل وأشركوا من قوم موسى عليه السلام ، وفي التيه الذين قالوا له : ( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُون ) أيضاً هم ممن آمن بموسى عليه السلام فلذلك ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ ) فهو تسلية للنبي صلى الله عليه و سلم وتثبيت له فيقال له : إن ما أصابك إنما أصاب من قبلك ، من أشد من أصابه الأذى هذا هو موسى عليه السلام من الكافر والمؤمن ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) في آخر سورة الأحزاب ( لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ) .
وفي هذا أيضاً رسالة للداعية أنه قد يؤذى من بعض المدعوين ..من بعض المؤمنين بسبب التُّهم أو الخطأ أو الاستعجال فلذلك يتأسى بموسى و يتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم. إذاً هذه قالوا الحكمة الأولى من تكرار وتعدد قصص موسى عليه السلام حتى تأتي سورة إسمها القصص كما تعلمون ، وفي سورة الأعراف وغيرها وفي سورة طه كلها الحديث عن موسى وبتفصيل دقيق لما حدث لموسى عليه السلام وما حصل معه .
قالوا الحكمة الأخرى : أيضاً أن هناك شبه بين طُغيان كفار قريش وبين طُغيان فرعون ففرعون طغى وقال : ( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ) وحدث من أتباعه أي من الأقباط ما حدث كذلك في كفار قريش من سمّاه النبي صلى الله عليه وسلم فرعون هذه الأمة فأبو جهل فرعون هذه الأمة إذاً هناك تشابه في حالة الذين بُعِث لهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم كفار قريش وغيرهم من كفار العرب لكن أشد من آذى النبي صلى الله عليه وسلم كفار قريش والكفار في مكة وبين ما حدث من فرعون وقومه فهذا أيضاً فيها دلالة حتى كيف يتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع هذه الأحداث.
 وأيضاً قالوا : من الفوائد من ذكر قصة موسى هو الفأل -التفائل- مع كل ما قاله فرعون و مع هذا الطغيان ماذا في النهاية ويقول : (وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ) يُهلَك بلحظة بالغرق في الماء الذي يقول : ( وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ) يُغرِقه الله في الماء حتى أصبح جيفةً يُرى ( لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ) والتشابه هنا بالفأل أن أصحاب موسى قالوا لموسى عليه السلام : ( إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ) (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ) الأدلة الظاهرة تدل على قُرب إدراك فرعون لهم وليس معهم سلاح ، البحر من أمامهم وفرعون من خلفهم فهنا يحتاج إلى قلوب مؤمنة للتعامل مع هذا الحدث فما هو إلا أن يقول موسى عليه السلام : (قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِين ) زجر وردع ما قال : ما تقولوه صحيح سأسأل ربي قال : ( كَلَّا ) ، و ( كَلَّا ) كلمة ردع و زجر ( إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِين ) لن يدركنا فيأتي الفأل فورياً ( فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانْفَلَقَ ) ... إلخ الآيات ، الشبه هنا أن كفار قريش تعاظموا أنفسهم وجاءوا في بدر يبحثون عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن نجت العير وسلِمت العير التي خرجوا من أجلها وقد خرجوا بجلَبهم وقوتهم قالوا : لا لن نترك محمد ، والنبي صلى الله عليه وسلم خرج من أجل العير فقط لم يستعد للقتال فهم خرجوا ضِعاف ليس معهم سلاح، وقِلة فيلتقون في بدر يلتقي فريق قُرابة الألف ومعهم الخيل ومعهم السلاح ومعهم العتاد ومعهم الاستعداد للحرب والنبي صلى الله عليه وسلم مع هؤلاء القِلة من المؤمنين ولكنهم أيضاً ما خرجوا أصلاً للقتال وما معهم إلا سلاح قليل فهم أيضاً حالة فيها شبه من حالة بني إسرائيل والضعف الذي كانوا فيه ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) إذاً هذا تشابه فكأن هذه الآيات لأنها حدثت حادثة بدر بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الآيات نزلت في مكة يقال لمحمد : اطمئن مهما فعل كفار قريش ومهما طغوا ومهما تكبروا لن يصلوا إلى طغيان فرعون لأنه لا شك أن فرعون أعظم طغياناً ومع ذلك انتهى بلحظات ( نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى ) فكانت هذه هي العاقبة ، هذا فأل للنبي صلى الله عليه وسلم.
 ولله المثل الأعلى لو يكون هناك مريض وعنده مرض وجاء للطبيب وهو مُتخوف من مرضه وقال له : اطمئن -بعد الفحص عليه- اطمئن حالتك سبقت حالات وإن كان فيما يظهر أنها صعبة و شُفُوا أهلها .. كم يستبشر المريض ؟ كم يفرح المريض ؟ بل ربما فرحه النفسي يكون سبباً من أسباب شفائه لأن هذا يؤثر في الشفاء، فيقال للنبي صلى الله عليه وسلم : اطمئن يا محمد لن يبلغوا منك ما أرادوا فلم يبلغوا من موسى ما أرادوا ، إذاً جاء سر من أسرار تكرار قصة موسى ولهذا نقول مرة أخرى للدعاة أن يتأملوا و يتدبروا قصة موسى عليه السلام .
ثم ننظر ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ ) ما هو حديث موسى ؟ حديث موسى يبدأ منذ أن وضعته أمه رضيعاً ويتربى في بيت فرعون ويحدث له ما حدث، تصوروا يخرج خائفاً مُترقباً إلى مدين ويبقى عشر سنوات هناك آمناً لما أمّنه صاحب مدين ثم يذهب ويُوحى إليه ويذهب إلى فرعون وتبدأ بينه وبينه المجادلات والمحاورات ثم تكون النهاية إغراق فرعون. إذاً هذه الكلمة..هذه الآية ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ ) تؤكد لنا هذه الحقيقة.
 ثم من تلك الوقفات أن أيضاً القصص مؤثرة وأعظم القصص قصص القرآن حتى أنه قيل أن قصص القرآن قد تبلغ قرابة ثلث القرآن قصص ، تأتي سورة كاملة اسمها سورة القصص، تأتي سورة يوسف عليه السلام كلها قصة من أولها إلى آخرها، إذاً على المُربين الأباء..الأمهات، على المعلمين، على للدعاة أن يُعنَوا بالقصص لكن أن يُعنَوا بالقصص الحقيقية وليس قصص الأدب الكاذب والخيال الذي ليس بحقيقي وقد يكون له من الآثار السلبية (...).
 فالعناية بالقصص مؤثر تربوي ولذلك لا يُعاتَب من يذكر القصة في درسه أو في محاضرته إذا كان فيها عبرة وعظة المهم أن لا تكون كذباً وقد تكون من الأمثال قال العلماء : والأمثال نوع من القصص وإن كانت أحياناً قد تكون لم تقع بحد ذاتها لكنها فيها شبه فالشاهد هذا مما يعالج و يبين هذا الجانب .
/ ثم يقول الله جل و علا في قصة موسى : ( اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ) في سورة طه : ( اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ )
هل هناك فرق ؟ لا ، أولا : قال الله جل وعلا لموسى : ( اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ ) هنا ، بينما في (طه) بعدما طلب وقال : ( وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ) ثم قال بعدها : ( اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ) فالأمر الأول كان لموسى وحده فلما طلب أن يكون أخوه هارون عليه السلام معه واستجاب الله له قال : ( اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ) فهذه وقفة حتى لا يقع إشكال في بعض أحياناً ما نراه من اختلاف الضمائر أو الجمع أو التثنية أو غير ذلك ، وأؤكد على قاعدة ذكرتها مراراً بمناسبة ( اذْهَبْ ) أو ( اذْهَبَا ) وذكرها العلماء : "لا يمكن أن تتعارض آيةٌ محكمة مع آيةٌ مُحكَمة" أبداً ، قد تتعارض أيةٌ محكمة مع آيةً منسوخة (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) والتي بعدها قال : ( يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِن ) يتربصن حول ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ ) هنا نُسِخَت (مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ ) إلى الحول أصبحت ( أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) لأن هذا تعارض واضح لكن إذا كانت مُحكَمَة أي لم تُنسَخ لا يمكن ، إذا وُجد عندك وأنت تقرأ -فائدة هذا الكلام- إذا وجدت عندك إشكال بين آيتين محكمتين فارجع إلى كلام العلماء ستجد الجواب ، وفيه رسالة جميلة ذكرتها مراراً لشيخنا العلامة محمد الأمين الشنقيطي لإزالة هذه الإشكالات و هي [دفع إيهام الإضطراب عن آي الكتاب] دفع إيهام لأنه قال إيهام لا يمكن أن يكون هناك اضطراب أصلاً لكن قد يكون أضطراب عند القارئ، عند غيره ، دفع إيهام الإضطراب عن آي الكتاب فيجب أن ننطلق من قناعة أنه لا يمكن أن تتعارض آيةٌ مُحكمة مع آية مُحكمة.
 أيضاً لا يمكن أن تتعارض آيةٌ محكمة مع حديث صحيح أيضاً محكم لأن الأحاديث قد تكون منسوخة فلذلك هذه قاعدة أخرى : إذا جاءك حديث نصه صحيح وهو لم يُنسَخ ووجدت إشكالاً في تعارضه مع آية ففيه إشكال يجب أن تزيله ولا يمكن أن يكون تعارض ، كما أنه لا يمكن أن يتعارض حديثان صحيحان لم يُنسَخ أحدهما فكل هذا من الأدلة و القواعد التي تسهل على المؤمن الإستجابة ومعرفة آيات القرآن وإزالة ما يحمل في نفسه من ذلك .
( اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ) الطغيان -أيها الأحبة- هذا درس عظيم ، الطغاة على مدار التاريخ معروفون من قبل و من بعد (اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ) قال العلماء : أساس الشرور هو الطغيان ، ولا تتصوروا ولا نتصور أن الطغيان خاصٌ بفرعون فقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين وفي الفوائد أنه قد لا يسلم نفسٌ من نوع من الطغيان ( كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ٰ) يطغى الإنسان أحياناً على من حوله..على من تحت يده..يطغى على الخادم..ربما يطغى على أهل بلدٍ آخر يرى أنه أفضل منهم..على أهل قبيلة أخرى. الطغيان يقول قلّ أن يسلم ... ولذلك يحتاج إلى مجاهدة، ولذلك عندما نقرأ هذه الآيات لا نتصور أننا نقرأ قصصاً عن طغيان فرعون أو أبوجهل فقط أو عن الطغاة على مدار التاريخ .. نعم هذا حقيقة لكن الطغيان أنواع ولذلك قال : "كلٌ منا عليه أن يرجع إلى نفسه يتفقد نفسه ما في هذه النفس من الطغيان" وأنتم تسمعون أحياناً وترون بأعينكم يطغى الرئيس على المرؤسين..على الشخص على من تحت يده يطغى ربما الرجل على المرأة وهَلُمَّ جرَّا متعدد أنواع الطغيان وهو درجات حتى المؤمن ، وهدد الله جل وعلا أن من نازعه كبرياءه جل وعلا قال : ومن نازعني ... عذبته (1)  فالطغيان يجب أول مما نُخَلِّص أنفسنا من الطغيان أي نوع من الطغيان كما ذكر أيضاً ابن القيم وغيره لا يخلو جسدٌ من حسد لكن هناك أحدٌ يوفقه الله للتغلب على الحسد وهناك آخرون ينفذون حسدهم، الحسد المذموم وليس الحسد المحمود ( لا حسد إلا في اثنتين ) هذا حسد محمود لكن الحسد المذموم قال : "لا يخلو جسد من حسد" يحسد الإنسان صاحب نعمة..يحسد زميلاً له نال مقاماً أكثر من مقامه وهكذا يبدأ الحسد ، ويكثر الحسد قالوا في النساء مع وجوده في الرجال يكثر في النساء ولذلك مرة أخرى أن نرجع إلى قلوبنا هل في القلب شيء من الحسد ؟
 أعجبني كلمة وحالٌ أعلمها من أحد طلاب العلم يقول: لما بلغتني هذه الكلمة عن ابن القيم أوغيره ( لا يخلو جسد من حسد ) بدأت أرجع إلى نفسي فوجدت أنني لا أخلو أحياناً من الحسد ، يقول : اتخذت علاجاً أراحني
 يقول : والله كلما مرّ في نفسي شيء من الحسد أولاً يقول -والحمد لله- لا أُنفِذه
 ثانياً يقول : أجلس فترةً وأنا أدعو لمن مرّ في قلبي الحسد له أدعو له بصدق وبإخلاص أن يبارك الله له فيما اعطاه وأن يزيده ، إن كان في العلم أسأل الله أن يجعله للمتقيمن إماماً وأن يجعله من مجددي هذا الدين، وإن كان في المال أيضاً أن يبارك له في رزقه ، يقول دعاء، الشيطان لا يصلح له هذا هو الذي يأتي لك بالحسد أصلاً فلما يرى أنك كلما أوقع في نفسك شيئاً من هذا ستذهب وتدعوا لهؤلاء لن يأتيك مرة أخرى. يقول : وجدت علاج لنفسي وراحة وأكرر وقد أستمر أحياناً أياماً أدعو لمن مرّ في نفسي حسد له بصدق و إخلاص يعلم الله -يقول- من قلبي أنني صادقٌ فيما أدعو له. هنا تخفف من الشيطان ومن محاولات الشيطان لأن كل هذا كل الطغيان والحسد و غيره كلها من الشيطان، والحسد أيها الأخوة كما قلنا أنواع.
 يقول الله جل وعلا : ( فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضََ ) فكل هذا من الطغيان الذي يقع ، والطغيان مرة أخرى لأنني أريد فعلاً أن أقف مع هذا المعنى وإن كان سيأتي (فَأَمَّا مَنْ طَغَىٰ) لكن مادام الحديث عن فرعون نقف عنده ، الطغيان كما كما قلنا صوره متعددة ومن أعظم -أيضاً- صوره قال : قد يكون الطغيان في الحُكم..وقد يكون في المال..وقد يكون في المعاصي، ومن أسبابه جحود الخالق جل وعلا فمثلاً : 
في الحكم ( اذْهَبا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ) وفرعون أيضاً هذه الأمة أبوجهل
وفي المال : ( كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ ) وإن كانت عامّة في الحقيقة ليست في المال فقط
وأيضا قد تكون في المعاصي ( فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ) من هو ؟ إبنه ، الإبن -إبنك- قد يكون سبباً لطغيانك أي لوقوعك في المعاصي ، قد يُقدِّم الإنسان محبة ابنه على محبة الله جل وعلا قد تستغربون هذا الأمر هل يمكن أن يحدث هذا الأمر ؟ نعم أحياناً تسأل بعض الناس في بيته معاصي تقول : كيف تأتي المعاصي ؟يقول : والله إني ما أريدها لكن تعرف الأولاد نعم أصروا عليَّ ضغطوا عليّ ، إذاً هو قدَّم هوى أولاده أو زوجته على حبه لله جل وعلا فجاء بهذه المعاصي قد لا يكون تعمد ذلك ولم يرد ذلك لكن نتحدث عن نوع ( فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا ) وهو ابنهما الذي قتله الخَضِر عليه السلام ( طُغْيَانًا وَكُفْرًا ) لأنه أيضاً الطغيان يوصل إلى الكفر بعد ذلك والله أعلم .
/ ثم يقول -يحدثنا- عن قصة فرعون -سبحان الله- تصوروا هذا الطاغية..هذا الجبار هذا الذي يقول : ( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ ) كان الله سبحانه وتعالى كما أغرقه بعد سنوات أن يهلكه في أول لحظة لكن لنتأمل هذا المعنى ولنتأمل حكمة الله جل وعلا ولنتأمل حِلم الله جل وعلا وهذه معانٍ عظيمة لابد لنا أن نتأملها حتى مع أنفسنا..مع أولادنا، أنا لا أحدث فقط عن قصص ذهبت إلا للعبرة
أولاً : ( اذْهَبا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ) الداعية يجب أن يذهب يدعو إلى الله ويبحث عمن عنده -عفواً- إذا وجد صاحب معصية وعَلِم بصاحب معصية فضلاً عن صاحب الكفر أن يذهب هو إليه ( اذْهَبا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ) فالداعية يبحث عمّن يدعوهم.
 ثم كما في سورة طه ( فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ) في علم الله جل وعلا أن فرعون لن يتذكر ولن يخشى لكن نحن ونحن نعمل -كما في سورة الأعراف- ( لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) فأنا وأنت لا نعلم وما في علم الله ليس لنا ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ) -كما سيأتي- فإذاً يأتي برفق ولُطف ولين.
 ثم تأملوا هذا المعنى وهو عظيم جداً: في قصة فرعون في إرسال الله جل وعلا موسى وهارون لفرعون أعطاهما منهجان : الوعظ وإصلاح القلب ( اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُل هَلْ لَكَ إِلَىٰ أَنْ تَزَكَّىٰ * وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَى ) يعني أنت إذا ذهبت لأحد ابدأ معه بالموعظة..ابدأ معه بعلاج القلب ، الثانية : في الحُجَّة والبرهان ( فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ* فَكَذَّبَ وَعَصَى ) لم يكتفِ بالآية الكبرى ولم يكتفِ بالوعظ جاء بالإثنين، أولاً بدأ بوعظه ثم بدأ بالدليل والحجة وحجتنا هو القرآن وهو الحجة التي جاء بها النبي صلى الله عليه و سلم و لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه بعض المشركين وبدأ يعطيه ما لديه وهم من عتاة المشركين يقول له أفرغت يا أبا الوليد ؟ ثم يقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفعلها مع آخرين لأن حجة النبي صلى الله عليه و سلم و معجزة النبي صلى الله علي و سلم هو القرآن وهي معجزة لنا أيضاً القرآن فيه أدلة و براهين ، ما الشاهد هنا ؟ الشاهد هنا أن البعص قد يكون عنده قدرة على الوعظ لكن ليس عنده قدرة على إقامة الحُجَّة، وقد يكون هناك أناس عندهم القدرة على إقامة الحُجَّة لكن مع كل أسف ليس عندهم قدرة على الوعظ ، من لم يُوهب الحُجَّة والبرهان مع الموعظة يأخذ معه ***** وأشير هنا إلى معنىً خطأ يقتحمه بعض طلاب العلم في المناظرة مع أصحاب الهوى والبدع وهم ليسوا أهلاً لذلك -أي ليس الداعية أهلاً لذلك- فالناس ينظرون إليه فيشعرون أن صاحب الباطل هو الذي انتصر وهذا فيه خطورة على الحق وعلى المستمعين فلذلك لا يتقدم أحد وليس عنده هذه القدرة على هذه المعاني يتركها لغيرك. المهم لا يكون قائل الحق إلا بأمرين : في الوعظ والتذكير والتزكية وفي الوقت نفسه في إقامة الحُجَّة والبرهان هكذا فعل موسى عليه السلام فوعظ و دعا .
يبقى لفتة مهمة هل معنى هذا أننا لا نقسوا على صاحب الباطل؟ لأنني لاحظت أن كثيراً من الدعاة وطلاب العلم يحتجون بهذه الآية وبآية طه ( فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ) ويقول أبداً ما ينبغي أنك تقسو على المدعو وخاصة المدعوين يختلفون تختلف أحوالهم وهم درجات لكن إذا كان صاحب الطغيان ؟ قال : حتى إذا كان صاحب طغيان فهل هناك أكثر من فرعون و الله جل وعلا قال لموسى عليه السلام وهارون : ( اذْهَبا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّن ) نقول لهم : يا أحبتي لا تأخذوا بعض القرآن وتتركوا بعض ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) -هم طبعاً ما قصدوا هذا المعنى- قد يقول كيف ؟ نقول في أول ما تذهب تدعو ليكن أسلوبك رقيقاً طيباً ليناً هيناً مع إقام الحُجَّة لكن إذا عتى وأصر واستكبر كفرعون تتركه تستمر تقل ( قَوْلًا لَيِّن ) .. لا ، أين الدليل ؟ في سورة الإسراء ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا ) طبعاً هذا كلام مؤذي ما قال له موسى عليه السلام قولاً ليناً ( قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ) ( مَثْبُورًا ) ليست سهلة وليست كلاماً ليناً لكن هذا في أول المطاف كان كلاماً ليناً وفي آخر مراحله مع قصة فرعون كلاماً قاسياً ( وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا * فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا ) آخِر المطاف.
 إذاً القول دائماً بأنه لابد أن نقول قولاً ليناً الاستشهاد بآية طه أو آية النازعات فيه نظر، أو العكس بعض الناس شديد  يستشهد بآيات الإسراء .. لا ، الأحوال تختلف والاشخاص يختلفون ولذلك جاء أحد الأشخاص لأحد الخلفاء وقال له : إنني سأعظك وأنصحك وسأقسو عليك فتحمل مني -أراد ان يهيأه- انظروا لجواب الخليفة كيف قال له قال : لا..لا تقسو عليَّ ، لأنه يخشى إن قسى عليه أنه فعلا يتصرف تصرفاً يخرج فيه **** لكن انظروا إلى الحكمة ماذا قال، قال : لا..لا تقسو عليَّ فلست أنت - يقول لهذا الداعية - أفضل من موسى ولا أنا أسوأ من فرعون، لا..لا تقسو عليَّ قل لي قولاً ليِّناً..قولاً طيباً فلستَ أنت أفضل من موسى الذي أمره الله جل وعلا وقال : ( فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّن ) وأنا أمامك -وهو طبعاً مسلم هذا الخليفة- ولا أنا أسوأ من فرعون وأمر الله جل وعلا أن يقال قولاً ليِّناً فاستحى الداعية.
 نعم لأن البعض حقيقة ولديَّ حالات والوقت لا يسمح فعلاً حالات بعض الدعاة يشدد على الناس ويقسو على الناس أذكر واحدة شخص يقول : جئت من مدينة إلى مدينة ومرّ بمنطقة قرية من القرى -لن أسميها- فقال : فرصة مادمت صليت في المسجد أُلقي فيهم موعظة - وهذا طيب وشيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله قال : من مرّ في مسجد فليلقِ كلمة ولو دقائق- هذا منهج عند الشيخ عبدالعزيز لعل الله أن ينفع بها، لكن هذا الأخ جزاه الله خير وهو غريب أيضاً لا يعرفونه قام أمام المصلين وبدأ يتكلم ثم قال : أنتم مضيعين الصلاة، أنتم ما فيكم خير وأنتم... فقام واحد من كبار السن قال : يا بني..يا ولدي لو كنا مضيعين الصلاة ما وجدتنا في المسجد الله يهديك ، أنت ما لقيتنا في الشارع الآن أو في بيوتنا أنت شايفنا قدامك في الروضة وتقول مضيعين الصلاة، لا والله ما ضيعنا الصلاة لو بغيت تنصح انصح بغير هذه الطريقة جزاك الله خير. يقول فاستحى واعتذر، طبعاً هو ما كان قصَدَ هذا المعنى. فبعض الناس تكون فيه شدة تأتي بعكس المطلوب -عكس المراد- حسن القصد وحده لا يكفي ، إذاً -حتى أتعدى هذه المسألة- الداعية يجب أن يتلطف ( وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ) لكن إذا كان كما كان يفعل بعض علماء فعلاً والله أعرف بعض كبار العلماء كالشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله اشتهر بقوته وشدته وقد قرأت -واقرأوا فتاواه- خطابات لبعض المسؤلين فيها شدة وقوة عجيبة جداً يكون نهاهم من قبل ونبههم من قبل نعم، اذكر قرأت له برقية في فتاواه كان وقد سأله أحد كبار المسؤلين -ولن أسمي- عن مسألة في الصلاة فقال له : الواجب كذا وكذا ثم ألم أنهك أن لا تسافر إلا معك أحد العلماء إياك أن تفعل مستقبلاً ، هذه قوة في الحقيقة طبعاً وهو يخاطب شخص له شأنه وله مكانته وله منزلته  لكن انظر لعبارته : "ألم أنهك من قبل ألم أقل لك من قبل لا تسافر إلا ومعك طالب علم" لأنه هذا المسؤل وقع في خطأ في صلاة الجمعة فالشيخ قال له : أعد صلاة الجمعة، أعدها ظهراً ولم يكتفِ بهذا شدد عليه في هذا ، وله مواقف كثيرة ليس هذا مكان الحديث عنها.
 إذاً يختلف الأشخاص أيضاً حتى التشديد ليس كل الناس يشددون .. نعم ، والشيخ عبدالعزيز -رحمه الله- حقيقةً الذي يقرأ خطاباته يجد فيها الحرص واللين لكن في قضايا مباشرة خاصة ومكالمات كانت شدته عجيبة وهو يكلم بعض المسؤلين لكن ما يكتبها الشيخ لأنه فرق بين الكلام والمكتوب فلذلك حتى الشيخ عبدالعزيز كان له هذا الأمر ، يقول لي أحد الإخوة يقول : جئت للشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- فأريته جريدة مكتوب فيها عن رياضة البنات - هذا قديم قبل أكثر من عشرين سنة وأكثر - فيقول اتصل الشيخ بالمسئول في رئاسة البنات أو أحد المسؤولين -كلهم توفوا رحمهم الله- وقال له : بلغني أنك صرحت بكذا وكذا كما نُشِر في جريدة كذا و كذا قال : أبداً يا شيخ ما صرحت حرفوا كلامي، قال : ما عليَّ لك ثلاثة أيام إما أن تنفي هذا وإلا سترى ما لا يسرك ، يقول : والله وأنا جالس عنده -حدثنا الشيخ- قال : أنا الذي جئت له بالقصاصة، قال : سترى ما لا يسرك ، قال : أبشر يا شيخ، قال الشيخ : أنا لن أتابع الجريدة ولكن علمني بعد ثلاثة أيام إذا ما اعتذر أخبرني بس ، يقول : فعلاً اليوم الثاني ما أعتذر واليوم الثالث اعتذر صراحة فجئت للشيخ وقلت : اعتذر ، قال : الحمد لله كفانا الله الشر .
فنَعَم..القوة لكن ما كل إنسان يمكنه، ربما بعض الناس ربما يستخدم القوة أمام مسؤل ربما يُهان والنبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا يذل أحدكم نفسه) أحياناً القوة لها أهلها ففرق بين العالم الفلاني والعالم الفلاني، والتقليد في هذه المسائل ما تنفعك فالإنسان لا يُكلَّف ما لا يطيق وقد يؤذى في هذا الأمر ولا يستطيع أن يدافع عن نفسه ، الشاهد هذا معاني هذه الآيات العظيمة.
/ ثم بعد ذلك -أيها الإخوة- ذكر العلماء من حِكَم قصة موسى -هذا وجدته عند بعض العلماء وهو لطيف- يقول: لأن الله يعلم أن المعركة الكبرى في آخر الزمان مع اليهود ومع أعوانهم ..مع أهل الكتاب -كما هو واقع الآن- تداعي الأمم الآن بين اليهود في فلسطين وغيرها فكلها من ***** فلذلك فلنعرف كيف تعامل موسى عليه السلام مع اليهود ومع النصارى طبعاً فيما بعد الذين جاءوا فيما بعد ولم يكونوا في عهد موسى لكن ذكرهم الله في القرآن حتى نتعامل معهم فهذا أيضاً لفتة جميلة -والله أعلم- في هذا الجانب .
 / ثم نأتي بعد ذلك فيقول الله جل وعلا : ( هَلْ لَكَ إِلَىٰ أَنْ تَزَكَّىٰ ) ذكر العلماء أن العناية بالقادة مهم جداً لماذا ؟ لأنه إذا أسلم القائد أسلم من وراءه ، الآن في تجربة الإخوان في مكاتب الدعوة -الجاليات- إذا أسلم الأب غالبا تسلم الزوجة ويُسلم الأولاد وكذلك كيف إذا أسلم رئيس دولة ؟ ذهبنا إلى المالديف في العام الماضي ومن أجل تدبر القرآن ، طبعاً كانت زيارتنا دعوية وعلمية و تتعلق بالتدبر و غيره فذكروا لنا..وجدنا عجباً ، ينصّ دستور المالديف على أن دين الدولة الإسلام وعلى منهج أهل السُّنَّة والجماعة ووجدنا فيها حقيقة عجائب -ذكرتها وكتبت فيها مقالاً- لا يوجد فيها أي دين آخر ويقام الحد على المرتد ، قالوا : إن كان آبائنا أجدادنا -هذا الشاهد- وثنيون، كانوا من الوثنيين فجاء رجل من المغرب اسمه أبو يوسف المغربي من المغرب وعاش في الماليدف فذهب ودعا الملك وقصة دعوته طويلة، أنا أختصر القصة فقط ، يقول : جاء إلى الملك ودعاه بالحَجَّة فأسلم الملك فأصدر الملك أمراً لأهل المالديف أن يُسلموا فأسلموا جميعاً عن بكرة أبيهم . فلذلك فعلاً رأينا مظاهر مع أخطاء نبهنا إليها في أماكن سياحية ، هذه منطقة مفصولة نعم لأنها جزر كثيرة هي لكن نحن نتحدث عن العاصمة ورأينا فيها من المظاهر العجيبة الكثيرة التي تسُرّ المسلم والعناية بحفظ القرآن وفي الصلاة ، تصوروا يا إخوان أنه لا يُفتَح وقت الصلاة تُغلْق الأماكن، ما عندهم هيئة هم ما عندهم هيئة أبداً لأنهم يرون أنه من العيب أن تجلس تبيع والصلاة تُقام فعُرْف عندهم يغلقون المحلات في يوم من الأيام وهو يؤذن وجدت محلاً مفتوحاً ومعي وزير الشؤن الإسلامية فقلت له : هذا المكان مفتوح ؟ قال : نعم هذا مطعم ولازال عنده زبائن يأكلون لازم ينتطر حتى بسرعة ينتهوا ثم يغلق المحل ، فالشاهد أنه رجل واحد من المغرب دعا رئيس الدولة فأسلم المالديف كلهم ، هنا إذاً العناية بدعوة الكبار والوجهاء مهم جداً والقادة ، هكذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك يقول النبي صلى الله عليه و سلم حديث في صحيح البخاري قال : (لو أسلم لي عشرة من اليهود لأسلمت يهود) ، لو أسلم لي عشرة - فقط - من اليهود لأسلمت يهود وقت النبي صلي الله عليه وسلم لأسلمت يهود الموجودين في المدينة لأنهم تبعٌ لهم و لهذا العناية بهم ، لكن لننتبه لِما أخذنا في سورة عَبَسَ ليس على حساب الضعفاء والمساكين لا ( عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَىٰ ) لا هؤلاء الضعفاء المساكين أولى ويُعطَون حقوقهم وهم الذين يبادرون لكن لا يعني هذا أن نُغفل هؤلاء الكبراء بقدر ما نستطيع أن ندعوهم ونوجه لهم الدعوة فأكون سبباً لإسلامهم وأن يُسلم من وراءهم ، وجيه في قومه..أمير في قومه..سيدٌ في قومه..وهلمَّ جراً ( هَلْ لَكَ إِلَىٰ أَنْ تَزَكَّىٰ ).
/ ثم بعد ذلك تأكيد أيها الأحبة يقول الله جل وعلا : ( فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ * فَحَشَرَ فَنَادَىٰ ) عدة وقفات:
 لاحظوا مباشرة لما نصحه موسى لاحظوا الفاء هنا ما قال فكَّر، ما قال ثم كذَّب فهو أصلاً مُضمِر التكذيب مهما كان الأمر ( فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ ) وهذا المعنى نلمسه في بعض المحادّين لله ولرسوله فلذلك قال : ( فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ ) جاهز للتكذيب ولم يكن له أي استعداد لقبول الحق بل بدأ جاء بعدها ( ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ ) يبحث عن الحُجَّة لأن موسى عليه السلام جاء بالآية وهي العصا واليد ثم الآيات التي جاءت بعد ذلك.
 ( فَحَشَرَ فَنَادَىٰ ) ذكر العلماء وقفات تتعلق بما يُسمى بفقه الجماهير، هذه المسألة أيها الإخوة مهمة جداً وأخصّ الإخوة جميعاً ، الجماهير: موضوع كنت زماناً أحاول أن أطرحه أشرت إليه في أكثر من مرة وهو ما يسمى بفقه التعامل مع الجماهير ، الجماهير سلاح ذو حدين إما أن تكون لك أو تكون عليك ، فرعون أعجبه طغيانه ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ) ( فَحَشَرَ فَنَادَىٰ ) حشر أتباعه الدليل على أن وراءه أناس وقوة السُّلطة جعلته يأتي ويحشر الناس ، الجماهير قد تكون سلاح خير وقد تكون سلاح شر، قد تدفع الداعية إلى مواقف خطيرة جداً وقد تكون عوناً له على طاعة الله جل وعلا، وهذا معنى قلت لكم معنىً دقيق ولهذا على طالب العلم ..على الداعية أن ينتبه لهذا الجانب. سأذكر لكم قصتين :
/ في حدود ألف وأربعمائة وإثنا عشر أو أحد عشر نشرت إحدى الصحف عن الشيخ جعفر إدريس -شفاه الله وحفظه وأحسن له الختام- ذهب إلى أمريكا و تكلم عن موضوع معين فضجت الجماهير ضده طبعاً موقف الشيخ كان موقف معروف برزانته فقال كلمة عجيبة جداً قال : لا..لا أنتم لا ترضون لي أن أكون بوقاً للسلطان للرؤساء وأنا لا أرضى أن أكون بوقاً للجماهير .
فأنا أعجبني هذا الكلام و ذهبت للشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- وهو في اجتماع في مكة سنة 1412 في بيت أحد المشايخ وقلت : يا شيخ أنا قرأت كلاماً للشيخ جعفر إدريس في هذا المعنى أعجبني قال : كلام صحيح وأنا أقول - يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله - وأنا أقول العلماء ثلاثة : عالم دولة، ماذا تريد الدولة من فتوى في موقف جاهز - هذا كلام الشيخ محمد ليس كلامي -
 وعالم أمة طبعاً -يقصد عالم جماهير- ماذا يريد الجمهور وماذا يعجب الجمهور يقول الجمهور
وعالم ملة والعالِم الحقيقي - يقول الشيخ - هو عالِم الملة الذي يقول ما يدين الله به سواء وافق رأي الدولة أو خالفها أو وافق رأي الجماهير أو خالفهم .
 كنت أتحدث في هذا الموضوع في محاضرات وفرحت أني وجدت الشيخ قد ذكرها في كتاب الروض شرح ممتع نفس التفصيل ، وأيضاً ذكرها في كتاب آخر قد يكون شرح رياض الصالحين لكن يقيناً وقد اطلعت عليه في كتاب الروض نعم وهكذا العلماء العالم يحب أن يحتاط -ينتبه- كما قال جعفر إدريس كما لا يرضى الناس والجماهير أن نكون بوق -سمَّاه كذا بوق- هذا الكلام نشره في مجلة أو جريدة المسلمون تذكرون سابقاً وتوقفت عن الصدور .. نعم ، فقال : أنا لا أرضى أن أكون بوقاً للجماهير لموقف معيَّن يريدون موقف ويذهب ويُفتيهم بما يريدون خطأ ، العالم الصالح -كما قال- الشيخ بن عثيمين رحمه الله عالم الملة الذي يقول ما يدين الله به ، يقف الإنسان مايدين الله به ثم بعد ذلك....
 نختم قصة موسى و فرعون بقوله تعالى : ( فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ * إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَىٰ ) القرآن نزل أيضاً للإعتبار ولذلك قال الله جل وعلا : ( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ) في قصة اليهود ( يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ) وكذلك في سورة النور يقول الله جل وعلا : ( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ) وفي ختام قصة يوسف عليه السلام ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ ) هو وأبوه وإخوته، القرآن من أجل أخذ العبرة والاعتبار فإذا قرأنا القصة فلنتأمل ماهي دلالاتها، ما هي آثارها، ما هو نصيبنا من هذه الآيات ليس مجرد حديث عمن مضى ولذلك ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ ) هكذا ختم الله جل وعلا سورة يوسف ( مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ ) فكم في سورة يوسف حتى أن بعض العلماء استخرج من سورة يوسف ألف فائدة..ألف وقفة هذا أمر عظيم جداً ، جاءت سورة متكاملة فختمها الله جل وعلا بذلك .
فقال هنا عن قصة موسى ( فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ ) قدَّم الآخرة لأنها أشد عذاب ( يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ) (يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) يعني فرعون يا إخوان هذه الآية دائما ... ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) فرعون إمام حتى في النار حتى يوم القيامة ( يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) لكن إلى أين ( يَقْدُمُ قَوْمَهُ ) ؟ ( يَقْدُمُ قَوْمَهُ ) إلى النار والعياذ بالله فلذلك ننظر في الصفات التي جعلته في هذا الأمر لا تؤدي بنا ( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً ) كما يقول الله جل وعلا هنا : ( لِمَنْ يَخْشَىٰ ) الله جل وعلا فالأصل هي الخشية ولهذا الإمام أحمد من فقهه -رحمه الله- إمام أهل السُّنَّة اعتبر الخشية ميزان عظيم في الفتوى قيل له : يا إمام إذا لم نجدك - يعني توفيت - كما جاءت إمرأة للنبي صلى الله عليه و سلم وقالت له : إذا لم أجدك من أذهب إليه ؟ قال : اذهبي إلى أبي بكر - يعني إذا توفيت لكن أسلوب مؤدب - فجاء رجل للإمام أحمد وقال له : إذا لم نجدك لمن نذهب قال : اذهبوا إلى معروف الكرخي ، معروف الكرخي -رحمه الله- عالم لكن هناك زملاء موجودين في وقت أحمد علماء كبار لن أسمي أحدا، لن أسمي أحد حتى لا يُفهَم غير ما أراده الإمام فاستغربوا لماذا لم يُحِل هذا السائل إلى فلان وفلان وفلان فقال له : يا إمام إن معروف الكرخي ليس معه كثير مسائل علم -هو عنده علم طبعاً عنده فقه- لكن هناك عندما نقول جبال من جبال العلم موجودين وأئمة، فغضب الإمام أحمد غضباً شديداً وقال: وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف ؟ معه رأس العلم معه الخشية . ولذلك الذي يريد أن يسأل يا أحبتي يراعي هذا الجانب نحن لا نتهم أحداً ولا نطعن في أحد ، وأعمال القلوب إلى الله لكن ابحث من هو صاحب الخشية والعبادة والإنابة ، والله ما رأينا -يا إخوان- علماء هنا وقد عايشناهم نتعجب عجباً من خشيتهم، منهم من مات ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً تجد ذكره لله جل وعلا، تجد بكاءه، تجد تضرعه، تجد فتواه عليها الشيء العجيب جداً استدلالات بآيات الله جل وعلا هذه الخشية لها تأثير بالفتوى ، الفتوى ليست صناعة أو عمل طب أو مع أهمية ذلك في كله فإذاً ( لِمَنْ يَخْشَىٰ ) ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) فالعلماء هم الذين يخشون الله جل وعلا الخشية الحقيقية ولذلك يُراعون في الفتوى يحتاطون في الفتوى لا يتساهلون ولا يتتبعون الرخص ولا يميعون المسائل خوفاً من الله جل وعلا ، فلنسأل ولنتحقق من عنده علم ولكن من عنده الخشية ، قال: "وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف معه رأس العلم معه الخشية".
 أيضاً من العبرة أيضاً أين بعض الطغاة الذين كانوا قبل عشر سنوات يمارسون الطغيان في بلادهم فكروا قليلاً ليس فقط فرعون وليس أبوجهل ومن معه خلف وأمية و غيرهم .. من المعاصرين لنا رؤساء كانوا يمارسون الطغيان بأصنافه وأنواعه بين قتيلٍ شر قتلة وبين مشرد وبين سجين وبين ذليل وهلم جراً ( وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ) فإذاً سنة الله جارية في الطغاة نعم ولكن الله يمهل ولا يهمل سبحانه وتعالى فلو فكرنا فقط ما حدث خلال أقل من عشر سنوات أين ذهبوا هؤلاء الطغاة الذين يرون وكانوا يستكبرون كما يفعل فرعون لا يقبلون نصيحة وبعضهم تزندق و-العياذ بالله- وبعضهم يؤلف كتب ضد القرآن والسنة انظر كيف كانت نهايتهم وهذه نهاية كل طاغية..كل ظالم (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) إلى ذلك قال جل وعلا: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَىٰ)
/ ثم قال : ( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا ) يمكن لاحظتم قراءة الشيخ ماهر قبل قليل، هذه جميلة جداً ونّص عليها ( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ) وقفة يسيرة ( بَنَاهَا ) لأن البعض يقول : ( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا ) ما تعطي المعنى فقلت كنت متتبع فتوقف وهو تعرفون قراءته و تجويده حفظه الله ووفقه. نعم.
 ( أَمِ السَّمَاءُ ) يأتي السؤال ماذا فيها؟ ( بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا ) .. الخ الآيات فلذلك بدأ الدليل العقلي : يا فرعون بطغيانك وجبروتك ألا ترى السماء..ألا ترى إلى الأرض..ألا ترى إلى هذه المخلوقات وكلها فكيف تقول : ( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ ) ثم بعد ذلك قال جل وعلا : ( رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ) السَّمك قالوا : السقف نعم وننظر هذا الجمال في السماء الدنيا والسماوات.
/  ثم قال : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا ) مع أنه ثبت أن خلق الأرض كان متقدماً على خلق السماء -والله أعلم- ( أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ) ولم يعدد الكثير لأنه قد عدد أيضاً نعمه في عبس ... و أخذناه ...
 الآن أشار إلى إلى المرعى لأنه يحدث أشياء كثيرة ونفع للبهائم و للدواب والناس وللكبير وللصغير فالمراعي ليست خاصة بالدواب، و لذلك ختمها كما ختم سورة عبس ( مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ) إذاً نعتبر ونتعظ وكما قلت في الدرس الماضي إذا جلسنا نأكل نتفكر من أين كيف جاء هذا كيف أنعمنا الله جل وعلا..كيف نأكله..هناك أناس لا يجدون ما ستأكله اليوم في عشائها...لا يجدونه وإن وجدوه بعضهم لا يجدوا قيمته وبعضه قد يجده ويجد قيمته هناك حالة تمنع من الأكل ، وهناك من يجده ويجد قيمته ويستطيع أن يأكل ولكن يعاني من خروجه فيحتاط من الأكل ،  أنت تأكل هذا الطعام اللذيذ ، كيف جاء ؟ فيه عبرة وذكر لكن المألوف يقِلّ فيه الاعتبار، النبي صلى الله عليه و سلم كان يخرج في الليل ينظر إلى السماء ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ) مع كثرة المألوف هل وقفنا نفكر في هذه السماء وهذه الأرض ( وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ) كما بيَّن جل وعلا يقول : ( وَ الأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا ) الدحو هنا البسط والتهيئة أي جعلها مدحوة مهيأة لأن نسكن فيها.
 نعم ( أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ) الواحد منا يبذر البذر ما يفكر -إلا القليل- كيف هذه البذرة تنبت ؟ الذي أنبتها الله جل وعلا ولذلك يقولون مما حير الشيوعيون هو النبات هم ماديون لا يؤمنون إلا بالقضية المادية التي يرونها لكنهم يرون الآن يقولون لهم أنت الآن تضع الحبة ثم تنبت كيف نبتت ؟ هو من الله ، لكنه هو لا يؤمن بالله جل وعلا، ما يفكر في كثير من المألوفات فالله جل وعلا يلفت نظرنا إلى هذا المعنى .
ثم ختم هذا المقطع بقوله : ( فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ ) هناك قال : ( الصَّاخَّةُ ) هنا قال : ( الطَّامَّةُ ) ووصفها بـ ( الْكُبْرَىٰ ) لأنها قالوا : هذا معنى بلاغي بديع جداً ، ما قال : فإذا جاءت القيامة مع أنه جاءت في معانٍ أخرى لكن هنا يستلزم المقام في باب الطغيان والجحود ( الطَّامَّةُ ) لأن كلمة ( الطَّامَّةُ ) تدل على معنىً عميق من الطمّ والضرب والأثر والشدة ( الْكُبْرَىٰ ) هناك قال : ( الصَّاخَّةُ ) في سورة عَبَس ، وهنا قال : ( الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَىٰ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَىٰ ).
/ ثم قسم ( فَأَمَّا مَنْ طَغَىٰ ) لأنه تحدث عن طغيان فرعون ، والآن هو يتحدث : ( فَأَمَّا مَنْ طَغَىٰ * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) هنا الله جل وعلا يقول : ( فَأَمَّا مَنْ طَغَىٰ * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ) هذا آثار الطغيان ومرة أخرى أُذكر نفسي واخواني بأن ننبته إلى قلوبنا خوفاً من أن ينالها ولو شيء يسير من الطغيان فهو عظيم جداً وخطير وقد هدد الله جل وعلا من عنده شيء من الكبر والكبر هو نوع من الطغيان وأثرٌ من الطغيان فإن الله سبحانه وتعالى هدد بتعذيبه قال : عذبته ومن نازعني ذلك عذبته قال : عذبته أو كما ورد في الحديث القدسي .
 ثم قال بعد ذلك : ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ) فيه وقفات:
لاحظوا ( مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ) عليك أن تتذكر أي عمل تقوم به أنك أمام الله ستقف أمام الله ، سمعت طالب علم -تعرفونه- تناقش مع طلاب علم وأنا حاضر في مسألة و بدأوا يرون موقف معين فقال : والله أنا لا يهمني إلا شيء واحد هل هذا الموقف ينجيني أمام الله إذا وقفت أمام ربي أو لا ؟ ماعدا ذلك لا، وذكر لنا أيضاً -ولقد ذكرت أنا هذا في مناسبات- أن الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- أقسم ونحن موجودون يقول : أقسم وقال : "والله شاهدٌ على قولي والله شاهدٌ على قولي أنني ما كتبت خطاباً من عهد الملك عبدالعزيز حتى عهد الملك فهد -رحمهم الله الجميع- إلا قصدت به وجه الله" أي تصورت وقوفي أمام الله ، ويقسم الشيخ عبدالعزيز ومن هو الشيخ عبدالعزيز ويقول : والله شاهد على قلبي والأمر عظيم جداً إشهاد الله على القلب مما عُرف به الشيخ من الصدق ، حتى المخالفون للشيخ يشهدون له بالصدق ولا نزكي على الله فقد قدِم إلى ربه ، وأحد رأى رؤيا -من طلاب العلم- رأى الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في رؤيا قال : ما هو؟ أي عمل وجدته عند الله أعظم ؟ ما قال : هذه الكتب وهذه الدروس العظيمة -ولا شك عظيمة- قال : الصدق ..الصدق ، والصدق ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) .
 الله جل وعلا هنا يقول : ( فَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ) ولذلك -كما تعلمون- في سورة الرحمن ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) هذه أعظم الجنان إذاً ( خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ) كل تصرف من تصرفاتك تصور أنك هذه اللحظة لقيت الله ، الإنسان لا يدري يموت وهو ساجد.. يموت وهو نائم .. يموت في حادث.. لقي الله ماذا تقول لربك ؟ هذا تعظيم، عمل قلبي عظيم جداً .
ثم بعد ذلك وقفة  ( وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ) سبحان الله الآن لو جئت لأصحاب الشهوات قلت : لماذا تمارس هذه الشهوات ؟ قال : أنا أريد الحرية . العجيب اللفتة التي أشار إليها بعض العلماء جميلة جداً قال : "الحرية الحقيقية هو الانعتاق عن الهوى" عكس ما يريده هو ، الهوى يجعلك مأسوراً، صاحب الهوى والشهوة أسيراً لشهوته عبداً لشهوته..عبداً لملذاته فمخالفتك للهوى - لاحظوا - يجعلك إلى أفق الحرية العظيم أفق حرية هذا الدين خلاف ما يتصور البعض ، بعض الناس إذا جاءه من يجادله يقول له : والله أريد الحرية ، لماذا تمارس هذا ؟ ما ينتبه ويقول : لا والله انت الآن عبد مأسور لشهوتك، أنت لست حراً أنت عبد..أنت مملوك لشهوتك..لنزوتك للشيطان..عبد للشيطان ، الحرية الحقيقية أن تخرج من هذا الهوى تخرج من هذا الإطار هذا هو معنى الحرية الحقيقية لكن تخرج إلى الشرع إلى ما يريده الله جل وعلا ، "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً" الإسلام يتشوف إلى الحرية دائماً وأبداً ومن أعظم الحريات أن ينعتق الإنسان من شهوته المُحرمة ولذاته المحرمة ويستعصي عليها وبهذا يكون فعلاً نجا من هذا الجانب .
 ثم يختم هذه السورة ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ) يختم الله جل وعلا بقوله : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَىٰ رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ) عندي عدة وقفات :
 سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فانظروا الجواب : ينزل القرآن يقول الله جل وعلا له : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا ) قال العلماء : لا يجب على العالِم أن يخبر من هو دونه بكل شيء إلا إذا توقف البيان على ذلك وتوقف ***، والله جل وعلا لم يخبر الرسول صلى الله عليه و سلم متى تكون الساعة ، فأحيان الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي من يسأله ويقول لا أعلم وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يلزم البعض أن يقول : أسألك بالله أن تجيبني ، لا، لا تسألني يا أخي ، إذا كان الأمر يتوقف على البيان أو فيه كتم للعِلم يجب البيان لكن إذا لم يكن كذلك فلا ، فالله جل وعلا لم يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو خير الناس ، لم يخبر محمداً ولا غير محمد متى تقوم الساعة وعنده علم الساعة .. هذه المسألة الأولى .
الوقفة الثانية : ليس كل سؤال يسأله الإنسان أو طالب العلم نُجيب ، حتى أنت وأبناؤك يسألونك لا يلزم أن تُجيب على كل سؤال، يحتاج إلى حكمة، إلى بُعد نظر قد يسأل الإبن عن شيء أكبر من عقله قد يكون ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم أو كما ورد عند البخاري -وليس حديث- "ما أنت مُحدث قوما  بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ، حدثوا الناس بما يعقِلون أتريدون أن يُكذَّب الله ورسوله ؟ لازم إذاً فيه تدرج فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخصّ الصحابة في شيء والآخرون بشيء لكنه ليس كتماً للبيان اوتأخيراً للبيان عن وقت الحاجة.
 أيضاً على الإنسان أن لا يسأل إلا ما ينفعه ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا ) لا يعنيك هذا الأمر مهمتك أن تذكِّر الناس بها أن تؤكد لهم أن القيامة ستقوم وأن يعمل الإنسان لها ، أما متى تقوم ؟ ليس لك ولا لغيرك ، فلذلك أيضاً على الإنسان أن لا يسأل ، بل إن السلف وكبار الأئمة كالشافعي وغيره كان يأتي السائل ويسألهم فيقول الشافعي : هل وقع هذا الأمر ؟ قال : لا لم يقع ، قال : إذا وقع تعال ، قال : إذا لم أجدك ؟ قد لا أجدك ستموت ، قال : ستجدني ، فلذلك أكثر من يسأل المسألة الافتراضية اسمحوا لي هم أصحاب الجدل مثلما فعلت قريش ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ ) طيب أنتم آمنوا بالله وآمنوا بالبعث هذا هو الذي ينفعكم أما سؤالكم متئ تقوم الساعة فلا ، ولذلك فائدة بعض المفسرين يقول : "ما تركه الله ولم يبينه و لم يبينه رسوله لا نسأل عنه" ، تجد بعض كتب التفسير مليئة بقول لا حاجة إليه ( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ ) إسمه ؟ من أين جاء ؟ ما هي صنعته ؟ لم يذكره الله ولم يذكره الرسول، يكفي أنه جاء من أقصى المدينة و هو رجل يسعى الباقي لا يهم و و في سورة القصص (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ ) فما تركه الله ورسوله لا حاجة للبحث عن وراءه ، إن وجدنا دليلاً على معناه لا حرج وإلا فلا داعي لذلك .
 أيضاً فنحن نصل بعد ذلك أقول : أن هذه السورة سورة عظيمة متكاملة من أولها إلى آخرها في البعث و الجزاء فلنستعد لهذا اليوم ، الذين صلينا عليهم اليوم -رحمهم الله- كلهم الآن في الدار الآخرة بعضهم بالأمس كان معنا بعضهم ربما صام عاشوراء أو صام يوم التاسع رحم الله الجميع وهم اليوم في قبورهم لأن هذا خاص بهم فهل نحن في هذا المسجد مهمتنا فقط أن نصلي على الناس ؟ نعم نصلي على الناس لكن سيأتي اليوم الذي يُصلى على الإنسان ونسأل الله أن نلقى الله وهو راضٍ عنا فلنحرص على هذه المعاني في هذه السورة العظيمة وإن شاء الله في الأسبوع القادم نقف مع سورة عمَّ .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وصلى الله على محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
---------------------------------------
1-عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( قال الله عز وجل : الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار ) ، وروي بألفاظ مختلفة منها ( عذبته ) و( وقصمته ) ، و( ألقيته في جهنم ) ، و( أدخلته جهنم ) ، و( ألقيته في النار ) الحديث أصله في صحيح مسلم وأخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن حبان في صحيحه وغيرهم وصححه الألباني . 
- جزى الله أخيتنا (^_^)  خير الجزاء على تفريغها للمادة وأحسن إليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق