السبت، 5 أبريل 2025

  الدرس الخامس والثلاثون | تفسير سورة البقرة: من الآية (٢١) (يا أيها الناس اعبدوا ربكم...)

 تفسير سورة البقرة: من الآية (٢١) (يا أيها الناس اعبدوا ربكم...)



    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات، أما بعد:
📖 فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "قوله (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون* الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) هذا أمر عام لجميع الناس بأمر عام وهو العبادة الجامعة لامتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه، وتصديق خبره، فأمرهم تعالى بما خلقهم له قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ثم استدل على وجوب عبادته وحده بأنه ربكم الذي رباكم بأصناف النعم، فخلقكم بعد العدم، وخلق الذين من قبلكم، وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة، فجعل لكم الأرض فراشا تستقرون عليها وتنتفعون بالأبنية والزراعة والحراثة، والسلوك من محل إلى محل، وغير ذلك من وجوه الانتفاع بها. وجعل السماء بناء لمسكنكم وأودع فيها من المنافع ما هو من ضروراتكم وحاجاتكم كالشمس والقمر والنجوم، (وأنزل من السماء ماء) والسماء: كل ما علا فوقك فهو سماء، ولهذا قال المفسرون: المراد بالسماء ها هنا السحاب، فأنزل منه تعالى ماء فأخرج به من الثمرات كالحبوب، والثمار من نخيل وفواكه وزروع وغيرها (رزقا لكم) به ترتزقون وتتقوتون، وتعيشون، وتتفكهون، (فلا تجعلوا لله أندادا) أي: أشباها ونظراء من المخلوقين فتعبدونهم كما تعبدون الله، وتحبونهم كما تحبونه وهم مثلكم مخلوقون، مرزوقون، مدبرون، لا يملكون مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا ينفعونكم ولا يضرون، (وأنتم تعلمون) أن الله تعالى ليس له شريك، ولا نظير، لا في الخلق والرزق والتدبير، ولا في الألوهية والكمال، فكيف تعبدون معه آلهة أخرى مع علمكم بذلك؟! هذا من أعجب العجب، وأسفه السفه، وهذه الآية جمعت بين الأمر بعبادة الله وحده والنهي عن عبادة ما سواه، وبيان الدليل الباهر على وجوب عبادته وبطلان عبادة ما سواه، وهو ذكر توحيد الربوبية المتضمن انفراده بالخلق والرزق والتدبير، فإذا كان كل أحد مُقرا بأنه ليس له شريك بذلك، فكذلك فليكن الإقرار بأن الله تعالى ليس له شريك في عبادته، وهذا أوضح دليل عقلي على وحدانية الباري تعالى وبطلان الشرك، وقوله (لعلكم تتقون) يحتمل أن المعنى أنكم إذا عبدتم الله وحده اتقيتم بذلك سخطه وعذابه، لأنكم أتيتم بالسبب الدافع لذلك، ويحتمل أن يكون المعنى: أنكم إذا عبدتم الله صرتم من المتقين الموصوفين بالتقوى، وكلا المعنيين صحيح، وهما متلازمان فمن أتى بالعبادة كاملة كان من المتقين، من المتقين حصلت له النجاة من عذاب الله وسخطه"
🎤بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وارفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأصلح لنا إلهنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم يا ربنا يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام يا رب العالمين، فقهنا أجمعين في الدين، وعلمنا التأويل أما بعد: قول الله سبحانه وتعالى (يا أيها الناس أعبدوا ربكم) هذا أول أمر في القرآن وهو أمر بعبادة الله، والأمر بعبادته سبحانه وتعالى هو أمر بتوحيده كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "كل أمر بالعبادة في القرآن فهو أمر بالتوحيد" (اعبدوا ربكم) أي وحدوه وأفردوه بالعبادة وأخلصوا له سبحانه وتعالى الدين. ولا تتخذوا معه الشركاء والأنداد - كما سيأتي في السياق- (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون)، وقوله جل وعلا (يا أيها الناس) هذا خطاب لجميع بني آدم كلهم يشتركون في تعلق هذا الخطاب بهم، الذي هو الأمر بعبادة الله سبحانه وتعالى وإخلاص الدين له، وتوحيده جل في علاه، وقوله جل وعلا (اعبدوا ربكم) مثل قوله (وأنا ربكم فاعبدون)، (اعبدوا ربكم) جمع بين نوعي التوحيد العلمي والعملي. العملي: (اعبدوا) مثل (وأنا ربكم فاعبدون) وهذا فيه استدلال على توحيد الألوهية بتوحيد الربوبية والمعنى: كما أن الله سبحانه وتعالى تفرد بالربوبية فهو الرب لا شريك له فليُفرد بالعبادة، وهذه طريقة القرآن كثيرا ما يأتي الاستدلال على توحيد الألوهية الذي هو توحيد العبادة بتوحيد الروبية، استدل جل وعلا على وجوب إفراده بالعبادة بتفرده بالربوبية، وأنه سبحانه وتعالى لا شريك له في الربوبية والخلق والإيجاد، فالواجب ألا يجعل معه شريك في العبادة.
 (اعبدوا ربكم) (ربكم) الرب هو السيد المالك المُنعم، المربي، المصلح، والله هو الرب بجميع هذه الاعتبارات، والله هو الرب بجميع هذه الاعتبارات لأن هذه كلها من معاني الربوبية. قال: (الذي خلقكم والذين من قبلكم) (خلقكم): أي أوجدكم من العدم (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) خلقكم: أي أوجدكم من العدم وأمدكم بالقوى والصحة والحواس، وأيضا بكل ما تتحقق به مصالحكم.
(الذي خلقكم والذين من قبلكم) أي: وخلق الذين من قبلكم من آبائكم وأجدادكم وآباء آبائكم، وأجداد أجدادكم إلى آدم (الذي خلقكم والذين من قبلكم)، والخلق -كما بين أهل العلم رحمهم الله- متضمن لكمال العلم (ألا يعلم من خلق) متضمن لكمال العلم ومتضمن أيضا لكمال القدرة (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما) فالخلق يتضمن كمال العلم، وكمال القدرة، وكمال الإرادة، وكمال الحكمة، وكمال الحياة، وهذه تستلزم سائر صفات الله سبحانه وتعالى، فقوله (ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم) هذا تضمن التوحيد العلمي، وقوله (اعبدوا) هذا التوحيد العملي، لأن التوحيد نوعان: علمي وهو المعرفة والإثبات، وعملي: وهو الإرادة والطلب، وقد جمعت هذه الآية النوعين.
قال: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون)، (لعلكم تتقون) (لعل) هذه تأتي للتعليل، هل التعليل للأمر الذي هو (اعبدوا) أو التعليل للخلق (خلقكم)؟ هل التعليل في قوله (لعلكم تتقون) هل هو للأمر في قوله (اعبدوا) يكون المعنى: اعبدوا ربكم لعلكم تتقون، أو أنه تعليل للخلق: خلقكم لعلكم تتقون؟ على الأول: تكون تعليل للأمر، وكونها تعليل للأمر تكون نظير قوله (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) فهي تعليل لماذا الآن؟ للعبادة عبادة الصيام، اعبدوا الله عز وجل بالصيام لعلكم تتقون، فالتعليل هنا للعبادة، وعلى المعنى الثاني: أنها تعليل للخلق تكون نظير قول الله سبحانه وتعالى في سورة الذاريات (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "ولا يمتنع أن يكون تعليلا للأمرين معا"، لا يمتنع أن يكون تعليلا للأمرين معا وهذا هو الأليق بالآية.
 ثم ذكر جل وعلا في الآية التي بعدها براهين التوحيد وهي براهين يشاهدها الناس ويعاينونها تهديهم لعظمة خالقهم، وكمال المبدع سبحانه وتعالى، وأنه المعبود بحق ولا معبود بحق سواه، قال: (الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون). ويأتي كلام الشيخ على معانيها وهداياتها.
وقوله (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) أي لا تجعلوا لله شركاء في العبادة وأنتم تعلمون أنه لا خالق غير الله سبحانه وتعالى، والخطاب في قوله: (فلا تجعلوا لله أندادا) لمن؟ هذا للكفار المشركين الذين اتخذوا الشركاء والأنداد، فهذا الخطاب متجه إليهم (فلا تجعلوا لله أندادا) أي لا تجعلوا مع الله الشركاء في العبادة وأنتم تعلمون أنه لا خالق لكم غير الله، لأن المشرك إذا سئل من خلق السماوات والأرض ماذا يقول؟ إذا قيل له من خلق السمات والأرض؟ ماذا يقول؟ (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون)، (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون)، (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم)، (ولئن سالتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون) أربع مواطن في القرآن الكريم مبدؤة بقوله (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض)، وفي موطن قال جل وعلا (ولئن سألتم من خلقهم ليقولن الله)، فهم يقرون بأن الخالق هو الله الذي خلق السماوات وخلق الأرض، والذي ينزل من السماء ماء ويحيي به الأرض بعد موتها، كل ذلك يقرون بأنه الله سبحانه وتعالى، فإذا قيل لهم إذا لم تعبدون معه غيره وتتخذون معه الأنداد؟ يقولون نعبدهم ليقربونا إلى الله، ونحن نعتقد أنها لا تملك، هذه المعبودات لا تملك نفعا ولا دفعا، ولا تملك شيء، ولهذا كانوا يقولون في تلبيتهم "لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك" هي ما تملك لكن نعبدها لتقربنا إلى الله (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)، (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) يعني اتخذناهم ليشفعوا لنا عند الله سبحانه وتعالى، فالخطاب في قوله (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) هذا للمشركين، المشركين المتخذين للأنداد مع الله سبحانه وتعالى. قال رحمه الله تعالى: "هذا أمر عام لجميع الناس" أي قوله جل علا (يا أيها الناس) هذا أمر عام لجميع الناس بأمر عام، أمر عام بأمر عام، أمر عام لجميع الناس (يا أيها الناس)، بأمر عام وهو العبادة الجامعة لامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، وتصديق أخباره.
وعرفنا أن المراد بالعبادة التوحيد، المراد بالعبادة التوحيد، لا يكفي فقط أن يعبد الله بل لا بد أن يُخلص العبادة لله لأنه لو عبد الله ولم يخلص العبادة لله جعل مع الله شريكا فيها، جعل مع الله شريكا فيها لم يكن عابدا لله، ولهذا في سورة الكافرون قال (وما أنتم عابدون ما أعبد) يعني مع أنهم يعبدون الله في جملة معبوداتهم قال (وما أنتم عابدون ما أعبد) فالذي لا يخلص دينه لله، لا يفرد الله وحده بالعبادة ما عبد الله، فإذن الأمر بالعبادة ماذا؟ أمر بالتوحيد، الأمر بالعبادة أمر بالتوحيد، ولهذا يصح أن تنفى العبادة عن من لم يخلص لله مثل نفي الصلاة عن من لم يؤدها بالطهارة، لو أن شخصا صلى الصلاة كاملة لكن بدون طهارة أليس يصح أن يقال لم تصلِ؟ لم تصلِ لأن شرط عظيم لا تصح الصلاة إلا به لم يُفعل، والعبادة لا تقبل إلا بالتوحيد، ولهذا من لم يعبد الله بالتوحيد والإخلاص كأنه ما عبد الله (وما أنتم عابدون ما أعبد)، قال: فأمرهم تعالى بما خلقهم له، أي أمرهم بالعبادة التي خلقهم لها كما قال الله جل وعلا (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فأمرهم بالعبادة التي خلقهم لها قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). ثم استدل جل وعلا على وجوب عبادته وحده بأنه ربكم الذي رباكم بأصناف النعم فخلقكم بعد العدم، وخلق الذين من قبلكم، هذا في قوله (الذي خلقكم والذين من قبلكم)، قال: "وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة فجعل لكم الأرض فراشا" أي تستقرون عليها جعلها فراشا أي مهيأة لكم تستقرون عليها، تبنون عليها البناء، وتضعون عليها المساكن، وتزرعون الزروع، وتسلكون السبل والطرق (فامشوا في مناكبها) أي الأرض (وكلوا من رزقه) فجعلها الله سبحانه وتعالى فراشا لينتفع بها العباد أبنية وزراعة وحراثة، وسلوكا من محل إلى محل، وغير ذلك من وجوه الانتفاع، وجعل السماء بناء أي سقفا مرفوعا كما في الآية الأخرى، وأيضا سقفا محفوظا كما في آية أخرى، ورفعها سبحانه وتعالى فوق الأرض بغير عمد فهي سقف للأرض (سقفا محفوظا) سقفا مرفوعا، أي عن الأرض. وسميت السماء لعلوها وارتفاعها، ولهذا سيأتي معنا تسمية السحاب سماء لعلوه، لأن السماء في القرآن تطلق ويراد بها: المبنية، وتطلق ويراد بها السحاب، وكلاهما اجتمع في هذه الآية -كلا الإطلاقين- اجتمع في هذه الآية، فإن قوله (والسماء بناء) هذه المبنية، (وأنزل من السماء ماء) هذا السحاب، فالسماء تطلق ويراد بها المبنية، وتطلق ويراد بها السحاب.
قال (وأنزل من السماء ماء) وهو كل ما علا فوقك فهو سماء، ولهذا قال المفسرون: المراد بالسماء السحاب. هذا الأمر الثالث من البراهين.
الرابع: قال (وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات) إخراج أنواع الثمرات وصنوف الأرزاق كالحبوب والثمار من نخيل وفواكه وزروع وغيرها (رزقا لكم) رزقا لكم ترتزقون به وتعيشون، (فلا تجعلوا لله أندادا) الخطاب هنا للمشرك الذي اتخذ الند مع الله والشريك، ولهذا بعض المفسرين قال: "قوله (فلا تجعلوا لله أندادا) عائد على من ذُكر قبل في الآية في قوله (إن الذين كفروا) وفي قوله (ومن الناس) عائد على الكفار والمنافقين، (فلا تجعلوا لله أندادا) قال: "أي أشباه ونظراء من المخلوقين فتعبدونهم كما تعبدون الله، وتحبونهم كما تحبون الله" مثل ما في الآية الكريمة (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله)، (فلا تجعلوا لله أندادا) أي شركاء تعبدونهم كما تعبدون الله وتحبونهم كما تحبون الله والحال أنهم عباد مثلكم مخلوقون مثلكم، مُدبَرون لا يملكون شيئا، قال ابن عباس رضي الله عنهما في معنى الآية: "أي لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره، ولقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من توحيده هو الحق الذي لا شك فيه" عم نبينا صلى الله عليه وسلم أبو طالب الذي اجتهد معه صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى توحيد الله ومات وهو يقول: هو على ملة عبد المطلب، كان يقول في أبيات له، هذا يذكرنا بالمعنى الذي قرره ابن عباس يقول: "وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من توحيده هو الحق" كان يقول في أبيات له: ولقد علمتُ بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا، إذا ما دمت قد علمت هذا العلم، وعرفت هذه المعرفة أنه من خير أديان البرية دينا لم لا تدخل؟ أجاب، انظر الجواب قال: لولا الملامة أو حذار مسبة لرأيتني سمحا بذاك مبينا، لولا أني أخاف فقط أن الناس يعيرونني يقولون ترك ملة آبائه وأجداده، هذا الذي يردني، وإلا أعرف أنه أحسن الأديان وأصح الأديان لكنني أخشى أن أُسب وأُعير بذلك، يقولون ترك، ولهذا الذين كانوا عنده ماذا كانوا يقولون له؟ أتدع ملة عبد المطلب؟ أتذر ملة عبد المطلب، فمات وهو يقول هو على ملة عبد المطلب، لا يريد أن يُعير بأنه ترك ملة الآباء والأجداد، وهذه سبحان الله عقدة ردت خلق عن التوحيد، ردت خلق عن توحيد الله سبحانه وتعالى وإفراده بالعبادة (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون).
قال (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) (وأنتم تعلمون) هذه جملة حالية، والخطاب فيها - كما تقدم - للكفار والمنافقين، (تعلمون) أي: والحال أنكم تعلمون أنه لا خالق لكم غير الله، وأنتم تعلمون أن الله ليس له شريك ولا نظير لا في الخلق والرزق والتدبير، ولا في الألوهية والكمال، فكيف تعبدون معه آلهة أخرى مع علمكم بذلك؟ هذا من أعجب العجب وأسفه السفه. قال رحمه الله تعالى: "وهذه الآية جمعت بين الأمر بعبادة الله وحده والنهي عن عبادة ما سواه و بيان الدليل الباهر" جمعت بين التوحيد وبرهان التوحيد، هذا الذي يقصده الشيخ، جمعت بين التوحيد (اعبدوا ربك) وبرهان التوحيد (الذي خلقكم) إلى آخر الآية والآية التي بعدها، فجمعت بين التوحيد الذي هو الأمر بالعبادة والتحذير من اتخاذ الأنداد، والنهي عن عبادة ما سوى الله، وبيان الدليل الباهر على وجوب عبادته وبطلان عبادة ما سواه، وهو ذكر توحيد الربوبية المتضمن انفراده بالخلق والرزق والتدبير. قال الشيخ موضحا تقرير هذا الدليل": فإذا كان كل أحد مقرا بأنه ليس لله شريك بذلك فكذلك فليكن الإقرار بأن الله ليس له شريك في عبادته" وهذا أوضح دليل عقلي على وحدانية الباري وبطلان عبادة ما سواه.
قال: "وقوله (لعلكم تتقون)" هذا كان خاتمة للآية الأولى ولهذا حقه أن يكون مقدما كما جاء في سياق النص فقال: "وقوله (لعلكم تتقون) يحتمل أن المعنى أنكم إذا عبدتم الله وحده اتقيتم بذلك سخطه وعذابه" وهذه حقيقة التقوى، هذا المعنى الذي أشار إليه هو حقيقة التقوى، حقيقة التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخشى من سخط الله وعقابه وقاية تقيه وذلك بفعل المأمور، وترك المحظور، هذه حقيقة التقوى، قال: "لأنكم أتيتم بالسبب الدافع لذلك" الذي يدفع عنكم السخط، "الدافع لذلك" أي الذي يدفع عنكم سخط الله وعذابه، ويحتمل أن يكون المعنى: أنكم إذا عبدتم الله صرتم من المتقين (اعبدوا ربكم لعلكم تتقون) أي إن حققتم عبادة الله كنتم من المتقين، يحتمل أن يكون معناه أنكم إذا عبدتم الله صرتم من المتقين الموصوفين بالتقوى. كِلا المعنيين الذين أشار إليهما التعليل عائد إلى ماذا في كلا المعنيين؟ إلى الأمر، مع التعليل العائد إلى الأمر، يقول الشيخ وكِلا المعنيين صحيح وهما متلازمان، فمن أتى بالعبادة كاملة كان من المتقين، ومن كان من المتقين حصلت له النجاة من عذاب الله وسخطه. وأيضا يدخل في عموم المعنى ما تقدم وهو: أن الله عز وجل خلق الناس ليتقوا الله (لعلهم يتقون) كما قال (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ومعنى (إلا ليعبدون) أي لآمرهم بعبادتي، فمنهم من عبد الله، ومنهم من لم يعبده، (فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة).

نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله، وهدانا إليه صراطا مستقيما…
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق