السبت، 9 أبريل 2016

المثل في سورة النور / د. مساعد الطيار


طيب دعونا نأتي إلى قوله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- وهي آية تعتبر مشكلة:
" (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[النور: 35].
طَبْعًا لوجود الإشكال أو إشكالات كثيرة في هذه الآية، أَصْلًا يعني هي لوحدها تحتاج إلى محاضرة مستقلة إن لم يكن أكثر من محاضرة لأن موضوع هذه الآية مُشكل. وهي مرتبطة كما تعلمون باسم الله النور، وبصفته -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- ولهذا السبب اخترت أن نقرأ هذه الآية من تفسيرٍ إجمالي وهو تفسير الشيخ ابن سعدي، لكي يكون المعنى فيها واضحًا، ثم بعد ذلك ننتقل إلى ذكر بعض القضايا التي فيها، يعني الآية كما قلت لكم لو نفصلها جملة جملةْ فيها إشكالات كثيرة لكن على الأقل نقف عليها إجمالًا ثم بعد ذلك نرجع إلى قضية بعض التفاصيل.
الشيخ ابن سعدي -رحمه اللَّهَ تَعَالَى- في هذه الآية يقول:
(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) الحسي والمعنوي، وذلك أنه تعالى بذاته نور، وحجابه الذي لولا لطفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه نور. قال: وحجابه أَيْضًا نور، وبه استنار العرش، والكرسي، والشمس، والقمر، والنور -النور المخلوق- وبه استنارت الجنة، وكذلك النور المعنوي يرجع إلى الله، فكتابه نور، وشرعه نور، والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور. فلولا نور الله تعالى لتراكمت الظلمات، ولهذا: كل محل، يفقد نوره فثم الظلمة والحصر"
 قال: (مَثَلُ نُورِهِ). طَبْعًا قبل الآن يعني أن الشيخ الآن يقول: الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- نور، ونوره سواءً كان من الجهة الحسية كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (نورًا أنى أراه)، وقال: (حجابه النور) فذكر أنه لو أشرقت لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره نعم، فهذا إذًا فيه إشارة إلى النور الحسي.
 النور المعنوي كل ما جاء من عند الله فهو نور. ولهذا لو تتبعت النور في القُرْآنِ فيما جاء من عند الله من جهة الأمور الرُوحانية، -بالضم - هكذا الرُوحانية وليس الرَوحانية لأن الرَوحانية نسبة إلى الرَوح والصواب الرُوحانية نسبة إلى الرُوح- ستجد أمثلة كثير يعني كُتبه نور، ورُسله نور، وشرعه نور، فهذه كلها من عنده -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- وهي كما ذكر معنوية أو رُوحانية.
 قال: " (مَثَلُ نُورِهِ) الذي يهدي إليه وهو نور الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين (كَمِشْكَاةٍ) قال أي: كوة (فِيهَا مِصْبَاحٌ) "
طَبْعًا المصباح الآن الكوة هي الطاقة التي تكون في الجدار ولا يكون لها نافذ، تكون في الجدار بدون أن يكون لها نافذ من الخارج، يعني إذًا هي الآن كوة محصورة. إذا وضع فيها السراج -النور- ماذا يحصل مثل الآن؟ كما قال الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- قال: (فيها مصباح الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ). يعني لاحظ الآن الوصف للتنبيه على شدة إنارة هذا الذي يذكره الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى-، هذا المخلوق وهو يشبهه بنور الإيمان في قلب العبد. قال -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- الآن: (مَثَلُ نُورِه) يعني في قلب عبده قال: (كَمِشْكَاةٍ) أي كوة قال: (كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ) قال: "لأن الكوة تجمع نور المصباح بحيث لا يتفرق ذلك.
 (الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ) من صفائها وبهائها (كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) الكوكب الدُري الذي هو يلمع في السماء، أي: مضيء إضاءة الدُر. (يُوقَدُ) أي ذلك المصباح الذي في تلك الزجاجة الدُرية (مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ) أي: يوقد من زيت الزيتون الذي ناره من أنور ما يكون. (لا شَرْقِيَّةٍ) أي هذه الزيتونة فقط فلا تصيبها الشمس آخر النهار، (وَلا غَرْبِيَّةٍ) فقط فلا تصيبها الشمس أول النهار، وإذا انتفى عنها الأمران كانت متوسطة من الأرض كزيتون الشام تصيبها الشمس أول النهار وآخره، فتحسُن وتطيب، ويكون أصفى لزيتها ولهذا قال: (يَكَادُ زَيْتُهَا) من صفائه (يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ) قال: فإذا مسته النار، أضاء إضاءة بليغة (نُورٌ عَلَى نُورٍ) يعني أي: نور النار، ونور الزيت. "
طيب لاحظ الآن هذا المثل، وهذه أَصْلًا الآية لو أقيم عليها يعني تفسير مُتكامل بلغت مجلدًا لما فيها من المسائل العلمية واللغوية والبلاغية، وحتى الفوائد التربوية مليئة جدًا. يعني إذًا الآن المثل هذا كله كما ذكره ابن سعدي-رحمه اللَّهَ تَعَالَى- هو تصويرٌ لأثر نور الله في قلب العبد، يعني تمثيل لنور الله في قلب العبد. نور الله في قلب العبد (كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَة) هذه الشجرة (لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ، يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ) الذي هو نور النار (عَلَى نُور) الزيت، نورٌ على نور طيب. فإذًا كل هذه الأوصاف الاستطرادية، الإطناب في ذكر هذا النور للإشارة إلى النور الذي يحصل في قلب العبد من أثر نور الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى-، وهدايته له.
قال بعد ذلك: "ووجه هذا المثل الذي ضربه الله وتطبيقه على حالة المؤمن، ونور الله في قلبه، أن فطرته التي فُطر عليها، بمنزلة الزيت الصافي، ففطرته صافية مستعدة للتعاليم الإلهية، والعمل المشروع، فإذا وصل إليه العلم والإيمان اشتعل ذلك النور في قلبه بمنزلة اشتعال النار في فتيلة ذلك المصباح، وهو صافي القلب من سوء القصد، وسوء الفهم عن الله، إذا وصل إليه الإيمان أضاء إضاءة عظيمة، لصفائه من الكُدورات، وذلك بمنزلة صفاء الزجاجة الدُرية، فيجتمع له نور الفطرة، ونور الإيمان، ونور العلم، وصفاء المعرفة، نور على نوره. ولما كان هذا من نور الله تعالى وليس كل أحدٍ يصلح له ذلك، قال: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) -يعني لاحظ الاصطفاء (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ)- قال: ممن يعلم زكاءه وطهارته وأنه يزكى معه وينمو.
 قال: (وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ) ليعقلوا عنه ويفهموا لطفًا منه بهم، وإحسانًا إليهم، وليتضح الحق من الباطل، فإن الأمثال تُقرِّب المعاني المعقولة من المحسوسة، فيعلمها العباد علمًا واضحًا، (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فعلمه مُحيطٌ بجميع الأشياء. فلتعلموا أن ضَربَه الأمثال ضربُ من يعلم حقائق الأشياء وتفاصيلها وأنها مصلحةٌ للعباد، فليكن اشتغالكم بتدبرها وتعقُّله لا بالاعتراض عليها، ولا بمعارضتها فإنه يعلم وأنتم لا تعلمون". انتهى كلام الشيخ ابن سعدي باختصار وإلا ذكرته لوضوحه لكي لا ندخل نحن فيه قبل أن نؤسس الأفكار ثم نأتي إلى بعض القضايا الإشكالية في هذا.
طَبْعًا إذا رجعتم إلى التفاسير، التفاسير على قسمين:
 فيه تفاسير يعني ذكرت أو أشارت أن الآية فيها اسم الله النور وصفته، يعني فيها الاسم والصفة.
 وبعض التفاسير -وهي تفاسير من تأثر بعلم الكلام- نفى أن يكون الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- نور لإدعائه أن النور من صفات الجواهر والأجرام والأجساد، وأنه يلزم من إثبات النور له -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- التجسيم. فنفى هذا وتأوله بتأولات.
 يعني عندنا الآن عندنا في الأمر عندنا خطان:
الخط الأول: هو إثبات اسم النور وما يلتزم من صفة.
والخط الثاني: يتأول النور ظنًا منه أن إثبات اسم النور أو صفة النور، أنه يلزم منها التجسيم والجسمية.
 وهذا أمر طَبْعًا معروف في العقائد، أنا فقط أردت أن أشير إلى الخطين معا حينما تقرؤون في التفاسير ستجدونها، ليست الإشكالية هنا لأن هذا واضح وهذا واضح.
 عندنا سؤال الآن أولًا: هل أثبتت الأَحَادِيْثِ اسم النور وصفة النور لله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- أو لا؟ يعني هل في الأَحَادِيْثِ ما يثبت اسم النور لله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى-؟
ما قال صلى الله عليه وسلم : (نورٌ أنى أراه)، طيب وقلنا قبل قليل: لو أشرق نور وجهه أو سُبحات وجهه، لا هذا ليس هذا أنا أريد إثبات لفظة النور، نعم (حجابه النور) وأمثالها. عمومًا إثبات اسم النور والصفة الملتزمة له هذه ثابتة في الأَحَادِيْثِ جيد.
 في الآية قال: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) بعض المفسرين جعل هذا من باب الأسماء، وأثبت فيها اسم الله النور. وإذا ثبت الاسم ثبتت الصفة والعكس، طيب. رواية عن ابن عباس قال: "الله هادي أهل السموات والأرض" فهذه الرواية الآن وفي رواية أخرى: "الله منوِّر السموات والأرض". هل هذا الآن من ابن عباس تفسير معنى (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) يعني هذا مراد ابن عباس تفسير معنى (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أنه هو نور بمعنى منوِّر أو هو تفسيرٌ بلازم المعنى؟ احتمالان .
 طَبْعًا شيخ الإسَّلَام ابن تيمية لما جاء عند هذه الآية جعل تفسير ابن عباس من قبيل لازم المعنى، جعله من قبيل التفسير باللازم -لازم المعنى- وأن ابن عباس -رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ- يُثبت النور، وأن الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- نور.
 طيب لو افترضنا -جدلًا- أن ابن عباس لما فسّر هذه الآية يرى أن المعنى حقيقةً أن (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أنه منوِّر أو هادي السموات والأرض، يعني منوِّر السموات والأرض أو هادي السموات والأرض، هل يلزم منها أن ابن عباس يُئوِّل صفة النور، اسم النور؟ لا.. لماذا؟
.... قاعدة علمية أريد أن تستحضروها دائمًا في بعض المسائل المرتبطة بالصفات. لأن بعض الذين يتأولون أو يُئوِّلون الصفات يدّعون أن ابن عباس أَّول، طيب نحن الآن نريد أن نُناقش هذه عقليً.
الآن ابن عباس إذا كان يرى أن قوله: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أنها ليست من آيات الصفات، هو يرى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، معناها منوِّر يعني يُفسرها بالحدث، أو هادي أهل السموات والأرض، إذا كان يرى أن هذا هو المعنى على الحقيقة، هل يلزم منه أن ابن عباس يُئوِّل اسم الله النور وصفة الله النور؟. الجواب: لا.
 لأنه لو قلنا أنه: يئوِّل يلزمنا أن نقول: أنه يُثبت ثم ينفي، هل الآن ابن عباس قال: كذا والصواب كذا؟ لا ما أثبت ولا نفى، هو يرى أن هذا هو المعنى. فإذًا صار عندنا احتمالان:
/ إما أن يكون تفسيره على اللازم -كعادة السلف-
/ وإما أنه لا يرى أن الآية من آيات الصفات
 فحينما لا يرى أن الآية من آيات الصفات نرجع إلى المسألة الأخرى -القاعدة الأخرى- ما دام قلنا: إن اسم النور وصفة النور ثبت في الحديث النبوي، فثبوته في الحديث النبوي يدل على أن هذا الاسم ثابت، ما عندنا مشكلة فيه، يعني ليس دليلنا الوحيد على ثبوت هذا الاسم هو هذه الآية، عندنا أكثر من دليل فعدم ثبوته في هذا الدليل لا يعني انتفائه عن الأدلة الأخرى، يعني لو قلنا الآن: أنه لم يثبت أو لو قلنا هذه الآية والله مشكلة، يعني عدوها أن هذه الصفات مشكلة وأن علماء الإسَّلَام اختلفوا فيها. فدعونا نرفعها لأنها من المختلف
 طيب الأَحَادِيْثِ الصريحة ليست من المُختلف، فثبوت إذًا هذا الاسم ما دام واردًا هنا وهنا فإذًا ثبوته في الأَحَادِيْثِ يرفع هذا الإشكال. طيب أقرِّب الصورة أكثر في مثال أخر:
قوله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى-: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) الآن الكرسي على أنه مخلوق هل فيه خلاف عند الصَّحَابَةِ والتابعين وأتباعهم أن الكرسي مخلوق؟ عندهم خلاف في هذا، هل سمعتم أن واحد من الصَّحَابَةِ والتباعين وأتباعهم ينفي خلق الكرسي؟ قصارى ما وُجد قول للحسن: أن الكرسي هو العرش لكن في النهاية أن الكرسي مخلوق، جميل.
 في قوله: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) ورد لابن عباس قولان:
- القول الأول: المراد بالكرسي المخلوق.
- والقول الأخر: المراد بالكرسي العِلم.
لنفترض -جدلًا- أن ابن عباس ليس له في الآية إلا وسع كرسيه أي عِلمه، وبعض المبتدعة أو بعض ذا اعتمدوا على قول ابن عباس هذا، طيب وسِع علمه السموات والأرض. لو افترضنا جدلًا أن هذا هو معنى الآية عند ابن عباس، هل يلزم من هذا أن ابن عباس يُئوِّل الكرسي؟ الجواب: لا، لأن ابن عباس ما نفى لكي يُئوِّل، لأن المؤل دائمًا يكون قبل ذلك نافيًا. ولهذا الذين يتعرضون لهذا يقولون: أن النور، يؤولون النور وينفون عن الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- بزعمهم أنهم لو أثبتوا النور للزم من ذلك الجسمية و..و.. الخ.
 فإذًا حاصل عندهم إثباتٌ ونفي في الذهن، أما ابن عباس أَصْلًا ما عرّج على هذا إطلاقًا، ابن عباس يُفسر مباشرة، يعني يرى أن هذا معناها مباشرة ما لها علاقة بهذه القضية، هذا افتراضًا طَبْعًا في الكرسي.
 أصرح منه يعني ما وقع اتفاقًا هو وتلاميذه في تفسير: (يوم يُكشف عن ساق) لو رجعت لتفسير ابن عباس وتلاميذه: (يوم يُكشف عن ساق)، ما عدها أَصْلًا من آيا ت الصفات ،  يعني تفسير ابن عباس لها على أنها ليست من آيات الصفات أَصْلًا، يعني ما فسّره به ابن عباس وتلاميذه حينما تقرأ، ليس لها علاقة بالتأويل ولا لها علاقة بتأويل الأسماء ولا تأويل الصفات ولا غيره أَصْلًا وفصلًا، الآية عنده ما لها علاقة بالأسماء والصفات فسّرها على معنى لغوي مُتناسب مع السياق ولا له علاقة بهذه.
 بعض من ضعُفت معرفته بفهم السلف من المُتقدمين والمتأخرين، ظن أن ابن عباس أَوّل الساق - وهذا طَبْعًا فهمه هو- لو كان ما عندنا دليل على الساق إلا هذه الآية لوقع إشكال؛ لكن عندنا دليل أصرح من الآية وهي قوله صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح الْبُخَارِيّ وغيره -: (يكشف ربنا عن ساقه) يعني نسب الساق إلى الرحمن -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى-.
فإذًا أقصد في مثل هذا المقام، لأن هذه الآية فيها صعوبة الحقيقة وفيها نقاشات طويلة، حتى فيها في تحليل المثل الشيء الكثير جدًا. لكن أقصد أنه قد يرِد عندكم أو عند بعضكم وأنتم تقرؤن التفسير أن بعضهم يعتمد على كلام ابن عباس في التأويل فيظن المُتلقي أن ابن عباس يئول يعني تأتيه شبهة. نقول له: لا تثبت التأويل إلا بنفيٍ قبله، أما إذا فسّر الآية على وجه، فهو إما أن يرى أن الآية أَصْلًا لا علاقة لها بالصفات، وإما أنه يُئولها على لازم المعنى، يعني لا يخرج عن هذين الأمرين. يلزمك الدليل أنه فهِم منها ما فهمته أنت، أنها قد تكون من الأسماء أو من الصفات ثم أوّلها، يلزمك أن تثبت أن ابن عباس فهمها كفهمك، وأنها تحتمل هذه الأمور ثم أوّلها، ما دام ما تستطيع تثبت هذا فليس أمامنا إلا الطريق الأول وهو أن يكون لا يراها أَصْلًا من آيات الصفات فيُفسِّرها على معنىً لُغويٍ متناسب، أو أنه فسّرها بلازم المعنى.
هذه قاعدة في الأمثلة التي ضربتها التي هي: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)، (يوم يُكشف عن ساق)، وما أشبهها. يعني ما أشبهها لأنه ما من صفة من الصفات إلا تجد لها دليل في الكتاب ودليل في السنة، يعني هذه قاعدة أرجو أن تكون واضحة لأنه يقع التلبيس فيها كثيرًا. تجدون بعض الكتب كلها تكتب، يعني بعض الكتب وقعت فيها تلبيس شديد في مثل هذه القضية ودعوى أن ابن عباس وقع في التأويل ، وأن مجاهد عنده تأويل، وأن سفيان بن عُيينة عنده تأويل. وأن سفيان الثوري عنده تأويل، وأن شُريح القاضي عنده تأويل، ويذكرون أمثلة من هذا يعني لكن كل واحد من الأمثلة له جوابه.
طيب دعونا ندخل الآن إلى بعض الأقوال، أنا ذكرت لكم الآن ذكرت لكم القول الأول عن ابن عباس: أنه هادي أهل السموات والأرض، وهذا رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، أَيْضًا قال به أنس بن مالك.
عندنا أَيْضًا مما يتعلق بالآية قضية المثل أو موقع المثل من السورة: وهذا -كما ذكرت لكم- عن الطاهر، الطاهر يقول:
"أَتْبَعَ مِنَّةَ الْهِدَايَةِ الْخَاصَّةِ فِي أَحْكَامٍ خَاصَّةٍ الْمُفَادَةِ مِنْ قَوْلِه تَعَالَى: (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ) .. الْآيَةَ [النُّور: 34]. وذكر أحكام خاصّة قال: أتبعه بِالِامْتِنَانِ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ مُكَوِّنُ أُصُولِ الْهِدَايَةِ الْعَامَّةِ وَالْمَعَارِفِ الْحَقِّ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ بِإِرْسَالِ رَسُولِهِ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، مَعَ مَا فِي هَذَه الآية الِامْتِنَانِ مِنَ الْإِعْلَامِ بِعَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَجْدِهِ وَعُمُومِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ". وهذا كأنه إشارة إلى أن كل هذه الذي ذكره الله -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى- من الأحكام الخاصّة؛ إنما هي شيءٌ من نوره -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى-. لأنها جزءٌ من شرعه وعلمنا أن شرعه جزءٌ من نوره، لأنه قلنا الآن: النور الحسي والنور المعنوي، فأَيْضًا هذه جزءٌ من نوره المعنوي -سُبَحّْانهُ وَتَعَالَى-. والآن نكتفي بهذا القدر من هذا المثل.
لتحميل المادة الصوتية:



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق