الثلاثاء، 9 فبراير 2016

دورة [ مهارات تدبر القرأن ] د. محمد بن عبد الله الربيعة -٢-


عندنا مفاتيح التدبر العلمي:
 هذا هذا يمكن أن أَعُده مرحلة متقدمة ، المرحلة الأولى مرحلة مستوى أول وهذه المستوى الثاني يعني بمعنى متقدم لطلبة العلم المتخصصين مثلاً طلاب الجامعة فما فوق هذه المفاتيح تعينهم .
 أولاً : النظر في أسماء السور وفضائلها 
 صحيح أن هذا مفتاح يمكن أن يتعامل به عامة الناس لكن الغوص من خلاله في التأمل هذا مفتاح علمي عميق مثال : لو أردنا أن نتأمل سورة البقرة - لاحظوا سورة البقرة طبعاً هي أطول سورة في كتاب الله عز وجل وهي آياتها وموضوعاتها متشعبة ونزولها أيضاً متفرق عشر سنوات ثم سُميت بالبقرة -
دعونا نتأمل أولاً في أسمائها، طبعاً هي سميت بماذا ؟ بالبقرة سميت بالزهراوين مع آل عمران وأيضاً سُميت عند بعض السلف فسطاط القرآن.
طيب دعونا نأخذ اسمين من اسماءها ونتأمل من خلالهما:
- الاسم الصريح الظاهر الثابت البقرة كيف يمكن يدلنا هذا الاسم على مفتاح للتدبر في السورة ؟
قد يقول أحدكم فيه تكلف ماهي علاقة البقرة بتأمل السورة ؟
 هذا الذي يجعلك تتدبر الآن { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } فتسميت السورة بالبقرة له حِكمة وهو مفتاح لتدبر السورة .. كيف ؟ ولهذا هذا المفتاح جعلته هنا لأنه كمرحلة مُتقدمة وإلا فقد يكون سورة الإخلاص مثلاً يمكن التدبر فيها لأن هذه السورة توصلك إلى الإخلاص والتوحيد بعض السور واضح لكن دعونا نتأمل البقرة.
 لاحظوا أن البقرة الاسم هذا أرجعنا إلى ماذا ؟ قصة وهذه قاعدة انظر إلى الاسم وإلى الآيات التي ورد فيها في هذا الاسم .
قصة البقرة هذه ماذا فيها ؟ ماهو موضوعها ؟ أو ما الذي يمكن أن نستخلصه من هذه القصة ؟ ما الذي نستخلصه من قصة البقرة؟
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ }{ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا } { قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ } هذه القصة بهذا الجو ماذا نأخذ منها ؟ عدم المسارعة لامتثال أمر الله، عدم تلقي أوامر الله والتلكؤ والعناد والتردد والتساهل والتشدد، إذاً القصة تدور على هذا الأمر فسُميت البقرة بالبقرة إشارة إلى هذه القضية وهي قضية التلكؤ على أوامر الله وعدم تلقيها بالإستجابة والسمع والطاعة والإيمان.
 دعونا نأخذ هذا في خلال السورة كلها ما علاقتها ؟ السورة ما الغالب فيها ؟
التشريعات، كل تشريعات القرآن، كُليات الشريعة في سورة البقرة كما قال شيخ الإسلام يقول : "وقد ذكرت في مواضع ما اشتملت عليه سورة البقرة من أصول الدين وقواعد العلم أو قواعد العلم وأصول الدين" يعني فيها أصول وقواعد -تشريع- كل تشريع في القرآن أصله في البقرة ما خرجت التأصيلات الكُلية عن سورة البقرة لأنها استغرقت عشر سنوات .. ما معنى هذا ؟ أن اسم البقرة يحذّر هذه الأمة من تلقي أوامر الله كحال بني إسرائيل هذه أوامر الله وهذه تشريعاته إياكم واحذروا أن تكونوا كحال بني إسرائيل في التلكؤ ولذلك قال في آخرها : (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } أليست تسمية سورة البقرة حكمة عظيمة ؟ بلى ، الله تعالى يحذرنا من أن نتشبه بهؤلاء الذين سُلبت منهم الخلافة بسبب عدم تلقيهم لأوامر الله .
 أرأيتم كيف أن أسماء السور دال ومفتاح للعيش لكن أحياناً تكون هناك صعوبة، أحياناً يحتاج تأمل دقيق سورة (ص) "ص" حرف ماذا فيها ؟ كيف هذا الحرف مفتاح لتدبر السورة ؟ سورة ق ، طبعاً السور التي سُميت بحرف أكثر حرف فيها هو، سورة (ص) أكثر حرف "ص" ليس أكثر حرف الألف أكثر منه لكنه برز فيها برز فيها وظهر، يعني (ص) ظهر فيها أمر من الأمور المهمة وهي الخصومات ظهر فيها الخصومات { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ } وأيضاً { تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ } { بِالْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } في أول السورة فيها خصومة، خصومة قريش للنبي صلى الله عليه وسلم فيما آتاه الله -في شقاق- فظهر فيها هذا الأمر لكن الحقيقة يحتاج  تأمل ثاقب .
 سورة (ق) أيضاً حقيقة تأملتها فيها القلب تكرر أكثر من مرة، فيها الحق تكرر أكثر من مرة، فيها القرآن تكرر أكثر من مرة، السورة في الواقع - سورة ق - هي في إثبات البعث لكنه تذكير بالحق الذي أنزله الله تعالى وهو القرآن وما أُنزل فيه من البعث والنشور . أحياناً تقول فيه تكلف لكن أحياناً اسم السورة يظهر فيها، (الإخلاص) الإخلاص ما ورد في السورة أليس كذلك ؟ ما ورد طيب لماذا سميت بالإخلاص ؟ هي تحقق الإخلاص لله تعالى والتفرد لله تعالى والتوحيد وأُخلصت لله .
/ فضائل السورة أيضاً تدلنا عليها، حينما تأتي سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن ما معنى هذا ؟ أن موضوعها عظيم، تأمل موضوعها التوحيد، والتوحيد ثُلث والأحكام والأخبار، فلذلك النظر - مثلاً - سورة الكهف فضائلها تدل على مافيها الاعتصام من الفتن إلى غير ذلك .

ثانيا: أحوال النزول
 أحوال النزول مفتاح عظيم جداً جداً جداً أيها الأخوة في التدبر خذوا مثال حينما نعيش مع سورة، دعونا نعيش مع سبب ونعيش مع أحوال ما الفرق بينهما ؟
 السبب هو: قضية وحصلت بسببها الآية
 لكن الأحوال: مُلابسات المكان والزمان والأحوال والمواقف والأشخاص كل هذه أحوال ارتبط بها نزول السورة.
 نضرب مثالين :
/ سورة الضحى نزلت بسبب وهو انقطاع الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم شهراً وقول أم جميل أو المشركين : ما نرى ربك إلا قد قلاك ، هجرك وأبغضك.
 حينما نأخذ هذا المقصد فنتأمل السورة، إذاً المقصد هنا هو تسلية النبي صلى الله عليه وسلم، دعونا نأخذ { وَالضُّحَىٰ } لماذا أقسم الله بالضحى هنا دون غيره العصر أو غيرها ؟ ما علاقته بسبب النزول وأحوال النزول ؟ وقت إشراق أليس كذلك؟ أول النهار فكأن في هذا القسم إشارة إلى وعد من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن أمرك في إشراق وفي نور ومستقبل مشرق كأن الله تعالى يقول مستقبلك مشرق لا تخف وعدٌ من الله بالإطمئنان وعد من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يطمئن ويستبشر ولذلك قال : { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } ونعمة الله على النبي صلى الله عليه وسلم كبيرة. هذا حال.
 الحال الثاني : قضية ملابسات القصة ملابسات السورة وقت نزولها والأحوال.
 خذوا مثلاً سورة الحجرات متى نزلت ؟ في عام الوفود ، عام الوفود ماذا حدث فيه ؟ حدث فيه أن هذا المجتمع المدني النظيف الطاهر الذي قد تصفّى وقد كمُل إيمانه جاءت الوفود من الأعراب وغيرهم فاختلطوا بهذا المجتمع فأصبح هذا الاختلاط سبب في تشارخ الأخلاق وعادات هؤلاء القبائل أو شيء من ذلك فنزلت السورة لتمحيص الأخلاق وتصفيتها وتمكين الإيمان في هؤلاء الذين أتوا وهذه الوفود { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا } يعني أنتم بادئين الآن ، ولاحظوا الآن يأتي الأداب { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ } { وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا } { يَا أَيُّهَا النَّاسُ } هنا حقيقة تحقيق أصول الآداب فيها في التعامل لأنها نزلت في وقت مناسب، لا شك أن القرآن ينزل مُنجماً لمعالجة قضايا، كثير من القرآن ينزل لمعالجة قضايا بل كل القرآن ينزل لمعالجة قضايا منه ما ينزل بسبب مُعين ومنه ما ينزل بحالة يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد أُوذي من قريش، أُوذي وعُذِّب كما في عام الحزن تُوفي عمه وتُوفيت زوجته وضُيِق في الشعب نزلت سورة يوسف تسلية له وأن هؤلاء الأنبياء قبله قد أوذوا وصبروا ومكن لهم فهو إشارة للنبي صلى الله عليه وسلم أنك في هذا الضيق والسجن الذي أنت فيه ستكون، انظروا سبحان الله يوسف فيها فَقْد والرسول صلى الله عليه وسلم فَقَد ، وفيها سجن والنبي صلى الله عليه وسلم سُجن أو حُبس وضُيَق في الشعب ويوسف حبس وأصبح المسلمون في فقر شديد أشد ما يكون، وبعد ذلك التمكين فهي إشارة للنبي صلى الله عليه وسلم أن أمرك إلى تمكين.
 فانظر إلى سبب نزولها، أحوال النزول أنا أعتبره من أجمل وأعظم المفاتيح للتدبر الحقيقة الذي يعيش معهم وينظر إلى نزول السورة وأحوال نزول السورة والآية كيف نزلت وما الأحوال التي حفتها سيجد أن هذا مفتاح عظيم لأن هذا تصل فيه إلى مقصد الآيات أو سبب نزولها .
ثالثا: المقاصد
والمقاصد والأحوال قرينان..
... النزول طبعاً ، الإشكال أن الكتب التي أُلفت كلها في أسباب ليست في أحوال، كتب الأسباب كثيرة من أهمها وأفضلها وأجملها المحرر في أسباب النزول جزأين للدكتور خالد المزيني، أسباب النزول للواحدي، الاستيعاب لمجموعة من الكويت، فيها أسباب النزول الاستيعاب مستوعب لكن الأحوال لا ، أفضل من عاش مع الأحوال تفسيرين ماهما ؟ الظلال وابن عاشور ، طبعاً كثير من المفسرين لكن هؤلاء حقيقة برزوا في قضية الأحوال، الظلال يفوق حقيقة كثير من التفاسير في هذه القضية يعيش مع أحوال نزولها ويعيش مع الجو الذي ولذلك كثير ما يقول جو السورة، جو السورة الجو الذي نزلت فيه، فهو الحقيقة قد تميز بهذا مع تجاوز ما لديه من ملاحظات .
 المقاصد: ما المقصود بالمقاصد ؟ من أعظم مقاصد القرآن التعريف بالله، تحقيق العبودية ، الهداية ، إصلاح البشر، تزكية النفوس كل هذه مقاصد للقرآن عامة. مقاصد السور التي ذكرناها قبل قليل مقصد سورة البقرة مثلاً حينما أقول أنها في تحقيق الأوامر، الفاتحة في تحقيق العبودية.
 آل عمران يبرز فيها قضية الثبات على الدين، طبعاً المقصد أحياناً اجتهادي ربما يظهر أنه هذا أو يقال شخص أنه والله لا ، يعني مثلاً آل عمران بعضهم يقول أنها في الثبات بعضهم يقول هي في التوحيد لأنها أُفتتحت بالتوحيد وأُختتمت به لكن الواقع أنها في الثبات وأعظم سبيل للثبات هو التوحيد ولذلك تكررت فيها آيات الصبر.
 النساء مثلاً في تنظيم المجتمع وحقوق المجتمع وأحوال المجتمع وتلحظ فيها الأمانات وفيها الأموال والمواريث حقوق..تنظيمات . المائدة في العقود ولذلك افتتحت بالعقود واختتمت بالمائدة .
والأنعام في التوحيد لكنها في التوحيد العملي في التوحيد العملي ومحاجّة المشركين فيما أشركوا فيه بالله عز وجل ومنها الأنعام والتحذير فيها والتحريم وغير ذلك والذبح لغير الله .
ثم الأعراف في الصراع بين الحق والباطل ولذلك بدأت بقصة آدم وإبليس ثم قصص الأنبياء في آخرها { إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ }.
الأنفال في التربية الجهادية - واضحة- أسباب النصر والهزيمة التربية الجهادية تكرر فيها { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا }.
التوبة حقيقة التوبة - سبحان الله - تختلف هي في كشف أحوال المنافقين وهي في البراءة من الكافرين وفي التوبة على المؤمنين طبعاً هي من أواخر ما نزل ولذلك هي حقيقة كأنها فاصلة المؤمنين توبة لهم، المنافقين كشف لأحوالهم فضح لهم ، الكافرين براءة خلاص ومفاصلة انتهينا فكأنها تستطيع أن تُعبِّر عنها بأنها كشف الأحوال مع الفِرَق الثلاثة هؤلاء وهكذا .
لكن حقيقة المقاصد علم دقيق يحتاج إلى تأمل ونظر .
[من المفسرين من يعتني بهذا البقاعي وأفضل منه الظلال، طبعا أصلا تميّز الظلال في هذين ، في المقاصد وأحوال النزول، هناك مختصر في التفسير طُبع معه مقصد كل سورة وهذا المقصد استُخلِص - تقريبا- من عشرة كتب].
/ مقاصد القصص : القصص لها مقاصد خذوا مثال : لو أخذنا قصة أصحاب الكهف ماذا نأخذ مقصدها تقريباً ؟ الفرار بالدين أو الثبات على الدين أو الفتنة في الدين كل هذا مقصد يمكن ننطلق منه ، مثلاً : قصة الخضر وموسى في العلم، في الإبتلاء في العلم وغير ذلك.
/ مقصد الآيات: هل الآيات لها مقصد ؟ أكيد هو المراد، الآن ماهو مراد الله في قوله : { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } ؟ تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتسليته والامتنان عليه ..الخ ذلك، كل آية لها مقصد { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } فمعنى { أُحْكِمَتْ } بمعنى أنها وُضِعت في مكانها ولها مقصدها .
/ هناك مقصد للكلمة الكلمة لها مقصد -ولعل هذا سيأتي في قضية مفتاح اللغة- لكن لها مقصد الكلمة يعني مثلاً حينما يختار الله عز وجل { الصَّمَدُ } دون السيد لماذا ؟ (الأحد) دون الواحد لماذا ؟ مقصد { الْفَلَقِ } دون الصبح لماذا ؟
مقصد  أن هذه الكلمة تعطي المعاني التامة في السياق المقصود في المقصد لهذا الآية خذوا مثال : في مثلاً {الصَّمَدُ } { اللَّهُ الصَّمَدُ } ولم يقل السيد { الصَّمَدُ } تعني السيد الذي له السؤدد التام، وتعني الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم، وتعني الذي لا جوف له. كل هذه المعاني مناسِبة لسياق السورة وهي قضية (اِنسب لنا ربك) فقولهم (انسب لنا ربك) أراد أن يثبت لهم أن الله عز وجل كامل مستغنٍ عن الخلق فلا ينتسب إليه أحد، لا ينتسب إليه أحد فهو كامل عز وجل، فرد هو أولاً { اللَّهُ أَحَدٌ} يعني (فرد) سبحانه وتعالى في أولوهيته الصمد كامل لا يحتاج إلى أحد الانتسال للحاجة التناسل هذا للحاجة تحتاج إلى الولد ليعينك وغير ذلك .
 الثاني : المعنى الثاني الذي تصمد إليه الخلائق في أحوالها دل على أنه مادام أنه كامل فجميع الخلق يحتاجون إليه .
 المعنى الثالث : الذي لا جوف له هو رد عليهم مباشر أنه لا يلد ولا يولد ولهذا قال بعدها - كما فسرها السلف - الذي { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} فالذي لا جوف له لا يحتاج إلى غذاء ولا طعام ولا شراب ولا هواء ولا يلد ولا يولد فهذا المعنى له علاقة في مقصد السورة أو في سياقها وغرضها، فلاحظ أن اللفظ -سبحان الله- له دلالات ولذلك يسمون هذا اصطفاء اللفظ في القرآن، لفظ القرآن مصطفى اُختير لمناسبته للسياق بما لا يمكن أبداً أن تأتي بكلمة تُغني عنه أو تفوقه في المعنى هذا من إعجاز القرآن الذي لا تجده في أي كتاب ولا في أي قصيدة.
 س: بالنسبة للآيات التي تتكرر في القرآن بنفس اللفظ هل المقصد واحد أو يختلف باختلاف الآية ؟
 جـ: هي حتى القصة تتكرر نحن قلنا مقاصد القصص لماذا تكررت القصص ؟ قصة البقرة قصة موسى مع قومه في البقرة قصة الأعراف بينهما تشابه كبير لكن الغرض هنا غير الغرض هنا يقيناً، هذه مثلاً سورة البقرة وردت قصة بني إسرائيل في البقرة للامتنان عليهم إظهار نعمة الله عز وجل عليهم ثم موقفهم من هذا النعم بالكفر ولذلك ألم يتكرر فيها { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ } { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ } { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ } ثلاث مرات فهي في سياق الامتنان ، لاحظ اللفظ اصطُفي لهذا السياق فقال الله : { وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانْفَجَرَتْ } الانفجار هو غاية وكمال النعمة، كمال النعمة هذا الانفجار، لكن في سورة الأعراف هي في سياق ذكر أحوال بني إسرائيل مع أنبيائهم ذكر أحوالهم هذه حالهم فلذلك قال : {فَانْبَجَسَتْ} وهو بداية الخروج، فليس السياق هنا قضية الامتنان ليأتي بلفظ يوحي بالامتنان وإنما أتى بلفظ يوحي بالأحوال أصل الحال كذا أنهم جاؤا واستسقوا فانبجست يعني خرج الماء لاحظت، وهذا العِلم قضية النظر إلى مقاصد السور والآيات المتشابهه علم دقيق يحتاج حقيقة إلى نظراً ثاقب ومن أفضل الكتب فيه ملاك التأويل ودرة التنزيل و (**) وغيرها .
/ هناك مقصد للحرف: الحرف له مقصد، سأسألك: حينما أقول رغبت "فيك" أو رغبت "عنك" ما الفرق ؟ تناقض
طيب في القرآن الكريم مثلاً : { لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ } { فِي } هنا الظرفية ماذا تفيد ؟ يعني المبالغة، طبعاً ليست في وسطها فغير معقول أنه سيحفر الجذع ويسقطهم داخله هذا ليس معقول ليس هو المراد، المراد أنه من شدة غيظه لاحظوا الـ "في" هذه تفيد ما في نفس فرعون من الغيظ الشديد، والتهديد العنيف، والمبالغة في إيثاقهم وربطهم بما لا يمكن أن يُفكون. كل هذه المعاني في "في" فقط أليس هذا دال أن "في"حرف له دلالات ومقاصد، وهذا عظيم مثلاً معنا الحروف والمعاني سنأتي إليها بعد قليل .

رابعا: المناسبات
 المناسبة بين السور ما معنى الزهراوان، المعوذتين، الضحى والشرح، سبح والغاشية، اقتران هذا والنظائر - السور النظائر- في القرآن كثيرة بينها، يعني بين مثلاً الفاتحة وسور القرآن بينها علاقة أن الفاتحة أم القرآن فهي ترسم مقاصد القرآن كله العبودية، مثلاً البقرة وآل عمران هذه في الاستجابة وهذه في الثبات، مثلاً خذوا الفلق والناس الفلق في التعوذ بالله من الشرور الظاهرة والناس في التعوذ بالله من الشرور الباطنة - مناسبات- خذوا مثلاً الفيل وقريش هذه بينهما مناسبة ظاهرة كأنهما سورة واحدة، (إقرأ) العلق والقدر هذه (إقرأ) نزول القرآن وهذه متى نزل القرآن، الأنفال والتوبة وهكذا .
/ المناسبات بين القصص: حينما تأخذ قصص القرآن في الشعراء تربط بينها بمقصد واحد حقيقة يظهر لك معنى عظيم في هذه القصص مثلاً في سورة الأعراف أخذت سياق الصراع بين الأمم من خلال هذه القصص لها معنى.
/ المناسبات بين الآيات: هذا واضح جداً، فيه مناسبة بين الآيات أو المقاطع يعني خذوا مثلاً -يا أخواني الكرام- لنعرف أن الآيات لها مناسبة حينما يقول الله عز وجل في أيات الطلاق في وسطها : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ } ما المناسبة ؟ أن هذه مشكلة الطلاق علاجها انقطعت العلائق بينكم أو توترت فأصلحوا علاقتكم بالله يصلح الله بينكم العلائق ولذلك أيضاً في علم النفس الآن وفي علم الاجتماع وفي علم المشكلات يقولون : إذا أردت أن تحل مشكلة حاول أن تخرج من جوها هم يقولوا هكذا اخرج من الجو بعيداً عنها ثم فكر لا تفكر وأنت في معمعة المشكلة حاول أن تبعد عن المشكلة، فالله تعالى هنا يُخرجك من المشكلة إلى جو آخر صافي تماماً للتفكير حينها إذا صليت لاشك أنك لن تتخذ قرار إلا فيما يُرضي الله وأن تتقي الله لا تظلم، لن تظلم إذا صليت صلاة تامة حقيقية لن تظلم ولن تتجاوز وستتقيد بأوامر الله عز وجل لك في أمر الطلاق قبل أن تقرره وغير ذلك هذا مثال.
 أنا أقول لكم شيء عجيب في مناسبة الآيات أو المقاطع والله يا اخواني أن الواحد الحقيقة لا يستطيع أن يعبِّر عن عظمة القرآن في مثل هذا الموضع وهو أنه في سياق البقرة جاءت وسطها أعظم آية في كتاب الله آية الكرسي لماذا ما أصبحت آية الكرسي سورة كاملة من قصار السور ؟ لماذا ما جاءت في أول السورة أعظم آية ؟ جاءت وسط ، طبعاً هي جاءت في آخر الأحكام التشريعية وجاءت في سياق أيضاً قضايا الأموال النفقة قبلها آية النفقة وبعدها آية قصة إبراهيم وكلها أصلاً ما بعدها تقريباً خمس أو ست آيات كلها تابعة لها ثم انقطعت السياق إلى النفقة يعني هي جاءت في وسط آيات النفقة ما علاقة هذا ؟ { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } ما المناسبة؟ القرآن ليس كتاب أحكام مجردة .. صحيح ، ليس مجرد أحكام ليس كتاب فقه هو ، القرآن ليس كتاب فقه كتاب عمل ، تشريع وعمل، ما الذي يبعث - أيها الأحبة - على حمل هذه التشريعات الكبيرة { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ } { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ } { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} تشريعات يا أخواني ليست بسهلة شاقّة والحجّ فيها شاقّ، قضايا الطلاق وقضايا الانفاق والربا وانتزاع النفوس ليست سهلة يا أخواني هذه تشريعات صعبة على النفوس إلا أن يُغرس فيها الإيمان وتعظيم الله كلما عظّمت الله في نفسك وفي قلبك اِمتثلت أمره حق الامتثال. تذكرون قلت لكم مفتاح المفاتيح للتدبر الذي هو تعظيم القرآن، لا في المنطلقات تعظيم القرآن، أبداً لو عظمنا القرآن حق التعظيم ما يحتاج مفاتيح، وكذلك لو عظمنا الله حق التعظيم ما يحتاج نتعلم كثير من كتب الفقه بس تعلم أصول التشريعات وتتمكن فيها.
/ مناسبة خواتم الآيات : هذا واضح جداً وهذا له علم ابن سعدي -رحمه الله تعالى- أبدع فيها خصوصاً في ختام الآيات بالاسماء والصفات مثلاً خذوا قوله عز وجل : { ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ } هذا ختم عجيب صراحة يخاطب في النار و{ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ } كيف ختمت الآية بالعزيز الكريم ؟ تبكيت واستهزاء وسخرية وتذكير له يوم كان عزيز اليوم أنت أصبحت ذليل ذق الذلة وقد كنت عزيزا في الدنيا لن ينفعك مقامك ذلك ، حقيقة تدبر بديع في سر الخواتم.
 خذوا مثلاً { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } كيف خُتمت المغفرة بالعزة ؟ لماذا لم تُختم بالمغفرة ؟ السياق أين هو ؟ السياق في الآخرة ليس في الدنيا، في الدنيا غفور رحيم لكن في الآخرة السياق سياق غضب، الغضب هنا أنهم اتخذوا عيسى ابن الله وعبدوه من دون الله فعيسى عليه السلام جاء بالاسم العزيز للمقام المناسب وهو مقام الغضب والعزة فجعل عزته تشفّع بعزته لمغفرتهم، أرأيتم سبحان الله كيف هذا السياق استشفع والتمس من عزته سبيلاً إلى مغفرتهم { وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } حقيقة مناسبة بديعة لأنه مقام عزة وغضب يعني - ولله المثل الأعلى - لو أن شخصا كبيراً أُغضِب أنت إذا أردت أن تتلمس منه العفو من الشخص تقول : أنت رحيم أن ودود؟ لا يناسب المقام.. كذا؟ والغضبان فلا بد أن تبتدئ من غضبه فتعظمه ثم تنزل إلى المقام الذي تريد، أنت كبيرنا وأنت عظيمنا وأنت سيدنا وأنت كذا وأنت كذا وهؤلاء.. يعني انتقل من المقام الذي هو فيه إلى المقام الذي تريد فحقيقة النظر إلى خواتم الآيات فيه ملامح ولطائف وهدايات كثيرة جداً .
/ مناسبة القسَم وجوابه: هذا شيء عجيب مناسبة القسَم وجوابه من أبدع ما يكون في التدبر أيها الأخوة مناسبة القسَم وجوابه خذوا مثال : { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ } { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ } ما علاقة التين والزيتون وطور سينين والبلد الأمين بخلق الإنسان ؟ لابد يكون هناك مناسبة لأنه قسم وجواب قسم لابد من علاقة ما المراد ؟ { طُورِ سِينِينَ } ؟ { وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ } ؟ اختيار الله له جميل ، ممتاز يعني كما أن الله عز وجل - إذاً هي هذه الأمور هذه الأمور الأربعة التي أقسم بها هي مواطن الوحي التي شرّفها الله بالوحي كأن الله تعالى يقول يا أيها الإنسان هذه المواطن شرُفت بالوحي الذي أنزله الله من أجلك فأين أنت ولذلك قال : { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } يعني اختارك الله وهيأك وجعلك على قامة تامة وجعل لك عقل ولسان فأين أنت من هذا الوحي الذي شرُفت به الأرض وهو لك ولذلك قال في آخرها : { فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ } الذي أختارك وشرفك وهيأك وجعلك على هيئة وفطرة سليمة واختار لك هذا الوحي هذا هو الله ، { التِّينِ } فيها سر عجيب{ التِّينِ } إشارة إلى الشام { وَالزَّيْتُونِ } إشارة إلى فلسطين ، لكن لماذا لم يقل الشام وفلسطين ؟
- والله أعلم - إظهاراً لأن هذه البركة في الأرض ظهرت ثمارها بهذه الثمار المباركة لو أخذت الوحي لظهرت ثماره في قلبك وسلوكك وإيمانك وعملك وحياتك بكل سعادة واستقرار وأمان إلى غير ذلك من البركة - بركة الإنسان - كأن الله تعالى يقول تظهر بركتك بالقرآن - بالوحي-
هناك - الحقيقة الوقت لا يتسع- هناك اكتشاف -طبعاً هذا نجعله تابعاً لا أصلاً-  أنهم قالوا : {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } هم أكتشفوا أن هذا الإنسان في نموه يُفرز مادة ولذلك إذا بلغ الأربعين بدأت المادة تتقلص فيتقلص هذا الجسم حتى ييبس ليس لها علاقة بالروح علاقة في الجسم في نموه وهرمه أرادوا أن يكتشفوا السر الغذاء واحد بين الطفل والكبير فلماذا هذا يشب وهذا يهرم ؟ فوجدوا مادة يفرزها الجسم هذه المادة بعد الأربعين تتقلص ولذلك ينشف الجسم بعدها إلا بحسب القوة وطبيعة الخلق بعضهم قد يستمر معهم فوجدوا اكتشفوا من دراسات الحيوانات والنباتات فوصلوا إلى أن أقرب مادة تفرز من التين والزيتون ووجدوا المادة إذا مزجت بين التين والزيتون فهذه أقوى مادة في نمو الإنسان ولذلك أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالزيتون بأكله وللدهان منه ، وأيضاً اكتشفوا علم أدق من هذا -على كل حال أنا أقوله من باب الاستشهاد- أنه تينة واحدة وسبع زيتونات هذه أقوى ما تفرزه المادة، تينة واحدة وسبع زيتونات ، هذا الشخص المسلم - الطبيب المسلم- الذي طبعا أخذ اكتشاف الفريق - فريق ياباني - فأخذه وحاول ينزله على القرآن فوجد أن التين ذُكر مرة واحدة والزيتون ذُكر سبع مرات، قد يكون ذلك ليس ذلك بعجيب، القرآن لاشك أنه مُعجِز لكن لها علاقة واضحة في {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } -والله أعلم- على كل حال هذا مثال .
خذوا مثلاً { الْعَادِيَاتِ } ما علاقة { الْعَادِيَاتِ } بـ { إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } ؟
{ الْعَادِيَاتِ } العلاقة بين أن الخيل الله عز وجل أقسم به تشريفاً له وذكر صفاته التي حقق من خلالها الهدف الذي وُجد من أجله وهو خُلِق وسيلة للحرب - من أعظم وسائله - فهو قد حقق الهدف، لكن الإنسان - الكافر - إن الإنسان لربه الذي خلقه ورزقه وأعطاه ومنحه (لكنود) جحود..سلبي لا قيمة له..لا أثر له..لا هدف له، مقارنة بالخيل لا شيء لذلك لا شرف له، يعني أقسم بالخيل تشريفا للخيل وكأنه يقول وينك أنت عن حكمتك وخلقك ومراد الله منك فهذا والله أعلم .
 القسم وجوابه عظيم يا أخواني الكرام وأطول قسم في القرآن { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } إثنا عشر قسم على ماذا ؟
على هذه النفس { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } قسم بالشمس والقمر والليل والنهار والسماء والأرض عظيم على هذه النفس وتزكيتها .
/  مناسبة الاقتران: طبعاً هي مناسبة الاقتران اقتران الشيء بالشيء.
 مثال : إذا اقترن شيء بشيء هناك يدلك على أنه يوجد معنى، هناك دلالة مثلاً : { اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ } اقتران الصبر والصلاة  لماذا ما قال الصدق ؟ هناك مناسبة هنا لأن هذين العملين موضع قوة يؤديان إلى قوة في الإنسان وتحمل فجمعهما.
 فحينما يقول الله عز وجل : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } اقتران الإستعانة بالعبادة دلّ على أن العبادة لا تتحقق إلا بالإستعانة بالله عز وجل .
اقتران { الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } أيضاً دليل على أنهما سبيل على الانحراف وهكذا .

خامسا: الاستعمالات اللغوية
 هذا العمق للذي يريد يغوص غوصا -الحقيقة- البلاغة واللغة، القرآن طبعاً لغة هو أبلغ البلاغة، المفردة القرآنية عجيبة، هذه المفردة من يأخذ هذا المفتاح والله يغوص غوصاً في كتاب الله عز وجل يعني مثلاً قوله تعالى : { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا } ما قال فلنوجّهنك قال : { فَلَنُوَلِّيَنَّكَ } ما معنى هنا ؟
ولاية الله له وتوليته يعني فلنوجهنك ونجعلك والياً وهذا من ولاية الله لك ، انظر هذه المعاني العجيبة في هذه المفردات، المفردة القرآنية عجيبة جداً.
 { الْفَلَقِ } تجمع معنيين
{الصَّمَدُ } يجمع ثلاثة معاني
 دلالات الأفعال مثل قول الله عز وجل : { فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ } ما قال فتشقيا صحيح لماذا ؟ لأن الرجل هو الذي يتولى القوامة ومشقة الرزق والعمل والكدّ ، استنبط منها العلماء أن النفقة واجبة على الزوج من هذه الآية .
ودلالة الأفعال الجملة الفعلية الجملة الاسمية عجيبة.
 دلالات معاني الحروف وقد تحدثنا عنها قبل قليل ، الحروف بمعنى الحرف إذا كان له معانٍ مثلاً حروف المعاني الحروف التي لها معاني عدة معاني مثلاً : "في" هنا أو "الباء" "اللام" للملك وللسبب وللتعليل وغير ذلك .
خذوا مثلا قول الله عز وجل : { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا } ما قال يشربون منها عُدّي الفعل هنا هذا يسمونه تضمين بسبب الحرف لذلك قالوا حروف المعاني { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا } يعني يرتوي بها ويتلذذ بها فضُمِّن الفعل بهذه المعاني للحرف.
/  دلالة الجمل تراكيب الجمل مثلاً : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ما قال نحمدك قال : { الْحَمْدُ لِلَّه } ما الفرق بينهما ؟
{ الْحَمْدُ لِلَّه } أبلغ ، الألف واللام للاستغراق إثبات الحمد لله ثم خصّصه.
 دلالات التراكيب هذه يا أخواني علم بديع وعظيم في اللغة والبلاغة وعندكم بدلالة التراكيب والجمل والمعاني ، جد الرجل هذا درّسنا في المعهد الذي هو الشيخ عبد الرحمن التركي أبو إبراهيم، وأيضاً مِمن درسنا في المعهد في البلاغة الفايز حسين الفايز.

سادسا: الأساليب البلاغية
الخطاب القرآني كونه جاء للمؤمنين، للكافرين، للنبي صلى الله عليه وسلم { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ } لماذا جاء الخطاب للنبي صلى الله عليه ؟ تعظيماً لهذا الأمر وليأخذَ مأخذاً عظيماً يكون له وقع في نفوس المؤمنين .
/ الأساليب أساليب التهديد والترغيب والتحفيز والتسلية والتثبيت كل هذه أساليب الحقيقة تعتبر مفاتيح للتدبر .
/ الحذف وهذا أسلوب الحذف من أكثر ما يكون في القرآن يعني مثلاً حذف المعمول، ما المعمول؟
المفعول وما يتعلق به { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } ما قال ألهاكم التكاثر بالمال لماذا ؟ ليشمل.
 { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } في ماذا ؟ { لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } في ماذا ؟ في كل شيء ، فهو القرآن كثير ما يكون فيه الحذف ليذهب الذهن -كما يقولون- كل مذهب .
/ التقديم والتأخير له دلالة { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } قدم الطواف لتعلِّقه بالبيت مباشرة فهذا له دلالة .
/ الإستفهام الإستفهام باب عظيم في اللغة مثلاً : { مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } ، { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ } الاستفهامات في سورة الطور عجيبة في تقرير.
 [ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ، أفلا يتفكرون ، أَفَلَا يَعْقِلُونَ ] الاستفهام فيه هدف وهو استدعاء الذهن للجواب يعني كأنه تستجر منه الجواب إلزاماً . / القسم وقد تحدثنا عنه فيما سبق فهو باب عظيم .

سابعا: دلالات الألفاظ
وهو آخر باب عندنا ، دلالات الألفاظ عِلم دقيق وعميق وهذا أعمق ما أكون في كتاب الله عز وجل في النظر وهو علم الأصول دلالات الألفاظ يعتبر أيها الأخوة هو أعمق باب في أصول الفقه، وأفضل كتاب في هذا، يعني أفضل من برز فيه الشاطبي في الموافقات لكن دعونا ناخذه بطريقة سهلة.
 السعدي رحمه الله ذكر قاعدة عامة جميلة جداً وسهلة في القواعد الإحسان أعتبرها من أجمل قواعد الكتاب - القواعد الحِسان - وهي قال : "أن تنظر إلى دلالة الأمر أو اللفظة ومقدماتها وما يُشترط لها وما يلزم منها" الكلمة بدلالتها الصريحة والظاهرة ، وما يشترط لها المقدمات ، والنتائج - وما يلزم- خذوا مثال : 
{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ } ماذا نأخذ من هذه الآية ؟ لو قال لكم واحد في هذه الآية دليل على وجوب العِلم، من أين أخذنا هذه ؟
 لا يكون العدل إلا بعلم، أنت تقول كيف استنبطها ؟
 في هذه الآية دليل على أن شريعة الإسلام أعظم شريعة في تحقيق الأمن مثال هذا مترتب عليه.
 فهنا العدل { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ } يعني وجوب العدل هذا الصريح صحيح ؟ لكن لنأخذ أوسع نطاق في هذه الكلمة نأخذ ما يشترط لها وما يترتب عنها وما يلزم، فيشترط لها العلم بالعدل وأحكام الشريعة ونحو ذلك وضوابط العدل وحدود العدل، وما يلزم عن ذلك معرفة أن هذا العدل يؤدي إلى حفظ الحقوق وإلى دفع الظلم وإلى إقامة المجتمع واستقراره كل هذه أخذناها من كلمة واحدة .
 خذ هذه في الأسماء والصفات حينما تعيش مع كلمة مثلاً { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } { مَالِكِ } فمقدمات ذلك: المالك لابد أن يكون حي وقادر أليس كذلك ؟ فاستدعت الأسماء الأخرى المُستلزمة له وغير ذلك أنه الحكم المُتصرف المُجازي القادر إلى غير ذلك.
فتأخذ الاسم وما يترتب عليه يشترط له أو يتوقف عليه كلمة السعدي وما يتوقف عليه وما يشترط له وما يستلزمه وما ينتج عنه. هذه قاعدة أنا أعتبرها في الدلالات عظيمة.
/ دلالة المنطوق هذه ظاهرة { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ } ننطق واضحة.
/ دلالة المفهوم في قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ } تحريم الظلم مثلاً . { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } تحريم العقوق وهكذا.
/ دلالة الإشارة وهذه أعمق وأبعد وأصعب دلالة لأنها إشارات توحي الآية إلى كذا، يعني مثال في قوله عز وجل : { فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا } دليل على زوال أمر قريش، كيف هذا ؟ إذا كان { فَلَنُوَلِّيَنَّكَ } ومن معنى التولية أن يكون واليا عليها فهذا يستلزم منه زوال أمر قريش وهذه دلالة الإشارة حقيقة يعني لها شروط لابد منها وهي:
- أن يكون اللفظ يحتملها
- ولها دلالة في السياق
- والنصوص لا تعارضها
 هذه الأمور الثلاثة مهم جداً فيها، والواقع أن الكثير من التدبرات الآن تكون فيها ..، وكثير من الناس الحقيقة يعني يتجاوز أحيانا فلابد أن الإنسان يتقيد فيها بالواجب العلمي أنه بحسب هذه الشروط توافق المعنى والدلالة والظاهر والسياق ولا تعارض النصوص. هذه طبعاً مفاتيح أخذنا المفاتيح الإيمانية والمفاتيح العلمية وبقيت المفاتيح الموضوعية ما أستطعنا أن نأخذها.
 فما رأيكم يمكن لنا لقاء آخر إن شاء الله تعالى ونعيش فيه بشيء بإذن الله إن شاء الله.
 الخلاصة في النهاية قبل أن ننتهي أنا أقول يا اخواني الكرام أردت من هذا أن أفتح الأذهان بأن العيش مع كتاب الله عز وجل لابد أن يكون بوسائل وأدوات ومفاتيح وأنك إذا رأيت هذه المفاتيح ستعيش -بإذن الله تعالى- في عمق وفي -أيضاً- طريق آمن ما تتخبط يعني بمعنى أنك فقط تتأمل وتستخرج .. لا.. في أدواتها العلمية الصحيحة اللائقة بكتاب الله تعظيماً فنحن بحاجة لهذا لأنه يا اخواني الكرام العيش كله العيش مع كتاب الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق