الجمعة، 8 مايو 2015

الحلـقـ الثامنة عشرـة


سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الهادي اﻷمين على حبيبنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . اللهم صل وسلم عليه كثيرا . كثيرا (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:٥٦] يقول صلى الله عليه وسلم ( من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ) اللهم صلِ وسلم على نبينا محمد.  أما بعد ..
وصل موسى إلى فرعون وبدأ بعرض هذه اﻵيات عليه (فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ) دعونا نقف مع هذه القصة (فَلَمَّا جَاءَهُم) فمرة يكون العرض أنه جاء فرعون، والمجيء لفرعون مجيء إلى قومه وأحيانا يعبر بالعموم ( فلما جاءهم ) أي فرعون وملأ فرعون (بِآيَاتِنَا ) تأملوا (بِآيَاتِنَا ) إذا الداعي ﻻ يدعو إﻻ بما يعلم، يدعو بعلمه (بلغوا عني ولو آية ) أما الدعوة بجهل فإنها تؤدي إلى ضلال ولذلك النصارى عبدوا الله على جهل ونحن نستعيذ من حالتهم ومن أمثالهم ( وﻻ الضالين) .
ثم أيضا جاءهم بآياتنا من عنده علم .. من عنده آية يجب أن يبلغها ولذلك اليهود معهم علم لكنهم لم يبلغوا به .. طغوا وبغوا فهم المغضوب عليهم. (فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ) هكذا يجب أن تكون الحجة (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) [فصلت:٥٣] ماذا قالوا؟ تصوروا (بَيِّنَاتٍ) السحر فيه خفاء وحركات خفية وموسى يقول الله جاءهم بآياتنا بينات ثم ماذا قالوا فيه؟ (ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً) هذه سنة عند الظالمين (أَتَوَاصَوْا بِهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) [الذاريات:٥٣] كلما جاء نبي قالوا ساحر أو مجنون -كما في سورة الذاريات- يقول الله جل وعلا (أَتَوَاصَوْا بِهِ) هؤلاء القوم الكافرون (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) أي أن الطغيان هو مبعث هذه الفرية أنه سِحر.
إذا (فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا) ماهي  آيات موسى؟ كما بيّن الله جل وعلا أن موسى عليه السلام جاء بتسع آيات (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا) [الإسراء:١٠١] ﻻحظتم كيف يتكرر السحر، بيئة فيها السحر فهو يتكرر مع أنني قلت لكم في كل أمة يكون ذلك يدعون السحر ، يتهمون اﻷنبياء بالسحر وهذه تهمة تُقال للصالحين اﻵن، يُقال عن الدعاة .. عن العلماء إذا خالفوا اﻷهواء تهم جُزاف فلا تحزن يا أخي الكريم قيل ﻷنبياء الله ورسله، قيل عنهم سحرة .. قيل لحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم شاعر .. كاهن .. ساحر، هل أنت أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم!! لماذا أقول هذا؟
ﻷن بعض الدعاة عندما يبدأ اللمز فيه والطعن فيه يتخلى يقول والله ﻻ اتحمل، أنا ما أريد،ﻻ يكلف الله نفسا إلا وسعها، سبحان الله!! هؤﻻء اﻷنبياء يؤذون ويتهمون وهم رسل الله جل وعلا وعلى رأسهم صلى الله عليه وسلم ويقال له ساحر .. كاهن .. مجنون.  إذا ألست أنت تريد أن تبلغ رسالة الله التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، هل أنت أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم؟ هل تريد الجنة بدون عمل (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمرن:١٤٢] جهاد وصبر، كيف يكون جهاد وصبر بدون أذى .. بدون تعب .. بدون عمل؟! ﻻ يمكن (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) [العنكبوت:١] اﻵن نلحظ بعض الدعاة بعد أن يبدأ وتبدأ السهام يتراجع وينكفئ سواء -كما قلت- ييأس أو غير ذلك، هذا في الحقيقة ما اتبع المنهج الصحيح، ﻻ.
/ هنا ننتقل إلى وقفة أخرى في نفس هذا النص  (فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ) هذه تهمة أخرى يتوارثها اﻷجيال إلى اليوم، قالها كفار قريش ( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) [الزخرف:٢٢] (إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) [الزخرف:٢٣] كلما بُعث نبي أو نذير قالوا هذا الكلام كما بين الله جل وعلا.  اﻵن يُقال لبعض الناس يذهبون من أجل إصلاح أوضاع بعض الناس حتى بعض العادات المخالفة للشريعة يقول: ﻻ والله هذه عادات آباءنا .. هذه وجدنا عليها آباءنا، يعني آباؤنا ماتوا على خطأ!! يعني آباؤنا كفار!! قد يكون أعظم من قضية عادات، بل قد تكون -والعياذ بالله- شرك، دعاء اﻷموات .. الطواف بالقبور .. إلى غير ذلك، يقول وجدنا آباءنا ويبحثون هنا وهناك. هذه الدعوى متكررة على مر العصور لذلك الداعية يجب أن يعرف كيف يصل إلى هؤلاء وكيف يواجههم وكيف يقنعهم ويبين أن هذه العلة علة فاسدة كَون أهلك على هذا المنهج سابقا، كونهم وقعوا على مُحرم أو تقصير أو عادة باطلة ليست حجة، الحجة بما جاء عن الله وعن رسوله (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) .
نقف عندها وقفة (بِآيَاتِنَا) جاء موسى بتسع آيات كما قال الله جل وعلا (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ ) ماهي هذه اﻵيات؟ العصا .. اليد .. السنين .. البحر -وقيل الطمس فيه خلاف بين العلماء في هاتين اﻵيتين- الطوفان .. الجراد .. القُمّل .. الضفادع .. الدم (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ) [الأعراف:١٣٣] وكما أيضاً في سورة اﻹسراء ﻹكمال وذكر بعض هذه اﻵيات.
هنا فيها لفتة: ألم أقُل عن قضية العصا واليد لمواجهة هؤﻻء الذين كانوا يؤمنون بالسحرة ليُبين لهم ما يُبطل ذلك من الحق وليس سحرا، لكن لما نأتي -ﻻحظوا- القُمل والضفادع والدم ماذا حدث؟ معنى عجيب .. فعلا معنى عجيب ماهو؟
 يقولون لموسى ادع لنا ربك، يطلبون من موسى وهم الذين يقولون ربنا فرعون ﻻحظوا (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي) ويقولون لموسى ادع لنا ربك ويقولون (لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) [الأعراف:١٣٤] كذبة.
 لكن وقفتي: ألستم تقولون إن فرعون وهو يقول أنا ربكم اﻷعلى إذا دعوه يكشف هذه اﻷمور، مادام ربكم اﻷعلى لماذا ما يكشف القمل .. الضفادع أشياء ضعيفة، ضفادع .. قُمّل لكنها عظيمة .. مؤثرة، تحول الماء إلى دم، أيات عظيمة جدا مع بساطتها ويسرها وهي عظيمة -ﻻشك- لكن ﻹذلال فرعون. ما يقدرون يخلقون ذبابة هذه الأصنام كلها، فرعون بجبروته وطغيانه ودعواه أنه ربهم الأعلى ما يستطيع أن يُزيل ويحُلّ هذه .... بل يلجؤن إلى موسى عليه السلام ، هذا رب؟! ما يستطيع أن يحِلّ المشكلة، هذه القضية قضية الضفادع والدم (آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ) كما بيّن سبحانه وتعالى، الجراد ، هذا رب هذا؟! إسقاط .. إسقاط ، حجّة ( بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) بل إنه مزيد مع أنه لا يستطيع أن يُزيل ويكشف الضّرعنهم يدعون موسى (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ ) انظر الطغيان والكفر ما قالوا ادع لنا ربنا (لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ) وهم يكذبون ما آمنوا وهو من قول فرعون أيضا لأنه هو الذي يملك الأمر والنهي ، ولذلك الحجة وإقامة الحجّة والحوار كلها مهم ولذلك انظر ماذا قال موسى عليه السلام ردا عليهم (وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ) وردت قراءتان (وقال موسى) أو بدون الواو (قال موسى) والقراءتان صحيحتان .. سبعيتان (وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أين الوقفة؟
ما غضب موسى عليه السلام ، وما ثار موسى عليه السلام ، يرد عليهم بهدوء وبمنطق ، يكذبون .. يفترون . لماذا أقول هذا؟
أقول هذا لأنني رأيت -رأي العين- البعض يبدأ النقاش والحوار من أجل الحق ثم ينتهي بمعركة شخصية انتصارا لذاته ، رأيت هذا وتعرفون هذا، ينفعل .. يثور يعتبر أن القضية ليست هزيمة للحق ، هزيمة لشخصه الضعيف المسكين، موسى عليه السلام لا، يرد ردا هادئا ، بعد كل ما قالوه وهذا الكبرياء ومع أن الله قال له ( بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) انظروا كيف استفاد من التجربة الطويييلة لأنه كان من مبادرات موسى عليه السلام الشدّة (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ) الآن في مواجهة طاغية .. مجرم ، يردُ بهذا الرد (وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ) والنتيجة (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) .
 سيبدأ الطغيان يتضح أكثر ، سيعرض فرعون شيئا من طغيانه ، سيقول لمن معه لهامان هذا المجرم الطاغية الآخر -وزير فرعون الخاص- سيقول له قولا نستمع إليه -بإذن الله- وبتفاصيله في الحلقة القادمة.
 نعوذ بالله من الطغيان والاستكبار (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) [النمل:١٤] هنا عاقبة الظالمين ، هناك عاقبة المفسدين. حقيقة أزلية .. سنة جارية لفرعون وأتباع فرعون ومن بعد فرعون ومن قبل فرعون . نواصل بإذن الله في الحلقة القادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.            

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق