الثلاثاء، 17 سبتمبر 2013

الأكل من بيوت الأقارب

الشيخ/ عبد الكريم الخضير



 قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون}[(61) سورة النــور]
فيه إحدى عشرة مسألة:
الأولى: قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} اختلف العلماء في تأويل هذه الآية على أقوالٍ ثمانية أقربها هل هي منسوخة أو ناسخة أو محكمة؟ فهذه ثلاثة أقوال:
 الأول: أنها منسوخة من قوله تعالى: {وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ} إلى آخر الآية، قاله عبد الرحمن بن زيد قال: هذا شيء قد انقطع، كانوا في أول الإسلام ليس على أبوابهم أغلاق، وكانت الستور مرخاة، فربما جاء الرجل فدخل البيت وهو جائع وليس فيه أحد فسوَّغ الله -عز وجل- أن يأكل منه، ثم صارت الأغلاق على البيوت فلا يحل لأحدٍ أن يفتحها فذهب هذا وانقطع، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يَحْتلبَنَّ أحد ماشية أحد إلا بإذنه)) الحديث خرجه الأئمة.
 الشيخ : ولا يحل مال امرئ إلا بطيبة نفسٍ منه، فأموال الناس محرمة ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام)) فلا يتصرف في مال أحد إلا بإذنه.
 الحديث خرجه الأئمة.
 الثاني: أنها ناسخة قاله جماعة، روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لما أنزل الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}[(29) سورة النساء] قال المسلمون: إن الله -عز وجل- قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، وأن الطعام من أفضل الأموال فلا يحل لأحدٍ منا أن يأكل عند أحد فكفَّ الناس عن ذلك، فأنزل الله -عز وجل-: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} إلى {أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ} قال: هو الرجل يؤكل الرجل بضيعته. قلت: علي بن أبي طلحة هذا هو مولى بني هاشم، سكن الشام يكنى أبا الحسن، ويقال: أبا محمد، واسم أبيه أبي طلحة سالم تُكلم في تفسيره فقيل: إنه لم يرَ ابن عباس، والله أعلم.
 الشيخ : يعني منقطع، يكون السند حينئذٍ منقطع بين علي بن أبي طلحة وابن عباس، لكن مرويات علي بن أبي طلحة عن ابن عباس إذا صحّ السند إليه تداولها الأئمة وخرجوها في كتبهم واعتمدوا عليها وعوّلوا عليها؛ ويرونها من أقوى ما يروى عن الصحابة، لكن مع ذلك الانقطاع ظاهر.
الثالث: أنها محكمة، قاله جماعة من أهل العلم ممن يُقتدى بقولهم، منهم سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وروى الزهري عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان المسلمون يوعبون في النفير مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكانوا يدفعون مفاتيحهم إلى ضَمناهم ويقولون: إن احتجتم فكلوا، فكانوا يقولون: إنما أحلوه لنا من غير طيب نفس.
الشيخ : يعني في مقابل الحفظ والرعاية وإلا فلولا هذا الحفظ والرعاية لبيوتهم لما أباحوا لنا أن نأكل منها، فكأنه بغير طيب نفسٍ منهم -أجرة-.
فأنزل الله -عز وجل-: {وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} إلخ الآية، قال النحاس: يوعبون: أي يخرجون بأجمعهم في المغازي، يقال: أوعب بنو فلان لبني فلان، إذا جاؤوهم بأجمعهم، وقال ابن السكيت: يقال: أوعب بنو فلان جلاء فلم يبق ببلدهم منهم أحد، وجاء الفرس بركض وعِيب: أي بأقصى ما عنده، وفي الحديث: ((في الأنف إذا استوعب جدعه الدية)).
الشيخ : استيعاب الشيء الإتيان على آخره، يعني إذا قيل: استوعب الكتاب معناه أنه قرأه كاملاً.
وفي الحديث: ((في الأنف إذا استُوعب جدعه الدية)) إذا لم يترك منه شيء، واستيعاب الشيء استئصاله، ويقال: بيت وعِيب: إذا كان واسعاً يستوعب كل ما جعل فيه، والضمنى هم الزمنى، واحدهم ضمِن مثل زمِن قال النحاس: وهذا القول من أجلّ ما روي في الآية لما فيه عن الصحابة والتابعين من التوقيف، أن الآية نزلت في شيء بعينه، قال ابن العربي: وهذا كلام منتظم؛ لأجل تخلفهم عنهم في الجهاد، وبقاء أموالهم بأيديهم، لكن قوله: {أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ} قد اقتضاه، فكان هذا القول بعيداً جداً، لكن المختار أن يقال: إن الله رفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر، وعن الأعرج فيما يشترط في التكليف به من المشي وما يتعذر من الأفعال مع وجود العرج، وعن المريض فيما يؤثر المرض في إسقاطه كالصوم وشروط الصلاة وأركانها والجهاد ونحو ذلك.
الشيخ : يعني وغيرهم من أهل الأعذار الذي لا يتمكنون من أداء بعض العبادات، مثل هؤلاء ليس عليهم حرج، لكن ليس معنى هذا أن الإنسان إذا احتيج إليه في جهادٍ ونحوه تمنى أنه أعرج ليعذر، أو أعمى ليعذر، لا، فالنيات تبلغ أعظم مما تبلغه الأعمال، بعض الناس يتمنى أنه في وقتٍ من الأوقات أعمى حتى ما يكلف، وبعض الناس يتمنى أنه في هذا اليوم مريض ولا يخرج لأداء عبادةٍ وشبهها، فمثل هذا على قدر نيته، والله المستعان، والأمور بمقاصدها.
 ثم قال بعد ذلك مبيناً: وليس عليكم حرج في أن تأكلوا من بيوتكم، فهذا معنى صحيح، وتفسير بين مفيد يعضده الشرع والعقل، ولا يحتاج في تفسير الآية إلى نقل، قلت: وإلى هذا أشار ابن عطية فقال: فظاهر الآية وأمر الشريعة يدل على أن الحرج عنهم مرفوع في كل ما يضطرهم إليه العذر، وتقتضي نيتهم فيه الإتيان بالأكل، ويقتضي العذر أن يقع منهم الأنقص، فالحرج مرفوع عنهم في هذا.
 فأما ما قال الناس في هذا الحرج هنا وهي: الثانية: فقال ابن زيد: وهو الحرج في الغزو: أي لا حرج عليهم في تأخرهم، وقوله تعالى: {وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ} الآية معنى مقطوع من الأول. وقالت فرقة: الآية كلها في معنى المطاعم، قالت: وكانت العرب ومن بالمدينة قبل المبعث تتجنب الأكل مع أهل الأعذار، فبعضهم كان يفعل ذلك تقذراً؛ لجولان اليد من الأعمى، ولانبساط الجلسة من الأعرج، ولرائحة المريض وعلاته، وهي أخلاق جاهلية وكبر، فنزلت الآية مؤذنة، وبعضهم كان يفعل ذلك تحرجاً من غير أهل الأعذار، إذ هم مقصرون عن درجة الأصحاء في الأكل؛ لعدم الرؤية في الأعمى، وللعجز عن المزاحمة في الأعرج، ولضعف المريض، فنزلت الآية في إباحة الأكل معهم.
الشيخ : نعم لأن الإنسان إذا بلغ به الورع مبلغه يتحرج أن يأكل مع مثل هؤلاء الذين قد لا يأكلون نصف ما يأكله الصحيح، الأعمى قد لا تمتد يده إلى أطايب الطعام، بل قد تقصر دونه فيقتصر على الأقل، والأعرج أيضاً قد تضطره رجله التي لا تنثني مثلاً أن لا يقرب من بعض الأطعمة التي تكون هي أفضل من غيرها، وقل مثل هذا في المريض أو مثلها أيضاً الذي لا يستطيع أن يمضغ الطعام مضغاً جيداً بحيث يلحق بركب الأصحاء، بعض الناس إذا كان من أهل الورع ويأكل مع هؤلاء قد يتورع، وقد لا يملك نفسه أن يقتصر على ما اقتصروا عليه، ويأكل بنسبة ما يأكلون، والمسألة مفترضة في النهد –يعني إذا كانت التي يسمونها قَطَّة- يعني كل واحد يبذل من المال بقدر صاحبه، لكن لو بذل ضعف مثلاً ما يبذلون فله أن يأكل أكثر منهم، مع أن هذه الأمور جاء الشرع بالتسامح فيها، وأن مثل هذه الأمور لا يلتفت إليها، والناس يتناهدون من أول الزمن إلى آخره، ولا يتناقشون عن مثل هذه الأمور، ولا يلتفتون إليها، فمثل هذا لا حرج فيه. لكن إذا أبان الآكل عن شحّ في نفسه، وحرصٍ شديد على استيعاب نصيبه فلا، كما نهي عن اقتران التمر، القرن بين التمرتين مع من يأكل تمرة تمرة، وعند العوام إذا رأوا شخصاً بديناً قالوا له: أنت تأكل مع عميان؛ لأنه الأعمى قد يقتصر على غير الجيد من الطعام؛ لأنه ما يشوف، بينما المبصر ينتقي ما ينفعه وما يستفيد منه، وما يفيده، ينتقي من أطايب الطعام على ما يشتهي، والله المستعان.
وقال ابن عباس في كتاب الزهراوي: إن أهل الأعذار تحرجوا في الأكل مع الناس من أجل عذرهم فنزلت الآية مبيحةً لهم. وقيل: كان الرجل إذا ساق أهل العذر إلى بيته فلم يجد فيه شيئاً ذهب به إلى بيوت قرابته فتحرج أهل الأعذار من ذلك، فنزلت الآية.

الثالثة: قوله تعالى: {وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ} هذا ابتداء كلام: أي ولا عليكم أيها الناس، ولكن لما اجتمع المخاطب وغير المخاطب غلَّب المخاطب؛ لينتظم الكلام، وذكر بيوت القرابات وسقط منها بيوت الأبناء، فقال المفسرون: ذلك لأنها داخلة في قوله: {مِن بُيُوتِكُمْ} لأن بيت ابن الرجل بيته، وفي الخبر: ((أنت ومالك لأبيك)) ولأنه ذكر الأقرباء بعد ولم يذكر الأولاد.
الشيخ : الأولاد لا يحتاجون إلى ذكر؛ لأن بيت الولد بيت للوالد، فلا يحتاجون إلى ذكر فهم داخلون في بيوتهم.
 قال النحاس: وعارض بعضهم هذا القول فقال: هذا تحكم على كتاب الله تعالى، بل الأولى في الظاهر ألا يكون الابن مخالفاً لهؤلاء، وليس الاحتجاج بما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أنت ومالك لأبيك)) بقوي لوهي هذا الحديث، وأنه لو صح لم تكن فيه حجة.
الشيخ : نقول في مثل هذا المقام لا حاجة لمثل هذا الحديث، يعني مجرد عدم ذكر الأولاد دليل على أن بيوت الأولاد بيوت للآباء، لا نحتاج إلى الحديث، الحديث صح أو لم يصح، عدم ذكرهم في الآية يدل على أنهم في حكم النفس.
 وأنه لو صح لم تكن فيه حجة، إذ قد يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- علم أن مال ذلك المخاطب لأبيه، وقد قيل إن المعنى: أنت لأبيك، ومالك مبتدأ أي: ومالك لك، والقاطع لهذا التوارث بين الأب والابن.
الشيخ : يعني لو كان مال الابن هو مال الأب لما حصل توارث، أن كل شيء باقي على أصله، إذا مات الابن ما نقول يرثه الأب، هو مال الأب من الأصل ما يحتاج إلى إرث، هذه حجته، لكن الحديث له معنى والتوارث له معنى، وما عندنا في الآية له معنى، وكل شيء له ما يخصه من هذه المعاني.
وقال الترمذي الحكيم: ووجه قوله تعالى: {وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ} كأنه يقول: مساكنكم التي فيها أهاليكم وأولادكم، فيكون للأهل والولد هناك شيء قد أفادهم هذا الرجل الذي له المسكن، فليس عليه حرج أن يأكل معهم من ذلك القوت.
الشيخ : وحينئذٍ لا يكون هذا من الرجوع، ولا يكون هذا من الرجوع.
 أو يكونَ للزوجة والولد هناك شيء من ملكهم فليس عليه في ذلك حرج.
الشيخ : يعني ونظير ذلك لو تصدق شخص على آخر وهو من أهل الصدقة، تصدق عليه بشيءٍ من المال أو بشيءٍ من الطعام ثم دعاه المتصدق عليه وأكل عنده، هل نقول: أن هذا رجوع في العطية؟ هذا لا، كل من الطرفين لا يتصور هذا.

 الرابعة: قوله تعالى: {أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ} قال بعض العلماء: هذا إذا أذنوا له في ذلك، وقال آخرون: أذنوا له أو لم يأذنوا فله أن يأكل؛ لأن القرابة التي بينهم هي إذن منهم، وذلك لأن في تلك القرابة عطفاً تسمح النفوس منهم بذلك العطف أن يأكل هذا من شيئهم ويُسروا بذلك إذا علموا، قال ابن العربي: أباح لنا الأكل من جهة النسب من غير استئذان إذا كان الطعام مبذولاً، فإذا كان محوزاً دونهم لم يكن لهم أخذه.
الشيخ : إذا بذل ووضعت المائدة تأكل، لكن ما تنطلق إلى المستودع وتأخذ منه ما شئت وتفتح ما شئت، من المخزن حق البيت أو المستودع، لا، أنت ما لك إلا ما قدّم لك، مأذون لك فيما قدم لك.
ولا يجوز أن يجاوزوا إلى الادخار، ولا إلى ما ليس بمأكول، وإن كان غير محوز عنهم إلا بإذنٍ منهم.
الشيخ : نعم، غير محوز، هذا عندهم في المجلس كتب وإلا تحف وإلا شيء، نقول: هذا بيت صديقنا أو أحد ذُكر في هذه الآية ولا جناح علينا ولا بأس أن نأخذ، نقول: لا، هذا خاص بالطعام المبذول، وغير الطعام لا يدخل فيه، والطعام غير المبذول أيضاً لا يدخل

الخامسة: قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ} يعني مما اخترتم وصار في قبضتكم، وعُظْم ذلك.. عُظمه يعني أعظمه. وعُظْم ذلك ما ملكه الرجل في بيته وتحت غلقه، وذلك هو تأويل الضحاك وقتادة ومجاهد، وعند جمهور المفسرين يدخل في الآية الوكلاء والعبيد والأجراء، قال ابن عباس: عنى وكيل الرجل على ضيعته، وخازنه على ماله، فيجوز له أن يأكل مما هو قيّم عليه، وذكر معمر عن قتادة عن عكرمة قال: إذا ملك الرجل المفتاح فهو خازن، فلا بأس أن يطعم الشيء اليسير، قال ابن العربي: وللخازن أن يأكل مما يخزن إجماعاً، وهذا إذا لم تكن له أجرة، فأما إذا كانت له أجرة على الخزن حرم عليه الأكل. وقرأ سعيد بن جبير {ملِّكتم} بضم الميم وكسر اللام وشدها، وقرأ أيضاً (مفاتيحه) بياء بين التاء والحاء: جمع مفتاح -وقد مضى في الأنعام- وقرأ قتادة (مفتاحه) على الإفراد، وقال ابن عباس: نزلت هذه الآية في الحارث بن عمرو خرج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غازياً وخلف مالك بن زيد على أهله، فلما رجع وجده مجهوداً فسأله عن حاله فقال: تحرجت أن آكل من طعامك بغير إذنك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
السادسة: قوله تعالى: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} الصديق: بمعنى الجمع وكذلك العدو، قال الله تعالى: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي}[(77) سورة الشعراء] وقال جرير:
 دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا *** بأسهم أعداء وهن صديقُ
 والصديق: من يصدقك في مودته، وتصدقه في مودتك.
الشيخ : يعني قوله: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} يقول: الصديق بمعنى الجمع، لماذا؟ لأنه مفرد مضاف، والمفرد إذا أضيف يفيد العموم، فهو بمعنى الجمع.
 والصديق: من يصدقك في مودته، وتصدقه في مودتك ثم قيل: إن هذا منسوخ بقوله: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ}[(53) سورة الأحزاب] وقوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا}[(28) سورة النــور]..الآية. وقوله -عليه السلام-: ((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفسٍ منه)) وقيل: هي محكمة وهو أصح. ذكر محمد بن ثور عن معمر قال: دخلت بيت قتادة فأبصرت فيه رُطباً فجعلت آكله، فقال: ما هذا؟ فقلت: أبصرت رطباً.
الشيخ :  لأنه أعمى؛لأن قتادة ولد أكمة، ما يراه وهو يأكل، فسأله ما هذا؟ حسّ بالأكل، وعندهم حساسية، يعني فقدوا البصر لكن يحسون، فقال له: ما هذا؟ فذكر له، قال: أبصرت رُطباً في بيتك فأكلت.
 فقال: ما هذا؟ فقلت: أبصرت رُطباً في بيتك فأكلت قال: أحسنت، قال الله تعالى: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} . وذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} قال: إذا دخلت بيت صديقك من غير مؤامرته لم يكن بذلك بأس، وقال معمر: قلت لقتادة: ألا أشرب من هذا الحُب؟ قال: أنت لي صديق فما هذا الاستئذان؟!. وكان -صلى الله عليه وسلم- يدخل حائط أبي طلحة المُسمى ببيرحا ويشرب من ماء فيها طيب بغير إذنه على ما قاله علماؤنا. الشيخ : لأن مثل هذا جرت العادة بالمسامحة فيه لا سيما إذا كان الآكل له محل من قلب المأكول عنده سواء كان صديق أو عزيز عليه أو كبير عنده فضلاً عن أن يكون الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
 والماء متملك لأهله إذا جاز الشرب من ماء الصديق من غير إذنه، جاز الأكل من ثماره وطعامه إذا علم أن نفس صاحبه تطيب به لتفاهته ويسير مؤونته، أو لما بينهما من المودة، ومن هذا المعنى إطعام أم حرام له -صلى الله عليه وسلم- إذا نام عندها؛ لأن الأغلب أن ما في البيت من الطعام هو للرجل، وأن يد زوجته في ذلك عارية، وهذا كله ما لم يتخذ الأكل خبنة.
الشيخ : يخرج معه، يخرج بشيءٍ منه معه، يتخذ منه ما يخرج به ويتحفه به أولاده، إذا أكل مجرد أكل فلا مانع، يمرّ بالبستان ويأكل الشيء اليسير الذي لا يضر بصاحبه غير مفسد ولا متعدي ولا يتخذ خبنة، له ذلك.
ولم يقصد بذلك وقاية ماله، وكان تافهاً يسيراً.
الشيخ : لكن بعض الناس يدخل المحلات التجارية –محلات الأغذية والأطعمة والمكسرات وأنواع ما يؤكل- ثم يأخذ من هذا ويأخذ من هذا ويأخذ من هذا –يعني شيء يسير- يأخذ من هذا شيء، ومن هذا شيء، ثم إذا شبع خرج، هل نقول: أن هذا داخل في الآية أو أن هذا تعدي؟ الكلام أولاً هو في البيوت، لا في محلات البيع والشراء، الآية في البيوت لا في محلات التجارات. الأمر الثاني: إنه إن كان هذا الأمر يسير من هذا الصنف ويسير من ذلك الصنف لكنها إذا اجتمعت صار كثيراً، قد يقول قائل: أنا لا آخذ شيئاً يضره أنا آخذ حبتين من هذا المحل، وحبتين من المحل الذي يليه، وثلاث من الذي بعده، يأخذ من هذا تفاحة ومن هذا برتقالة، وهذا فستق، وهذا زبيب، وهذا.. يمشي وهو يرعى في طريقه، هو شيء يسير لا يضر بالناس لكن ليست هذه عيشة مسلم متقي ورع، الإنسان يتورع عن الحبة، النبي -عليه الصلاة والسلام- خشي أن تكون التمرة من الصدقة، ولا يقول: أن هذا محل صديق أو لا يضر به، هذا في البيوت، فيما يعدّ ويهيأ للضيوف، لا ما يدخر في المستودعات والمخازن أو المحلات التجارية.
 السابعة: قرن الله -عز وجل- في هذه الآية الصديق بالقرابة المحضة الوكيدة؛ لأن قرب المودة لصيق.
الشيخ : الأسوأ من ذلك إذا أوهم صاحب المحل أنه يجرب، يريد أن يشتري لكنه يريد أن يجرب الطعام هل هو مناسب أو غير مناسب؟ وهو لا يريد الشراء في الحقيقة، مثل هذا لا شك في منعه.
 قال ابن عباس في كتاب النقاش: الصديق أوكد من القرابة، ألا ترى استغاثة الجهنميين {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ}[(110-101) سورة الشعراء] قلت: ولهذا لا تجوز..

الشيخ : ولذلك ما قالوا: ولا أبٍ ولا عمٍ ولا خال، {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} ما قالوا: فما لنا من آباء ولا أمهات ولا إخوان ولا أخوات ولا أعمام ولا أخوال، فدل على أن الصديق أوكد من القريب، وهذا جرت به العادة أن النفع المتبادل بين الأصدقاء أكثر مما يتبادل بين الأقارب؛ لأن أمور الأقارب مبنية في الغالب على الاحتشام، كل واحد يقدر الثاني، والآخر.. بينما الصديق ترتفع الكلفة فيما بينهم؛ لأنه لو حصل لأن ارتفاع الكلفة أحياناً يصير وسيلة إلى القطيعة، ارتفاع الكلفة أحياناً لأنه لا ينضبط بضابط ثم يتسبب في قطيعة فإذا حصلت القطيعة بين الصديق وصديقه أمره أخفّ من أن تقع هذه القطيعة بين الأقارب، فهم يتساهلون فيها من هذه الحيثية.
 الأمر الثاني: أن الإنسان قد يجرؤ على صديقه أكثر مما يجرؤ على قريبه، لا سيما في أمور الأموال؛ لأن مظنة الاستجابة من الصديق أكثر من مظنة الإجابة من القريب، والسبب في ذلك أن الصديق صديق، يعني لو امتنعت من الدفع شكاك، ورفع أمرك إلى المسؤولين، بينما القريب يظنك أن تأكل ما تقترضه منه، وإذا حصل بينكم ما حصل من الشكاوى صارت القطيعة، فيحسم الباب من هذه الحيثية من أول الأمر، هذا في تصور كثير من الناس، يروح يذهب إلى صديقه يكلمه في أمره ويطلب منه ما يطلب أكثر مما يطلب من قريبه.
قلت: ولهذا لا تجوز عندنا شهادة الصديق لصديقه، كما لا تجوز شهادة القريب لقريبه، وقد مضى بيان هذا والعلة فيه في (النساء) وفي المثل: أيهم أحب إليك أخوك أم صديقك؟ قال: أخي إذا كان صديقي.
الشيخ : يعني إذا لم تكن بين الإخوة شحناء ولا بغضاء فهم أقرب الناس إليك.

الثامنة: قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} قيل: إنها نزلت في بني ليث بن بكر، وهم حي من بني كنانة، كان الرجل منهم لا يأكل وحده، ويمكث أياماً جائعاً حتى يجد من يؤاكله، ومنه قول بعض الشعراء:
 إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له *** أكيلاً فإني لست آكله وحدي
 قال ابن عطية: وكانت هذه السيرة موروثة عندهم عن إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- فإنه كان لا يأكل وحده، وكان بعض العرب إذا كان له ضيف لا يأكل إلا أن يأكل مع ضيفه، فنزلت الآية مُبينة سنة الأكل ومُذهبة كل ما خالفها من سيرة العرب، ومُبيحة من أكل المنفرد ما كان عند العرب محرماً، نَحَت به نحو كرم الخلق، فأفرطت في إلزامه، وإن إحضار الأكيل لحسن، ولكن بألا يُحرّم الانفراد.
الشيخ : يحرّم، بمعنى: يمنع الانفراد، شريطة أن لا يمنع من الانفراد؛ لأن بعض الناس إذا اتخذ على نفسه شيء لا بد أن يحققه ويطبقه، فإذا جرت عادته بأنه لا يأكل وحده إذا صار منفرداً عافت نفسه الطعام، بعض الناس تنفتح نفسه وشهيته مع الأكل مع الإخوان والأصدقاء ثم إذا صار بمفرده عافت نفسه الطعام، وبعض الناس العكس، إذا رأى الناس يأكلون من مائدته انقفلت شهيته، فالناس يتفاوتون في الكرم والبخل والشح، وكتب الأدب مملوءة من القصص في النوعين.
 التاسعة: قوله تعالى: {جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} {جَمِيعًا} نصب على الحال، و{أشتاتاً} جمع شت، والشت المصدر بمعنى: التفرق، يقال: شتَّ القوم: أي تفرقوا، وقد ترجم البخاري في صحيحه: باب: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}..الآية، والنهد والاجتماع.
الشيخ : النهد المقصود به القطَّة، التي يسمونها الناس القطّة، يعني يدفع كل فرد من أفراد المجموعة مبلغاً من المال ويشترون مجتمعين هذا الطعام ليأكلوه، وهذا لا شيء فيه ولو كان عرف من حال بعضهم أنه يأكل أكثر من بعض، هذا أمر يتسامح فيه. بينما لو وضع هذا الأمر من أجل التجارة، ووجد التفاوت الكبير بينهم قيل: لا يجوز؛ لأن هذا مقابل عوض، ويراد من وراءه التجارة، مثل ما يقال: البوفيه المفتوح، لك ملئ بطنك حتى تشبع بمبلغ كذا، نقول: هذا ممنوع للجهالة؛ لأن بعضهم يأكل ما قيمته نصف ما يدفع وبعضهم يأكل ما قيمته ضعف ما يدفع، فهذا ممنوع للجهالة؛ لأن المسألة مسألة عقود وبيع وشراء، والجهالة لا بد من زوالها، أما مسألة الناس فهي مبنية على الإرفاق والاتفاق وكل واحد باذل من هذا الشيء لنفسه ولغيره، وليس المراد به العقد.
والنهد والاجتماع ومقصوده فما قاله علماؤنا في هذا الباب: إباحة الأكل جميعاً وإن اختلفت أحوالهم في الأكل، وقد سوغ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، فصارت تلك سنةً في الجماعات التي تدعى إلى الطعام في النهد والولائم، وفي الإملاق في السفر، وما ملَكت مفاتحه بأمانةٍ أو قرابةٍ أو صداقةٍ، فلك أن تأكل مع القريب أو الصديق ووحدك، والنِّهد: ما يجمعه الرفقاء من مالٍ أو طعام على قدر في النفقة ينفقونه بينهم، وقد تناهدوا عن صاحب العين، وقال ابن دريد: يقال من ذلك...
الشيخ : وقد تناهدوا يعني المفاعلة من النهد، جاء ذكره عن صاحب العين منسوبة للخليل بن أحمد.
 يقال من ذلك: تناهد القوم الشيء بينهم، قال الهروي: وفي حديث الحسن: (أخرجوا نِهدكم فإنه أعظم للبركة وأحسن لأخلاقكم). والنِّهد: ما تخرجه الرفقة عند المناهدة: وهو استقسام النفقة بالسوية في السفر وغيره، والعرب تقول: هات نِهدك -بكسر النون- قال المهلب: وطعام النهد لم يوضع للآكلين على أنهم يأكلون بالسواء، وإنما يأكل كل واحد على قدر نهمته، وقد يأكل الرجل أكثر من غيره، وقد قيل: إن تركها أشبه بالورع، وإن كانت الرفقة تجتمع كل يومٍ على طعام أحدهم، فهو أحسن من النِّهد؛ لأنهم لا يتناهدون إلا ليصيب كل واحد منهم من ماله، ثم لا يدري لعلَّ أحدهم يقصر عن ماله ويأكل غيره أكثر من ماله، وإذا كانوا يوماً عند هذا ويوماً عند هذا بلا شرط فإنما يكونون أضيافاً، والضيف يأكل بطيب نفس مما يقدم إليه.
الشيخ : يعني هذا مثل الدوريات التي تكون بين الأقارب وبين الأصدقاء وبين المعارف، يعني واحد يتكلف، وواحد يقتصد، وواحد يزيد وواحد ينقص، وواحد يقدم أكثر من الثاني، لا شك أن هذا إنما فعله بطيب نفسٍ منه، لكن ليُجتنب الإسراف.
وقال أيوب السَختياني: بفتح السين، السَّختياني -أيوب بن أبي تميمة السّختياني- إنما كان النهد أن القوم كانوا يكونون في السفر، فيسبق بعضهم إلى المنزل، فيذبح ويهيئ الطعام ثم يأتيهم، ثم يسبق أيضاً إلى المنزل فيفعل مثل ذلك.
الشيخ : نعم، ليقدم الخدمة لإخوانه، بينما بعض الناس يسبق إلى المنزل ليختار المنزل المناسب الأفضل قبل غيره، والله المستعان.
 فقالوا: إن هذا الذي تصنع كلنا نحب أن نصنع مثله، فتعالوا نجعل بيننا شيئاً لا يتفضل بعضنا على بعض فوضعوا النهد بينهم، وكان الصلحاء إذا تناهدوا تحرى أفضلهم أن يزيد على ما يخرجه أصحابه، وإن لم يرضوا بذلك منه إذا علموه فعله سراً دونهم.
 العاشرة: قوله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} اختلف المتأولون في أي البيوت أراد، فقال إبراهيم النخعي والحسن: أراد المساجد، والمعنى: سلِّموا على من فيها من صنفكم، فإن لم يكن في المساجد أحد، فالسلام أن يقول المرء: السلام على رسول الله، وقيل: يقول: السلام عليكم يريد الملائكة، ثم يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وذكر عبد الرزاق أخبرنا معمر عن عمرو بن دينار عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ}..الآية قال: إذا دخلت المسجد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وقيل: المراد بالبيوت: البيوت المسكونة: أي فسلموا على أنفسكم قاله جابر بن عبد الله وابن عباس أيضاً وعطاء بن أبي رباح، وقالوا: يدخل في ذلك البيوت غير المسكونة، ويسلم المرء فيها على نفسه بأن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، قال ابن العربي: القول بالعموم في البيوت هو الصحيح.
الشيخ : لأن (بيوتاً) نكرة في سياق الشرط فتعمّ، لكن هل تعمّ المقابر مثلاً التي هي بيوت ومساكن الأموات؟ الصواب: لا، لا تدخل في البيوت؛ لأن السلام مخصوص بأهلها، السلام عليكم أهل الديار، ولا يسلم على النفس فيها.
 ولا دليل على التخصيص، وأطلق القول ليدخل تحت هذا العموم كل بيت كان للغير أو لنفسه فإذا دخل بيتاً لغيره استأذن كما تقدم، فإذا دخل بيتاً لنفسه سلَّم كما ورد في الخبر يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين قاله ابن عمر، وهذا إذا كان فارغاً فإن كان فيه أهله وخدمه فليقل: السلام عليكم، وإن كان مسجداً فليقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وعليه حمل ابن عمر البيت الفارغ. قال ابن العربي: والذي أختاره إذا كان البيت فارغاً ألاّ يلزمه السلام، فإنه إن كان المقصود الملائكة، فالملائكة لا تفارق العبد بحال، أما إنه إذا دخلت بيتك يستحب لك ذكر الله بأن تقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وقد تقدم في سورة (الكهف)، وقال القشيري في قوله: {إذا دَخَلْتُم بُيُوتًا} والأوجه أن يقال: إن هذا عام في دخول كل بيت، فإن كان فيه ساكن مسلم يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإن لم يكن فيه ساكن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وإن كان في البيت من ليس بمسلم قال: السلام على من اتبع الهدى، أو السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
الشيخ : وهذه التحية تحية غير المسلمين، السلام على من اتبع الهدى، كما كتب النبي -عليه الصلاة والسلام- لهرقل في كتابه المشهور: من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم: السلام على من اتبع الهدى.
وذكر ابن خويزمنداد قال: كتب إلي أبو العباس الأصم قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: حدثنا ابن وهب قال: حدثنا جعفر بن ميسرة عن زيد بن أسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أهلها واذكروا اسم الله، فإن أحدكم إذا سلم حين يدخل بيته وذكر اسم الله تعالى على طعامه يقول الشيطان لأصحابه: لا مبيت لكم هاهنا ولا عشاء، وإذا لم يسلم أحدكم إذا دخل ولم يذكر اسم الله على طعامه قال الشيطان لأصحابه: أدركتم المبيت والعشاء)) قلت: هذا الحديث ثبت معناه مرفوعاً من حديث جابر خرجه مسلم، وفي كتاب أبي داود عن أبي مالك الأشجعي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا ولج الرجل بيته فليقل: اللهم إني أسألك خير الولوج وخير الخروج، باسم الله ولجنا، وباسم الله خرجنا، وعلى الله ربنا توكلنا، ثم ليسلم على أهله)). الحادية عشرة: قوله تعالى: {تَحِيَّةً} مصدر؛ لأنه قوله: {فَسَلِّمُوا} معناه: فحيوا، وصفها بالبركة؛ لأن فيها الدعاء واستجلاب مودة المسلم، ووصفها أيضاً بالطيب لأن سامعها يستطيبها، والكاف من قوله {كَذَلِكَ} كاف تشبيه، و{ذَلِكَ} إشارة إلى هذه السنن: أي كما بين لكم سنة دينكم في هذه الأشياء يبين لكم سائر ما بكم حاجة إليه في دينكم.
 اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.
لحفظ المقطع الصوتي :




_________________________
 تفسير القرطبي - سورة النور -
المصدر / موقع الشيخ عبد الكريم الخضير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق