الأربعاء، 13 يوليو 2016

الدرس (١٦) من تفسير سورة النور - قصة الإفك مقدمة ووقفات/ د.ناصر العمر


بسم الله الرحمن الرحيم..
  الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ..
 بعد أن انتهينا من آيات اللعان نبدأ اليوم وسنقف معها عدة دروس مع قصة الإفك ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ) الآيات من آية ( ١١ ) إلى آية ( ٢٠ ) عشر آيات نزلت في قصة الإفك وهي التي أُتُهِمَت فيها الطاهرة المُطهرة عائشة رضي الله تعالى عنها مع الصحابي الجليل الذي برأه الله وبرأه رسوله وهو صفوان بن المعطل السُلَمي .

 والقصة -أيها الإخوة- بكاملها من أصح ما ورد في القصص والأحاديث في البخاري ومسلم المُتفق عليهم وغيرهما، ولذلك وجدت أن القصة طويلة ولو قرأناها ربما لأخذت الدرس كله ثم صَعُب بعد ذلك ربطها مستقبلاً، فأنا أحيلكم إلى الصحيحين للرجوع إليهما لأن فيها من الدروس والعبر ما أحاول في هذا الدرس -بإذن الله- أن أقف مع هذه الآيات وما ورد في الحديث إشارة، لأنه الوقفة مع الآيات والأحاديث لعِظم ما فيها وخاصة عندما قال الله جل وعلا : ( لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) فواجبنا أن نقف مع هذه الخيرية نبحث عنها ، ويتسائل المسلم كيف يكون حادث الإفك خير ؟ لم يقل فيه خير بل وصفه بالخيرية ، وهذا منهج إلهي عظيم جداً وهذه الآية من أعظم أدلة التفاؤل أن تُفَسَّر الأحداث القدرية بالتفاؤل، فلاشك أن الإفك أمره عظيم وخطير كما قال الله جل و علا : ( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) الأمر شديد ليس سهلاً لكنه بالنسبة للمؤمنين، للصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم هو خير ( لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ ) ( بَلْ ) هنا للإضراب ( بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) هنا أيضاً جاء بالجملة الإسمية الاستقرار والثبوت لأهمية الموضوع .
 وأقول في مقدمة عن القصة  وجاءت في سياق سورة النور التي تحدثنا عنها سابقاً ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ) ، ثم من يقذف المحصنات، ثم جاء من يقذف زوجته ووصل الأمر إلى .. لأنه ترقي لأن قذف الإنسان لامرأة محصنة عظيم جداً أعظم منه أن يقذف زوجته لما يترتب على ذلك من المفاسد العظيمة كما تعلمون ، كما قال الصحابي : "إن تكلمت تكلمت بأمر عظيم وإن سكتُ سكت عن أمر عظيم أو عن مثل ذلك" ، فلا شك -نسأل الله السلامة والعافية- الأمر صعب جداً ، جاء ماهو أعظم منهما، بدأ بالترقي بدأ إتهام أمهات المؤمنين إتهام الطاهرة المطهرة البريئة فهو أعظم، ترقي في هذا الأمر وكله لصيانة المجتمع الذي تحدثنا عنه ولذلك ختم هذه الآيات كلها وإن كانت داخلة في قصة الإفك ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) سواء اتهام محصنات أو أن يتهم الإنسان زوجته بدون برهان أوكذلك أعظم منه أن تُتَهم أمهات المؤمنين ، وقد يقول قائل : أن هذا الأمر انتهى ، من قال لك أنه انتهى لا تزال طائفة -مع كل أسف- تنتمي للإسلام تتهم عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر وهم الرافضة عليهم من الله ما يستحقون ، فإذاً الوقوف مع هذا الحدث.. والذي أراه من خلال تأملي أنه أعظم ما ابتلي به النبي صلى الله عليه وسلم مع ابتلاءاته منذ بُعِثَ صلى الله عليه وسلم حتى لقي ربه، ابتلاءات عظيمة لرفع مقامه ومنزلته من أعظم ابتلاءاته هو هذا الحادث ، الإنسان قد يصبر على السجن ، يصبر على الضرب ، على الأذى ، على اتهام الناس له ، قد تجد ربما الآن بعض طلاب العلم تجد من يتكلم فيهم في الإنترنت ويسبهم يتحملون لكن لو يدخل أحد في قضية بيته أو عرضه الأمر صعب جداً ، ولذلك كان أمراً جللاً وبخاصة أنه بقي شهراً لم تنزل الآيات في براءة عائشة ، الله سبحانه وتعالى قادر من أول كلمة أن تنزل هذه الآيات حتى بقي النبي صلى الله عليه وسلم في أمر عظيم كما في الحديث الصحيح مما يدل على خطورة هذا الأمر وخطورة هذا الابتلاء بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم ولصحابته وبالنسبة ولمن مسهم الأمر ولمن يأتي بعدهم ، فإذاً هذه مقدمة عن هذه القصة . 
اليوم أحاول أن أقف على حسب ما يتيسر من الوقت لأن الموضوع كما قلت سيأخذ دروساً طويلة لأن العبرة كما أقول دائماً بمقدار الفائدة وليس أن ننتهي أو لا ننتهي ولو نقف على فائدة واحدة ونخرج بفائدة واحدة تنفعنا في عاجلنا وآجلنا ففيها بركة . 
فيأتي السؤال عندما يقول لك الله جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُم ) فنفى الشر وأثبت ( بَلْ ) للإضراب ( بَلْ ) للخيرية ، دعونا نقف مع بعض هذا الخير ليكون منهجاً لنا في تفسير الأحداث إذا وقعت ، هناك فرق يا إخوان بين الحديث عن الشيء قبل وقوعه والإفادة منه بعد وقوعه وهو دائماً ما أقوله : كيف نتعامل مع القدر الكوني ؟ 
وقوع قصة الإفك أمر لا يريده الله ولا يحبه الله لكنه بقدر الله وهو قدره الكوني ولذلك يجب على طالب العلم أن يفهم بين الأقدار الكونية والأقدار الشرعية ، الأقدار الشرعية بإذن الله وقدره وهو يحبها ويريدها، أما الأقدارالكونية فلا شك لا يكون شيء بغير أمر الله سبحانه وتعالى لكن بحِكَم أعظم كما هنا لكن البعض يقول : لماذا يقع ؟ ولا يحق لنا هذا السؤال لكن أجيبه : انظروا إلى هذا الأمر مع عِظمه وهو قدره الكوني في حادثة الإفك كحادث .. كتهمة قال سبحانه وتعالى : ( بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُم ) ولهذا تعظيم الله جل وعلا ، وكنت يوم الجمعة الماضية في جدة في درسي الشهري كان عنوان الدرس ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) أو كان عنوانه ( مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ) وكذلك آيات الزمر ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) وذكرت أن من أعظم ما يهوِّن المصائب هو تعظيم الله جل وعلا ، الله عظيم جل وعلا ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) لو قدرنا الله حق قدره لعرفنا كيف نتصرف في كثير من المشكلات ( مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ) يقول نوح عليه السلام ثم يستدلهم بالأدلة الكونية ( وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ) ثم يذكر الأدلة على مقام الله جل وعلا وعَظَمَته ، فتعظيم الله في القلوب يا أحبتي يجعلنا نتعامل مع هذه الأقدار الكونية بالأقدار الشرعية وبحكمة وبُعد نظر ونقطع دابر أي وسواس أو شك ولا نكون كهذا الذي غرد و نسأل الله أن يلقى جزاءه وأن يُقر أعيننا بما يلقاه من جزاء عندما يقول ينادي ربه ولو كان اعتبره رباً حقيقةً لما قال هذا الكلام يقول له : لماذا ترضى بهذا الظلم ؟ لماذا أنت غائب عنا إن كنت موجوداً ؟ وهذا كفر صريح وصل إلى أن يشك بالله أنه موجود كأنه يقول : لو أن الله موجود ما رضي بهذا الظلم ، الله لا يرضى بهذا الظلم ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً ) لكن الذي يقع الآن من قتال في سوريا وغيرها هو قدر كوني تجيب عنه سورة محمد ( وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ) بل قلتُ أن من أعظم آثار تعظيم الله جل وعلا وأن نقدر الله حق قدره هو التفاؤل .. 
كيف نتفائل ؟ ما علاقة أن نقدر الله حق قدره وأن نرجوا لله وقاراً بالتفاؤل ؟ 
فضربت أمثلة يسيرة حتى أدخل لأنني أنا أقف الآن أمام ( لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) وهي من أعظم أدلة التفاؤل، مع أنه قلت لكم إن لم يكن أعظم حدث مرَّ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فهو من أعظمها ولا شك ، فيبقى الإنسان كيف يكون خيراً ؟ نحن يجب أن نستسلم لأن الله قاله كما يقول أبوبكر رضي الله عنه : ( أقاله النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، قال : صَدَقَ ) لا يفكر لكن لا مانع من التماس الحكمة لا مانع .
 فأقول : عندما تعظّم الله ستكون متفائلاً ، من أسباب ضعف التفاؤل اليأس والقنوط مع تقلب الأحداث هو ضعف التفاؤل لأن ضعف التفاؤل هو أثرٌ من سوء الظن بالله ( وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) صار عندكم تشاؤم يأس قنوط بينما يقول : ( أنا عند ظن عبدي بي ) وأضرب مثال ولله المثل الأعلى -والأمثلة في القرآن كثيرة- كما في سورة النور عندما ضرب الله المثل لنوره كمشكاة فكما بيّن العلماء في موضوع القمر بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم تشبيه الرؤيا بالرؤيا لا المرئي بالمرئي حتى لا يكون إشكال في التشبيه ، قلت : لو أن إنساناً حدث له حادث و فوجئ بأطفاله ينزفون دماً ، فجأةً فإذا قد جاء الإسعاف ألا يشعر باطمئنان وراحة ؟ ولو أن إنساناً هجم عليه لصوص يريدون أن يقتحموا بيته للسرقة أو لربما أكثر من السرقة -للأعراض- فاتصل للدوريات لأجل أن يأتي الأمن -وهو يثق فيها مثلا- ماعلم إلا لحظات وجاءت فيجد راحة واطمئنان لأنه واثق بأجهزة الأمن ، احترق بيته وفي أول بداية الحريق جاء الدفاع المدني الإطفاء يفرح لأنهم سيطفئون هذا الحريق لأنه واثق فيهم .. طبعاً هنا حسب ثقته وحسب استحقاقهم للثقة ، إذاً الله سبحانه تعالى قادر وحكيم وعليم ولا يعجزه شيء فإذا عظّمت الله جل وعلا وغرست في نفسك هذه المعاني العظيمة عن عظمة الله ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) أن تقدروا الله حق قدره إذاً لماذا تتشاءم ؟ لكن بشرط أن يكون التفاؤل الإيجابي .. التفاؤل العملي لأن الله عز و جل قال : ( وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ) كما قلت لكم أن الآن الذي يُبتلَون ليس في سوريا فقط بل أنتم تُبتلون ، ما هو موقفكم من أحداث سوريا ؟ ماذا قدمتم ؟ ماذا فعلتم ؟ ماذا .. أسئلة كثيرة جداً ستُسألون عنها يوم القيامة ( لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ )
إذاً هنا عندما نقف نقول : ( لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) نقف نبحث عن بعض هذه الخيرية ويصعب أن نحصيها .
 من هذه الخيرية: أنها كانت سبب لتشريع كثير من الأحكام في هذه القصة وما حدث فيها وهذا معروف في قصة ( ما أعظم بركتكم يا آل أبي بكر ) طبعاً ليس لذات القصة لكن للغزوة حتى يكون الأمر أدق .
أن هذا الحدث يا إخوان فيه رِفعة عظيمة جداً للنبي صلى الله عليه وسلم ولزوجته الطاهرة المطهرة عائشة رضي الله تعالى عنها ، ولصفوان بن المعطل السُلَمي رضي الله عنه، ولأبي بكر ولأم رومان رضي الله تعالى عنهما من هذا البلاء، لأنه معروف أن المؤمن على قدر ما يُبتلَى يرفع الله جل وعلا من مقامه، أشد الناس بلاءً من ؟ الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، إذاً أولاً هذا البلاء لما وقع وهو قدر كوني لا علاقة لهم فيه وهو رفعة للنبي صلى الله عليه وسلم -ومقامه رفيع- لكن حكمة الله جل و علا .
 أذكر قصة جميلة جداً : رجل أعرفه توفي قبل سنوات رحمه الله من الأخيار والصالحين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر عجيب الرجل توفي قرابة التسعين سنة مد الله في عمره لم يفقد ذاكرته حتى وفاته ، صاحب قيام ليل كان في المستشفى يأتي -وهو ليس من الرياض الساعة- واحدة ليلاً يأخذ الأجهزة ويبدأ يصلي إلى الفجر ، كان يقول لزوجته يبدأ الساعة الواحدة دائماً صلاة الليل فيقول لزوجته : قومي صلي ، طبعاً تكون متعبة في البيت امرأة كبيرة عندها أولاد أطفال ثم يصلي يسلم الساعة الثانية ثم يبدأ يتكلم : ألا تخافين الله ؟ ألا تخشين من العقوبة ؟ الساعة الثانية الآن بقي على لفجر أربع ساعات أو خمس ساعات قومي صلي فسبحان الله تقوم تصلي ، حتى بعد أن تُوفي بقيت هذه المرأة لا تترك الحج ولا العمرة لأنه لا يترك العمرة أبدا كان يذهب للعمرة قبل رمضان ولا يأتي إلا بعد الست كل حجّ حتى آخر سنة وهو يحجّ حتى كبر في السن واستمرت هي على منهج زوجها في صلاة ليلها - هكذا تكون التربية لأنها لم تصلِّ من أجل زوجها فقط - الشاهد : جاءه رجل وقال له : إني رأيت رؤيا ، قال : ما هذه الرؤيا ؟ قال : رأيت كذا وكذا و كذا - الرجل الذي رأى الرؤيا رجلٌ صالح رجل خيِّر صاحب قيام ليل - قال له : هذه الرؤيا فيها درجة لك عالية في الجنة - طبعاً هو يعبر الرؤيا - لكنك لن تحصل عليها بعبادتك - مع أنه رجل عابد رجل صالح - سُيصَب عليك - طبعاً من الرؤيا هو يُعبِّر ولا يعلم الغيب - سيُصَب عليك البلاء صباً حتى تموت لتحصل على هذه الدرجة . بعد سنة من تعبير الرؤيا بدأ الابتلاء في أولاده ثم في نفسه حتى توفي هذا الرجل .
 الابتلاءات إذا واجهها الرجل بالصبر كما صبر الرسول صلى الله عليه و سلم وصبرت عائشة رضي الله عنها وصبر أبوها وأمها وصبر صفوان فهو يرفع من مقام الإنسان ( لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) لأن المسألة تنقضي سواء شهر أو سنة أو أقل أو أكثر لكنك تحصل على ثمنٍ عالٍ جداً . 
الخيرية الأولى التي ذكرتها أن هذا الأمر كان خيراً للنبي صلى الله عليه و سلم ولأم المؤمنين ولأبي بكر ولأم رومان أم عائشة رضي الله عنها وكذلك لصفوان رضي الله تعالى عنه . 
/ أيضاً من الخيرية نقف وقفة يسيرة مع خيرية عائشة لأنها مقصودة مرادة
أولاً : أن هذه البراءة تُتلا إلى يوم القيامة لعائشة ، تقول : كنت أعلم أن الله سيبرئني لكن لم أكن أعلم أنه سيُنزل بي آيات تتلى إلى يوم القيامة ، فتقول -تواضعاً- أنا أحقر من أن ينزل الله فيّ عشر آيات تُتلى إلى يوم القيامة .
الآن لما نسمع بعض القضاة برأ أحد الإخوان نفرح فرح عظيم جداً، نفرح طبيعي خاصة إذا كان الإنسان مظلوم ويستبشر الناس ببراءة هذا الرجل فقد يكون مسجون لسنوات ثم تأتي براءة له لاشك ، فما بالك بتبرئة الله جل و علا لأم المؤمنين فهذه منزلة رفيعة وعالية إلى يوم القيامة تتلا وليس مجرد خبر مع أهميته حتى لو كان خبراً كما توقعت هي بل تأتي آيات تتلا إلى يوم القيامة .
 ثانياً : ما أروثته الحادثة من تعلق قلبها بالله عز و جل ، عجيبة سبحان الله عائشة اقرأوا في السيرة يا إخوان فوالله إني أقف الآن أراجع سبحان الله لكن تربية الرسول صلى الله عليه وسلم وتربية أبويها وفضل الله جل وعلا لهذه الطاهرة المطهرة وهي صغيرة السن كما تعلمون ، مات النبي صلى الله عليه و سلم وما بلغت عشرين سنة لكن كانت عجيبة في تعلقها بالله وانقطاع تعلقها بأحد من البشر إلا من الله لما وصلت إلى هذه المرحلة جاءت البراءة ولذلك الذي يقرأ السيرة أن في آخر لحظة تقول كلاماً يُبكي والله يا إخوان لما جاءها النبي صلى الله عليه و سلم وقال لها : "إن كنتِ بريئة فسيبرئك الله جل وعلا وإن كنتِ ألممتي بذنبٍ فتوبي إلى الله" طبعاً النبي صلى الله عليه وسلم ليس شكاً في زوجته .. كلا لكنه يتكلم وهو نبي مرسل لا يحابي أحداً ، فتقول : ( ماذا أقول إن قلت لكم إني بريئة و أنا أعلم أن الله سيبرئني لاتصدقوني و إن قلت لكم أني مذنبة و أنا غير مذنبة ستصدقوني لكن أنتظر براءتي من الله ) فقطعت التعلّق بالخلق كلهم فما لبثت بعدها ثم قلبت وجهها من الحزن وقد بكت أياماً وجف دمعها تقول : لما قال لي النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام تقلص دمعي ) توقفتُ ، عرفَت أنه لا ملجأ لها إلا الله ، لأن الدمع الذي كان يأتيها والسهر يؤثر فيها بالواقع الذي يجري والكلام الذي يقال عنها وهي تعرف أنها بريئة فلما وصلت المرحلة إلى هذا الحد خلاص يتوقف الإنسان إلى هذا الحد وما له إلا الله (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) بعدها مباشرة والنبي عليه الصلاة والسلام لم يبرح مكانه نزل الوحي ، هنا التعلّق بالقلب -يا إخوان - مسألة عظيمة جداً و لهذا صرَّح الرئيس الفرنسي قبل أيام أنه لا يمكن أن تتدخل دولة عسكرياً - لما لمحت بعض دول الخليج بتدخل عسكري - إلا بقرار أممي يعني من الأمم المتحدة ، والله أنني فرحت يا إخوان بهذا الكلام فرح لأنه هناك مع كل أسف قلوب متعلقة بالغرب بأمريكا بدولة فلان ، قلت : على إخواننا في سوريا -ونشرت هذا الكلام- أن عليهم أن تتعلق قلوبهم بالله أن تنقطع قلوبهم بالبشر كائناً من كان وهنا يأتي النصر ( كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) ليس عنده شيء ليس عنده سلاح ولا عنده قوة يواجه فرعون والبحر من أمامه ما بقي أمامه إلا ( كَلَّا ) انظر الإيمان والتعلق والقوة ( إِنَّ مَعِيَ ) من ؟ لم يقل معي سلاح أن بكم قوة سنواجهه .. لا ( إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) ولذلك لما قال بعض الصحابة في غزوة حنين لن نُهزَم اليوم من قلة ، لاحظوا حدثت الهزيمة فلما ما بقي إلا الرسول صلى الله عليه وسلم وأفراد معه وتعلّقت قلوبهم بالله جاء النصر ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ) خلاص هنا ( لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ) هنا جاء النصر . يقول أحد طلاب العلم أصيب ابنه بشلل مفاجئ بعد أشهر من ولادته - نسأل الله أن يشفيه ويشفي مرضى المسلمين - فبدأ إذا سمع عن علاج داخل المملكة وخارجها ذهب ، إذا سمع براقي جيد -طبعاً على السنة- ذهب إليه، قالت له زوجته بعد سنة أو سنتين : لا أظن ابننا يُشفى بهذه الطريقة لا تزال قلوبنا معلّقة بالبشر سيُشفى ابننا إذا انقطع تعلقنا بالبشر وتعلقنا بالله ولو أخذنا بالأسباب هنا يُشفى .
والله هذا درس عظيم جداً ، كان المتوقع أن الأم هي تكون أكثر رحمة وعاطفة بينما الأب طالب علم وهو جيد وقوي أعرف هذا لكن طبيعي بشر يأخذ بالأسباب ، هو لم يخطئ بهذا لكن هي لفتت نظره إلى عمل قلب قالت : إذا انقطعت قلوبنا من تعلقها بالبشر هنا يُشفى أما بغير هذه الطريقة لا أظنه يُشفى .. نسأل الله أن يشفي إبنهم . 
عائشة رضي الله عنها تعلّق قلبها بالله جل وعلا، ثم أيضاً امتلأ قلبها بعبودية الصبر لما جف دمعها تقول : ( فتقلص دمعي ) خلاص لا يوجد مجال خلاص صبر ، الإنسان قد أول الأحداث يصبح له مشلكة فيترقى والعلماء كما ذكر ابن الجوزي يضعون ثلاث مراحل إذا أُصيب الإنسان بابتلاء : مرحلة الصبر، ثم مرحلة الرضا، ثم مرحلة الثناء والحمد .
 يقول أحد الإخوة الذين سُجِنوا سنوات يقول : والله لقد مررت بكل هذه المراحل ، الأشهر الأولى من سجني صبر -أصبر-+7 يقول : أتحمل ، يأتي نقاط ضعف أحياناً ، يقول : ثم جاءت مرحلة الرضا رضيت بما قضاه الله لي ، يقول : أجد في نفسي اطمئنان وهو تساوي الأمران الرضا تساوي الأمران ثم يقول : بقية السنوات أحمد ربي وأشكره ، هذا الرجل الآن وبعد أكثر من عشر سنوات من خروجه من السجن يقول : "والله من أعظم نِعم الله عليّ هذا السجن ، هذا الحمد والثناء ، ووجدت فيه من الخير" كما نقول هنا : ( لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) مع أنه سجن لا أحد يريده يا إخوان وفيه ابتلاء وبُعد عن الأهل وأذى و.. و.. و.. وأسئلة كثيرة جداً ، فإذاً عائشة رضي الله عنها من الخيرية الصبر ثم مثقال ميزان حسناتها بل قال العلماء وهذه لفتة جميلة : لأن الله أراد لها خيراً وعزة ومقام لم ينقطع أجرها بانتهاء الحادثة ووفاتها ، أجرها مستمر إلى يوم القيامة من هؤلاء الرافضة وأمثالهم لأنهم يقعون في عرضها إلى الآن، هي في قبرها وشهد لها النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة كما في الحديث أنها زوجته في الآخرة كما تعلمون والنبي صلى الله عليه و سلم في الرفيق الأعلى ومع ذلك لها خير عظيم يجري يجري منذ سنوات (***) هذا خير الحقيقة هي ما أرادته لكنه وقع . 
/ أيضاً تكفير للسيئات لا شك.
/  بيان لعِظم مكانتها.
/ ثم هو صفوان رضي الله عنه وشهادة النبي صلى الله عليه و سلم عنه ( أتتهمونني في أهلي من رجل ما علمت منه إلا خيراً ) هذه الكلمة من النبي صلى الله عليه وسلم لصفوان ( و ما كان يدخل على أهلي إلا معي ) هذه شهادة عظيمة لصفوان من الصادق المصدوق  صلى الله عليه وسلم الذي لاينطق عن الهوى ، ولأبي بكر ولأمها ، فلا شك ابتلاء الإنسان بإبنته تُبتَلى وصبر هو شيء عظيم جداً بل يقول الله جل وعلا ثناءً لأبي بكر : ( وَلَا يَأْتَلِ ) لم يقل : أبو بكر ( أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ ) فالله جل وعلا شهد لأبي بكر في مواضع عدة في القرآن منها هذه الآية أنه من أولي الفضل ، بل قال العلماء : أن أتقى الأمة بإطلاق بعد النبي صلى الله عليه وسلم من هو ؟ أبو بكر بدليل من القرآن -دليل تدبري- ألم يقل الله جل و علا : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) ؟ ثم قال في سورة الليل : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ) أفعل التفضيل لم يقل : التقي ، ( الْأَتْقَى ) فهو أكرم الخلق من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد النبي صلى الله عليه وسلم هذه شهادة من الله لأبي بكر رضي الله عنه ولذلك جاء ( وَلَسَوْفَ يَرْضَى ) هذه رفعة من مكانة أبي بكر في هذه الآيات .
 الوقت قد انتهى والحديث عظيم جداً والدروس كثيرة أسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا .
لا تنسوا إخوانكم من الدعاء في كل مكان في فلسطين فاليهود الآن يستغلون الأحداث وانفراد الناس في سوريا ويعملون عبثاً في بيت المقدس وغيرها وفي إخوانكم في فلسطين ادعوا لهؤلاء الصامدين الصابرين وادعوا على هؤلاء اليهود وابذلوا السبب الذي نستطيعه ، ادعوا لإخوانكم في العراق .. في سوريا .. في الصومال .. في كل أرض الآن الابتلاءات كثيرة جداً نسأل الله أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين بكل خير وأن يوفق ولاة أمورنا وولاة أمور المسلمين لكل خير وأن ينصر إخواننا في سوريا وأن يرينا في هذا الظالم وزبانيته عجائب قدرته وأن يشرد بهم وبمن خلفهم ، ادعوا لهم في صلاتكم في سجودكم وقفوا معهم في حدود استطاعتكم أيها الإخوة فالمجال مفتوح ولا عذر لأحد ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وصلِّ اللهم على سيدنا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق