سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الهادي اﻷمين على نبينا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ..
يقول الله جل وعلا لموسى عليه السلام (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) لما ذهب موسى عليه السلام إلى ربه ( فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ) نعم أول آية رأها موسى عليه السلام هي أنه لما ألقى عصاه فإذا هي ثعبان عظيم فتأثّر وخاف وهرب فناداه الله جل وعلا (يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ) وفي سورة النمل (يَا مُوسَى لا تَخَفْ) ويعِدُه الله جل وعلا بالرسالة يهيؤه (...)
هذه اﻵية فيها دﻻلة: تهيئة من أول اﻷمر أيضا حتى بعد أن أُوحي إليه لتحمل الشدائد والمفاجاءات ، رأى هذه العصا ثعبان، كأنها ثعبان وطبيعي أن يهرب وهنا وقفة بين الخوف والحذر ﻷنه تكرر موضوع الخوف في قصة موسى (فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) وهنا أيضا (وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ) ماهو الفرق بين الخوف والحذر؟
الحذر جاء في القرآن بصيغة اﻷمر ( خذو حذركم - وليحذروا - فاحذروهم ) تجدها بصيغة اﻷمر ، بينما الخوف على قسمين ، هو يأتي بصيغة النهي لكن منه ماهو جائز ومنه ماهو محرم، الخوف الطبيعي كالخوف من عدو (فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) أو لما خاف من هذه الحية العصا يحسبها حية ...هذا خوف طبيعي أو طبعي على اللغة الصحيحة ﻻ يلُام فيه اﻹنسان.
وهناك خوف مُحرم ﻻ يجوز من وقع فيه فهو نقص في إيمانه ماهو هذا الخوف؟
( فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ) (فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) هو الخوف القلبي من غير الله جل وعلا، ﻻ يكون الخوف القلبي إﻻ من الله جل وعلا:
(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)
(إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ)
(فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) .
الحذر طبيعته هو العمل مع اﻻحتياط ، هذا أن تعمل لكن تحتاط .. انتبه كذا .. انتبه، فأنت تعمل، أما الخوف فهو مُقعِد عن العمل ، ولذلك الذين يدخل إلى قلوبهم الخوف من غير الله يتوقفون عن العمل بل -والعياذ بالله - قد يقعون في شرك الخوف فلا يجوز. أما الخوف الطبيعي كفرار من عدو .. من أسد كما فرّ موسى عليه السلام وخرج من مصر أول اﻷمر هذا خوف طبيعي ﻻ يلُام فيه اﻹنسان. ﻻ يتصور البعض أن الشجاعة أنه ﻻ يخاف .. ﻻ، ولذلك فيه رواية في السيرة أن عمر رضي الله عنه لما أراد أن يهاجر وقف عند الكعبة أو في ملأ قريش وقال لهم إني مهاجر غدا فمن يريد أن تثكله أمه أو يفقده أباه أو غير ذلك فموعده كذا. هذه رواية ضعيفة. إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم محمد أشجع الخلق، أشجع الناس صلى الله عليه وسلم خرج متخفيا يريد المدينة من جهة الشمال بالنسبة لمكة يذهب إلى الجنوب لغار ثور ثلاثة أيام ويأخذ معه أبو بكر وعبد الله بن أُريقط الذي يدل الطريق خفيّ لا يعرفه أحد . الشجاعة ( ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) فإذا هذا معنى عظيم يغفل عنه البعض ، الذي يريد يواجه الناس ولم يستعد هذا تهور (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) أما مواجهة العدو ... ليست تهلكة كما في قصة أبي أيوب وبيانه لهذه اﻵية، أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه. هذه معاني تغيب عن بالنا أحيانا في فهمها.
فالشاهد أن موسى أعده الله لذلك ولما رأى هذه الحية وطمأنه الله ثم قال الله جل وعلا آية أخرى ( اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) وفي سورة طه (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ) آية أخرى بيضاء تلألأ نورا . هذه اﻵيات وجاءت آيات فيما بعد -كما سنمر عليها بإذن الله- لها دﻻلة ﻷن كل قوم وكل نبي يبعث إلى قومه معه آيات ، معه آية تختلف على حسب القوم والمجتمع وما كانوا يعيشونه ، كان السحر منتشرا في قوم فرعون - كما تعرفون في بعض البلاد اﻵن ينتشر السحر أكثر من غيرها- فجاءهم بآيات حقيقية وليست سحرا ، تعلو على السحر . كان في قريش الفصاحة - العرب - الفصاحة والبلاغة فكانت معجزة النبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن وتحداهم أن يأتوا بمثله ولو بسورة . فكل قوم له آية التي تناسبه. فموسى بدأ بهاتين اﻵيتين ﻷنهم يتعاملون مع السحرة ، والسحرة مقربون عند فرعون ( أَئِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) فجاء بآيات مكافئة بل أعظم يكون فيها التحدي ولم تكن الفصاحة هي المرادة ولذلك كان موسى عليه السلام في لسانه شيء وإن كان طلب أن يكون أخوه هارون عليه السلام معه لكن كانت هذه اﻵيات بداية ولذلك نأخذ منها من أراد أن يذهب إلى بلد، يدعو في بلد أن يعرف عادات البلد .. ما عليه الناس حتى كيف يتعامل معها، كيف يزيل ما فيها من باطل . محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - هذا اﻹمام العظيم لما ألّف رسالته مسائل الجاهلية مئة وثلاثون مسألة تقريبا أراد أن يقول هذه المسائل موجودة اﻵن - كانت في وقته - لم يرد أن يقدم بحثا أكاديميا ولذلك هناك من يقول ﻻ مسائل الجاهلية أكثر تبلغ مئتين أو أكثر، ﻻ .. هو ﻻ يقدم رسالة ماجستير أو دكتوراه أو نحوه هو يقول مسائل الجاهلية الموجودة في ذلك الوقت وﻻبد من القضاء عليها وفعلا سار في القضاء عليها ولذلك أحد الطلاب قدّم رسالة في مسائل الجاهلية وأثبت أن كل مسألة ذكرها اﻹمام محمد بن عبد الوهاب كانت موجودة في زمنه، عاد في بلده أو في بلاد أخرى، فإذا هكذا يجب أن يكون المُصلح أن يعرف ما عليه القوم .. ما عليه الناس ، كان الناس إذا جاؤا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو يعرف عاداتهم كما في قصة وفد عبد قيس وهم جاؤا من اﻷحساء - من البحربن - كانت تسمى البحرين وهي اﻷحساء التي فيما بعد فيها مسجد جواثا ، يتحدث معهم النبي صلى الله عليه وسلم كما لو كأنه يعيش معهم في اﻷحساء ﻷنه يكون أقرب للقلوب وأدعى ، وأيضا تكون معالجة المشكلات، ما يأتي إنسان - مثلا - في بلد ثم يذهب إلى بلد آخر ويتحدث عن مشكلات بلده هو في البلد اﻵخر، قد ﻻ يكون هناك علاقة وﻻ مقارنة. حينما تأتي لتعالج المشكلات الموجودة في هذا البلد، يحتاج منك إلى معرفة ويحتاج منك إلى خبرة وإلى كيف تتعامل معها، فموسى عليه السلام قبل أن يصل إلى فرعون جاء بهاتين اﻵيتين: العصا وما فيه من عجب المرافق لموسى إلى آخر مراحل حياته، وإخراج اليد بيضاء وهذا لماذا؟ ﻷن هناك مُعجزة وهناك كرامة وهناك سحر وشعوذة، المعجزة ﻻ تكون إﻻ لنبي، الكرامة تكون على يد الصالحين ومن عُرِف بالصلاح حتى ﻻ تختلط بشعوذات السحَرة والكهنة وغيرهم، فإذا جاء إنسان معروف بالفساد وجاء بشيء يُعتبر كرامة نقول هذه ليست كرامة ﻷن الكرامات ﻻ يُجريها الله جل وعلا إﻻ على يد الصالحين، وكم من كرامات أجريت، نجد كرامات عند المجاهدين ..نجد كرامات عند الدعاة وغيرهم لكن أُنبِّه : هناك من كذب وغالا في بعض كرامات المجاهدين، ﻻ نشك في صدق ووقوع كرامات للمجاهدين لكن باعتدال ، هناك يُنسب للمجاهدين كرامات أحيانا يقولون من تشجيع الجهاد وهي كذب وهي مصطنعة يجب أن ننتبه لهذا المعنى وأن هذا خطأ، يجب أن نذكر الحقيقة إذا وقعت كرامة لمجاهد أو لداعية أو لرجل على رجل صالح نقول هذه كرامة من الله جل وعلا، ليست معجزة، المعجزة انتهت بانتهاء النبوة .
أما الشعوذة وما يفعل الآن في وسائل الإعلام من السحرة وأشباههم التي - مع كل أسف - نترك أبناءنا أو بعض أبنائنا يُشاهدونها فيمن بُلي بهذه القنوات وغيرها هذا له أثر على عقيدتهم ومبدئهم. هذا معنى مهم جدا -أيها الأحبة- ولذلك هنا كانت البداية
وهو ينتقل ويُهيأ من أجل الذهاب إلى فرعون، انظروا كيف التهيئة تهيئة أولى حتى يُبعث، وتهيئة أخرى أيضا بعث وأرسل موسى عليه السلام. سنواصل معها بإذن الله ﻷثرها ودﻻلتها ووجوب استعداد العالم والداعية لمثل ذلك ﻷنهما مرحلتان أو مراحل أخذنا بعضها ونأخذ بعضها بإذن الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق