الأحد، 4 يناير 2015

تفسير سورة الزخرف (١-١٤) / د. رقية المحارب

د. رقية المحارب
الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، أحمده سبحانه وتعالى الذي نزّل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيرا، أحمده سبحانه وتعالى الذي أنزل على عبده الكتاب بالحق بشيرا ونذيرا، أحمده سبحانه وتعالى كما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه.
في هذه السورة سورة الزخرف يستفتح الله سبحانه وتعالى فاتحتها بالقسَم بالقرآن الكريم وهذا القسم الذي أقسم الله جل وعلا به في هذه السورة ﻷنها سورة من السور التي كان فيها نزول القرآن على قلب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكان الناس حينئذ ينكرون ويكذبون،  يكذبون بالتوحيد ويكذبون بالدِّين كله ويكذبون بشِرعة محمد صلى الله عليه وسلم التي جاءت لتُحيي شِرعة إبراهيم أو ملة إبراهيم فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ونَزَل عليه القرآن في قوم يدَّعون أنهم يتبعون ملة إبراهيم ومع ذلك ما كانوا يعرفون من ملة إبراهيم شيئا إلا مظاهر قد اجتاحتها البدع والضلالات واﻹحداثات التي أحدثوها من عند أنفسهم لم تكن من الله جل وعلا،  لم يُبتغى بها وجه الله جل وعلا،  لم تكن على عقيدة إبراهيم وﻻ على ملة إبراهيم. فحادوا عن التوحيد إلى الشرك، وحادوا عن التقرب إلى الله جل وعلا إلى التقرب إلى المخلوقين، ولم يجعلوا الله جل وعلا حَكما لهم في أنفسهم وﻻ في أموالهم وﻻ في أنعامهم وﻻ في أرزاقهم بل جعلوا الشياطين هي التي تحكم لهم وتقسِم لهم وتُفرِّق لهم وجعلوا لله من عباده جزءا وجعلوا للشياطين من خلْق الله ومما رزقهم جزءا فهم في هذا قد حادوا وضلوا عن طريق إبراهيم، المسلك الذي سلكه إبراهيم ومن جاء بعده ممن تبعه بإحسان إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي تبِع إبراهيم وأحيا ملته وأحيا عقيدة التوحيد وبعثها في نفوس الناس مرة أخرى.
لقد جاء هذا القرآن ونزل -كما في هذه السورة- من قول الله سبحانه وتعالى (حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) أي قسم أقسمه الله سبحانه وتعالى بالكتاب المبين: البين الواضح الجلي، وهل (حم ) هذه حرف أو حروف مقطعة كسائر الحروف أم هي قسم؟
بعض أهل التفسير يقول هي قسم، وبعضهم يقول هي من الحروف المقطعة. وعلى كل حال فأيا ما كان فالله أعلم بمراده.
أقسم الله جل وعلا بالكتاب المبين الذي أبان للناس شريعتهم، وأبان للناس عقيدتهم، وأبان للناس طريق الحق وطريق الضلال، أبان كل شيء فيه (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) [سورة اﻷنعام : 38] هذا القرآن البيّن الجلي الواضح أنزله الله جل وعلا بلغة العرب التي هي أفصح اللغات ولهذا قال سبحانه وتعالى (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وعلى كل حال فإني قد ذكرت من قبل أن القرآن ﻻ يقال فيه هذه اﻵية أو هذه الكلمة معناها هذه الكلمة، فإذا قال أهل التفسير (إِنَّا جَعَلْنَاهُ) أي أنزلناه  فليس على كل حال أن أنزلناه بمعنى جعلناه فإنها قد تكون اﻷقرب إليها معنى ولكنها تنفرد بمعنى مستقل، بمعنى ﻻ يقوم مقامه سواه وهذا معنى آيات الله جل وعلا،  والعرب تفهم الكلام وتفهم اللغة وتفهم تنزيلات اللغة، كل كلمة لها معناها ولها وصفها ولها حالها ولها قدرها فلا ينوب عنها كلمة أخرى ولكن أهل التفسير يُقرِّبون المعاني من أجل أن يفهمَه من ﻻ يفهم تلك الكلمة فيفهم الكلمة المقاربة لها.
قالوا في قوله (إِنَّا جَعَلْنَاهُ) أي إنا أنزلناه
 (قُرْآنًا عَرَبِيًّا) يعني قرآنا بلغة العرب فصيحا واضحا (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي لعلكم تفهمونه وتتدبرونه كما قال الله جل وعلا في غير هذا قال (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [سورة الشعراء : 195] والله جل وعلا يقول (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ) يعني القرآن ( لعلي حَكِيمٌ) بيّن الشرف في الملأ اﻷعلى يُشرِّفونه ويُعظمونه ويطيعوا أهل اﻷرض.
(وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ) قال أهل التفسير: أي في اللوح المحفوظ.
ويمكن أن يكون أيضاً (فِي أُمِّ الْكِتَابِ) يعني في سائر الكتب التي أنزلت على اﻷنبياء فهو منها بمنزلة عظيمة علِية، بمنزلة يعني بمكانة علية عظيمة وهو ذو شرف في هذه الكتب السابقة التي أنزلها الله جل وعلا على أنبيائه.
(حَكِيمٌ) أي مُحكم ﻻ يتناقض وﻻ يضطرب وﻻ يتعارض بل يؤيد بعضه بعضا ﻻ يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كما قال الله جل وعلا قبل (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [سورة فصلت : 42]، وهذا القرآن أنزله الله جل وعلا مُحكما فآياته أُحكمت ثم فُصلت كما جاء في موضع آخر فالقرآن مُحكم.
 ومن حكمة القرآن أيضا أنه على قِصر آياته ذو دﻻﻻت عظيمة بالغة اﻷثر وأنه لو أريد أن يُنظر في طُعُون فيه أو اختلاف فإنه لا يمكن أن يوجد فيه اختلاف أو تضارب لذلك قال الله جل وعلا في سورة النساء (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [سورة النساء : 82] فالله سبحانه وتعالى بيّن حكمة هذا القرآن وعظمته.
 وهو أيضا في اللوح المحفوظ -على قول من قال في أم الكتاب اللوح المحفوظ- هو في كتاب مكنون كما جاء في سورة الواقعة (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ*فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ*لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [سورة الواقعة : 77-79]  وقد جاء أيضاً في عبس (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ) [سورة عبس : 13-16]  فهو عليّ عند الله جل وعلا، والله سبحانه وتعالى قد جعل هذا القرآن مُطهّرا محفوظا كريما وإذا كان كذلك في الملأ اﻷعلى فينبغي أن يكون كذلك في أهل اﻷرض ولذلك استفاد أهل التفسير من هاتين اﻵيتين أنه ﻻ يمس القرآن إﻻ مُتطهر وأن المُحدِث ﻻ يمس القرآن وإن كان لم يرد نص صريح صحيح أن المُحدِث ﻻ يمس القرآن، لم يرد نص صريح صحيح في أن المُحدِث ﻻ يمس القرآن لكنهم استفادوا من هاتين اﻵيتين أن المُحدِث ﻻ يمس القرآن قالوا إذا كان أهل السماء لا يمسون القرآن إﻻ بطهارتهم وهم مطهرون أصلا فكذلك من أراد أن يمس القرآن فإنه يتشبه بهم في الطهارة كذلك.
وهذه السورة لما كانت من السور المكية جاء ذكر القرآن فيها ذكرا ظاهرا، يُذكر القرآن فيها يُقسم به ويُوصف وتُعلى مكانته ويُعلى شأنه ويُعظم أمره هذا كله ﻷجل أن الناس إنما ينتفعون بهذا القرآن أول ما ينتفعون ومن لم ينتفع بالقرآن لم يرفع له رأسا ولم ينتفع به ولم يتربى عليه فإنه لم يربه شيء، من لم يربه القرآن لم يُربِه شيء ولذلك كان الرعيل اﻷول يتربى على كتاب الله جل وعلا، أول ما تربى الناس تربوا على القرآن الكريم ومكث القرآن يربيهم ثلاثة عشر عاماً، يربيهم وهذه التربية لم تكن تربية مدارس يحفظون اليوم وغدا ينسَون، ﻻ ، وإنما كانت تربية أرواح، وتربية أنفس، وتربية قلوب، وتربية شخصيات، يتهذب الناس على هذا القرآن تهذيبا بديعا بليغا ويرسم القرآن لهم تصوراتهم رسما دقيقا فلا يحيدون عنه وﻻ يبتعدون عنه.
ولما كانت هذه القلوب والنفوس شاردة وبعيدة وقد اجتاحتها الجاهلية من كل جانب والشركيات من كل جانب احتاج الناس أن يعيشوا هذا القرآن مدة أطول متفكرين متأملين ناظرين فيه فكان أول ما أُمروا به في عباداتهم أن يُصغوا إليه كثيرا، وأن يتعبدوا به كثيرا، وأن يقوموا به كثيرا ولذلك من أوائل ما نزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا) [سورة المزمل : 1-7] فأنزل الله سبحانه وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم القرآن وأمره أن يتبتل به وأن يتعبد به وأن يقوم به الليالي الطوال، أن يقوم أكثر ليلِه وأن يتأمل فيه، وليس هذا اﻷمر له صلى الله عليه وسلم وحده بل له ولمن آمن معه فكان الناس الذين يدخلون في دينه، يدخلون في دين الله جل وعلا كانوا يقومون ومن أمثلة ذلك أو من دﻻئل ذلك أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه كان يقوم ويصلي وكانت تجتمع عليه النسوة وكان بكّاءا وكان النسوة يجتمعن يستمعن إليه حتى زجرته قريش عن هذا الفعل، فهم كانوا يقومون بالليل، كانوا يقومون بالقرآن ويرددونه وربما رددت اﻵية الواحدة في الليلة الواحدة من أولها إلى آخرها فيرددون اﻵية المرة والمرتين والثلاث والمئة مرة حتى تنطبع في قلوبهم وحتى تبصُم شخصياتهم على هذه المعاني التي نزلت في القرآن الكريم وﻻ عجب فهم ما كانوا يحتاجون في الحقيقة إلى تفسير وما كانوا يحتاجون إلى كتب وما كانوا يحتاجون إلى مدارس وﻻ إلى جامعات، كان يكفي أن ينزل القرآن عليهم فيفهمونه ولذلك قال الله جل وعلا (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) فهذا القرآن نزل عليهم لعلهم يعقلون، جعله بلسانهم وبلغتهم فهم يفهمونه وﻻ يحتاجون أبدا من يُفهمهم وﻻ يحتاجون من يُفسر لهم وﻻ يحتاجون من يفلسف لهم وﻻ يحتاجون شيئا أبدا، مجرد يحتاجون شيئا واحدا فقط هو هداية الله جل وعلا، هو أن يفتح الله جل وعلا قلوبهم لهذا القرآن، وإذا فتح الله قلوبهم لهذا القرآن فإنهم ينعمون به نعماء عظيمة، أما إذا لم يفتح الله جل وعلا قلوبهم فإنهم يقولون ﻻ تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون، يجعلون أصابعهم في آذانهم ويستغشون ثيابهم ويُصرون ويستكبرون استكبارا، فمن لم يرد الله جل وعلا أن يهديه فإنه لن يرفع بذلك رأسا ولن يسمع له ولن يُصغِ له كما قال الله جل وعلا (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ) [سورة اﻷنعام : 125]  فالله جل وعلا هو الذي يُنزل الهدى وهو الذي يفتح القلوب لكلام الله جل وعلا.  كان الصحابة يستمعون إلى كلام الله سبحانه تعالى ويصغون إليه حتى نشأ هذا الجيل في هذه السنوات الثلاثة عشر أو اﻷقل من ذلك -على حسب إسلام من أسلم ودخل في اﻹسلام- كانوا يستمعون إليه وكانوا يتتبعونه وإذا آمن الرجل ولو كان هذا الرجل الذي آمن كن أبغض ما يبغض محمد بن عبد الله ثم إذا آمن أصبح أحب من يحب محمد بن عبد الله فكيف يتغير اﻹنسان ما بين عشية وضحاها!! إنه هدى الله يهدي به من يشاء ولذلك جاء في قول الله تعالى في سورة اﻹسراء (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) فالقضية هي: أن القرآن إذا فتحت القلوب له سيهدي للتي هي أقوم وسيُفهم وسيصبغ اﻷنفس بصبغة عالية جدا، صبغة خلق عالي جدا، النبي صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن، القرآن كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك أثّر كثيرا في أصحابه فإذا أسلم الرجل منهم تخلّق بأخلاق القرآن ورجع إلى القرآن وكان رجّاعا إليه وبمجرد ما يدخل في اﻹسلام ويسمع القرآن يُتلى عليه يتغير مئة وثمانين درجة، ومن نظر في سيرة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الرجل الذي يقف شديدا عنيدا عنيفا يلطم وجه أخته ليأخذ منها الصحيفة التي تقرأ فيها مجرد ما يسمع اﻵيات وتُفتح نفسه لها، يعني يشرب قلبه هذه اﻵيات ويهديه الله جل وعلا لها تجدينه إنسان آخر تماما، إنسان بكاء -يبكي- إنسان يخاف الله، إنسان يهذب نفسه، يقوم يوم من الأيام وهو خليفة قبل أن يخطب تأتيه مشاعر وهذه المشاعر تضطرب في نفسه ثم يصعد على المنبر ويقول لو رأيتموني وأنا يضربني الخطاب على رعي الغنم فلما نزل من على المنبر قال له ابنه عبد الله، قال: ما دفعك لهذا يا أمير المؤمنين -كأنه يقول لم يكن هناك داعي ﻷن تُذكِّر الناس بأنك كنت في صغرك يضربك أبوك وأنت في هذا المقام مقام الخلافة- قال: جاءتني نفسي -اﻷمارة بالسؤ- وقالت بخ بخ عمر بن الخطاب أمير المؤمنين.  فكّر في نفسه، رأى في نفسه أنه عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ بخ -من مثلك ليس مثلك أحد- فأردت أن أكسرها. فأراد أن يكسر نفسه من أجل أنها قالت عمر بن الخطاب أمير المؤمنين.
فلذلك كانوا يتربون على القرآن ليُغيرهم ليجعل الواحد منهم بعد أن كان شيئا صار شيئا آخر فيتغيرون بهذا مئة وثمانين درجة، من البغض إلى الحب، من الشدة إلى اللين، من الجريمة إلى اﻷمانة، من الفاحشة إلى العفاف، كل ذلك من أجل هذا الدين.
جاء رجل إلى اﻷحنف بن قيس وقال له: يا أحنف هل زنيت قط؟ قال: أما بعد اﻹسلام فلا.  فقط هذا الجواب. جاءه مرة أخرى قال: يا أحنف تعرفني؟ قال : رجل سوء. لماذا؟ ﻷنه سأله سؤالا ﻻ داعي له. قال: أوصني، قال : من حسن إسلام المرء تركه ماﻻ يعنيه.  لماذا تسأل عن شيء ما لك فيه! فهؤﻻء القوم الذين تربوا على القرآن سواء كان الرعيل اﻷول الذي تربى على القرآن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الذين تربوا مع من تربى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كل هؤلاء هم الجيل القرآني الذي عاش عيشة لم تكن لدراسة، لم يأخذوا القرآن لدراسة وﻻ جامعة وﻻ شهادات وﻻ درجات وﻻ شيء، أخذوا القرآن للقرآن، لم يكن الواحد منهم يقرأ القرآن هذرمة، لم يكن يعتني بأن يختم، كان يعتني بأن يفهم، كان يعتني بأن يؤمن ولذلك كانوا ﻻ يأخذون بأكثر من عشر آيات يحفظونها ويتدارسونها ويتأملونها ويؤمنون بها ويعملون بها ثم إذا جاء من الغد أخذوا مثلها وهكذا، لم؟ ﻷنهم كانوا يريدون أن يعيشوا القرآن، أن يحييوا القرآن، أن يؤمنوا بالقرآن. هذا الجيل هو الجيل الذي رباه القرآن، هؤلاء استمعوا إلى قول الله جل وعلا
(حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) فهم بالفعل عَقلُوا هذا القرآن وأحسوه وعاشوه وتأملوه ودعوا إليه، ولذلك كان الواحد إذا سألهم من أنتم؟ يقولون نحن قو كنا نفعل ونفعل، كنا نقتل أوﻻدنا -كانوا يقتلون أوﻻدهم خشية اﻹملاق وكانوا يئدون البنات- يعني كانت عندهم حياة من الفوضى عظيمة... عجيبة، من الفوضى الزيجات عندهم عشر أنواع من الزيجات، الفوضى كانت حتى في أعراضهم، كان من أنواع الزيجات عندهم أن المرأة تنصب راية ويدخل عليها في الليلة الواحدة العدد عشرة...ثمانية وإذا حملت نسبته ﻷي واحد فيهم، يعني هذا شيء من الفوضى ، هذا نوع من الفوضى اﻻجتماعية.
 من الفوضى اﻻجتماعية التي كانت عندهم أيضاً كان الرجل إذا لم يكن سريا إذا كان ضعيف أو فقير أو ليس له شرف يقول لزوجته اذهبي لفلان استبضعي لنا منه؟ احملي-اذهبي احملي من فلان- هذا من الغباء ﻷنها إذا حملت لن يكون ولدك سيكون ولد فلان.
 هذه الحياة اﻻجتماعية التي كانوا يعيشونها، كانوا يشربون الخمور ويسمعون القِيان، كانوا يمارسون جميع أنواع الفجور، ليس هذا فحسب بل كان فيهم من الجهل أنهم يصنعون التماثيل ويعبدونها وكانوا يصنعون بعضا منها من التمر فإذا جاعوا أكلوه، وكل هذا اﻷمر كان في أول ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم، خرج والناس على هذه الجاهلية الجهلاء العظيمة، فلما نزل القرآن لم ينزل باﻷحكام تفصيلا وإنما مكث ثلاثة عشر عاماً يعلمهم العقيدة، يربيهم، يهذِّب نفوسهم، يعلمهم كيف يقومون الليل يعلمهم كيف يُصغون للقرآن، يُناقشهم، يُجادلهم، يُحاورهم، يبعث في نفوسهم الحب، يبعث في نفوسهم التعلّق به، يبعث في نفوسهم الخوف منه، يبعث في نفوسهم العقائد بالبعث والحشر والنشر والحساب كل ذلك لماذا؟  للتهيئة، التهيئة هذه لم تكن لذاك الجيل، ﻻ تظنوا أنهم كانوا يهيؤون لجيل واحد ينتهي، ﻻ، إنهم كانوا يهيؤون للدنيا ﻷن هذا الجيل هو الذي نقل هذا الدين ونقل اﻹسلام، هو الذي نشر العقيدة بعد ذلك، هو الذي حفِظ هذا الدين، هو الذي  كان إرساء قواعد الدين عليه، فلابد أن يتهيأ تهيئة هكذا بهذا الطول من اﻹحسان، من اﻷخلاق، من اﻻعتقاد، من القِيم، كانوا بحاجة إلى قيم، في كثير من شؤونهم ما كان عندهم قيم. الله يقول (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)
كانوا يرثون النساء. هذه كانت جاهلية وﻻ تزال هذه الجاهلية موجودة حتى اليوم، الجاهلية الغربية اﻵن يقولون الغرب المرأة مكرمة، الحقيقة الغرب المرأة ليست مكرمة، رأيت مشهد باﻷمس جاءني كانت واحدة من هؤﻻء الليبراليات المغشوشات بالسيداو وغيره فكانت تسأل واحدة تعيش في فرنسا وتسألها عن قيادة السيارة بحكم أننا اليوم في معمعة السيارة وقيادة السيارة..الخ، فتسألها عن قيادة السيارة وتقول وهي امرأة متبرجة ليست محجبة حتى وسافرة -هذه المرأة المسؤولة التي تعيش في فرنسا- تقول أتمنى عندي سائق يوصلني ويوقفني عند المحل دون أن أبحث عن باركينج ... تفكر بطريقة الراحة أنتم اﻵن مرتاحين، قالت ليس هذا أنا ﻻ أتكلم عن هذه القضية، تكلمت عن قضية ثانية، المرأة السائلة لها ليبرالية وما تظن أنها ستتكلم بهذا الكلام لكنها كان حقا صفعتها به دون قصد أو بقصد -الله أعلم-  ﻷنها ليست إسلامية ليُقال إسلامية، قالت: في فرنسا إذا أرادت المرأة أن تبيع دارها الذي هو ملكها ﻻبد أن تأخذ موافقة زوجها وأنا أعرف -تقول هذه المرأة- أنكم في السعودية المرأة تشتري أرضا وتبيعها وتشتري عقار وتبيعه من غير أن تأخذ إذنا منه وﻻ تحتاج موافقة منه. فسبحان الله العظيم كانت اللطمة ﻷن هؤﻻء في الحقيقة لم يستقوا علومهم وﻻ حياتهم وﻻ قيمهم وﻻ تصوراتهم وﻻ مبادءهم لم يستقوها من القرآن وﻻ يريدون أن يستقوها من القرآن ولذلك يضيعون ضياعا شديدا.
 الجيل الذي رباه القرآن، رباه هذه السنين الطويلة كان هو أفضل جيل مع نبيه على وجه اﻷرض لماذا؟  ﻷن هذا الجيل كما وصفه الله سبحانه وتعالى قال (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) لماذا يا ترى؟ (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) [سورة آل عمران : 110 ] فهذه أعظم أوصاف هذا الجيل الجيل الرباني، الجيل العظيم الذي أثنى الله سبحانه وتعالى عليه.
/ قال الله جل وعلا (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ) [سورة الزخرف : 5] أتظنون أنكم إذا كنتم مسرفون، أسرفتم أن هذا يدفع إلى أن نضرب عنكم الذِكر ولا نعِظكم؟  وهذه الآية حُجة لمن يأمر بالمعروف ولو للمُعرضين ومن ينصح المُعرضين ومن يجادل المُعرضين ومن يعظ المعرضين ولو أعرضوا ولو ازدادوا إعراضا فإنه ينبغي للواعظ، للناصح، للصالح أن يستمر في دعوتهم وأﻻّ يُعرض عنهم ﻷن الله جل وعلا يقول (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ) هل تظنون أو تحسبون أن نصفح عنكم وﻻ نعظكم.
وأيضا لها تفسير آخروهو: هل تظنون أن نضرب عنكم ونصفح عنكم وﻻ نعذبكم وأنتم على ما أنتم عليه ولم تفعلوا ما أُمرتم به. هذا قاله ابن عباس واختاره ابن جرير.
قال قتادة: "والله لو أن هذا القرآن رُفع حين ردته أوائل هذه اﻷمة لهلكوا" وهذا معنى أيضاً دقيق وهو أنه أفإن رددتم هذا القرآن أفنضرب عنكم الذكر صفحا يعني خلاص ما ننصحكم به سيأتي بعدكم أقوام ينتصحون به وينتفعون به، ولذلك لما بعث الله ملك الجبال إلى محمد صلى الله عليه وسلم وقال جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ملك الجبال مُره بما شئت، مُره بأمرك إن شئت أن يطبق عليهم اﻷخشبين أطبقه، قال ﻻ ولكني أرجوا أن يخرج الله من ظهورهم قوم يعبدون الله أو يوحدون الله كما جاء في الحديث(1) . فالقضية ليست قضية من تأمرينه أو من تأمريه وتنهيهه، لا،  ليست القضية هي قضية من نأمره وننهاه ولكن القضية هي قضية بقاء اﻷمر وبقاء النهي شاهدا للداعي إلى الله جل وعلا العالِم به، فالعالم باﻷمر والنهي يجب أن يظهره وإن لم يُستجب له لماذا؟ ﻷنه يصل هذا اﻷمر والنهي إلى قوم آخرين تحيا به قلوبهم. وبالفعل الحقيقة من ينظر في المسلمين هناك أعداد كبيرة من الناس يدخلون في دين الله جل وعلا لم تكن آباؤهم على ملة اﻹسلام. عندنا في جامعة اﻷميرة نورة اﻵن نحو أربعمائة طالبة غير ناطقات باللغة العربية على أني أذكر منذ زمن -كنت أُدرسهم- ما كانوا يتجاوزون العشرة واﻵن أربعمائة، العدد كبير ومتزايد ولو فُتح لهم المجال لجاؤا أفواجا.  زُرت جامعة أفريقيا كان في السكن الداخلي الذي يحتوي الطالبات من جميع الجنسيات نحو سبعمائة طالبة في شظف من العيش شديد ومع ذلك جاؤا يريدون أن يتعلموا القرآن ويتعلموا اﻹسلام ويدرسوا السنة ولو فُتح لهم مجال لرأينا أن هذا العدد يزيد أضعافا مضاعفة يمكن نضربها في اﻷلف وليس في العشرة لماذا؟ ﻷن الناس يريدون هذا الدين، على ماذا؟ لِم؟ أهله في ظاهرهم اﻻقتصادي مضطربين، في ظاهرهم السياسي متناحرين، في ظاهرهم اﻷخلاقي -لا أريد أن أقول شيئا- إذا ما الذي عند هؤلاء القوم، هؤﻻء العرب! ما الذي عندهم يجعل أولئك الذين جاؤوا من حضارة يدخلون في دين الله أفواجا؟! لِم؟ للحق الذي يظهره الله سبحانه وتعالى، من الذي يظهر هذا الحق؟ إنهم الدعاة إلى الله جل وعلا، الذين يقومون بأمر الله جل وعلا وينتسبون إلى رسل الله جل وعلا فيرفعون نفس الشِعار ونفس الراية، ﻻ تظني أن الدين يبلغ بكِ وإنما الدين يبلغ بالله. والله جل وعلا قال لنبيه إبراهيم (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا) وإبراهيم أذن أين؟ وبماذا؟ لا إنترنت ولا إعلام ولا شيء، في صحراء قاحلة وبلغ كل مكان، الآن الحجّ هناك أناس قادمون من روسيا وأُناس قادمون من الصين وأُناس قادمون من استراليا ومن الهند ومن أمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية، ومن أقاصي أفريقيا والله ترينهم وأنتِ تطوفين بالبيت لا يعرفون حرفا من العربية، يعني عجيب هذا المجيء، عجيب لهذا الدين، لِم؟ وهناك من يدخل في الإسلام من تلك القبائل الأفريقية يدخلون زُرافات ليسوا وُحدانا، يدخلون بالجملة. واحدة من طالباتي تكلمني ويصلهم إعانات يسيرة كل شهر وفي آخر مُكالمة كلمتني قالت أبشرك دخلت الإسلام قرية كاملة، قرية كاملة دخلت الإسلام من أجل هذه الإعانات اليسيرة، أسأل الله سبحانه وتعالى ألاّ يحرِم صاحبتها أجرها.
فيا أخواتي الكريمات هذا الدين يبلُغ فلا نقول ما سمعونا ندعُهم ،لا (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ) وهذا القول الأقرب إلى نفسي لأن الله جل وعلا قال بعده (وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ) يعني هذه الآية تعقيب على أن هذا المراد وليس المراد العذاب (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ) أنه العذاب وإن كان محمل حمله بعض أهل التفسير وحمله بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن الأقرب -والله أعلم- الرأي الآخر أو القول الآخر وهو: أنه وإن كذب به قوم فإنه لا يُترك الأمر والنهي لأجل أنهم كذبوا لأن الله جل وعلا لا يزال يُرسل الرسل تترا ولو كذّب قوم رسولهم جاء الله جل وعلا برسول آخر وثاني وثالث وهذا ظاهر كما في سورة يس قال الله جل وعلا (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ) فلابد أن يظهر هذا الحق ولابد أن يكون له رجاله.
/ قال الله جل وعلا (وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ) يعني في شِيع الأولين. (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) يعني كذلك إن كان هؤلاء يكذبون ويُسرفون ويستهزؤن فإن الأنبياء من قبل كانوا يأتون أقوامهم وأقوامهم تستهزئ بهم ولا أدلّ من استهزاء قوم نوح أو قوم لوط أوقوم صالح كلهم كانت أقوامهم تستهزئ بهم ومع ذلك كان الأنبياء يصبرون ويتحملون ولا يبدلون ولا يُغيرون ولا ييأسون بل يدعون أقوامهم ليلا ونهارا سرا وجِهارا ويُعلنون لهم ويُسرّون لهم ويفعلون كل ما يمكن أن يفعلوه، وقد يؤمن بهم من يؤمن من الأباعد ويكفر بهم من يكفر من الأقارب.
/ قال الله جل وعلا (فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَىٰ مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) وهذه الآية (فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا) يعني إذا كذبوا وعاندوا واستمروا على ما هموفيه من العِناد فإن الله جلا وعلا سيُهلكهم (فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا) أهلكنا المكذبين بالرُسل قد كانوا أشدّ بطشا من هؤلاء المكذبين لك يا محمد كقول الله عز وجل (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً) [غافر:٤٠] والآيات في هذا النحو وفي هذا الباب كثيرة متظافرة في هذا المعنى.
 / يقول الله سبحانه وتعالى -وهذا دأب السور المكية- مناقشة قضية العقيدة يقول الله جل وعلا (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) التي هي قضية توحيد الربوبية يُقرُّ بها مشركوا قريش فلو سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم . هل هم يقولون الحقيقة خلقهن العزيز العليم؟ هم يقولون ذلك أو يقولون خلقهن الله خلقهن العزيز العليم، العزيز العليم ﻻ يقولونه بألسنتهم شهادة وإنما يقولون ذلك باعتمادهم عليه ورجوعهم إليه وإقرارهم بعلمه وإقرارهم بعزته فهم إذا خُذلوا استنصروا به، وإذا مرضوا استشفوا به، وإذا يئسوا اعتمدوا عليه واتكؤا على ذلك، وﻻ أدلّ من أنهم يذبحون القرابين لله جل وعلا إذا يئسوا من غير الله جل وعلا.  والدليل على أن المقصود أن القول هذا من قول الله جل وعلا وليس مقول قولهم، ﻻ يظن ظان أن هذا مقول قولهم (لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) وإنما يُدلُون بذلك، يقرون به إقرارا ﻷن اﻵيات التي بعدها تدل على ان القائل هو رب العالمين جل وعلا قال (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) فهو العزيز العليم الذي جعل لكم اﻷرض مهدا وهكذا هم رأوا هذا وأقرُّوا به وتعايشوا مع حياتهم مُقرِّين بربوبية الله جل وعلا مُدلين بها له قال جل وعلا (وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)  والسبل يعني: الطرق، (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) لعلكم تصلون إلى مُرادكم.، فكما ان الله جل وعلا جعل لكم فيها السبل لعلكم تهتدون فكذلك أفلا تهتدون إلى طريق الله جل وعلا الذي شرعه لكم ودعاكم إليه وحثكم عليه وأرسل فيكم رُسله وأنزل فيكم كتبه وبيّن لكم المعجزات الظاهرات البينات أفلا تؤبون إليه وتعودون إليه وتسلكون طريقه!! وهذا الطريق طريق بيّن واضح له معالِمه، هذا الطريق الذي شرعه الله لكم طريق واضح له معالم ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا) كما في سورة الشورى كما وصى به نوحا والنبيين فوصى إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم كلهم وصاهم بماذا؟ (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) هذا هو الحق وهذا هو الواقع.
/ قال الله جل وعلا (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ) الماء الذي أنزله الله جل وعلا أنزله بقدر أي بحسب الكفاية لزروعكم وثماركم وشربكم ﻷنفسكم ولأنعامكم ولو شاء الله جل وعلا لزاده، اﻵن لو زيد الماء مكعبا -متر في متر- أو زيدت سرعة نزول الماء غرِق الناس فالله جل وعلا يُنزل الماء بقدر، ثم من إنزاله الماء بقدر أنه يُنزله في بقاع فتنمو به وتحيا به ظاهره ويُسرِّبه من هذه البقاع لبقاع أخرى تتوازن به باطنا فيجعل الله لهذه البقاع ماء باطنا ويجعل الله لهذه البقاع ماء ظاهرا، وينبت بهذا الماء الظاهر شجرا له ثمر وينبت بهذا الماء الباطن شجرا له ثمر، وإن شاء جعل فيها جنات متجاورات، وإن شاء جعل الماء مالحا وإن شاء جعله عذبا وإن شاء يجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا، تنبت هذه الزهرة لونها أصفر واﻷخرى أحمر واﻷخرى أبيض واﻷخرى بنفسجي وكلها تُسقى بماء واحد، وتنبُت هذه الثمرة بعضها نصفها أحمر وبعضها أصفر، وتنبت هذه الشجرة بجانب شجرة أخرى هذه تنبت التفاح وتلك تنبت الحنظل وكلها تشرب من ماء واحد وتطعم من تربة واحدة فمن الذي خلق وقدّر؟ الله جل وعلا (نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍفَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا) فالله سبحانه وتعالى يُنشِر يعني يُحيي، وإذا أنزل الله سبحانه وتعالى عليها الماء تهتز وتُربي وتُنبت من كل زوج بهيج.
/ ثم يُنبه الله سبحانه وتعالى إلى قضية مهمة، القضية التي من أجلها جعل هذه اﻵيات كلها، من أجلها جعل الله هذه اﻵيات كلها هي قضية اﻹصلاح للعقيدة لذلك قال (كَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ) حينما يُصلِح الله جل وعلا قِيم الناس، مبادئ الناس فإنه ﻻ يصلحها بحالة واحدة أسلوب واحد، طريقة واحدة، ﻻ، يُصلحها سبحانه وتعالى بشتى اﻷنواع، مرة مباشرة، ومرة يعِظها عِظة، ومرة يُقنعاها، ومرة يُحرِّكها، مرة يحرك حِسها الظاهر -بصرها وسمعها- مرة يُحرِّك قلوبها، مرة يُحرِّك وجدانها وعواطفها، فالله سبحانه وتعالى يُحرك هذه الضمائر بجميع الأساليب. ولو أن إنسان أراد أن يعيش مع السور المكية ليستلهم منها أساليب وطُرق إحياء الفطرة، الفطرة موجودة تحتاج إلى أن تحيا، كيف تحيا؟ كيف أحياها القرآن؟ القرآن مرات أحياها بأنه يصدِمها صدما، يلطِمها، أحياناً بعض الناس يحتاج أنكِ تُنبهيه، وأحيانا تشاورينه وأحيانا تلطمينه على وجهه حتى يستيقظ، فبعض الناس يمكن أن ينفع معاه هذا اﻷسلوب أو هذا اﻷسلوب أو هذا اﻷسلوب، فإذا لم ينفع معه وﻻ أسلوب مالذي يحدث؟ تقولين هذا اﻹنسان ميت لا فائدة فيه، لذلك قال الله جل وعلا (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) [الأنعام:١٢٢] هذا المثل يفهمه بعض الناس الذين لديهم قدرة على أن يتخيلوا ويتصوروا ويُقنعهم الكلام، فهكذا الله جل وعلا ضرب المثل قال (كَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ)  .
/ قال (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ) والعجب في هذا أن الله سبحانه وتعالى نبههم على الفلك واﻷنعام؟ لماذا اﻷنعام بالذات يا ترى؟ ﻷنهم الله جل وعلا خلق لهم اﻷنعام ثم هُم بعد ذلك شرعوا فيها شرائع واقتطعوا منها شيئا لله وشيئا لغير الله وجعلوا شركاء لله في اﻷنعام ويا ليته يعني -استغفر الله- وإن كان يعني من الغباء الزائد والظلم واﻹجحاف أنهم إن تكن جيدة فهي لشركائهم وإن تكن رديئة فهي لله والدليل على ذلك في سورة اﻷنعام (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَٰذَا لِشُرَكَائِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ..) [الأنعام:١٣٦] هذا نوع من أنواع الإجحاف حتى في القسمة مع أنه ﻻ يجوز القسمة بين شركائهم وبين رب العالمين لكن لماذا سيق إليهم هذا؟ سيق إليهم -على الأقل- ليفهموا .. ليتنبهوا، إذا بهم ﻻ يتنبهون وﻻ يفقهون.
 هذه السورة سورة الزخرف تعرض كثيرا لما تعرضه سورة اﻷنعام، هذه السورة تعرض كثيرا لما تعرض له سورة اﻷنعام من بيان اﻹجحاف وهناك في اﻷنعام بيّن الله جل وعلا اﻹجحاف في اﻷنعام وهنا بيّن إجحافهم مع اﻷنعام بيّن إجحافهم في شيء آخر وهو (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا) يجعلوا لله البنات سبحانه فهم يجعلون لله سبحانه وتعالى البنات -كما سيأتي في الآيات القادمة-(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا ۚ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ) فهم في هذا يُجحفون وهم يدّعُون أن الله هو ربهم وهو الذي خلقهم وهو الذي نزّل من السماء ماء بقدر فهم مُتفقون على ذلك مُقِرُّون به إذا لماذا تشركون به!! لماذا تصرِفون العبادة لغير الله!! بما أنكم تدينون بالربوبية ﻻبد أن تدينوا باﻷلوهية.
/ قال الله جل وعلا (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ) والحقيقة أن هذا الحوار وهذا الخطاب كان بخطاب ماذا؟ كان الكلام بالمخاطب -بكاف الخطاب- بلغة المخاطَب المُباشِر لماذا يا ترى؟ ما قال الله جل وعلا: "الذي خلق اﻷزواج كلها وجعل لهم من الفُلك واﻷنعام ما يركبون" قال (وَجَعَلَ لَكُمْ)؟ ﻷنه أكثر أثرا في نفوسهم ﻷنه أقامهم مُقام المُحاوَر الذي يُنتظر منه الإجابة والرد، يُنتظر منه أن يُجيب وأن يرد، فإذا لم يُجِب ولم يرُد فإن هذا يعني أنه بُهِت، إذا لم يُجب ولم يرد فمعنى هذا أنه بهت ولم يستطع أن أو لم تقُم له حُجّة ﻷن الحُجّة إذا لم تقم في مقام الحوار بالاحتجاج عليه دلّ على أن صاحبها مغلوب .. مبهوت.
هذا هو اﻷسلوب القرآني العميق في النفوس الذي يحتاج إلى أن تستلهمه اﻷرواح لتطمئن وتستقر وتبني صورتها عليه وحينئذ ﻻ تُغيرها جنود اﻷرض جميعا وﻻ تُبدل قيمها أموال اﻷرض جميعا ولذلك من عاش مع هذا القرآن لم يتغير ولم يتبدل إذا ثبته رب العالمين.
/ قال الله جل وعلا (لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) تستووا على ظهوره: يعني على ظهور تلك اﻷنعام (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) ويمكن أيضا لتستووا على ظهوره أي اﻷنعام أو الفلك، أو ما شاء الله مما خلقه لكم لتركبوه فـ (لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) أن الله سخّره لكم والله جل وعلا هو الذي سّخر، كيف يُسخّر الله هذه الدواب وهذه اﻷنعام للناس!! سخرها وجعل هذا اﻹنسان أقوى مخلوق يمكن أن تُسخر له جميع المخلوقات، سخّرها الله سبحانه وتعالى له.  كنت باﻷمس أطّلِع على دراسة لقياس عضة اﻹنسان، اﻹنسان العادي عضته قوتها (٥٨) وات أقوى ما يمكن أن يكون (٥٧) ، رجل قوي يصل  (٧٥)، السلحفاة تصل عضتها إلى (٢٥٠٠)، اﻹنسان ضعيف جدا ومع ذلك سخرها ...
فهذه دﻻئل على أن هذا اﻹنسان مع ضعفه (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) [النساء:٢٨]  إﻻ أنه استطاع أن يُسخر الله له هذه الحيوانات المفترسة الشديدة، سخرها الله سبحانه وتعالى له، وليس مجرد تسخير إنما تسخير تذليل مُذللة له (وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ) [يس:٧٢]  ليس ركوب فقط وإنما يأكلونها أيضاً، لذلك اﻹنسان -سبحان الله- الله جل وعلا سخّر له وذلَّل له كل هذا من أجل ماذا؟ من أجل أنه يظهر عبادة الله جل وعلا وإﻻ تلك تعبد الله جل وعلا لكن هذا يظهر عبادة الله سبحانه وتعالى ويدعو إليه وعليه أن يذكر نعمة ربه عليه قال جل وعلا (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) قال ابن عباس: مُقرنين يعني مُطيقين، ويمكن أن يكون معنى مُقرنين يعني ما كنا قادرين على تذليله، (وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) ما كنا مُذلِلين له، فلسنا قُرناء له في القوة حتى نُذللـه  وتعلمون أنتم أن الحيوانات بعضها يغلب بعضا بالقوة فالسريع يغلب غير السريع وذو اﻷنياب يغلب غير ذي اﻷنياب وهكذا، ذو العضة اﻷقوى يغلب ذو العضة اﻷقل، لكن -سبحان الله- هذا اﻹنسان يستطيع أنه يُذلل كل هذه الكائنات وهذه الحيوان فعليه أن يقول "سبحان الذي سخر لنا هذا...مقرنين" وليس هذا فقط (وَإِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) القضية قضية عقيدة.
 لماذا نقول (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ)؟
يعني نتعبد لله سبحانه وتعالى ﻷننا سنُحاسب على ذلك، وهنا ينبغي للعبد أن يتذكر أنه سيُحاسب فلا يركبها إذا لم تكن مركبا، هذا واحد: غير صالحة للركوب ﻻ يركبها، ﻻ يركب بقرة وﻻ يركب شاة، ﻻ يركب مالا يُركب. هذا واحد.
الثاني: إذا ركبها فلا يتخذها كراسي -لا يتخذها كرسي- يجلس عليها فقط ليستمتع بالركوب عليها،لا، وإنما يركب عليها ليبلغ بها حاجته (وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ) [غافر:٨٠] .
الثالث: أنه عليه إذا ركبها أن يتقي الله جل وعلا فيها فيركبها صالحة ويدعُها صالحة، "يركبها سالمة ويبتدرها سالمة" -يعني يتركها- سالمة، ﻻ تركبها وتُنهيها تماما -ينقطع حيلها- حتى يبقى في عظمها شيء حيث أنها ترجع تشرب وتأكل.
-أيضاً: إذا ركبها ومرّ بالجَدَب يسرع على الجدب "إذا مر بالجدب استنجا" يعني طلب النجاة، أسرع بها يعني فلم يُعرِّس ولم يقف ﻷنها ستعطش ويطول عليها الوقت من غير طعام، وإذا مرّ بالخصب فإنه يفك لِجامها عنها، يخلي بينها وبين فكِّها -يجعلها تأكل- كل هذا ورد في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدقة والتفصيل. إذا الله جل وعلا يعِظنا فيها، فإذا كان الله جل وعلا يعِظنا في الحيوان ، يُعلمنا كيف نتعامل معه ويُذكِّرنا ويقول (وَإِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) تذكروا أنكم ستنقلبون إلى الله جل وعلا وتصيرون إليه بعد مماتكم فإنه لابد أن يتقي الإنسان الله في هذه البهائم.
شيء آخر: تذكير الله جل وعلا للناس أنهم مُنقلبون إلى الله جل وعلا في مثل هذا الموطن يجعلهم يتذكرون بما أنكم أنتم سائرون .. يضرب مثلا في سيرهم على الدواب بالسير إلى الدار الآخرة ، وينبغي للإنسان المُسلم أن يربط دائما الدنيا بالآخرة، يربط سيره .. يربط حجه .. يربط عبادته .. يربط دراسته .. يربط حمله .. يربط ولادته، كل شيء تربطينه بالدار الآخرة، أليس الله جل وعلا ضرب لنا بذلك مثلا؟ ( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) فهنا الله جل وعلا يُذكِّرنا دائما بالحياة الدنيا مع الآخرة، يُذكِّرنا في كل شيء بالآخرة .. بالمرجع .. بالمآل .. بالعودة إلى الله جل وعلا ولذلك يُذكّر الإنسان دائما بالآخرة والنبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع هذه الفكرة من ذهنه أبدا، مرّ بطريق ومعه أصحابه وإذا بشاة ميتة ومنتفخة -وإذا انتفخت ماذا يحصل لها؟ رجلاها تتشوه- مر على شاة شائلة برجلها -مشوّل أي رافع- قال: أترون هذه هينة على أهلها؟ قالوا: يا رسول الله لو ما هانت ما ألقوها، قال: والله للدنيا أهون على الله من هذه على صاحبها...(٢)
 [هنا انقطع التسجيل الصوتي]        
 __________________________________
 ١- (عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ قال: لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك فما شئت إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا) متفق عليه.
 ٢- أخرج الحاكم وصححه عن سهل رضي الله عنه قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة فرأى شاة شائلة برجلها فقال: «أترون هذه الشاة هينة على صاحبها؟» قالوا: نعم يا رسول الله. قال: «والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على صاحبها، ولو كانت تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقي الكافر منها شربة ماء».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق