فضيلة الشيخ/د. محمد الربيعة
الحمد الله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
أسأل الله عز وجل أن يرزقنا فهم كتابه والعلم به والعمل ويجعلنا من أهله في الدنيا والآخرة .نبتدئ الحديث بعون الله وتوفيقه بالحديث عن سورة البقرة ، وقد تحدثنا في الدرس الماضي عن سور الفاتحة وهي أعظم سورة في كتاب الله - عز وجل - وأتحدث عن جزء من سورة البقرة في هذه الدروس الباقية .
/ سورة البقرة سورة عظيمة أنزلها الله - سبحانه وتعالى - على هذه الأمة وقد استغرق نزولها عشر سنوات من أول الهجرة إلى آخر حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - فمنها ما نزل في أول الهجرة ومنها آخر ما نزل من القرآن وهو آيات الربا والمداينات .
/ فضل سورة البقرة :- جاء في فضلها عدة أحاديث وآثار منها ما أخرجه الإمام مسلم - رحمه الله - والإمام أحمد عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدُمُه سورة البقرة وآل عمران ) هاتان السورتان تقدمان أهل القرآن يوم القيامة وما ذلك إلا لفضلهما .
/ وأخرج الإمام أحمد والدارني وغيرهما بسند صحيح عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( تعلموا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة - أي السحرة - تعلموا البقرة وآل عمران فإنهما هما الزهراوان يجياءن يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنها فُرقان من طير صوافّ تجادلان عن صاحبهما .
/ وأخرج مسلم أيضا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأُ فيه سورة البقرة )
/ وأخرج مسلم أيضا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأُ فيه سورة البقرة )
/ وأخرج الترمذي وأحمدعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال ( لكل شيء سنام وإن سنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي سيدة آي القرآن آية الكرسي ) وإن كان هذا الحديث رُوي مرفوعا ورُوي موقوفا .
/ وقفة مع مقصد هذه السورة العظيمة ، إذا فهمنا مقصدها فإننا سنُلم - بإذن الله - بمعانيها عموما وشمولها وارتباط آياتها ببعض .
إنكم تعجبون أن تكون هذه السورة بطولها وتعدد موضوعاتها والقضايا التي عُرضت بها ,كيف يمكن أن تُجمع في غرض واحدعظيم ,وكيف أننا نستطيع ـ بإذن الله تعالى ـ أن نلحظ أنها تنساق بخيط واحد من أولها إلى آخرها لتحقيق هذا الغرض المهم .
إنكم تعجبون أن تكون هذه السورة بطولها وتعدد موضوعاتها والقضايا التي عُرضت بها ,كيف يمكن أن تُجمع في غرض واحدعظيم ,وكيف أننا نستطيع ـ بإذن الله تعالى ـ أن نلحظ أنها تنساق بخيط واحد من أولها إلى آخرها لتحقيق هذا الغرض المهم .
/تأملوا معي ما ذكرت قبل قليل أنها نزلت في المرحلة المدنية في عشر سنوات ,وقد تعلّمها عمر بن الخطاب في اثني عشرة سنة ولما انتهى من تعلمها نحر جزورا ، وما ذلك إلا لعِظم هذه السورة , وتعلّمها ابنه - ابن عمر - في عشر سنوات - رضي الله عنهما - وهذا يدل على عناية السلف بهذه السورة وعظمها .
هذه السورة ما استغرقت عشر سنين إلا لغرض عظيم وهو أنها في إعداد الأمة لحمل هذه الأمانة - أمانة الدين والشريعة - في حملها وامتثالها وتبليغها،هي في إعداد أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - في حمل أمانة الدين وتكليفها بالشريعة وتبليغها، هذه باختصار ما يمكن أن نقول أنه عمدة السورة ومقصدها إعداد أمة الإسلام لحمل أمانة الدين وتكليفها بالشريعة وتبليغها .
/ السورة تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول :هو في بيان أصول الإيمان والعلم وهو من الآية الأولى حتى الآية مائة وستة وسبعين {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } هذا الجزءالأول يمثّل الأساس ,والقاعدة العلمية , وهو الذي فيه تهيئة النفوس لهذه الأمانة العظيمة وهو ركز هذا القسم عن الحديث عن القرآن ,فافتتحه بـ ( ألم ) واختتم هذا القسم بقوله { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} إثبات بعد بيان بأن هذاالقرآن حق (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) فبالكتاب أفتتح هذا القسم وبالكتاب أيضا ًأختتم ،وهذا القسم يُعتبر كالتمهيد والإعداد للمؤمنين الّذين سيتلقّون أمانة الله وشريعته ,فيكونون على قاعدة إيمانية صلبة ثابتة ينطلقون منها في تلقّي التشريع بالامتثال الكامل وهو منهج تربوي عظيم أن يؤسس الإنسان ما يمكن أن يُربي عليه يؤسس تأسيسا ًعظيما ًثم ينطلق فيما يريد تحقيقه .
/ استعراض هذا القسم :
/ السورة تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول :هو في بيان أصول الإيمان والعلم وهو من الآية الأولى حتى الآية مائة وستة وسبعين {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } هذا الجزءالأول يمثّل الأساس ,والقاعدة العلمية , وهو الذي فيه تهيئة النفوس لهذه الأمانة العظيمة وهو ركز هذا القسم عن الحديث عن القرآن ,فافتتحه بـ ( ألم ) واختتم هذا القسم بقوله { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} إثبات بعد بيان بأن هذاالقرآن حق (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) فبالكتاب أفتتح هذا القسم وبالكتاب أيضا ًأختتم ،وهذا القسم يُعتبر كالتمهيد والإعداد للمؤمنين الّذين سيتلقّون أمانة الله وشريعته ,فيكونون على قاعدة إيمانية صلبة ثابتة ينطلقون منها في تلقّي التشريع بالامتثال الكامل وهو منهج تربوي عظيم أن يؤسس الإنسان ما يمكن أن يُربي عليه يؤسس تأسيسا ًعظيما ًثم ينطلق فيما يريد تحقيقه .
/ استعراض هذا القسم :
- أُفتتحت أولا بالإشارة بالقرآن وبيان كماله من عدة وجوه
- ثم تحدثت السورة عن أصناف الناس مع هذا القرآن ، فافتتحت الحديث عنهم بالمؤمنين وصفاتهم ثم بالكافرين وصفاتهم ثم بالمنافقين وصفاتهم وأطالت في الحديث عنهم .
- ثم بعد ذلك جاء الخطاب جمع هؤلاء الطوائف كلها بقوله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ )
يعني بعد أن ذكرالقرآن أصناف الناس فيه دعاهم جميعا ًإلى عبادة الله وحده ,وأثبت ذلك بالأدلة والبراهين ,وأثبت حق من حقوق القرآن بأنه نزل من عند الله عزوجل .
- ثم بعد ذلك ذكر ما آل إليه المعارضون من الكافرين من أهل الكتاب وسعيهم إلى التشكيك في القرآن حين قالوا : كيف يُضرب بهذا القرءان العظيم - كلام الله - يُضرب به الذباب مثلا ًوالعنكبوت مثلا ً,فكأنهم أرادوا أن يوقعوا الشُبه في هذا القرآن ,فبرأه الله تعالى - ثم جاءت بعد ذلك قصة آدم ، قصة آدم تُمثّل ماذا ؟تُمثّل أصل الهداية التي أستمرت بالرسل إلى يوم القيامة , ولذلك جاء في قصة آدم قول الله عزوجل (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) فكأن هذه الأمة المحمدية يُشار إليها بأنكم تستخلفون آدم في هذه الأرض , وأنكم ترثون ما كُلّف به وهو الهداية ,في آخرقصة آدم قال (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) وهذه هي النقطة التي اُفتتحت بها السورة بقوله (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) فانظروا كيف وصل هذه الهداية..
- ثم بعد ذلك جاءت قصة بـني إسرائيل وأطال الحديث فيها ، لماذا ؟
لأن بني إسرائيل هم الأمة المستخلفة قبل هذه الأمة , هم الّذين مُنحوا شرف الخلافة , ومُنحوا شرف التشريع وأمانة الدين , لكنهم كذّبوا وعصوا وعاندوا , وعصوا رسلهم وشددوا على أنفسهم , فجاء الحديث عنهم في دعوتهم بالتذكير لهم بنعمة الله عز وجل في ثلاث آيات أعادها الله عليهم (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ) وهو يخاطب اليهود في المدينة حتى لا يكفروا (وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ) أي بالقرآن وبالنبي - صلى الله عليه وسلم - , ومع ذلك أَ بَوا وعَصَوا واستكبروا كما استكبروا وعتوا وكذّبوا رسلهم , فقال الله عنهم (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ ) ثم الله عز وجل بيّنهم وجلّى صفاتهم وطبائعهم ليحذر المؤمنون وليكونوا على يقظة وليكونوا على حذر من مشابهتهم .
- ثم جاءت قـصة البقـرة التي سنتحدّث عنها إشارة إلى ما كان من حالهم مع أوامر الله ,وكيف حالهم مع أوامر الله؟
كان حالهم مع أوامر الله الاستهزاء والسخرية وعدم الاستجابة والتردد والتعنت والتشدد ,فهذه حالهم ,فكأن الله تعالى يُحذّر هذه الأمة أن تكونوا مثل بني إسرائيل في تلقّي أوامر الله احذروا أن تكونوامثلهم , لا تقولوا سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا ، فلذلك سميت السورة بالبقـرة وهذا سر تسميتها , ولعلنا نُبيّن بإذن الله إذا واصلنا الحديث عنها .
- ثم بعد ذلك جاءت قصة بـني إسرائيل وأطال الحديث فيها ، لماذا ؟
لأن بني إسرائيل هم الأمة المستخلفة قبل هذه الأمة , هم الّذين مُنحوا شرف الخلافة , ومُنحوا شرف التشريع وأمانة الدين , لكنهم كذّبوا وعصوا وعاندوا , وعصوا رسلهم وشددوا على أنفسهم , فجاء الحديث عنهم في دعوتهم بالتذكير لهم بنعمة الله عز وجل في ثلاث آيات أعادها الله عليهم (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ) وهو يخاطب اليهود في المدينة حتى لا يكفروا (وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ) أي بالقرآن وبالنبي - صلى الله عليه وسلم - , ومع ذلك أَ بَوا وعَصَوا واستكبروا كما استكبروا وعتوا وكذّبوا رسلهم , فقال الله عنهم (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ ) ثم الله عز وجل بيّنهم وجلّى صفاتهم وطبائعهم ليحذر المؤمنون وليكونوا على يقظة وليكونوا على حذر من مشابهتهم .
- ثم جاءت قـصة البقـرة التي سنتحدّث عنها إشارة إلى ما كان من حالهم مع أوامر الله ,وكيف حالهم مع أوامر الله؟
كان حالهم مع أوامر الله الاستهزاء والسخرية وعدم الاستجابة والتردد والتعنت والتشدد ,فهذه حالهم ,فكأن الله تعالى يُحذّر هذه الأمة أن تكونوا مثل بني إسرائيل في تلقّي أوامر الله احذروا أن تكونوامثلهم , لا تقولوا سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا ، فلذلك سميت السورة بالبقـرة وهذا سر تسميتها , ولعلنا نُبيّن بإذن الله إذا واصلنا الحديث عنها .
- ثم بعد ذلك جاء الحديث عن إبراهيم - عليه السلام - وهوالأصل الثاني الذي ترجع إليه الأمم والذي جعله الله خليفة وإماما ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً) فهو يذكّر هذه الأمة أنكم يا أمة محمد أنتم الوارثون لإبراهيم حين تكونون على أمر الله عز وجل وفي ذلك شرف عظيم , وتذكير بعظم الأمانة وما حفّها الله تعالى بها من تكليف , ولذلك ارتبط ذكر إسماعيل بإبراهيم في هذه السورة ، لماذا ؟لأن هذه الأمة هي الأمة الوحيدة التي كانت من سلالة إبراهيم وإسماعيل أما أمم بني إسرائيل فكانت من سلالة إسحاق ابن إبراهيم - عليه السلام - , ولذلك جاء ذكر الأمة في قوله (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ) .
- ثم بعد ذلك جاء ذكرالقبلة التي كأنها شرف هذه الأمة ميّزها الله تعالى به فكأن الله قال لهذه الأمة قد منحتكم قِبلة إبراهيم وقِبلة الأنبياء من بعده , فإشارة بأن الله شرّف هذه الأمة بالأمانة ولا شك ,أن الله حين ورّثها أو كلّفها وشرّفها بالقبلة وحولها إليها - قبلة إبراهيم - ,ذلك تكليف ,ولذلك قال الله في هذه الآيات آية القبلة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) ثم جاءت آية القبلة وما تبعها إلى أن خُتمت الآيات بقوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) .
هذا القسم كله تمهـيد لهذه الأمة وتهيئـة لأن تتلقى أوامر الله بتعظيم ,واهتمام بالغ وحذر من أن تُشابه بني إسرائـيل.
- ثم بعد ذلك جاء ذكرالقبلة التي كأنها شرف هذه الأمة ميّزها الله تعالى به فكأن الله قال لهذه الأمة قد منحتكم قِبلة إبراهيم وقِبلة الأنبياء من بعده , فإشارة بأن الله شرّف هذه الأمة بالأمانة ولا شك ,أن الله حين ورّثها أو كلّفها وشرّفها بالقبلة وحولها إليها - قبلة إبراهيم - ,ذلك تكليف ,ولذلك قال الله في هذه الآيات آية القبلة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) ثم جاءت آية القبلة وما تبعها إلى أن خُتمت الآيات بقوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) .
هذا القسم كله تمهـيد لهذه الأمة وتهيئـة لأن تتلقى أوامر الله بتعظيم ,واهتمام بالغ وحذر من أن تُشابه بني إسرائـيل.
ثم جاء القسم الثاني وهو : في تكليف هذه الأمة بالشرائع وابتدأ من آية (177) ( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) إلى آخرالسورة , ولعلنا نستعرض هذا استعراضا ًسريعا ً, فهذا يُمثّل القاعدةالعملية والتفصيلية , ولو تأملنا في هذا القسم أيها الإخوة -القسم الثاني- وجدناه يرتكز على بناء الأصول وحفظ الضرورات الخمس .
تأمّلوا معي أيها الأحبة أنه جاء في حفظ الدين آيات الصيام وآيات الحج و(لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ) وغيرها من الآيات .
ثم جاء حفظ النفس وهو الضرورة الثانية والمهمة في قول الله تعالى بآيات القصاص (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ ) وتأملوا كيف أفتتح الله تعالى آيات الأحكام بأيات القصاص ,لأن حفظ الأمن هو سبب لإقامة الشريعة .
ثم جاء حفظ العقل في آيات الخمر ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ )
ثم جاء حفظ النسل في آيات النكاح والطلاق ( وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ ) إلى آخرها
ثم جاء حفظ المال في أيات الإنفاق وآيات الربا وآيات المداينات .
انظروا كيف جاء التشريع بهذا الترتيب , والعجيب أيها الإخوة أن سورة البقرة تضمنت الأحكام التي اتفقت الأديان على أصولها هذه مسألة مهمة سورة البقرة اشتملت على الأحكام التي اتفقت الأديان على أصولها , لكنه خالف فيها أهل الكتاب أو شددوا فيها على أنفسهم ,وحرّفوا فيها وعطّلوا , فجاء الله - عز وجل - بتكذيبها وتصحيحها وتخفيفها لأمة الإسلام , ولذلك تلحظون أن في خلال آيات البقرة جاء إشارة إلى التخفيف والتيسير (ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ) (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) .
في آيات الصيام أيضا ًإشارة لذلك،كل ذلك إشارة إلى أن الله عز وجل يشعرنا لهذه الأمة أن الله أراد بها الرحمة وكلفّنا بهذه الشريعة السمحاء على أكمل وجه وأيسر ما كان .
/ ركّزت السورة على الأحكام التي فيها إصلاح المجتمع المسلم،وذلك لأنها نزلت في بداية تأسيس الدولة الإسلامية النبوية وبناء نظامها الأساس وهي الأحكام المتعلقة بالضرورات الخمس كما ذكرت، ولذلك أطال الله تعالى فيها بأحكام الطلاق وأحكام الأسرة.
وإنك لتعجب كيف أطال الله تعالى بذكر أحكام الطلاق ولم يكون ذلك لأحكام الصلاة ؟
/ هذا سؤال مهم جدا:
لماذا الله فصّل في أحكام الطلاق وذكرها بأحكام دقيقة ,ولم يفصّل في أحكام الصلاة؟
ذلك لسرٍّ عظيم أيها الإخوة وهو : أن الأحكام المتعلقة بالعبادات بين الله وبين العباد مبنية على المسامحة , والله غفور رحيم ,والله تعالى أسندها أو أوكل بيانها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ,لكن المعاملات والحقوق التي منها حقوق الأسر والحقوق الأسرية والزوجية والمالية هذه مما جُبلت النفوس على المشاحة فيها والنزاع والخلاف والعدوان والظلم , فتولّاها الله ـ عز وجل ـ برحمته بنفسه حتى لا يقول قائل لم أجدها في كتاب الله تعالى لأنها مظنة الخلاف والنزاع والظلم والعدوان أنزلها الله تعالى وبيّنها بنفسه لتعظم في نفوس الناس , وليعلم الناس عظمها وعظم من خالف ذلك في أمر الله تعالى. فهذا سرالتطويل بآيات الطلاق وآيات المواريث وآيات الأموال في هذه السورة وغيرها.
ثم جاء حفظ النفس وهو الضرورة الثانية والمهمة في قول الله تعالى بآيات القصاص (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ ) وتأملوا كيف أفتتح الله تعالى آيات الأحكام بأيات القصاص ,لأن حفظ الأمن هو سبب لإقامة الشريعة .
ثم جاء حفظ العقل في آيات الخمر ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ )
ثم جاء حفظ النسل في آيات النكاح والطلاق ( وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ ) إلى آخرها
ثم جاء حفظ المال في أيات الإنفاق وآيات الربا وآيات المداينات .
انظروا كيف جاء التشريع بهذا الترتيب , والعجيب أيها الإخوة أن سورة البقرة تضمنت الأحكام التي اتفقت الأديان على أصولها هذه مسألة مهمة سورة البقرة اشتملت على الأحكام التي اتفقت الأديان على أصولها , لكنه خالف فيها أهل الكتاب أو شددوا فيها على أنفسهم ,وحرّفوا فيها وعطّلوا , فجاء الله - عز وجل - بتكذيبها وتصحيحها وتخفيفها لأمة الإسلام , ولذلك تلحظون أن في خلال آيات البقرة جاء إشارة إلى التخفيف والتيسير (ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ) (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) .
في آيات الصيام أيضا ًإشارة لذلك،كل ذلك إشارة إلى أن الله عز وجل يشعرنا لهذه الأمة أن الله أراد بها الرحمة وكلفّنا بهذه الشريعة السمحاء على أكمل وجه وأيسر ما كان .
/ ركّزت السورة على الأحكام التي فيها إصلاح المجتمع المسلم،وذلك لأنها نزلت في بداية تأسيس الدولة الإسلامية النبوية وبناء نظامها الأساس وهي الأحكام المتعلقة بالضرورات الخمس كما ذكرت، ولذلك أطال الله تعالى فيها بأحكام الطلاق وأحكام الأسرة.
وإنك لتعجب كيف أطال الله تعالى بذكر أحكام الطلاق ولم يكون ذلك لأحكام الصلاة ؟
/ هذا سؤال مهم جدا:
لماذا الله فصّل في أحكام الطلاق وذكرها بأحكام دقيقة ,ولم يفصّل في أحكام الصلاة؟
ذلك لسرٍّ عظيم أيها الإخوة وهو : أن الأحكام المتعلقة بالعبادات بين الله وبين العباد مبنية على المسامحة , والله غفور رحيم ,والله تعالى أسندها أو أوكل بيانها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ,لكن المعاملات والحقوق التي منها حقوق الأسر والحقوق الأسرية والزوجية والمالية هذه مما جُبلت النفوس على المشاحة فيها والنزاع والخلاف والعدوان والظلم , فتولّاها الله ـ عز وجل ـ برحمته بنفسه حتى لا يقول قائل لم أجدها في كتاب الله تعالى لأنها مظنة الخلاف والنزاع والظلم والعدوان أنزلها الله تعالى وبيّنها بنفسه لتعظم في نفوس الناس , وليعلم الناس عظمها وعظم من خالف ذلك في أمر الله تعالى. فهذا سرالتطويل بآيات الطلاق وآيات المواريث وآيات الأموال في هذه السورة وغيرها.
جمع شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - هذان المقصدان أصول العلم والعمل في هذه السورة في كلام نفيس قال : " وقد ذكرت في مواضع ما اشتملت عليه سورة البقرة من أصول العلم وقواعد الدين (أصول العلم : العقيدة والإيمان , وقواعد الدين في الشريعة " .
/ جاءت في خلال التشريعات آية الكرسي فما مناسبتها ؟
/ جاءت في خلال التشريعات آية الكرسي فما مناسبتها ؟
/ وجاءت آيات القتال ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ) فما مناسبتها؟
أما آية الكرسي : فلأن هذه الأحكام التشريعية عظيمة لا يستطيع أن يحملها ويقوم بها إلّا من ثقُل قلبه بالإيمان والتعظيم لله -عز وجل -،فلذلك جاءت آية الكرسي التي هي أعظم آية في كتاب الله عز وجل لتُرسّخ في قلوب المؤمنين الإيمان والتعظيم لله عز وجل , فتكون باعثا ًلهم على الانقياد والالتزام بهذه الأحكام ,فما أعظم رحمة الله ـ عز وجل ـ أن أعاننا على تحمل هذه الأعباء في ترسيخ الإيمان في قلوبنا .
ما السر في مشروعية قراءة آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين في دبر كل صلاة ؟
أما آية الكرسي : فلأن هذه الأحكام التشريعية عظيمة لا يستطيع أن يحملها ويقوم بها إلّا من ثقُل قلبه بالإيمان والتعظيم لله -عز وجل -،فلذلك جاءت آية الكرسي التي هي أعظم آية في كتاب الله عز وجل لتُرسّخ في قلوب المؤمنين الإيمان والتعظيم لله عز وجل , فتكون باعثا ًلهم على الانقياد والالتزام بهذه الأحكام ,فما أعظم رحمة الله ـ عز وجل ـ أن أعاننا على تحمل هذه الأعباء في ترسيخ الإيمان في قلوبنا .
ما السر في مشروعية قراءة آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين في دبر كل صلاة ؟
هذه مسألة مهمة ينبغي أن نعيها ،لأن هذه الآية - آية الكرسي - تجدد في قلوبنا الإيمان ,والإخلاص والاعتصام بالله ـ عز وجل ـ ففي كل وقت نجدد الإيمان ، ونجدد العبودية بالفاتحة ,ونجدد الإخلاص بسورة الإخلاص ,ونجدد الاعتماد على الله بالمعوذتين, أرأيتم كيف التوحيد يتجدد في قلب المؤمن في كل صلاة هذا سر،وهذامعنى يغفل عنه كثير من الناس وهو يقرأ هذه السور في دبر كل صلاة ,يجب أن نستحضره أيها الإخوة ليزيدنا إيماناً وعبودية وإخلاصًا .
/ ركّزت السورة على جانب التقوى تركيزا ًكبيرا ً, فقد أحصيت المواضع التي وردت في التذكير بالتقوى فبلغت خمسة وثلاثين موضعا ًبالتذكير فيالتقوى , في صيغ مختلفة مدمّجة لآيات الإيمان وآيات الأحكام وغيرها لماذا ؟
كل ذلك لأن التقوى كما قال بعضهم هي الحارس اليقظ في داخل الضمائر التي تبعث النفس على تعظيم هذه الأوامر والتقيّد بها ,تتقي الله عز وجل في إمتثالها.
/ كيف خُتِمت السورة ,وبماذا اختتمت ؟
خُتمت أيها الأحبة بشهادة الله -عز وجل - لهذه الأمة يعني بعد أن كلّفهم بهذه التكاليف وبهذه الأوامر وشرفهم بهذه الأمانة فاستجابوا وآمنوا وامتثلوا وسمعوا , الله سبحانه وتعالى شهِد لهم بالإيمان ، وشهِد لهم بأنهم استجابوا في آخر السورة فقال (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ) ثم قال الله عز وجل (كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ) لم يكونوا كما قال بنو إسرائيل (سمعنا وعصينا ) فهذه شهادة الله لهذه الأمة كرامة لها , فما أعظمها من شهادة .
/ تفسير الآيات الخمس الأولى :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،بسم الله الرحمن الرحيم (الم(1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ(2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(3) والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ(4) أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(5))
الله -عز وجل - افتتح هذه السورة بالحروف مقطعة وهنا فائدة ذكرها ابن كثير - رحمه الله - وهي أن كل السور التي افتتحها الله بالحروف المقطعة تضمنت الانتصار للقرآن والإشارة إليه إلّا سورتين أو ثلاث ,ومع ذلك هاتان السورتان ذُكر فيهما الإشارة للقرآن لكن هذا استقراء جيد .
/ أشار الله تعالى بعد هذا الافتتاح الذي يشير إلى تحدي العرب بالقرآن الكريم, فمجمل أقوال المفسرين في الحروف المقطعة أنها لبيان إعجاز القرآن وأنه مؤلف من هذه الحروف التي نتحدّث بها ونتكلم بها , فيها أعجاز .
/ ركّزت السورة على جانب التقوى تركيزا ًكبيرا ً, فقد أحصيت المواضع التي وردت في التذكير بالتقوى فبلغت خمسة وثلاثين موضعا ًبالتذكير فيالتقوى , في صيغ مختلفة مدمّجة لآيات الإيمان وآيات الأحكام وغيرها لماذا ؟
كل ذلك لأن التقوى كما قال بعضهم هي الحارس اليقظ في داخل الضمائر التي تبعث النفس على تعظيم هذه الأوامر والتقيّد بها ,تتقي الله عز وجل في إمتثالها.
/ كيف خُتِمت السورة ,وبماذا اختتمت ؟
خُتمت أيها الأحبة بشهادة الله -عز وجل - لهذه الأمة يعني بعد أن كلّفهم بهذه التكاليف وبهذه الأوامر وشرفهم بهذه الأمانة فاستجابوا وآمنوا وامتثلوا وسمعوا , الله سبحانه وتعالى شهِد لهم بالإيمان ، وشهِد لهم بأنهم استجابوا في آخر السورة فقال (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ) ثم قال الله عز وجل (كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ) لم يكونوا كما قال بنو إسرائيل (سمعنا وعصينا ) فهذه شهادة الله لهذه الأمة كرامة لها , فما أعظمها من شهادة .
/ تفسير الآيات الخمس الأولى :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،بسم الله الرحمن الرحيم (الم(1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ(2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(3) والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ(4) أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(5))
الله -عز وجل - افتتح هذه السورة بالحروف مقطعة وهنا فائدة ذكرها ابن كثير - رحمه الله - وهي أن كل السور التي افتتحها الله بالحروف المقطعة تضمنت الانتصار للقرآن والإشارة إليه إلّا سورتين أو ثلاث ,ومع ذلك هاتان السورتان ذُكر فيهما الإشارة للقرآن لكن هذا استقراء جيد .
/ أشار الله تعالى بعد هذا الافتتاح الذي يشير إلى تحدي العرب بالقرآن الكريم, فمجمل أقوال المفسرين في الحروف المقطعة أنها لبيان إعجاز القرآن وأنه مؤلف من هذه الحروف التي نتحدّث بها ونتكلم بها , فيها أعجاز .
/ ثم ذكر الله في الآية الأولى الثناء على القرآن ,وهذه الآية هي أعظم آية تضمنت الثناء على القرآن في كتاب الله عز وجل, أعظم آية تضمنت الحديث عن القرآن وبيان كماله هذه الآية (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) وتأملوا معي الصفات الأربع التي تضمنت هذه الآية فيها كمال القرآن :
أولا ً: قال الله عز وجل ( ذلك ) و"ذلك" إشارة إلى بُعد،إذا قلت ذلك الرجل يعني بُعد مكانته في الرجولة -ولله ولكلامه المثل الأعلى- إذاقلت ذلك الكتاب يعني ذلك الكتاب قد بلغ منزلة عالية فهو كامل في منزلته ,هذا الوصف الأول فهو كامل في منزلته فهو أعلى الكتب وأعظمها .
ثم قال (ذَلِكَ الْكِتَابُ) ولم يقل ( ذلك القرآن ) بمعنى أي استغرق جميع معاني الكتاب,وتضمن في مضمونه جميع ما في الكتب كلها ,لأن الألف واللام -كما تعلمون- للاستغراق ,كما قلت لكم في الدرس الماضي ذلك الرجل أو هذا الرجل أي الذي استغرق صفات الرجولة,فقولنا الكتاب استغرق معاني الكتاب كله ,وكما ذكرت لكم أن هذا القرآن جمع الله تعالى فيه جميع الكتب كلها ,فهذه الصفة الثانية وهي كمال مضمونه كمال المضمون.
الصفة الثالثة : في قوله (لا رَيْبَ فِيهِ) أي لا نقص ولا ريب ولا خلل ولا أمر من أمور النقص والخلل فيه ,وعبّر بالريب دون الشك لأن الريب يشمل الشك وأقل, فليس فيه أدنى ريب واضطراب ,وليس فيه أدنى نقص من أي ناحية من نواحي النقص،فهذا دال على الوصف الثالث وهو كمال سلامته من النقص ,كمال سلامته ومضمونه من النقص .
الوصف الرابع : كمال مقصده في قوله تعالى (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) فمقصده هو الهداية ,فهذا دليل على اكتمال المقصد فدلت هذه الآية على كمال القرآن من أربعة وجوه.
وقوله (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) ولم يقل (هدى للمؤمنين) لأنه هنا يشير إلى المنتفعين بالقرآن من هم المنتفعون بالقرآن ؟
المنتفعون بالقرآن هم الّذين تحلّوا بالتقوى ،والتقوى هي تجمع أمرين :
الأمر الأول : التخلّي عن الموانع .
الأمر الثاني : التحلّي بالأسباب الباعثة على الانتفاع تأملوا هذا جيدا التقوى تشتمل على أمرين عظيمين: التخلي عن الموانع والتحلي بالأسباب الجالبة الباعثة على الانتفاع ,فمن حقق هذان الوصفان تحقيقا ًصادقا ًفإنه سيحقق كمال التقوى ،كمال الهدى.
فماهي الموانع؟
الموانع هي التكذيب والكفر والإعراض والرياء والغفلة وعدم التصديق وغير ذلك وكل ما يمنع من الانتفاع فهو داخل في هذا الباب .وما هي الأسباب الباعثة؟ التصديق والإقبال وحضور القلب ,والإيمان والرغبة , وغيرذلك . كل ذلك داخل في هذا المعنى فتأملوا هذا جيدا .
أولا ً: قال الله عز وجل ( ذلك ) و"ذلك" إشارة إلى بُعد،إذا قلت ذلك الرجل يعني بُعد مكانته في الرجولة -ولله ولكلامه المثل الأعلى- إذاقلت ذلك الكتاب يعني ذلك الكتاب قد بلغ منزلة عالية فهو كامل في منزلته ,هذا الوصف الأول فهو كامل في منزلته فهو أعلى الكتب وأعظمها .
ثم قال (ذَلِكَ الْكِتَابُ) ولم يقل ( ذلك القرآن ) بمعنى أي استغرق جميع معاني الكتاب,وتضمن في مضمونه جميع ما في الكتب كلها ,لأن الألف واللام -كما تعلمون- للاستغراق ,كما قلت لكم في الدرس الماضي ذلك الرجل أو هذا الرجل أي الذي استغرق صفات الرجولة,فقولنا الكتاب استغرق معاني الكتاب كله ,وكما ذكرت لكم أن هذا القرآن جمع الله تعالى فيه جميع الكتب كلها ,فهذه الصفة الثانية وهي كمال مضمونه كمال المضمون.
الصفة الثالثة : في قوله (لا رَيْبَ فِيهِ) أي لا نقص ولا ريب ولا خلل ولا أمر من أمور النقص والخلل فيه ,وعبّر بالريب دون الشك لأن الريب يشمل الشك وأقل, فليس فيه أدنى ريب واضطراب ,وليس فيه أدنى نقص من أي ناحية من نواحي النقص،فهذا دال على الوصف الثالث وهو كمال سلامته من النقص ,كمال سلامته ومضمونه من النقص .
الوصف الرابع : كمال مقصده في قوله تعالى (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) فمقصده هو الهداية ,فهذا دليل على اكتمال المقصد فدلت هذه الآية على كمال القرآن من أربعة وجوه.
وقوله (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) ولم يقل (هدى للمؤمنين) لأنه هنا يشير إلى المنتفعين بالقرآن من هم المنتفعون بالقرآن ؟
المنتفعون بالقرآن هم الّذين تحلّوا بالتقوى ،والتقوى هي تجمع أمرين :
الأمر الأول : التخلّي عن الموانع .
الأمر الثاني : التحلّي بالأسباب الباعثة على الانتفاع تأملوا هذا جيدا التقوى تشتمل على أمرين عظيمين: التخلي عن الموانع والتحلي بالأسباب الجالبة الباعثة على الانتفاع ,فمن حقق هذان الوصفان تحقيقا ًصادقا ًفإنه سيحقق كمال التقوى ،كمال الهدى.
فماهي الموانع؟
الموانع هي التكذيب والكفر والإعراض والرياء والغفلة وعدم التصديق وغير ذلك وكل ما يمنع من الانتفاع فهو داخل في هذا الباب .وما هي الأسباب الباعثة؟ التصديق والإقبال وحضور القلب ,والإيمان والرغبة , وغيرذلك . كل ذلك داخل في هذا المعنى فتأملوا هذا جيدا .
/ ثم قال الله عز وجل (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ *والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)
هذا وصف المتقين ,المتقون هم الّذين آمنوا بالغيب وأقاموا الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ,فهذه ليست صفات تحقيق التقوى وإنما صفات من حقق التقوى وامتثل هذه الأعمال ,فالله عز وجل بيّن في صفات المتقين المنتفعين بالقرآن هم الّذين حققوا هذه الصفات.
فانظروا هذه الصفات صفات من حقق كمال التقوى أو صفات من حقق كمال الاهتداء بالقرآن ,فلننظر ما هي :
هذا وصف المتقين ,المتقون هم الّذين آمنوا بالغيب وأقاموا الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ,فهذه ليست صفات تحقيق التقوى وإنما صفات من حقق التقوى وامتثل هذه الأعمال ,فالله عز وجل بيّن في صفات المتقين المنتفعين بالقرآن هم الّذين حققوا هذه الصفات.
فانظروا هذه الصفات صفات من حقق كمال التقوى أو صفات من حقق كمال الاهتداء بالقرآن ,فلننظر ما هي :
/ قال الله عز وجل (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ )
والغيب هو كل ما أخبر الله عز وجل عنه ورسوله مما لا ندركه في عقولنا ,ومن الغيب ربنا عز وجل الذي نؤمن به ولم نره فهو من الغيب ,ومن الغيب الملائكة ,ومن الغيب علم الآخرة وأحوال الآخرة ,ومن الغيب ما لم يطلعنا الله عز وجل عليه أو لم يطلع أحد من خلقه وقد أخبرنا به , فمن حقق الإيمان بهذا الغيب تحقيقا صادقا ًفإنه قد اهتدى بكتاب الله عز وجل وهو أهلٌ للانتفاع فبذلك افتتح الله تعالى الصفات بالإيمان بالغيب ولم يقل ءامنوا أي أن ذلك أمر متجدد في نفوسهم مستمر فيهم .
/ وهنا مسألة لماذا افتتح الله تعالى الصفات بالإيمان بالغيب ولم يقل الّذين يؤمنون بالله ؟هـــذاالافتتاح مناسب لأحوال العرب الّذين آمنوا ابتداءا ًبالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبهذا القرآن من غير علم سابق ,ولذلك أشار للقسم الثاني وهم أهل الكتاب، الّذين آمنوا من أهل الكتاب قال (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ) فكأن الآية تضمنت طائفتين ، الطائفة الأولى : الّذين آمنوا من العرب أي آمنوا بالغيب من غير علم سابق فلم يكن عندهم علم من الكتاب سابق ،(والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ) أي من أهل الكتاب الّذين سبق لهم كتاب الله عز وجل بما أنزله على رسلهم , فاشتملت الآية الطائفتين ، وإنما ذكر الله تعالى الطائفتين ليكون ذلك باعثا ً للعرب وباعثا ًلأهل الكتاب أن يؤمنوا ,كأن الله تعالى يقول : يأهل الكتاب أنتم مذكورون أثنى الله عليكم في هذا القرآن فآمنوا وصدِّقوا فما أعظم هذا المعنى حينما نتأمله .
/ ثم قال الله عز وجل (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) ما قال (يصلّون) لأن إقامة الصلاة القيام بالشيء هو أداؤه على أكمل وجه ,فإذا قلت إنسان قائم يعني معتدل تمام الاعتدال‘فحينما يؤدي الإنسان صلاته باعتدال وإقامة تامّة بأركانها وواجباتها وشروطها وسننها فــذلك الذي قام بالصلاة حق القيام.
ثم قال الله تعالى (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) لاحظ أنه قال مما رزقناهم,كأنهم آمنوا واعترفوا بأن هذا رزق الله عز وجل فأنفقوا منه , والإنسان حينما يُنفق المال وهو يستشعر أن هذا مال الله وأن هذا من رزق الله وليس لي فيه فضل ,فذلك أعظم في صدقته ولا شك أعظم من الذي يستشعر أن هذا فضل منه على ذلك الفقير أو على ذلك المحتاج فلنستشعر هذا المعنى الدقيق أن الإنسان وهو يُنفق وهو يتصدق يقول ليس لي من ماله هذا شيئا إلّا مما آتاني الله ـ عز وجل ـ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ( وأنفقوا من مال الله الذي آتاكم) .
ثم قال هنا (ينفقون) ولم يقل ينفقون من أموالهم فماذا يدل عليه هذا الإطلاق دون التقييد؟
..ذكر شيخ الإسلام معنى لطيف ينبغي أن نستحضره قال "يدخل في هذه الآية جميع أنواع الإنفاق ,ومن أعظمه إنفاق العلم وبذله ,فأعظم ما ينفقه الإنسان هو نشر العلم والدعوة إلى الله ,وبذل الخير للناس , ويدخل فيه أيضا الأموال ,لكن أعظم الإنفاق مما رزقك الله مما مكّنك الله منه في ذلك كله" .
فيدخل في ذلك المساهمة في وجوه الخير ,وفي جمعيات البر وجمعيات تحفيظ القرآن والدعوة إلى الله والجاليات , وفضل الله واسع .
/ ثم قال الله عز وجل (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ) إشارة إلى المؤمنين من أهل الكتاب.
ثم (وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) ختم الله عز وجل الصفات باليقين بالآخرة لأنه افتتح بالإيمان بالغيب , فاشتملت الآيات على ثلاثة أمور : الإيمان بالغيب : ابتداءا ًثم عملا ًثم جزاءً.
لاحظوا يؤمنون الإيمان الكامل من حيث إيمانهم ابتداء بالله عز وجل وبما يلزم ذلك , ثم العمل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ,وإنما خصّ هذين العملين لأنهما أساس الأعمال البدنية والمالية ,فالصلاة تشير إلى الأعمال البدنية والزكاة أو الإنفاق تشير إلى الأعمال المالية وغير ذلك مما ذكره أهل العلم في هذا .
/ ثم ختم الله تعالى الآيات بقوله (أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) تأملوا هذا الختام العظيم قال الله -عز وجل - (أُوْلَـئِكَ) فهم في درجة رفيعة قد حققوا الهدى ، كمال الهدى ,لأنه قال قبل ذلك (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) .
والغيب هو كل ما أخبر الله عز وجل عنه ورسوله مما لا ندركه في عقولنا ,ومن الغيب ربنا عز وجل الذي نؤمن به ولم نره فهو من الغيب ,ومن الغيب الملائكة ,ومن الغيب علم الآخرة وأحوال الآخرة ,ومن الغيب ما لم يطلعنا الله عز وجل عليه أو لم يطلع أحد من خلقه وقد أخبرنا به , فمن حقق الإيمان بهذا الغيب تحقيقا صادقا ًفإنه قد اهتدى بكتاب الله عز وجل وهو أهلٌ للانتفاع فبذلك افتتح الله تعالى الصفات بالإيمان بالغيب ولم يقل ءامنوا أي أن ذلك أمر متجدد في نفوسهم مستمر فيهم .
/ وهنا مسألة لماذا افتتح الله تعالى الصفات بالإيمان بالغيب ولم يقل الّذين يؤمنون بالله ؟هـــذاالافتتاح مناسب لأحوال العرب الّذين آمنوا ابتداءا ًبالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبهذا القرآن من غير علم سابق ,ولذلك أشار للقسم الثاني وهم أهل الكتاب، الّذين آمنوا من أهل الكتاب قال (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ) فكأن الآية تضمنت طائفتين ، الطائفة الأولى : الّذين آمنوا من العرب أي آمنوا بالغيب من غير علم سابق فلم يكن عندهم علم من الكتاب سابق ،(والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ) أي من أهل الكتاب الّذين سبق لهم كتاب الله عز وجل بما أنزله على رسلهم , فاشتملت الآية الطائفتين ، وإنما ذكر الله تعالى الطائفتين ليكون ذلك باعثا ً للعرب وباعثا ًلأهل الكتاب أن يؤمنوا ,كأن الله تعالى يقول : يأهل الكتاب أنتم مذكورون أثنى الله عليكم في هذا القرآن فآمنوا وصدِّقوا فما أعظم هذا المعنى حينما نتأمله .
/ ثم قال الله عز وجل (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) ما قال (يصلّون) لأن إقامة الصلاة القيام بالشيء هو أداؤه على أكمل وجه ,فإذا قلت إنسان قائم يعني معتدل تمام الاعتدال‘فحينما يؤدي الإنسان صلاته باعتدال وإقامة تامّة بأركانها وواجباتها وشروطها وسننها فــذلك الذي قام بالصلاة حق القيام.
ثم قال الله تعالى (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) لاحظ أنه قال مما رزقناهم,كأنهم آمنوا واعترفوا بأن هذا رزق الله عز وجل فأنفقوا منه , والإنسان حينما يُنفق المال وهو يستشعر أن هذا مال الله وأن هذا من رزق الله وليس لي فيه فضل ,فذلك أعظم في صدقته ولا شك أعظم من الذي يستشعر أن هذا فضل منه على ذلك الفقير أو على ذلك المحتاج فلنستشعر هذا المعنى الدقيق أن الإنسان وهو يُنفق وهو يتصدق يقول ليس لي من ماله هذا شيئا إلّا مما آتاني الله ـ عز وجل ـ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ( وأنفقوا من مال الله الذي آتاكم) .
ثم قال هنا (ينفقون) ولم يقل ينفقون من أموالهم فماذا يدل عليه هذا الإطلاق دون التقييد؟
..ذكر شيخ الإسلام معنى لطيف ينبغي أن نستحضره قال "يدخل في هذه الآية جميع أنواع الإنفاق ,ومن أعظمه إنفاق العلم وبذله ,فأعظم ما ينفقه الإنسان هو نشر العلم والدعوة إلى الله ,وبذل الخير للناس , ويدخل فيه أيضا الأموال ,لكن أعظم الإنفاق مما رزقك الله مما مكّنك الله منه في ذلك كله" .
فيدخل في ذلك المساهمة في وجوه الخير ,وفي جمعيات البر وجمعيات تحفيظ القرآن والدعوة إلى الله والجاليات , وفضل الله واسع .
/ ثم قال الله عز وجل (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ) إشارة إلى المؤمنين من أهل الكتاب.
ثم (وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) ختم الله عز وجل الصفات باليقين بالآخرة لأنه افتتح بالإيمان بالغيب , فاشتملت الآيات على ثلاثة أمور : الإيمان بالغيب : ابتداءا ًثم عملا ًثم جزاءً.
لاحظوا يؤمنون الإيمان الكامل من حيث إيمانهم ابتداء بالله عز وجل وبما يلزم ذلك , ثم العمل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ,وإنما خصّ هذين العملين لأنهما أساس الأعمال البدنية والمالية ,فالصلاة تشير إلى الأعمال البدنية والزكاة أو الإنفاق تشير إلى الأعمال المالية وغير ذلك مما ذكره أهل العلم في هذا .
/ ثم ختم الله تعالى الآيات بقوله (أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) تأملوا هذا الختام العظيم قال الله -عز وجل - (أُوْلَـئِكَ) فهم في درجة رفيعة قد حققوا الهدى ، كمال الهدى ,لأنه قال قبل ذلك (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) .
من هم الّذين يحققون الكمال؟ هؤلاء الّذين هذه صفاتهم .
ثم بيّن الله جزاءهم فقال (أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى) فقوله (على) أي تمكّنوا من الهدى تمكّنا ًكاملا ً, فـ(على) تُفيد التمكّن ، وإشارة بالبُعد ( أُوْلَـئِكَ ) إشارة لبعيد تدل على بُعد منزلته بالهدى .
ثم بيّن الله جزاءهم فقال (أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى) فقوله (على) أي تمكّنوا من الهدى تمكّنا ًكاملا ً, فـ(على) تُفيد التمكّن ، وإشارة بالبُعد ( أُوْلَـئِكَ ) إشارة لبعيد تدل على بُعد منزلته بالهدى .
/ ثم قال (رَّبِّهِمْ) أضاف الهدى من ربهم تشريفا ًوتكريما ًمنه سبحانه وتعالى .
ثم بيّن أنهم (مفلحون ) والفلاح هو الفوز التام ,والظفر بالفوز التام في الدنيا بالسعادة والتوفيق والعون من الله وغير ذلك ,وفي الآخرة برضوان الله تعالى وجنته.
فانظروا كيف حازت هذه الآيات كمال صفات المؤمنين المهتدين بالقرآن نسأل الله أن يجعلنا من المهتدين، نسأل الله التوفيق والتحقيق للعبودية التامة وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
المقطع الثاني (6 ـ 20 )
ثم بيّن أنهم (مفلحون ) والفلاح هو الفوز التام ,والظفر بالفوز التام في الدنيا بالسعادة والتوفيق والعون من الله وغير ذلك ,وفي الآخرة برضوان الله تعالى وجنته.
فانظروا كيف حازت هذه الآيات كمال صفات المؤمنين المهتدين بالقرآن نسأل الله أن يجعلنا من المهتدين، نسأل الله التوفيق والتحقيق للعبودية التامة وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ(6) خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ(7) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ(8) يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ(9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ(10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ(11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ(12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ(13) وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ(14) اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ(15) أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ(16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ(17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ(18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ(19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(20) )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين أنزل كتابه المبين وجعله هدى للمتقين ..
أيها الإخوة والأخوات هذه الآيات هي في الصنفين غير المنتفعين بالقرآن ,الآيات التي سبقت هي في الصنف الأول المنتفع بالقرآن ,أما هذه الآيات فهي في صنفين -نوعين- من الناس لا ينتفعون بالقرآن ولا يكونون من أهله ما داموا على هذه الصفات فتأملوا جيدا هذه الصفات لنحذرها في أنفسنا ,لأن من اتصف بإحدى هذه الصفات نقص اهتداؤه وانتفاعه بالقرآن. الصـنف الأول : وهم الكافرون ,قال الله عز وجل عنهم (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ6 خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ 7) هذه الآية غرضها كما ذكرت لكم في بيان حال المكذبين من الكافرين.
وهنا قد يكون إشكال (إ ِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ6) يعني هل تعني هذه الآية أن الكافر سواء أنذرته أو لم تنذره لا يؤمن؟ إذا فما الفائدة من الدعوة إلى الله عز وجل؟
هذه الآية تُشكل على كثير من الناس في ظاهر مفهومها, لأنا لوأخذنا بظاهر مفهومها على هذا الوجه فإنه لا فائدة من دعوة الكافرين لأن الله تعالى يقول (إ ِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُون) إذا فما الجواب؟!
فما المعنى المقصود ؟
/ هم الّذين أصرّوا على الكفر وعاندوا وأبَوا أن يستجيبوا ويستمعوا كلام الله عز وجل , فإنك تجد أن هذا المُعرض المُصر على الكفر لا يمكن يؤمن أبدا ًولا يُنتفع بالقرآن ,لكنك تجد من الكافرين من يسمع كتاب الله عزوجل فيؤمن أليس عمر كان مشركا ًفلما سمع كتاب الله آمن ، كيف آمن ؟
آمن حينما أحضر قلبه وأصغى بسمعه وأقبل على القرآن ,فكل كافر يُقبل على القرآن يهتدي, وكل كافر يُصر على كفره ويُعاند ويأبى أن يؤمن بهذا القرآن لا يمكن أن يهتدي ، هذا هو المعنى الظاهر الصحيح الذي رجّحه كثير من المفسّرين.
إذا هي في المصرّين على الكفر المعاندين العامدين في كفرهم ,فهؤلاء سواء أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ,ألسنا قلنا أن هذه الآيات فيمن لا ينتفع بالقرآن؟ بلى ,إذا هي في المُصرِّين الّذين عقدوا في قلوبهم الكفر وأبَوا أن يؤمنوا .
فلذلك جزاؤهم ماذا ؟ جزاؤهم من جنس عملهم قال الله (خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ) ما دام أنهم مصرّون فالله تعالى يُزيدهم إصرارا ًوضلالا ً(خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ) وإنما خصّ القلوب هنا لأن القلوب هي التي تعي , والأسماع لأنها هي التي تسمع كتاب الله عز وجل .
/ ثم قال (وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ) أي غطاء لا يبصرون الحق, فالحق يبصره الإنسان ببصيرته قبل بصره (إِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) ,فأشار الله عز وجل أن من أعرض فإن الله عز وجل يزيده إعراضا ًويمدّه في طغيانه كما قال الله عز وجل (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)
/ ثم قال الله في الصنف الثاني وهم من المعرضين :
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ) هنا سؤال لماذا عبّر عن المنافقين بقوله (ومن الناس) ولم يقل والمنافقون يقولون ؟معاملة لهم بمثل حالهم أليس يخفون كفرهم مخادعة لله ولرسوله وللمؤمنين ,فالله تعالى هنا عاملهم بمثلهم فعبّر عنهم بأسلوب عام (وَمِنَ النَّاسِ) ثم أيضا ًهم من الناس الّذين سبق ذكرهم وهم الكافرون فكأنه قال هؤلاء صنف من الكافرين ,وإنما خصصناهم لأنهم صنف فيهم خطر على المسلمين ولذلك أطال الحديث عنهم , فهذا سر طول الحديث عنهم , تحدّث الله عن الكافرين في آيتين وأطال بعد ذلك الحديث عن المنافقين لأنهم يعيشون مع المؤمنين ولا شك أن خطرهم أعظم لخفائهم ,فالله تعالى ميّز صفاتهم لنعلمهم , فمن كان فيه هذه الصفة ففيه صفة من المنافقين.
ماهي هذه الصفات ؟
الصفة الأولى : قال الله عز وجل (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ) إذا هي إيمانهم الظاهر وكفرهم الباطن ,فمن كان هذا حاله فهو منافق لا يمكن أن ينتفع بالقرآن ,فهذا أول مانع من موانع الانتفاع .
ثم المانع الثاني : تابعوا معي أيها الإخوة في المصحف لأن كل آية تحمل معنى قال الله (يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ) فهذا وصف زائد كاشف للمنافقين وهو اتصافهم بالمخادعة ,وهو مانع من موانع الإيمان والانتفاع بالقرآن لماذا ؟
لأن المخادعة أيها الإخوة متضمنة إخفاء أمر فاسد في النفس,وإذا فسد القلب لا يمكن أن ينتفع بالقرآن ,فالمخادعة لله ولرسوله , كلما كانت المخادعة في جانب الإيمان كانت أعظم جرما ًوضلالا ًومانعا ًمن موانع الاهتداء.
وهذا يدلنا على أن صفة المخادعة أيّا كانت صفة ليست من صفات المؤمنين وإنما هي من صفات المنافقين.
وجه مخادعتهم لله قال الله (يُخَادِعُونَ اللّه) كيف يخادعون الله ؟
هم يخادعون في دين الله ، هم لا يخادعون المؤمنين في أمر من أمور الدنيا وإن كانوا يفعلون ذلك لكن المقصود هنا أنهم يخادعون المؤمنين في أمر من أمور الدين في أنهم يظهرون إيمانهم ويبطنون كفرهم ,فلذلك قال (يُخَادِعُونَ اللّهَ) كأنهم قالوا يخادعون دين الله ـ عز وجل ـ وأيضا ًفإن مخادعتهم للمؤمنين كأنها مخادعة لله عز وجل , فذلك من تعظيم هذا الأمر وبيان فساده وجرمه.
/ثم بيّن الله جزاءهم فقال (وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ) كيف يخدعون أنفسهم؟ يعني كما يقال "يلعب على نفسه" بمعنى أنه ها هو يصلي لكنه لا يكسب من صلاته شيئا ً،هاهو يؤمن لكنه لم ينتفع بإيمانه شيئا ً,فهو يخدع نفسه لأنه سيأتي يوم القيامة وقد حبط عمله كله بريائه ونفاقه , فهذا معنى وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون , لا يشعرون أن هذا الإيمان لن ينفعهم ,لا ينفعهم في الآخرة عند الله عز وجل وإن نفعهم في الدنيا بأن كانت أُجريت عليهم أحكام المؤمنين .
الوصف الثالث : قال الله عز وجل (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) فهذا الوصف هو مرض القلب , مرض القلب والكذب هذان وصفان،فإذا كان هناك مرض في القلب والمرض المقصود به هنا المرض المعنوي في الشك والريب والاضطراب وعدم التصديق كل ذلك داخل في هذا المرض , كل ما كان في القلب من دخن وشك وريب وكبرياء كل ذلك داخل في هذا الوصف ,فهي كلها من صفات المنافقين .
ثم خص صفة واحدة من صفاتهم لأنها هي من أشهر صفاتهم ,قال الله عزوجل (بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) وإنما نصّ أو صرّح الله عز وجل بها لأنها صفة يجب الحذر منها،ولذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -قال : (آية المنافق ثلاث) وعدّ أولها فقال : (إذاحدّث كذب), وهذه الآية فيها قراءتان (بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) و(بِمَا كَانُوا يُكَذِّبُونَ) بما كانوا يكذبون في حديثهم وبما كانوا يُكذّبون في إيمانهم فاشتملت حالهم الظاهر والباطن .
فزادهم الله مرضا ً ماذا زادهم الله ؟
أي زادهم الله اضطرابا ًوشكّا ًوريبا وخوفا ًوغير ذلك ,جزاء من جنس عملهم.
الصفة الرابعة : قال الله عز وجل في صفة أخرى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ11 أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ12) هذه الآيات في بيان صفة من صفاتهم الذميمة المانعة من الانتفاع بالقرآن وهي انعكاس مفاهيمهم ,يظنون أنهم بأعمالهم يصلحون وهم يفسدون ,وهذا أمر ظاهر فهم يدّعون ،يزعمون الإصلاح زعمًا وكذبًا أو أنهم يتصورون أن هذا هو الإصلاح كما هو حال المنافقين اليوم ,اليوم المنافقون ينادون بالإصلاح الّذين يزعمونه وفيه ما فيه من تغيير مبادئ الدين ومظاهر الدين ويزعمون أن هذا تقدّم ويزعمون أن هذا انفتاح ويزعمون أن هذا إصلاح للمجتمع وما يشعرون أنهم يفسدون (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ) ونحن نرى أن هذه الصفة أيها الإخوة صفة جلّية ظاهرة فيما نراه من حال المنافقين اليوم .
نعم أيها الإخوة هاهي دعواتهم في التغيير ، ودعواتهم في الاختلاط ودعواتهم في مظاهرة الكافرين وموالاتهم وغير ذلك كل ذلك باسم الاصلاح والانفتاح على الآخر والتقدم وعدم الانغلاق كل هذه الدعوات فاســدة كل هذه الدعوات داخلة في هذه الآية في قول الله عز وجل (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) قال الله (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) ولاحظوا أيها الإخوة حكم الله عليهم قال (ألا) أداة تنبيه ,ثم قال (إنهم) أداة تأكيد ثم قال (هم) حصرًاً (المفسدون) ,ولم يقل مفسدون وإنما بالأف واللام يعني هم المفسدون حقا ً,فما أعظم حكم الله عليهم المتمثل بهذه الآية .
وهنا قد يكون إشكال (إ ِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ6) يعني هل تعني هذه الآية أن الكافر سواء أنذرته أو لم تنذره لا يؤمن؟ إذا فما الفائدة من الدعوة إلى الله عز وجل؟
هذه الآية تُشكل على كثير من الناس في ظاهر مفهومها, لأنا لوأخذنا بظاهر مفهومها على هذا الوجه فإنه لا فائدة من دعوة الكافرين لأن الله تعالى يقول (إ ِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُون) إذا فما الجواب؟!
فما المعنى المقصود ؟
/ هم الّذين أصرّوا على الكفر وعاندوا وأبَوا أن يستجيبوا ويستمعوا كلام الله عز وجل , فإنك تجد أن هذا المُعرض المُصر على الكفر لا يمكن يؤمن أبدا ًولا يُنتفع بالقرآن ,لكنك تجد من الكافرين من يسمع كتاب الله عزوجل فيؤمن أليس عمر كان مشركا ًفلما سمع كتاب الله آمن ، كيف آمن ؟
آمن حينما أحضر قلبه وأصغى بسمعه وأقبل على القرآن ,فكل كافر يُقبل على القرآن يهتدي, وكل كافر يُصر على كفره ويُعاند ويأبى أن يؤمن بهذا القرآن لا يمكن أن يهتدي ، هذا هو المعنى الظاهر الصحيح الذي رجّحه كثير من المفسّرين.
إذا هي في المصرّين على الكفر المعاندين العامدين في كفرهم ,فهؤلاء سواء أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ,ألسنا قلنا أن هذه الآيات فيمن لا ينتفع بالقرآن؟ بلى ,إذا هي في المُصرِّين الّذين عقدوا في قلوبهم الكفر وأبَوا أن يؤمنوا .
فلذلك جزاؤهم ماذا ؟ جزاؤهم من جنس عملهم قال الله (خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ) ما دام أنهم مصرّون فالله تعالى يُزيدهم إصرارا ًوضلالا ً(خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ) وإنما خصّ القلوب هنا لأن القلوب هي التي تعي , والأسماع لأنها هي التي تسمع كتاب الله عز وجل .
/ ثم قال (وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ) أي غطاء لا يبصرون الحق, فالحق يبصره الإنسان ببصيرته قبل بصره (إِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) ,فأشار الله عز وجل أن من أعرض فإن الله عز وجل يزيده إعراضا ًويمدّه في طغيانه كما قال الله عز وجل (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)
/ ثم قال الله في الصنف الثاني وهم من المعرضين :
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ) هنا سؤال لماذا عبّر عن المنافقين بقوله (ومن الناس) ولم يقل والمنافقون يقولون ؟معاملة لهم بمثل حالهم أليس يخفون كفرهم مخادعة لله ولرسوله وللمؤمنين ,فالله تعالى هنا عاملهم بمثلهم فعبّر عنهم بأسلوب عام (وَمِنَ النَّاسِ) ثم أيضا ًهم من الناس الّذين سبق ذكرهم وهم الكافرون فكأنه قال هؤلاء صنف من الكافرين ,وإنما خصصناهم لأنهم صنف فيهم خطر على المسلمين ولذلك أطال الحديث عنهم , فهذا سر طول الحديث عنهم , تحدّث الله عن الكافرين في آيتين وأطال بعد ذلك الحديث عن المنافقين لأنهم يعيشون مع المؤمنين ولا شك أن خطرهم أعظم لخفائهم ,فالله تعالى ميّز صفاتهم لنعلمهم , فمن كان فيه هذه الصفة ففيه صفة من المنافقين.
ماهي هذه الصفات ؟
الصفة الأولى : قال الله عز وجل (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ) إذا هي إيمانهم الظاهر وكفرهم الباطن ,فمن كان هذا حاله فهو منافق لا يمكن أن ينتفع بالقرآن ,فهذا أول مانع من موانع الانتفاع .
ثم المانع الثاني : تابعوا معي أيها الإخوة في المصحف لأن كل آية تحمل معنى قال الله (يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ) فهذا وصف زائد كاشف للمنافقين وهو اتصافهم بالمخادعة ,وهو مانع من موانع الإيمان والانتفاع بالقرآن لماذا ؟
لأن المخادعة أيها الإخوة متضمنة إخفاء أمر فاسد في النفس,وإذا فسد القلب لا يمكن أن ينتفع بالقرآن ,فالمخادعة لله ولرسوله , كلما كانت المخادعة في جانب الإيمان كانت أعظم جرما ًوضلالا ًومانعا ًمن موانع الاهتداء.
وهذا يدلنا على أن صفة المخادعة أيّا كانت صفة ليست من صفات المؤمنين وإنما هي من صفات المنافقين.
وجه مخادعتهم لله قال الله (يُخَادِعُونَ اللّه) كيف يخادعون الله ؟
هم يخادعون في دين الله ، هم لا يخادعون المؤمنين في أمر من أمور الدنيا وإن كانوا يفعلون ذلك لكن المقصود هنا أنهم يخادعون المؤمنين في أمر من أمور الدين في أنهم يظهرون إيمانهم ويبطنون كفرهم ,فلذلك قال (يُخَادِعُونَ اللّهَ) كأنهم قالوا يخادعون دين الله ـ عز وجل ـ وأيضا ًفإن مخادعتهم للمؤمنين كأنها مخادعة لله عز وجل , فذلك من تعظيم هذا الأمر وبيان فساده وجرمه.
/ثم بيّن الله جزاءهم فقال (وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ) كيف يخدعون أنفسهم؟ يعني كما يقال "يلعب على نفسه" بمعنى أنه ها هو يصلي لكنه لا يكسب من صلاته شيئا ً،هاهو يؤمن لكنه لم ينتفع بإيمانه شيئا ً,فهو يخدع نفسه لأنه سيأتي يوم القيامة وقد حبط عمله كله بريائه ونفاقه , فهذا معنى وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون , لا يشعرون أن هذا الإيمان لن ينفعهم ,لا ينفعهم في الآخرة عند الله عز وجل وإن نفعهم في الدنيا بأن كانت أُجريت عليهم أحكام المؤمنين .
الوصف الثالث : قال الله عز وجل (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) فهذا الوصف هو مرض القلب , مرض القلب والكذب هذان وصفان،فإذا كان هناك مرض في القلب والمرض المقصود به هنا المرض المعنوي في الشك والريب والاضطراب وعدم التصديق كل ذلك داخل في هذا المرض , كل ما كان في القلب من دخن وشك وريب وكبرياء كل ذلك داخل في هذا الوصف ,فهي كلها من صفات المنافقين .
ثم خص صفة واحدة من صفاتهم لأنها هي من أشهر صفاتهم ,قال الله عزوجل (بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) وإنما نصّ أو صرّح الله عز وجل بها لأنها صفة يجب الحذر منها،ولذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -قال : (آية المنافق ثلاث) وعدّ أولها فقال : (إذاحدّث كذب), وهذه الآية فيها قراءتان (بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) و(بِمَا كَانُوا يُكَذِّبُونَ) بما كانوا يكذبون في حديثهم وبما كانوا يُكذّبون في إيمانهم فاشتملت حالهم الظاهر والباطن .
فزادهم الله مرضا ً ماذا زادهم الله ؟
أي زادهم الله اضطرابا ًوشكّا ًوريبا وخوفا ًوغير ذلك ,جزاء من جنس عملهم.
الصفة الرابعة : قال الله عز وجل في صفة أخرى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ11 أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ12) هذه الآيات في بيان صفة من صفاتهم الذميمة المانعة من الانتفاع بالقرآن وهي انعكاس مفاهيمهم ,يظنون أنهم بأعمالهم يصلحون وهم يفسدون ,وهذا أمر ظاهر فهم يدّعون ،يزعمون الإصلاح زعمًا وكذبًا أو أنهم يتصورون أن هذا هو الإصلاح كما هو حال المنافقين اليوم ,اليوم المنافقون ينادون بالإصلاح الّذين يزعمونه وفيه ما فيه من تغيير مبادئ الدين ومظاهر الدين ويزعمون أن هذا تقدّم ويزعمون أن هذا انفتاح ويزعمون أن هذا إصلاح للمجتمع وما يشعرون أنهم يفسدون (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ) ونحن نرى أن هذه الصفة أيها الإخوة صفة جلّية ظاهرة فيما نراه من حال المنافقين اليوم .
نعم أيها الإخوة هاهي دعواتهم في التغيير ، ودعواتهم في الاختلاط ودعواتهم في مظاهرة الكافرين وموالاتهم وغير ذلك كل ذلك باسم الاصلاح والانفتاح على الآخر والتقدم وعدم الانغلاق كل هذه الدعوات فاســدة كل هذه الدعوات داخلة في هذه الآية في قول الله عز وجل (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) قال الله (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) ولاحظوا أيها الإخوة حكم الله عليهم قال (ألا) أداة تنبيه ,ثم قال (إنهم) أداة تأكيد ثم قال (هم) حصرًاً (المفسدون) ,ولم يقل مفسدون وإنما بالأف واللام يعني هم المفسدون حقا ً,فما أعظم حكم الله عليهم المتمثل بهذه الآية .
/ قال الله (وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ)
الصفة الخامسة : قال الله بعد ذلك في صفة من صفاتهم زائدة مانعة من الانتفاع بالقرآن (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ) لاحظوا أنه في كل آية يأتي وصـف وحكـم من الله عز وجل ,قال هنا (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء ) هذه الصفة تُبيّن ماذا؟
تُبيّن استخفافهم بالمؤمنين كأن يقول نحن نؤمن مثل هؤلاء السفهاء يعني لا حقوق لهم ,السفيه هو الذي لا حق له ,يظنون أن المؤمنين سفهاء لا عقول لهم ,لا يفكرون في مصالحهم ، لا يعون حقيقة الحياة ,يعيشون منغلقين كما يزعمون هذه دعواتهم اليوم.
ها أنتم ترون كيف أنهم يستهزؤون بالمؤمنين ويسخرون منهم ويستقلّونهم ,بل وصل الحال بهم اليوم إلى أنهم يسخرون من العلماء ويزدرون بهم ,ويحاولون تنحيتهم عن الحياة العملية للناس , وهذا والله ضلال مبين , وهذا وصف ظاهر في دخولهم هنا لأنهم قالوا (أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء) أي لا عقول لهم لا يفكرون لا يعرفون أبعاد الأمر.
لماذا هؤلاءالمنافقون يقولون ذلك ؟
لأنهم لا يعيشون إلا مصالحهم الدنيوية ,ليس لهم في دين الله شأن أو ليس لدين الله عندهم في نفوسهم شأن , فلذلك كان حكمهم قال الله عز وجل عنهم (ألا إنهم ) لاحظ أداة تنبيه تأكيد ممن ؟ من الله عز وجل ,(ألا إنهم) أداة تأكيد، (هم)تخصيص ،(السفهاء) إستغراق الألف واللام فهم حقا ًالسفهاء ,فإذن السفه حق السفه في هؤلاء الّذين يدّعون أنهم يؤمنون ,ويسخرون بالمؤمنين .
الصفــة السادسة :
ثم قال الله عز وجل في وصف آخر (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) قال الله (اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) هذا وصف آخر من صفاتهم الذميمة المانعة من الاهتداء بالقرآن وهو كونهم مذبذبين متخلخلين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ,فإذا كان الإنسان متذبذب بين أهل العصاة وبين أهل الطاعة فذلك فيه دخن ، فيه ضعف ، فيه مانع من موانع الاهتداء ,فينبغي على المسلم الحق والمسلمة الحقة أن يكون ثابتا على مبدئه في الإيمان لا متزعزعا ً, إذا رأى أهل الباطل تركهم وإذا رأى أهل الحق كان معهم .
ثم حكم الله عليهم بقوله (اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) جزاءً لأفعالهم حينما قالوا لشياطينهم لاحظوا التعبير (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ ) لقوا فقط ملاقاة,مع الكافرين ماذا قال الله عنهم (وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ ) خلوة بمعنى أنهم في حال من القرب والدنو وحال من الرغبة إلى أن يكونوا معهم ,ولذلك قالوا (إنّا معكم) هناك قالوا (آمنا) فقط ظاهرة ,فلاحظ التعبير البليغ في إهدار وقتهم .
ثم قالوا (إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) بمن؟ بالمؤمنين .
قال الله عز وجل هو يستهزئ ولم يقل استهزأ قال يستهزئ أي هو دائما ًسبحانه وتعالى يستهزئ بهم بماذا ؟ بأنه يملي لهم ,فيجريهم في أحكامه في الدنيا مع المؤمنين ,لكنه يتربص بهم في عذاب الآخرة ولهذا قال (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
ثم قال الله تعالى (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) تأملوا التعبير بالشراء (اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ) انظروا كأنهم باعوا الهدى بيعا ًواشتروا الضلالة أي ضلال بعد هذا؟ أن يبيع الإنسان الهدى ويشتري الضلالة ,هكذا حكم الله تعالى أو بيّن الله وصفهم فما والله ربحت تجارتهم كيف تربح تجارتهم وقد باعوا الهدى واشتروا الضلالة ( وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) أي لن يهتدوا بالقرآن لاحظوا التعبير في قوله (وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) أي لن ينتفعوا ولن يهتدوا بكتاب الله .
/ ثم انتقل الحديث في بيان مثلهم ,المثلين مثل المائي والناري أوالنار والماء قال الله عز وجل كشفا ًلهم ولحالهم وتصويرا ًلهم أكثر بعد بيان أوصافهم , قال الله عز وجل (مَثَلُهُمْ) واختلف المفسرون هنا فيمن هذه الآيات قيل هي في الكافرين قيل في المنافقين وقيل آية في الكافرين وآية في المنافقين ,لكن الظاهر والله أعلم أنها في المنافقين بما سيأتي.
الصفة الخامسة : قال الله بعد ذلك في صفة من صفاتهم زائدة مانعة من الانتفاع بالقرآن (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ) لاحظوا أنه في كل آية يأتي وصـف وحكـم من الله عز وجل ,قال هنا (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء ) هذه الصفة تُبيّن ماذا؟
تُبيّن استخفافهم بالمؤمنين كأن يقول نحن نؤمن مثل هؤلاء السفهاء يعني لا حقوق لهم ,السفيه هو الذي لا حق له ,يظنون أن المؤمنين سفهاء لا عقول لهم ,لا يفكرون في مصالحهم ، لا يعون حقيقة الحياة ,يعيشون منغلقين كما يزعمون هذه دعواتهم اليوم.
ها أنتم ترون كيف أنهم يستهزؤون بالمؤمنين ويسخرون منهم ويستقلّونهم ,بل وصل الحال بهم اليوم إلى أنهم يسخرون من العلماء ويزدرون بهم ,ويحاولون تنحيتهم عن الحياة العملية للناس , وهذا والله ضلال مبين , وهذا وصف ظاهر في دخولهم هنا لأنهم قالوا (أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء) أي لا عقول لهم لا يفكرون لا يعرفون أبعاد الأمر.
لماذا هؤلاءالمنافقون يقولون ذلك ؟
لأنهم لا يعيشون إلا مصالحهم الدنيوية ,ليس لهم في دين الله شأن أو ليس لدين الله عندهم في نفوسهم شأن , فلذلك كان حكمهم قال الله عز وجل عنهم (ألا إنهم ) لاحظ أداة تنبيه تأكيد ممن ؟ من الله عز وجل ,(ألا إنهم) أداة تأكيد، (هم)تخصيص ،(السفهاء) إستغراق الألف واللام فهم حقا ًالسفهاء ,فإذن السفه حق السفه في هؤلاء الّذين يدّعون أنهم يؤمنون ,ويسخرون بالمؤمنين .
الصفــة السادسة :
ثم قال الله عز وجل في وصف آخر (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) قال الله (اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) هذا وصف آخر من صفاتهم الذميمة المانعة من الاهتداء بالقرآن وهو كونهم مذبذبين متخلخلين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ,فإذا كان الإنسان متذبذب بين أهل العصاة وبين أهل الطاعة فذلك فيه دخن ، فيه ضعف ، فيه مانع من موانع الاهتداء ,فينبغي على المسلم الحق والمسلمة الحقة أن يكون ثابتا على مبدئه في الإيمان لا متزعزعا ً, إذا رأى أهل الباطل تركهم وإذا رأى أهل الحق كان معهم .
ثم حكم الله عليهم بقوله (اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) جزاءً لأفعالهم حينما قالوا لشياطينهم لاحظوا التعبير (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ ) لقوا فقط ملاقاة,مع الكافرين ماذا قال الله عنهم (وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ ) خلوة بمعنى أنهم في حال من القرب والدنو وحال من الرغبة إلى أن يكونوا معهم ,ولذلك قالوا (إنّا معكم) هناك قالوا (آمنا) فقط ظاهرة ,فلاحظ التعبير البليغ في إهدار وقتهم .
ثم قالوا (إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) بمن؟ بالمؤمنين .
قال الله عز وجل هو يستهزئ ولم يقل استهزأ قال يستهزئ أي هو دائما ًسبحانه وتعالى يستهزئ بهم بماذا ؟ بأنه يملي لهم ,فيجريهم في أحكامه في الدنيا مع المؤمنين ,لكنه يتربص بهم في عذاب الآخرة ولهذا قال (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
ثم قال الله تعالى (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) تأملوا التعبير بالشراء (اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ) انظروا كأنهم باعوا الهدى بيعا ًواشتروا الضلالة أي ضلال بعد هذا؟ أن يبيع الإنسان الهدى ويشتري الضلالة ,هكذا حكم الله تعالى أو بيّن الله وصفهم فما والله ربحت تجارتهم كيف تربح تجارتهم وقد باعوا الهدى واشتروا الضلالة ( وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) أي لن يهتدوا بالقرآن لاحظوا التعبير في قوله (وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) أي لن ينتفعوا ولن يهتدوا بكتاب الله .
/ ثم انتقل الحديث في بيان مثلهم ,المثلين مثل المائي والناري أوالنار والماء قال الله عز وجل كشفا ًلهم ولحالهم وتصويرا ًلهم أكثر بعد بيان أوصافهم , قال الله عز وجل (مَثَلُهُمْ) واختلف المفسرون هنا فيمن هذه الآيات قيل هي في الكافرين قيل في المنافقين وقيل آية في الكافرين وآية في المنافقين ,لكن الظاهر والله أعلم أنها في المنافقين بما سيأتي.
/ قال الله تعالى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ17 صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ18 )
هاتان الآيتان أيها الإخوة غرضهما هو بيان حال المنافقين مع الإيمان كيف حالهم مع الإيمان ؟ كيف إذا جاءهم الإيمان ؟ قال الله ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً) انظر ماذا قال ابن عباس في بيان المثل قال: "أن المنافقين استوقدوا نورا ًمن المؤمنين بإيمانهم الظاهر كونهم قالوا آمنا استوقدوا نارا من المؤمنين ,لكن هذا النور كان نورا ًظاهرا ويسيرا لا دوام له بما أظهروه من كلمة الإيمان فقط وانتفعوا به يسيرا" بماذا؟ بالأمن على أنفسهم وأموالهم وأولادهم في الدنيا , ولم يتمكنوا منه في أنفسهم أي لم يكن في قلوبهم ,فإذا ذهبوا إلى أهل الكفر ذهب عنهم هذا النور تماما وبقيت الظلمة الشديدة الموحشة في قلوبهم ,ظلمات ظلمة النفاق والكفر والتكذيب وغير ذلك ,وما أعقبه النفاق من حيرة واضطراب وقلق ,وكذلك أيضا فإن بقاءهذا النور الذي حازوه من المؤمنين هو نصيبهم في الدنيا فقط ,فإذا ماتوا انقطع هذا النور ولم يكن لهم فيه نور فهذا المثل الناري أنهم استوقدوا من المؤمنين نورا بالإيمان الظاهر ,فإذا ذهبوا إلى الكفار وجدوا الظلمة والوحشة والقلق والاضطراب ظلمات, وهكذا ذهب الله بنورهم .
/ وتأملوا قول الله عز وجل (ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ) ولم يقل بنارهم أو ضياءهم,لماذا ؟
يعني ذهب الله بالنور وبقي الإحراق يعني من مصدر النار ,النار فيها أمرين إحراق ونور فالله عز وجل سلب منهم النور فبقي الإحراق وهو الظلمة في قلوبهم ,ثم حكم الله عليهم بقوله ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ) ما دام هذا حالهم .
ثم جاء المثل المائي فقال الله عز وجل (أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم ....)الآية ,هذا المثل أيها الإخوة يُبيّن حال المنافقين مع القرآن المثل الأول حالهم مع الإيمان كيف حالهم مع الإيمان كما ذكرنا , هذا المثل يبين حالهم مع نزول القرآن ,كيف كان حالهم ؟
هاتان الآيتان أيها الإخوة غرضهما هو بيان حال المنافقين مع الإيمان كيف حالهم مع الإيمان ؟ كيف إذا جاءهم الإيمان ؟ قال الله ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً) انظر ماذا قال ابن عباس في بيان المثل قال: "أن المنافقين استوقدوا نورا ًمن المؤمنين بإيمانهم الظاهر كونهم قالوا آمنا استوقدوا نارا من المؤمنين ,لكن هذا النور كان نورا ًظاهرا ويسيرا لا دوام له بما أظهروه من كلمة الإيمان فقط وانتفعوا به يسيرا" بماذا؟ بالأمن على أنفسهم وأموالهم وأولادهم في الدنيا , ولم يتمكنوا منه في أنفسهم أي لم يكن في قلوبهم ,فإذا ذهبوا إلى أهل الكفر ذهب عنهم هذا النور تماما وبقيت الظلمة الشديدة الموحشة في قلوبهم ,ظلمات ظلمة النفاق والكفر والتكذيب وغير ذلك ,وما أعقبه النفاق من حيرة واضطراب وقلق ,وكذلك أيضا فإن بقاءهذا النور الذي حازوه من المؤمنين هو نصيبهم في الدنيا فقط ,فإذا ماتوا انقطع هذا النور ولم يكن لهم فيه نور فهذا المثل الناري أنهم استوقدوا من المؤمنين نورا بالإيمان الظاهر ,فإذا ذهبوا إلى الكفار وجدوا الظلمة والوحشة والقلق والاضطراب ظلمات, وهكذا ذهب الله بنورهم .
/ وتأملوا قول الله عز وجل (ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ) ولم يقل بنارهم أو ضياءهم,لماذا ؟
يعني ذهب الله بالنور وبقي الإحراق يعني من مصدر النار ,النار فيها أمرين إحراق ونور فالله عز وجل سلب منهم النور فبقي الإحراق وهو الظلمة في قلوبهم ,ثم حكم الله عليهم بقوله ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ) ما دام هذا حالهم .
ثم جاء المثل المائي فقال الله عز وجل (أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم ....)الآية ,هذا المثل أيها الإخوة يُبيّن حال المنافقين مع القرآن المثل الأول حالهم مع الإيمان كيف حالهم مع الإيمان كما ذكرنا , هذا المثل يبين حالهم مع نزول القرآن ,كيف كان حالهم ؟
انظروا إلى ما ذكره ابن عطية في تأويل هذا المثل قال :" قال جمهور المفسرين مثّل الله القرآن بالصّيب لما فيه من الإشكال عليهم والعمى وهو الظلمات وما فيه من الوعد والزجر وهو الرعد، وما فيه من النور والحجج الباهرة التي تكاد أن تبهرهم وهو البرق ,وتخوفهم وروعهم وحذرهم هو جعلهم أصابعهم في آذانهم ,وفضح نفاقهم واستهان كفرهم وتكاليف الشرع التي يكرهونها في الجهاد والزكاة هي الصواعق وهذا كله صحيح بيّن ) .
يعني القرآن مثل هذا المطر هو عليهم عذاب ,المطر مع أنه أصله رحمة هو عليهم عذاب لماذا ؟ لأن هذا المطر فيه خير وهو هذا الماء , وفيه شيء ضار وهو هذا الرعد والبرق ,فهذا الرعد والبرق هو نصيب المنافقين ,وهذا الماء والغيث هو نصيب المؤمنين ,فهذا المثل يبين هذا الحال ,فإذا نزل عليهم القرآن كان نصيبهم من القرآن الوعيد وفضيحتهم وبيان صفاتهم والتحذير منهم وذكر عقوباتهم في الدنيا والآخرة , فيملؤهم رعبا ًوخوفا ،ولذلك (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ *وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ) وهم المنافقون ( فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) هذا حال أهل النفاق مع القرآن. فهذان المثلان يمثّلان حال المنافقين مع الإيمان ومع القرآن.
ثانيا ً: تضمنت الإيمان بالقرآن وأنه حق لا ريب فيه .
ثالثا ً: تضمنت الإيمان برسله أو برسوله المنزّل عليه هذا الكتاب وأنه عبد الله ونبيه .
رابعا ً: تضمنت الإيمان بالجزاء الأخروي لأهل الكفر بالنار ولأهل الإيمان بالجنة
هذه ما تضمنته هذه الآيات في قسمها الأول .
هنا سؤال وهو ما وجه تخصيص الآيات والنِعم المذكورة في الآية ؟
خصص الله عزوجل في هذه الآية ,تأملوها جيدا ذكر الله فيها الخلقة البشرية والبنيتان الأرضية والسماوية وما يخرج منهما من الثمرات من إنزال المطر وإخراج النبات ,فهذا ذكره الله وخصّه لأنه محل الاعتبار بالبشر ,وهو مواطن المنافع الظاهرة لهم ,هذه أعظم منافع لهم خلقتهم ،خلق الأرض والسماء وما بينهما من إنزال المطر وإنبات النبات ,وبها يقوم الدليل الظاهر على وجود الله ـ عز وجل ـ وعلى قدرته .
ولو تأملنا سياق الآيات لظهر لنا حسن الانتظام في هذا التقريب ودقة التعبير من وجوه :
أولا ً: ابتدأ بخلقهم لأنه سابقة أصول النعم عليهم , أعظم نعمة عليهم هي خلقهم, ثم ثنّى بخلق الأرض التي هي مكانهم ومستقرّهم التي لابدَّ لهم منها،ثم ثلّث بخلق السماء التي هي كالسقف الذي يُظلّهم ,ثم ذكر بعد ذلك إنزال الماء من السماء للأرض والإخراج به من بطنها أي من بطن الأرض وهو أشبه بالنسل المنتج من الحيوان.
تأملوا كيف ابتدأ أوامر السورة بالأمر هنا بالعبادة هذا أول أمر ,أول أمر في السورة هو هذا الأمر (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) لأن أول أمر جاءت به الرسل اعبدوا الله, (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ) فكان أول أمر في كتاب الله عز وجل وأول دعوة في القرآن لمن قرأ القرآن فيه هذا الأمر (اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) فكان مناسبا,ثم أيضا أنه مناسب لتأسيس الدولة الإسلامية وبناء تشريعها الأساسي فهو مناسب لذلك .
/ ثم قال الله عز وجل (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ)
هذه الآية واردة في إظهار التحدي لإثبات نهاية كمال القرآن وسلامته ,في الآيات الأولى أول السورة بيّن كماله ثم بيّن في هذه الآية التحدّي لهم ,يعني أظهر التحدي لهم (إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ)
كما أنها واردة في إثبات الأصل الثاني وهو النبوّة والكتاب، التصديق بالنبوّة والكتاب بعد الأصل الأول وهو الإقرار بالعبودية لله عز وجل .
تأملوا التعبير بقوله (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ) ما قال (إن كان في ريب) قال إن كنتم أنتم في ريب، ثم قال "ريب" يعني أدنى ريب فأتوا بسورة من مثله ,ثم قال (مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا) ولم يقل (أنزلنا) ما الفرق بين نزلنا و أنزلنا ؟
نزّلنا تأتي على التدريج وأنزلنا تأتي جملة واحدة , فكأنه قال لكم أن تفكّروا في الأمر جليّا طويلا ً ،فكّروا فيه كما تريدون ,وأن هذا الإنزال الذي أنزله الله على محمد منجما ومفرّقا ابحثوا فيه عن قصور أو ريب أو نقص (فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم) لم يكتف بدعوتهم إلى أن يتحدّاهم بأنفسهم بل قال (ادْعُواْ شُهَدَاءكُم) ومن هم شهداءهم؟ شهداؤهم الأصنام وشهداءهم كبراؤهم ورؤسائهم وزعماؤهم وخبراؤهم وكل من له علم عندهم ليأتوا بهم فيجتمعوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن (لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) كما قال الله عز وجل .
ثم قال الله تعالى (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ) لاحظ ،هنا هذه الآية الغرض منها الحكم بعجزهم ، وهذا من إعجاز القرآن أنه إلى قيام الساعة لن يفعل أحد مهما كان , ومهما اجتمع أهل الأرض في وجود الريب في القرآن لا يمكن لأنه كلام رب العالمين الذي كمُل في ذاته وأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى وكَمّل به كتابه ,فهنا حكم بعجزهم على أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو يجدون فيه قصورًا أوريبًا وهذا من إعجاز القرآن إلى قيام الساعة ولذلك توعدهم الله قال (وَلَن تَفْعَلُواْ.
ثم قال (فَاتَّقُواْ النَّارَ) فتوعّدهم على هذا التكذيب الذي لا يستطيعون معه الاستجابة وأن يأتوا بمثل ما طالبهم به توعدهم بالنار ( فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) جعل النار مقام العناد ,ولم يقل اتقوا التكذيب أو اتقوا العناد قال اتقوا النار مباشرة لأنها جزاؤهم ,وفي هذا إيجاز .
ثم ذكر الناس مع الحجارة وقدّم الناس لماذا؟
مبالغة في تهديدهم وأنكم أولى من يكون في النار ثم الحجارة.ثم أيضا تأملوا كيف قارنهم مع الحجارة التي لا تحرقها النار في الدنيا هي وقود النار يوم القيامة ,فتأملوا كيف أن الله أشار إلى عِظم النار بأنها لا تتقد بأشجار وإنما تتقد بالحجارة ,وهذا دليل على عظمتها كما بيّنها النبي - صلى الله عليه وسلم بقوله (إن ناركم هذه جزء من تسع وستين جزءً من نار جهنم) عياذا ًبالله .
فذكر الحجارة هنا إشارة إلى فرط حرّ جهنم وامتيازها عن النيران الأخرى توعدا ًلهم وتأكيداً على عِظم جزاءهم وعذابهم .
/ ثم انتقل إلى وعد كريم وبشرا ًكريمة ًعظيمة من الله عز وجل في قوله بعد أن ذكر حال المكذّبين جاء بحال المؤمنين.
والله تأملت القرآن فما وجدت -حقيقة- بيان لآيات الجنة وعِظم جزائها وكمالها مثل هذه الآية لماذا ؟ لأنها وردت في حال جزاء الكُمّل الّذين اهتدوا بالقرآن ,كما أن تلك في بيان حال المكذّبين ذكر الله تعالى هنا باختصار شديد حال أهل الجنة في تنعّمهم كامل التنعّم .
تأملوا معي كيف افتتح الله الآية بالتبشير (بشّر) ، أنت -ولله المثل الأعلى ولكتابه- أنت إذا أردت أن تُدخل السرور على إنسان مباشرة تقول أبشر ،لا تستفتح الكلام بأي كلام إلّا أبشر .. أبشرك ,فالله تعالى هنا افتتح الكلام لعباده المؤمنين بقوله مخاطبًا ًنبيه بشّر المؤمنين (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ) ففيه مزيد تكريم ,وتأملوا أن هذه الآية ذكرت كما ذكر ابن السعدي - رحمه الله - في تأملاته : ذكر المُبشِر والمُبشَّر والمُبشّر به والسبب الموصل لهذه البشارة.
يعني القرآن مثل هذا المطر هو عليهم عذاب ,المطر مع أنه أصله رحمة هو عليهم عذاب لماذا ؟ لأن هذا المطر فيه خير وهو هذا الماء , وفيه شيء ضار وهو هذا الرعد والبرق ,فهذا الرعد والبرق هو نصيب المنافقين ,وهذا الماء والغيث هو نصيب المؤمنين ,فهذا المثل يبين هذا الحال ,فإذا نزل عليهم القرآن كان نصيبهم من القرآن الوعيد وفضيحتهم وبيان صفاتهم والتحذير منهم وذكر عقوباتهم في الدنيا والآخرة , فيملؤهم رعبا ًوخوفا ،ولذلك (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ *وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ) وهم المنافقون ( فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) هذا حال أهل النفاق مع القرآن. فهذان المثلان يمثّلان حال المنافقين مع الإيمان ومع القرآن.
/ ننتقل إلى المقطع الثالث وهومن الآية (21) إلى الآية (29):
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ(22) وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(23) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ(24) وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(25) إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ(26) الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(27) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(29))
هذه الآيات جاءت بعد ذكر الطوائف الثلاثة فكأنها دعوة لهم جميعا ولذلك قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) لأن هذه الدعوة يدخل فيها الكفار والمنافقون والمؤمنون قبل ذلك ,فعبّر بذلك بقوله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) فدعاهم جميعا ًإلى عبادة الله وحده ، إلى أن يؤمنوا بالله وحده.
وتضمنت هذه الدعوة أصول الدين الحق ,فتضمنت :
أولا ً: توحيد الألوهية بعبادة الله وحده مع بيان موجبات هذه العبادة وهي آياته بتوحيد الربوبية .ثانيا ً: تضمنت الإيمان بالقرآن وأنه حق لا ريب فيه .
ثالثا ً: تضمنت الإيمان برسله أو برسوله المنزّل عليه هذا الكتاب وأنه عبد الله ونبيه .
رابعا ً: تضمنت الإيمان بالجزاء الأخروي لأهل الكفر بالنار ولأهل الإيمان بالجنة
هذه ما تضمنته هذه الآيات في قسمها الأول .
هنا سؤال وهو ما وجه تخصيص الآيات والنِعم المذكورة في الآية ؟
خصص الله عزوجل في هذه الآية ,تأملوها جيدا ذكر الله فيها الخلقة البشرية والبنيتان الأرضية والسماوية وما يخرج منهما من الثمرات من إنزال المطر وإخراج النبات ,فهذا ذكره الله وخصّه لأنه محل الاعتبار بالبشر ,وهو مواطن المنافع الظاهرة لهم ,هذه أعظم منافع لهم خلقتهم ،خلق الأرض والسماء وما بينهما من إنزال المطر وإنبات النبات ,وبها يقوم الدليل الظاهر على وجود الله ـ عز وجل ـ وعلى قدرته .
ولو تأملنا سياق الآيات لظهر لنا حسن الانتظام في هذا التقريب ودقة التعبير من وجوه :
أولا ً: ابتدأ بخلقهم لأنه سابقة أصول النعم عليهم , أعظم نعمة عليهم هي خلقهم, ثم ثنّى بخلق الأرض التي هي مكانهم ومستقرّهم التي لابدَّ لهم منها،ثم ثلّث بخلق السماء التي هي كالسقف الذي يُظلّهم ,ثم ذكر بعد ذلك إنزال الماء من السماء للأرض والإخراج به من بطنها أي من بطن الأرض وهو أشبه بالنسل المنتج من الحيوان.
تأملوا كيف ابتدأ أوامر السورة بالأمر هنا بالعبادة هذا أول أمر ,أول أمر في السورة هو هذا الأمر (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) لأن أول أمر جاءت به الرسل اعبدوا الله, (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ) فكان أول أمر في كتاب الله عز وجل وأول دعوة في القرآن لمن قرأ القرآن فيه هذا الأمر (اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) فكان مناسبا,ثم أيضا أنه مناسب لتأسيس الدولة الإسلامية وبناء تشريعها الأساسي فهو مناسب لذلك .
/ ثم قال الله عز وجل (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ)
هذه الآية واردة في إظهار التحدي لإثبات نهاية كمال القرآن وسلامته ,في الآيات الأولى أول السورة بيّن كماله ثم بيّن في هذه الآية التحدّي لهم ,يعني أظهر التحدي لهم (إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ)
كما أنها واردة في إثبات الأصل الثاني وهو النبوّة والكتاب، التصديق بالنبوّة والكتاب بعد الأصل الأول وهو الإقرار بالعبودية لله عز وجل .
تأملوا التعبير بقوله (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ) ما قال (إن كان في ريب) قال إن كنتم أنتم في ريب، ثم قال "ريب" يعني أدنى ريب فأتوا بسورة من مثله ,ثم قال (مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا) ولم يقل (أنزلنا) ما الفرق بين نزلنا و أنزلنا ؟
نزّلنا تأتي على التدريج وأنزلنا تأتي جملة واحدة , فكأنه قال لكم أن تفكّروا في الأمر جليّا طويلا ً ،فكّروا فيه كما تريدون ,وأن هذا الإنزال الذي أنزله الله على محمد منجما ومفرّقا ابحثوا فيه عن قصور أو ريب أو نقص (فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم) لم يكتف بدعوتهم إلى أن يتحدّاهم بأنفسهم بل قال (ادْعُواْ شُهَدَاءكُم) ومن هم شهداءهم؟ شهداؤهم الأصنام وشهداءهم كبراؤهم ورؤسائهم وزعماؤهم وخبراؤهم وكل من له علم عندهم ليأتوا بهم فيجتمعوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن (لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) كما قال الله عز وجل .
ثم قال الله تعالى (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ) لاحظ ،هنا هذه الآية الغرض منها الحكم بعجزهم ، وهذا من إعجاز القرآن أنه إلى قيام الساعة لن يفعل أحد مهما كان , ومهما اجتمع أهل الأرض في وجود الريب في القرآن لا يمكن لأنه كلام رب العالمين الذي كمُل في ذاته وأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى وكَمّل به كتابه ,فهنا حكم بعجزهم على أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو يجدون فيه قصورًا أوريبًا وهذا من إعجاز القرآن إلى قيام الساعة ولذلك توعدهم الله قال (وَلَن تَفْعَلُواْ.
ثم قال (فَاتَّقُواْ النَّارَ) فتوعّدهم على هذا التكذيب الذي لا يستطيعون معه الاستجابة وأن يأتوا بمثل ما طالبهم به توعدهم بالنار ( فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) جعل النار مقام العناد ,ولم يقل اتقوا التكذيب أو اتقوا العناد قال اتقوا النار مباشرة لأنها جزاؤهم ,وفي هذا إيجاز .
ثم ذكر الناس مع الحجارة وقدّم الناس لماذا؟
مبالغة في تهديدهم وأنكم أولى من يكون في النار ثم الحجارة.ثم أيضا تأملوا كيف قارنهم مع الحجارة التي لا تحرقها النار في الدنيا هي وقود النار يوم القيامة ,فتأملوا كيف أن الله أشار إلى عِظم النار بأنها لا تتقد بأشجار وإنما تتقد بالحجارة ,وهذا دليل على عظمتها كما بيّنها النبي - صلى الله عليه وسلم بقوله (إن ناركم هذه جزء من تسع وستين جزءً من نار جهنم) عياذا ًبالله .
فذكر الحجارة هنا إشارة إلى فرط حرّ جهنم وامتيازها عن النيران الأخرى توعدا ًلهم وتأكيداً على عِظم جزاءهم وعذابهم .
/ ثم انتقل إلى وعد كريم وبشرا ًكريمة ًعظيمة من الله عز وجل في قوله بعد أن ذكر حال المكذّبين جاء بحال المؤمنين.
والله تأملت القرآن فما وجدت -حقيقة- بيان لآيات الجنة وعِظم جزائها وكمالها مثل هذه الآية لماذا ؟ لأنها وردت في حال جزاء الكُمّل الّذين اهتدوا بالقرآن ,كما أن تلك في بيان حال المكذّبين ذكر الله تعالى هنا باختصار شديد حال أهل الجنة في تنعّمهم كامل التنعّم .
تأملوا معي كيف افتتح الله الآية بالتبشير (بشّر) ، أنت -ولله المثل الأعلى ولكتابه- أنت إذا أردت أن تُدخل السرور على إنسان مباشرة تقول أبشر ،لا تستفتح الكلام بأي كلام إلّا أبشر .. أبشرك ,فالله تعالى هنا افتتح الكلام لعباده المؤمنين بقوله مخاطبًا ًنبيه بشّر المؤمنين (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ) ففيه مزيد تكريم ,وتأملوا أن هذه الآية ذكرت كما ذكر ابن السعدي - رحمه الله - في تأملاته : ذكر المُبشِر والمُبشَّر والمُبشّر به والسبب الموصل لهذه البشارة.
فمن هو المُبشِر؟ هو النبي - صلى الله عليه وسلم -,والمبشّر المؤمنون ,والمبشّربه الجنة ,والسبب الموصل لهذه البشارة العمل بالإيمان والعمل الصالح. فكملت هنا أطراف البشارة كلها ,فما أعظم هذه البشارة ,وما أعظم من حقق أسبابها وكان من أهلها ,نسأل الله أن يجعلنا من أهلها جميعا.
/ قال الله تعالى (أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ) قال (لهم) إشعارا بأن هذا مستقر لهم متحقق لهم ,ثم جمع الجنات ،وجمع الجنات دال على عظمتها وتعدادها فيه مزيد إكرام ,ثم قال (جنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) وفي هذا إشارة إلى كمال صورتها وحُسن منظرها ,يظهر ذلك من أمور:
أولا ً : التعبير بلفظ تجري ,ولا شك أن جريان الماء أفضل من مكوثه،فالماء الجاري أكمل وأنظر من الماء القارّ ففيه تجدد , ثم أيضاً قال من تحتها زيادة في تحسين وصف الجنات وذلك أن أنهار الجنة تجري بين الجنان من غير أخاديد وهذا أكمل محاسن الجنات وأفضلها .
/ قال الله عز وجل (كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ) فيه بيان زيادة لذّتهم وفي أرزاقهم وتنوعها, ثم قال (أُتُواْ بِهِ) فهو النعيم يؤتى به لهم وليس هم يطلبونه بمشقة وطلب كما هو حال الدنيا .
/ قال الله تعالى (أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ) قال (لهم) إشعارا بأن هذا مستقر لهم متحقق لهم ,ثم جمع الجنات ،وجمع الجنات دال على عظمتها وتعدادها فيه مزيد إكرام ,ثم قال (جنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) وفي هذا إشارة إلى كمال صورتها وحُسن منظرها ,يظهر ذلك من أمور:
أولا ً : التعبير بلفظ تجري ,ولا شك أن جريان الماء أفضل من مكوثه،فالماء الجاري أكمل وأنظر من الماء القارّ ففيه تجدد , ثم أيضاً قال من تحتها زيادة في تحسين وصف الجنات وذلك أن أنهار الجنة تجري بين الجنان من غير أخاديد وهذا أكمل محاسن الجنات وأفضلها .
/ قال الله عز وجل (كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ) فيه بيان زيادة لذّتهم وفي أرزاقهم وتنوعها, ثم قال (أُتُواْ بِهِ) فهو النعيم يؤتى به لهم وليس هم يطلبونه بمشقة وطلب كما هو حال الدنيا .
/ قال الله عز وجل (لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ) وهذا مزيد إكرام من جهة تعدد اللذات وتكاملها , والتعبير بأزواج بدل زوجات لماذا ما قال زوجات؟
هنا لطيفة جميلة وهي إشارة إلى اختصاصهم بتلك الأزواج ,وذلك لأن المراد بالأزواج القرناء من النساء اللّاتي تختص بالرجل لا يشاركه فيها غيره ,فعبّر بالأزواج دون الزوجات ,وفي ذلك مزيد إكرام.
ثم التعبير بـِ (مطهّرة ) ما يدل على أنها مطهّرة من كل عيب وأذى حسي ومعنوي ,ثم قال (وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) فعبّر بخلودهم فيها وذلك فيه إزالة للتنغيص عليهم في تنعّمهم لئلا يظنوا أن هذا النعيم نعيم مؤقت أو محدود .
/ قال الله عز وجل (كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً ) فقط أريد أن أقف وقفة يسيرة مع هذه الآية (كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ) ما معنى هذا الكلام ؟
اختلف في هذه الآية المفسرون اختلافًا طويلًا لكني أختصره بالقول الصحيح وهو: أنهم كلما أوتي لهم بثمرة كانت هذه الثمرة مع أنها هي الثمرة أو هي اسم الثمرة ,مثلا أوتي بالرمّان هذا اليوم كان هذا الثمر أعظم لذّة وأكمل طعما ًمن الرمّان الذي أوتي في اليوم الذي قبله ,فكل يوم يؤتى لهم بهذه الفاكهة اسمها هي اسم الأولى وشكلها هي شكل الأولى لكنَّ طعمها أجمل , وهذا سر من أسرار نعيم الجنة, أنَّ نعيمهم يزداد كل يوم لذّة الله اكبر ,ماأعظم هذه الحال ،في كل يوم تزداد لذّتك في الجنة , فالرمّان الذي تأكله اليوم ليس هو الرمّان الذي تأكله غدا في لذّته بل هو في لذّة أخرى وطعم آخر وهكذا.
بخلاف أهل الدنيا فأهل الدنيا حينما يأكلون الثمرة اليوم يتلذّذون بها ,لكن لو أكلوها من غد كانت لذّتهم أقل وهكذا إذا اعتاد الإنسان على طعام في الدنيا ضعفت لذّته وشهوته له,لكن الآخرة بعكس ذلك ,ولذلك أهل الجنة في كل جمعة يزدادون جمالا وبهاءً ,فيذهبون في سوق الجمعة فتهب عليهم ريح الشمال فيزدادون بها حسنا وجمالا,فيأتون إلى أهلِهم فيقول لهم أهلوهم : (لقد والله ازدتم حسنا وجمالا ) فيقولون هم لأهليهم : (وأنتم والله لقد ازدتم حسنا وجمالاً) هذا في كل جمعة تأمل هذا النعيم أنك في الجنة في كل أسبوع تزداد جمالا ويزداد أهلك جمالا وبهاء - نسال الله الكريم أن يرزقنا من فضله هذا النعيم المقيم - .
ثم أختم في الآيات التي بعدها في الحديث المختصر وهو قول الله عز وجل (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا )
مامناسبة هذه الآيات ؟
مناسبتها أن الكافرين حينما ذهلوا وتُحِدُّوا ,وتحداهم الله في القرآن وأن يأتوا بمثله ,ولم يكن لهم سبيل إلى ذلك لجؤا إلى ماذا؟
لجؤا للشبه والتنقص والحيل فقالوا كيف هذا القرآن يُضرب فيه الذباب ويضرب فيه العنكبوت مثلا وغيرها, كأنهم أرادوا أن يستنقصوا القرآن من حيث هذه الأمثال التي ضربها الله فيه ,وإنما ضرب الله عز وجل هذه الأمثال لآلهتهم ,فقال الله عز وجل (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ) لأن هذه الأمثال تزيد الإيمان تزيد المؤمنين إيماناً,وهذا يفيدنا في علم علوم القرآن أن الأمثال لها فائدة عظيمة في القرآن وهي كثيرة أنها تزيد الإيمان بحكم الله عز وجل بقوله هنا (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) أي من المؤمنين (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ) أي الخارجين عن أمر الله وحدِّه ,ثم ذكر صفاتهم (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) وفي هذا إشارة للمشركين ولأهل الكتاب المعاندين لأنهم هم الّذين نقضوا أمرالله عز وجل.
ثم ردّ الحديث بعد ذلك بإستفهام قال (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ28 هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ردّ الكلام إلى الدعوة الأولى أليس قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ) قال هنا (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ) بعد هذا البيان وهذا التفصيل وهذا الاستدلال والبرهان .
فبهذا يتبيّن لنا سياق هذه الآيات وتتابعها على هذا المعنى. نسأل الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
هنا لطيفة جميلة وهي إشارة إلى اختصاصهم بتلك الأزواج ,وذلك لأن المراد بالأزواج القرناء من النساء اللّاتي تختص بالرجل لا يشاركه فيها غيره ,فعبّر بالأزواج دون الزوجات ,وفي ذلك مزيد إكرام.
ثم التعبير بـِ (مطهّرة ) ما يدل على أنها مطهّرة من كل عيب وأذى حسي ومعنوي ,ثم قال (وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) فعبّر بخلودهم فيها وذلك فيه إزالة للتنغيص عليهم في تنعّمهم لئلا يظنوا أن هذا النعيم نعيم مؤقت أو محدود .
/ قال الله عز وجل (كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً ) فقط أريد أن أقف وقفة يسيرة مع هذه الآية (كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ) ما معنى هذا الكلام ؟
اختلف في هذه الآية المفسرون اختلافًا طويلًا لكني أختصره بالقول الصحيح وهو: أنهم كلما أوتي لهم بثمرة كانت هذه الثمرة مع أنها هي الثمرة أو هي اسم الثمرة ,مثلا أوتي بالرمّان هذا اليوم كان هذا الثمر أعظم لذّة وأكمل طعما ًمن الرمّان الذي أوتي في اليوم الذي قبله ,فكل يوم يؤتى لهم بهذه الفاكهة اسمها هي اسم الأولى وشكلها هي شكل الأولى لكنَّ طعمها أجمل , وهذا سر من أسرار نعيم الجنة, أنَّ نعيمهم يزداد كل يوم لذّة الله اكبر ,ماأعظم هذه الحال ،في كل يوم تزداد لذّتك في الجنة , فالرمّان الذي تأكله اليوم ليس هو الرمّان الذي تأكله غدا في لذّته بل هو في لذّة أخرى وطعم آخر وهكذا.
بخلاف أهل الدنيا فأهل الدنيا حينما يأكلون الثمرة اليوم يتلذّذون بها ,لكن لو أكلوها من غد كانت لذّتهم أقل وهكذا إذا اعتاد الإنسان على طعام في الدنيا ضعفت لذّته وشهوته له,لكن الآخرة بعكس ذلك ,ولذلك أهل الجنة في كل جمعة يزدادون جمالا وبهاءً ,فيذهبون في سوق الجمعة فتهب عليهم ريح الشمال فيزدادون بها حسنا وجمالا,فيأتون إلى أهلِهم فيقول لهم أهلوهم : (لقد والله ازدتم حسنا وجمالا ) فيقولون هم لأهليهم : (وأنتم والله لقد ازدتم حسنا وجمالاً) هذا في كل جمعة تأمل هذا النعيم أنك في الجنة في كل أسبوع تزداد جمالا ويزداد أهلك جمالا وبهاء - نسال الله الكريم أن يرزقنا من فضله هذا النعيم المقيم - .
ثم أختم في الآيات التي بعدها في الحديث المختصر وهو قول الله عز وجل (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا )
مامناسبة هذه الآيات ؟
مناسبتها أن الكافرين حينما ذهلوا وتُحِدُّوا ,وتحداهم الله في القرآن وأن يأتوا بمثله ,ولم يكن لهم سبيل إلى ذلك لجؤا إلى ماذا؟
لجؤا للشبه والتنقص والحيل فقالوا كيف هذا القرآن يُضرب فيه الذباب ويضرب فيه العنكبوت مثلا وغيرها, كأنهم أرادوا أن يستنقصوا القرآن من حيث هذه الأمثال التي ضربها الله فيه ,وإنما ضرب الله عز وجل هذه الأمثال لآلهتهم ,فقال الله عز وجل (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ) لأن هذه الأمثال تزيد الإيمان تزيد المؤمنين إيماناً,وهذا يفيدنا في علم علوم القرآن أن الأمثال لها فائدة عظيمة في القرآن وهي كثيرة أنها تزيد الإيمان بحكم الله عز وجل بقوله هنا (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) أي من المؤمنين (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ) أي الخارجين عن أمر الله وحدِّه ,ثم ذكر صفاتهم (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) وفي هذا إشارة للمشركين ولأهل الكتاب المعاندين لأنهم هم الّذين نقضوا أمرالله عز وجل.
ثم ردّ الحديث بعد ذلك بإستفهام قال (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ28 هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ردّ الكلام إلى الدعوة الأولى أليس قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ) قال هنا (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ) بعد هذا البيان وهذا التفصيل وهذا الاستدلال والبرهان .
فبهذا يتبيّن لنا سياق هذه الآيات وتتابعها على هذا المعنى. نسأل الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
-------------------------------
التفريغ من موقع ملتقى أهل التفسير / بتصرف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق