الثلاثاء، 16 ديسمبر 2014

القـ حياة ـرآن -٣-

أ.ضحى السبيعي



/ ( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر أي أكثر رحمة.
/ { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } الذي وسعت رحمته جميع الخلق .. أرحم بعباده من الأم بولدها ، فرحمة والديك بك مهما بلغت فهي جزءٌ من المائة جزءٍ التي خلقها اللَّه فكيف برحمته الواسعة جل جلاله وتقدست أسماؤه ؟! فلو جُمعت رحمة الخلق كلهم لكانت رحمة الله أشد وأعظم.
 عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : جاءت امرأة في السبي تبحث عن ولدها فلما وجدته أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته ، فقال رسول الله ﷺ : أترون هذه المرأة طارحة وَلَدَها في النار ؟ قُلْنَا: لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ ! فقال : إن اللَّه أرحم بعباده من هذه بولدها.
/ فإذا كانت هذه رحمة الأم فكيف رحمة رب العالمين ! فما أحوجنا لتذكر هذا الأمر .. وما أشد غفلتنا عنه .
 / إن من رحمته سبحانه بعباده : ابتلاؤهم بالأوامر والنواهي رحمةً وحمية ، لا حاجة منه إليهم فهو الغني الحميد ،
ومن رحمته : أن نغّص عليهم الدنيا وكدّرها لئلا يسكنوا إليها ويطمئنوا بها ، وليرغبوا في النعيم المقيم في داره وجواره ، فساقهم إلى ذلك بسياط الابتلاء والامتحان ، فمنعهم ليعطيهم وابتلاهم ليعافيهم وأماتهم ليحييهم .[ابن القيم رحمه الله]
 / كلما كنتَ أعرف بمعنى هذين الاسمين كنت أرضى بقضاء الرب سبحانه وتعالى وعلمت أن قضاء الله عز وجل دائر بين العدل ، والحكمة والرحمة كما قال ﷺ : ( اللهم اني عبدك وابن عبدك ، وابن أمتك ، ماضٍ فيّ حكمك ، عدل فيّ قضاؤك .... ) الحديث . [رواه أحمد برقم 799 وصححه الألباني] .
فشهودك نعمة الله عليك في كل شيء حتى في المكروه يجعلك تتيقن أن كل ما في العالم من محنة وبلية وألم ومشقة فهو وإن كان عذاباً وألماً في الظاهر إلا أنه حكمة ورحمة في الحقيقة.
/ إن شعور العبد بمعية الله وصحبته وهو يردد تلك الآية في كل صلاة بل في كل ركعة يجعله في أنس دائم ، ونعيم موصول بقربه..
/ ويقينك بهذه الآيات سبب فوزك بنعيم الدنيا الذي هو سكينة القلب واطمئنان النفس ، لأن العبد عندما يفوز بهذه المعرفة يسكن جنة الدنيا قبل جنة الآخرة ، لأنه لا يزال راضياً عن ربه ، والرضا -كما قال أحد السلف- جنة الدنيا ومستراح العارفين، وكما قال ابن القيم : "فقلب العبد لا يزال يهيم في أودية القلق وتعصف به رياح الاضطراب حتى يعرف ربه ومعبوده حق المعرفة" . ا.هـ

الوصيّة العمليّة:
 / كل عبد من عباد الله يرجوا الرحمة من الله ، وقد جاء في الحديث أن رسول الله ﷺ قال لن يدخل أحداً الجنة بعمله ، قالوا حتى أنت يا رسول الله قال حتى أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته.
/ التعبد لله بمقتضى هذين الاسمين وما يُحدثه الإيمان بها من عبادة قلبية، والعبادة قد تكون أعمالاً ظاهرة بدنية، وقد تكون أعمالاً قلبية، فمن يؤمن بأن الله هو الرحمن الرحيم يلجأ إلى الله عز وجل وينطرح بين يديه ويعلم أن الله أرحم به من نفسه التي بين جنبيه ، ويعلم أنه إن لم يرحمه الله عز وجل لن يرحمه الخلق ، فهو أرحم الراحمين ، ولو جُمِعتْ رحمات الخلق كلهم لكانت رحمة الله أشد وأعظم.
/ كوني رحيمة بالخلق فإن الرحمة التي تحصل للمهتدين تكون بحسب هداهم ، فكلما كان نصيب العبد من الهدى أتمّ كان حظه من الرحمة أوفر ، فالصحابة أرحم الأمة كما قال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ..) وهكذا العبد كلما اتسع علمه بالله اتسعت رحمته .
/ من رحم رُحم ومن تجاوز تجاوز اللَّهُ عنه ، قال تعالى : ( إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ ) فمن أحسن إلى الناس أحسن اللَّه إليه..
/ الاستغاثة بصفة الرحمة ، فعن أنس رضي الله تعالى عنه قال : « كان النبي ﷺ إذا كربه أمر قال : يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث » [رواه الترمذي وحسنه الألباني في سنن الترمذي 3/448]..
_________________
 #مجالس_المتدبرين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق