سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين..
وقفنا عند قوله تعالى (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ)
بعدها (فَلَمَّا جَاءَهُ) أي جاء لأبيه (وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ)
أولا: لم ينطق موسى عليه السلام بكلمة، لم يقل لماذا.. لا أريد، لا يريد، لا يتكلم الرجل مع المرأة إلا بقدر الحاجة كما أن المرأة الأجنبية لا تتكلم مع الرجال إلا بقدر الحاجة كذلك الرجل . مشى معها، موسى عليه السلام لم يطلب شيئا، لما سقى لهما لم يقل أعطياني من حليب الغنم ..جائع . أبدا إذا فعلت معروفا فلا تطلب شيئا، إن جاءك من دون مسألة ومن دون طلب ومن دون استشراف نفس فاقبل به -كما ورد في الحديث - فمشى معها. ورد كلام للمفسرين أنها وهي تمشي كان الهواء يتبعها فقال لها امشِ خلفي ودليني على الطريق -الله أعلم بصحة هذا القول- الشاهد أنها كانت في غاية الحياء حتى وصلت، واضح أن البيت قريب لأنه هنا يقول (فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ) هل لفت نظركم شيء؟ هل وقفتم تتدبرون؟
ألم تلحظوا معنى تدبري (وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ) أين هو؟ مع الفتاتين لم ينطق إلا ما خطبكما، كلمة واحدة .. جملة، ولما جاء للرجل -لأبيهما- قال ليست قصة واحدة .. قصص، أخذ راحته في الحديث وفي الكلام. سبحان الله .. مع الفتيات …مع النساء الأجنبيات يقتصر على الحد المطلوب، وهنّ كذلك أما مع الأب لم يقل قصّ عليه القصة … قصّ عليه القصص ابتداء وانتهاء. أرأيتم الفرق بين الأمرين؟ هنا قال له صاحب مدين، وصاحب مدين ليس هو النبي شعيب عليه السلام -هذا هو الصحيح - قال له -وإن كان على الدِّين الصحيح ورجل صالح وليس بنبيّ على القول الصحيح - (لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) لأنه يعرفهم وسمع أيضا قصته فهم قوم ظالمون وليس فرد (نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) هنا بعد ذلك انظروا إلى كرمه … إلى تأمينه … إلى الأمن في هذا البلد الذي يُحكِّم شرع الله لأن صاحب مدين كان يُحكِّم شرع الله فهو بلد آمن، أما فرعون فليس ببلد آمن لأنه لم يُحكِّم شريعة الله (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ).
ثم يبدأ فصل جديد: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا) الفتاتين (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)
أولا: ليس في الآية دلالة أنها قالت وموسى يسمع. وحتى لو قالته فوالدها موجود فالأمر يسير (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) لماذا؟ لأنهن كن يعتبرن خروجهن في الغنم استثناء … أبونا شيخ كبير… ليس عندنا أخ، فخروجهن للضرورة …لرعي الغنم .. للحاجة، يا أبتِ أنهِ هذا الموضوع… دعنا نبقى في البيت (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) لا نريد أن نخرج فهاهي الفرصة قد سنحت (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) كيف عرفن أنه قوي أمين؟ ثم من قالت إحداهما وليس كليهما.. لماذا؟ لأنه سقى لهما ولم يتكلم وبأمانة -كل الصفات- وبمجيئه ولم ينطق بكلمة لا شك أنه قوي أمين .
وهنا ركز القرآن في مواضع عدة على أنه لا يُولى الولايات إلا القوي الأمين . ورددت ( ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) الولاية العامة لا يجوز أن تُولىّ إلا للرجل القوي الأمين حتى اعتبرن أن رُعي الغنم يحتاج إلى هذه الشروط فما بالك بغير رعي الغنم؟! نحتاج إلى القوة واﻷمانة هذا الذي نحتاجه في شؤوننا كلها الخاصة والعامة أﻻ يُولى إﻻ القوي اﻷمين، ﻻ لقرابة وﻻ لواسطة وﻻ ﻷي سبب آخر إﻻ القوة واﻷمانة. لو طبق هذا الشرط فاﻷمة بخير إذا اختلّ هذان الشرطان القوة واﻷمانة فعلى اﻷمة والمجتمع السلام، وسُكت عن هذا القوة واﻷمانة (الْقَوِيُّ الْأَمِينُ).
هي لم تقل يا أبت زوجه إحدانا، ﻻ، استأجره.
ثم يأتي كلام صاحب مدين يقول لموسى عليه السلام ( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) [سورة القصص : 27] لماذا؟ كم فيها من وقفة؟!
من الوقفات:
1- أنه يريد أن يُحصِّن إحدى البنتين وواضح أنهن على سن الزواج ﻷنهن ذهبن يرعين الغنم.
2- فرق بين أن يزوّجه وأن يستأجره لو استأجره ﻷصبح خادما في البيت أو راعيا للغنم فيبقى أجنبيا لكن عندما يزوّجه تصبح زوجته من البيت أمّها محرم له فهو كأنه من أهل البيت وإن بقيت اﻷخرى أجنبية.
تأملوا ... لم يستأجره فقط بالنقود ... بالغنم فقط ، لم يقل أعطيك كل سنة كذا من الغنم -وموسى بحاجة إلى ذلك- ﻻ، ( أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ) هل نحن نختار لبناتنا القوي القوي اﻷمين؟ نفرح إذا وجدنا من يُناسب نقول تعال..تفضل.. نخفف عليك ( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ) على كم؟ ليس لديه شيء، (عَلَىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ).
هل تعرفون مهر بالتقسيط؟ نعرف مُقدم ومؤخر أما واحد يقول لمن يريد أن يخطب ابنته خذ البنت بعشرة آﻻف بأقل ... بأكثر.. كلما تيسر مبلغ أو كل سنة مبلغ بسيط، لا نعرف هذا بل يذهب الزوج المسكين ويُرهق نفسه بالديون من بنوك أو من غيرها وإﻻ تورّق ... محرم أو مشتبه أو حلال ثم تصبح عبئا عليه وعلى بيته. يعطيه ثمان إلى عشر سنوات لكن الحد اﻷدنى (عَلَىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ) .
ثم هل نحن نختار فعلا لبناتنا كما قلت؟! بعضهم يقول -للأسف- ﻻ أستطيع عيب أعوذ بالله أعرض بنتي ... هي سلعة؟! ﻻ ... حبيبي، عمر رضي الله عنه ذهب يعرض حفصة على أبي بكر فاعتذر، عرضها على عثمان فاعتذر... لماذا اعتذرا ﻷنهم يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يتزوجها ولم يريدا أن يُفشيا سر النبي صلى الله عليه وسلم، هل أنت خير من هؤﻻء؟! بل لما جاءت المرأة تعرِض نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم، لم يقل لها عيب. وبعض اﻵباء يقول أنا ﻻ أستطيع أن أعرض بنتي، تبقى ثلاثون سنة ... خمس وثلاثون سنة والمسكينة ﻻ يعرفها الناس وﻻ أبوها وﻻ أخوها يعرضها باﻷسلوب المناسب أو يُوصي من يعرضها. هذا يريد أن يستأجره بنكاحه ( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ) اختر سواء حَدد أو اختار اﻷمر واسع هنا في هذه المسألة، (عَلَىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) . هذا معنى عظيم جدا ودﻻلة عظيمة في هذه اﻵيات.
ثم بعد ذلك يقول (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ) (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي سأكون وافيا لك (قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ۖ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) يعني ثمان أو عشر قضيت (فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ) انظروا هذا التعامل... انظروا هذا اﻷسلوب ... انظروا هذا اﻹكرام هل نحن نتعامل مع خدمنا بهذا اﻷسلوب؟! ﻻ يلزم أن تزوجه ابنتك وقد تكون حاله أو حالك ﻻ تسمح بذلك لكن هل نحن نتعامل مع الخدم ومع الرعاة ومع السائقين بهذا اﻹكرام؟ أعلى إكرام أن يزوجه إحدى ابنتيه، ﻻ تزوجه إحدى ابنتيك لكن أكرمه -أخي الكريم- أعطه حقوقه هذا جاء من بلده غريبا يريد أن يلتمس الرزق يجد الظلم... يجد الاحتقار، موسى ﻷول مرة يعرفه ونِعم المعرفة هذه من الفراسة التي أشرت إليها في حلقة ماضية من الفتاة ومن أبيها. فبعض الناس تضطهد هؤﻻء المساكين كأنهم عبيد له، يا أخي متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار؟! أعطوهم حقوقهم..عاملوهم بإكرام هو إنسان مثلك هو أخ لك جاء يخدمك، ظروفه أجبرته على أن يترك أهله وأوﻻده
ﻻتنهرن غريبا حال غربته ** الدهر ينهره بالذل والمِحنِ
نتعامل مع من عندنا من الخدم .. من السائقين .. من الموظفين بتعامل أخوي أخ المسلم المسلم ﻻ يظلمه .. ﻻ يحقره نعطيهم حقوقهم ﻻ نستغل فترات أو أوضاع فنظلمهم، والله إن عاقبة ذلك وخيمة الظلم عاقبته وخيمة (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) ما نسمعه من قصص في بعض البيوت.. في بعض المؤسسات من ظلم العاملين بها وتأخير حقوقهم والضغط عليهم وتكليفهم ماﻻ يطيقون..يعملون الساعات الطويلة، هم بشر مثلك -أخي الكريم- يريدون (...) النبي صلى الله عليه وسلم يقول (إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه -يعني يأكل معه- فليناوله لقمة أو لقمتين) يعني تعامل معه.... أنا أعرف بعض اﻷشخاص -وهم كثير والحمد لله- ﻻ يأكل حتى يعطى الخادم يعني المرأة -الخادم يطلق على المرأة- وتأكل من اﻷساس لا من بقية الطعام، هي إنسانة، يعطي السائق ... يُجلسه معه... يتعامل معه بلطف يكرمه فكيف إذا كان موظفا كان مسؤولا عندك؟! هو أخ لك -أخي الكريم- تعامل معه بإحسان، ألم نتحدث عن اﻹحسان هذا من أعظم اﻹحسان هكذا كان يتعامل النبي صلى الله عليه وسلم، أنس رضي الله عنه يقول خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين لم ينهره لم يقل له لشيء فعله لماذا فعلته ولشيء لم يفعله لم لم تفعله، انظروا إلى خلق النبوة وانظروا إلى واقع كثير منا اﻵن، والله نسمع مظالم نبرأ إلى الله منها، أﻻ تخشى أن يرفع يديه في هذا الشهر الكريم ويدعو عليك وعلى أهلك وتُحيط بك؟ دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب... فتفقدوا أنفسكم.
صاحب مدين تعامل مع موسى وهو لم يُبعث إلى اﻵن ولم يعرفه وأكرمه بهذا اﻷمر وهنيئاً له أعطى ابنته كليم الله فنِعم والله الصِّهر ونعم المُزوِّج والمُزوَّج والزوجة وهذا البيت المؤمن. تعاملوا بأخلاق محمد صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [سورة القلم : 4] فلتكن أخلاقنا عظيمة في هذا الشهر الكريم ولنرفق بإخواننا الضعفاء بالمستضعفين، ندعم المجاهدين بما نستطيع ولنا لقاء بإذن الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق