الأربعاء، 19 نوفمبر 2014

الحلقــ الحادية عشر ـــة / دروس من قصة موسى عليه السلام مع الفتاتين.



سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد...
أيها الإخوة الصائمون درس اليوم والغد متكامل ولكن لضيق الوقت أقسمه بين حلقتين أو ثلاث.
سنبدأ من قوله تعالى (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ) إلى آخر القصة (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ).
هنا وقفات عظيمة جدا ودروس عجيبة جدا نحاول أن نتجلاها ونقف مع دلالاتها وآثارها بإذن الله بما يناسب.
كم وقفت أمام هذه الآيات هل تدبرناها فعلا؟! كم قرأناها..كم سمعناها
  (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ ) أول شيء أنه وصل إلى الأمان لأنه سأل ربه كما ذكرنا في الدرس الماضي أن يهديه سواء السبيل فقد سأل الله بصدق فنجّاه الله تعالى، (وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ) حين وصل الماء شرِب .. أمِن وأيضا وجد عليه أمّة من الناس يسقون، ووجد هنا (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ) قصة موسى مع هاتين الفتاتين عجيبة جدا .
يا أخواتي الكريمات ويا أيها الإخوة أيها الشباب تعالوا معنا نتأمل لأن الله جل وعلا بيّن لنا أن هذه السورة للمؤمنين كما ذكر الشيخ عبد الرحمن السعدي إنها مُحكمة (نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) من زيادة إيماننا أن نستمع لما فيها من الدروس.
لما وجد هاتين الفتاتين استغرب أنهما تذودان -بعيدتان عن سقي الغنم - الناس يسقون وهما لا تسقيان، استغرب (مَا خَطْبُكُمَا )، (مَا خَطْبُكُمَا ) تحتمل عدة معاني، لماذا لا تسقيان؟ تحتمل لماذا خرجتما ولم يخرج رجل كما خرج هؤلاء الرجال؟ (أُمَّةً مِنَ النَّاسِ) كلهم رجال، فيه فتاتين فقط تذودان الغنم حتى لا تدخل بعضها ببعض فيسأل (مَا خَطْبُكُمَا) سبحان الله .. أي شباب؟!
يا أحبتي .. يا إخوتي .. يا طُلاب العلم موسى عليه السلام لم ينطق بكلمة كما في هذه السورة ولا في غيرها مع هاتين الفتاتين إلا هاتين الكلمتين فقط (مَا خَطْبُكُمَا) لم يُطِل في الكلام ولا في الأسئلة ولا لماذا... أبدا (مَا خَطْبُكُمَا) فهو مكان استغراب، (قَالَتَا) جاء الجواب (قَالَتَا) لاحظوا أخواتي اسمع  (قَالَتَا) طبعا قطعا أنهن لم يتكلمن في وقت واحد كالنشيد الجماعي، لا، واحدة تكلمت فكأنها عبّرت عن أختها بينما واقع بعض الأخوات -هداهن الله - يتحدث ثلاث في وقت واحد أو أكثر، تتحدث واحدة لحاجة، واحدة تحدثت . وتأتي المعاني الأخرى تؤكد هذه الحقيقة (لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) أجابتا إجابة بليغة عجيبة، ماهي هذه الإجابة؟ أولا: لا نسقي هذا منهجنا دائما لا يمكن أن نسقي والرجال موجودون لأن هذا سيؤدي إلى الاختلاط ونعوذ بالله أن نختلط مع هؤلاء الرجال. ماذا يقول هؤلاء الليبراليون والعلمانيون وأشقاؤهم؟! يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "كثير من الأدلة التي يستشهد بها أصحاب البِدع وغيرهم دليلا على بدعتهم أو أهوائهم هي ضدهم" ومنها هذه الآية (لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ) فصل، بل حتى فصل في الغنم لأن دخول الغنم بعضها ببعض سيؤدي إلى إخراج غنمهن فيختلطن مع الرجال فلا يختلطن في السُقيا ولا تختلط الغنم، تحفظان الغنم (حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ) لا يبقى أحد لم تقل أيضا حتى ينتهون من السُقيا لأنهم إذا انتهوا من السُقيا قد يبقى بقية منهم في المكان ...يذهبون (يُصْدِرَ).
 طيب أيضًا يتبادر سؤال لأنهن يردن أن يقطع أي سؤال آخر لذكائهما وحصافتهما أجابتا.
طيب سؤال لماذا لم يأتِ أخوانكما أو أبوكما يسقي كما يسقي الرجال؟ أبونا شيخ كبير لا يستطيع أن يسقي وإلا لو كان يستطيع يسقي  الغنم ويرعى الغنم لم نأتِ. وهو يجيب على سؤال آخر أيضا أنه عندنا أخ ذكر -يقينا- لم تقل أبونا شيخ كبير لأنه لا يليق أن الأب حتى لو كان نشيطا أن يرعى الغنم وابنه في البيت ما هكذا يُربى الأولاد فهن أجبن على سؤال آخر أيضا ما عندنا أخ وهذا يؤكده سياق الآيات. خلاص أجبن إجابة كاملة فلا مجال للسؤال.
ماذا فعل موسى عليه السلام هذا المُبادر مبادراته كبيرة جدا في نُصرة المظلوم، في الذهاب بسرعة، في الخروج إلى مدين، في انتباهه لهذه المسألة التي لم ينتبه إليها هؤلاء الرجال، ساكتون يرعون ويسقون أغنامهم وتركوا هاتين الفتاتين (فَسَقَى لَهُمَا) ماذا فعل؟ هل قال تريدون شيئا؟ لا. هل هن قلن جزاك الله خيرا لم تقصّر؟ لا. قد يكن دعون له بالسر وهذا حق لكن لم ينطقن معه، المرأة لا تتكلم مع الأجانب إلا بقدر الحاجة، إذا وُجدت الحاجة فنعم لأنهن أجبن (لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ) قدر الحاجة مادام ليس هناك حاجة فلا داعي للكلام .
(ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ) قدِم من سفر بعيد .. جائع، ذكر ابن عباس رضي الله عنه أن بطنه كان أخمص من الجوع وهو موسى عليه السلام الذي يصبح كليم الله جل وعلا يخرج ليس معه شيء يأوي إلى الظل. هنا هذا العجب لنا لما أوى إلى الظل ماذا قال؟ قال كلاما عجيبا جدا وبيّن أنه في هذه الحالة (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) عجيب هذا الدعاء اختلف العلماء قال بعضهم إنه دعاء مباشر أي إنني فقير إلى أن تُنزل لي من خير. وبعضهم قال فيها الكريم يحتاج إلى إشارة. لأن هناك دعاء عبادة وهناك دعاء مسألة وكلها جائزة وكلها وردت في القرآن وقد دعا موسى مباشرة في قصة فرعون كما في سورة يونس (وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا..) [يونس:٨٨] كلاهما جائزة لكن فيها دلالة (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) كيف؟ أنزل له خيرات..غفر له.. أنقذه من فرعون وملائه .. أرسل له من يدله على الخروج .. هداه إلى سواء السبيل . فهو يقول يا رب أنت أنزلت إليّ خيرا عظيما وكل ما أنزلته إليّ أنا بأمس الحاجة إليه ، الدلالة هي فيها إيماء أنني أحتاج الآن.
الكريم -الإنسان- إذا أحسن إليك فمن الأدب والخُلُق أن تقول له جزاك الله خيرا فإن إحسانك جاء في وقته، مساعدتك لي جاءت في وقتها . هذا هو الأدب فهو يقول يا رب كل ما أنزلت إلي أنا بأمسّ الحاجة إليه، والله يعلم نجواه وسره، فتتضمن أيضا دلالة أنا محتاج الآن في هذا الجوع..هذا الظرف .. هذا الوضع.
 دعا ربه .. مفاجأة يأتي الجواب يقول الله سبحانه وتعالى (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا) لم يقل وجاءته لأن الواو لا تقتضي الترتيب والتعقيب  (فَجَاءَتْهُ) مباشرة وهذا يدل دلالة (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا) كيف؟ أولا أن التي جاءته واحدة لم تأتِ الاثنتان لماذا؟ لأنه في رعي الغنم يحتاج اثنتين واحدة لا تستطيع تذود الغنم فكان لابد أن تخرج اثنتان فخرج اثنتان لكن نقل الخبر لما ذهبتا إلى والدهما وأخبرتاه بالخبر لأن والدهما مؤكد أنه استغرب لعودتهما مبكرتين .. ما القصة؟! قالتا حدث كذا وكذا فأرسل والدهما واحدة فقط ليس اثنتين يدل على قُرب الطريق لأن الطريق البعيد لا يُرسل فيه واحدة ولا تمشي المرأة في طريق بعيد واحدة (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا) .
ثانيا: أنه يكفي واحدة، يا أخواتي هداكن الله الواحدة إذا أرادت أن تخرج للسوق أخذت معها ثلاث... أربع، ثم إذا أرادت الثانية تخرج للسوق مرت على زميلاتها أو كلمت ثلاث ... أربع أنا . خارجة للسوق ، السوق محل فتنة بدلا من أن تذهب هي وولي أمرها أو مع أمها ومن يحميها فقط تجد قافلة والحاجة لواحدة .. وهكذا، خراجة ولاجة كما قال عمر رضي الله تعالى عنه، بعض النساء خرّاجة ولاجة إن جلست في بيتها يومين لم تخرج تشعر أنها في سجن .. سبحان الله!! أين هذا من أمهاتنا وكن على خير عظيم.
إذا (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا) ثم ماذا قالت إحداهما لما جاءته؟ (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) كأنها الأرض حياء (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) متلبس بها الحياء وقال (اسْتِحْيَاءٍ) ولم يقل حياء، غاية الحياء، تطلب الحياء وتشتد فيه. بينما انظر إلى واقع بعض الأخوات في السوق، كان وقت النبي صلى الله عليه وسلم وهن خارجات  من الصلاة يأخذن جانب الجدار حتى يمشي الرجال، اليوم أصبح الرجل لابد يأخذ جانب الجدار حتى تمشي المرأة، لا تستحي ... لا تخاف .. لا تعطي الطريق حقه .. لا تُبالي، يضطر الواحد الذي عنده تقوى وورع يجنب حتى تمشي هذه المرأة . لا أُعمِم الحكم لكنه موجود وأعرف فيه خيّرات صالحات والله لكن -مع كل أسف- أتكلم عن ظاهرة موجودة الآن .هذه تمشي على استحياء، ثم انظروا (قَالَتْ إِنَّ أَبِي) يا سلام ، ما قالت تفضل معي، لأن فيه مشكلة.. فيه ريبة (إِنَّ أَبِي) بدأت (يَدْعُوكَ) لاحظ إن أبي (يَدْعُوكَ) تأكيد (لِيَجْزِيَكَ) ثلاث مرات (أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) لم تقل تفضل معي، لماذا اتفضل  معكِ؟ أنا مُرسلة من أبي وهو الذي يدعوك ... أبي شيخ كبير وإلا كان جاء يدعوك. فذهب معها موسى عليه السلام. ولهذه الدروس عِبر وقِصص نواصل بإذن الله في الحلقة القادمة نُكمل هذه الوقفات في هذه القصة العجيبة -قصة الفتاتين مع موسى - لننظر هدايات القرآن ودلالات القرآن فلنتدبر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.                               

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق