هذه الوقفة الثالثة من جزء الثامن والعشرين:
قال ربُنا وهو أصدق القائلين (يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ) النداء نداء تشريف فنوديَ صلى الله عليه وسلم بوصف النبوة.
(لِمَ تُحَرِّمُ) هذا شيءٌ من العِتاب من الله جل وعلا لنبيه لأن "لِمَ" هُنا المراد بها الاستفهام (لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ) ففقهنا بادئ الرأي أن أمراً كان مُباحاً حرّمه النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه، وللعُلماء فيما حرّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه قولان:
- قولٌ يقول -وعليه الأكثرون- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا مرّ على زينب بنتِ جحش -زوجته- تُسقيه عسلاً فيتأخر عندها فأدركت عائشةُ ما أدركت من الغيرة فاتفقت عائشةُ وحفصة على أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا مرّ عليهما بعد أن قد مرَّ على زينب أن تقولا أكلت مغاير. مغافير نبتٌ رائحتُه ليست بذاك والنبي صلى الله عليه وسلم كان يكره أن تكون منه رائحةٌ غير طيبة فحتى يقطعان على زينب أن يبقى عندها رسول الله مُتأخِراً بعض الشيء لجأتا إلى هذا فلمَّا قالت له حفصةُ ذاك وقالت له عائشةُ ذاك حرَّم على نفسه أن يأكُل عسلاً عند زينب هذا التخريج الأول.
- التخريج الآخر للآية -الرواية الثانية- أن النبي صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة وطئَ جاريته التي بعثها إليه المُقوقِص -أمُ إبراهيم مرية- فرأته حفصة فكأن أصابها ما أصابها أن في بيتها على فراشِها، فأقسم أن لا يأتيها مرة أُخرى وهي جارية حِلّ مُباحة له والعسلُ حِل مُباح له.
والأول أظهر أنه حرّم على نفسه من أجل زوجته.
هذا الخبر من حيث الإجمالي والعِتاب القُرآني -إن صح تسميتُه عِتاباً- يدُل على بشريته صلى الله عليه وسلم، وعلى أن بيت النبوة كسائر البيوت لكن الله جل وعلا عمرُه بالوحي ونزول القُرآن فيه، والنبي عليه الصلاة والسلام تزوج -على الصحيح- ممن دخل بهِنَّ إحدى عشرة إمرأة اثنتان وهي زينب أُم المساكين وخديجة بنتُ خُويلد ماتتا في حياته، ومات صلى الله عليه وسلم عن تِسع وكان يقسِمُ لثمان لأن سودة تنازلت عن ليلتِها لعائشة فدخل على إحدى عشر ومات عن تسع وكان يقسِمُ لثمان صلوات الله وسلامه عليه.
منهُن قُرشيات مثل: عائشة وزينب بنت جحش، ومنهُن غير قُرشيات مثل جُويرية، ومنهُن يهودية وهي واحدة وهي صفية، وصفيةُ هي بنت حُيي بن أخطب وحُيي بنُ أخطب من بني النضير، وبني النظير -مرَّ معنا- أنهم أُجلوا من المدينة إلى خيبر، فلمَّا فُتحت خيبر تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية فوجد في وجهها -على خدَّها- أثر صفعة قال: ما هذا فأخبرته أن زوجها الذي كان قبله كِنانةُ بن أبي الحُقيق رأت هي في منامها أن القمر يسقُط في حِجرها فأخبرت زوجها فصفعها قال تتمنين أي تتزوجين -يقع لكِ- الملِك الذي في المدينة يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم طبعاً هو لا يعترف بنبوته يقول ملك، فوقع الأمر كما قال، قُتل زوجها وقُتل أبوها وقُتل عمها فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وأسلمت، وهي التي لمَّا جاءته في خبر الاعتِكاف مكثت عنده طويلاً ثم خرج من المسجد يُشيعها حتى تصل على حُجرتها فمر الرجُلان فبعد أن أسرعا في مشيتِهما رأوه ورأو المرأة ولم يعرفوا المرأة فأسرعوا في المشية فقال على رِسلِكما إنها صفية، حتى يقطع على الشيطان أن يوسوس لهُما، والعاقل لا يُثرب على نفسه ويكون واضِحاً بجلاء ولا يدع فُرصة للناس أن يذمُوه، فإن ذموه من غير خطأ منه فهذا شأنُهم لكن ومن دعى الناس إلى ذمِه ذمَّوه بالحق والباطل. فقال على رسلِكُما إنها صفية فاعتذرا قال إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، والإنسان يكون جليَّاً واضِحاً في مثل هذه الأمور. المقصود هذه إطلالة على أزواجه صلى الله عليه وسلم.
هُنا يقول الله (يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ) هذا عُموم يُراد به الخصوص على القول الأول يُراد به عائشة وحفصة رِضوان الله عليهما (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ۚ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
ثم قال جل وعلا (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) أُختلف في سبب النزول ولا أتجرأ على اختيار أحدٍ منها، لكن من حيثُ الجملة سِرٌ ما أطلع النبي صلى الله عليه وسلم إحدى زوجاته عليه فأظهرته فعاتبها لكن أُنظر إلى قول الله (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) هذا يدخُل في التعامل مع النساء، يكون الإنسانُ مُقرِباً لها مُتودداً إليها لكن في الأمور العقلية -في الغالب- ليس كُل شيء يُقال للمرأة الله يقول (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) هذا في بعض الأحوال هذا كُله يدل على أنه صلى الله عليه وسلم يعيش كما يعيش سائر الناس. وقع بعد ذلك حديث الإيلاء، وحديث الإيلاء لمَّا أكثرنا عليه صلى الله عليه وسلم تركهُن شهراً واعتزلهُن في مشربةٍ له -مكان خلا به عليه الصلاة والسلام شهر- هذا الحديث شاع أول الأمر أن الإيلاء أراد به النبي عليه الصلاة والسلام الطلاق، كان عُمر يسكُن في العوالي عالية المدينة وله جار أنصاري فيقول أنا مرةً أذهبُ إلى المسجد وأعرفُ خبر رسول الله فآتي إلى جاري وأُخبره، وأحياناً الأنصاريُ يذهب ويأتيني بالخبر، فجاء الأنصاريُ يوماً فزِعاً يطرُق باب عُم، قال عُمر: وكُنا نتحدث يعني الأجواء السائدة في المدينة أنَّ قطفان تُعدُ العِدة لغزوِنا فنزلتُ فزِعاً قُلت له هل غزتنا قطان؟ قال: الأمرُ أعظم من ذلك قلت وما هو؟ قال طلَّق رسول الله عليه الصلاة والسلام نِسائه، هذا الذي فهِمه الأنصاري فقدِم عُمر يجري فوجدَ أنه لم يكُن يؤذن على رسول الله أن يُدخل عليه فما زال يستأذن، مازال يتسأذِن حتى دخل فلما دخل وإذا برسول الله على حصيرٍ قد أثّر على جنبه وليس في الغُرفة شيءٌ يرُد الطرف -يعني مافيه شيء- فقال يا رسول الله أنت فيما أنت فيه -الآن نسي لماذا جاء- أنت فيما أنت فيه وكسرى وقيصر فيما هُما فيه؟! قال أفي شكٍ أنت يا بن الخطاب؟ أُولئك عُجلت لهم طيباتُهم في الحياة الدُنيا
بيتٌ من الطين بالقُرآن تعمُره ** تباً لقصرٍ مُنيفٍ بات في نغمِ
الليلُ تسهرُه بالوحي تعمُره ** وشيبتك بهودٍ آيةُ استقِمِ
صلوات الله وسلامه عليه. لمَّا اطمأن من هذا قال: يا رسول الله أطلَّقت نساءك ؟ قال لا فاطمأن عُمر.
يقول عُمر يُكلم امرأته أخذت تُراجعه، تُراجعه ترفع الصوت عليه فعجِب وغضب قالت: وما لك إن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم يُراجعنهُ، ثمَّ ذكر العلة عُمر قال: كُنا في مكة قومٌ نغلبُ نساءنا فيهم فجِئنا المدينة فوجدناهُم قوماً تغلِبُهم نساؤهم فأخذ نِساؤُنا هذا من نسائِهم والبيئة لها شأنُها في حياة الناس، هذا من نقْلِ الثقافات لا يُمكنُ لعاقِلٍ أن يرُده ولا أن يمنعه أو يقولُ به كل الذي نُريدُ أن نصل إليه من هذه الأخبارِ الصحيحة أن تصِل إلى أنه لا يُمكن أن يكون هُناك بيت لا اختلاف فيه ولا نِزاع هذه أوهام مادام فيه خُلطة بين البشر لابُد أن يكون فيه شيء من الأخذ والعطاء لكن القذا ولا العمى، أشياء لا تُقبل وأشياء يُصبر عليها ولا راحة للمؤمن دون لقاء الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق