السبت، 9 أغسطس 2025

اسم الله (الرؤوف) من كتاب [فقه الأسماء الحسنى للشيخ عبد الرزاق البدر]

 (الرؤوف) ورد هذا الاسم في عشر آيات من القرآن الكريم يأتي ذكرها. و «الرأفة» - كما قال ابن جرير رحمه الله: "أعلى معاني الرحمة، وهي عامة الجميع الخلق في الدنيا، ولبعضهم في الآخرة" (١) وهم أولياؤه المؤمنون، وعباده المتقون. 
هذا؛ وإن من القواعد المفيدة التي قررها أهل العلم في باب فقه أسماء الله الحسنى أنَّ ختم الآيات القرآنية بأسماء الله الحسنى يدلُّ على أنَّ الحكم المذكور فيها له تعلق بذلك الاسم الكريم الذي خُتمت به الآية، وتأمل ذلك من أعظم ما يعين العبد على فقه أسماء الله الحسنى.
وفيما يلي عرض لمواضع ذكر هذا الاسم في القرآن الكريم، وتنبيه على دلالاته من خلال سياق الآيات التي ختمت به.
/ قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) [البقرة: ١٤٣]، أي: لا ينبغي له ولا يليق به أن يضيع إيمانكم، وهذا من كمال رأفته ورحمته بهم، وفي هذا بشارة عظيمة لمن منّ الله عليهم بالإسلام والإيمان بأن الله سيحفظ عليهم إيمانهم، فلا يضيعه بل يحفظه من الضياع والبطلان، ويتممه لهم، ويوفقهم لما يزداد به إيمانهم ويتم به إيقانهم، فكما ابتدأهم بالهداية للإيمان فسيحفظه لهم ويتمه عليهم رأفة منه بهم ورحمة، ومنا منه عليهم وتفضلا.
/ وقال الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [البقرة: ۲۰۷]، وهؤلاء هم الموفقون من عباده الذين باعوا أنفسهم وأرخصوها وبذلوها طلباً لمرضاة الله ورجاءً لثوابه، فهم بذلوا الثمن للملي الوفي الرؤوف بالعباد، الذي من رأفته ورحمته بهم أن وفقهم لذلك، ووعدهم عليه عظيم الثواب، وحسن المآب، ولا تسأل عما يحصل لهم من التكريم وما ينالونه من الفوز العظيم، فقدومهم يوم القيامة على رب رؤوف رحيم.
/ وقال تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران : ٣٠].
وهذا يفيد أن الله سبحانه مع شدَّة عقابه وعظم نكاله فإنه رؤوف بالعباد، ومن رأفته بهم أن خوّف العباد وزجرهم عن الغي والفساد، ليسلموا من مغبتها، ولينجوا من عواقبها، فهو جل وعلا رأفة منه ورحمة سهّل لعباده الطرق التي ينالون بها الخيرات ورفيع الدرجات، ورأفة منه ورحمة حذر عباده من الطرق التي تفضي بهم إلى المكروهات.
/ وقال تعالى: ﴿لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيعُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة: ١١٧].
وفي هذا السياق أن من رأفة الله بهم أن منّ عليهم بالتوبة ووفقهم لها، وقبِلها منهم، وثبتهم عليها، ولولا أنه رأف بهم ورحمهم لما حصل لهم شيء من ذلك.
/ وقال تعالى: ﴿ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ* وَالْأَنْعَمَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ* وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالُ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ* وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [النحل : ٤ - ٧]. وفي هذا أن من رأفة الله بالإنسان أن سخر له الأنعام لأجل مصالحه ومنافعه، وجعل له فيها دفئا بما يتخذه من أصوافها وأشعارها وأوبارها من لباس ومنافع أخرى عديدة، ومنها يأكل، وجعل له فيها جمالا في وقت رواحها وحركتها ووقت هجوعها وسكونها، وسخرها له تحمل متاعه إلى البلدان الشاسعة، والأقطار البعيدة وكل ذلك من رأفته ورحمته سبحانه.
 وليتنا نذكر رأفة الله بنا ورحمته وفضله ومنه بما سخر لنا في هذا الزمان من وسائل النقل الحديثة الحسنة في مركبها المريحة في تحركها وتنقلها، الجميلة في شكلها و منظرها، والسريعة في سيرها، ويسر مع ذلك طرقها وذلل سبلها، وهيأ كل الوسائل المحققة للراحة فيها، ينتقل الناس عليها من مكان إلى مكان، ومن بلد إلى بلد بلا مشقة أو تعب، فله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وسعة جوده وبره.
/ وقال تعالى: ﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [النحل : ٤٥ - ٤٧].
وفي هذا أن من رأفته سبحانه أنه لا يعاجل العاصين بالعقوبة، بل يمهلهم ويعافيهم ويرزقهم، وهم يؤذونه ويؤذون أولياءه، ومع هذا يفتح لهم أبواب التوبة ويدعوهم إلى الإقلاع عن السيئات، ويعدهم بذلك أفضل الكرامات، ومغفرة ما كان منهم من ذنوب وخطيئات. أفلا يستحي المجرم من ربه الرؤوف الرحيم أن تكون نعم الله عليه نازلة في جميع اللحظات متوالية عليه في كل الأوقات؛ وهو مكب على إجرامه، متماد في غيه وعصيانه.
/ وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [الحج : ٦٥] .
فتسخير الله الأرض وما فيها من حيوانات ونباتات و جمادات، والفلك تجري في البحر بأمره تحمل الناس وتجاراتهم وأمتعتهم من محل إلى محل، وإمساكه سبحانه السماء أن تسقط على الأرض فتتلف ما عليها، وتهلك من فيها، كل ذلكم من رحمته ورأفته سبحانه بالعباد.
/ وقال تعالى: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ، وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [النور: ٢٠]، قال ذلك سبحانه بعد بيانه لأحكامه العظيمة ومواعظه البليغة، ما يفيد أن هذا البيان النافع والشرع الحكيم هو من رأفة الله بالعباد ورحمته بهم.
/ وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [الحديد: 9].
وهذه أعظم النعم وأجل العطايا والمنن أن نزّل على عبده ورسوله آياته البينات، وحججه الظاهرات تدل أهل العقول على صحة جميع ما جاء به، وأنه الحق اليقين، ليخرج سبحانه من شاء من عباده بإرسال الرسول وما أنزل عليه من الآيات والحكمة من الظلمات إلى النور، وهذا من رأفته بعباده، ورحمته بأوليائه وأصفيائه.
/ وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُو مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: ١٠]، وهذا من رحمة الله ورأفته بعباده المؤمنين أن أوثق بينهم عقد الإيمان ورابطة الدين ووشاج التقوى، وجعل اللاحق منهم محباً للسابق، داعيا له بكل خير، فما أسناها من عطية، وما أجلها من منة تفضل بها مولانا الرؤوف الرحيم.
--------‐------------------

(۱) تفسير الطبري (٢/ ٦٥٤).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق