الأربعاء، 21 مايو 2014

المناسبة بين مقاطع سورة فاطر وبين محورها

المحور العام للسورة :
حديث هذه السورة الكريمة حول تقرير العقيدة الإسلامية ، حيث استفاضت في بيان أركان الإيمان : الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ، وأجابت عن الأسئلة الملحَّة التي تدور في الأذهان : كيف ؟ ولماذا خلقنا ؟ وما هو دورنا في هذا الوجود ؟ وما هو مصيرنا ؟ فتضمنت السورةُ حديثا عن خلق الإنسان والغاية من وجوده ومصيره الذي ينتظره ، كما تحدثت عن نظرة المؤمن للكون والحياة . والمحور الرئيسي الذي تدور حوله السورة : التذكير بنعم الله تعالى الجليلة ، من ذلك نعمة فطر السموات والأرض، ونعمة إرسال الملائكة بالخير ، ونعمة الزيادة في الخلق، ونعمة خلق الإنسان، ونعمة الرزق، ونعمة العناية والهداية ، والإنذار والإعذار ، ونعمة القرآن، ونعمة الفوز بالجنان ، والنجاة من النيران ، ونعمة الاستخلاف في الأرض ، وحرية الاختيار ، ونعمة الآثار المبثوثة والعِبر الناطقة ، ونعمة الإمهال والحلم ، ونعمة إهلاك الظالمين وقطع دابر المجرمين ، هذه النعمُ الجليلةُ حين نتأملُها في ضوء هذه السورة الكريمة : تملأ قلوبَنا هيبةً وإجلالا ، وتشحَنُ نفوسَنا خشيةً وتعظيما ، وأرواحَنا تحفُّزا وتوثُّبا ، ورغبةً ورجاءً في فضل ورحمةِ هذا المنعِم العظيم .
يقول صاحب الظلال : " هذه السورة المكّية نسق خاص في موضوعها وفي سياقها . أقرب ما تكون إلى نسق سورة الرعد . فهي تمضي في إيقاعات تتوالى على القلب البشري من بدئها إلى نهايتها ، إيقاعات موحية مؤثرة تهزه هزاً ، وتوقظه من غفلته ليتأمل عظمة هذا الوجود ، وروعة هذا الكون؛ وليتدبر آيات الله المبثوثة في تضاعيفه ، المتناثرة في صفحاته؛ وليتذكر آلاء الله ، ويشعر برحمته ورعايته؛ وليتصور مصارع الغابرين في الأرض ومشاهدهم يوم القيامة؛ وليخشع ويعنو وهو يواجه بدائع صنع الله ، وآثار يده في أطواء الكون ، وفي أغوار النفس ، وفي حياة البشر ، وفي أحداث التاريخ . وهو يرى ويلمس في تلك البدائع وهذه الآثار وحدة الحق ووحدة الناموس ، ووحدة اليد الصانعة المبدعة القوية القديرة . . ذلك كله في أسلوب وفي إيقاع لا يتماسك له قلب يحس ويدرك ، ويتأثر تأثر الأحياء . والسورة وحدة متماسكة متوالية الحلقات متتالية الإيقاعات ، يصعب تقسيمها إلى فصول متميزة الموضوعات . فهي كلها موضوع واحد . كلها إيقاعات على أوتار القلب البشري ، تستمد من ينابيع الكون والنفس والحياة والتاريخ والبعث . فتأخذ على النفس أقطارها وتهتف بالقلب من كل مطلع ، إلى الإيمان والخشوع والإعلان" .

المناسبة بين مقاطع سورة فاطر وبين محورها 
النداء الأول: تذكيرٌ وتسليةٌ
قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ (٣) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤)) [ فاطر : 3 ، 4] .
المناسبة بين المقطع ومحور السورة:
يتسق هذا المقطع مع المحور العام للسورة حيث التذكير بنعم الله تعالى ، والتفكّر في عظمته فهو تعالى الخالق الرازق وإليه المرجع والمصير .
 
٢- النداء الثاني: أسبابُ الغرور
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (٥) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (٦) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (٨)) [ فاطر : 5-8 ] .
المناسبة بين المقطع ومحور السورة:
من نِعمه تعالى تذكيرنا بوعده الحق وتحذيرنا من الاغترار بدنيانا ، وتحذيرنا من أخطار أعدائنا وكشف مكائدهم وأساليبهم حتى نتوقَّى شرورهم ونتوخَّى الحذر منهم ، كذلك من نِعمه تعالى عقاب الكافرين وإثابة المؤمنين الطائعين ، كذلك تسليةُ النبيّ وورثةِ دعوتهِ والتخفيف عنهم من هموم الدعوةِ والتحذير من المبالغة في التأسُّف على المشركين والحسرة عليهم ، فالهداية من الله تعالى يمنُّ بها على من يشاء ، وفي التفكّر فيما اشتملت عليه آيات المقطع من معانٍ إدراكٌ للطائف نعمه تعالى ، وإشعارٌ بعظمةِ سلطانهِ .
 
٣- آيات الله في الكون قال الله تعالى (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ كَذَٰلِكَ النُّشُورُ (٩) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًاۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا ۚ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (١١) وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ۖ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ۖ وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۚ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤)) [ فاطر : 9-14 ] .
المناسبة بين المقطع ومحور السورة: اشتملت آيات هذا المقطع على جملةٍ من نعم الله تعالى التي امتنَّ بها على عباده منها: نعمة الماء وهو إكسير الحياة وأصلها ، ونعمة البعث والنشور ، وبيان معالم طريق العزة ، وأثر الكلم الطيب مع العمل الصالح في رفعة العبد وارتقائه ، وجزاء الماكرين وعاقبة مكرهم ، ثم جاء الحديث عن خلق الإنسان وشمول علمه تعالى وإحاطته بكل مخلوقٍ ، ونعمة الأنهار والبحار ومنافعهما التي لا تحصى ، كذلك نعمة الليل والنهار والشمس والقمر ، فالخلق خلقه تعالى والملك ملكه وهو المستحق للحمد المتفرِّد بالكمال والجلال ، وكلُّ ما في الكون يشهدُ له بالعظمة ، ثم يلتفت إلى الخطاب إلى المشركين منكرا عليهم اتخاذّهم آلهةً من دون الله لا تملك أدنى شيءٍ في هذا الكون الفسيح ، كما أنها لا تسمع ولو سمعت ما استجابت لأنها لا تملك شيئا فضلا عن تبرؤها ممن عبدها من دون الله ، ومن فضله تعالى وإنعامه أن أنبأنا بهذه الحقائق ، فهو الخبير ببواطن الأمور فضلا عن ظواهرها .

٤-النداء الثالث غنى الله عن خلقه وعدلِه فيهم قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (١٧) وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۗ إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ۚ وَمَنْ تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (١٨) وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (٢٠) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (٢١) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ ۖ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (٢٣) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (٢٤) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (٢٥) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (٢٦)) [ فاطر : 15-26 ].
  المناسبة بين المقطع ومحور السورة: تتسق هذه الآيات مع محور السورة حيث تتجلى فيها عظمة الخلق عز وجل ولطائف نِعمه فهو الغني عن خلقه والكل مفتقر إليه ، القادر على تبديلهم بغيرهم ولكنه يمهل ويؤخر ويعفو ويصفح ، العادل في حكمه وجزائه لا يؤاخذ أحدا بجريرة غيره ، ولا يحمل أحدا وزر غيره ولا يحاسبه إلا على ما قدم ، ومن عدله وإنصافه أنه لا يسوي بين أهل الهدى والضلال ، وأنه لا يحاسب أنبياءه وأولياءه إلا على ما كُلفوا به ، فلا يضرهم بقاء الكفرة على كفرهم لأن الهداية منه تعالى ، ومهمة الرسول هي تبليغ الحق والبشارة والنذارة ، ومن رحمته تعالى وعدله أن أرسل الرسل مبشرين ومنذرين فلا تخلو أمة منهم ، وفي الآيات تسليةٌ للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن عاقبة المكذبين إلى خسرٍ وهلاكٍ شأن من سبقهم من الأمم الغابرة .

٥- اختلافُ الألوانِ من روائع الأكوان قال الله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨)) [فاطر : 27-28 ] .
المناسبة بين المقطع ومحور السورة: صلة هاتين الآيتين بمحور السورة صلة واضحةٌ بيِّنة ؛ حيث تتجلى فيهما عظمة الخالق وجلاله وهيبته في قلوب العالِمين المدققين في آيات الكون ، الوقَّافين على بدائع المخلوقات وعجائب الكائنات ودقائق الآيات ولطائف الأسرار ، الذين يعشقون هذا الجمالَ الذي أبدعه الخالق وأودعه في جميع العوالِم المحيطة بنا في الآفاق وفي الأعماق وفي الثمرات اليانعة والجبال الشامخة ، وفي الناس والدواب والأنعام وغير ذلك . دعوةٌ إلى تذوق هذا الجمال واستحضار عظمة الخالق واستذكار جليل نعمه ودقائقها .

٦- نعمةُ القرآنِ قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠) وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (٣٣) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (٣٥)) [ فاطر : 29-35] .
المناسبة بين المقطع ومحور السورة : إذا كان الكون شاهدا على عظمة الخالقِ وبديع صنعه ، داعيا إلى شكره تعالى على نِعمه التي لا تعدُّ ولا تحصى ، فإن كتاب الله تعالى من أجلِّ النعم وأعظم الشواهد الناطقة بكمال قدرته وإحاطة علمه وشمول رحمته وتمام نعمته ، قد منّ الله تعالى على من اصطفاه ليكون من ورثة هذا الخير ووعدهم بالجنات التي تتفاوت فيها الدرجات بتفاوت المقامات والأحوال والأعمال في الدنيا ، والكلُّ فيها منعَّمٌ مسرورٌ ، قد دخلوها برحمة الله وفضله ولطفه وإنعامه ، فهي دار الخلد والمقامة والنعمة والكرامة ، لا تعب فيها ولا نصب .

  ٧- مصير الكافرين قال الله تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ۖ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧)) [ فاطر : 36-37 ] .
المناسبة بين المقطع ومحور السورة : كما أن مصير السعداء فضل من الله ونعمة وعدلٌ ورحمةٌ ، فكذلك مصير الأشقياء نِعمة تستوجب الحمدَ على أن قطع الله دابرهم وأراح المؤمنين من شرورهم ، والمؤمن يحمد الله تعالى على النجاةِ والعافية ، كما يحمده على الفوز والرضوان ، وفي التأملِ في مصيرِ الكفارِ استحضارٌ لعظمة الله تعالى وهيبةٌ وإجلالٌ لمقامه تعالى .

٨- من دلائل العظمة وشواهد القدرة قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٣٨) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (٣٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَتٍ مِنْهُ ۚ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (٤٠) إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ۚ وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤١)) [ فاطر : 38-41 ] .
المناسبة بين المقطع ومحور السورة: هذه الآيات الكريمة ناطقةٌ بعظمة الخالق جل وعلا ودالةٌ على تمام عدله وشمولِ رحمته وشاهدةٌ بكمال قدرته وتفرده بالوحدانية ، وفيها وعيدٌ للكافرين بما يستحقونه من مقت وخسرانٍ بقدر كفرهم ، ودحضُ شبهِ أهل الشرك ، ومن دلائل العظمة ولطائف النِعم إمساكُ السموات والأرض وحفظُهما فلا يقدر على ذلك إلا الله .

٩- من أسباب الصدود قال الله تعالى (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (٤٢) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (٤٣)) [ فاطر : 42 ، 43 ] .
  المناسبة بين المقطع ومحور السورة: بينت الآيات موقف الكفار من هذه النعمة المهداة نعمة النبي العربيِّ الذي منَّ الله عليهم به لكنهم أعرضوا عن نعمة الله وأنكروها استكبارا منهم واحتيالا على دعوة الحق ومكرا بأهلها ، وغفلةً عن سنن الله الثابتة .

خاتمة السورة دعوةٌ للسير والنظر قال الله تعالى (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (٤٤) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (٤٥)) [ فاطر : 44 ،45] .

  المناسبة بين خاتمة السورة ومحورها: السير في الأرض من أجلِّ العِبر وأبلغِ النُّذُر ، فالأرضُ حافلةٌ بشواهد العظمة وآيات القدرة ، ناطقةٌ بمصير الأمم السابقةِ ، واعيةٌ لتاريخهم ، حافظةٌ لآثارهم ، وهذه النُّذُرُ من أجلِّ النعم ؛ لأنها تهزُّ الوجدانَ وتقيمُ الحجةَ والبرهانَ .
_________________________________________________________
 التفسير الموضوعي لسورة فاطر / إعداد أحمد بن محمد الشرقاوي أستاذ التفسير وعلوم القرآن
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق