الاثنين، 12 أغسطس 2013

تفريغ محاضرة أثر التدبر في صناعة الشخصية / د. نوال العيد



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 بسم الله الرحمن الرحيم
 إن الحمد لله أحمده وأستعينه وأستهديه , وأعوذ بالله العلي العظيم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى يوم الدين . وبعد :
 الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
 الحمد لله الذي وفقنا لقيام هذه الليلة
 والحمد لله الذي بلغنا رمضان
 والحمد لله الذي أعاننا فيه على ما يُرضيه عنا
 والحمد لله الذي جمعنا بعد انتهاء التراويح لنتدارس آيات من آيات الله
 أسأل الله ألاّ يحرمنا خير ما عنده بشر ما عندنا ، وألاّ يُزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ، وأن يُحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا ، ويُكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، ويجعلنا من الراشدين .
أخواتي الكريمات : عنوان هذا اللقاء في هذه الليلة : أثر تدبر القرآن في صناعة الشخصية المسلمة . وفيه ثلاث محاور :
- المحور الأول : التدبر 
- المحور الثاني : الصناعة
- المحور الثالث : الشخصية المسلمة .
 سأتحدث لكم في البداية المقدمة المهمة عن تدبر القرآن -ماهيته , وفضائله , وكيف أو برنامج عملي لتدبر القرآن- ثم بعد ذلك سأطبق لكم كيف يؤثر التدبر على شخصيتك , كيف تكون شخصية المتدبرين .تعالوا بسم الله نبدأ في :
ما معنى التدبر ؟
التدبر: هو مأخوذ في اللغة من مادة الدال والباء والراء -دبر- أي : عاقبة الأمر ومنه الدُبر (ولا تتدابروا) أي لا يعطي أحدكم أخاه دُبره , الدُبر عاقبة الأمور في اللغة .
 وفي الاصطلاح معناه : التأمل والتفكر في الآيات ومعرفة مآلاتها وأسبابها ودلالتها وغاياتها . فهو معنى زائد عن القراءة ، ومعنى زائد عن معرفة المعنى، يعني حين أقول لكم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ) ما معنى لا يألونكم ؟ يعني لا يقصرون , وما معنى خبالا ؟ يعني فسادا ، ومنه فساد العقل , الخبال: فساد العقل واضطراب أمره , هذا تفسير . لكن لما أريد أن أصل إلى معنى زائد سأتدبر في الآية ، أتفكر في عاقبتها ومآلها وأسباب نزولها وأربطها بواقع الحياة , فالتدبر معنى زائد عن معرفة المعنى إلى معرفة الغاية والمقصد وعاقبة الأمر. ولذلك التدبر معنى عزيز ورد أربع مرات في القرآن :
 اثنان منها في ضمن ذِكر المنافقين في سورة النساء وفي سورة محمد , فكأن علاج النفاق في تدبر القرآن (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) في سورة النساء , (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) في سورة محمد .
 وجاءت في ذكر الكافرين (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ) 
وجاءت للمؤمنين (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)
 التدبر لا يعلمه كل أحد ، إذا ما فضائل التدبر ؟
-أولا : علاج لنفاق القلب , من تدبر القرآن حماه الله من نفاق القلب , لن يُنافق من تدبر القران ولذا لما ذكر الله المنافقين ذكر ضرورة التدبر , قال (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) .

-الثاني : للقرآن بركة , للقرآن بركة في الأعمار ، وللقرآن بركة في العلاقات ، وللقرآن بركة في الاجتماعات ، وللقرآن بركة في الأموال ، وللقرآن بركة في كل شيء , لكن ينالها المتدبر (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا) فربط بين البركة وبين التدبر , ومن بركة القرآن أنه الصاحب الذي لا يخذل صاحبه أبدا , القرآن الصاحب الذي تجده في دنياك (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ*وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ) القرآن شرف لي ولك , الذِكر معناه الشرف والرفعة , لكن لكل أحد (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) مالذي قدمته للقرآن ؟ كيف عملت بالقرآن وكيف استجبت له ؟ فالقران شرف لمن قدم له وعمِل به , قال (مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا) بركته أنه رِفعة لصاحبه في الدنيا , (إن الله يرفع بهذا القران أقواما ويضع به آخرين) 
وبركته في القبر، جاء في حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (أن العبد اذا وُضع في قبره تراء له في قبره رجل طيب الوجه طيب الريح قال أنا كتاب الله الذي أسهرك في الهواجر -في الليل-)
ومن بركته أنه في المحشر , (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ*وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ*وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ*لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) يأتي القرآن حتى أن العبد يسأل من أنت ؟ قال أنا كتاب الله , ومن بركته أنه يبقى مع العبد إذا دخل الجنة (يُقال لقارئ القران اقرأ ورتل) , وجاء في رواية (وتلذذ بقرائتك في الآخرة كما كنت تتلذذ بها في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها) (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌالبركة مع تدبر القرآن .

-الثالث : من تدبر القرآن أحبه الله -أسال الله أن يحبنا وإياكم- أعظم نعمة وأكبر شرف أن يحبك الله وأن يقربك منه ومن كان في حِمى الله انتصر ، ومن كان الله معه لم يحزن (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) علاما يحزن من كان الله معه ؟! علاما يستوحش من كان الله معه؟! من كان الله بقربه يسمع له ويستجيب له , ولذا من بركات التدبر أن الله يحب صاحبه , ودليل ذلك ما أخرجه الإمام أحمد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (أن رجلا كان يقرأ في الصلاة مع ما تيسر من القرآن ( قل هو الله أحد ) فشكاه أصحابه إما ان تقرأ ما تيسر أو تقرأ ( قل هو الله أحد ) قال إنها صفة الرحمن وأنا أحبها , قال : فإن الله أحبك بحبك إياها), أحبه الله لأنه تأمل في سورة الإخلاص فكيف بمن يتأمل في سورة الإخلاص وغيرها من السور .
 من أخذ القرآن كان حيا وجعل الله له نورا , أعظم نور نور القرآن ولذلك في هذه الآية جمع الله بين فضلين عظيمين لمن أخذ القرآن (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا) من كان ميتا, إذا الحياة والموت ليست حياة الاجساد ولا موت الاجساد إنما حياة الارواح وموتها , وبقدر ما تأخذ من القرآن وتستجيب لله تحيا (اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) الحياة الحقيقة في الاستجابة لله وللرسول , وإلا إذا ما كان عندك استجابة حياتك مثل حياة البهائم ، أكل وشرب وجسد يذهب ويأتي -الحياة مشتركة- ميّزك الله بهذه الأرواح , بهذا العقل الذي يشرفك لتقوم بالمهمة التي خُلقت من أجلها .
 تأملت في الكون رأيت أن الشمس تؤدي دورها في الحياة , تلاحظون أن اليوم طويل النهار مع ذلك هل تغيب الشمس قبل وقت المغيب الذي قدره الله لها؟ وقل تطلع قبل وقت الشروق الذي قدره الله لها؟ الشمس تقوم بوظيفتها ، والقمر يؤدي وظيفته ، والنجوم والكواكب كلٌ يؤدي وظيفته لكن أسأل الله أن يعيننا وإياكم على أداء وظائفنا (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) حمل أمانة التكليف (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا)  يضيع الأمانة بسبب ظلمه يعرف الحق لكنه يظلم نفسه ، أو بسبب جهله والذي سيأتينا في مواصفات الشخصية المسلمة .
 إذا من فضائل تدبر القرآن الكريم : أن صاحب التدبر يحبه الله ، ومن فضائل التدبر أن من تدبر القرآن أحيا الله روحه وجعل روحه في نور , بل لا يزال هذا النور يمشي به في الناس حتى يستضيء الناس بنوره , ولذلك جاء في الحديث : (أمتي كالغيث لا يُعرف أولها خير أم آخرها) مثل المطر النازل من السماء , وأفضل العباد من كان الغيم الذي يحيي الله به قلوب الناس, وقد جاء في حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (أولياء الله الذين إذا رُؤوا ذُكر الله) أولياء الله الذي إذا دخل المجلس جعل الله له نورا يمشي به في الناس قلب حديثهم من قيل وقال وكلام أهل الدنيا , ولا ينبغي لمؤمن أن يكون صاحب لغو (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) , ذكر الإعراض عن اللغو بين ركنين من أركان الإسلام: الصلاة والزكاة فكأن ترك اللغو صفة ظاهرة من صفات المؤمنين , وكأن الخشوع في الصلاة لا يتأتى لمن كثُر لغوه ، إذا كثر لغوه أثر على حضور قلبه في الصلاة ولذلك نص على ترك اللغو (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) في رمضان صفدت شياطين الجن وبقيت شياطين الإنس , يقعدون بكل صراط يدعوا إلى الله يعرضون ويصدون عن سبيل الله من آمن ويبغونها عوجا , يريدون أن تعوّج الطريقة ، والمخطئ من سلّم قطاع الطريق نفسه وجعلهم يتلاعبون به وجلس مجالس اللغو والله يقول (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) لا يليق بك أن تبقى مع جاهل ظالم لنفسه . إذا من فضائل التدبر أن الله يُحيي الإنسان به روحه ويجعل له نورا يمشي به في الناس فتحيا القلوب به لأنه يُذكّرهم بالله. هذا من فضائله .
-من فضائل التدبر : أنه يغسل ما في القلب من الشبهات والشهوات،حياة القلوب (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء) مثل ضربه الله : ماء (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء) إذا نزل من السماء أين يذهب؟ إلى الأودية ، فوادي كبير ووادي صغير ، وجبل لا يقبل الماء (فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا) كل وادي يحتمل من السيل بحجمه ، وقلوب الناس كذلك .
اليوم قرأ الإمام آيات عظيمة ،سورة آل عمران ، مقومات النصر والهزيمة ، سنة الله في النصر والهزيمة ، سورة آل عمران نزلت في وفد نصارى نجران ، من آية (1) إلى (83) كلها تتحدث عن شُبه أهل الكتاب والرد عليهم ، الشُبه نفسها تتكرر اليوم ، وبعدها ذكر الله غزوة أُحد وأطال في ذكر الغزوة ، سنة الله في النصر والهزيمة ، ولماذا جاء ذكر غزوة أُحد في معرض ذكر أهل الكتاب؟ ليدلل الله على أن علاقتنا مع أهل الكتاب قائمة على الصراع بين الحق والباطل وأن أهل الكتاب ينتصرون على المسلمين بسبب معصيتهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ) المعصية ومحبة الدنيا سبب الهزيمة ولذا جاء في الحديث : (تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها ، قالوا : أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ قال : لا ، لكنكم غثاء كغثاء السيل) كثير لكن بركتكم قليلة (ينزع الله من قلوب عدوكم مهابتكم ويقذف في قلوبكم الوهن, قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت) كل أحد ... (أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) ترى الدنيا فيها متاع لكن الآخرة لم ينص على متاع وإنما قال (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ) كأن كل ما في الآخرة متاع يُمتع به ، لكن الدنيا فيها متاع وفيها منغصات ، فمتاعاها وإن كان يُمتع صاحبه إلا أنه مشوب بما يُكدره ، تراها قليل يا جماعة، تفكرتم من أيام في هذه الحياة -واليوم قال الإمام الصلاة على الموتى- تأملت في بيتي وأولادي وملابسي واكسسواراتي وسيارتي وأدركت حقارة الدنيا أني لن أخرج منها بشيء ، حتى ثوب لا أستطيع أن أحمل معي ، كفن أبيض يُلف على بدني ، هي حقيرة ، شيء لن تأخذ منه شيء علام يتعلق قلبك به ، أنت ستخرج منها يا ابن آدم لا تستطيع أن تأخذ منها لو منديل دلالة على أنها حقيرة أو عظيمة ؟ حقيرة ، ولذلك قال الله في أول سورة آل عمران (زُيِّنَ لِلنَّاسِ) فطرة  (حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ*قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ) أفضل من البنين والنساء والقناطير المقنطرة ، الأموال الكثيرة من الذهب والفضة وخيل وسيارات وأنعام وحرث وأشياء عظيمة،خير من ذلك لكن ليست لكل أحد (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) -أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المتقين- (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) قال لا تحسب إنها خيل وأنعام وحرث ، (جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ) وفوق ذلك (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ) -أسأل الله أن يرضى عنا ويُرضينا- قال (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ) لكن ليس كل الناس يستحقون هذا الخير العظيم (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ*الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ*الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ) الجنة سلعة الله غالية عليك أن تعمل لها (ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله هي الجنة) ولن يدخل الجنة أحد بعمله إلا أن يرحمه الله . 
إذا من تدبر لم يُنافق قلبه ، من تدبر أحبه الله ، من تدبر نالته البركة ، من تدبر أحيا الله روحه ، من تدبر جعل الله له نورا يمشي به في الناس ، من تدبر وسم الله قلبه من الشبهات والشهوات (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا) القلوب هي الأودية ، والماء هو القرآن فإذا نزل القرآن على القلوب نقاها من الشبهة والشهوة (فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ..) الخ الآية. إذا التدبر هو البركة . (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا) خشوع القلب ، من أراد أن يخشع قلبه عليه أن يقرأ القرآن بقلبه (قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ) لم يقل على سمعك ولا على بصرك وإنما قال على قلبك لأن القرآن ينزل على قلوب المؤمنين لا ينزل لا على ألسنتهم ولا على آذانهم ، أما الذين يسمعونه بآذانهم ولم يدخل قلوبهم ما منع دخول القلب إلا النفاق (أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) ولم يقل أم قلوب مقفلة كأن القفل عالٍ على القلب مستحكم عليه يحتاج مزيد تنقية وكسر حتى يتأمل آيات الله.
فضائل القرآن وتدبر القرآن كثيرة لكن سأعطيك برنامجا موجزا مختصرا قائما على ثلاث محاور : 
أولا : أمور قبلية تُعينك على التدبر 
ثانيا : أمور تُعينك أثناءها 
ثالثا : أمور بعدية   
- أما الأمور القبلية فهي أربعة : 
أولها : النية الصادقة والدعاء أن يفتح الله عليكِ فهما في كتابه ، ومن فتح الله عليه فهما في كتابه كان قلبه مُخضرا ربيعا ، دعا اليوم الإمام في الوتر دعاء الحزن (نسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك ..) إلى أن قال (أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا) كأن القلب صحراء قاحلة حتى ينزل عليها القرآن فتخضر ، ربيع قلب المؤمن القرآن (ربيع قلوبنا ونور صدورنا) فإذا اخضر القلب وأنا الصدر زال الهمّ والحزن (وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا) . إذا أولا الدعاء. وتذكري دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس (اللهم فقهه في الدين) حتى أن مجاهد قال : "عرضت القرآن على ابن عباس أربع مرات فكتبت كل مرة أعرضه يفتح الله عليه فهما غير الفهم الذي أملاني إياه" ( فقهه في الدين وعلّمه التأويل) ، (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) لما جاء إلى سليمان نصّ على مزيد شرف له وهو الفهم ، ولم يأمر الله بالاستزادة من شيء في كتابه إلا العِلم (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) أسأل الله أن يزدنا علما يقربنا منه ، وأشرف العلم وأعظم العلم العِلم بالله وبكتابه ، أشرف علم العلم بالله وبكتابه ، وشرف العِلم بشرف المعلوم ، وإذا كان المعلوم كلام رب العالمين دلّ على أن من حمله رفعه الله في الدنيا والآخرة وجاء في حديث عند أبي داوود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال (إن الله لن يُعذب قلبا وعى القرآن) أسأل الله أن يجعل قلوبنا أوعية لكتابه . إذا الأول النية الصادقة والدعاء الصادق بأن يفتح الله عليك الفهم في كتابه .
- الأمر الثاني : قبل قراءة القرآن الاستعاذة (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) نقرأ هذه الآية في سورة النحل يقول ربنا -سبحانه وتعالى- (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ) ثم قال بعدها (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ*فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) مقومات الحياة الطيبة قبل قراءة القرآن (الإيمان والعمل الصالح) والحياة الطيبة معناها : الحياة الهادئة الساكنة التي يعيش فيها الإنسان بسلام. ليس معناها الحياة بدون مشكلات ، لا ، قد يكون عندك مشكلات لكن يكون لديك من الإيمان والثقة بالله -وسيأتينا في مواصفات الشخصية المسلمة- ما تستطيع من خلالها أن تواجه صعوبات الحياة بقلب واثق مطمئن يعلم أن بقاءه في هذه الحياة قصير ، كم سأبقى أنا وإياك؟ عشرين سنة،خمس سنين،يوم، أقلّ أكثر ، نحن صلينا الآن على موتى ولا ندري متى يكتب الله الموت لنا ، نسأل الله أن يختم لنا ولكم بخير ختام ، لذلك نص الله على الاستعاذة قبل قراءة القرآن لأمرين : حتى تطرد الشياطين من المكان لأن السكينة والملائكة ستحضر قال : (إذا قرأ الإنسان القرآن تنزلت السكينة ) في حديث أُسيد بن حُضير ، وجاء في حديث علي (إذا قرأ المؤمن القرآن قام الملك حتى يضع فمه على فم قارئ القرآن يتلقى منه القرآن) فتُطهر المكان طهارة معنوية .
الأمر الثاني: حتى لا يُفسد الشيطان عليك ما حصل في قلبك . فالاستعاذة ليست استعاذة اللسان ، الاستعاذة استعاذة القلب (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) يسمع دعاءك ويرى حالك .  
- ثالثا: لا تستعجل (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) نصّ على زيادة العِلم ونهى عن العجلة قبلها فكأن الذي يستعجل يُحرم العِلم ، وكلنا يعلم الصحابة أفصح الناس لسانا وأعلمهم بيانا وتنزل القرآن على أظهرهم ومع ذلك -على اختلاف في الروايات- لم يكونوا يتجاوزوا العشر آيات ، وفي رواية خمس آيات ، وفي رواية آيتين حتى يعلموها ويعملوا بما فيها ، التأني (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) ليس شرطا ختمتي خمس ، عشرة ، عشرين ليس صحيحا ، القضية أنك تتأنى وتتأثر ، حين قرأ الإمام سورة آل عمران ما الذي تغير في قلبي ، حين أتبعها بسورة النساء ، سورة العدل وواحدة في بيتها يتامى أو تعرف أن زوجها تولى إرث أبناء أخيه الذي تُوفي وإلا قريب من قراباتها وسمعت (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) وقبلها (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا) آيات عظيمة ، إقامة العدل الذي قامت به السموات والأرض ، والناس يبقون ويزولون ليس بالإسلام والكفر وإنما بالعدل والظلم ولذا جاء عن شيخ الإسلام ابن تيمية : " إن الله ليُبقي الدولة العادلة وإن كانت كافرة ويمحق الدولة المسلمة إن كانت ظالمة" البقاء والزوال ليس بالإسلام والكفر إنما بالظلم والعدل . ولذا جاء في حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : ( لا تقوم الساعة إلا والروم أكثر الناس) الروم الغرب ، يموتون العرب -كثير منهم- سيبقى الروم ، لماذا كثُر الروم ؟ لوجود العدل عندهم ، وهذا قول عبد الله بن عمرو بن العاص قال : "إن فيهم لثلاث خصال : "أحلمهم عند فتنة" وقت المصائب يتفكرون وليس عندهم عجلة ولا طيش ، "وأسرعهم كرة بعد فرة" ينكسرون لكنهم سُرعان ما يستعيدوا قواهم "وثالثة حسنة آمنهم من جور السلطان" ليس عندهم ظلم ، عندهم قوانين عادلة ، لذلك البقاء والزوال ليس بالإسلام والكفر إنما بالعدل والظلم.  
إذا الثالث لا تعجل ، والله في القرآن قال (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ*قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا*نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا*أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا*إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا) قال القرآن ثقيل وليس سهلا ، صحيح قد يقولون (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) إذا كان العبد صادق وإلا فبعض الناس يستثقل قراءته ، وإنه لنعمة أنك تستطيع أن تقرأه ، ونعمة أنك تقرأ التفسير ، ونعمة أنك تتدبره ، لازلت أذكر العام الماضي موقف أذكره لواحدة تبكي تقول أتمنى أن أقرأ القرآن فكل مرة أقرر أن أقرأ القرآن ولا أستطيع فهناك مانع يمنعني من قراءته ، قد يكون مانع الإنسان ذنبا ، وأجدها في نفسي وتجدينها في نفسك فقد نخطط أحيانا ونرسم برنامجا ومع ذلك نُحرم القراءة ونُحرم حضور أمر معين في الخير والسبب قد يكون  بذنوبنا حُرمنا هذا الخير (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ) وأكبر السيئات أن تُحرم القُرب من الله -سبحانه وتعالى- ، إذا (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) مصدر مؤكد للفعل "رتل" .
-الرابع : اجهر بالقرآن ، السماع -يا أخواتي- له دور كبير في التأمل ، لاحظي ترتيب الآية حينما ذكر الله -سبحانه وتعالى- إخراجهم من بطون أمهاتهم (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا) أخرجنا أطفال لا نعلم شيئا  (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ) قدّم السّمع على البصر (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) ففي تقديم السمع على البصر دلالة على أن الإنسان إذا سمِع تأثر ولذا في حديث ابن مسعود لما قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (يا عبد الله اقرأ عليّ القرآن ، قال : أقرأه عليك وعليك أُنزل؟ قال : إني أحبّ أن أسمعه من غيري) لِمَ؟ لأن في السماع زيادة تأثر (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) اقرئي وأسمعي نفسكِ قال (ليس منّا من لم يتغنَ بالقرآن يجهر به) (وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) وتقول أم هانئ : "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ قراءة أسمعه وأنا في بيتي على عريشي " كانت البيوت قريبة فكان إذا قرأ في بيته سمعت أم هانئ قراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنه لم يكن بينهم -مثلنا- حواجز وسُتر طويلة المتعارفة الآن.
إذا هذا الرابع ، هذه كلها آداب.
-الخامس : من أفضل الأوقات لقراءة القرآن ما اختاره الله ، شهر رمضان ، شهر رمضان شهر القرآن ، كل الكتب السماوية نزلت في هذا الشهر ، التوراة والإنجيل وصُحف إبراهيم وصُحف موسى والزبور أنزلها الله في هذه الأيام (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ) (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) فدلّ على أن الهداية تتحقق كثيرا في هذا الشهر ، وألحظ وتلحظين في نفوسكم أن الإقبال على القرآن وقراءته في رمضان يختلف عن غيره لأن الوقت له شرف ، اختاره الله لابتداء النزول واختاره الله لمراجعته ، (كان جبريل يُدارس) ما كان يقرأ ، المدارسة معنى زائد على القراءة ، يُدارس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرآن كل ليلة من ليالي رمضان إلا في السنة التي توفي فيها دارسه القرآن مرتين ، ومنه أخذ أهل العلم أن العبد الصالح إذا أراد الله أن يقبضه وفقه لمزيد عمل صالح ، تجدين الرجل صاحب الخير وصاحب الصلاة وتقوى وصاحب صدقة قبل وفاته يتصدق بصدقة ظاهرة ، صاحبة صلاة تزيد في صلاتها ، يقول الواحد منا ما الذي زاد عنده؟ زاد عنده توفيق الله له (إذا أراد الله بعبد خيرا عسّله ، قالوا : يارسول الله وما عسّله ؟ قال : وفّقه لعمل صالح يرضى به عنه ويُقبض عليه) أسال الله أن يوفقنا لعمل صالح يرضى به عنّا . إذا الخامس شهر رمضان شهر القرآن وبالذات الليل (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا) مواطئ القلب فيها اللسان (وَأَقْوَمُ قِيلا) تُعينك على طول القيام . هذه قبلية أو أثناء القراءة التدبرية .
- قبل التدبر أمرين مهمين : 
أولا: معرفة تفسير القرآن (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) هل من طالب علم فيُعان عليه ، أسألك بصراحة ، واحدة تشتكي أنها لا تخشع في قراءة القرآن فسألتها سؤالا واسألك إياه وأسأله لنفسي : هل إذا مرّ عليكِ معنى آية لم تفهميها تبحثين عن تفسيرها أم تقرئينها وانتهت القضية ؟ إذا كنتِ تمرين عليها دون معرفة تفسيرها لن تتأثري بها لأن شرط التأثر أن تفهم المعنى ، مهم جدا ، أنا لا أقول لكِ اقرئي بحثا علميا ، مختصر تفسير بن كثير ، المصباح المنير ، تفسير السعدي ، تأملات قرآنية للشيخ المغامسي كل هذه تُثمر في قلبك التحرك ، يتحرك قلبك ، يتأثر ، لذا مهم جدا من أراد أن يتدبر القرآن أن يقرأ التفسير لأن التفسير وسيلة للحصول على التدبر ، فمثلا : إذا أرادت إحداهن أن تتوظف في الجامعة فلابد لها من الحصول على الشهادة أولا للحصول على وظيفة ، وكذلك من أراد أن يتدبر القرآن لابد أن يقرأ تفسيره ، إذا هذا معنى قبلي . وقلت لكِ القراءة والسماع ، الشيخ صالح المغامسي له تأملات عظيمة جدا في آيات القرآن وكذلك الشيخ محمد بن عثيمين في تفسيره للقرآن ، اختاري أحد هذين التفسيرين واقرئي فيهما .
الأمر الثاني : ابتعدي عن الذنوب ، أكبر مانع من موانع التدبر الذنوب ولذلك الله في القرآن ذكر آية جامعة ، مانعة لمن أراد أن يتدبر (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى) القرآن ذكرى للقلب لكن ما هي الشروط ؟ (لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ) على استعداد ، المحل القابل مستعد (لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ) شرط  (أَلْقَى السَّمْعَ) الاصغاء (وَهُوَ شَهِيدٌ) وهو غير منشغل ، ولذا قسم ابن القيم القلوب أثناء قراءتها للقرآن إلى ثلاثة أقسام :
- قلب مريض لا حياة فيه . تقرأ عليه القرآن أو لا تقرأه ، واحد .
كنت ألقي كلمة في مجلس فقالت واحدة أريد أن أقول موقف أثر فيني : فتحدثت عن نفسها قالت : كانت أم زوجي امرأة تقية وصالحة تنصحني دائما لكن قلبي فيه قسوة ، اسمع الكلام فأتأثر تأثر آني ثم يذهب الأثر . أصيبت هذه الفتاة بمرض الروماتيد وهو التهاب في المفاصل أشد من الروماتيزم ، تقول : كأن قلبي استيقظ -لكن الغفلة داء فتاك عضال- تقول: وتوفيت أختي ليلة العيد - كانت قادمة من الرياض إلى قرية يجتمعون فيها توفيت الأخت وابنتها- فتغير القلب ، تقول : الكلام هو الكلام ، والموعظة هي الموعظة لكن الذي تغير القلب ، تقول : كانت أم زوجي تقول لي كلاما قبل الحادثة لم أكن أتأثر به لكن لما أصبحت تذكره لي أصبح قلبي يخشع وأقرأ الحديث مرة ومرتين ، وأقرأ الآية مرة ومرتين وأبكي وأقول يا الله معقولة كان على قلبي غطاء ، قلت نعم ولذلك الله قال في القرآن  ( فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) البصر معناه : البصيرة ، الله يوقظ قلوبنا من ... الغافلين ، يا جماعة (أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ*لِيَوْمٍ عَظِيمٍ*يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) القلب الميت ، المريض لن يستفيد من الآيات (فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ*وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ) زادتهم مرض إلى مرضهم ، والله أناس يقرؤن القرآن لا لأجل تأمله وتدبره ولكن لضرب بعضه ببعض (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ) نعوذ بالله من ابتغاء الفتنة إذا تدبرت الآية قال هناك من يقرأ القرآن حتى يضرب بعضه ببعض فيفتن الناس فيه . ظهر الآن من القراءة الجديدة -التأويلية للنصوص القرآنية- ، القراءة التعددية ، فيقول : القرآن نزل ، الصحابة رجال ونحن رجال وكل له حقه و.... من القرآن وكل يُفسر القرآن على كيفه. فأصبحنا .... ولا حول ولا قوة إلا بالله . كان شيخ الإسلام ابن تيمية إذا أراد أن يُفسر آية قرأ في قرابة مئتي قول من أهل العلم في الآية ثم تضرع إلى الله أن يفتح عليه فهما في كتابه لأن الكلام في القرآن عسير ، كلام الله (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) ومن قال بالقرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ ، (ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار) كلام الله ليس كلأ مُستباح لكل أحد ، كلام الله له عظمة وإجلال في قلوب عباد الله المؤمنين . إذا القلب الأول القلب المريض .
-القلب الثاني : القلب الحيّ -صالح تقي- لكنه مشغول .
قاعدة تقرأ القرآن وهي تفكر في فطورها -قبل أذان المغرب- ، تقرأ القرآن وهي تفكر في ثياب العيد من أين ستنتقيها ، تقرأ القرآن وهي تفكر في العزيمة ، لا تتأثر ، قال (لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ) هذا ليس مريضا (أَو أَلْقَى السَّمْعَ) إصغاء وهو شهيد -حاضر- . القلب الحي الحاضر المستعد الذي لا يُعطي القرآن فضلة وقته ، لا ، القرىن عندنا عزيز ، كلام الله ما يُعطى فضلة الوقت ، كلام الله في أولى أولوياتي (الم*ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) (قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ) أولى أولوياتي لا أقول بعد ما أخلص ... نصف ساعة سأقرأ ، تعبانة ومرهقة وذهني غير حاضر فلا أتأثر ، لا تجعل للقرآن فضلة وقتك ، كلام الله عزيز اجعل له نصيبا وحظا أوفر من وقتك ، ولذلك قال (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ) قم من نومك لقراءة القرآن ، إذا دلالة على عظمته أنك تستيقظ من أجل قراءته ، تستيقظ وتترك لذة الفراش ولذة النوم من أجل التأمل في آيات الله .
إذا مانع من موانع التدبر أمراض القلب من شُبهة وشهوة ومن خصومات وحتى في رمضان ، قد أقبل علينا رمضان ،في حديث عند الإمام أحمد خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لُيخبر الناس عن ليلة القدر يريد أن يقول لهم أن ليلة القدر ليلة كذا وكذا فتخاصم رجلان عنده قال : إني قد خرجت لأخبركم عن ليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فأنسيتها) بسبب خصومة رجلين عُوقبت الأمة كلها فلم تعرف ميعاد ليلة القدر ، وإذا كان عندك خصومة تريدين أن تنتصري لنفسك ستجدين أثره على قراءة القرآن لأن انشغال القلب بالرغبة في الانتقام يؤثر على تدبر القرآن ، لذلك (لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ) قلب سالم من الشبهة والشهوة ، لا غِلّ فيه ولا حدد ولا حسد على أحد .
هذه أهم الأشياء التي هي : الترتيل وعدم العجلة ، والجهر والاستعاذة ، وقراءة في قيام الليل وقراءة التفسير وسؤال الله أن يفتح عليك في كتابه والابتعاد عن أمراض القلوب لأنها مانع من موانع التدبر .
يقول ابن قدامة : " مثل قارئ القرآن كمثل الواقف أمام المرآة  فإذا كانت المرآة نظيفة كانت الصورة واضحة" المرآة القلب والواقف أمامها القرآن فإذا كان قلبك نظيف كانت الآيات واضحة جلية لكن إذا كانت المرآة متسخة كانت المرآة غير سليمة وغير واضحة ، لذلك طهّر قلبك تتدبر كلام الله "ولو طهُرت قلوبنا ما شبعت من كلام ربنا" قاله عثمان -رضي الله عنه-.
/ أثر تدبر القرآن في صياغة الشخصية المسلمة : 
اخترت لك مجموعة مواصفات جاءت في كتاب الله -سبحانه وتعالى- . 
مكونات الشخصية هي : تفكير ومشاعر -انفعالات- وسلوكيات .
والشخصية معناها : ردت الفعل والاستجابة للمواقف المحيطة .
/ مواصفات الشخصية المسلمة :
أولا : من مواصفات ومعايير الشخصية صبغة الله (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ*قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) إذا الصبغة قال أكبر صفة من صفات المسلم أنه مثل الثوب الأبيض الذي وُضع في لون أحمر ، أخضر ، أصفر ، فاصطبغ ، المسلم مُصطبغ بصبغة الله له في كل شؤون حياته ، إذا تكلم تكلم بصبغة الله ، وإذا تعامل تعامل بصبغة الله ، وإذا فكر فكر مصطبغا بصبغة الله ، فحياته كلها مصطبغة بصبغة الله . حقيقة لو انكشف لنا الناس في العالم سنجد المؤمنون يؤدون نفس الأعمال وإن اختلفت أشخاصهم وإن اختلفت أماكنهم إما يصلون أو يقرؤون قرآن أو يصلون أرحامهم أو يغضون أبصارهم ، الأعمال هي الأعمال نفسها بخلاف أهل الفسق (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) طريق الله واحد ومعلمه واحد بارز لكن سبل الشيطان متفرقة ، مختلفة . إذا أول صفة من مواصفات الشخصية المسلمة أنها مصطبغة بصبغة الله لها .
الثانية : جمع مقومات الشخصية المسلمة سورة العصر حتى أن االشافعي قال : "لو لم يُنزل الله على الناس إلا سورة العصر لكفتهم" وفي حديث أنس كان الصحابة إذا تلاقوا بينهم قرؤا والعصر فلم يتفرقوا حتى يقرؤها ، أقسم الله بالزمن ، الزمن عند المؤمن مهم جدا ، من صفات شخصية المؤمن أن الزمن عنده عزيز لا يمكن أن يُضيع دقيقة في غير أمر نافع ولذا جاء في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (لا يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة)  لم يقل عصوا الله فيها قال (لم يذكروا الله فيها) حتى الساعة عندهم ليس في المعصية فقط حتى أنه لم يذكر الله فيها يتحسر عليها ، الزمن عند المؤمن عزيز لأنك ستُسأل عنه (اعتنم خمسا قبل خمس.. وحياتك قبل موتك) فرصة رأس مالي الحياة ، ترانا نحرث ، من قال لك إن الحياة الناس فيها قاعدون لا يحرثون ، كلنا يعمل ، غلطانة إن حسبتي أن هناك أحد لا يعمل ، كلنا يعمل (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) اللهم وفقنا لحرث الآخرة ، ... الأنفس صلاة وصلة وبر وتقوى (وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) تريدين حرث الدنيا فلوس وعقارات ومناصب ، وقيل وقال ، وسوالف وضحك وبس ؟! ... لكن ما لك من الآخرة من نصيب ، خسران ؟! لأن الحياة أيام معدودة وفترة ضئيلة ثم ستذهب وتتركها فعلام تتعلق بما تترك . إذا المواصفة الثانية من مواصفات الشخصية : أنها حريصة على وقتها ومن حرصها على وقتها أنها ليس فقط تخاف من المعصية ، حتى اللغو تُعرض عنه قال (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) قبل أذان المغرب وقاعدة تشوف المسلسلات ، يا أختي اتقي الله وقت العتق من النيران ، وفيه أخذ أهل العلم في الحديث في البخاري قال (إذا كان أول ليلة من ليالي رمضان فُتحت أبواب الجنة ولم يُغلق منها باب ، وغُلقت أبواب النار فلم يُفتح منها باب وسُلسلت الشياطين) قيل : أن الذي يُسلسل المردة ، وقيل : فيه رفع ... المُكلف ، كأن الشياطين سُلسلت بقي نفسك الأمّارة بالسؤ فإذا عصيت دلّ على أن أصل نفسك خبيثة ، تعرفون كم مرة ذكر الله النفس في القرآن ؟ 295 مرة ذكر الله النفس في القرآن باختلاف سياق الآيات .... (قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم) .... قاتل العدو ..... ، واحدة كانت تحدث في المسجد عن فلانة أنها تمكر بها وفلانة وفلانة ... قلت : يا أختي (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) فعليكِ بإصلاح نفسك ، أصلح نفسك يكفيك الله شر عدوك ، أنت فقط أصلح نفسك يا ابن آدم (تصبروا وتتقوا) بالصبر والتقوى تواجه الأعداء ، وفي الآية الأخرى يقول (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ) تقول فلانة بتسحرني ، فلانة بتفعل بي ... ترى ما أحد يكيد بك ، الذي يكيد يكيد بنفسه والذي يمكر يمكر بنفسه (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ) إذا ... قال (لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) زور ، باطل (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) أيتعبدك الله بترك الماء والطعام ولا يتعبدك بترك الحرام ؟! (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ*مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) كرّمت نفسي إني أجلس في مجلس لغو ، كرمت نفسي لأن وقتي عندي عزيز (لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) كرموا أنفسهم أن يراهم الله في مكان نهاهم عنه (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًاوَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وفي الآية الأخرى قال (إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) أجلس أنظر وأضحك وأنبسط ولا أدري أنه يُوبق عملي ويحبط من حيث لا أشعر ، ترى الله يعفو عن الكثير ويأخذ باليسير ، دخلت امرأة النار في هرة حبستها ، ودخلت امرأة الجنة في كلب أسقته ، فلا تغتروا ، هناك فرق بين حسن الظن والغرور ، أن حسن الظن : أنك على الطاعة تُحسن الظن بربك، الغرور :  أنك عاصي ربك وتقول الله غفور رحيم ، فهذا غرور (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) الشيطان . إذا المواصفات الثانية لأثر التدبر أن وقت المؤمن عنده عزيز .
- الثالثة : (وَالْعَصْرِ) أقسم الله بالزمن كلنا أهل خسارة ، خسارة حياتك إذا لم تستثمرها (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا) الإيمان (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) مقومات الحياة الطيبة ، أسأل الله أن يُحيينا وإياكم حياة طيبة ، يقول بعض السلف : "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة" .
أول يوم من رمضان كلمتني واحدة من زميلاتنا كانت متأثرة بالفكر الليبرالي وكتب الله لها الهداية تقول لي : يا الله يا نوال -والله أثرت فيني كلمتها- وهي ربي مُنعم عليه غنية وثرية ، قالت : شوفي جربت كل نِعم الدنيا لكن أكبر نعمة القرب من الله والأُنس بكلامه ، تقول : كأني في الأول ينطبق عليّ قول الله (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) في شك (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) في شك وريب وأتخبط في الأقوال ، تقول : لما فتح الله على قلبي عرفت إن أكبر نعمة نعمة الهداية ولذلك قال أهل العلم : كلما ازداد علم الإنسان خشي على نفسه من أمرين : من الضلال (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) من ذاق طعم الإيمان خشي أن يفوته ، من ذاق حلاوة مناجاة الله خشي أن تتحول عنه بذنبه قال ربنا (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) يخشون الضلال (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) وإذا ثبت الله قلب العبد وهبه الرحمة ، ترى الإيمان رحمة (وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) وتذكروا اليوم الآخر (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) المؤمن كلما زاد علمه خشي من الضلال وخشي ألاّ يقبل الله عمله (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) جاء في حديث عائشة (الرجل يسرق ويزني؟ قال : لا يا ابنة الصديق ، يصلي ويصوم ويتصدق ويخشى ألاّ يقبل الله منه) إذا المواصفة الثالثة : الإيمان وعمل الصالحات من مواصفات الشخصية ، ومن كان مؤمنا عاملا للصالحات رزقه الله الحياة الطيبة. الحياة الهادئة ، الساكنة ، الحياة التي يعيش فيها الإنسان السلام من داخله ، ويعيش فيها السلام فيمن حوله ، ومن رزقه الله الحياة الطيبة وفقه الله للقول الطيّب (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) ووفقه الله إلى العمل الصالح (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) فإذا كان طيبا في الدنيا كان طيبا عند وفاته ، نسأل الله أن يقبضنا وإياكم طيبين قال (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) ولا يزال طيبا حتى يسمع الكلام الطيّب في الجنّة (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ*سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ) وفي الآية الأخرى (طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) الكلام الطيّب ، طيب في حياته ، طيب عند مماته ، طيب يسمع القول الطيب في الجنة . إذا الإيمان الذي يُثمر العمل الصالح ، الإيمان الذي ذكر الله صفات أصحابه في سورة الأنفال (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ*الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ*أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) لهم مواصفات الإيمان وعمل الصالحات .
عمل الصالحات تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأول : العمل الصالح لله صلاة ، وصدقة ، وصيام ، وبِر.
الثاني : فيما بينك وبين الناس (ليس بمؤمن من قطع رحمه) (لا يدخل الجنة قاطع رحم) وفي سورة محمد (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) نصّ على قطيعة الرحم بعد الفساد في الأرض فكأن من قطع رحمه أفسد في الأرض (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) قال من أسباب عمى البصيرة قطيعة الرحم.
الذي يعمل الصالحات لا يقطع رحمه ، والذي يعمل الصالحات يجزل للمؤمنين ، وجاء في الحديث الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال (إن أهل البيت ليكونون فجارا فتنموا أموالهم وتكثر أعدادهم إذا وصلوا أرحامهم) بصلة الرحم . إذا مقومات الحياة الطيبة ومن صفات المؤمن ، مواصفات الشخصية : آمنوا وعملوا الصالحات .
الصفة التي بعدها ، هذه الصفة المُكمّل للذات (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) الإيجابية ، النصيحة ، مكافحة الفساد ، النزاهة ، تواصوا بالحق ، قول الحق والعمل به ، (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) الثبات على المنهج وعدم الزيغ عنه ، وهذه صفة عزيزة ، والإمام قرأ اليوم في سورة آل عمران أنصحك وأنصح نفسي -يا أختي الكريمة- لا تُقرب إليك فاجرا ، في صحيح البخاري عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديث عظيم ، أنه قال (ما بعث الله نبيا إلا جعل له بطانتان) نبي كلفه الله بأداء الرسالة ، قال (ما بعث الله نبيا إلا جعل له بطانتان بطانة تأمره بالخير وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه والسعيد من وقاه الله) هو نبي فما بالك أنا وأنتِ ، إذا أنا وانتِ عندنا بطانة خير وبطانة شر ، عندي أصدقاء خير وأصدقاء شر ، عندي أقارب خير وأقارب شر ، عندي خدم خير وخدم شر ، جيران خير وجيران شر ، ما هي مواصفاتهم؟ يأمر بالخير ، يحض عليه هذه بطانة الخير ، يأمر بالشر ويُعين عليه هذه بطانة الشر ، إذا كيف أتصرف ؟ (لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ) البطانة : ما يلي الجسد من الثياب ، إلى وقتنا هذا ما زلنا نسميها بطانة ، قال لا تُقرب بطانة من دونكم (لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً) (لاَ يَأْلُونَكُمْ) لا يُقصرون في إفساد أمركم ، (وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ) يتمنون الشقاء لكم (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ) في ثنايا كلامه تلمس أنه يريد إفساد حياتك حيث يأمرك بالشر ، إذا ما الذي أفعله ؟ اقطع كل من يريد إفساد علاقاتك بربك ، أنت في طريق من أراد أن يعرقل علاقتك مع الله اقطعه (أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا) (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) اتخذ من يُعينك على طاعة الله حتى تنجو ، من يخوفك بالله حتى تأمن لا من يُأمنك حتى تخاف .
من مواصفات الشخصية المسلمة : أنها شخصية مستقرة سعيدة ، سورة مدار وحدتها الموضوعية عن السعادة سورة طه (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) لم يرد ذكر السعادة في القرآن إلا مرتين في سورة هود (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) إلى أن قال (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا) كأن السعادة لن تنالها في الدنيا ، السعادة الحقيقة ليست إلا في الجنة .

/ معالم السعادة جمعتها سورة (طه) في أربعة أمور :

أولا : القرآن (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) وفي الآية الأخرى يقول الله -سبحانه وتعالى- (كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا*مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا) قال (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) إذا القرآن ، السعادة كل السعادة في القرآن ، ما قُرئ في مصيبة إلا فرجها ، ولا في ضيق إلا وسعه ، ولا في كربة إلا تلاشت. واذكر كنا في مؤتمر تدبر كان من أجمل الأبحاث التي قُدمت بحث للد.فوزية الخليفي اسمه (كيفية مواجهة الصدمات في ضوء قصة مريم -عليها الصلاة والسلام- ) إذا أولا القرآن.
ثانيا : الذكر ، العبادة والذكر سبب السعادة لذلك قال الله (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي) (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا*وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا*إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا) إذا السعادة في ذكر الله .
ثالثا : عدم التطلع لدنيا الآخرين ، فمن يتطلع لدنيا الآخرين يشقى ولذلك قال الله في سورة طه (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) لا تتطلع لدنيا الآخرين ، اشتغل بدنياك عن دنيا الآخرين واحمد الله على ما آتاك ، ترى عندك خير عظيم ، مُعافى في بدنك ، آمنا في سربك ، عندك قوت يومك أصبحت ملك في هذه الحياة . جاء رجل إلى ابن عباس قال : يا ابن عباس ادع لي فإني مُبتلى ، قال : أتشكو من مرض ؟ قال : لا ، قال : عندك بيت ؟ قال : نعم ، قال : عندك زوجة؟ قال : نعم ، قال : وعندي خادم ، قال : إذا أنت ملك علاما تشتكي ؟! . حقيقة لا تتطلع إلى دنيا الآخرين فتشقى.
رابعا : الموازنة بين الفاني والباقي ، وازن بين الدنيا والآخرة ، لذلك قال الله في القرآن (وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) وقال (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) أعظم رزق أن تكون قريبا من الله ، قال بعض السلف : إنّا في جنة لو يعلم عليها الملوك وأبناء الملوك لنازعونا عليها بالسيوف . "في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة" . هذا الرابع .
الخامس من أسباب السعادة : تأمل مواعظ قصة آدم وإبليس الذي قال الله في بدايتها (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى*إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى*وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى) القضية أن من أسباب السعادة التأمل في قصة آدم مع إبليس لأن الحزن كله من الشيطان (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ) إذا الحزن من الشيطان فمباشرة استعذ بالله من الشيطان الرجيم.
من أسباب السعادة : أن تُشغل نفسك بأمر نافع .
 الشخصية في ضوء القرآن الكريم شخصية سعيدة ، تسعد بالقرآن (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) ، تسعد بالعبادة قال الله تعالى (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) ، تسعد لأنها لا تتطلع إلى دنيا الآخرين ، تسعد لأنها تقارن بين الباقي والفاني.
قبل أن أختم أوصيكم بوصيتين : لا تنسون ما أوصيتكم به أن تبدؤا بقراءة التفسير. قراءة التفسير وسماع التفسير للشيخ صالح المغامسي أو الشيخ بن عثيمين ، مهم جدا تراه يؤثر في حياتك . كل يوم اقرئي تفسير آية.
الأمر الثاني : فيه برنامج الآن اشتراك في رمضان مجاني وهو اشتراك في الرسائل الصوتية كل يوم نرفع شعار آية مدتها دقيقتين إلى ثلاث دقائق نفسر آية سجلتها بصوتي ، تأملات فتح الله عليّ فيها في كتابه ترسلين رقم 7 إلى 88642 اس تي سي ، وإلى 606914 موبايلي .  
                                                          

هناك 3 تعليقات: