الثلاثاء، 27 أغسطس 2013

الوقفــ الثالثة ــة من جـ 18 / مع قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ)



الوقفة الثالثة من الجزء الثامن عشر: عند قول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) وخبر حادثة الإفك شهير لكن اللقاءات هذه موسومة بأنها مع القرآن فنقف على بعض دلالات الآيات في هذا الخبر لأنه طويل لا يحتمله الوقت.
 الله -جل وعلا- لمَّا أهلك قوم لوط جعل سافل الأرض أعلاها وجعل عاليها سافلها ثم لمَّا تكلم عنهم في آية أُخرى قال (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى) :
من المؤتفكة ؟! قوم لوط
لم سُمو مؤتفكة؟! لأن الله قلب حالهم واضح هذا.
 إذا اتضح هذا خذ هذا اللفظ ، انزع هذا المعنى وتعالى إلى قول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ) مالإفك؟! هو قول إن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قد قاربت صفوان بن المُعطل -رضي الله عنه- هذه الصِّديقة هي زوجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي عنوان الطُهر والعِفة فسمَّى الله الخبر إفكاً لأن هؤلاء المنافقين قلبوا الحقائق ، سمَّى الله هذه الحادثة وهذا القول إفكاً لأن هؤلاء المنافقين قلبوا الحقائق فجاؤا للمرأة الطاهرة العفيفة التقية من اختارها الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- جعلوها موطِن كذا وكذا مما لا يجرؤ مؤمن أن يتلفظ به ضرب أمثِلة فضلاً على أن يتهم به أم المؤمنين فلهذا لم يقل الله إن الذين جائوا بالكذب قال (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ) فبقولهم هذا قلبوا الموازين ، قلبوا الأحوال فوسموا غاية الطُهر بغاية الفُجور ولا يقول بهذا مؤمنٌ ولا عاقل (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم) هذه وقفة .
 الوقفة الثانية : ممن خاض -بقَدر الله- في حديث الإفك مِسطح وهو فقيرٌ مهاجرٌ بدري -رضي الله عنه- لكنه لأمرٍ أراده الله أسهم في نقل الكلام يعني قد لا يكون اعتقده في قلبه لكنه واحد ممن نقل هذا الأمر ، وكان عبد الله بن أُبيّ يُحيك الأمر ويتنصل منه والمؤمنون بعضهم -الضُعفاء منهم- يتلقونه دون أن يُمروه على عقولهم وقلوبهم فما أسرع ما يتلقونه وما أسرع ما يقذفونه ومنهم مسطحٌ هذا وكان فقيراً ، والصديق -رضي الله عنه- التي أُتهمت ابنته عائشة فالأمر عظيمٌ عليه لكن لأدبه النبي -صلى الله عليه وسلم- سكت لأن الله سكت فلمَّا سكت رسول الله سكت أبو بكر ، فلمَّا أنزل الله براءتها تكلم رسول الله فلمَّا تكلم رسول الله تكلم أبو بكر ، الآن استبان الأمر ونزل القرآن فيصلا ، كان أبو بكرٍ يُنفق على مِسطح ويُعطيه فأقسم ألّا يُنفق عليه بعد ما كان منه ، ماذا قال الله ؟! قال (وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) والمهاجرين قال بعدها (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ).
قال العُلماء -بعضهم- هذه أرجى آية في كلام الله لأن الذي جاء به مِسطح يحُط النجم من مكانه ، ما قاله مِسطح ونقله وأسهم فيه يحُط النجم من مكانه ومع ذلك حفظ الله لمِسطحٍ هجرته وأبقاه على أن اسمه مهاجر قال -جل وعلا- (أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ     وَالْمُهَاجِرِينَ) فأبقى على هِجرته ولم يُحبط عمله مع أنه نقل ذلك القول الشنيع.
وهذا يعرف به المؤمن أن الحسنات لا يُمكن أن تضيع عند الله ولهذا قال العُلماء إن هذه الآية هي أعظم وأرجى آية في كلام الله لأنه لو قُدر أن أحداً قد صنع صنيعاً وأخلص فيه ثم مضت عليه أدهُر مضت عليه أيام أن يأتي عملٌ يُنقض ذلك العمل والشرك لكان الكلام في أُم المؤمنين ، لكن مع كلامه في أُم المؤمنين حفظ الله -جل وعلا- لهُ هِجرته وأبقاه وهذا يجعلُك تتريث كثيراً في الحُكم على الناس فقد يكون له حسنة رفعه الله -جل وعلا- بها منازل دون أن تعلمها أنت ولا تجد -والله- شيء ينفعك في حياتك أكثر من السلامة من أعراض الناس :
إن السلامة من سلمى وجارتها ** أن لا تمُر على سلمى وواديها
 فكُن كما شئت إن الله ذو كرمٍ ** وما عليك إذا أذنبت من بأسِ
 إلا إثنتين فلا تقربهما أبداً ** الشرك بالله والإضرار بالناس
 هذا الوقف في خبر حادِثة الإفك قال الله -جل وعلا- فيها (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ) المُبرأ هُنا عائشة وصفوان ، صفوان بن المُعطل -رضي الله عنه وأرضاه- نفعته كلمة قالها أول الحدث لأن عائشة -رضي الله عنها- لمَّا ذهبت تبحث عن عِقدها وعادت ولم تجد أحداً أناخت تحت ظل شجرة غلبها النوم جاء صفوان فرأها فعرفها ومعه راحلته ، دائماً الإقبال الأول هو الذي يُبنى عليه ما بعدها ، لمَّا رأها ما زاد على أن قال "إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون" عرف أنه سيُبتلى بها فلجأ إلى ربه ، عرف أنها مُصيبة وأن الناس لن يتركوه لكنه من أول ما رأها تقول أم المؤمنين فسمعته واقفاً على رأسي يقول إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون ، ليس كمن يأتي للمعصية ويُقبل عليها ثم يندم أو يقول أروح أتصل بفلان أسأله أكمل ما أكمل أروح ما أروح أذهب أغدوا هنا أنت دخلت في الباب ، لكنه منذ أن واجهها قال "إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون" لجأ إلى عظيم وأناخ الراحلة ، تقول والله ما كلَّمني كلمة حتى أدخلني المدينة وهو آخِذٌ بالراحلة يقودها ولم يتكلم ، عصمه الله لمَّا لجأ إلى الله قال "إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون" موضوع الشاهد: قال الله (أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ) فبرأ الله عائشة كما ترى بالقرآن.
 الآن هذا البرنامج اسمه مع القرآن ، تأمل القرآن:
أُتهم يُوسف فبرأه الله بقول شاهدٍ من أهل البيت أهل بيت العزيز.
واتُهمت مريم فبرأها الله بأن أنطق ابنها.
واتُهم موسى فبرأه الله بالحجر لمَّا يجري وموسى يتبعه حتى علم بنو إسرائيل أن موسى ليس فيه شيء في جسده.
وأُتهمت أم المؤمنين فبرأها الله بقرآنٍ نزل من فوق سبع سموات ليُبين الله عظيم شرف بيت نبيه -صلى الله عليه وسلم-(أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) 
والعجب أنها -رضي الله عنها وأرضاها- امرأة ، وأيُ امرأة لمَّا جاءت البراءة كانت هي في ناحية البيت تبكي فنزل القرآن عليه -صلى الله عليه وسلم- وكان الوحي ثقيلاً حتى إنه ليتقطر منه العرق وهو في يومٍ شائت ثم قرأ ، أخبرها أن الله برأها فقالت أُمها -أُم رومان- قومي إلى رسول الله فاشكُريه ، قالت : والله لا أقوم إليه أبداً ولكني أحمد الله.
 ولمَّا غلبت إحدى أُمهات المؤمنين بسُلطانها وبيانها تعجب -صلى الله عليه وسلم- ونظر كيف انتقمت لنفسها فقال إنها ابنة أبي بكر ، يعني ليس شيئا غريباً منها ، انها ابنة أبي بكر لأن أبا بكر -رضي الله عنه- لا أحد في الأمة غير النبي يعدِله -رضي الله عنه وأرضاه -والحمد لله رب العالمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق